أقــلام وآراء إسرائيلي (283) الثلاثاء- 5/03/2013 م
في هــــــذا الملف
ظاهرة المجتمع العنصري في اسرائيل
بقلم: شيري مكوبر ـ بليكوف ،عن معاريف
اردوغان يتورط مرة اخرى
بقلم: إيال زيسر ،عن هآرتس
هل اسرائيل على شفا انتفاضة ثالثة؟
بقلم: شلومو بروم ،عن نظرة عليا
تركيا.. كله شخصي
بقلم: سمدار بيري ،عن معاريف
كراهية الشرقيين والعرب
بقلم: اسحق ليئور ،عن هآرتس
فليسقط المشروع التجريبي
بقلم: أسرة التحرير ،عن هأرتس
ظاهرة المجتمع العنصري في اسرائيل
بقلم: شيري مكوبر ـ بليكوف ،عن معاريف
امرأة عربية حامل تعرضت للاعتداء الاسبوع الماضي في محطة القطار الخفيف في القدس، ثلاث شابات يهوديات توقفن الى جانبها، بصقن عليها وضربنها باللكمات وبالركلات. بل ان احدى الشابات نجحت في أن تنزع عن رأس المرأة حجابها. وقد حصل هذا الحدث في ذروة عيد البوريم المساخر بعد أن احتست الشابات بعض النبيذ وتسلين مع العربية. فواجب التسلية في المساخر.
ما الذي يخيف في هذه القصة؟ الخفة التي لا تطاق لارتكاب الخطيئة. في البداية ادعي بان العربية اعتدت على البنات؛ ولشدة الحظ، وثقت كاميرا الحراسة الحدث. والصور لا تكذب: رواية العربية تبينت بانها هي الصحيحة والشرطة بدأت بالتحقيق، ولكن حتى الان لم يعثر الا على مشبوهة واحدة.
ما المخيف في هذه القصة؟ انه في دولة اليهود تقع احداث كهذه بكثافة مقلقة: فقبل شهر فقط تعرض عربي للضرب بوحشية بسبب انتمائه القومي؛ وقبل ثلاثة اشهر ضرب حتى الموت تقريبا فتى عربي في ذات الملابسات. وفي المساخر تبين أنهم يضربون النساء أيضا. هذه هي مشكلتنا: العنف، العنصرية، الخطر على الاخرين وعلينا.
ما المخيف في هذه القصة؟ ان فتيات متدينات نزعن عن امرأة متدينة غطاء رأسها. هذه هي الاهانة الاكبر للمرأة، والفعلة المثيرة للاشمئزاز. ففي المجتمعات الملتزمة دينيا يحصل أنه عندما تخون المرأة زوجها يكمن لها أهـــله في الشارع فينزعون عنها غطاء رأسها ويتركونها مكللة بالعار. فنزع غطاء الرأس عن المـــرأة المـــتدينة مثـــله كمثل تعريتها في الشارع.
ما المخيف في هذه القصة؟ حسب شهود عيان، ضابط أمن شهد الحدث بابتسامة واسعة ولم يكلف نفسه عناء التصرف. حسب شهود عيان، العديد من السكان وقفوا جانبا في محطة القطار، سمعوا صرخات المعتدى عليها ولم يهرعوا لنجدتها. رجل كبير في السن وضع روحه على راحته وحاول مساعدتها. ولن اتفاجأ اذا كان حاخاما، اصوليا أو دينيا يمينيا متطرفا. فالرحمة والرأفة لا تنقسم حسب الاحزاب.
ما المخيف في هذه القصة؟ ان السياسيين يصمتون. رجال الروح يصمتون. الصحافيون يصمتون. الحاخامون يصمتون. جيل ثان للكارثة يصمتون. صمت الخراف هو الاشد مضاضة في الفترة التي يضرب فيها اليهود العرب لانهم عرب. لم ينهض أي مسؤول ليصرخ: 'كفوا! حاسبوا! هذا بربري، هذا عالم ثالث'. هكذا كان في الكارثة، وقد سبق ان قال من قال انه كونهم فعلوا لنا الشر لا يضمن أن نفعل نحن الخير.
ما المخيف مع نقطة الضوء في هذه القصة؟ شرطي واحد كتب على الفيسبوك: 'خسارة أن الزانية العربية لم تمت'. فسارع المفتش العام الى تنحيته. كثرة الاعتداء على العرب على خلفية قومية هي ظاهرة المجتمع العنصري، غير المتسامح والغبي. هذا لا ينتهي هناك؛ من هو قادر على أن يضرب امرأة لا حيلة لها فقط لانها عربية، سيضرب مع الايام ايضا المقعدين، السودانيين واليساريين او امرأته
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اردوغان يتورط مرة اخرى
بقلم: إيال زيسر ،عن هآرتس
عاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعد فترة قصيرة بلغت بضعة اسابيع، واحتل العناوين الصحافية في اسرائيل، وكان ذلك هذه المرة على أثر تصريح كاذب مُغضب يقول ان الصهيونية، كمعاداة السامية والفاشية، هي بمثابة تعبير عن العنصرية يجب على العالم كله ان يحاربه.
يمكن بالطبع ألا نكترث لهذا التصريح الأخير الذي صدر عنه كالتصريحات التي سبقته ايضا، باعتباره كلاما لا تحكم فيه لغوغائي غير قادر على التحكم بفمه وهو مستعد لهدم علاقات بلاده باسرائيل وليس بها فقط من اجل غوغائية رخيصة بين أنصاره أو بسبب ما يفسره بأنه إهانة شخصية وجهتها اسرائيل اليه.
لكن يمكن جدا في نفس الوقت ان يكون منطقا في الجنون، وان تكون النغمات المؤذية التي تبلغنا من أنقرة تعبر عن شيء ما أعمق يحدث في تركيا ويؤثر في علاقاتها باسرائيل ايضا.
يتذكر اردوغان هذه السنة مرور عقد على تولي حزبه الحكم. وينبغي ان نفترض انه ممتلىء فخرا وهو ينظر الى ما حدث في تركيا في فترته. فقد زاد هو وموالوه في عمق سيطرتهم على مؤسسات الدولة والمجتمع في تركيا وأسقطوا بنجاح آخر جزر معارضتهم ولا سيما في الجيش والنخب القديمة. فاذا كان اردوغان يريد حقا ان يقضي على التراث العلماني لكمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية فان هذه الغاية أصبحت في متناول يده.
لكنه تثقل على نجاحات اردوغان ايضا ظلال غير قليلة. فقد أعلن حينما تولى الحكم سياسة 'صفر المشكلات'، أي نية وارادة مصالحة جارات تركيا وانشاء علاقات تحادث وسلام معها. لكنه يتبين بعد عقد من توليه الحكم ان تركيا بقيت مع صفر اصدقاء، أما المشكلات فآخذة في الازدياد.
يأتي الشر من الجنوب، من سوريا، وهكذا تحول بشار الاسد صديق اردوغان القريب السابق وحليفه الحميم، الى عدوه الرئيسي. وينبغي ان نعترف في الحقيقة بأنه مع كامل الجدية التي يجب بها تناول تصريحات اردوغان المنددة باسرائيل فانها لا تبلغ الى الدرك الذي تتميز به خطابته المتعلقة برئيس سوريا الذي سماه في الاسابيع الاخيرة ملك الموت والشيطان وقاتل الجماهير وغير ذلك.
إن الحرب الأهلية في سوريا تعرض اردوغان لمشكلة غير بسيطة. ففي ظل هذه الحرب ينشىء الاكراد في سوريا منطقة حكم شبه ذاتي بتعاون مع اخوتهم في العراق، وقد يكون لهذا تأثير في الاكراد الذين يعيشون في تركيا ويبلغ عددهم نحوا من 30 في المائة من عدد سكانها. ويتبين ان اردوغان ليس قادرا على كل شيء كما اعتاد ان يعرض نفسه وربما كما يريد ان يؤمن.
بيد انه كلما زادت خيبة أمل اردوغان وعجزه زادت تصريحاته قسوة وتكون موجهة احيانا على الولايات المتحدة وفي الأكثر على سوريا وعلى اسرائيل ايضا من آن لآخر.
ليست تركيا هي اردوغان، فما زال يوجد في هذه الدولة كثيرون يدركون الحاجة الى الحفاظ على علاقات اقتصادية وسياسية قوية باسرائيل. وحتى في هذه الايام تستمر وتزداد عمقا العلاقات التجارية بين الدولتين، وتم الابلاغ مؤخرا فقط عن تجديد العلاقات بين الصناعات الامنية في اسرائيل وتركيا.
ان المطلوب اذا نظرة واعية للعلاقات بين اسرائيل وتركيا، ويحسن بين الفينة والاخرى تذكير اردوغان الشخص بأن الدولة العثمانية قد زالت. لكن ليس هذا لأن اسرائيل لها مصلحة في جعل تركيا عدوا. يمكن ويجب محاولة ترتيب العلاقات بين الدولتين برغم اردوغان، ومن المهم ان نذكر فقط ان ايام الحلف الحميم بين الدولتين قد زالت ولن تعود.
تريد تركيا الجديدة ان تؤدي دورا رائدا في العالم العربي والاسلامي، ففي هذه المنطقة توجد مصالحها السياسية والاقتصادية، ولذلك فان الحلف مع اسرائيل لا يخدم هذه المصالح التركية. بالعكس ان اردوغان ورفاقه يؤمنون بأن الخطابة المعادية لاسرائيل تساعدهم على ان يقدموا مكانتهم في أنحاء الشرق الاوسط. فهذه اذا هي حدود اللعبة الضربات الكلامية والاهانات الى جانب استمرار تحادث وتعاون ما في مجالات ذات أهمية مشتركة. وفي تركيا ما بعد اردوغان ستستمر هذه الموسيقى ايضا لكن ربما يكون ذلك بنغمات مختلفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
هل اسرائيل على شفا انتفاضة ثالثة؟
بقلم: شلومو بروم ،عن نظرة عليا
رفعت الاحتجاجات الفلسطينية والمناوشات بين المحتجين الفلسطينيين وقوات الامن الفلسطينية في اثناء الاسابيع الاخيرة على خلفية اعتقال محرري صفقة شاليط ووضع السجناء الفلسطينيين في السجن الاسرائيلي، رفعت الى جدول الاعمال في اسرائيل مسألة هل اسرائيل على شفا انتفاضة ثالثة. ثمة معنى لطرح هذا السؤال ليس فقط بسبب الاحداث الاخيرة بل وايضا بسبب الوضع الاساسي لعلاقات اسرائيل مع الفلسطينيين والازمة التي تعيشها السلطة الفلسطينية.
توجد المسيرة السياسية في جمود مطلق ويصعب رؤية افق سياسي يتحقق فيه اتفاق دائم، يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ليس معقولا الافتراض بان الفلسطينيين في يهودا والسامرة سيوافقون على الاستمرار في العيش تحت الاحتلال الاسرائيلي دون قيد زمني. معقول اكثر الافتراض بان تكون انتفاضة فلسطينية كل عدة سنوات، ومثلما كانت انتفاضة اولى وثانية، ستكون ايضا انتفاضة ثالثة وهكذا دواليك...
الحكم الفلسطيني في يهودا والسامرة، الذي يقوم على أساس حركة فتح برئاسة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، يوجد في ازمة عميقة. فهم يقفون امام مشكلة عسيرة من الشرعية، والتي لا تنبع فقط من عدم اجراء انتخابات في موعدها بل لانهم فقدوا جدول اعمالهم السياسي. فمنذ بداية مسيرة اوسلو كان هذا يقوم على اساس فكرة اقامة دولة فلسطينية عبر المفاوضات السياسية مع اسرائيل. وغياب الامل في مسيرة سياسية ناجعة، يتركهم بلا جدول أعمال وبمكانة ضعيفة حيال خصومهم السياسيين الالداء من حماس، الذين يعرضون نموذجا آخر من عدم الاعتراف باسرائيل والتقدم بتحقيق سيادة فلسطينية عبر المقاومة العنيفة. ويمكن لحماس أن تدعي بان نموذجها يبرر نفسه اساسا في ضوء انجازاتها في فتح قطاع غزة وتحقيق شرعية سياسية منذ حادثة سفينة مرمرة، صفقة شاليط وحملة 'عمود السحاب'. كما أن تقلبات الربيع العربي وصعود أنظمة اسلامية تعزز مكانة حماس حيال خصومها من فتح. لقد حاول عباس 'ابقاء رأسه فوق الماء' عبر التوجه الى الجمعية العمومية للامم المتحدة بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولكن حتى هذه الخطوة تبدو الان على ما يكفي من اثارة الشفقة حين يكون واضحا للجمهور الفلسطيني بانه لم يطرأ أي تغيير حقيقي جراء هذا الاعتراف وان الوضع يحتدم ويتفاقم فقط.
وتعاني السلطة الفلسطينية ايضا من أزمة اقتصادية جراء التردي لحجم المساعدات المالية. فقد توقف التحسن في الوضع الاقتصادي منذ خبو الانتفاضة الثانية. وقرار اسرائيل بعدم تحويل اموال الضرائب التي تجبيها للسلطة الفلسطينية، كعقاب لها على توجهها الى الامم المتحدة، فاقم الازمة. فالرواتب لا تدفع بموعدها للموظفين العموميين، الذين يشكلون جزءا كبيرا من قوة العمل وهذه الحقيقة ايضا تضعضع التأييد السياسي لحكم السلطة وولاء الاجهزة التابعة لها. ومن الصعب أن نتوقع من قوات الامن الفلسطينية أن تقوم بواجباتها وان تنفذ ايضا التعاون الامني مع اسرائيل حين لا يكون واضحا من أجل ماذا تفعل هذا على المستوى الوطني (لا افق سياسي) وعلى المستوى الخاص (لا رواتب). على هذه الخلفية لا غرو أنه يوجد تخوف من أن يؤدي حدث موضعي، كحادثة طرق (في الانتفاضة الاولى) وحجيج ارئيل شارون الى الحرم (في الانتفاضة الثانية)، الى تصعيد لا يمكن التحكم به وانتفاضة فلسطينية بحجم واسع. واضح ايضا انه لا توجد امكانية للتوقع ماذا ستكون عليه بالضبط طبيعة الحدث الذي سيؤدي الى هذا التطور.
رغم كل هذا، وحتى لو قبلنا الفرضية بان استمرار الطريق المسدود سيؤدي في نهاية المطاف الى انفجار فلسطيني وحتى لو أخذنا بالحسبان الصعوبة في تنبؤ نفسية الجماهير، لا يبدو في هذه المرحلة بان الاحداث الحالية ستؤدي الى تصعيد واسع يمكن لنا في نظرة الى الوراء ان نسميها 'الانتفاضة الثالثة'، حتى وان لم نقل في الحاضر، ماذا سيكون طبيعتها. ولهذا عدة اسباب.
السبب الاول هو طبيعة القيادة الفلسطينية وسياستها. فعباس ملتزم بسياسة عدم العنف والتمسك بالمسيرة السياسية وفي المستقبل القريب سيكون له سبب آخر للتمسك بهذه السياسة زيارة الرئيس اوباما. كما أنه واعٍ لخطر امتطاء ظهر النمر الذي يسمى الجمهور الغاضب. فقد فهم ذلك منذ بداية الانتفاضة الثانية، حذر وبذل كل جهد لحمل عرفات على وقفها. ولهذا السبب صدرت في الاسابيع الاخيرة تعليمات لا لبس فيها باجهزة الامن الفلسطينية لمنع كل تصعيد. كما يوجد جهد للتحكم بشكل كامل بالمظاهرات عبر مشاركة نشطاء فتح في تنظيمها والسيطرة عليها. يحتمل أيضا أن تنبع مشاركتهم من فهم القيادة الفلسطينية بان مستوى معين (ليس عاليا) من المظاهرات يخدمهم لانه يجسد للادارة الامريكية ولباقي اللاعبين السياسيين الخطر الذي في استمرار الجمود السياسي.
السؤال هو بالطبع هل يمكن للسلطة الا تفقد السيطرة على حجم المظاهرات وطبيعتها. تدل التطورات حتى الان بان ليس للسلطة مشكلة في السيطرة عليها. اولا، حجم الاحتجاجات صغير نسبيا، وعدد المشاركين فيها لا يزيد عن المئات ولا نرى ميل تصعيد. يبدو أن السبب الاساسي لكل شيء هو غياب الجاذبية بالنسبة للجمهور الفلسطيني لفكرة العودة الى فوضى الانتفاضة. ففي السنوات الاخيرة فقط عاد الفلسطينيون في الضفة الى مستوى معين من الحياة الطبيعية وهم غير متحمسين للعودة الى الفترة الاشكالية اياها. ينبغي أن تمر فترة طويلة بما يكفي كي تبهت الذكريات وعدد الشباب، المحرك لكل انتفاضة، ممن لم يشهدوا ذلك على جلدتهم يزداد. ثانيا، رغم الازمة الاقتصادية التي تعيشها السلطة، فان أجهزة الامن لا تزال تحافظ على وحدتها وولائها.
حتى وان كان يفهم من هذا التحليل بان التصعيد الى انتفاضة ثالثة غير متوقع على ما يبدو في المستقبل القريب، فان ثلاثة استنتاجات هامة تنشأ عما قيل فيه:
الاستنتاج الاساسي هو أن من الحيوي استغلال فرصة زيارة الرئيس اوباما وتشكيل الحكومة الجديدة في اسرائيل من أجل اعادة تحريك المسيرة السياسية. ينبغي أن يكون واضحا بان هذه مسيرة سياسية حقيقية تكون لها نتائج ملموسة وذلك لان الفلسطينيين والجمهور في اسرائيل على حد سواء شبعوا وعودا وخيبات أمل، وهم لن يكتفوا بمسيرة كل هدفها وجود المسيرة نفسها. كما يمكن الافتراض بان الفلسطينيين سيرفضون الدخول الى المسيرة لغرض المسيرة.
الاستنتاج الثاني هو ان على المسيرة السياسية أن تكون مرنة وناجعة. محظور وضع كل البيض في السلة الوحيدة للتسوية الدائمة كما فعل رئيس الوزراء باراك حين ذهب الى كامب ديفيد (2000). فالفشل في مثل هذه الحالة معناه غياب كل تقدم وهو من شأنه أن يؤدي الى ردود فعل شديدة. ينبغي فتح قنوات اخرى للتقدم كخطوات اتفاقية جزئية بل وخطوات ذاتية منسقة للطرفين تدعم المفاوضات على التسوية الدائمة وتمنعها من الوصول الى الازمة. وبالتوازي من المهم ايضا بناء دعم اقليمي للمسيرة مع التشديد على الدور المركزي لمصر والاردن.
الاستنتاج الثالث هو ان حقيقة وجود شريك فلسطيني للمسيرة السياسية وتثبيت واقع امني مناسب ليس معاملا دائما غير متعلق باسرائيل. الشريك يجب ان يبنى. لقد اتخذت اسرائيل في السنوات الاخيرة سياسة اضعاف الشريك الفلسطيني. هذه سياسة وجدت تعبيرها العلني في تصريحات شخصيات مثل وزير الخارجية السابق ليبرمان. من الصعب على اسرائيل أن تشكو الان من الازمة في السلطة ومن آثار ضعف القيادة الفلسطينية حين تكون هي نفسها التي ساهمت في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
تركيا.. كله شخصي
بقلم: سمدار بيري ،عن معاريف
تأخر في نهاية الاسبوع وزير الخارجية الامريكي جون كيري وهو حدث نادر في بروتوكول الادارة الامريكية الى وليمة العشاء في منزل رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان.ولم يجتهد الطرفان في خلق الانطباع بالكياسة والمجاملة. وعلل المترجم باسم الضيف بان التأخير الكبير جاء جراء حديث عميق اجراه كيري مع نظيره التركي، وزير الخارجية داوداوغلو. أما اردوغان، صاحب الفم الكبير فوجد من السليم ان يقول بتهكم انه اذا كان كذلك فلم يتبقَ شيء للحديث فيه، وكان واثقا بانه نجا من المزايدة على الجوهرة الاخيرة التي قالها ضدنا.
ثمة شيء مثير للاعصاب، مغيظ حقا، في حقيقة أن اردوغان لا يفوت اي فرصة للتهجم علينا. وفي الجولة الاخيرة، في مؤتمر صحافي في فيينا، وضع في مصاف واحد، الفاشية، اللاسامية والخوف من الاسلام ودعا الصهيونية بانها 'جريمة ضد الانسانية'. هذا مغيظ لان نبرته ضدنا آخذة فقط في التصاعد، وهذا مثير للاعصاب لان هذه القصة باتت تبدو وكأنها موضوع شخصي. نوع من الرائحة الكريهة لا تتماثل مع ما يفكرون به عنا في الشارع التركي.
ولكن عندما يحدد رئيس الوزراء دوما ذات الهدف، فانه ينقل رسالة ورسالته واضحة وشفافة. منذ عشر سنوات حين تولى اردوغان رئاسة الوزراء، فان تركيا التي خطت على علمها سياسة 'صفر مشاكل مع الجيران' تسير في مسار تقليص العلاقات. في موضوع واحد محق اردوغان. كلما هاجمنا ارتفعت أسهمه في الشارع العربي.
وها هي السخافة: خلافا للحكم الاسلامي في مصر، تكاد تكون كل الابواب مفتوحة في تركيا. وأحد لا يمنع الاسرائيليين من عقد الصفقات وريادة المطاعم في اسطنبول. فالعكس هو الصحيح، يقال ان حجم التجارة ارتفع بالذات، رغم اردوغان. الاكاديميون، الاطباء والصحافيون الاتراك لا يحتاجون الى التزود بتأشيرات خاصة، بل ولا يخفون زياراتهم عندنا. وأنت تسمع منهم تفسيرات محرجة واعتذارات حتى وان لم يكن للاعتذارات وزن عن الريح السلبية التي تهب من أنقرة وعن الحسابات الداخلية من مصنع الثنائي اردوغان وداوداوغلو.
من الصعب التقدير بانه بعد التهجم الاخير سيكون هناك احد عندنا يؤمن بانه سيكون ممكنا ترميم وتطوير العلاقات مع تركيا طالما كان اردوغان يجلس في مكتبه. وفي هذه الاثناء، في موضوع آخر يقلقه الحرب الشعواء التي يديرها ضد استمرار حكم بشار الاسد في سوريا ولديه شكاوى من الامريكيين أيضا.
نظرية المؤامرة لدى قيادة الاجهزة في تركيا تصر على أن الادارة في واشنطن تعمل على ابقاء بشار في الحكم. ويدعون هناك بان الامريكيين لا يدفعون بالسلاح نحو الثوار بسبب ضغط اسرائيلي، يعتقد بان من الافضل البقاء مع بشار ضعيف من ترك مخزونات السلاح الكيميائي في ايدي منظمات ارهاب وعصابات اسلامية متطرفة.
بعد يومين يصل عبدالله ملك الاردن الى تركيا. هدف الزيارة واضح. التشاور وتنسيق المواقف في الموضوع السوري. لا جدال في أن الاردن هو الضحية الفورية للصدام الدموي. فالكتلة الكبرى من اللاجئين الذين يجتازون الحدود ويتسللون اليها كبيرة على الاردن، خطيرة، ومستنزفة للامكانيات.
يمكن التقدير منذ الان بان هذه ستكون زيارة غير معقدة. الموضوع واضح، المصالح متماثلة، اردوغان وعصبته يعرفون الضائقة الاقتصادية للمملكة الصغيرة، ويوجد لتركيا ما تعرضه (ماء، تصدير واستيراد في ظروف محسنة). وستكون مواضيع يتحدثون فيها امام الكاميرات، اولا وقبل كل شيء القضية الفلسطينية، وستكون المواضيع السرية وتبادل المعلومات الاستخبارية التي ستنجز داخل الغرفة، حين سيحرص اردوغان على أن يوضح لجلالة الملك لماذا ليس مجديا وليس موصى به تسخين العلاقات معنا.
في نهاية المطاف، رغم التعابير اللاذعة، فان قضيتنا مع تركيا ليست ضائعة. المنطق يقول انه ستحين لحظة تمحى فيها فكرة أن 'كل شيء شخصي' لدى اردوغان، ويبدأ دفعة واحدة، تقرب جديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
كراهية الشرقيين والعرب
بقلم: اسحق ليئور ،عن هآرتس
لو ان الكنيست عرضت مسرحية اخلاق مسيحية لتلذذنا بالعدل الالهي. هل أراد بنيامين نتنياهو ليكودا نقيا من المشاعر الاشتراكية؟ لقد حصل على سائل مصفى هو يئير لبيد وأشياعه. فهل أراد ليكودا باعتباره حزب مستوطنين؟ لقد حصل على نفتالي بينيت خالصا. بيد أننا نشاهد ميلودراما من انتاج الديمقراطية هي أقل ابهاجا. يجب علينا في الميلودراما ان نعطف على الصدّيق ونطارد الحقير وان ننسى نصيبنا في هذا العمل. وكيف ننسى؟ نبث وهم نسيان مثل 'تسيبي لفني المتلونة'. ومع التنديد بـ 'نسيان لفني' ينسى المشاهد بالطبع نسيانه هو ويصبح تلونه ابيض كالثلج.
اليكم مثلا أمر 'التساوي في العبء'. لقد كانت توجد صيغة سابقة منه في 1978. حينما طاردوا 'تزييف' التصريح بالتدين في مقالات صحافية سبقية عن 'مُصرحات سافرن الى البحر في يوم السبت'. ومن الذين قاموا بالحملة الدعائية؟ انهن نساء من اليسار سيصبح عدد منهن بعد ذلك نسويات متحمسات. وانصبت الحملة الدعائية على فتيات في ازمة خشين مصير 'السرير العسكري'، لكن كل شيء كان حلالا في نضال حكومة مناحيم بيغن باسم العسكرية. وبعد ذلك بعقدين ولدت صيغة 'شعب واحد وتجنيد واحد' من اجل نقض 'الحلف الطبيعي' لنتنياهو. أهذا قديم جدا؟ اليكم الحاضر وهو عصر التلفاز والفيس بوك والصحيفة والمدونات. وقد أخذ الجو يمتلىء بالتنديد. لا يوجد طول الوقت سوى التنديد النفاقي. هل تريدون مثالا؟ انها البصقة في بيت شيمش قبل نحو من سنة. كانت واقعة جنائية حظيت بتعظيم هستيري أو حملة الحافلة حول 'روزا باركس الاسرائيلية'، التي شبهتنا بالسود في الاباما على نحو ضمني في حين يُمنع الفلسطينيون من السفر في حافلات اليهود.
وباختصار تحول النضال عن الحقوق سريعا الى تحريض على الأقلية. وغُذي بشهوة الشفقة الملحاحة هذه المملوءة بالكراهية، الشوق المصفى الى 'زعماء جدد'. انهم يعرضون على الشاشة ذعرا اخلاقيا يشمل كل شيء مثل 'قاض يضرب اولادا' ومن كانت عنده سماعة أو مدونة في الانترنت يشغل نفسه بـ 'مصلحة الاولاد' والديمقراطية؛ لكن ماذا عن الضربات اليومية الموجهة لفتيان فلسطينيين في الضفة؟ صمت. سيقول المنافقون الممتازون: لا يوجد فرق. ومن المؤكد انه لا يوجد فرق، ولهذا حصلنا على لبيد.
وهكذا عظّم 'التساوي في العبء' مرة اخرى الخدمة العسكرية باعتبارها قيمة اخلاقية في السنوات التي زاد فيها في الطبقة الوسطى خاصة نسبة المتهربين من الخدمة العسكرية. نشاهد على الشاشة حريديين يهربون من عدسة التصوير وهكذا لا نسمع عن المجندين الذين كان يحسن منهم ألا يذهبوا يجرون بين ضابطات شروط الخدمة وضباط الصحة النفسية، ويتوسلون للحصول على عطلة للمساعدة على الانفاق على البيت، ويتغيبون ويهربون ويملأون السجون. وشغلنا أنفسنا لحظة بنسب الانتحار في الجيش ولم نعلم آنذاك ايضا من هم: روس أم اثيوبيون أو شرقيون؟ الشيء الأساسي ان ندعوهم 'أخي' اغراء بالتصويت واستجلابا الى الشعور القومي. وعلى ذلك النحو بالضبط زاغت أعيننا عن رؤية كيف يغزو المستعربون على اختلاف أنواعهم وهم أكثر الوحدات اثارة للبغض ويضربون الاولاد ويتحرشون ويقيدون المتظاهرين، وكيف أصبحوا هدفا مفضلا للتطوع في مقابل ابتداع 'شعب واحد وتجنيد واحد'. وهكذا حصلنا على التصفية البينيتية: 'دم أبنائنا'، التي هي سفك الدم الفلسطيني.
والجمهور يجلس أمام التلفاز الذي يكون سياقه دائما خاضعا للرقابة طوعا: فشعب الأسياد 'حائر' بين الوان التشدد، ويُملّك عليه التسلط وكراهية الشرقيين والحريديين والعرب ('يحصلون على مخصصات اولاد على حسابنا'). لو كانت تلك كوميديا لاستمررنا في الضحك من جهل لبيد (ودراساته الجوهرية). لكنها بلدنا وهذه حياتنا. في الفجر تنطلق عشرات الرحلات الجوية الى عواصم الاعمال في اوروبا للوصول الى بدء يوم اعمال في العالم الحقيقي للقلة الذي يسيطر ايضا بمساعدة دعاية 'التساوي في العبء'. ان الحياة هنا هي حي فيلات فخمة يستعمل شركة حراسة ضخمة جائعة لجنود آخرين مع قليل من اليهودية مثل دهن الأوز أو الفازلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فليسقط المشروع التجريبي
بقلم: أسرة التحرير ،عن هأرتس
مواطنة اسرائيلية، من مواليد رحوفوت، تأسلمت وتسكن مع عائلتها في غزة. امها تسكن في اسرائيل. منذ عدة سنوات ووزارة الداخلية ومكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق يمنعان دخولها الى اسرائيل.وافادت عميرة هاس في 'هآرتس' أمس بانه في أعقاب ذلك رفعت وحيدي التماسا الى المحكمة المركزية في بئر السبع من خلال جمعية 'غيشا'، وهناك تبين بان وزارة الداخلية تبلور مؤخرا نظاما يلزم المواطنين الاسرائيليين الذين يعيشون في قطاع غزة باجتياز فحص أنسجة للتأكد من هويتهم قبل دخولهم الى اسرائيل.
عدد مواطني اسرائيل الذين يعيشون في غزة ليس معروفا؛ ورفضت سلطة السكان طلب 'هآرتس' توفير المعطى كما يفترض الامر. ولكن مهما يكن العدد، واضح أن النظام الجديد الذي تريد السلطات انفاذه سيبدأ بحفنة الاسرائيليين الذين يسكنون في غزة لينتقل الى فئات سكانية أوسع فأوسع. ويمكن لهذه الخطوة الخطيرة ان تصل الى سكان غزة الفلسطينيين ممن يرغبون في الدخول الى اسرائيل. وبعد ذلك قد ترفع اسرائيل طلبا مشابها ايضا من كل فلسطيني يرغب في الدخول الى نطاقها والنهاية الله يعفينا.
الديمقراطية لا تجري فحص أنسجة لمن يدخلون بواباتها. فهذا يعد وسيلة فحص اقتحامية، متطرفة ومقلقة، اشكالية لدرجة لا مثيل لها، تتعلق بحقوق الفرد. ثمة ما يكفي من السبل للوقوف عند هوية الانسان حتى دون اجراء فحص أنسجة له. وفي حالة وحيدي فان هذه حتى لم تجرب ولم تستنفد مثلما أفادت جمعية 'غيشا'. ان من الحق الكامل للمواطنة وحيدي أن تزور دولتها في كل مرة ترغب في عمل ذلك. وحقيقة أن اسرائيل طالبتها بتسليم هويتها الاسرائيلية بعد أن حصلت على هوية فلسطينية ما أدى الى كل هذه التعقيدات البيروقراطية لا يمكنها أن تحرمها من حقها في المواطنة وتمنعها من تحقيق حقوقها المدنية. ان مطالبة وحيدي بان تجتاز فحص أنسجة هي مطالبة وقحة. لدى اسرائيل ما يكفي من الوسائل لفحص هويتها. ولكن الخطر الحقيقي الذي يحدق بحقوق الانسان في اسرائيل ينبع من الفرضية المعقولة من أن الحديث هنا لا يدور الا عن مشروع تجريبي يجب اسقاطه فورا حتى قبل أن يبدأ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


رد مع اقتباس