اقلام واراء اسرائيلي 417
19/8/2013
في هــــــذا الملف
تستطيع اسرائيل ان تكسب اذا تخلت عن سياسة الغموض الذري
بقلم:أمير أورن،عن هآرتس
ضرر نتنياهو على اسرائيل
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
شوق الاسرائيليين الى عملية وتوق الى حرب
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
دعوكم من الدم على الايدي
بقلم:ابراهام بورغ،عن هآرتس
سيناريوهان وعدو واحد
بقلم:ايتان هابر،عن يديعوت
اوباما في ورطة حيال مصر
بقلم:تساح يوكد،عن معاريف
القرار بعدم خوض المسيرة حتى نهايتها هو القرار الصعب
بقلم:حاييم آسا/ ‘مستشار استراتيجي لاسحق رابين عن معاريف
لعبة الاخوان والجيش نهايتها الصفر
بقلم:د. ميرا تسوريف،عن معاريف
تستطيع اسرائيل ان تكسب اذا تخلت عن سياسة الغموض الذري
بقلم:أمير أورن،عن هآرتس
سيعود سفير اسرائيل في طوكيو نسيم بن شتريت هذا الاسبوع الى البلاد من اليابان، بعد ست سنوات ناجحة. وقد حضر كعادته في هذا الشهر في هيروشيما المراسم السنوية لذكرى القاء أول قنبلة ذرية. وسمع بن شتريت بصحبة السفير الامريكي جون روس المضيفين يخطبون متحدثين عن فظاعة ذلك اليوم في 1945، حينما ظهرت القنبلة منقضة من خلال السماء الزرقاء. ولم يُذكر قط الانتماء القومي لمُلقي القنبلة لأنه ما صلة الامريكيين بالكارثة.
يُقدم باراك اوباما في الاشهر الاخيرة أمثلة مختلفة عن ملاءمة الدبلوماسية للمصلحة، فقد حدد في سورية خطا أحمر سيفضي تجاوزه الى تدخل عسكري، وهو استعمال السلاح الكيميائي. وحينما فشل الردع واستُعمل السلاح الكيميائي تم تحريك الخط. لأن المس بالصدقية أرخص من التورط.
وفي مصر داور اوباما بين الحظر القانوني على مساعدة عسكرية لدول أُسقط حكمها الديمقراطي بانقلاب وبين الرغبة في ضبط النفس بسبب عزل محمد مرسي وسيطرة الضباط التي يُرى أنها أخف الضررين. وكان الحل كلاميا بانكار أنه نُفذ انقلاب. ولم يقلب الطاولة هجوم قوات الامن على مؤيدي مرسي ايضا. ففي الحالات المتطرفة تكون الامم والقيادات مستعدة لحروب أهلية ايضا. في مقابل عشرات آلاف الضحايا في سورية ومئات الضحايا في مصر قُتل في الحرب الأهلية الامريكية أكثر من 600 ألف من 30 مليونا، أي 2 في المئة من عدد السكان من دون مقارنة بين عبد الفتاح السيسي أو بشار الاسد وابراهام لنكولن الذي هو معبود اوباما.
إن الرد الامريكي على التصعيد الداخلي في مصر هو إبراء ذمة. وتجميد المدد العسكري والغاء تدريب مشترك ضربتان خفيفتان عابرتان. فلا أحد يريد نسخة مصرية من عمل جيمي كارتر البراق الذي تنكر في ايران للشاه وجاء بآية الله الخميني في مكانه.
لم يتلقَ السيسي الى الآن عقابا امريكيا أشد من عقاب مناحيم بيغن. ففي غضون سنة بين حزيران/يونيو 1981 ويونيو 1982، ورغم قاعدة مناصرة أساسية من قبل ادارة ريغان، سُجل على اسرائيل بيغن ثلاث عقوبات وهي: تعليق إمدادها بطائرات اف 16، والغاء مذكرة تفاهم على تعاون استراتيجي، وتهديد ظاهر بعقوبات أشد. وقد سبب ذلك الهجومُ على المفاعل الذري العراقي وضم هضبة الجولان وقصف أهداف مدنية في حرب لبنان. ومع مرور الزمن والاشخاص في القيادة الاسرائيلية برد الغضب وأُلغيت العقوبات.
إن إغماض العيون في الادارة الامريكية وفي مجلس النواب يلغي السبب الرئيس للغموض الذري الاسرائيلي، الذي يُعلل له بالخوف من استعمال آلي لعقوبات مذكورة في القانون، لكنه لا توجد آلية بالفعل لأنه حينما يريد الرئيس الامريكي ورؤساء الذراع التشريعية تُستعمل مواد تملص.
يحيا الامريكيون في سلام مع الهند وباكستان الذريتين اللتين ألغتا الغموض الذري المتعلق بـ’ماذا’ بعكس ‘كم’، و’أين’ و’المدى والقوة والدقة’. وهذه هي السياسة المختارة حينما يكون توازن المصالح يؤيد ضبط النفس. إن إزالة جزئية لستار الغموض الذري لا يساوي في قيمته التحلل من السلاح الذري؛ بل هو فقط يُنهي لعبة الاختباء الشفافة. وستشمل المسيرة السياسية في المنطقة مباحثات في نزع سلاح الابادة الجماعية. فهذا هو الطلب المصري الدائم الذي انضم اليه في هذا الشهر مع ارتباط بالمبادرة السعودية، الأمير تركي الفيصل الذي كان في الماضي سفير بلاده في واشنطن ورئيس الاستخبارات السعودية.
أدى الغموض الذري مهماته بشرف ويستطيع أن يعتزل عمله. صاحب وول وورث باربر، وهو من أكثر السفراء الامريكيين صداقة لاسرائيل منذ نشأت، صاحب عاصفة العلاقات حول ديمونة في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. وتحدث باربر في مذكراته عن انه يفترض ان اسرائيل تملك سلاحا ذريا لكن لا ينبغي التأثر بذلك لأنها لن تستعمله في نوعي الاراضي اللذين يميزان الشرق الاوسط، وهما الرمل الصحراوي والتجمعات السكنية.
تستطيع سياسة ذكية لحكومة اسرائيل ان تكسب مقابل التخلي عن الغموض الذري، وهذه مسألة توقيت. إن الوضع الاقليمي الآن يُقدم لحظة مُريحة لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ضرر نتنياهو على اسرائيل
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
المقابلة المفصلة لآري شفيت مع سكرتير الحكومة السابق، المحامي تسفي هاوزر، هي دليل مثير للكآبة على الضرر الذي الحقته باسرائيل حكومات بنيامين نتنياهو (ملحق ‘هآرتس′ 16/8). وتباهى هاوزر بتصميم سياسة خارجية جديدة لاسرائيل: ‘خطاب بار ايلان كان خط الفصل… فقد خلق نقطة انعطاف تاريخية. لاول مرة رئيس وزراء جابوتنسكي يتبنى فكرة حل تاريخ يقوم على اساس حل الدولتين’.
غير أن اعتراف نتنياهو بان هذا هو الحل الضروري هو أساسا اعتراف بطريقه المغلوط، الذي استمر 16 سنة بعد أن قال اسحق رابين في الكنيست، في كانون الثاني/يناير 1993، الامور التالية: ‘ايران توجد في المراحل الاولى من مساعي اقتناء قدرة غير تقليدية بشكل عام ونووية بشكل خاص… نحن نتابع النشاط النووي الايراني، الى جانب جهات اخرى في الساحة الدولية. وهم لم يخفوا حقيقة أن امكانية ان تحوز ايران سلاحا نوويا يجب أن تقلق، وهذا هو احد الاسباب التي تجعلنا نستغل نافذة الفرص والتقدم نحو السلام’.
يعترف هاوزر بانه في خطاب بار ايلان اضطر نتنياهو الى ‘الانحناء امام الريح’، بمعنى الاستجابة لضغط دولي، امريكي اساسا، ولكنه يتباهى في أن ‘نتنياهو جعل صيغة الدولتين صيغة أصح، من حيث أنها لدولتين قوميتين… وطالب بان يعترف بدولة اسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي’. هذا المطلب، خلافا لتصريحات هاوزر هو عبء زائد على مفاوضات التسوية، واسرائيل لم تطرحه عن حق على اي دولة اخرى، بما في ذلك مصر والاردن، اللتين وقعت معهما اتفاق سلام. في افضل الاحوال يعكس هذا عدم ثقة بالنفس وانعدام الزعامة، وفي اسوأ الاحوال يأتي لاحباط التسوية.
ما يفهم بوضوح من تصريحات هاوزر هو أن رئيس الوزرا يعنى اساسا بالتهديدات، وخلافا لاسحق رابين في كانون الثاني/يناير 1993، ليست له مصلحة حقيقية في الفرص، التي بوسعها ايضا ان تقلص المخاطر. الان، كما يدعي هاوزر، نتنياهو يفهم ان الامور تغيرت في العشرين سنة الاخيرة وان حل 2013 لن يكون كحل 1993. الامور التي تغيرت في هذه الفترة الزمنية، هي الاستقرار السلطوي في الدول العربية التي تحيط باسرائيل (مع ان السلام مع مصر نجا في اثناء حكم الاخوان المسلمين)، حجم المستوطنات في الاماكن المحتلة الذي ازداد بشكل غير مسبوق؛ استعداد القيادة الفلسطينية للحفاظ على الامن وحث حل الدولتين، والاقتراب الاكبر لايران من السلاح النووي. ما لم يتغير، على ما يبدو، هو رئيس الوزراء، الذين لم يستوعب الالحاحية التي في التسوية والحاجة للسعي اليها بكل القوة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
شوق الاسرائيليين الى عملية وتوق الى حرب
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
بدأت تأتينا بشائر مقدم الخريف، والخريف يبشر بيوم الغفران، ويوم الغفران بالذكرى السنوية لتلك الحرب. سيكون قد مر اربعون سنة في هذه السنة وقد بدأ مهرجان الذكرى.
فلا يوجد شيء أحب الى النفوس هنا من نبش حروب الماضي وكوارث الأمس؛ مرور سنتين على عملية في ايتمار، وسبع سنوات على سقوط صاروخ كاتيوشا على جنود الخدمة الاحتياطية في المقبرة في قرية جلعادي، و16 سنة على كارثة المروحيات لكن حرب 1973 تفوقها جميعا، فهي الحرب التي لا نشبع منها أبدا، ولا تنتقل الى مكان آخر.
في ارض شواهد القبور 2900 شاهد رسمي لضحايا الحروب، شاهد لكل ثمانية قتلى (وفي اوروبا التي ضربها القتل يوجد شاهد لكل عشرة آلاف قتيل) ويكاد يكون كل يوم تذكيرا بالكارثة. وكأنه لا يكفي يوم الذكرى ويوم المحرقة ويوم القدس ويوم مقتل رابين وصوم غيداليا والتاسع من آب (العبري)، ولا يوجد هنا الكثير من مجرد الايام العادية التي ليست هي ايام ذكرى، وهي ذكرى انتقائية جدا كما ينبغي أن نقول.
أهو شوق الى عملية؟ أم هو توق الى حرب؟ نشك كثيرا. ومع كل ذلك فان حقيقة انه لا يوجد شيء أقدس هنا من الحروب، تجعلنا نظن انه يوجد اسرائيليون كثيرون يحملون معهم مع الألم الرعب والصدمة والشوق ايضا الى ميادين القتل، حيث حدثت الواقعة الرجولية التي تصوغ حياتهم. وهم يشتاقون الى نقلها من الأب الى الابن أكثر من كل تجربة شعورية اخرى. قد لا تكون كل موجة تحمل ذكرى، لكن كل حبة تراب هي ذكرى دم. ويجب ان نعترف بأنه يوجد في ذلك شيء ما مرضي. ففي الدولة التي يُنسى فيها فنانو الماضي ويُمحى الأدباء ومفكرو الأمس فيها كأنهم لم يوجدوا، تكون حروب الماضي هي الحاضر والمستقبل ايضا.
إنتظروا، إنتظروا يوم الغفران هذا، فقد ظهرت المبشرات، مع كل قصص البطولة والثكل والدبابات المحروقة والموتى والناجين؛ والكشف عن ركام آخر من محاضر جلسات سرية وشهادات لم ترَ النور قط، ولا تلقي بأي ضوء على شيء لم نعرفه من قبل.
إن كل حرب تحمل معها بالطبع ذكريات مؤلمة لأفراد وللمجتمع، فالمقاتلون والعائلات الثكلى ورفاق السلاح ومعهم دولة كاملة لا يستطيعون أن ينسوا.
قد يكون من المهم ايضا تذكر ‘تراث المعركة’ مهما يكن معناه، وان يُورث للأجيال التالية. لكن نبش الدم هذا يتجاوز ذلك كثيرا وهو يبلغ ذروته في ما يتعلق بحرب يوم الغفران، التي هي الحرب التي يحب الاسرائيليون تذكرها أكثر من كل حرب اخرى، وهي الحرب التي لم يكن أكثر الاسرائيليين قد ولدوا فيها أو كانوا في اسرائيل حينما نشبت. وقد كانت أفتك الحروب وأكثرها مباغتة، وهي الوحيدة منذ 1948 التي لم تبادر اسرائيل اليها، ويبدو ايضا أنها آخر حروبها التقليدية. لكن ما الذي يحمله الاسرائيليون من ذكراها؟ وأي درس يستخلصون منها؟ لا شيء. فلو أن نبش الماضي كان يفضي الى استخلاص دروس حقيقية لكانت توجد فائدة كبيرة في التذكر. لكن النقاش العام ينحصر هنا في ذكريات أفراد مؤلمة وأصيلة، وفي اسئلة هامشية نسبيا عن ‘المفاجأة’.
هل كان أشرف مروان عميلا مزدوجا، وما هو نصيب إيلي زعيره من التقصير، وكيف أنقذ حاييم بارليف وارييل شارون شعب اسرائيل وهل ظُلم دافيد اليعيزر. قد تكون الاستخبارات استخلصت دروسها ومثلها ايضا قوات المدرعات، لكن من المؤكد ان دولة اسرائيل لم تستخلصها.
ما أكثر ابتذال تذكر التقصير الحقيقي في تلك الحرب الممتنعة، والدعوات المصرية للسلام التي تجاهلتها اسرائيل، وغرورها وغطرستها وعماها في الأساس التي بقيت كما كانت بالضبط الى هذا اليوم، ومن المبتذل ان نذكر السجود للجنرالات (الذي انقضى) وللساسة (الذي بقي كما كان).
وما أشد ابتذال المقارنة بين تلك الايام وهذا الزمان.
ومع كل ذلك، لن يكون من المبالغ فيه مرة اخرى مع بدء مهرجان الشعراء لحرب يوم الغفران ان نتذكر ان الضحايا الاسرائيليين الـ 2569 قتلوا عبثا؛ وأنه لو كان لاسرائيل قيادة اخرى لكانوا يعيشون معنا اليوم (وما كنا نحتاج ايضا الى تذكر الذكرى السنوية لتلك الحرب).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
دعوكم من الدم على الايدي
بقلم:ابراهام بورغ،عن هآرتس
يسيطر على اسرائيل منذ نشأت الدولة نوع واحد فقط من الخطاب هو ‘خطاب 1948′. إن كنزه اللغوي ونحوهُ الداخلي واضحان ومعلومان يريان ان العرب أشرار ونحن أخيار، وأننا نطمح الى السلام وهم يُهيجون الحروب، ونحن الأكثر اخلاقا في العالم وهم قتلة سفلة ومتعطشون للدم. ومضامين الخطاب في الجانب الفلسطيني تشبه هذه الصورة شبها دقيقا. وهذا خطاب عدم ثقة مطلق وشك دائم. وكادت تنشأ هنا فرصتان لخطاب جديد مرتين زمن زيارة أنور السادات، وفي فترة مسيرة اوسلو واتفاق السلام مع الاردن، وتم اضاعتهما مرتين.
كتب مئير اريئيل ذات مرة يقول: ‘إعلم ان كل المفاسد تأتي من استعمال فاسد للكلمات. إن الفكر يحتاج الى كلمات للخروج الى العالم، رغم أن اللغة والكلمات تُريان مثل الهواء للنفس. وإن مشروع الانسان العظيم كله يخرج من الكلمات ويعود اليها، وكل شيء متعلق بمن يستعمل الكلمات وبكيفية استعمالها’.
يصعب أن نأمل نتائج مصالحة وتفاهم مع كلمات مصدرها الحرب والعداء. إن الكلمات الاخيرة تولد احيانا مع الزمن والتسليم، وتكون احيانا كما في حالتنا ضرورية لبدء الخطاب أولا وآخِرا. في هذه الايام يجلس مرة اخرى المندوبون ويُجهدون أنفسهم للتوصل الى تسوية. بيد أن اللغة من خارج غرفة المحادثات هي نفس لغة العداوة القديمة، ولهذا يصعب ان نتوقع نتائج تختلف عن تلك التي أحرزتها جولات المحادثات السابقة التي انتهت الى فشل. وتشهد على ذلك بادرة الافراج عن السجناء. فكل ذلك يتم في تجهم وعدم رغبة سافر وعن استعمال لنفس الكلمات حقا: ‘قتلة’ و’دم على الأيدي’ وباقي المعجم الذي كان موجودا دائما.
إن السجناء جميعا هم نتيجة من نتائج الصراع. ولم يوجد منذ 1967 فصل ولا خط جبهة وتحول كل مكان الى ميدان معركة، وثكل المجتمعان الكثير جدا من البشر الأبرياء. وإن تعجب فعجب أن أكثر ملتزمي السلام الاسرائيليين قد جاءوا من صفوف الجيش، وكثير جدا من السجناء الفلسطينيين يعتبرون من مؤيدي السلام. ويتبين أن اولئك الذين كانوا هناك في جبهة المواجهة العسكرية والدم والموت يعلمون ان هذا الطريق يفضي الى ضياع. ويريدون باسم تجربتهم الشخصية ان يمنعوا الجمهور المتحمس والقادة الذين يحرضونه من السير فيه.
وعلى هذه الخلفية يبرز الشعور الحالي باضاعة الفرصة، رغم أن ألم العائلات الثكلى لن يبرد أبدا فانه لا يجوز ان نصوغ مستقبل الشعبين صدورا عن ماضي أفراد. وتحين دائما اللحظة التي يجب فيها ان يُترك ما كان وأن يُنشأ ما سيكون. وهي اللحظة بالضبط التي يغيب فيها عن الصورة رئيس وزراء اسرائيل. فبدل ان يقف في مقدمة مُنشئي اللغة الجديدة ويقود الفرصة يختفي فجأة. يجب عليه اذا كانت نيته صادقة ان يواجهنا جميعا وان يتحدث بلغة مختلفة تماما. وعليه ان يقول ما يلي تقريبا: ‘يا مواطني اسرائيل، إنني أعلم كم هي صعبة هذه اللحظة التي يجب علينا فيها ان نترك المعلوم والمعروف لنا، وان نحاول انشاء مستقبل مختلف لأجل أبنائنا. وأنا اؤمن أنه يجب أن يُمد خط فاصل بين ما كان وما سيكون كي لا نعود مرة بعد اخرى الى الثُكل وفشل الماضي. وأنا أطلب من السجناء الذين يُفرج عنهم اليوم أن يكونوا سفراء تغيير. وسيتبعكم كل اولئك الموجودين في السجون. ولن توجد حاجة في نهاية المسيرة الى الزنزانات لأن رئيسكم وأنا نبذل كل ما نستطيع كي تصبح كلمات الجيل التالي كلمات أمل وفرح حياة، وكي يحل مضمون ايجابي محل الكراهية والخيبات واليأس والانتقام’.
لو أنه كان يقصد ذلك حقا لأقنعنا واضطرنا جميعا واضطر الواقع الى التغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
سيناريوهان وعدو واحد
بقلم:ايتان هابر،عن يديعوت
تقول الحكايات إنه حينما سُئل مناحيم بيغن ذات يوم عن حرب العراق وايران أجاب: ‘أنا آمل النجاح في الحرب للطرفين’. ويصعب علي شخصيا ان اؤمن بأن هذا كان جواب بيغن، فلم يكن الشخص الذي يُجيب هذه الاجابة. لكنه حتى لو أجاب بهذه الكلمات وحظي برد من الضحك والسخرية الهادرين فلا ينبغي ان نعجب، لأن هذا رد طبيعي تقريبا من كل اسرائيلي تتعرض حياته للتهديد منذ 65 سنة.
وهذا ايضا هو الرد الاسرائيلي الحالي على ما يحدث في مصر: إن العرب يقتلون العرب فماذا يهمنا؟ ليستمروا! لكن مع كل الاحترام إن هذا رد غير حكيم يشهد على أن قائليه قصيرو النظر في فهم الواقع. هذا ما يعتقده ويقوله من يعيشون من اليوم الى غد، لكن ماذا عن بعد غد؟
إن العرب يقتلون العرب اذا، كم؟ أألف أم عشرون ألفا أم مئة ألف؟ يوجد حولنا مليار وربع مليار مسلم كثيرون منهم مستعدون لأن يفعلوا بنا ما يفعلونه باخوتهم في ميادين القاهرة وأزقة حلب. هل يقتلون مليون عربي؟ ماذا سيحدث بعد خمس سنوات أو عشرسنوات؟
اذا انتصر ‘الاخوان المسلمون’ فسنجد في مواجهتنا سريعا جدا عدوا قاسيا وسنضطر الى ان ننشئ من جديد فرق مشاة ومدرعات وتشكيلات طيران حربي لمواجهة جيش مصري قد يكون منكسرا، لكنه كبير جدا وغربي في الأساس كالجيش الاسرائيلي تقريبا. أيعوزنا عشرات مليارات الشواكل في جيب الدولة؟ إنه في الحال التي أمامنا وهي انشاء جيش اسرائيلي جديد تقريبا، سيعوزنا مئات المليارات؟ وماذا يكون اذا انتصر الجيش المصري؟ سيعود ليصبح الكمان الأول في مصر وستعود اليه الثقة في النفس وقد يرفع رأسه بعد بضع سنوات. وسنحتاج في ذلك الوقت ايضا الى انشاء ألوية وفرق جديدة وشراء عدد أكبر من الطائرات. وسيعود الجيش الاسرائيلي ليقف على أطراف أصابعه.
إن مستهلكي الاعلام بيننا يفهمون مما كُتب وقيل الى الآن في الصحافة والمذياع والتلفاز ان جيش مصر هو الذي يتولى تصريف العلاقات باسرائيل اليوم. ويمكن ان ينطبع في نفوسنا ان التعاون يستحق الثناء عليه. وهذا هراء، فلا يوجد حب بين الدولتين وكل شيء بينهما كل شيء مصالح. إن الجيش المصري اليوم محتاج الى اسرائيل، وهم في القاهرة يرفعون دائما سماعة الهاتف من تل ابيب. بعد شهر أو سنة سيعود المصريون ليصبحوا مسلمين أتقياء وأخيارا ويعاودون كراهيتنا لأن هذا هو الرابط الذي يجمع المسلمين جميعا في كل مكان.
ما الذي يجب ان تفعله اسرائيل الآن اذا؟ ان تحذر في الأساس. ينبغي ألا توزع درجات على المصريين وألا تشمت بهم وألا تساعد في السر طرفا من الطرفين وألا تعمل في محاولة القضاء على طرف آخر. يجب ان تجلس في هدوء متفرجة بلا صيحات تشجيع لواحد من الفريقين المتخاصمين.
لكن قد تحين لحظة لا تستطيع فيها اسرائيل ضبط نفسها ازاء انشاء دولة ارهابية في شبه جزيرة سيناء. وقد تنهار ايلات مثلا اذا وجهوا العمل عليها بصورة مكثفة من سيناء. إن فرضي هو ان هذا بالضبط هو الحلم اللذيذ لـ’الاخوان المسلمين’ ورفاقهم والجهاد الاسلامي.
إنهم سيعملون في سيناء في منطقة ضخمة لهم فيها تفوق نسبي وسيحاولون نقل ميدان المعركة من القاهرة الى الشيخ زويد في شبه الجزيرة، وسيضرون باسرائيل وباقتصادها وسيغمزون بانجازاتهم إخوانهم في مصر وقطاع غزة وسورية. وحتى لو فقدوا الكثير من رجالهم ووسائلهم القتالية التي نجحوا في جمعها في سيناء فسيظل النشاط هناك يصرف إليه انتباها عالميا ويصبح مصدر إلهام وتشجيع للاسلاميين المتطرفين. وستكون دولة اسرائيل على كل حال في مشكلة. واذا لم يكن هذا التقدير صحيحا ولا يتشكل فماذا يكون؟ سنعود ونبحث ونحاول استخلاص استنتاجات جديدة. هل تنبأ كبار المستشرقين بما حدث في الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة؟ وهل نجحوا في تقديراتهم؟ إن من كان يحسد في هذه الاوقات رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان الذين يجب عليهم ان يقرروا لأنه لا يوجد من يقرر في مكانهم فلينهض.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اوباما في ورطة حيال مصر
بقلم:تساح يوكد،عن معاريف
التغيير يجب أن يقع في مصر. تغيير منهاجي، كبير، مرتب، وهو يجب أن يبدأ الان’. هذا ما قاله الرئيس اوباما ليس في الايام الاخيرة، في اعقاب المذبحة التي ينفذها قادة الحكم العسكري بحق مؤيدي مرسي المعزول، بل قبل سنتين، عندما خرج ملايين المصريين الى الشوارع في دعوة للاطاحة بالرئيس مبارك. التعابير التي اختارها في حينه الرئيس كانت تعابير قاطعة لا لبس فيها، أسود وأبيض. وبتعابير جورج بوش، يمكن القول انه قسم في حينه الواقع في مصر الى أخيار مقابل اشرار. مبارك كان الشر، المتظاهرون كانوا في جانب الاخيار. غير أنه منذئذ مرت سنتان.
اوباما، الذي رأى في الانقلاب في مصر استمرارا مباشرا لخطابه الشهير في جامعة القاهرة، ذاك الذي وضع خطا مباشرا بين شعار التغيير الذي باسمه انتخب للرئاسة ودعوة التغيير من المتظاهرين في ميدان التحرير صحا، فالواقع صفعه على وجهه، فقد تلبدت السحب فوق ما وصف في الماضي بانه ‘الربيع العربي’. وهذا الاسبوع بدا مختلفا حين قال: ‘امريكا لا تقف في جانب اي من الطرفين’، كما أوضح في خطابه يوم الخميس الماضي. وقد أوضح نائب مستشار الامن القومي بن برودس فقال ان ‘التحدي من ناحيته هو ان اختيار طرف ومحاولة تصميم الحل تضعنا في مركز المشكلة، وفي نهاية المطاف تجعل الولايات المتحدة الموضوع نفسه’.
من ناحية الولايات المتحدة تعد هذه ورطة سياسية، ففي الاختيار بين الاخوان المسلمين ورجال الجيش فان التفضيل الواضح هو للابسي البزات. ومثلما في انقلاب الضباط السابق في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، هذه المرة ايضا الاحساس هو ان الحديث يدور عن شريك مسؤول، معتدل نسبيا، متوازن، افضل بكثير من متطرفي الاسلام. في حينه ايضا، مثلما اليوم، خرج الضباط، بعد أن أطاحوا بالملك واستولوا على الحكم، نحو حملة تطهير عنيفة ضد قادة الاخوان المسلمين. الامر الذي يمكن أيضا أن يشرح ما قاله وزير الخارجية جون كيري في بداية الشهر، حين وصف عزل مرسي بتعابير ‘اعادة الديمقراطية’. فقد قال ان ‘الجيش طلب منه التدخل من قبل ملايين الناس. لافضل حكمي العقلي، الجيش لم يسيطر على الدولة’.
غير ان ما قاله كيري، حتى ان عبر بالشكل الافضل عن الاحساس في اوساط القيادة الامريكية، لا يمكن للرئيس اوباما أن يقوله، وقد اختار الحديث بصوتين. ‘نحن نشجب بكل قوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة وقوات الامن’، قال بحزم في خطابه يوم الخميس الماضي، غير أنه سارع بعدها الى التوازن في اقواله حين أوضح ان الرئيس المنتخب السابق، مرسي، جلب الانقلاب على نفسه في أن ‘حكومته لم تعمل من أجل كل طبقات السكان في مصر’.
كما أن اوباما يفهم انه لم تعد أمامه امكانيات لتغيير الوضع، وفي نهاية المطاف سيتعين عليه ان يدير منظومة علاقات سليمة مع ذات الجيش الذي يذبح الان الموالين لمرسي، وان وقف المساعدات الامريكية بمبلغ 1.3 مليار دولار سيكون بمثابة تحطيم للاواني من شأنه أن يبعث الجيش للبحث عن مصادر مساعدة في اماكن اخرى، اقل ديمقراطية، اكثر تطرفا، اكثر عداء للولايات المتحدة وبقدر كبير لاسرائيل ايضا.
‘ايام صعبة لا تزال أمامنا’، قال اوباما حين دعا الى تنحية مبارك. ‘غير قليل من الاسئلة بالنسبة لمستقبل مصر لا تزال مفتوحة. ولكني مقتنع بان الشعب المصري سيجد الاجوبة على هذه الاسئلة’. بعد سنتين، يبدو أن المصريين لا يزالون يبحثون عن الاجوبة. اما الرئيس، بالمقابل، فقد تعلم درسا مهما عناصره يشعر بها في السنتين الاخيرتين ملايين المواطنين في سورية وفي مصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
القرار بعدم خوض المسيرة حتى نهايتها هو القرار الصعب
بقلم:حاييم آسا/ ‘مستشار استراتيجي لاسحق رابين عن معاريف
بينما تشتعل مصر، سورية وبيروت، تحرر اسرائيل سجناء وتجري اتصالا مباشرا بين اسرائيليين رسميين وفلسطينيين رسميين على تسوية سلمية. الفوضى فالتة العقال تقف حيال الهدوء الظاهر، الذي يخلق النشاط الدبلوماسي الاسرائيلي مع الفلسطينيين. ويدور الحديث عن النقيض التام لوضع الشرق الاوسط مثلما كان في عشرات السنوات الاخيرة. في حينه كان الشرق الاوسط هادئا ومستقرا، ظاهرا، والاسرائيليون وحدهم الذين ‘عرضوا للخطر’ الاستقرار في المنطقة.
وعليه، فان السؤال هو ‘هل جيد لاسرائيل ان تجري مسيرة سياسية أم لا. اليمين في اسرائيل يدعي أنه لا، ولكن نذكر انه ادعى هكذا دوما. خسارة، لان صورة الوضع الحالي جيدة لاسرائيل، بل وحرجة. وتوريد الاوكسجين الذي يمكن لاسرائيل أن تربحه منوط بوجود مسيرة سياسية. ومع ذلك، فان المفاوضات عديمة القيمة اذا لم يكن لها هدف واضح وحقيقي، بمعنى اذا لم يكن في اساسها أمل من الطرفين للوصول الى نهاية ناجحة. لهذا الغرض فان الطرفين مطالبان بخلق الثقة، غير أن الوضع الذي بدأت فيه المفاوضات لم تكن ذرة ثقة بين الطرفين. وهذا هو السبب الذي يجعل اسرائيل مطالبة بان تتخذ خطوات لبناء الثقة فحررت سجناء، مخربين، قتلة من السجن.. خطوات بناء الثقة هي الاثمان ‘التي على الطريق’ اثمان تتيح المسيرة نفسها، اسرائيل تدفع الاثمان العالية وهي بمثابة ورقة ضمانة لنواياها الجدية، والمسيرة نفسها تساهم في مكانتها بشكل كبير، مكانة لها تأثير مباشر على مكانتها الاستراتيجية.
ليس واضحا لاي منا اذا كانت هذه الخطوة الاسرائيلية الناجحة هي نتيجة استراتيجية اسرائيلية ام ضغط امريكي. كلنا نعرف بان هذا الطريق ليس طريق اليمين، الذي يوجد اليوم في الحكم في اسرائيل. هناك غير قليل في اوساط اليمين ممن يتوقعون انهيار المسيرة، صحوة احد ما او فقدان تصميم الامريكيين. ويجدر القول لرئيس الوزراء: سر الى هذا حتى النهاية. حتى لو ترك بينيت ورفاقه، حتى لو هجر فايغلين ورجاله الليكود. اسرائيل والفلسطينيون يمكنهم أن يكسبوا الامر الذي توقعوه منذ سنوات كثيرة جدا استقرار العلاقات بينهم، وهذا يمكن أن يحصل فقط في وضعيات نادرة، مثل الان. فبالذات الان الامريكيون يحتاجون لجزيرة صغيرة من الاستقرار داخل الفوضى. بالنسبة للامريكيين شكل موضوع الاستقرار في الشرق الاوسط دوما استراتيجية تأسيسية. هذا هو السبب الذي يجعلها دوما مصممة للسير حتى النهاية، اذا فوتنا اللحظة يحتمل الا يعود، وهكذا يحتمل ان ننخرط في الفوضى المجنونة التي حولنا. التسوية التي يحتمل أن نكون نسير نحوها أهم من أي شيء آخر حتى من الشعار الممجوج المسمى ‘التهديد الايراني’.
يظهر مبعوثو اليمين بين الحين والاخر في وسائل الاعلام الاسرائيلية ويدعون بوجود صفقة بين بيبي والامريكيين نحن نسير نحو تسوية وانتم تسمحون لها بمهاجمة الايرانيين. هذا طرح مجنون، عديم من كل منطق، ولكنه تعليل رائع من أجل اقناع اليمين غريب الاطوار بانه من المجدي الوصول الى تسوية مع الفلسطينيين. وها هو دليل على أن للسخافة ايضا قيمة ايجابية.
اذا عرقلت اسرائيل مسيرة السلام، فانها ستجد نفسها داخل الفوضى. من يعتقد أن القرار للوصول الى تسوية هو أصعب القرارات لا يفهم بان . هذا سيكون قرارا عديم المسؤولية وغير رسمي، قرارا سياسيا يخدم بعض اللاعبين الذين يتمسكون بكراسي الائتلاف، ولديهم ظاهرا القوة لتهديد رئيس الوزراء سياسيا. لم افكر ابدا يوما اني سأكتب مقالا يشجع نتنياهو بل ويثني عليه. ها هو، هذا أيضا يحصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لعبة الاخوان والجيش نهايتها الصفر
بقلم:د. ميرا تسوريف،عن معاريف
مستوى الدماء ارتفع في نهاية الاسبوع غير أن هذه المرة كانت ساحقة المعركة ارتفعت درجة هي الاخرى، اعضاء الاخوان المسلمين ومؤيدوهم استبدلوا ميداني رابعة العدوية والنهضة بمسجد الفتح في ميدان رمسيس. المسجد الاسلامي، الذي يجمع في الايام العادية المؤمنين في صلاة الجمعة، اصبح مخزن سلاح وساحة قتال بين مؤيدي الرئيس المعزول والجيش المصري، بجنوده وضباطه.
الفكرة في أساس التمترس في المسجد كانت على نحو شبه مؤكد، من أن قوات الجيش ستجد صعوبة في الحفاظ على وحدة الصف ما أن تنتقل ساحة القتال الى المسجد، وذلك لان المتدينين من بين لابسي البزات، كما أمل المتظاهرون، سيترددون بل وربما سيرفضون المس برجال الاخوان المسلمين في أرض تعتبر مقدسة، حيث يحرم فيها سفك الدماء تماما.
ولكن تبين أن الحزم والعزم لدى الجيش لم يتضررا. فالجنود والضباط اقتحموا المسجد، ردوا بالنار على مطلقي النار، اعتقلوا مئات من مؤيدي الحركة وصادروا مخزونات السلاح، واضافة الى ذلك، فان مؤيدي الجيش من بين جبهة الانقاذ الوطني وحركة الشباب ‘تمرد’ ساندوا المقاتلين في مظاهرات تأييد.
يبدو أن الطرفين مصممان على عدم التنازل. الاخوان، من جهتهم، لا يعتزمون، صحيح حتى الان هجر الميادين والمساجد الى ان تلبى مطالبهم في تحرير مرسي واعادته الى كرسي الرئاسة، وكذا تحرير كبار رجالات الحركة ممن اعتقلوا منذ أحداث 30 حزيران/يونيو. نهج ‘عليّ وعلى اعدائي يا رب’ هذا من شأنه أن يشطب تماما انجازات الحركة، التي حققتها على مدى 80 سنة من وجودها، وذلك لان الشعب المصري لن يغفر المس الشديد بالتكافل والتضامن اللذين تميز بهما.
هذه الحركة الشعبية، التي كانت مغروسة عميقا في قلوب ملايين المصريين ستفقد بالتدريج وعلى نحو مستمر قدرتها على اعادة البناء السياسي، وتطلعاتها في أن تكون شريكا فاعلا في اللعبة السياسية ستصبح غير ممكنة على نحو ظاهر. وفضلا عن ذلك، فان استمرار الاعتصام في الميادين وفي المساجد من شأنه أن يؤدي الى شروخ وانشقاقات في الحركة ويمزق تكتلها، الى من يؤيد السير حتى النهاية المريرة ومن يعتقد أنه يجب التسليم بالواقع، باخلاء الميادين والعودة الى البيوت لغرض المراجعة الداخلية العسيرة. مؤشرات أولية على هذه المسيرة بدأت تظهر في تموز/يوليو الماضي، مع انسحاب نحو 500 شاب من الحركة، ممن يرون أنفسهم اصلاحيين ويسمون أنفسهم ‘اخوان بلا عنف’.
اما الجيش من جهته، فقد أبدى على مدى الاسبوع الماضي حزما في تطهير الميادين من نزلائها من مؤيدي الاخوان. وأجاد في التعبير عن ذلك وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي الذي ادعى بانه ‘على الرغم من أن للمتظاهرين الحق في الاحتشاد في الميدان والتظاهر، فواضح أن الاحتجاج لا يمكنه أن يستمر الى ما لا نهاية. فالقانون والنظام يجب ان يحفظا ولسكان المدينة الحق في ان يصلوا الى بيوتهم واماكن عملهم. كل عمل يتخذ سيتم حسب القانون’.
ولكن اعلان المسؤولين في الحكومة الانتقالية بوجوب شطب حركة الاخوان المسلمين من الخريطة السياسية من دون عودة، ليس فيه ما يجلب الى الميادين الهدوء والحياة العادية التي تحتاجها مصر. يجدر التشديد على أن اعادة النظام والامن الى المدن حتى بثمن حمام دماء مكثف لن تؤدي بالضرورة الى اختفاء حركة الاخوان المسلمين عن الخريطة السياسية. وعليه، فان اللعبة التي نهايتها الصفر والتي يلعبها الطرفان من شأنها أن تدهور مصر عميقا الى الهاوية التي تقف على اي حال على شفاها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس