اقلام واراء اسرائيلي 385
6/7/2013
في هــــــذا الملف
الصراع مجددا على غور الاردن
بقلم:دوري غولد،عن اسرائيل اليوم
تنحية مرسي توجه’ضربة شديدة لحماس
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
صوت الرعد من القاهرة
بقلم:ناحوم برنياع،ع يديعوت
الديمقراطية التي رفعت الاخوان الى الحكم هي التي انزلتهم الى الارض
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
صباح الخير أيها الشعب
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
الصراع مجددا على غور الاردن
بقلم:دوري غولد،عن اسرائيل اليوم
يُجهد أبو مازن نفسه في الاشهر الاخيرة في اقناع وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالضغط على اسرائيل لقبول خطوط 1967 لتكون الأساس لكل تفاوض في المستقبل على الحدود، في حين رفض رئيس الوزراء نتنياهو بشدة قبول أي شرط مسبق لبدء المحادثات.
لكن معارضته للطلب الفلسطيني لم تكن مسألة اجراء فقط، فقد أعلن نتنياهو في خطبته في المؤتمر الامريكي في 24 أيار/مايو 2011 أن المخطط الدقيق للحدود بين اسرائيل والفلسطينيين يجب ان يأتي نتيجة للمفاوضات، وأضاف قائلا: ‘لن تعود اسرائيل الى خطوط 1967 غير القابلة للدفاع عنها’.
وعبّر نتنياهو في واقع الامر عن تراث ‘الآباء المؤسسين’ للتصور الامني القومي الاسرائيلي. في تموز/يوليو 1967 بعد شهر فقط من حرب الايام الستة، قدّم نائب رئيس الوزراء آنذاك يغئال ألون، قائد البلماح في 1948، الى المجلس الوزاري المصغر اقتراحه الشهير، وهو الحفاظ على اراض ذات أهمية استراتيجية لأمن اسرائيل، وكان قصد ألون منح اسرائيل ما سماه ‘حدودا قابلة للدفاع عنها’ تحل محل خطوط 1967. وبقيت خطة ألون التي اعتمدت في الأساس على استمرار السيطرة الأساسية على غور الاردن، عنصرا مركزيا في تصور اسرائيل العسكري سنين كثيرة، رغم التغييرات التي حدثت في الشرق الاوسط. وهكذا أعلن رئيس الوزراء اسحق رابين في الخامس من تشرين الاول/اكتوبر 1995 بعد سنتين تقريبا من التوقيع على اتفاق اوسلو، أمام الكنيست بأن ‘حدود دولة اسرائيل وقت الحل الدائم ستكون وراء الخطوط التي كانت موجودة قبل حرب الايام الستة. ولن نعود الى خطوط الرابع من حزيران’. وأضاف بروح ألون الذي كان قائده في البلماح قائلا: ‘ستوضع الحدود الامنية للدفاع عن دولة اسرائيل في غور الاردن بالمعنى الواسع لهذا المصطلح’.
وقد استعمل رئيس الوزراء نتنياهو اثناء ولايته الاولى في تسعينيات القرن الماضي مصطلح ‘خطة ألون مزيدا عليها’ لتجسيد ما يفكر فيه. وقال رئيس الوزراء ارييل شارون ايضا بعد ان أعلن خطة الانفصال، لصحيفة ‘هآرتس′ في 14 نيسان/ابريل 2005 انه يجب على اسرائيل ان تستمر في السيطرة على غور الاردن، بل إن شارون وسّع تحديد المنطقة التي يجب على اسرائيل ان تحافظ عليها، الى السفوح الشرقية فوق شارع ألون. وبين استطلاع قام به معهد ‘داحف’ في كانون الاول/ديسمبر 2012 ان هذه التصريحات هي قاعدة الاجماع الامني الاسرائيلي، لأن 66 في المئة من الاسرائيليين (76 في المئة من السكان اليهود)، عارضوا العودة الى خطوط 1967 حتى مقابل اعلان كل الدول العربية انهاء الصراع. وأيدت نسبة مشابهة استمرار السيطرة الاسرائيلية على غور الاردن.
عادت وبرزت في الاشهر الاخيرة وجهة نظر اخرى لحاجات اسرائيل الامنية في الضفة الغربية حظيت باهتمام كبير في وسائل الاعلام. فقد نشر شاؤول اريئيلي مثلا، وكان في الماضي عقيدا في الجيش الاسرائيلي، وكان مشاركا في مبادرة جنيف، نشر في هذه السنة كتابه ‘حدود بيننا وبينكم’، زعم فيه أنه لأن التغييرات لاسرائيل قد تغيرت لم يعد غور الاردن ذا صلة بالتحديات الامنية الرئيسة التي تواجه اسرائيل. وزعم ان تطبيق مصطلح ‘عمق استراتيجي’ على غور الاردن ‘بمنزلة سخرية’.
وبدا على نحو مفاجئ ان رئيس الموساد السابق مئير دغان أيد هذا المذهب حينما زعم ان الجيش الاسرائيلي يستطيع الدفاع عن الدولة حتى لو انسحبت الى الخطوط التي كانت قبل 1967. وأضاف بصراحة في منتدى في مؤتمر الرئيس في التاسع عشر من حزيران/يونيو قائلا: ‘كان لغور الاردن أهمية في 1991 حينما كنا مُهددين من الاردن وسوريـة والعـراق، لكنه أصبح الآن ذا أهمية أقل’.
وتوجد مشكلتان مهمتان في هذا التوجه، الاولى ان رابين أعلن موقفه المعارض لانسحاب الى خطوط 1967 وتأييده الحفاظ على غور الاردن في 1995، أي بعد تلك التغييرات الاستراتيجية في 1991. والى ذلك أصر رابين على خط دفاع اسرائيلي في غور الاردن حتى بعد ان وقع قبل ذلك بسنة في 1994 على اتفاق سلام مع الاردنيين. وفي حين غير شارون توجهه نحو قطاع غزة في 2005 أصر على ان غور الاردن بقي ذا أهمية استراتيجية حيوية بالنسبة لاسرائيل. ومن المنطق ان نفترض ان كبار القادة الامنيين الاسرائيليين كانوا عارفين بحقيقة انه لا يمكن اقامة استراتيجية بعيدة الأمد في وضع مؤقت، ولا سيما في الشرق الاوسط الذي لم تنجح جهات التقدير في التنبؤ بالأحداث فيه مرة بعد اخرى.
والثانية ان سيطرة اسرائيل على غور الاردن ليست ضرورية فقط لدفع هجمات تقليدية، بل لاعتراض التهديد الذي أخذ يزداد لاسلحة متقدمة يمكن تهريبها الى المنظمات الارهابية. جربت اسرائيل بعد ان تركت محور فيلادلفيا زيادة تهريب السلاح الى القطاع كما وكيفا، وتحول غزة الى تهديد استراتيجي لمدن اسرائيل. وغور الاردن هو الموازي في الضفة الغربية لمحور فيلادلفيا من جهة دوره، باعتباره حاجزا لصد تهريب الوسائل القتالية من سورية والعراق وايران.
زاد الوعي في الغرب في المدة الاخيرة لأهمية هذا العامل في الانتصار على الارهاب. وقد نشر ماكس بوت في الآونة الاخيرة بعد ان قضى عشر سنوات في العراق وافغانستان تحت رعاية قادة امريكيين كبار من ماكريستيل الى باتريوس، كتابا كبيرا عن تاريخ حرب العصابات. ويعدد المؤلف خمسة عوامل تُسهم في نجاح جيوش العصابات، العامل الرابع منها هو قدرتها على الحصول على مساعدة من الخارج على صورة قوة بشرية أو أسلحة. وحينما يتحدث عن نجاح اسرائيل في وقف موجة عمليات الارهاب في مدنها في 2002 يذكر ‘نجاح الجيش الاسرائيلي في اغلاق الضفة الغربية’ في وجه تجديد الامداد.
تُغرق اسرائيل أكثر من مرة باقتراحات إحلال قوة دولية محل الجيش الاسرائيلي. لكن في حين حظيت في جنوب لبنان قوة اليونفيل الموسعة والمعززة بوحدات اوروبية بالثناء وعرّفها كثيرون في 2006 بأنها ضمان لأمن اسرائيل، فشلت تماما في مهمة منعها تهريب القذائف الصاروخية الى قرى شيعية في المنطقة بين الليطاني والحدود الدولية. واعتماد اسرائيل على قوات دولية في غور الاردن مخاطرة كبيرة جدا لا تستطيع تحملها أية حكومة اسرائيلية ذات مسؤولية.
بدأت الولايات المتحدة اليوم بغرض تعزيز جهود كيري محاورة اسرائيل في سؤال كيف سيتم الحفاظ على أمنها اذا سحبت الجيش الاسرائيلي من الضفة الغربية، ويقود الجانب الامريكي الجنرال جون إلين، الذي كان في الماضي قائد قوات الولايات المتحدة في افغانستان. وتبين في تقرير اخباري نشر في صحيفة ‘واشنطن بوست’ هذا الاسبوع ان ‘الموضوع الأكثر حساسية في المحادثات هو استمرار السيطرة على غور الاردن’. واذا أخذنا في الحسبان عدم اليقين الذي يلف مستقبل الشرق الاوسط في السنوات القريبة فليس من المعقول ان تزن اسرائيل سحب قواتها من غور الاردن وفي ضمن ذلك حقها في تعزيزها وأن تتخلى بذلك عما أصبح خطها الدفاعي المتقدم منذ 1967.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
تنحية مرسي توجه’ضربة شديدة لحماس
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
قبل بضعة اسابيع فحص منسق العمليات في المناطق عن المزاج العام السياسي في يهودا والسامرة، وكانت الاستنتاجات مقلقة، فقد تبين ان مكانة زعيم حماس لدى الجمهور الفلسطيني أقوى كثيرا مما اعتقدوا. فلو أنه أُجريت اليوم في الضفة انتخابات حرة، كما قدّر عنصر أمني رفيع المستوى جدا في اسرائيل، فمن المحتمل جدا ان يتفوق خالد مشعل على أبو مازن. ولم يبدُ طموح حماس الى الاستيلاء على المؤسسات الوطنية الفلسطينية وعلى السلطة الفلسطينية كلها آخر الامر، داحضا.
قبل أكثر من شهر كان مشعل في القصر الرئاسي في القاهرة، وكان على يقين أنه راهن على الحصان الصحيح، الذي يدعى محمد مرسي. وكان الحلف بين حماس وحكم الاخوان المسلمين جزءا من مسار استراتيجي هو الانفصال عن ايران وسورية وحزب الله والاقتراب من مصر وتركيا وقطر والاردن. وقد ألزم هذا حماس من’جهة ان تستعمل توجها أكثر اعتدالا، بل ان تعرض على الملأ خطة لمحادثة اسرائيل بغير عنف على حسب التصور المصري. ومنح الابتعاد عن ‘محور الشر’ المنظمة من جهة اخرى دعما من الغرب وقوّى مشروعيتها. وتابعوا في اسرائيل اتصالات أفراد من حماس بممثلين اوروبيين وامريكيين في مستوى منخفض في الحقيقة، تحدثوا فيها بصراحة عن اخراج حماس من قائمة المنظمات الارهابية.
لكن كل شيء تغير في غضون بضعة ايام. فقد تركت تنحية الرئيس مرسي الخاطفة حماس فجأة يتيمة وحيدة بغير راعيتها الرئيسة، وبغير الظهر العريض الذي كان لها في السنة الاخيرة في القاهرة. وستُصفق الأبواب المفتوحة في القصر الرئاسي في القاهرة الآن في وجه مشعل ورفاقه، وستُستعمل حماس مرة اخرى على يد اجهزة الامن المصرية على أنها آخر العملاء، بصفة سلطة فلسطينية من النوع الثاني، كما كان الامر زمن حكم مبارك.
ليس الاخوان المسلمون وحدهم هم الذين ضُربوا في ليل أول أمس، لأن حماس ايضا تلقت ضربة شديدة. وليس الحديث فقط عن ضربة سياسية، بل عن ضربة ايديولوجية ايضا، لأن هذه المحاولة وهي محاولة انشاء نظام اسلامي في أكبر دولة عربية، فشلت وستؤثر بلا شك في الدولة الاسلامية المصغرة لحماس في غزة.
إن الزلزال في مصر أصاب الاخوان المسلمين في العالم كله بصدمة، لكن حماس هي الاولى التي ستدفع الثمن، في الساحة الدولية وفي الساحة الفلسطينية الداخلية. إن الدول الغربية التي كانت تراود الاخوان المسلمين وكأنهم ‘الشيء القادم’ في العالم العربي، ستفقد الاهتمام الآن، أما معارضة حكم حماس في داخل غزة فسترفع رأسها وتشكل تحديا أكبر للحكم. وليست هذه بالضرورة بشرى خير، لأن ضعف حماس قد يقوي التيارات التي هي أكثر تطرفا في القطاع، مثل الجهاد الاسلامي والمنظمات السلفية. إن حماس التي اجتهدت جدا في الحفاظ على الهدوء على حدود القطاع ستفعل الآن كل شيء كي لا تعطي اسرائيل ذريعة لتوجه العمل عليها، حتى لو كان ثمن ذلك مواجهة تلك المنظمات عسكريا.
أبعد مرسي القيادة السياسية المصرية عن كل اتصال باسرائيل، وهو شيء أسهم في العلاقات بين العسكريين واجهزة الامن المصرية، وبين نظرائهم الاسرائيليين. إن عودة الجيش المصري الى صورة الحكم في مصر لن تجعل علاقات اسرائيل بمصر أكثر سخونة علنا، لكن من المنطق ان نفترض ان يرتفع مستوى التحادث والتعاون من وراء الستار بسبب المصلحة المشتركة في الحفاظ على سيناء هادئة. وكان يمكن ان نرى التباشير الاولى على ذلك قبل اسبوع، حينما ضرب الجيش المصري حصارا وثيقا على غزة ووضع كتيبة دبابات بالقرب من حدود القطاع بموافقة اسرائيل. وتم وقف إمداد القطاع بالوقود ومواد البناء من مصر، وتوجه تجار غزيون الى اسرائيل طالبين الحصول على محروقات حتى ‘بأسعارنا المرتفعة جدا’.
تأثير رمضان
بيد أن الأمواج الارتدادية للانقلاب في مصر لم تقف عند قطاع غزة، ويتوقع ان تصل سريعا جدا الى الضفة الغربية ايضا، فاذا كان عشرات آلاف الشباب العاطلين في يهودا والسامرة، الذين أحبطهم الوضع الاقتصادي السيئ وعدم التقدم السياسي، قد جُذبوا الى الآن الى زعماء ذوي حضور قوي مثل مشعل، فان خيارهم اليوم هو السلطة الفلسطينية. فقد بقي أبو مازن في الحقيقة اللاعب الوحيد’في الملعب، وهذه بالطبع أنباء مشجعة.
إن التغيير المتوقع لمكانة حماس هو فرصة لاسرائيل، فهي تستطيع ان تتجه الى مسار سياسي مع أبو مازن الذي يتوقع ان تقوى مكانته جدا الآن، وتستطيع ان تستغل ضعف حماس كي تُضر بها. ويمكن أن نفترض ان تختار حكومة نتنياهو الطريق الثالث، وهو ان تقعد ولا تفعل شيئا.
وهنا بالضبط يدخل الى الصورة وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي سجل في هذا الاسبوع محاولة فاشلة اخرى ليُحرك من جديد التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين. في واحد من الأحاديث التي أجراها كيري مع العاملين معه قُبيل انتهاء زيارته للمنطقة، ارتفعت نغمات خيبة أمل قوية من واشنطن، فقد القى المساعدون على مسامعه مقاطع صحافية غير ذات اطراء، اذا لم نشأ المبالغة، فقد تحدثت المقالة الافتتاحية في صحيفة ‘نيويورك تايمز′ مثلا عن ان جهات رسمية في البيت الابيض لا تمتدح في الحقيقة استثمار كيري في الشرق الاوسط، وان احتمال ان يتدخل الرئيس اوباما في التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني، ضئيل. وجاء في مقالة اخرى في الصحيفة نفسها، انه في الوقت الذي يحترق العالم فيه يُضيع وزير الخارجية الامريكي وقته في الشأن الفلسطيني الذي لا يعني أحدا.
اشتملت رحلة كيري المكوكية الحالية على سبع دول في غضون اسبوعين. وكل دولة وأزمتها الاقليمية، إن الشرق الاوسط احتل عنده اربعة ايام ‘فقط’، لكنها كانت بالنسبة لكيري أهم الايام. يصعب على المتهكمين في الادارة الامريكية ان يفهموا وسواسه بتفاوض اسرائيلي فلسطيني، وسُمعت في اسرائيل ايضا مقالات وخز، بعضها من مسؤولين كبار جدا في الحكومة. فقد سأل أحد الوزراء من في العالم العربي يثير الفلسطينيون اهتمامه، هل رأى أحد لافتات تتناول الشأن الفلسطيني في ميدان التحرير أو في بيروت أو في دمشق. ربما كان على أنقاض القصير في سورية لافتة تأييد ما؟ وسأل مسؤول كبير آخر في تهكم: ماذا يريد كيري هذا؟ هل يريد جائزة نوبل؟
يبدو ان الوحيدة في القيادة الاسرائيلية العليا التي تبذل كل جهد لتنجح مبادرة كيري، هي وزيرة القضاء تسيبي ليفني. وحينما تُحذر من عزلة اسرائيل الدولية اذا لم يوجد تفاوض يتساءل رفاقها في الحكومة: عن أي عزلة تتحدث؟ إن مكتب وزير الدفاع فقط تأتيه مرة في الاسبوع على الأقل شخصية أمنية أو سياسية رفيعة المستوى للزيارة، فالجميع يريدون المجيء والحديث والاستماع ولا يقطع أحد مع أحد. هل يتم الحديث عن قطيعة سلع؟ هذا ضرر هامشي، ليس قطيعة دولية ولا تسونامي، وكل شيء هراء.
سمع كيري الانتقاد في البلاد وفي الولايات المتحدة، وشعر بالرياح الباردة التي تهب من قبل السلطة الفلسطينية ايضا، وأرسل العاملين معه الى الأرشيف قائلا إذهبوا واقرأوا الصحافة التي صاحبت رحلات وزير الخارجية جيمس بيكر الى الشرق الاوسط قبل مؤتمر مدريد في سنة 1991. ما الذي لم يُقل هناك؟ قيل إنه اضاعة وقت وإن كل شيء ترهات وانه غير جدي، وكان ذلك ايضا في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الاولى. وقد كان العالم العربي كله ساجدا للولايات المتحدة آنذاك، ورغم ذلك احتاج بيكر الى ثمانية اشهر الى ان جرّ الجميع الى مؤتمر مدريد، وفي السنتين بعد ذلك وُلد اتفاق اوسلو في هدوء. ووعدنا كيري بأن هذا سيستغرق وقتا أقل، فنحن نشتغل بالشأن الاسرائيلي الفلسطيني منذ شهرين أو ثلاثة فقط، وسيمر شهران آخران أو ثلاثة الى ان نعلم ما هو الاتجاه.
في مطلع الاسبوع بحثوا في قيادة المركز في تأثيرات زيارة وزير الخارجية الامريكي الاخيرة في المزاج العام في الضفة. إن الجمهور الفلسطيني كالاسرائيلي ايضا لا يعلم ما الذي أحرزه أو لم يحرزه كيري، وما الذي تخلوا عنه إن تخلوا باسمه. وتُقدر جهات’امنية أنه لا يُتوقع منذ بدء الصيام في الاسبوع القادم الى انتهائه في منتصف آب/اغسطس حدوث شيء هناك. ومن وجهة نظر الجيش الاسرائيلي و’الشاباك’ فان زيارة كيري وصوم رمضان يمنحان الطرفين مهلة اخرى ليزنا خطواتهما. وتدل تجربة الماضي على ان شهر رمضان هادئ نسبيا، لكن لا شيء مؤكد هنا ايضا، فالسلطة الفلسطينية لا تدعم بسبب الازمة الاقتصادية إلا جزءا من مخيمات الصيف، وسيتجول آلاف الاولاد ممن لا عمل لهم اثناء العطلة الطويلة في الشوارع ليحتكوا بالجيش والمستوطنين. ويرى الجيش ان هذه نقطة احتكاك اخرى فيها قدرة كامنة على تفجير الوضع. قبل بضعة اسابيع تحدث قائد منطقة الوسط، نتسان ألون، عن خيار تفجر عنيف في الضفة اذا انهارت بعثة كيري. وفي كل شهر تقع ما بين 100 120 حادثة تخريب. وأُضيف الى عنف الشارع ومحاولات القيام بعمليات في الاشهر الاخيرة عنصر جديد ـ قديم هو ‘التنظيم’. ويقوم بهذا في هذه المرة شباب من مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين لهم صلة بفتح. ويظهر عدد أكبر من المجموعات المسلحة من شباب فتح تحت رادار ‘الشاباك’ على خلفية عمليات سرية تشمل ارهابا موجها على اسرائيل واسرائيليين. ويصعب على السلطة الفلسطينية ان تُجابههم لأنهم عضو فيها.
قدّرت جهة أمنية في اسرائيل هذا الاسبوع أنه ما لم يُعلن عن فشل البعثة فان زيارات وزير الخارجية الامريكي هي نوع من ‘حبة دواء لتهدئة’ الميدان، لكن اذا تم الاعلان عن فشل فقد تصبح حبة سُم. وإن تأثيرات هذا الفشل في الميدان قد تكون اسوأ من وضع عدم وجود هذه المبادرة أصلا.
حُلة بلا كُمّين
وصل الى عمان في مطلع الاسبوع الماضي ممثلون عن جهات امنية اسرائيلية وفلسطينية للاعداد لمؤتمر قمة. ولم يُعقد المؤتمر في نهاية الامر وانتهت الزيارة الى موافقة أبو مازن ونتنياهو على أن يوحي وزير الخارجية الامريكي بالتفاؤل ويذكر ان الفروق في المواقف قد تضاءلت ويعلن انه سيعود الى المنطقة قريبا. وهذه هي العناصر الوحيدة في الاعلان التي نجح أبو مازن ونتنياهو في الاتفاق عليها.
كان واضحا قبل ان يأتي كيري الى هنا ان المطالب الفلسطينية أوسع كثيرا مما كانت في الماضي، فقد أكدت السلطة الفلسطينية تنازلات اسرائيلية في مجالات تتعلق بصلاحيات الحكم تأكيدا أكبر، والفلسطينيون يريدون توسيع تأثيرهم في المنطقة ج التي تبلغ مساحتها 62 في المئة من مساحة الضفة. وهم في هذه الاثناء يعلمون اسرائيل في كل يوم درسا في الاستيطان الفلسطيني في المنطقة ج، بحيث توجد عنزة اخرى ودونم آخر. فقد كان لهم معلمون جيدون هم جيرانهم اليهود.
عرّف شخص اسرائيلي رفيع المستوى جون كيري في الجولة الخامسة بأنه أكثر وعيا وأقل حماسة مما كان في الماضي. وقد انقضت تلك الايام التي أبلغ فيها الجانبين أنه يريد ان يتلقى أجوبة في غضون اسبوعين، وهو لم يعد يعمل الآن على ردم الفجوات، بل تضييقها.
وقد ترك كيري هذه المرة في البلاد بخلاف زياراته السابقة مساعديه اللذين كانا منذ فترة خدمته في مجلس الشيوخ. أكبرهما شأنا هو فرانك ليبنشتاين الذي سيكون المسؤول كما يبدو عن التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني في وزارة الخارجية الامريكية ويحل محل ديفيد هيل (الذي حل محل جورج ميتشل وهو ذلك الدبلوماسي صاحب الخبرة وكثير النجاح الذي نجح الشرق الاوسط في تحطيمه). والمساعد الثاني هو جونثان شفارتس. وقد ترك لهما كيري حُلة بلا بطانة وبلا كُمّين وهما الآن يعدُوان بين القدس ورام الله ليخيطا ما بقي. ويأملان في ان تكون لديهما الى أن يعود وزير الخارجية الى هنا مرة اخرى حُلة تناسب جسمي الطرفين. أصبح كيري يعلم أنه لن يستطيع ان يُحدث تفاهمات بين اسرائيل والفلسطينيين لا على الاجراء ولا على التفضلات ولا على ‘بطاقات دخول’ (وهي شروط بدء المحادثات) ولا على البرنامج العام. والحُلة التي تُخاط هي في الحقيقة اعلان نوايا امريكي يحدد اطار الاتصالات التي يستطيع الطرفان الاجتماع تحتها.
أُضيف في هذه الاثناء عدد من الدروز الصغيرة الى هذه الحُلة. يريد الفلسطينيون الافراج عن أكثر من 100 سجين في السجون الاسرائيلية منذ قبل اتفاق اوسلو. ووافقت اسرائيل على الافراج عن 30 40 سجينا كهؤلاء. بيد ان الفلسطينيين يريدونهم الآن قبل المحادثات، أما الاسرائيليون فيقولون: فلنجلس ولنتحادث ولنفرج بحسب التقدم. وفي هذه الحال يؤيد الامريكيون الجانب الاسرائيلي.
لكن بقيت فروق جوهرية اخرى ليس واضحا هل ستتضاءل وكيف. يريد أبو مازن ان يرى سريعا جدا خرائط على الطاولة. ويحث الفلسطينيون الامريكيين ويتفق هؤلاء معهم على أن الشأن الاول يجب ان يكون الحدود والأمن. بيد ان نتنياهو غير مستعد لأن يُري أي خريطة في هذه المرحلة الحالية. وتزعم اسرائيل انه ينبغي الحديث عن كل الشؤون الجوهرية على التوازي ويشمل ذلك اعلانا فلسطينيا بانهاء الصراع، والفلسطينيون غير مستعدين لاعطاء هذا. ويجب ان يكون التنفيذ في مقابل هذا من وجهة نظر اسرائيل متدرجا، فنتنياهو لا يؤمن بأن شيئا من الموضوعات الجوهرية ناضج للحل. أما أبو مازن في المقابل فغير مستعد للاستماع الى حديث عن مسار تدريجي.
إن احد سبل ثني الامريكيين للطرفين هي الجيب. فهم يعرفون الشهوة الاسرائيلية للوسائل القتالية التي تعتمد على تقنيات متقدمة، وهم عالمون بالضائقة الاقتصادية الحرجة للسلطة الفلسطينية. ففي الوقت الذي يهدد فيه الاوروبيون بمضاءلة مساعدة السلطة، يؤخر الامريكيون تحويل مبلغ 480 مليون دولار التزم الرئيس اوباما بأن يعطيها للفلسطينيين في زيارته الاخيرة للمنطقة. وربما يكون هذا هو الذي سيساعد على مضاءلة الفروق، وربما تساعد الرياح الجديدة التي تهب من القاهرة ايضا في تخليص العجلة العالقة في الوحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
صوت الرعد من القاهرة
بقلم:ناحوم برنياع،ع يديعوت
منذ كانت أحداث الربيع العربي في مصر في نيسان/ابريل 2011 كانت السفارة المصرية في تل ابيب ترفض اصدار تأشيرات دخول لصحافيين يحملون جوازا اسرائيليا. وقد جاء الأمر من مقر المخابرات في القاهرة، وكان التعليل أمنيا، وهو الخشية من غضب الجمهور اذا عرفوا ان الصحافي أو الصحافية اسرائيليان، ولم تساعد التوسلات ولم تساعد التهديدات، وبقي الرفض على حاله. وعلى حسب ما حدث في مصر منذ ذلك الحين من الممكن جدا ان الرفض كان محقاً.
لكن خيبة الأمل باقية فالثورة تحدث على مبعدة ساعة طيران في أهم دولة في العالم العربي، وفي ميدان قسته طولا وعرضا في النهار والليل عشرات المرات، وانت ترى البلد من بعيد ولا تستطيع الوصول اليه.
إن أحداثا من هذا القبيل تحث اسرائيليين كثيرين على الشعور بالتميز، فهم يرون في التلفاز الجمهور المتحمس والاحتشادات العنيفة بالقرب من مواقع الحكم، والدبابات وناقلات الجنود المدرعة في شوارع المدن، والجنرالات الذين تُثقل بزاتهم العسكرية أوسمة انتصارات غير موجودة، والتطرف الديني الى جانب التطرف القومي، يرون ويقولون: ما لنا ولهم، وكما قال ايهود باراك في مقولته القديمة: نحن دارة وهم غابة؛ سنبني سورا حول البيت ونغلق النوافذ ونُشغل مكيف الهواء ونتخيل أننا في الدول الاسكندنافية.
هذا خطأ لأن مصيرنا متعلق بمصيرهم، شئنا أم أبينا. كان متعلقا به حينما كانت مصر عدو اسرائيل الاول، وكان متعلقا به حينما كان السلام ساخنا، وكان متعلقا به حينما أصبح باردا ومعاديا. إن الجماهير في شوارع القاهرة من الطرفين تتفق على شيء واحد وهو كراهيتها لاسرائيل. ونشك في أنه توجد دولة عربية يكره فيها الشارع اسرائيل أكثر من الشارع المصري، وهذه طريقة جماهير مصر ليعوضوا خيبتهم من اتفاق سلام لا يريدونه. إن الكراهية كبيرة لكن اتفاق السلام أقوى منها. وتبين هذا الامر بوضوح في السنة التي كان فيها الاخوان المسلمون في الحكم، فقد أبغضوا الاتفاقات وأقاموها. إن الشعور الحميم الذي كان في ايام مبارك مضى ولم يعد، لكن التنسيق بين جهازي الأمن في الدولتين استمر كما كان، بل انه قوي كما تزعم جهات امنية في اسرائيل. إن مصر عامل استقرار وعامل اعتدال في المنطقة، ولاسرائيل مصلحة مباشرة في نجاحها.
لم تكن مصر قط ديمقراطية. فقد جربت نماذج مختلفة من الحكم ملكية برعاية اجانب، وجماعة ضباط وزعيما فردا قوي الحضور، ونظاما نصف عسكري ونصف حزبي. إن الديمقراطية لا يُفحص عنها بقانونها المكتوب وبحق الانتخاب، لأن أشد النظم الاستبدادية ظلاما قد وضعت صناديق اقتراع وأجازت دساتير مجيدة. إن الديمقراطية يُفحص عنها باحترام قواعد اللعب. فالأكثرية تحكم لكنها تعترف بحدود قوتها ويُسمع صوت الأقلية؛ والسلطة تغضب على المحاكم لكنها تحترم أحكامها؛ ورؤساء الحكم يكرهون أن يُستبدلوا لكنهم يحذرون من التمرد على قضاء صناديق الاقتراع؛ فهم يفترضون أن تكون لهم فرصة للعودة؛ والتغييرات التي تأتي بها كل حكومة موزونة تخضع لحدود القانون؛ وقادة الجيش يشاركون مشاركة عميقة في اتخاذ القرارات لكنهم يخضعون للسلطة والشارع يحتج ويتظاهر ويغضب لكنه لا يتمرد.
إن احترام قواعد اللعب هو الحمل الديمقراطي الذي أورثنا آباؤنا إياه من دهاليز المؤتمرات الصهيونية واجتماعات الكيبوتس وجلسات مركز الحزب ومقصف الكنيست. وتمت في الولاية السابقة عدة محاولات للتشويش على ذلك ومن حسن الحظ أنها ذوت في مهدها.
ولم يكن لمصر حظ كهذا، فلا يوجد تراث ديمقراطي راسخ ولا قواعد لعب واضحة ولا أطر متفق عليها، فالغالب يريد ان يأخذ كل شيء. ولم تضق النفوس بنظام مبارك لأنه قمع الديمقراطية، بل لأنه كان فاسدا عفنا وتمتع بالنمو السريع قليلون. وأحبطت زيادة الولادة كل محاولة لاخراج المجتمع من دائرة الفقر.
إن حكومة الاخوان المسلمين كحكومة مبارك أخذت أكثر مما أعطت. فقد فعلت 85 سنة جوع للحكم فعلها. وتميزت سنة مرسي بمحاولة فظة ومتعجلة لاقصاء مراكز القوة المنافسة وفي مقدمتها جهاز القضاء والجيش، وبفشل مطلق في علاج الاقتصاد. فقد جاء الرجل الى الرئاسة من السجن مباشرة، فلم يتمتع كما يبدو بالتجربة السياسية المطلوبة، وبالصبر الطويل وبفهم الشارع. إن ربيع القاهرة رفع سقف التوقعات الى أعلى مستوى ولم يكن مرسي يستطيع الوفاء بالتوقعات منه، بل ربما لم يحاول.
إن الثورة الثانية هذا الاسبوع تعيد مصر الى نقطة البداية في واقع اقتصادي أصعب وتعيد الأمل ايضا. يتعلق الكثير بقدرة قادة الجيش والساسة على التعلم من أخطاء النظام السابق. والكلمتان المفتاحان هما الاستقرار وضبط الامور. فالاستقرار سيعيد السياح والمستثمرين. وضبط الامور سيُمكن من نشوء قيادة قوية لها تأييد عام ويرسل الجماهير في الميادين الى البيوت.
إن حكم الاخوان المسلمين في الأمد البعيد سيئ لاسرائيل، فمعناه تجميد العلاقات في أحسن الحالات ومواجهة عسكرية في اسوئها. أما الحكم العلماني، سواء أكان مدنيا أم نصف عسكري فيترك الخيارات مفتوحة. حينما سقط مبارك نبذه فؤاد بن اليعيزر، لكنني لا أعرف اسرائيليا واحدا سينبذ محمد مرسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الديمقراطية التي رفعت الاخوان الى الحكم هي التي انزلتهم الى الارض
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
‘بودي أن أذكر من يقف ضد ارادة الناس بان الامة هي مصدر صلاحيات الانظمة، وأن الشرعية الشعبية تستوجب الاحترام، وأنها تقف فوق مصالح الافراد ولا سيما اولئك الذين ظلموا الناس واخافوهم وهاجموا قدسية المواطنين على مدى السنين’، هكذا أجمل المرشد العام للاخوان المسلمين، د. محمد بديع روح العصر في 4 شباط/فبراير 2011، قبل اسبوع من الاطاحة بحسني مبارك. هذا الاسبوع اضطر بديع الى دفع ثمن قوله ليرى كيف يحترم رئيسه، محمد مرسي، ‘ارادة الشعب’. ومع أنه ليس انطلاقا من الاحترام ولا الارادة، مثلما شهد في خطابه الغاضب الذي سجل في الخفاء، بعد وقت قصير من وضعه تحت الحراسة العسكرية، حين كان لا يزال ملايين مؤيدي الاخوان مذهولين من الضربة، ولكن نهايته السياسية اصبحت حقيقة. مرسي، محمد بديع وكبار قيادة الاخوان المسلمين لا يحق لهم مغادرة الدولة، بعضهم معتقلون، آخرون لا بد سيعتقلون، ومنذ الان تسمع في مصر نداءات لاعادة الحظر في الدستور الجديد على اقامة احزاب ذات برامج دينية، واذا ما أقر هذا التعديل، فستكون هذه ضربة قاسية للثورة الاصلية التي رأت في الغاء الحظر على نشاط الاخوان المسلمين أحد انجازاتها المهمة في الطريق الى الديمقراطية.
المفارقة التاريخية هي أن التيار المركزي في الاخوان المسلمين لم يرغب على الاطلاق في التنافس على الرئاسة. ‘لسنا باحثين عن سلطة، لا كرسي ولا احترام، عليه فلن يطرح الاخوان المسلمون مرشحا منهم للانتخابات للرئاسة’، أعلن محمد بديع عشية اسقاط مبارك. وعلى موقف بديع هذا ثار خلاف هائل في حركة الاخوان، وعندما أعلن أحد كبار رجالات الحركة، عبد المنعم ابو الفتوح بانه يعتزم مخالفة رأي المرشد العام والتنافس على الرئاسة، طرد من صفوف الحركة. ولكن بالذات قرار ابو الفتوح وانفصال مسؤولين كبار آخرين من الحركة معه، أحدث الانعطافة في الحركة التي رغم غيظ بديع، قررت التنافس على الرئاسة. وعندما بحث مجلس الشورى في الحركة في شهر اذار/مارس 2012 في مسألة ترشيح عضو من الاخوان للرئاسة، صوت 56 عضوا الى جانب القرار مقابل 52 عارضوه. وبين المعارضين كان محمد مرسي ونائب المرشد العام والمليونير المسؤول عن الشبكة الاقتصادية في الحركة، خيرت الشاطر، اللذان اعتقدا بان على الاخوان أن يدعموا مرشحا من خارج الحركة. ولكن في ظل غياب مرشح متفق عليه على خلفية الخلافات مع المجلس العسكري الاعلى، الذي عارض في حينه اقتراحات التعديل على الدستور، التي تقدم بها الاخوان، اتخذ في النهاية الحسم باغلبية طفيفة. المرشحان، الشاطر ومرسي قبلا حكم الحركة. الشاطر استبعدته لجنة الانتخابات لوجود ملف جنائي ضده وحسب الدستور لا يمكنه أن يتنافس، ومرسي دفع الى السباق وكأنه يتملكه الشيطان.
مرسي، من مواليد 1951، انضم الى صفوف الاخوان المسلمين وعمره 29 سنة فقط. وهو ليس فقيها مخولا بالفتوى، ولا رجل أعمال مثل زميله خيرت الشاطر، ولا حتى سياسيا محنكا. ولكنه سياسي يعرف كيف يربط الاطراف. وهكذا مثلا أقام في العام 2004 الجبهة الوطنية للتغيير، مع عزيز صدقي الذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد السادات، والاتحاد الوطني للتغيير في د. محمد البرادعي. وفي العام 2011 أقام التحالف الديمقراطي من اجل مصر، الذي ضم 40 حركة وتيارا، معظمهم من العلمانيين. كل هذا فيما كان في بعض الوقت عضوا في لجنة مكافحة الصهيونية والتطبيع مع اسرائيل.
والى ذلك عرف ايضا كيف يدير الازمات الصعبة التي نشبت داخل الحركة، بما في ذلك تمرد الجيل الشاب الذي طالب بالاصلاحات في طرق عمل الحركة وجعلها اكثر ديمقراطية. وكانت هذه أزمة صعبة نشبت في العام 2007 وبدأ فيها مدونون من الحركة ينتقدون علنا الدكتاتورية الداخلية. وكلف مرسي في حينه من المرشد العام لاجراء حوار مع المتمردين، بل وحظي بتقدير كبير من جانبهم. ومع أن الازمة لم تتوقف، وانسحبت مجموعة الناشطين لاقامة حزب ‘النهضة’، الا ان عشية الانتخابات للرئاسة حظي مرسي بتأييد كل أجنحة الحركة، وحتى جزء من زعماء الحركات العلمانية وحركات الشباب، مثل وائل غنيم، زعيم ثورة الانترنت، الكاتب علاء السناوي، ومثقفين ليبراليين آخرين أيدوا مرسي ورأوا في انتصاره انتصارا للثورة على النظام القديم.
ومن هنا ايضا العجب الكبير، كيف فوت الخبير في ادارة الازمات الفرص لحل الازمة الاكبر في حياته وايجاد تسوية مرضية مع خصومه؟ الجواب على ذلك يكمن على ما يبدو في الضغوط الهائلة التي مارستها عليه قيادة الاخوان، فحسب بعض التقارير كان خيرت الشاطر هو الذي عمل ضده بالتشاور مع المرشد العام، حين عارض الحلول الوسط السابقة التي اتفق عليها مرسي مع خصومه السياسيين، فقد طالب بديع بانجازات فورية للحركة كي يبرر دخولها الى السباق السياسي، أما مرسي الذي أدار حوارات مع خصومه فقد اعتقد بانه يجب ابطاء الوتيرة. التسرع الذي ترافق والغرور، الى جانب الاخفاق الاداري، أوقع الهزيمة الاشد التي نقلت الاخوان المسلمين من كرسي الحكم الى السجن.
الاخوان المسلمون يجدون أنفسهم مرة اخرى في مكانة اعتادوا على أن يكونوا فيها على مدى عشرات السنين. حركة مشبوهة، مطاردة، زعماؤها معتقلون، غير أن هذه المرة يأتي السقوط المدوي بعد القمة التاريخية التي وصل اليها اعضاؤها، ذات الديمقراطية الجديدة التي رفعتهم الى الحكم هي الديمقراطية التي أنزلتهم الى الارض.
الديمقراطية الغربية ليست سوى ‘حرية الكفر، حرية عبادة الاصنام، هدم أسس الايمان، أمام كل هذه تنفتح الابواب في ذات الديمقراطية المستوردة’، هكذا حذر سيد قطب، المسرحي المتطرف من الحركة، الذي اعدم في العام 1966. اما القيم الحقيقية كالحرية والتحرر، فلا تصدر الى دول العالم الثالث خشية أن يستخدمها مواطنوها للثورة ضد العولمة، وصف قطب مخاطر تلك الديمقراطية. واختلف مع قطب (وتلميذه الحديث محمد بديع) الكثيرون في الحركة، بمن فيهم من كان نائب المرشد العام، محمد حبيب الذي انفصل عن الحركة في العام 2009، على خلفية خلاف فكري مع زعمائها. ‘الجمود السياسي الذي تعاني منه مصر خلق وضعا مأزوما، فقد ألقى بظلاله السيئة على مشاكل التخلف العلمي، التكنولوجي والثقافي بشكل عام، وعلى الدور الثقافي والاستراتيجي لمصر تجاه مسألة العروبة والاسلام بشكل خاص’، هكذا اتهم حبيب. ودفع حبيب نحو الاصلاح، سواء في حركة الاخوان أو في الدولة، والتحول الديمقراطي الحقيقي وليس السطحي، ليس لهدف سيطرة الاخوان، هو الذي كان احد اهدافه. وأول أمس، عندما اعلن عبد الفتاح السيسي عن عزل مرسي، كان حبيب بين الاوائل الذين تنبأوا بانه من الان فصاعدا سيبدأ الجيش بتصفية قيادة الحركة، حبس قيادتها وتعطيل نشاطها السياسي. وشرح قائلا انه ‘في سنة واحدة فقدت الحركة كل شعبيتها’.
كيف سيعمل الاخوان الان؟ مع أن العنف هو خيار، ولكن يبدو انهم سيفضلون اطارا سياسيا. حركات الاحتجاج والمعارضة لا تعارض اشراكهم في الحكم، ولكن ليس كمصيغي ايديولوجيا وطنية. رسميا، ترى القيادة في الثورة العسكرية سرقة للحكم، ولكن خصومهم السياسيين ايضا يعرفون انه من دون حركة الاخوان، سيصعب على كل قيادة جديدة أداء مهامها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
صباح الخير أيها الشعب
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
مع الفجر تموت آخر بعوضة في غرفة النوم، وتنهي شاحنات القمامة جولتها الاخيرة، وتبشر نشرات الاخبار بيوم حار ورطب، مع حوادث طرق الصباح وعن الرضيعة التي نسيت في السيارة. تل أبيب تستيقظ ليوم عادي آخر والناس ينزلون الى البقالة او الى السوبر ماركت القريب للتزود بالخبز والجبن المخثر (الكوتج) ـ الرمز الوطني للاحتجاج الاجتماعي. وفي الباص يدور الحديث عن ارتفاع أسعار العرق، وفي شارع لفنسكي يملأ التجار أوعيتهم بالسمك المملح المستورد من تركيا. شعب اسرائيل هو حلم حلو لنظام سياسي يسيطر على شعب خانع، مع قدرة لمرة واحدة على مظاهرة لمرة واحدة ضد اجراءات الحكم ـ حيث في الطريق الى هناك أو في طريق العودة من هناك يتوقف الناس في المطعم القريب لتناول ‘شيء ما في رغيف’. وحين نرى ما يحصل في مصر وفي سورية، فان احتجاجنا على هذا وذاك يصل الى طرف حذاء الحكم.
الاسرائيليون يرفعون العتب المدني في تصويت واحد للكنيست، بعدها يغرقون في سبات ويتبجحون في أن دولتهم هي جزيرة استقرار وديمقراطية. وفي العام 1973 تفاخرنا حتى بان وضعنا لم يسبق له أن كان أفضل. وبعد نحو شهرين سنحيي 40 سنة على يوم الغفران اياه، وفي حينه سنخرج على اي حال من بواطن الارشيف وثائق ترينا كم كنا قريبين من مظاهرة تحريرية. كم كنا على شفا خراب البيت الثالث على حد قول موشيه دايان. قد اعتقد زعماؤنا الاسطوريون في حينه بان مصر تريد أن تهاجمنا، ولكنها لا تستطيع عمل ذلك من دون مشاركة سورية. ولم تكن لدينا فكرة بان تحت أنف رؤساء الاستخبارات المجيدين عندنا نسجت الدولتان مؤامرة هجوم. ومثلما في حينه، الان ايضا واثقة المملكة بان ما يحصل في مصر وفي سورية، هو في واقع الامر في صالحنا، وبينما تشتعل هناك الارض بثورة باطنية، نحن نزعم باننا جزيرة استقرار ونفكر بتروٍ.
الدول في محيطنا تعتمل، والعالم كله بات يعرف ميدان تقسيم وميدان التحرير، ولكنه لا يعرف ميدان رابين. فهل هذا الاستقرار المزعوم الذي نستمتع به يعكس حقا وضعنا الحقيقي؟ تماما لا. في اقصى الاحوال اسرائيل تستمتع بالعلاقة مع الولايات المتحدة، وهو الوضع الذي لن يستمر الى الابد، ما لا نفعله من أجل أنفسنا، أحد لن يفعله من أجلنا، ولا حتى الادارة الامريكية. مع قدرتنا على اثارة الاعصاب، فانه حتى اكبر اصدقائنا كفيل بان ينكسر.
ما يحصل في الرحاب الاسلامي المتطرف من شأنه ان يحتدم وان يتسع الى اراضينا ايضا. صحافية مصرية تتكلم العبرية، اجرت معها مقابلة صحافية اسرائيلية في ذروة احداث التحرير، لم تكتف بتفسير وضع مرسي، بل اوصتنا بما نفعله حسب مبدأ التحرير: ‘نتنياهو ولبيد لا يفيان بما وعدا به، إنزلوهما من الحكم. لا تسكتوا’. ليس واضحا كيف يطبق هذا المبدأ في مصر، ولكن مشاكلهم لا تشبه مشاكلنا. في ايام شهل العسل بين بيغن والسادات، لاحظ بيغن ان نظيره يكثر من النظر الى ساعته، فسأله: أأنت على عجل؟ جواب السادات يثبت ان مرسي لا يفهم ما فهمه اسلافه: ‘كل دقيقة يولد كذا وكذا طفل ينبغي توفير الخبز لهم’.
مشكلة اسرائيل المركزية ليست نقص الخبز او الفقر المدقع، بل نكث الوعد الاساس لزعامتها في جلب السلام. حقيقة ان الدول العربية تنشغل بنفسها ليست دليلا على صحة ادعاء الحكومة بانه في هذه الظروف ليس هناك تهديد امني على اسرائيل. العكس هو الصحيح بالذات احداث على نمط التحرير وسورية، زائدا دور ايران وحزب الله، قد تؤدي الى حرب وارهاب فتاك ضد اسرائيل. ولكن قادة الحكم يقولون انه لا توجد اغلبية في الشعب لتنازلات اقليمية من أجل السلام، ويفعلون كل ما في رؤوسهم.
هيي أنت هناك، أيها الشعب، صباح الخير. لا يكفي ان تضع بطاقة في صندوق الاقتراع وتخرج في رحلة بحرية الى اليونان. لن يتحقق هنا السلام الى أن تخرج الى الشوارع وتحرر اسرائيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ


رد مع اقتباس