النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 465

  1. #1

    اقلام واراء عربي 465

    اقلام واراء عربي 465
    1/8/2013

    في هذا الملــــف:
    بدء جولة المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في واشنطن
    د. يوسف نور عوض (كاتب من السودان)/القدس العربي
    شامير 1991 ... نتنياهو 2013
    عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
    فرصة أوباما ـ كيري تستدعي دور «الأخ الأكبر»
    بكر عويضة/الشرق الأوسط
    السلام العادل مصلحة للجميع
    رأي الراية القطرية
    الاتفاق بعد 9 أشهر .. أفلح إن صدق
    رأي الوطن العمانية
    مفاوضات الشهور التسعة
    أمجد عرار/دار الخليج
    عندما تبالغ إسرائيل في تفاؤلها!
    محمد كعوش/الرأي الأردنية
    مكاسب إسرائيل: مستوطنات واستفراد بالمفاوض الفلسطيني
    حلمي موسى/السفير
    لماذا يندفع كيري وماذا تغيّر إسرائيلياً؟ لا أوهام كبيرة على استئناف المفاوضات
    روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
    المفاوضات… مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية
    د. فايز رشيد (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    أوروبا و”إسرائيل” . . عقوبات رخوة
    مأمون الحسيني/دار الخليج
    من يسأَل عن المصالحة الفلسطينية؟
    معن البياري/البيان الإماراتية
    العيد يا أبا الوليد
    د. صبري صيدم (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    تشكيك فلسطيني في المبادرة لتحييد مخيم اليرموك
    زياد حيدر/السفير
    إسرائيل وخطاب «المنامات» والدعاية الإخوانية !
    رجا طلب/الرأي الأردنية
    على طريقة إسرائيل.. الإخوان يستخدمون أطفالهم في معاداة مصر
    صبري غنيم/المصري اليوم
    صفقة اليورانيوم الاسرائيلية السرية
    بقلم وليم بر وآفنر كوهن /ترجمة- الصباح عن مجلة فورن بولسي












    بدء جولة المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في واشنطن
    د. يوسف نور عوض (كاتب من السودان)/القدس العربي
    بدأت المباحثات يوم الاثنين الماضي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بعد فترة طويلة من التوقف، ويأمل الجانب الأمريكي هذه المرة أن تسفر المباحثات عن نتائج ترضي الجانبين، وقالت الخارجية الأمريكية إن هذه المباحثات ستركز أولا على خطة سير تعتمد عليها المباحثات بين الطرفين مستقبلا، وذلك ما كانت تفتقر إليه المباحثات في المرات السابقة، بسبب الخلافات الحادة في المسائل الجوهرية بين الجانبين.
    وتقول الولايات المتحدة إن التوصل إلى حل لمشكلة الشرق الأوسط كان دائما حلم الرؤساء الأمريكيين، ولكن هذا الحلم لم يتحقق بسبب الخلافات العميقة لكن وزير الخارجية الأمريكي في رحلته السادسة لمنطقة الشرق الأوسط تمكن من وضع الأسس التي تقوم عليها المباحثات، وذلك ما يبعث الأمل في أن تكون المباحثات هذه المرة على غير ما كانت عليه في المرات السابقة . وستوضع الأسس في الاجتماع الأول في واشنطن لسير المباحثات في الأشهر المقبلة كما يقول الجانب الأمريكي.
    وقد شاركت في إفطار خاص أقامه البيت الأبيض وزيرة العدل الإسرائيلية والمفاوضة الرئيسية ‘تسيبي ليفني’ إلى جانب المستشار القانوني ‘إسحاق مولشو’ ومن الجانب الفلسطيني ‘ صائب عريقات’و’محمد شتايه’ وقال وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ إن الجانبين تعهدا باتخاذ قرارات صعبة، ويأتي هذا التصريح بعد أن وافقت إسرائيل على إطلاق سراح مئة وأربعة من المعتقلين الفلسطينيين، وكان ‘بنيامين نتنياهو’ قد عقد اجتماعا خاصا لمجلس وزرائه للموافقة على إطلاق سراح السجناء والموافقة على بدء المباحثات، وظهرت بوادر إسرائيلية ترحب ببدء هذه المباحثات، وكذلك كان موقف المفاوض الأساسي من الجانب الفلسطيني ‘صائب عريقات’. وكانت المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد توقفت بسبب الخلافات حول مشروعات بناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، وتتركز الخلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول مصير القدس، وحق العودة وترسيم الحدود بين الدولتين، وعلى الرغم من هذه التطورات فإن الجانب الإسرائيلي يقول إن أي اتفاق يتم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا بد أن يخضع لاستفتاء يوافق عليه الشعب الإسرائيلي، وإذا تمت الموافقة فإن إسرائيل سوف تسحب مواطنيها من المناطق التي يدور حولها النزاع في الوقت الحاضر. وستطبق الاتفاقات فقط على القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 ولم يعترف المجتمع الدولي بالاحتلال، ومن الجانب الفلسطيني قال الرئيس محمود عباس إنه سيضع أيضا أي اتفاق يتوصل إليه مع إسرائيل إلى استفتاء شعبي .
    وكانت المباحثات في الماضي قد تتابعت بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولم تحرز النتائج المطلوبة، وكان أولها في عام 1991 في مدريد، تبعتها محادثات أخرى في عام 1993 شاركت فيها منظمة التحرير الفلسطينية في مداولات سرية جرت وقائعها في ‘أوسلو’ وأسفرت هذه المباحثات عن إعلان مبادىء يتضمن استقلالية الدولة الفلسطينية، وتبع ذلك توقيع اتفاق في القاهرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘اسحق رابين’ والزعيم الفلسطيني ‘ياسر عرفات’.
    وهكذا تتابعت المحاولات الأمريكية في هذا الاتجاه وهي محاولات لم تسفر عن نتيجة واضحة خاصة بعد أن فشل الرئيس ‘بيل كلينتون’ في أن يقنع الجانبين بتوقيع اتفاق ينهي الخلاف حول القدس وعودة اللاجئين، وكما هو معلوم فإن ذلك هو جوهر الموقف الفلسطيني، ونتيجة هذا الإخفاق اندلعت الانتفاضة الفلسطينية التي تسببت في القلق الإسرائيلي، إذ أن إسرائيل تخشى ـ دائما – من التحركات الشعبية على هذا النطاق.
    ولم تتوقف الجهود المصرية من أجل إقناع الجانبين بضرورة التوصل إلى اتفاق، ولأجل هذا تواصلت الاجتماعات في طابا ولكنها فشلت في أن تسفر عن نتيجة حاسمة، غير أن الاجتماعات في شهر يونيو من العام نفسه في الأردن أسفرت تحت رعاية الرئيس ‘جورج بوش’ عن رسم خريطة طريق تتحقق بها الدولة الفلسطينية، وقد شارك في قمة الأردن رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘إرييل شارون’ والرئيس الفلسطيني ‘محمود عباس′ الذي شارك أيضا في قمة شرم الشيخ في فبراير عام ألفين وخمسة وهي القمة التي تم فيها إعلان انتهاء العدائيات، غير أن العدائيات ظلت مستمرة واحتاجت إلى جولة أخرى تجلت في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘إيهود ألمرت’ والرئيس ‘عباس′ في نوفمبر عام ألفين وسبعة في ‘أنابولس′ في ولاية ‘ميريلاند’ وهو لقاء لم يحقق المطلوب إذ في التاريخ نفسه وهو السابع والعشرون من نوفمبر من السنةالتالية 2008 قامت إسرائيل بعدوانها على قطاع غزة، وذلك ما جعل الفلسطينيين يوقفون المفاوضات، واستمر هذا الوضع حتى شهر سبتمبر من عام ألفين وعشرة عندما نظم الرئيس الأمريكي ‘باراك أوباما’ مفاوضات مباشرة بين الرئيس ‘عباس′ ورئيس الوزراء الإسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’ ولكن في السادس والعشرين من الشهر نفسه انتهى تاريخ التجميد الجزئي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية وقامت إسرائيل بنشاطها القديم، وذلك ما اضطر القيادة الفلسطينية لوقف المباحثات المباشرة معها، وفي التاسع عشر من شهر مايو عام ألفين وأحد عشر اقترح الرئيس ‘باراك أوباما’ أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967. ولكن هذا المقترح رفض من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’ الذي اعترض على الحدود في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفي الثالث والعشرين من عام 2011 أعلنت اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أنها تخطط لبدء المباحثات بين الطرفين في خلال شهر مع التزام بتحقيق اتفاق بنهاية عام 2012.
    وفي الحادي والعشرين من أكتوبر 2011حصل الفلسطينيون على عضوية منظمة ‘اليونسكو’ وعلى الفور أعلنت إسرائيل بناء ألفي مستوطنة في القدس الشرقية والضفة الغربية كما جمدت إرسال المخصصات المالية للسلطة الفلسطينية، وتدل كل هذه الإجراءات على أن إسرائيل لا تفكر مطلقا في السلام ولا تريد للفلسطينيين أن يتمتعوا بكل ما هو مشروع لشعوب الأرض .
    وفي تاريخ الثالث من يناير عام 2012عقدت مباحثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأردن، وانتهت هذه المفاوضات بغضب فلسطيني بعد الجولة الخامسة من المباحثات .
    وأما في الثلاثين من إبريل عام 2013فقد أصدرت الجامعة العربية تعديلا في مبادرتها لتشمل إمكان تبادل الأراضي بين الطرفين، وفي الثامن عشر من شهر يوليو صرح مسؤول فلسطيني بأن القادة الإسرائيليين سيصوتون على خطة الولايات المتحدة بألا تعتمد المباحثات بين الطرفين على وقف بناء المستوطنات .
    وفي التاسع عشر من شهر يوليو صرح وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ بأن الطرفين قد توصلا إلى أسس لبدء مباحثات الوضع النهائي، وتبع ذلك إعلان وزارة الخارجية الأمريكية بأن المباحثات بين الطرفين ستبدأ في التاسع والعشرين من يوليو وهو الموافق يوم الإثنين الماضي، وسيكون مقر المباحثات هو واشنطن وستستمر على مدى يومين، فهل تؤدي مباحثات واشنطن إلى نجاح لم يكن سمة المباحثات السابقة، لننتظر ما تسفر عنه هذه الجولة الجديدة .


    شامير 1991 ... نتنياهو 2013
    عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
    بخلاف الفلسطينيين، ليس للمفاوضات عند نتنياهو حكومته، من أهمية تتعدى موائدها ومؤتمراتها الصحفية، واستمرارها إلى “ما شاء الله” ... “المفاوضات من أجل المفاوضات” لا أكثر ولا أقل ... المسألة ليست هاجساّ أو عقدة عند نتنياهو أو أي من أركان حكومته وائتلاف اليمين واليمين المتطرف الذي يحكم إسرائيل ... المسألة (ببساطة)، أنهم يعرفون “مصلحة إسرائيل العليا”، بإدامة المفاوضات، وتأبيد الوهم بأن هناك عملية سلمية، وأن تقدماً يُحرز في كل مرة ... إذ تحت جنح هذا الوهم، وخلف ستار الأكاذيب الكثيف الذي تعمل على بنائه، آلة الدعاية الإسرائيلية، تكون إسرائيل، قد استكملت ما بدأته من عمليات تهويد وأسرلة وضم واستيطان، وتكون قد واصلت سياساتها القديمة – الجديدة – المتجددة: فرض الوقائع الصلبة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
    نتنياهو، شأنه في ذلك شأن جميع رؤساء حكومات إسرائيل المتعاقبة، يخشى الصدام بواشنطن، والمؤكد أنه لا يرغب في الظهور بمظهر من أعاق وعرقل مهمة وزراء خارجيتها أو رؤساء إدارتها ... ليس نتنياهو، العارف بدقائق المشهد الداخلي الأمريكي، من يرغب أو يريد أن يضع نفسه في حالة مواجهة مع باراك أوباما أو جون كيري ... لذا نرى الرجل يذهب إلى المفاوضات، ويقدم في سبيلها “أكثر التنازلات إيلاماً” ... أليس هو من قال في اجتماع حكومته “لقد وافقنا على إطلاق سراح 104 إرهابيين حتى لا نضطر للاعتراف بخط الرابع من حزيران أو وقف الأنشطة الاستيطانية”؟!
    التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه اليوم بالبارحة ... قبل 22 عاماً، طاف جيمس بيكر في المنطقة جيئة وذهاباً، ونفذ وزير الخارجية الأمريكي القوي آنذاك، إحدى عشرة جولة مكوكية فيها، ولوّح بكل أوراق القوة والضغط التي يمتلكها، بما فيها “ضمانات القروض الأمريكية لإسرائيل والبالغة عشرة مليارات دولار” ... ما كان لسلف نتنياهو ومعلمه وأبيه الروحي اسحق شامير، أن يقف سداً في وجه طموحات بيكر وأحلام سيد البيت الأبيض ... رضخ للضغط، وذهب إلى مدريد وتعهد بأن “يجرجر” العرب والفلسطينيين وراءه عشر سنوات في مفاوضات عقيمة... انقضت السنوات العشر، وبعدها مثلها وأزيد، وما زلنا في مهب المفاوضات العبثية.
    اليوم، وبعد ستة جولات مكوكية في المنطقة، قام بها وزير الخارجية الأمريكية المخضرم جون كيري، واستخدم في أثنائها كل أوراق القوة والضغط، بما فيها القرار الأوروبي بإخراج مستوطنات الضفة من “ولاية” الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ... ما كان لنتنياهو إلا أن ينحني أمام العاصفة، واضعاً لنفسه وحكومته ومفاوضيه، خطين أحمرين: الأول، لا عودة لخط الرابع من حزيران، ولا وقف للاستيطان، وبعد ذلك كل شيء ممكن، وهذا ما حصل على أية حال.
    في العام 1991، كانت الولايات المتحدة المتجهة لتزعم نظام القطب الواحد الجديد، بحاجة لمبادرة من عيار ثقيل، تهدئ بها من روع العرب الذي كان مرسوماً لهم أن يلعبوا دوراً حاسماً، سياسياً وإعلامياً و”شرعيا” على الأقل، في حرب تحرير الكويت واحتلال العراق ...جاءت فكرة “مدريد” وانتعشت الآمال بعملية السلام، وما أن وضعت الحرب أوزارها محققة أهداف “العدوان الثلاثيني”، حتى عادت واشنطن وتل أبيب إلى سابق يوميات “حلفهما الاستراتيجي”.
    في العام 2013، تبدو الولايات المتحدة في وضع مغاير، لكن مصالحها و”تكتيكاتها” لم تتغير ... نظام القطب الواحد يودع حقبة ليدخل العالم من بعده، في نظام تعددي الأقطاب، وواشنطن في حالة تراجع استراتيجي في المنطقة، بل والمنطقة برمتها في أدنى سلم اهتماماتها وأولوياتها ... أما حين يتصل الأمر بالمنطقة ذاتها، فثمة ملفات أكثر أهمية من القضية الفلسطينية وصراع الفلسطينيين مع محتليهم ... في هذا السياق يبدو الاهتمام الأمريكي مفاجئاً إلى حد ما، بل وشخصياً يكاد ينحصر بأجندة الوزير، وليس الإدارة كما تقول تقارير عديدة ... بيد أنه اهتمام يخفي مع ذلك، مصلحة في “ضبط إيقاع الصراع العربي الإسرائيلي” إلى حين التفرغ من معالجة الملفات الأكبر والأكثر تفجراً: إيران، سوريا، والآن مصر وغداً تونس وهكذا.
    يدرك نتنياهو هذه الحقيقة بلا شك، ولذلك نراه “يساير” الوزير الأمريكي في إنفاذ بعض رغباته، هو يعرف بلا شك أن طريق المفاوضات ليست بالضرورة نافذة ... هو يدرك أنها ليست أولوية أولى على جدول أعمال واشنطن .... هو يدرك أنها “محاولة أخيرة” ... هو يدرك أن حدودها وسقوفها متواضعة للغاية، لذا لا نراه يتردد كثيراً في الالتحاق بقطارها، طالما أن الكلفة محدودة، والنتائج خاضعة للسيطرة، وطالما أنها توفر مظلة وحاضنة “للمصلحة الإسرائيلية العليا” طالما ظلت في الغرف المغلقة، ولم يترتب على أي من نتائجها، ما يمكن أن يفسد شهية الاستيطان والتوسع والاحتلال.
    قد يقال الكثير عن جهود كيري وأوراقه، وقد يقال ما هو أكثر عن “توافقات” المتفاوضين ... ولا شك أن عواصم المنطقة جميعها تلهج بالدعاء لكيري ومهمته، نظراً لإفلاسها ومحدودية خياراتها، وليس لإيمانها بأن “الدعاء” وحده يمكن أن يخرج عملية السلام من استعصاءاتها ... بيد أن مكتوب مهمة كيري يقرأ من عنوانه، وعنوانه في تل أبيب وليس في واشنطن، عنوانه في القدس ومستوطنات الضفة وغور الأردن والتلال الغربية والترتيبات الأمنية ... هنا مربط الفرس، وعند هذه الصخور ستتحطم مهمة كيري كما تحطمت “تايتانيك مدريد وأوسلو” ... فلا تستعجلوا التفاؤل ولا تستبشروا باحتفالات “التوقيع” قبل أوانها.


    فرصة أوباما ـ كيري تستدعي دور «الأخ الأكبر»
    بكر عويضة/الشرق الأوسط
    ليس جديدا أن تواجه جولة تفاوض فلسطينية - إسرائيلية جديدة أصوات أطراف تعترض عليها، مدعومة بوجهات نظر تشكك في الفائدة منها. كلا الفريقين يسوق من الأسباب ما ينطلق من أساس مبدئي أو حسابات تنظيمية، أو مواقف ذاتية. لقاء واشنطن هذا الأسبوع سبقته تلك الموجة، رغم أن هدفه كان محددا بأن يتحدث الطرفان عما سيجري من مفاوضات موسعة لاحقا. مع ذلك، يمكن القول إن اللقاء شكل فرصة للرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري لإثبات أنهما عاقدان العزمَ على المضي في ممارسة ما يلزم كي توصل جولات التفاوض اللاحقة إلى ما فشلت إدارات جورج بوش الأب، بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، في تحقيقه على جبهة السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. فرصة أوباما - كيري تعززها ظروف موضوعية وذاتية. الأول ليس مرهونا لانتخابات رئاسية، وأكثر من التطلع إلى جائزة نوبل للسلام، الأرجح أنه يرنو إلى دخول التاريخ باعتباره صانع المستحيل. الثاني يفيده، إن دخل حلبة سباق الرئاسة مجددا، أن يتضمن سجل حملته الانتخابية إنجاز ذلك السلام التاريخي، خصوصا إذا حظي بأوسع دعم ممكن من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
    ما رشح حتى كتابة هذا المقال يفيد بأن لقاء واشنطن انتهى إلى اتفاق الطرفين على التوصل إلى تسوية دائمة خلال تسعة أشهر. جيد، إنما من المستحسن أن نكون مهيئين لعقبات محتملة. مثلا، لن يدهشني أن يوضع السفير مارتن إنديك في قفص اتهام الانحياز. المرشح الأول لتوجيه اتهام كهذا هو الطرف الفلسطيني. إنما، ضمن إثارة غبار من المسؤول عن تعثر المفاوضات، سيدلي الخصم الإسرائيلي بدلوه هو أيضا، فينال إنديك بعض النصيب من لوم تل أبيب. حصل هذا من قبل مع دينيس روس، جورج ميتشيل، ومارتن إنديك نفسه. لست هنا أدفع عن أحد حق الشك، ولا أدافع عن إنديك أو غيره، ليست لي علاقة شخصية بأحد، إنما لدي، كما كثيرين غيري، أمل أن تحصل مفاوضات جدية بالفعل، لا تخترع لتعليقها، خصوصا من قبل المنهمكين فيها، مبررات تستنسخ تلك التي صارت مملة لكثرة تكرارها، فتثبت من جديد «عبثية» التفاوض، كما يكرر المشككون، وتعطي «صدقية» لمواقف من يعترضون أصلا على كل تسوية ليست تتفق مع فكرهم الاستراتيجي.
    وفي السياق ذاته، أليس يكفي احتمال أن يحدث على الأرض، من جانب غلاة المستوطنين، ما يبرر للطرف الفلسطيني نفض اليد، والخروج من قاعة التفاوض بغضب، ومن قبل أي تنظيم فلسطيني ما يوفر للطرف الإسرائيلي الموقف ذاته؟

    حسنا، لئن حصل ذلك، ندخل الدوامة مجددا. تأخذني مفردة «دوامة» تلك إلى رؤية ذاتية خلاصتها أن علاج الداء الفلسطيني - الإسرائيلي كان دائما متاحا وشديد البساطة منذ زمن بعيد. أي قول ساذج هذا؟! سيقول كثيرون. لست ألومهم، بل ردي، ببساطة، دعهم يقولون. المنطق يقول إنه لو أراد «كبار» المعنيين حل «قضية» يصر كل أطرافها على تصويرها مستعصية على كل الحلول لأمكنهم ذلك. وإذا كان من الضروري السؤال: منذ متى كان الحل ممكنا؟ فإن الجواب بسيط أيضا، منذ ما قبل إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، كان الواجب الأخلاقي يحتم على لندن ألا تخرج من فلسطين قبل إرساء أسس سلام، لكن ذلك لم يحصل، ثم جاء تقسيم 1947 ومضى، ثم سويس 1956، وبعدها أيام 67 الستة، فأكتوبر (تشرين الأول) - رمضان 73، ثم كامب ديفيد 79... إلخ، إلخ، كم من حرب وضعت أوزارها زورا، إذ تركت الجمر مشتعلا تحت ركامها كي تلد ضرة لها تحرق أكثر من سابقتها.
    لماذا؟ لأن أحدا بين «الكبار» لا يريد الحل. ذلك، بجد، حتى الآن، هو الجواب. من هم أولئك؟ ومن يكونون سوى، أولا، كبار المتحكمين بالقرار في عواصم القرار العالمي، وصولا إلى قادة كبار على ضفتي المأساة ذاتها، مرورا بمن خشوا زوال عظمة زعاماتهم من دون نكبة فلسطين والذود عن قضيتها المقدسة على الساحة القومية؟ أحد معاني الساحة أنها مكان اللعب، والذين لعبوا بمأساة الفلسطينيين كثيرون، وكذلك أيضا الذين حولوا قدسية «القضية» إلى ملعب كل منهم يسدد في مرماها من الأهداف ما يخدم أجندة حزب، تنظيم، أو زعيم.
    عود على بدء، هل نحن أمام حالة تفاوض مختلفة، ذات حلة جديدة، وجديدها هو الجدية؟ ربما، لكن ذلك لن يتأتى من دون ضغط. ثمة من سيذكر بالمثل الشهير: بإمكانك جر الحصان للنهر، لكنك لن تستطيع إرغامه على الشرب. صحيح. مع ذلك، بوسع كل من أوباما وكيري ممارسة دور «الأخ الأكبر» من دون حصره ضمن ضوابط محددة، أي حتى لو تطلب الأمر الضغط على الطرفين، كي يتجرع كل منهما ما قد يكون مر الدواء. المفارقة هنا أن المرء يحار، ماذا بقي عند الفريق الفلسطيني ما يُضغط عليه به كي يتنازل عنه؟ حظ سعيد للسيد الرئيس أوباما والسيد كيري.
    ***
    محطة 2 أغسطس 1990
    كما ندرك كلنا، ثم محطات تقف على أرصفتها قطارات الشعوب، ثم تعبرها، إنما يصعب، وربما يستحيل دفن كل آثارها في بئر النسيان، يبقى الحدث ذاته علامة فارقة في مسيرة الشعب ما بقي الزمان. مثال ذلك، الثاني من أغسطس (آب) 1990 في ذاكرة الكويتيين، والعراقيين، ثم العرب أجمعين. التراتبية مقصودة. ليس بوسع غير الكويتي، مهما حاول، تصور حجم وقع ألم أن تصحو على إيقاع «بسطار» الشقيق الجار وهو يغزو دارك. أما آلام العراقيين فليست تقل في الوجع، فقد أذاقهم صدام حسين المر ابتغاء عظمته، وذاقوا الأمر بفعل عقوبات دولية ظالمة، كل ذلك جرى لهم ولبلدهم بحكم تداعيات ذلك النهار، أما عن الذي جرى من قصم لظهر العرب، مذ وقع حدث ذلك اليوم، فحدث ولا حرج. قليلون الذين يقبلون التقليب في صفحات الأمس لفهم مجريات اليوم. لكن ذلك طبع ليس يخص العرب وحدهم. ذاكرة الشعوب، في أغلب الحالات، انتقائية، تريد ما ييسر معيشة حياتها اليومية، من دون كثير غوص في تفسير أو تحليل يذكر بما مضى من الزمن. عند هذه النقطة، حري أن أتوقف، كفى ما سبق من تطويل.





    السلام العادل مصلحة للجميع
    رأي الراية القطرية
    لا شك أن انطلاق جولة مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية مؤخرا برعاية واشنطن، هي مصلحة لجميع الأطراف، فإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة التي شهدت على مدى تاريخها الطويل صراعات دامية يعد مطلبا ملحا لأنه لم يعد هناك مجال لمزيد من الصراع الدامي والقتل والعنف، فما أصابها قد كفاها.
    إلا أن الانخراط في هذه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لا تعني أننا نقدم شيكا على بياض، فهناك حقوق لا تقبل المساومة أبدا، فانطلاق المفاوضات يجب أن يكون مبنيا على أساس متين وهو مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل فور إعلانها، والتي لاقت ترحيبا دوليا واسعا.
    الجهود الأمريكية الجبارة التي بذلت من أجل إقناع طرفي الصراع هي جهود مقدّرة ومشكورة من حيث المبدأ طالما سلمنا أن إحلال السلام يتأتى من خلال إجبار إسرائيل على إرجاع الحقوق المغتصبة إلى أهلها، وهذا لا يحصل إلا إذا كانت هناك رغبة أمريكية جدية في فرض السلام على إسرائيل بصفتها أكبر حليف لها في العالم، ولطالما تغاضت عن جرائمها بل إنها تسعى دائما لتبريرها وإظهار إسرائيل في مظهر الضحية لا الجلاد.
    وإذا ما قبلنا من حيث المبدأ هذه المفاوضات إلا أننا لن نرضى كعرب ومسلمين غير إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف وذلك للوصول إلى الأهداف التي حددتها مبادرة السلام العربية ونصت عليها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
    الإعلان الأمريكي الذي رافق المفاوضات عن المدة الزمنية المحددة لها والمتمثلة في 9 أشهر يجعلنا نطالب بضرورة تنفيذ التفاهمات التي يتم التوصل إليها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من خلال الوسيط الأمريكي، وفي مقدمتها إجراء مفاوضات لمدة زمنية محددة تتناول جميع قضايا الحل النهائي وعلى أساس حدود 1967، وإطلاق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب وحصولهم على حريتهم المنشودة.
    من خلال جولات المفاوضات السابقة أصبحت لدى العالم أجمع قبل الفلسطينيين قناعة راسخة بأن إسرائيل تتهرب من الاستحقاقات من خلال إيجاد المشاكل كاستئناف الاستيطان ومواصلة نهجها الإجرامي بحق الشعب الفلسطيني على الأرض من أجل إجبار الفلسطينيين على إيقاف المفاوضات العبثية لكي تظهر أمام العالم بصورة الدولة الراغبة بالسلام بينما الفلسطينيون يتهربون منها.
    الحقوق التاريخية المشروعة للقضية الفلسطينية حقوق ثابتة لا تسقط بالتقادم ولا يجب المساس بها أبدا ،وهي إقامة الدولة المتصلة جغرافيا والمستقلة على حدود الرابع من يوينو عام 1967 ، وتكون القدس عاصمتها وعودة اللاجئين وإطلاق سراح الأسرى وإيقاف الاستيطان، وإذا ما تحققت هذه المطالب العادلة فإن إسرائيل ستنعم بالسلام الشامل والدائم طالما انتفت أسباب المشكلة، ولكن يبقى التساؤل مطروحا دائما، هل لدى إسرائيل الرغبة الحقيقية للسلام؟


    الاتفاق بعد 9 أشهر .. أفلح إن صدق
    رأي الوطن العمانية
    تحت حراب الاستيطان وعلى وقع المزاعم الصهيونية أن أي مساس بالكتل الاستيطانية الكبرى أو حتى الصغرى قد تفجر حربًا أهلية بين قطعان المستوطنين، خرج عرَّاب المفاوضات جون كيري وزير الخارجية الأميركي بإعلان جديد يتبع به نجاحه في إقناع بل إرغام الجانب الفلسطيني على قبول التفاوض مع اللص الصهيوني دون شروط، وذلك بإعلانه أن المفاوضين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة اتفقوا على اللقاء مجددًا خلال أسبوعين بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي خلال تسعة أشهر.
    ويأتي هذا التطور "الكيري" في الوقت الذي يتحدث فيه اللصوص الصهاينة عن "تشجع" و"إثارة" و"أمل" بعد الاجتماع الأول، وقد طغت الابتسامة الخبيثة كالعادة على محياهم وهم يعلنون على الملأ "الإثارة الكبيرة"، في حين كان العبوس وتقطيب الجبين باديًا على وجوه الجانب الفلسطيني.
    طبعًا، لا أحد ضد تطور من شأنه الوصول إلى اتفاق سلام نهائي، على العكس من ذلك تمامًا، فهذا الاتفاق يعني التفاوض على قضايا الحل النهائي التي كان ولا يزال يرفض المحتلون الصهاينة منذ توقيع اتفاق أوسلو الإتيان عليها، إلا أن هناك التباسًا وإبهامًا كبيرين يدفعان إلى التزام التشكيك أكثر من التزام التصديق، وذلك من خلال العناوين الكبيرة التي بدت عليها الجولة الأولى من المفاوضات في واشنطن، حيث إن الجانب الفلسطيني ظهر فيها بدون أنياب، بل حمَلًا وديعًا وسط ذئاب، وهذا يتبين من خلال إسقاط الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، وسير الوقائع على الأرض لصالح كيان الاحتلال الصهيوني حيث سرطان الاستيطان مستمر في الانتشار في الجسد الفلسطيني، وابتزاز الجانب الفلسطيني بقبول استئناف المفاوضات مقابل إطلاق سراح مئة وأربعة أسرى وعلى دفعات، يقابل هذه الخطوة مشروع سرقة جديدة ضخم عبارة عن (5500) وحدة سكنية. وهنا السؤال الذي يفرض نفسه: ما ماهية اتفاق السلام النهائي الذي سيكون بعد تسعة أشهر ـ خاصة بعد تعيين مارتن إنديك السفير الأميركي السابق لدى كيان الاحتلال الصهيوني مشرفًا على هذه المفاوضات، وهو صهيوني أكثر من الصهاينة ـ في حين يرفض العدو المحتل الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية المنتظرة وهي حدود عام 1967م، ويرفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ويرفض عودة اللاجئين، وإطلاق سراح جميع الأسرى؟
    في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن صيغة احتلالية ولصوصية تقوم على تبادل أراضٍ، ودولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح، قد ترى النور وقد لا تراه، لكون أن الاتفاق المنتظر سيتم الاستفتاء عليه داخل فلسطين المحتلة لمعرفة رأي قطعان المستوطنين، وهناك حديث يدور بين من يوصفون بأنهم "خبراء استراتيجيون" وغيرهم عن أن أي إزالة أو تغيير في وضع المغتصبات "المستوطنات" سيفجر حربًا أهلية بين قطعان المستوطنين، كما أن ثمة رفضًا صهيونيًّا واسعًا لرؤية حل الدولتين.
    أفلح كيري إن صدق، لكن بالنظر إلى التاريخ الأميركي في رعاية ما يسمى عملية السلام، لم يقدم موقفًا واحدًا نزيهًا وشفافًا ومحايدًا يمكن أن يقنع الفلسطينيين والعرب بفاعلية وصدقية الدور الأميركي في حل الصراع العربي ـ الصهيوني، فالكلام عن اتفاق نهائي لتسعة أشهر يذكرنا بأدوار جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش "الصغير" الذي أعلن عن خريطة طريق، وفي فترة إدارته أعلن عن بدء مفاوضات تنتهي بتوقيع اتفاق سلام قبل نهاية عام 2008م، في حين لم تكن نهاية هذا العام سوى عدوان غاشم وجرائم حرب صهيونية بحق الأطفال والنساء والمسنين في قطاع غزة. ولذلك نضع أيدينا على قلوبنا من أن يكون إعلان كيري هذا مقدمة لعدوان ما ضد دولة عربية أو ضد الفلسطينيين أيضًا.

    مفاوضات الشهور التسعة
    أمجد عرار/دار الخليج
    أسوأ ما في السياسة أنها عصيّة على الفهم من جانب الناس البسطاء ضحايا التصريحات المعسولة لمسؤولين أدمنوا الكلام نفسه، يلوكونه كما العلكة ولا يخجلون من ترديد الجمل ذاتها مثل “كوبليهات” الأغاني . على جبهة ثانية يجد البسطاء أنفسهم ضحية هجوم تضليلي يقوده إعلاميون مأجورون في وسائل إعلام لها علاقة بكل ما يتخيّله العقل الإنساني والشيطاني، باستثناء الإعلام الذي أصبح توفّر المصداقية في معظمه، كوجود الحياة على سطح المشتري .
    في هكذا أجواء، قد تكون الكتابة عن الطماطم المهجّنة مجدية أكثر من الكتابة عن المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” التي استؤنفت مؤخّراً برعاية “إسرائيلية” بثوب أمريكي . وزيرة الخارجية الأوروبية كاترين أشتون ترى أن “اتفاق السلام النهائي” بات في متناول اليد . هذا يعني أنها لم تقرأ تاريخ الصراع العربي الصهيوني، أو أنها تقرأ تصريحات كتبها لها غيرها، أو أنها لا تقول الحقيقة عن سبق الإصرار والترصّد . بعد تجربة اثنين وعشرين سنة مفاوضات مع “إسرائيل”، لا يجوز لمسؤول يحترم كلمته أن يتحدّث عن “متناول اليد”، إلا إذا كان يقصد يد “إسرائيل”، ولا شيء في متناول هذه اليد سوى الزناد الضاغط للقتل، ومقود الجرافة العاملة ليلاً نهاراً في الاستيطان المستمر قبل وأثناء وبعد المفاوضات، ولا شيء في قبضة هذه اليد سوى خمسة آلاف أسير، تبحث “إسرائيل” إطلاق 104 منهم على سبيل الرشوة، وهي التي تحدد البرنامج الزمني لإطلاقهم على دفعات .
    الراعي الأمريكي جون كيري حدّد للمفاوضات تسعة أشهر ينبغي أن يتوصّل الطرفان خلالها إلى اتفاق نهائي يشمل الأركان الرئيسة التي جعلت المسألة الفلسطينية تحمل مسمّى قضية مدفوع ثمنها آلاف الشهداء وملايين اللاجئين واحتلال فلسطين كلها ومعها أراض عربية سورية ولبنانية . أي أن أحداً ما يجب أن يقنعنا بأن ما فشل في تحقيقه المفاوضون الفلسطينيون مع حكومات كانت توصف بالحمائمية، قادرون على تحقيقه مع حزب “ليكود” الموصوف بالصقرية، مع أن التجربة وقراءة طبيعة الحركة الصهيونية وأحزابها وتاريخها، تقود إلى عبثية البحث عن فروق بين الأحزاب في هذا الكيان .
    لا مبالغة في القول إن غالبية الشعب الفلسطيني بعد تجربة التفاوض الطويلة، فقدت الثقة بهذا النهج، واكتسبت خبرة عميقة في التمييز والحكم على أي لعبة سياسية، وهي تدرك أن بعض الإجراءات الشكلية مثل “التسهيلات” على الحواجز وزيادة عدد التصاريح العمالية والتجارية، لا تعمي العيون عن القضايا الرئيسة . وحتى لو أطلقت “إسرائيل” سراح كل الأسرى الفلسطينيين، فهذا لن يكون مؤشّراً على حدوث تقدّم سياسي، أولاً لأن موضوع الأسرى استحقاق منفصل عن التفاوض، وثانياً لأن الاعتقالات والحواجز ناجمة عن وجود الاحتلال، وإذا كف الفلسطينيون عن النضال، فربما لا يصبح أحد أسيراً، ولما احتاج الاحتلال لسجون .
    ومن الممكن الافتراض تماماً وبكل واقعية أنه لو أطلق سراح كل الأسرى، مع عدم إغلاق ملف الاعتقالات، فإن الشهور التسعة كافية لملء السجون ثانية ربما بعدد أكبر من الآلاف الخمسة .
    أما وقد عاد الطرف الفلسطيني للمفاوضات، فإن مخاض الشهور التسعة التفاوضي لن يأتي بأي مولود سليم، ولن يقبل الشعب الفلسطيني بأي مولود سياسي أقل من دولة مستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين على ديارهم . ومن الآن يجب أن يكون معروفاً، أن “إسرائيل” لن توافق على ذلك .


    عندما تبالغ إسرائيل في تفاؤلها!
    محمد كعوش/الرأي الأردنية
    عندما جلس الوفد الفلسطيني المفاوض على مقاعده حول الطاولة في مواجهة الوفد الاسرائيلي بواشنطن، لابد ان بعض اعضاء الوفد قد لاحظ ان الاسرائيليين بالغوا في التفاؤل، الى الحد الذي يثير الشكوك والمخاوف والقلق، وهو ما يعني انهم ذاهبون الى التصفية وليس الى التسوية او البحث عن حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني، وهوالحل الذي يضع حدا لمخاوف الاسرائيليين الوجودي ايضا.
    الحقيقة ان لا احد يعتقد ان اسرائيل ملكت قوة سحرية طارئة تمكنها من اجتراح المعجزات وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي بهذا الاندفاع والحماس، او انها استعادت القيم الاخلاقية والانسانية الكافية، او آمنت بالواقعية التاريخية، للانكفاء عن تحقيق مشروع يهودية الدولة العنصرية، والقبول بمبدأ تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
    لذلك نتساءل ما الذي حدث ويحدث الان، ولماذا تم احياء المفاوضات في هذا الوقت بالذات؟
    ما نخشاه، هو هذا الاندفاع الاميركي الاسرائيلي، وما يقلقنا هذا الحجم من التفاؤل في تصريحات الاسرائيليين. فالكل يعرف ان اسرائيل تملك الان قدرة الامر الواقع من اجل جلب المزيد من المكاسب والمزيد من الوقت، وهي تراهن على هشاشة الواقع العربي، لذلك التقطت اللحظة التاريخية للانفراد بالسلطة الفلسطينية وفرض الحلول بالشروط الاسرائيلية قبل ان تتجاوز الامة العربية محنتها وتخرج من حالة (الفوضى الخلاقة) وتعيد ترتيب تحالفاتها داحل البيت العربي وخارجه.
    ما ارادته اسرائيل في الماضي، وتريد تمريره عبر التفاوض الان هو منح السلطة الفلسطينية كيانا وسلطة اكثر من حكم ذاتي واقل من دولة. وما تتحدث عنه واشنطن الان هو انسحاب محدود مع تغييرات جغرافية وديمغرافية، تحت شعار الضرورات الامنية الاسرائيلية.
    اما بالنسبة للسلطة الفلسطينية وقيادتها فالذي يرعبها هو الانتظار، رغم ان الانتظار هو الذي قادنا الى وعينا المبكر، وقد يقلقها ايضا الحديث عن ضرورة اعادة القضية الفلسطينية الى بيتها العربي، رغم ان عودتها الى البيت العربي يمنحها القوة ويحصنها ضد الافتراس الاسرائيلي، خصوصا اننا متفائلون اليوم اكثر بانعطاف عربي تاريخي مهم رغم، رغم هذا الكم من الحقد المكبوت، وهذه المعمودية الدموية التي هددت الوجود القومي للامة.
    وامام هذه الحقائق، على المفاوض الفلسطيني أن يتساءل، عبر حوار داخلي غير مسموع، عن خياراته الممكنة واولها التركيز على قضية الاحتلال وجعلها القضية المركزية في التفاوض، والبحث في كيفية جعل الاحتلال اكثر كلفة على الاسرائيليين.
    ننصح بذلك لأن المفاوض الاسرائيلي يجيد المراوغة، وهو يتقن المخادعة كما يتقن لعبة جر المفاوض المقابل الى تفاصيل يسكنها الشيطان، لأنه يؤمن بانه صاحب الحق الالهي في هذه الارض، وهو قادم من مجتمع مسلح بالتوراة والاسطورة، ودولة مدججة بالسلاح الاميركي والدعم السياسي الدولي في عالم لا يعرف العدالة.
    هم، اي الاسرائيليون، متفائلون، ولكنني اكثر تشاؤما، لأن من الخطر ان يفاوض الفلسطني سجانه في حوار غير متكافىء الآن، ومن الاخطر ان يذهب المفاوض الفلسطيني الى واشنطن بلا سند عربي، وقبل ان يفهم لغتهم ومقاصدهم في هذه اللحظة التاريخية. اولا يجب ان يسأل نفسه عن سبب عودتهم اليه، بعدما اغلقوا كل النوافذ والابواب امام مسيرة السلام هذا الزمن الطويل، وبعدما نجحوا في طرد القضية من الذاكرة العربية.
    هذه التساؤلات تحمل الاجابة الصحيحة، وكافية لايضاح كل التباس في فهم الحقيقة.


    مكاسب إسرائيل: مستوطنات واستفراد بالمفاوض الفلسطيني
    حلمي موسى/السفير
    حققت إسرائيل أول إنجاز لها في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في الجانب الإجرائي من الاتفاق، على أن تجري معظم المفاوضات بعيداً عن الحضور الأميركي المباشر.
    وكشف النقاب عن فحوى رسائل الضمانات الجانبية التي قدمتها الإدارة الأميركية للجانبين لتسهيل استئناف المفاوضات، في الوقت الذي تفجرت فيه فضيحة الاتفاق السري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركاه في «الائتلاف الحكومي» لمواصلة البناء الاستيطاني، في مقابل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين.
    ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض، قوله إن أحد الأسباب الأساسية وراء الإلحاح على استئناف المفاوضات، كان الخشية من مواجهة خطيرة بين إسرائيل والفلسطينيين في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول المقبل.
    وقال المسؤول: «لقد أوضح الفلسطينيون خلال العام انه إذا لم يطرأ أي تقدم في العملية السلمية، فإنهم سيحاولون ثانية ترفيع مكانتهم في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى». وشدد على أن «بوسع ذلك أن يخلق توتراً شديداً ويعرقل التقدم الذي نريد رؤيته في المنطقة. وليس سراً أن أحد الدوافع، في نظر الجميع، كان تجنب «صدام قطارات» كان يمكن أن يقع لو لم نستأنف المفاوضات». وأضاف: «الآن عندما تحركت العملية إلى الأمام، تقلص، وربما اختفى، خطر المواجهة في الأمم المتحدة أو في أي مكان آخر».
    بدورها، أشارت صحيفة «يديعوت» الإسرائيلية إلى أن استقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما لطاقمي التفاوض، الفلسطيني والإسرائيلي، جاء بعد تجاوب الطرفين مع الجهود الأميركية لتحقيق اتفاق.
    وأوضحت مراسلة الصحيفة في واشنطن، أورلي أزولاي انه تم التلميح للطرفين أن أوباما مستعد لرعاية المفاوضات ولكن «ليس في واشنطن وجبات مجانية»، وانهم إذا أرادوا «ملاطفة رئاسية» فينبغي لهم التوصل إلى تفاهمات.
    وقالت إن المبادرة الرئاسية جاءت بعد توصل الطرفين إلى اتفاق حول نقطتين مبدئيتين، وهما الإعلان عن أن المفاوضات ستناقش كل القضايا الجوهرية بما في ذلك حدود العام 1967، وإعلان إسرائيل عن سلسلة مبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين لتسهيل ظروف حياتهم في الضفة والقطاع.
    من جهة ثانية، كشفت «معاريف» النقاب عن أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لن تجري طوال الوقت تحت رعاية أميركية، بل في الغالب على انفراد بين الجانبين. وأشارت إلى أن الجلسة أجريت بين الطاقمين الإسرائيلي والفلسطيني من دون حضور الطاقم الأميركي المشرف.
    وإذا ما صح هذا النبأ، فإن ذلك يشهد على نجاح إسرائيلي آخر، حيث ظل الفلسطينيون يصرون على وجود الوسيط الأميركي، في حين طالبت إسرائيل بتركها تتصرف على طريقتها مع الفلسطينيين. ومعروف أن الفلسطينيين كثيراً ما اعتبروا الوسيط الأميركي عنصراً ضاغطاً على إسرائيل أكثر من أي جهة أخرى.
    ولكن «هآرتس» قالت إن المبعوث الخاص للعملية السلمية، مارتن إينديك سيصل في الأيام القريبة إلى المنطقة وسيبقى فيها أسابيع عدة. ولفتت إلى أن إينديك سيشارك في بعض اللقاءات، لا في جميعها.
    وأوضح موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي أن استئناف المفاوضات ولقاء واشنطن، وفرا لإسرائيل وقتاً تحتاج إليه. إذ إن الإعلان عن أن المفاوضات ستستمر تسعة شهور وستناقش كل القضايا الجوهرية بهدف التوصل إلى حل دائم، يعني توقف الفلسطينيين والعرب والاتحاد الأوروبي، عن ملاحقة إسرائيل في الحلبة الدولية.
    وتعتقد إسرائيل أن في وسعها في هذا الجو السعي إلى تلطيف القرار الأوروبي بشأن المستوطنات الذي أعلن قبل أسبوعين. وقد نظرت حكومة بنيامين نتنياهو بارتياح إلى الطريقة التي أدار بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري المداولات حتى الآن، وإلى ما حققته حتى من الناحية الإجرائية بإبقاء المفاوضات في المنطقة بين تل أبيب ورام الله.
    وزاد في ارتياح إسرائيل تكرار كيري أن الهدف هو «وضع حد للنزاع وإنهاء المطالب» في الربيع المقبل، لأنه تضمن المطلب الإسرائيلي الدائم بإنهاء النزاع «والمطالب» وتدشين المفاوضات من دون الإشارة إلى خطوط العام 1967.
    وكشفت الصحف الإسرائيلية النقاب عن الثمن الذي دفعه نتنياهو لشريكه الائتلافي، «البيت اليهودي»، في مقابل السكوت عن الإفراج عن 104 معتقلين فلسطينيين.
    وقالت الصحف إن نتنياهو تعهد لوزير البناء والإسكان، أوري أرييل، بالسماح ببناء آلاف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغربية، في مقابل بقاء الحزب في «الائتلاف».
    ونقلت «معاريف» عن مسؤولين في «البيت اليهودي» قولهم إنه تحقق تفاهم يسمح فيه ببناء آلاف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة والقدس الشرقية، في مقابل تمرير قرار الإفراج عن المعتقلين.
    وبموجب هذا الاتفاق، سيسمح في الشهور القريبة ببناء ألف وحدة سكنية يضاف إليها ما بين 3500 و4500 وحدة أخرى. وقد أشاد أرييل بالتفاهم ضمناً، من خلال تأكيده أنه مقابل كل «مخرب أطلق سراحه» سنبني عشرات البيوت» في المستوطنات.
    ويؤكد أرييل وزعيم حزبه، نفتالي بينت، للمقربين منهما، أن بقاء الحزب في «الائتلاف» نابع من القناعة بأن استئناف المفاوضات لن يفضي إلى أي اتفاق، ولذلك لا جدوى من التهديد بالانسحاب من الحكومة.
    وطلبت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي من «حزب العمل»، المستشار القانوني للحكومة، أن يكشف للملأ الاتفاقات بين نتنياهو وقادة «البيت اليهودي» بعد ما نشر عن الاتفاق.
    وأشارت صحف إسرائيلية عدة إلى رسائل الضمانات الأميركية التي سيقدمها كيري إلى كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وأوضحت «معاريف» أن هذه الرسائل لم تسلم بعد إلى الجانبين وأنها تتعلق بحدود العام 1967 للفلسطينيين وبالدولة اليهودية لإسرائيل.
    وكانت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني رفضت تأكيد أو نفي تسلم رسائل الضمانات المتفق عليها مع الأميركيين.
    وتشير الضمانات أولاً إلى وجوب استمرار المفاوضات شهوراً، وأن لا يقدم الطرفان على أية خطوات من طرف واحد قد تفشلها. والمقصود منع الفلسطينيين من ملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية، ومنع إسرائيل من تكثيف الاستيطان وخلق وقائع جديدة على الأرض.


    لماذا يندفع كيري وماذا تغيّر إسرائيلياً؟ لا أوهام كبيرة على استئناف المفاوضات
    روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
    لا يحظى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل باهتمام كبير نظرا للانشغال الاساسي اللبناني وغير اللبناني بأحداث جوهرية كبيرة تحصل في دولتين عربيتين اساسيتين اي مصر وسوريا من دون ان يعني ذلك عدم متابعة المعنيين الاهتمام بهذا الملف. لكن حتى بالنسبة الى هؤلاء يسهل التشكيك في فاعلية هذه المفاوضات او احتمال نجاحها تبعا لاسئلة واستنتاجات عدة. فبالنسبة الى الاسئلة فقد يكون اهمها ما الذي يجعل استئناف المفاوضات راهنا اكثر حظا من اي وقت سابق بما يحفز على التفاؤل على هذا الصعيد؟ وهل ان التحولات الجارية في بعض الدول العربية الاساسية ساهم في تغيير الحسابات الاسرائيلية في الدرجة الاولى، باعتبار ان التنازلات مطلوبة من اسرائيل اكثر بكثير من الفلسطينيين، بحيث يمكن التعويل على حصول اختراق، وفق مدة الاشهر التسعة التي حددها وزير الخارجية الاميركي جون كيري للمفاوضات الجديدة ؟ ام انه قد يكون اسهل في عز انشغال دول عربية مؤثرة بالتطورات الدرامية فيها، وهي ممن كان لها ادوار اساسية في كل جولة من جولات التفاوض السابقة لم تكن غالبيتها ادوارا ايجابية. وليس بسيطا تحييد هذه الدول نفسها قسرا او عدم تأثيرها، كما هي الحال بالنسبة الى سوريا وعبرها ايران.
    أما بالنسبة الى الاستنتاجات، فهناك ما يتصل في شكل خاص برغبة الديبلوماسية الاميركية ورئيسها تحديدا في التمهيد لانجاز ما يصب في خانته في ظل خيارات اخرى يصعب الانجاز فيها. وهو سجّل لمصلحته نقاطا ايجابيا في اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في العودة الى طاولة المفاوضات بعد مبادرات حسن نية كان آخرها افراج اسرائيل عن أسرى فلسطينيين رفضت اطلاقهم سابقا في مقابل تجميد سعي السلطة الفلسطينية الى الحصول على عضوية دائمة في الامم المتحدة. ولذا ليس غريبا ان تنفرد الولايات المتحدة وحدها بالجهد الآيل الى استئناف المفاوضات دون سائر اطراف الرباعية الدولية التي تضم الى الولايات المتحدة كلا من روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. وثمة من يضيف، في اطار الاستنتاجات، الحاجة المتعددة الطرف اميركيا واسرائيليا وحتى عربيا الى انتزاع ورقة توظفها ايران لمصلحتها تحت عنوان فضفاض يتصل بالقضية الفلسطينية في وقت يستمر التوتر بين ايران واسرائيل على خلفية الملف النووي الايراني فيما يتصاعد التوتر بين الدول العربية وايران على خلفية الانخراط الايراني في الحرب الى جانب النظام السوري وطموحات ايران في اختراق دول المنطقة سياسيا وتوظيفها هذه الطموحات مذهبيا.
    تقول مصادر ديبلوماسية عربية انه لا يمكن اعتبار استئناف المفاوضات مفاجئا الى حد كبير بعد ست رحلات مكوكية قام بها كيري الى المنطقة منذ تسلمه مهماته في وزارة الخارجية في شباط الماضي وتمهيد الدول العربية لهذه المرحلة التي توجت بها مكوكيته بالموقف الذي اتخذته لجنة المبادرة العربية في اواخر نيسان الماضي والتي أقرت فيه مبدأ تبادل الاراضي بين اسرائيل والفلسطينيين اعتبره كيري وقتها خطوة كبيرة الى الامام باعتبارها خطوة تشجيعية كبيرة لاسرائيل على هذا الصعيد. وقد اثار هذا الموقف حينئذ انتقادات مبعثرة لم تجد صدى كبيرا الا انه لم يدحض فكرة التحضير بقوة لاستئناف المفاوضات. وباستثناء التوقعات المرتفعة قليلا التي أثارها كيري على اثر أول لقاء للوفدين الاسرائيلي والفلسطيني في واشنطن مطلع الاسبوع الحالي فإن لا امال كبيرة او أوهام معقودة على استئناف المفاوضات نتيجة التجارب المتعددة خلال ما يزيد على عقدين من المفاوضات من دون نتائج حاسمة، فضلا عن ان تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في اسرائيل ليس مشجعا على هذا الصعيد في ضوء مواقفه الرافضة لوقف الاستيطان ورفضه عقائديا السلام مع الفلسطينيين على رغم الاشارة الايجابية التي يرسلها بتكليف تسيبي ليفني المعروفة بانها من مشجعي السلام مع الفلسطينيين، ملف التفاوض مع الفلسطينيين في هذه المرحلة. لا بل ان العكس هو الذي يطغى على المشهد لجهة الحذر او التحفظ ازاء النتائج المحتملة حتى لو ان نقاطا ايجابية تحققت من مجرد الاجتماع بعد ثلاث سنوات من انقطاع المفاوضات.
    لذلك فان السؤال الذي يتكرر هو هل تغيرت الحسابات الاسرائيلية ام انها مجرد مسايرة للولايات المتحدة، من جهة، من اجل ضمان وقوفها الى جانب اسرائيل في اي قرار يمكن ان تتخذه اسرائيل ضد الملف النووي الايراني او ان المسألة تتصل، من جهة اخرى، بما يحصل في الدول المجاورة لاسرائيل والمجهول الذي تفتح عليه منذ سنتين حتى الآن في ظل ضياع حقيقي لا يملك احد ان يقدم اجوبة واضحة عليه لا الولايات المتحدة ولا احد سواها، وما اذا كان يمكن ان يأتي لمصلحة اسرائيل ام لا؟ اذ ان اسرائيل يمكن ان تستفيد من تغيير النظام في مصر الذي سيكون أكثر التزاما كما النظام ابان عهد مبارك بضوابط العلاقات ومصالحهما المشتركة في حين حظيت السلطة الفلسطينية بزخم تبعا للضربة القاصمة التي تلقتها حركة "حماس" عبر هذا التغيير نفسه، كما انه يمكن ان يستفيد من التداعيات التي يفرضها هذا التغيير على موقع الاخوان في المنطقة واثره على حكم "حماس" في غزة بحيث يتعين على اسرائيل ان تستفيد بدورها من الزخم الذي حصلت عليه السلطة الفلسطينية نتيجة لذلك.


    المفاوضات… مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية
    د. فايز رشيد (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    مؤامرة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية هذه المرة. مباحثات بدأت في واشنطن (الثلاثاء 30 تموز/يوليوالماضي) بين السلطة الفلسطينية واسرائيل وباشراف الامريكي الصهيوني حتى العظم ذي التاريخ الحافل بالتآمر على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مارتين انديك سفير الولايات المتحدة في اسرائيل. الدولة الصهيونية لم تتراجع عن أي من بنود تعنتها الرافضة للحقوق الفلسطينية، بــــل زادت من اشتراطاتها للتسوية. مثلما هو مُتوقع، أسفرت جولة كيري الأخيرة عن تنازل السلطة الفلسطينية عن شروطها للعودة إلى المفاوضات، نتيجة للضغوطات التي تمارسها عليها الإدارة الأمريكية من خلال وزير خارجيتها، السلطة حددت موقفها من خلال مباحثات واشنطن بين صائب عريقات، رئيس ملف المفاوضات في السلطة وتسيبي ليفني وإسحق مولخو مستشار نتنياهو، باجتماعات قليلة، لكن أنباء العاصمة الامريكية أكدت أن المدى الزمني للمفاوضات سيستمر تسعة أشهر، المفاوضات بدأت في واشنطن وستستأنف في المنطقة.
    السلطة للأسف،لا تتعلم من الدروس، فمباحثات عمّان التي أُجريت من قبل مع مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لم تُسفر عن شيء جديد سوى المزيد من تعنت المفاوض الإسرائيلي، ورغم ذلك تذهب السلطة للمفاوضات، رغم وضوح الموقف الإسرائيلي بشكل تام، فقد أعلن نتنياهوعن رفض إسرائيل التام والمطلق لأن تكون المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حدود عام 1967، ليس ذلك فحسب بل أعلن وزراء حكوميون في الائتلاف الحالي رفضهم التام لإجراء مفاوضات على أساس هذه الحدود، ولإقامة دولة فلسطينية. لقد صرّح وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرييل من حزب المستوطنين ‘البيت اليهودي’: ‘إنني لن أسمح بأي إجراء من شأنه أن يجمد الاستيطان. لقد قلت مراراً بأن لا حل قريبا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولهذا فإن ما هو متاح ومهم فعله، هو إدارة الصراع وليس حلّه’.
    من جانبه عبّر رئيس حزب المستوطنين ‘البيت اليهودي’ نفتالي بينيت عن ‘رضاه’ من أن المفاوضات ستجري من دون شروط مسبقة من الجانب الفلسطيني، وقال بالحرف الواحد ‘إن هذا نتيجة لإصرارنا على أن تستمر الحياة بشكل سليم، بما في ذلك استمرار البناء في القدس ويهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة). أما رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ورئيس حزب ‘إسرائيل بيتنا’ الفاشي افيغدور ليبرمان فقد صرّح قائلاً: ‘انه ليس واضحاً مدى شرعية محمود عباس، ولكن على ضوء حقيقة أننا نرفض تجميد الاستيطان، ومن أجل منع مباحثات في مراحل متقدمة، فمن الأجدر إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي مسبقاً بخططنا الاستيطانية القادمة، وهذه الخطط على وشك التنفيذ’. وزير المواصلات إسرائيل كاتس المقرب من نتنياهو، أكد رفضه اقامة دولة فلسطينية في حال تم طرح مثل هذا الأمر على الحكومة، واعتبر استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من دون تحقيق أي من شروطهم، إنجازاً كبيراً، بل العكس من ذلك فالقادة والمسؤولون الحكوميون الاسرائيليون يطالبون بضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) الى اسرائيل، من هؤلاء أوري أرييل وزير الأسكان من حزب ‘البيت اليهودي ‘، نائب الوزير أوفير أكونيس المسؤول عن ردود الفعل في حزب الليكود الحاكم، النائبة الصهيونية تسيبي حوتينبيلي وغيرهم.
    بالنسبة لاطلاق سراح الأسرى: أقرت الحكومة الاسرائيلية اطلاق سراح 104 من الاسرى الذين جرى اعتقالهم قبل توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. اسرائيل ربطت هذا الأمر باربع مراحل زمنية تمتد 9 أشهر. معروف أن اسرائيل تطلق سراح الأسرى الذين قاربت احكامهم على الانتهاء، وليس هناك ما يجبرها على عدم اعادة اعتقالهم، فهذا ما جرى بعد صفقة شاليط. اسرائيل رهنت اطلاق السراح بمدى التقدم في المفاوضات أي أنها تقصد القول: ان تحرير الأسرى سيتم حين يبدي الطرف الفلسطيني المزيد من التنازلات.
    ما أوردناه من تصريحات للمسؤولين الاسرائيليين هو غيض من فيض التصريحات التي يطلقها القادة الإسرائيليون عن المفاوضات مع الفلسطينيين، التي تذهب إليها السلطة الفلسطينية، من دون تحقيق أيٍّ من شروطها، بالتالي ما هو السبب الذي حدا بالسلطة الى الموافقة على اجتماعات واشنطن واستئناف المفاوضات مع إسرائيل؟ بالتأكيد هي الضغوطات الأمريكية، وهذا عذر أقبح من ذنب. السلطة للأسف رغم كل ما تراكم لديها من تجربة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، لا تدرك حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيها بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين حليفتها الاستراتيجية إسرائيل من جهة أخرى. هي لا تملك إمكانية الضغط على تل أبيب، بل تمارسه على الجانب الفلسطيني وعلى العرب.
    للأسف، السلطة قامت بقمع المظاهرات والمسيرات التي نظمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله والعديد من المدن والبلدات الفلسطينية بأشد أشكال القمع، جرح كثيرون وجرى اعتقال العديدين.
    قبيل جولة كيري الأخيرة، تعهدت الولايات المتحدة بإيجاد خطة إنمائية للسلطة الفلسطينية بقيمة أربعة مليارات دولار، من خلال منح واستثمارات أمريكية وأوروبية وعربية. كان هذا هو’الطُعم’الذي استخدمته الولايات المتحدة لاستدارج محمود عباس إلى مفاوضات مع إسرائيل. من ذلك يتضح أن الإدارة الأمريكية ليست فقط لا تمارس الضغوطات على إسرائيل وإنما تتبنى المواقف الإسرائيلية جملة وتفصيلاً.
    جون كيري وزير خارجـــــية الدولة العظــــمى الأولى في العالم، لا يعمل كمراسل فقــــط لإسرائيل من خلال ما يبلغه لرئيس السلطة محمود عباس من مواقف وشروط إسرائيلية، وإنما يُترجم ما يقوله نتــنياهو ويحــــوله إلى وقائع. لقد تحدث رئيس الوزراء الصهيوني من قبل عمّا سماه ‘أولوية السلام الاقتصادي’، فهو يطمح إلى إنشاء مشاريع إنمــــائية أمريكية، اولاً في الضفة الغربية واستعمالها كمدخل للهيمنة السياسية، وإبقاء الاحتلال على الفلسطينيين والنفاذ من خلالهم إلى العالم العربي.
    هذه الخطة الأمريكية -الإسرائيلية تصب في مجرى مشروع ‘الشرق الأوسط الجديد’ الذي كان قد اقترحه شيمعون بيريز رئيس الدولة الصهيونية الحالي، وبالتعاون مع خبراء اقتصاديين من كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وتبناه الطرفان ويهدف أيضاً إلى جعل إسرائيل مكوناً رئيسياً من مكونات المنطقة، إن لم يكن العامل الرئيسي الأساس.
    هذا المشروع إضافة إلى كل الأهداف السابقة، يُقفل الأبواب على الحلول السياسية العادلة للصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني، ويكون بمثابة إلهاء للفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية العادلة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، هذه التي ضمنتها الشرعية الدولية للفلسطينيين، من خلال قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدار سنوات الصراع، منذ إقامة الدولة الإسرائيلية في عام 1948 وحتى هذه اللحظة.
    للأسف، السلطة الفلسطينية تذهب للمفاوضات في ظل الاستيطان وتهويد القدس ومنطقــــتها، وفي ظل طرد أهلــــها العرب وتجريدهم من مواطنتهم وهوياتهم واعطــــائهم بطــــاقات اقامة لمدة عشر سنوات، وفي ظل مصادرة أراضي النقب (800 ألف دونم، تدمير 80 قرية وتهجير 40 ألــف فلسطيني قانون برافر) وفي ظل الاعتقال والاغتيال للفلسطينيين، وفي ظل تنكرها للحقوق الفلسطينية كافة، وفي ظل استمرار محاصرة قطاع غزة.
    للأسف، السلطة حشرت نفسها في زواية المفاوضات، باعتبارها الخيار الأوحد في التعامل مع دولة الكيان الصهيوني. هذا الخيار (مثلما قلنا ذلك مراراً نحن وغيرنا) أثبت عقمه وفشله مع إسرائيل، التي استفادت وما تزال تستفيد منه وأيضا من الانقسام الفلسطيني والوضع الفلسطيني عموماً. قرارات الشرعية الدولية يتوجب اعتبارها مرجعية أساسية ورئيسية، كل ذلك وغيره يعتبر بدائل لخيار المفاوضات مع إسرائيل. كما أن تجاوز الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني عمادها الرئيسي، المقاومة والمسلحة منها تحديداً، هي الخيار الاستراتيجي الفاعل في التعامل مع الدولة الصهيونية.. بالتأكيد ستلتف الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من حول هذه المقاومة، وهذا ما سيجبر إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية. لن يكون مصير المؤامرة الجديدة سوى السقوط والفشل، فمثلما أسقط شعبنا الفلسطيني مؤامرات امريكية اسرائيلية غربية سابقة، سيفشل المؤامرة الجديدة.

    أوروبا و”إسرائيل” . . عقوبات رخوة
    مأمون الحسيني/دار الخليج
    يستدعي الحديث عن أبعاد وتداعيات قرار الاتحاد الأوروبي المتعلق باستثناء المستوطنات الصهيونية المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري المحتل من اتفاقات التجارة الحرة التي تربطه بالكيان، ربط هذا الإجراء الذي ألزم كافة دول الاتحاد بعدم التمويل، أو التعاون، أو تقديم المنح الدراسية، أو منح أبحاث لأي أطراف “إسرائيلية” في هذه المستوطنات، وبأن يتضمن أي اتفاق مستقبلي مع دولة الاحتلال بنداً ينص على أن المستوطنات ليست جزءاً من دولة “إسرائيل”، بمقدماته المباشرة التي تمظهرت في اتفاق المنطقة التجارية الحرة الذي جرى توقيعه بين الأوروبيين والدولة العبرية عام ،2005 والذي نصَ على منع البضائع والمزروعات المنتجة في المستوطنات، والمورَدة إلى دول الاتحاد من الحصول على إعفاء جمركي، وعادت للظهور مجدداً في مايو/أيار وأكتوبر/كانون الأول 2012 عندما أكدت بلدان الاتحاد عزمها على تطبيق “القانون الأوروبي” واتفاق 2005 .
    من الوجهة المنطقية البحتة، يبدو القرار الذي يستبطن الحديث عن مئات الملايين من اليورو، ويمس تمويل مؤسسات ومشاريع صهيونية ومشتركة مختلفة، من بينها مشروع “هورايزن” البيئي الذي يعد واحداً من أكبر المشاريع العلمية في العالم، وتبلغ موازنته نحو 800 مليار يورو، تنال منها الدولة العبرية على مدى سبع سنوات أكثر من 600 مليون يورو . يبدو القرار بمنزلة إقرار واضح، ليس فقط بالوضع غير الشرعي للمستوطنات الصهيونية، وإنما كذلك باعتبار الضفة الغربية الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري أراضي محتلة . غير أن ثمة شكوكاً كبيرة تحيط بصدقية وقدرة القارة العجوز التي ما زالت دولها الأساسية الفاعلة تنتهج سياسة إمبريالية تكيل بمكيالين، وتنحاز انحيازاً كاملاً للكيان الصهيوني، على ترجمة هذا القرار وتطبيقه على أرض الواقع . ومشروعية هذه الشكوك لا تستند فقط إلى حقيقة أن دول الاتحاد التي سبق أن تجنَدت لمقاطعة نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا، سياسياً واقتصادياً، حتى تم القضاء عليه بشكل كامل، لم تقارب قضية الاستيطان الصهيوني طوال ال 46 سنة الماضية، إلا باعتبارها “مخالفة للقانون الدولي، وتمثل عقبة أمام السلام”، دون أن تلجأ إلى أي إجراءات عقابية ملموسة، وإنما أيضاً لها علاقة بسوريالية المنطق والمعادلة الأوروبية التي تقول إن المستوطنات في الضفة والقدس والجولان غير شرعية، وهي مقامة على أراض محتلة من قبل دولة “إسرائيل” . . إذاً: الجناح العسكري في “حزب الله” “منظمة إرهابية”!
    ومع ذلك، ثمة قراءات وأهداف متعددة للقرار الأوروبي يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي، والاستراتيجي بالتكتيكي، والآني بالمستقبلي البعيد المدى . بيد أن القضية المحورية في كل ذلك هي الوظيفة المركزية لهذا القرار- السابقة التي تحمل رسالة مزدوجة، الشق الأول فيها موجه لنتانياهو وحكومته، ومفاده أن دائرة الانزعاج الدولي من الدولة العبرية وسياساتها الاستيطانية والعنصرية الرافضة للتفاوض آخذة في الاتساع، وبالتالي، لا بد من التوجه إلى طاولة التفاوض، ولو على قاعدة “نزع الذرائع” التي يعززها انتفاء الأمل في حدوث أي اختراق جدي في هذه المفاوضات . أما الشق الثاني فيتعلق برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يزوَده القرار الأوروبي بجرأة إضافية للقول لمعارضيه الكثر في الفصائل الفلسطينية، وداخل “فتح”، إن واشنطن وحلفاءها في شرقي الأطلسي جادون في سعيهم إلى إعادة إطلاق المفاوضات، وإن رفض التفاوض سيساهم في خسارة المساعدة الأمريكية والأوروبية، ومساعدة العديد من الدول العربية والإقليمية، وربما خسارة السلطة لمصلحة حركة “حماس” وهذا ما يريده نتنياهو!
    غير أن كل ما سبق، لم ولن يشفع للأوروبيين “خطيئتهم” بحق الدولة التي تعتبر نفسها فوق القانون، إذ، وبموازاة شروع الحكومة الصهيونية في خوض غمار معركة سياسية واسعة ضد خطوة الاتحاد الأوروبي لتأجيل سريان القرار، تمهيداً لعرقلته وتهميشه، اندلعت حرب تصريحات وشتائم بحق الأوروبيين الذين، وإن منحوا الحركة الصهيونية “وعد بلفور”، وساهموا في بناء وتطوير الكيان الغاصب على حساب أصحاب الأرض، وتزويده بالمساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما في ذلك المساهمة في إقامة مفاعل ديمونا الذري، وبناء أسطول من الغواصات النووية المتطورة، ينبغي أن يهتموا “بمعالجة المشكلات الأكثر إلحاحا بكثير مثل الحرب الأهلية في سوريا، والسباق الذي تخوضه إيران لحيازة أسلحة نووية”، حسب ما جاء على لسان نتنياهو . وكما هي العادة، تم وضع نغمة ابتزاز الأثيرة لدى الصهاينة (اللاسامية) في مطلع كونشرتو الحملة التي توزعت وتنوعت أدوار المؤدين في إطارها، فمن ادعاء إيزي لبلار في ““إسرائيل” اليوم” بأن “التراث الأوروبي المعادي للسامية ظهر من جديد، وهو يوجه الآن ضد الدولة اليهودية”، إلى مزاعم وزير الحرب الأسبق موشي أرينز حول اعتبار القرار بمنزلة “علامة أخرى على تهاوي أوروبا التي تناضل من أجل البقاء”، وصولاً إلى اقتراح الوزير أوري أريئيل خصم الخسائر الناتجة عن قرار الاتحاد الأوروبي من الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، ووقف أنشطة الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية .

    من يسأَل عن المصالحة الفلسطينية؟
    معن البياري/البيان الإماراتية
    يجوز أن تُرمى بالبلاهة، إِذا سأَلتَ عن جديد أَخبار المصالحة الفلسطينية، وإِنهاء الانقسام، المخزي كما وصفُه دائماً، وإِذا مضيتَ إِلى سؤالٍ آخر عما قد يجري بعد الرابع عشر من الشهر الجاري، والذي قيل إنه استحقاقٌ فلسطينيٌّ عتيد، يُفترض أَنْ تنتهي فيه فترة تصريف الأَعمال لحكومة رامي الحمد الله. وفي البال أَنَّ مكوث هذا الرجل في منزله، بعد أَول احتكاك مع وزير، يعد استخفافاً منه بالموقع الذي أُنيط به.
    وعلى أَي حال، لا يبدو أَنَّ مسار المصالحة الذي تم الاتفاق في أَحدث محطاته على تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، برئاسة محمود عباس، لتعبر إِلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فينتهي هذا الحال التافه، لا يبدو أَنَّ هذا المسار ماضٍ إِلى إِنزال التفاهمات الوفيرة السابقة في الواقع، سيّما وأَنَّ موسماً لمناكفاتٍ إِعلاميةٍ واتهاميةٍ نشط مجدداً بين حركتي فتح وحماس، بعد غبطة الأولى بتغيير الثالث من يوليو في مصر وخسارة الثانية حليفا مهما لها في قصر الاتحادية بعد هذا التغيير.
    وجاءَ ذهاب رئاسة منظمة التحرير إِلى التفاوض مع إِسرائيل، بعد ضغوطٍ عربيةٍ وأَميركيةٍ معلومة، ليُضاعف من التباعد بين الحركتين البادي أَن مسأَلة إِنهاء الانقسام في ذيل أَولوياتهما، وأَنهما يُؤثران التسلي بالمكايدات المألوفةِ بينهما، وهذا اتهام فتح غريمَتها (هل المفردة في محلها؟) بزجِّ الفلسطينيين في الانقسامات المصرية، يُوازيه اتهام هذه لتلك بتوفير تقارير مغرضةٍ للمصريين في هذا الشأن.
    تبدو "حماس" كما الذي يقتل أُمه وأَباه، ثم يريد عطف المجتمع عليه لأَنه يتيم، حين تعمل على ابتزاز المشاعر والعواطف بشأن إِجراءاتٍ مصرية، وإنْ في عام رئاسة محمد مرسي، بشأن هدم أَنفاقٍ بين قطاع غزة المحاصر والأَراضي المصرية، من دون أَنْ تضع قدّامها السؤال الأَجدى، عن الزمن الذي سيبقى فلسطينيو القطاع الذين تختطفهم سلطتها في هذا الحال غير الإنساني، إِنْ سيدوم إِلى الأَبد، طالما أَنَّ مشايخ الحركة يبرعون في توليد المآزق الكثيرة أَمام إِنهاء الانقسام.
    والعبور إِلى المصالحة المشتهاة، ما من شأنه أَنْ يعيد السلطة الوطنية، المعترف بها رسميا من مصر وغيرها، إلى التواجد في معبر رفح، فيصير دخول البضائع وعبورُها من مصر وإِليها عاديا وبالكيفيات المشروعة، بدلاً من استمراء بطولات التهريب، المعلن والمكشوف، من الأنفاق وإِليها.
    وكان الظن أَنَّ صيغة الأَنفاق هذه وحدها ينبغي أَنْ تكون سبباً لاندفاعتها إِلى إِنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام، ولكنْ يبدو أَنَّ الحسابات لديها غير التي نفترض، أَخلاقياً وإنسانياً، قبل الفصائلي والسياسي المرتهن لخياراتٍ خارجيةٍ، متذبذبة ومهتزة.
    لا نضجر من كلامٍ جديدٍ عن بؤس القاع الفلسطيني، والذي لا يبدو أَنَّ مسؤولاً، في "فتح" و"حماس" وغيرهما، رفيعاً يعي مداه، حين ينخرط الجميعُ في رهاناتٍ وحساباتٍ وفيرة، مؤسفٌ إِلى حد الفجيعة أَنَّ إِنهاء مهزلة الانقسام المخزي في صدارتها، أَو أَنه منها.


    العيد يا أبا الوليد
    د. صبري صيدم (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    كتبت قبل يومين وفي الذكرى الثانية والأربعين لرحيل ركنين من أركان المقاومة الفلسطينية المسلحة والثورة المعاصرة والرعيل المؤسس للكفاح المسلح، مقالاً بعنوان’ نموت واقفين أو نركع؟’ استحضرت فيه مقولتين شهيرتين ارتبطتا بهذين الراحلين.
    الأولى لأبو علي إياد: ‘نموت واقفين ولن نركع′ والثانية لوالدي ممدوح صيدم (أبو صبري): ‘ كلما ازداد تلاحم سواعدنا أصبحت فلسطين أقرب’. ومع هذه المقالة حاولت بتجرد أن أقول بأننا سننكسر وسنركع إذا ما استمر الانقسام الفلسطيني على حاله، وأن تشتت سواعدنا اليوم سيجعل فلسطين أبعد.
    وفي هذا المقال قلت: ‘صحيح أننا وبعد هذا الزمن الطويل من الصراع كسبنا معركة الهوية، فالكبار ماتوا والصغار لم ينسوا. لكننا وبعيدا عن الشعارات والأمنيات وبعد أربعة عقود على رحيل الشهيدين لم نكسب معركة الجغرافيا حتى تاريخه بعد، ولو استمر انقسامنا السياسي والفصائلي وتبعاته الجغرافية فإن معارك التاريخ والجغرافية والهوية حتماً ستنتكس اشد انتكاسة’. وأن علينا أن نفكر بطرق خلاقة لمواجهة المستقبل: ‘خاصة وأننا أمام حقيقة ماثلة بأنه ومع انقضاء الزمن ينحسر الوطن ويكبر الاحتلال في وضع أشبه ما يكون بالقتل التدريجي طويل الأمد لمعالم الوطن. وكأن المحتل وبعد قناعته بأنه لن يستطع اغتيال الفلسطينيين وهويتهم قرر أن يغتال الأرض التي تحملهم بصورة ممنهجة لا تكلفه أية مآس إنسانية أو إضرار بصورته الإعلامية بحجم الضرر الذي كان سينتج عن قتل النفس أو ترحيلها، وعليه وبعد أن تنتهي الجغرافية سيسأل المحتل العالم عن ماهية الأرض التي يتحدث عنها الفلسطينيون. سيقول لهذا العالم ببساطة: عن أي ارض تتحدثون؟’.
    لذا وجب الانتقال نحو مراجعة أمورنا في ظل المتغيرات الإقليمية واختلاف التحالفات وظهور تحالفات جديدة وخارطة مضطربة للمنطقة تستوجب تبني سياسة ‘يا وحدنا’ في مراجعة ذاتنا. ولا بأس في أن نؤّمن للبعض سلم الهبوط في واحة الوفاق الفلسطيني الفلسطيني.
    فما يحدث في مصر الكنانة ودول المحيط وعواصم التغيير والاضطراب اليوم يؤلمنا جميعاً، لكننا نحتاج إلى التفكير المباشر في التخلص من شوائب الأيام وما راكمته من تمزق وتراجع. وهنا أًوجه كلامي لخالد مشعل ‘أبو الوليد’ وهو صاحب المقولة بأن ‘صفحة الانقسام قد طويت إلى غير رجعة’ فهو الذي يستطيع أن يساهم في ضبط إيقاع النقاشات داخل حماس، خاصة حول القرار وزمنه وتوقيته.
    إن توقيت المصالحة الآن لم يكن أكثر مواءمة مما هو عليه اليوم، كما أن الاستفادة من الحال الحالية فرصة ربما لا تتكرر.
    فالزمن ليس للوثائق والأوراق والسعي المتواصل للإدانات، وإنما الزمن هو الأنسب للعيد الذي طال انتظار الفلسطينيين له. عيد لا تذهب فيه ريحنا وإنما نعيد ربط الوطن بالوطن والوريد بالوريد.
    نعم لا بأس بأن يعيد البعض حساباته حتى نحفظ سير الراحلين وإرثهم وحتى نموت واقفين ولا نركع وحتى تصبح فلسطين أقرب بتلاحم سواعدنا!
    التاريخ سيخلد أعياداً قليلة للفلسطينيين وإنهاء نكبتهم الثانية التي سببها الانقسام ربما يكون أحد أعيادهم .. فهل يعود عيدهم بحال يحفظ ماء وجههم ويُحزن خصمهم؟ الجواب سيحمله قادم الأيام!

    تشكيك فلسطيني في المبادرة لتحييد مخيم اليرموك
    زياد حيدر/السفير
    قللت مصادر فلسطينية ميدانية من أهمية المبادرة التي تداولتها وسائل إعلام، لإيجاد تسوية لوضع مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق.
    ونصت المبادرة التي نشرتها صفحة «اليرموك أون لاين» على «فايسبوك» منذ أيام على إيجاد تسوية لوضع مخيم اليرموك، بعد شهر على اندلاع النزاع فيه بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة. وتأتي هذه المبادرة، وفقا للمعلومات، باعتبارها تتويجا راهنا لتحسن في العلاقات السياسية بين دمشق ورام الله، بعد تردي علاقات الأولى مع حركة حماس، واتهامها بالوقوف إلى جانب المسلحين بالقلب والسلاح.
    إلا أن المبادرة «لا حول لها ولا قوة»، وفق توصيف سياسي فلسطيني معني بالمواجهة الميدانية الحالية في المخيم. ويقول: «المبادرة غير مرتبطة بالواقع، وهي دعوة نظرية لا تعالج الأسباب الميدانية ولا تنظر فيها».
    ورغم أن السياسي يرجح أن الموضوع مرتبط بشكل أساسي بنشوء «تحالفات جديدة بدل القديمة» وأن السلطة الفلسطينية «تجاكر (تستفز)» حماس بتقربها من دمشق، وتبذل «جهدا براغماتيا، إلا أن كل ما قيل يبقى كلاما معلقا بالهواء». ويسأل إن «كان يوجد أحد قادر على إملاء موقف على الطرف الآخر المتمثل بفصائل المعارضة المسلحة في المخيم، أو إن كان أحد يعلم من هو قائدهم، أو هل ثمة من يمكن أن يفاوض باسمهم».
    ووفقا للمبادرة، فإن الوفد الفلسطيني الذي جاء دمشق مؤخرا (وهي ليست المرة الأولى) طلب تحقيق شروط عدة لتجنيب المخيم النار التي تلتهمه مع الوقت، ومن أبرزها «إنهاء المظاهر المسلحة كافة داخل المخيّمات وتسوية أوضاع الراغبين، وعدم تكريس المخيمات مناطق اشتباك ووقف سائر أشكال الاشتباكات ووقف القصف والقنص»، و«تسهيل حرية الدخول والخروج من المخيم واليه بما يشمل عبور الأفراد والمواد الغذائية والطبية والمركبات، ما يشجع عودة النازحين إلى منازلهم».
    كما تنص الشروط على «إعادة خدمات الكهرباء والماء والاتصالات والبنية التحتية والشؤون البلدية والخدمات التعليمية والصحية، وتسوية أوضاع المعتقلين من أبناء المخيمات الذين لم يثبت تورطهم في الأحداث».
    وتستثني المبادرة حركة حماس من التفاهم على نقاطها، كما تستثني فصائل أخرى خارج منظمة التحرير، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة التي تخوض فصائلها المعركة إلى جانب الجيش على مداخل المخيم وجوانبه.
    «هذا النشاط سياسي، هدفه الاستفادة من واقع حماس الحالي، خصوصا في ظل سقوط (الرئيس المصري محمد) مرسي» يستخلص المصدر، مضيفا: «هي أيضا لاكتساب شرعية سياسية أكبر لدى السلطة في ظل التطورات الأخيرة، لكن توقف إطلاق النار لا يتم بالحديث إلى طرف واحد، وإنما يجب أن يتحقق بالتأثير في من يقف خلف المسلحين في المخيم، ومن هو المستفيد الفعلي من إدخاله في أتون الصراع، وتهجير أهله».


    إسرائيل وخطاب «المنامات» والدعاية الإخوانية !
    رجا طلب/الرأي الأردنية
    كان ملفتا للانتباه التركيز المفاجئ من قبل القيادات الاخوانية في الأردن على « دور إسرائيل « في موضوع عزل محمد مرسي وثورة 30 يونيو، وكذلك تصريحات القرضاوي الذي فقد هو الآخر صوابه ووقاره واتهم إسرائيل بالوقوف وراء عزل مرسي وطالب العالم الإسلامي بالتضحية من اجل دعم الإخوان وليس تحرير فلسطين بعد أن اتضح بالوقائع أن القضية الأساسية للجماعة هي الحكم وتحديدا في مصر، أما فلسطين فهي مجرد شعار وغطاء ليس أكثر.
    القاعدة التي اتبعتها الأنظمة العربية المتعاقبة منذ خمسينيات القرن الماضي في موضوع الدعاية السياسية هي الارتكاز في كسب شرعيتها إلى الحديث عن مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، ولكن هذه « اللعبة « فُضحت ولم تعد مقنعة للمواطن العربي العادي وتحول اثر « إسرائيل « كركيزة في الدعاية السياسية لكسب الشرعية الى حالة غير مؤثرة في قناعات الناس، وأخذت الكثير من الأنظمة تستعيض في تسويق نفسها بالحديث عن ديمقراطيتها ومدى نموها الاقتصادي ومدى تطورها الحضاري بديلا لاستخدام العداء اللفظي لإسرائيل.
    في تجربة الإخوان في مصر بل في مجمل ثورة 25 يناير لم تكن فلسطين والقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عوامل مساهمة في تفجير الهبة الشعبية ضد نظام مبارك، بل كانت القضايا المصرية الوطنية من الفساد إلى الأزمة المعيشية إلى الاضطهاد وكبت الحريات هي العوامل المفجرة للثورة، وبعد تسلم الإخوان للحكم وتكوينهم لنظامهم السياسي لم تكن فلسطين حاضرة بالمرة على أجندتهم السياسية، بل على العكس مما كان متوقعا قام محمد مرسي الرئيس المعزول بتعيين السفير عاطف سالم سفيرا لمصر في إسرائيل بعد عقد كامل من شغور المنصب زمن مبارك، وأثار وقتها الخطاب المرسل من مرسي لشمعون بيريز لاعتماد السفير الجديد بما تضمنه من عبارات الود والاحترام والحميمية حالة من الاستهجان والاستنكار لدي الشارعين المصري والعربي وخاصة خاتمة الخطاب والتى جاء نصها كما يلي « أرجو من فخامتكم أن تتفضلوا فتحوطوه بتأييدكم، وتولوه رعايتكم، وتتلقوا منه بالقبول وتمام الثقة، ما يبلغه إليكم من جانبي، ولا سيما إن كان لي الشرف بأن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة، ولبلادكم من الرغد.. صديقكم الوفي محمد مرسي».
    ولكن لماذا قفز اسم إسرائيل فجأة في الخطاب الدعائي للإخوان في محاولات « شيطنة « ثورة 30 يونيو وتشويه صورة وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي وتصوير الإرادة الشعبية المصرية وخروج 33 مليون مصري يرفعون العلم المصري ويهتفون « ارحل « وكأنها تمت بفعل وتأثير إسرائيل ؟؟؟
    بالمناسبة مثل هذه الدعاية هي إهانة ما بعدها اهانة للشعب المصري !!
    إسرائيل قفزت بقوة إلى مفردات الخطاب الدعائي للإخوان في مصر والأردن وغيرها من الدول العربية عملا بتوصيات اجتماع التنظيم العالمي للإخوان في تركيا والذي عقد من 11 الى 14 يوليو الماضي والقرار على ما يبدو اتخذ من قبل المجتمعين دون دراسة علمية ومن الواضح انه رد فعل متوتر ويعكس أزمة في الخيارات.
    مشكلة الإخوان أنهم باتوا لا يملكون القدرة على التراجع عن مطالبهم، وتحديدا مطلبهم بعودة مرسي للرئاسة رغم علمهم اليقيني بعدم واقعية هذا المطلب أو إمكانية تحقيقه، فباتوا أسرى خيار واحد هو خيار حافة الهاوية والاستمرار في صناعة الفوضى وإراقة الدماء، ولذلك وللتغطية على هذا الخيار الانتحاري لابد من خطاب دعائي يبرره ويدعمه، وأفضل خطاب يمكن أن يخدم هذا «الانتحار» هو زج إسرائيل بالموضوع والاستمرار في الخطاب الغيبي والمشعوذ وقصص المنامات والأحلام والتى كان أشهرها ما جاء على لسان احد شيوخ الإخوان في قناة اليقين والتي فسر فيها مشاهدة احد المشايخ الحالمين في حلمه قيام النبي صلي الله عليه وسلم بتقديم محمد مرسي للإمامة بدلا منه في صلاة العصر بأنه « عودة مؤكدة للمعزول إلى الحكم مرة ثانية «.
    سؤال:
    لماذا لا يكشف لنا الإخوان كيف صنعت إسرائيل ثورة 30 يونيو وأخرجت 33 مليون مصري من بيوتهم في ميادين مصر ؟ قال تعالى في سورة النحل الآية 116 (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلَالٌ وهذا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم.


    على طريقة إسرائيل.. الإخوان يستخدمون أطفالهم في معاداة مصر
    صبري غنيم/المصري اليوم
    - لا أعرف كيف هانت على جماعة الإخون أنفسهم فى أن يستخدموا فلذات أكبادهم من الأطفال، كدروع بشرية فى اعتصاماتهم داخل رابعة العدوية.. هم يعرفون أن بينهم شبانا موتورين يستخدمون الأسلحة النارية فى معركتهم مع الشرطة، وأن الشرطة تقوم بتفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع، التى تعبئ الصدور بالغازات وتشل الانفعالات، ومن يستنشق رائحتها يصاب بالدوخة والدوار، فما بالك بهؤلاء الأبرياء من الأطفال عندما نرمى بهم وسط هذا الدخان.. إنها جريمة ضد الإنسانية، وليست شطارة من الإخوان فى استخدام هؤلاء الأطفال لاستقواء الرأى العام الخارجى على بلدهم مصر.
    - إن هذا السيناريو يذكرنى بحرب 67 عندما استغلت إسرائيل أطفال المدارس فى حربها مع مصر.. وقد كانت طريقتهم أرحم من الطريقة التى يستخدمها الإخوان الآن مع أطفالهم.. إسرائيل لم تستخدم أطفالها كدروع بشرية فى حرب 67 بل استخدمتهم فى تحريك مشاعر أطفال العالم ضد عبدالناصر، وهم فى بيوتهم، لم تحشدهم على خط النار حتى تحتمى القوات خلف أجسام الأطفال الضعيفة.. بل كانت أشد حرصا على عدم نزول الأطفال إلى الشوارع.. كل ما فعلته إسرائيل أنها قامت بتوزيع عناوين أطفال العالم على أطفالهم، وطلبت من كل طفل إسرائيلى أن يكتب رسالة لكل طفل أوروبى.. تخيلوا ماذا كتب أطفال إسرائيل لأطفال العالم.. الرسالة كانت تقول.. «صديقى فلان.. أنا اسمى.... من تل أبيب، عمرى 7 سنوات، هل أطلب منك أن تستأذن ماما وبابا أن أقيم عندك فى بيتكم حتى لا يقتلنا ناصر..»
    - كان الغرض من هذه الرسائل إثارة أطفال العالم على مصر، على اعتبار أن هؤلاء الأطفال هم الطفولة البريئة المؤثرة داخل أى بيت، وبالتالى نجحت إسرائيل فى استخدام أطفالها فى معاداة مصر وتعبئة الرأى العام ضدنا، وبعد هزيمتنا فى 67 كان العالم «شمتان» فينا بسبب المخطط الإسرائيلى الذى استخدم فيه الأطفال..
    - هذا السيناريو لا يمكن أن يضيع من مخيلتى، مع أنه موقف سلمى لم تستثمر فيه إسرائيل أطفالها فى معاركها على الحدود مع مصر وسوريا أو الأردن.. استثمرت العقول والأقلام ولم تستثمر الأجسام..
    ولذلك أقول إن أطفالنا ليست حياتهم أقل رخصا من أطفال إسرائيل، ناهيك عن انتماءات أهاليهم الحزبية، فأطفال الإخوان هم أطفالنا ولا يقلون غلاوة عن ابنى وابنك.. إذن من الظلم أن نترك أهاليهم مغيبين، لا يدركون أن استخدامهم لأطفالهم فى الاعتصامات والمظاهرات جريمة ضد الطفولة والإنسانية، وهنا أسأل هل هناك مسلم فى العالم يقبل على طفله الصغير أن يرتدى «كفن الموت» ليكون شعاراً لخصومته مع النظام.. أو يستثمره فى استقواء القوى الأجنبية على بلده.. من المؤكد أن مثل هذه الصور تلقى استنكاراً، لأن الطفولة لها ميثاقها، والوثيقة العالمية لحق الطفل لا تسمح باستخدام الطفولة فى الصراعات ولا الخلافات.. ولا أعرف لماذا طنشت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان عن هذه الوقائع، لم نسمع أن واحدة من هذه المنظمات تحركت وأعلنت استياءها من استخدام الأطفال كدروع بشرية.. ثم لماذا نغرس الصراع من الآن فى عقول هؤلاء الصغار، حتى يصابوا بالعقد النفسية، كفانا ما أصاب الكبار من أمراض نفسية، هل تقتلون معها العقول البريئة..
    - وهنا أقول لجماعة الإخوان المسلمين، عودوا إلى صوابكم، فأنتم القدوة فى الدعوة، وخلافاتكم مع الدولة لا تسقط عنكم عقولكم فمهما كان الخلاف فى الرأى، فلن يصل إلى حرب أهلية أو إلى الاستقواء بالخارج، لأن هذا الوطن هو وطنكم.. وأن مصر هى أمكم.. لا تفقدوا رصيدكم فى الشارع المصرى، ولا تجنوا على هويتكم، فأنتم أحوج إلى من يتفهم رسالتكم، والعنف والقتل الذى ترتكبونه يثيران عداء الشعب لكم، ومهما حشدتم أطفالكم ونساءكم كدروع بشرية فى اعتصاماتكم، فلن يغفر لكم الشعب جرائمكم ضد الإنسانية.. لذلك أطالبكم بالرجوع إلى صوابكم وادخلوا حضن هذا الوطن.. إن مصر تغفر خطايا أبنائها، فهى الصدر الحنون الذى يعطى ولا يأخذ، فلا تدمّروا الأخضر واليابس بصراعاتكم من أجل «الكرسى».. فلا يعقل أن تحكمونا بالبلطجة أو التهديد، من المؤكد أن بينكم عقلاء يرفضون فكر المتشددين الدمويين، ومن المؤكد أن شباب الإخوان يدركون أن العنف والتدمير لا يبنى وطنا، ولا يبنى جسوراً فى المحبة والتلاحم.. لذلك أدعوكم إلى الحق.. والحق هو استقرار هذا الوطن.


    كيف وفّرت الأرجنتين الوقود لمفاعل بن غوريون النووي
    صفقة اليورانيوم الاسرائيلية السرية
    بقلم وليم بر وآفنر كوهن /ترجمة- الصباح عن مجلة فورن بولسي
    تسرّب السر
    في منتصف شهر تموز 1964 أرسلت وزارة الخارجية الأميركية ووكالة المخابرات المركزية رسالة مشتركة إلى السفارتين الأميركيتين في الأرجنتين واسرائيل تطلبان منهما التحقق مما ورد في تقرير استخباري سري. كان المطلوب هو التحقق مما إذا كانت الأرجنتين قد وافقت على بيع اسرائيل كمية تتراوح بين 80 و 100 طن من مادة أوكسيد اليورانيوم، أو (الكعكة الصفراء)، وهي مادة أساسية لعمل أي مفاعل نووي يهدف إلى إنتاج البلوتونيوم الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية.
    تبين فيما بعد أن واشنطن قد حصلت على هذه المعلومات من الحكومة البريطانية، التي حصلت عليها بدورها من الكنديين. كانت حكومات هذه البلدان الثلاثة تشعر بالقلق حيال تطلعات اسرائيل لحيازة أسلحة نووية ثم جاءت صفقة الكعكة الصفراء هذه لتقدّم دليلاً قوياً على أن هناك أمراً يدبّر في الخفاء. وأيد الدبلوماسيون الأميركيون في الأرجنتين صحة المعلومات بشأن الصفقة ووجدت وزارة الخارجية الأميركية نفسها في وضع دقيق لأنها سيتحتم عليها الآن أن تسأل الاسرائيليين عن هذه الصفقة التي تتنافى مع جميع تأكيداتهم المعلنة بأن مشروعهم النووي مكرّس للأغراض السلمية فقط.
    يمثل المشروع النووي الاسرائيلي صورة من صور التناقض التاريخي، فرغم كونه السرّ المباح والأسوأ كتماناً هو في الوقت نفسه البرنامج النووي الأقل شفافية في العالم. أحد جوانب الغموض في هذا البرنامج تحديداً هو من أين استطاعت اسرائيل أن تحصل على المادة الخام المطلوبة للتحرّك جديّاً في مسعاها. في أعوام الستينيات كان هذا هو التحدي الحقيقي الذي واجهته المخابرات الأميركية التي لم تستطع أن تتبين بشكل واضح حقيقة الهدف من البرنامج الاسرائيلي أو ما إذا كانت اسرائيل ستلتزم بتعهدها أن تبقي استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط. ويبقى التحدي قائماً بوجه المؤرخين إلى يومنا لأن اسرائيل لم تعترف حتى الآن بامتلاكها أسلحة نووية.
    في وقت سابق كانت وثائق غامضة من الأرشيف رفعت عنها صفة السريّة متعلقة بالكعكة الصفراء قد ألقت بعض الضوء على التاريخ المبكّر للمشروع النووي الاسرائيلي ضمن إطاره العالمي. وقد قام "أرشيف الأمن القومي ومشروع التاريخ الدولي للانتشار النووي" (بالتعاون مع مركز جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار) للمرة الأولى بنشر 42 وثيقة من هذه بعد أن أعدّها وعلّق عليها كاتبا هذه المقالة. تكشف الوثائق المذكورة كم كانت اسرائيل نشطة في سعيها للحصول على المواد الخام لمشروعها النووي ومدى مثابرتها على تطوير علاقاتها بالمجهزين النوويين. كذلك تكشف الوثائق بأي منظار كان اللاعبون الآخرون (وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا) ينظرون إلى هذا البرنامج.

    حيرة الولايات المتحدة
    بقيت قصة بيع الأرجنتين كعكتها الصفراء إلى اسرائيل متكتماً عليها إلى حد بعيد لأن اسرائيل بذلت حرصاً وجهداً عظيمين لحجب السرّ، كما حافظت حكومة الولايات المتحدة وحلفاؤها المقرّبون على الصمت بشأن ما كان ينتهي إلى علمهم حول الموضوع في ذلك الوقت. فالولايات المتحدة كانت تبدو محتارة متردّدة دائماً بخصوص المشروع النووي الاسرائيلي، والكشف عما يصل إلى علمها، أو اشتباهها، بشأنه كان يمكن أن يثير مشاكل دبلوماسية جديّة مع جيران اسرائيل العرب وربما حتى مع الاتحاد السوفيتي أيضاً. كل هذا فرض قيوداً على ما تستطيع واشنطن أن تفعله لمحاصرة طموحات اسرائيل النووية، لأن ممارسة أي شكل من أشكال الضغط الجديّ اقتصادياً أو سياسياً، أو حتى مجرّد تصوّر اللجوء إلى مثل تلك الإجراءات، كان سيجعل من المسألة أمراً معلناً، وهذا من شأنه تفجير نتائج خطيرة على المستويين الداخلي والدولي.
    منذ أواخر العام 1960 بدأت الحكومة الأميركية تشعر بالقلق من وجود مشروع اسرائيلي للتسلح النووي وذلك عندما علمت وكالة المخابرات المركزية، ثم تيقنت، بأن اسرائيل كانت تعمل منذ ما يقارب العامين على بناء منشأة نووية كبيرة (أي مفاعل نووي بالإضافة إلى البنى التحتية المكمّلة له) بمساعدة من الفرنسيين بالقرب من مدينة "ديمونة" في صحراء النقب. إذ يبدو أن الفرنسيين في بادئ الأمر، ونزولاً عند رغبة الاسرائيليين في إقامة مشروع نووي يتضمن إمكانية العسكرة مستقبلاً، وافقوا على تزويد اسرائيل بالوقود النووي تحت ضوابط أمان فضفاضة. إلا أن السياسة الفرنسية لم تلبث أن تغيّرت في عهد الرئيس شارل ديغول إذ يبدو أن الفرنسيين أخذوا بفرض قيود أساسية مهمة في العام 1963 على تزويد مفاعل ديمونة باليورانيوم عندما كان المفاعل على وشك بلوغ مرحلة الاكتمال.
    حاول الاسرائيليون استخلاص اليورانيوم من الفوسفات ولكن ثبت لهم أن العملية على هذا النحو تكون باهظة التكاليف للغاية. لذا كانوا بحاجة إلى مصدر يستطيعون استغلاله بحرية ودون حاجة إلى الخضوع لضمانات خارجية. كانت افريقيا الجنوبية مصدراً محتملاً، وكان الفرنسيون يعلمون أيضاً أن اسرائيل قد تحاول الحصول على اليورانيوم من بلدان أخرى مثل الأرجنتين أو بلجيكا. وفي مطلع 1964 طلبوا من واشنطن إفادتهم عما إذا كان الاسرائيليون قد سعوا لاستغلال أي من تلك المصادر.
    كانت الحكومة الكندية مهتمة بشكل خاص بالبرنامج النووي الاسرائيلي منذ بداياته الأولى. وعندما التقى رئيس وزراء اسرائيل "ديفد بن غوريون" برئيس الوزراء الكندي "جون دايفنبيكر" في 25 أيار 1961 كان مفاعل ديمونة هو محور نقاشهما، وكما فعل مع الرئيس جون كندي بعد ذلك بأيام قليلة راح بن غوريون يقدّم التعهّدات بأن مشروع ديمونة مخصص لأغراض سلمية. وفي آذار 1964 أعد محلل المخابرات الكندي "جاكوب كووب" تقريراً سريّاً مسهباً عن البرنامج النووي الاسرائيلي أكد فيه أن اسرائيل باتت تمتلك جميع متطلبات البدء بمشروع متواضع لتطوير الأسلحة النووية.

    البحث عن اليقين
    لم يمضِ وقت طويل على إعداد هذا التقرير حتى علمت المخابرات الكندية (من مصدر لا يزال مجهولاً إلى الآن) بأن الحكومة الأرجنتينية قد اتخذت تدابير معينة لتجهيز اسرائيل بكمية تتراوح بين 80 و100 طن من الكعكة الصفراء. وفي أواخر شهر نيسان 1964 اطلع البريطانيون على التقرير الكندي، ووفقاً لما قاله دبلوماسي كندي أن هذا كان معناه أن الاسرائيليين الآن أصبح لديهم من الناحية الواقعية خزين غير محدود من اليورانيوم المتحرر من أية ضمانات. أكثر من هذا أن الاسرائيليين، إذا ما كانوا يملكون منشآت لإعادة المعالجة، سوف يتمكنون من إنتاج ما يكفي من البلوتونيوم لتجهيز قنبلة نووية في ظرف 18 – 20 شهرا من بداية العام 1964.
    بسرعة أطلع البريطانيون المخابرات الأميركية على التقرير الكندي بعد أن تجاوزوا ممانعة الكنديين لإطلاع جيرانهم الجنوبيين على التقرير (لأن الكنديين على ما يبدو كانوا ممتعضين من عدم إشراك الأميركيين إياهم بنتائج الزيارة التي قاموا بها مؤخراً لمفاعل ديمونة). في البداية كانت وكالة المخابرات المركزية متشككة حيال الأمر، ولكن في حزيران 1964 قررت وزارة الخارجية الأميركية ووكالة المخابرات المركزية أن المسألة باتت تتطلّب التحرّي الدقيق فقامت على أثر ذلك بتوجيه استفهام إلى سفارتيها في الأرجنتين واسرائيل. وفي أيلول أكّدت السفارة الأميركية في بوينس آيرس من مصادرها المحلية أن اسرائيل قد اشترت من الأرجنتين بالفعل 80 طناً من الكعكة الصفراء خلال العام 1963.
    من الواضح أن الولايات المتحدة أخذت المعلومات التي وصلتها عن صفقة بيع الكعكة الصفراء الأرجنتينية مأخذ الجد، لأن واشنطن، شأنها شأن حلفائها البريطانيين والكنديين، كانت تشعر بالقلق من أن تهدد القنبلة الاسرائيلية استقرار الشرق الأوسط وتثير التعقيدات بوجه مساعي الولايات المتحدة لمنع الانتشار النووي في العالم. ومن أجل التأكد من استمرار التزام الاسرائيليين بتعهدهم المعلن أن تبقى منشأة ديمونة مخصصة للاستخدام السلمي فقط تم الاتفاق سرّا بين الرئيس كندي ورئيس الوزراء ليفي أشكول في صيف العام 1963 على السماح للعلماء الأميركيين بزيارة المفاعل. وفي بداية كانون الثاني 1964 زار أول فريق أميركي ديمونة، ولكننا نعلم الآن أن الاسرائيليين يومها قد اتخذوا تدابير وإجراءات معيّنة حالت دون اطلاع الزائرين على أي شيء ينم عن الطبيعة الحقيقية للمشروع.

    صفقة بلا ضمانات
    في خريف 1964 وبعد وقت قصير من ثبوت صفقة بيع الكعكة الصفراء، أثار الدبلوماسيون الأميركيون الموضوع مع المسؤولين الأرجنتينيين. لم يكن لدى الأميركيين اعتراض على الصفقة نفسها ولكن كان يقلقهم عدم وجود ضمانات مرتبطة بها، سوى اتفاقية عامة فيها إشارة إلى الاستخدامات السلمية. كانت رغبة وزارة الخارجية أن يتم السماح للوكالة الدولية للطاقة الذريّة بالإشراف على الصفقات المستقبلية عبر التقارير وعمليات التفتيش المباشر. وقد أبدى الأدميرال "أوسكار كويلهيلالت" مدير برنامج الطاقة الذريّة الأرجنتيني تفهمه لأسباب القلق الأميركي، ولكنه قال أنه لم يعد يستطيع فعل شيء إزاءها لأن الصفقة مع اسرائيل لم يعد بالإمكان نقضها أو تغيير شيء فيها.
    أما السفارة الأميركية في اسرائيل، بما فيها فرع وكالة المخابرات المركزية هناك، فلم يمكنها التوصل إلى معرفة شيء عن الكعكة الصفراء من مصادر محلية، لذلك طلبت وزارة الخارجية من السفير "وولورث باربر" أن ينتقل بالمحاولة إلى مستوى أعلى. وفي حزيران 1966 تحدث باربر مباشرة إلى وزير الخارجية "أبا إيبان". وجّهت وزارة الخارجية سفيرها أن يدّعي بأن الكعكة الصفراء هي نوع المشكلة تحديداً الذي يثير القلق على أرفع المستويات في واشنطن وأماكن أخرى بخصوص الانتشار النووي. كذلك تؤكد هذه المشكلة الحاجة إلى ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطمأنة العالم إلى سلمية توجهات المشروع النووي الاسرائيلي. بناء على هذا التقى باربر بإيبان عدة مرات ولكن الأخير عمد إلى المراوغة – إذ يبدو أنه لم يكن من ضمن الحلقة الداخلية المطّلعة – وبقي يدعي أنه سيحاول الاجتماع بمساعد وزير الدفاع "زفي داينشتاين" الذي يحتفظ بالسجلات المخزنية. ولا تظهر وثائق الأرشيف ما يشير إلى أن إيبان قد أعطى باربر في نهاية المطاف إجابة واضحة، ولكن رغم كل مراوغات اسرائيل لا يبدو أن واشنطن قد اتخذت إجراء مقابلاً بل واصلت المراقبة من خلال زيارات مفاعل ديمونة.

    {عملية الرصاص} والسر الأكبر
    واصلت حكومة الولايات المتحدة تقصي موضوع صفقة الأرجنتين، ولكنها في الوقت ذاته كانت تتابع تحري حقيقة ما أشيع في ربيع 1965 عن قيام شركة اليورانيوم الفرنسية في الغابون بطلب إذن من باريس لبيع مادة الكعكة الصفراء إلى اسرائيل. كان الفرنسيون قد سبق لهم أن اعترضوا سبيل محاولة من هذا القبيل في العام 1963، ولكن عندما سأل موظفو السفارة الأميركية في الغابون مسؤولين في الشركة بشأن المبيعات التي تحدثت عنها الإشاعات لم ينبس أحد منهم بحرف. ولما كانت الحكومة الفرنسية هي التي تشرف على الصادرات لم يعد واضحاً إن كان الغابونيون هم الذين يقومون بتحويل وجهة اليورانيوم المباع أم مسؤولو الشركة المحليون. وتبقى مسألة ما إذا كانت اسرائيل قد تلقت أية كمية من الكعكة الصفراء مصدرها الغابون خلال سني الستينيات سراً مغلقاً لم يكشف عنه حتى الآن. وأياً تكن حقيقة الأمر فقد حدث في وقت ما من منتصف العام 1968 أن حصلت اسرائيل على 200 طن من مادة الكعكة الصفراء من بلجيكا عبر عملية سريّة عرفت باسم "عملية الرصاص" شاركت فيها شركة بواجهة إيطالية يديرها الموساد وخلال هذه العملية تم نقل اليورانيوم في عرض البحر من سفينة شحن أوروبية إلى سفينة اسرائيلية.
    قضية الكعكة الصفراء تلك كانت سرّ اسرائيل النووي الكبير، بيد أن سرّها الأكبر تمثل في وجود منشأة خفيّة لإعادة المعالجة قادرة على تحويل الوقود المستنفد من مفاعل ديمونة إلى بلوتونيوم قابل للاستخدام في الأسلحة. ذكر تقييم خاص للمخابرات الوطنية في شهر تشرين الأول 1964 يتناول مسألة الانتشار النووي أن عدم وجود مصنع لعزل البلوتونيوم يعد من أوجه النقص الأساسية في أي مشروع للتسلح النووي، وكان الاسرائيليون قد أخبروا الكنديين والأميركيين في 1961 أن مفاعل ديمونة سوف يتضمن مصنعاً لإعادة المعالجة، ولكن كان المفروض بذلك المصنع أن يكون أصغر من أن يستغل في مشروع للتسلح. ولكن حقيقة الأمر أن التصميم الفرنسي لمفاعل ديمونة كان يتضمن منشأة كبيرة تحت الأرض لإعادة المعالجة، وكان هذا هو أخطر أسرار المشروع النووي الاسرائيلي الذي كشف عنه في وقت لاحق "مردخاي فانونو" الفني الذي كان يعمل في مفاعل ديمونة. واليوم لم يعد من الواضح بالضبط حجم المعلومات التي تعرفها المخابرات الغربية عن منشأة المعالجة ومتى أو كيف علمت بها؟.
    قصة صفقة الكعكة الصفراء وعبث المحاولات لمنع تحوّلها إلى الاستخدام العسكري دليل تاريخي على مدى المصاعب التي واجهتها الولايات المتحدة للحيلولة دون تبني اسرائيل، أو أية حكومة أخرى تمتلك العزم والتصميم، مشروعاً للتسلح النووي. وقد زاد من تعقيدات الأمور أن اسرائيل حليف رئيسي للولايات المتحدة، لذلك جعلت السريّة الشديدة التي أحيط بها المشروع النووي الاسرائيلي من شبه المستحيل أن يصعّد الضغط على اسرائيل من دون المجازفة بوقوع حدث دولي.

    الدرس
    عند النظر إلى المسألة بمنظار يومنا نجد أن حكاية كعكة الأرجنتين تسلط الأضواء على مدى استمرار الحاجة إلى وضع ضوابط دولية محكمة للسيطرة على تجارة هذه المادة. ولكن رغم تأييد الولايات المتحدة لفرض شروط تدقيق أكثر إحكاماً، خلال مفاوضات معاهدة حظر الانتشار النووي في أعوام الستينيات، تبقى الاتفاقيات التي تبرمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الدول اللانووية خالية من شرط الإلزام بضمانات تتعلق ببيع الكعكة الصفراء، حيث لا تتعدى إصدار وثائق النقل، وسيكون من الصعوبة بمكان تغيير هذا الواقع. ومن الأدلة التي تثبت أن الكعكة الصفراء لا تزال شأناً سياسياً ملغوماً شديد الحساسية ما أثير من ادعاءات على النيجر خلال مرحلة التحضير لحرب العراق. قد تبقى النقاشات والخلافات السرية مستمرة لوقت طويل حول من الذي باع الكعكة الصفراء ومن الذي اشتراها ووفق أي شروط .. إلا أننا لن نتمكن أبداً من الوصول إلى الحقيقة.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 406
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-27, 09:24 AM
  2. اقلام واراء عربي 327
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-26, 10:33 AM
  3. اقلام واراء عربي 326
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-26, 10:32 AM
  4. اقلام واراء عربي 325
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-26, 10:32 AM
  5. اقلام واراء عربي 324
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-26, 10:31 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •