اقلام واراء محلي 573
18/12/2013
في هذا الملـــــف:
نتنياهو والعزلة المزدوجة..
بقلم: خيري منصور – القدس
مانديلا: الدروس والعبر
بقلم: فايز رشيد – القدس
حاجـــز قلنــــديا...طريــــق العقــاب والعـــــذاب اليومي
بقلم: نبيل حمودة – القدس
رائحة انتصار في النقب!
بقلم: حسن البطل – الايام
رســــالة إلى الرئيـــــــس
بقلم: هاني المصري – الايام
شهادات .. من داخل العاصفة الثلجية
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
أطفال بلا أبواب
بقلم: زياد خدّاش – الايام
ما اصعب ان تكون فلسطينيا
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الزهار يكذب مع "الوطن"
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
خطوة من الجبهة الشعبية تستحق الاحترام
بقلم: د/ إبراهيم أبراش – معا
نتنياهو والعزلة المزدوجة..
بقلم: خيري منصور – القدس
تمددت عزلة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من الخارج إلى الداخل، وما نشر من تعليقات في الصحف العبرية عن بؤس "بيبي" وهو الاسم المتداول لنتنياهو في الشارع، يجزم بأن هناك مناخاً مشبعاً باليأس داخل إسرائيل بسبب المواقف الراديكالية التي يتخذها نتنياهو، كأن التاريخ توقف عند تلك السطور التي قدم بها لكتابة "مكان تحت الشمس" . وأسوأ ما يصاب به قائد سياسي هو انغلاقه على جملة من الآراء، وهذا من نتائج ما يسمى العمى الإيديولوجي، أو التشرنق فيما يسمى سايكولوجيا الاعتقاد الخاطئ، وهذا النمط من البشر يصم أذنيه عن كل الأصوات باستثناء صدى صوته ويعصب عينيه عن كل ما لا يروق له أن يراه .
وإذا كانت عزلة نتنياهو دولياً لم تدفعه إلى مراجعة مواقفه، لأنه يفسرها على هواه، فإن ما بدأ يحاصره داخل إسرائيل لا يمكنه أن يشيح عنه، لأن من يرونه بائساً ومراوحاً في مكانه بينهم ناخبون لولاهم لما تبوأ مكانته رئيساً للوزراء .
بعض الكتّاب ممن يرون في نتنياهو نموذجاً للإخفاق يقولون بما يشبه النذير أن هذا الرجل سيورط أحفادهم من اليهود، وإن كلمة المستقبل التي يكررها بإلحاح درامي ليست سوى كمين بانتظار من فوتوا الفرصة لكي يعيشوا آمنين، ومنهم أيضاً من يقول ساخراً إن شغف "بيبي" بالتصفيق هو السبب في مواقفه السياسية، وإن لديه هاجساً ريادياً بأن يكون رائد الحقبة الثانية من الصهيونية، تماماً كما قيل عن اسحق شامير بأنه حلم بأن يكون ملك إسرائيل في تاريخها الحديث .
وحين تحدث رئيس الشاباك السابق "ديسكن" في مؤتمر عقد بمناسبة مرور عشر سنوات على مبادرة جنيف، قال بوضوح إن كل الحيثيات والقرائن المصاحبة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تدعو إلى التشاؤم، وألحّ على أن قيادة نتنياهو هي من صميم هذا الدافع للتشاؤم، لكنه أراد أن يخفف العبء عن "بيبي" فأضاف قائلاً: "إن الطرف الآخر وهو السلطة الفلسطينية يعاني الداء ذاته"، وهذه عبارة ملغومة تعيدنا إلى المقولة العبرية المتكررة من عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام، لكن جديد "ديسكن" هو غياب الشريكين معاً .
ولم يسبق أن أطلقت صفة البائس على زعيم اسرائيلي كما تطلق الآن على نتنياهو، والمقصود بالبؤس ليس دلالاته التقليدية بل هو مصطلح يستخدم في سياق مماثل مما استخدم فيه مصطلح بؤس الفلسفة أثناء السجال الذي دار بين الماركسيين وخصومهم .
والمفارقة هي أن هناك من يوحي للفلسطينيين بأن هذه المفاوضات هي فرصتهم الأخيرة، رغم أن العديد من الكتّاب اليهود يرون العكس ويعتقدون أنها الفرصة النموذجية إن لم تكن الأخيرة بالنسبة إليهم .
ولأن توقعات مراكز الأبحاث في اسرائيل تنذر بأن اليأس الفلسطيني من تحقيق سلام عادل سيتيح خيارات أخرى، فالإفراط في الحصار والتجويع، وبسلام يأتي ولا يأتي على طريقة بيكيت في مسرحيته الشهيرة "بانتظار غودو"، لن ينتج أخيراً غير الانقضاض على الأمر الواقع، سواء كان ذلك انتفاضة ثالثة أو أي حراك مزعج للاحتلال، لهذا يقول الكاتب عوزي برعام في "هآرتس" "ينتظرنا نشوب ربيع عربي مجاله هذه المرة هو الاحتلال" .
مانديلا: الدروس والعبر
بقلم: فايز رشيد – القدس
شيعت جنوب إفريقيا وكل محبي الحرية في العالم، بحزن بالغ الزعيم والمناضل الكبير نلسون مانديلا، الرمز الكبير في النضال ضد العنصرية والتمييز العنصري مانديلا الذي سجنه نظام الفصل العنصري 27 عاماً قضاها في الزنازين والأشغال الشاقة . هذا المناضل لم يكن تأثيره محدوداً ببلده وقارته: إفريقيا بل امتد تأثيره إلى كافة حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . امتدّ تأثيره إلى منطقتنا العربية، فكان من أكبر مؤيدي القضايا الوطنية العربية، وكان من أكثر المدافعين عن أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، فهو القائل: "بأن حريتنا في جنوب إفريقيا ستظل منقوصة طالما لم يتحرر الشعب الفلسطيني" .
تجربة مانديلا وحزبه "المؤتمر الوطني الإفريقي" في النضال ضد الأبارتهايد تستحق أن تحتذى من كافة حركات التحرر الوطني وبالأخص ساحتنا الفلسطينية وقضية شعبنا العادلة ضد اسرائيل. هذه التجربة تشي بدروس كبيرة وكثيرة، لعل أبرزها:
* أولاً: الصلابة النضالية والكفاحية لتحقيق الأهداف الوطنية للنضال والكفاح الشعبي التحرري . يقول مانديلا في الكتاب الصادر عنه بعنوان "رحلتي الطويلة من أجل الحرية" والذي هو عبارة عن مذكراته: بأن النظام العنصري عرض عليه أثناء فترة سجنه: إطلاق سراحه ورفاقه من السجن مقابل قبولهم بحكم ذاتي للسود في جنوب إفريقيا . رفض مانديلا العرض وأفهم ممثلي النظام بأن حزبه لا يقبل بالحلول الوسط، وأنه ورفاقه سيستمرون في النضال من أجل حرية شعبهم الكاملة . لقد فضّل البقاء في السجن على المساومة على حقوق شعبه الوطنية وعلى حريته .
ثانياً: المواءمة والمزاوجة بين المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح وبين النضال السياسي . لقد رفض مانديلا بعد إطلاق سراحه، وأثناء زيارته للولايات المتحدة، وقف الكفاح المسلح في جنوب إفريقيا الذي يخوضه المؤتمر الوطني الإفريقي وكافة الأحزاب والجهات المؤتلفة معه، ضد النظام العنصري، عندما طالبه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بذلك، في المؤتمر الصحفي بين الطرفين في حديقة البيت الأبيض (لم يكن مانديلا رئيساً عندها . كان هذا قبل إبرام اتفاق مع نظام الفصل العنصري) لقد أجاب مانديلا يومها: "سنظل نقاتل حتى تحقيق انتصار شعبنا واعتراف النظام العنصري بحقوق شعبنا الوطنية: في الحرية والاستقلال والمساواة" .
ثالثاً: الانسجام التام بين الاستراتيجية النضالية كهدف أخير وبين التكتيك السياسي الممارس . لقد حازت السياسات التي انتهجها الحزب بقيادة مانديلا التعاطف الكبير من شعوب العالم أجمع، وكذلك من الدول المؤيدة للحرية وللنضال التحرري لشعب جنوب إفريقيا من السود . كان لهذا التعاطف أكبر الأثر في عمل العديد من المنظمات والهيئات الدولية لتشديد الحصار والمقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا .
كانت لهذه المساندة تداعيات أيضاً، أبرزها: أن شعوب الدول الاستعمارية التي امتلكت علاقات مع العنصريين في جنوب إفريقيا، ضغطت على حكومات بلدانها، من أجل مقاطعة نظام الفصل العنصري، تماماً مثلما حدث مع الثورة الفيتنامية قبل اضطرار الولايات المتحدة للانسحاب مهزومة من فيتنام .
* رابعاً: التجربة الوطنية الجنوب إفريقية في حشد كل القوى الوطنية الاخرى، في معركة النضال التحرري للشعب أو ما يسمى "بالجبهة الوطنية العريضة" . لقد قاتلت العديد من الأحزاب الجنوب إفريقية تحت راية المؤتمر الوطني الإفريقي، بما في ذلك: الحزب الشيوعي . لم يضع مانديلا فيتو على أي حزب يؤمن بأهدافه النضالية . كان ذلك إلى الحد الذي جرى اتهام مانديلا من قبل جهات معادية كثيرة، بالانتماء إلى الحزب الشيوعي . من جهته نفى مانديلا الاتهامات لكنه كان يستطرد بأن حزبه يعمل جنباً إلى جنب مع الحزب الشيوعي، وبعد التحرر سيقرر الشعب ما ومن يريدهم حكاماً له .
* خامساً: بعد الانتصار أجريت انتخابات كانت غاية في النزاهة والشفافية باعتراف كل المراقبين الدوليين، الذين أشرفوا على العملية الانتخابية . شارك فيها السكان البيض (ومنهم الذين اضطهدوا السكان السود تاريخياً ولسنوات طويلة . لم يتعامل مانديلا أو حزبه بقانون رد الفعل مع البيض، وهو ما أذهل العالم آنذاك! من ناحية ثانية: تسلم مانديلا الحكم لولاية واحدة . لم يقبل بكل طلبات التجديد له . آثر الانسحاب من العمل السياسي العام، وترك الراية للآخرين . كان عظيماً في ذلك، وبالفعل تجربته جديرة بالاحتذاء بها.
على صعيد آخر، بعض الدول الغربية واسرائيل كانت حريصة على إظهار حزنها الشديد على وفاة مانديلا! للأسف فإن هذه الدول امتلكت أفضل العلاقات مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا . كانت لها علاقات متميزة مع النظام العنصري، وكانت تمده بالأسلحة ومنها تلك التي كانت تستعمل كوسائل تعذيب للجنوب إفريقيين من السود . هذه الدول في أحيان كثيرة وقفت ضد مقاطعة النظام العنصري واليوم تبكي على مانديلا! إن في ذلك نفاقاً ورياء .
لم يتم رفع اسم مانديلا من قائمة الإرهاب إلا في عام 2004 . أما اسرائيل فحدث ولا حرج فقد امتلكت أقوى الوشائج مع النظام العنصري: علاقات اقتصادية وتجارية (وبخاصة على صعيد تجارة الماس المشتركة بين الدولتين)، وامتلكت إسرائيل علاقات سياسية متطورة مع النظام العنصري، كانت إفريقيا الجنوبية حينها الحليف الأكبر له . امدّته باليورانيوم، وأسهمت في تعليمه وطرق تخصيبه . وللجانبين أبحاث مشتركة في الصواريخ البعيدة المدى وبخاصة تلك الحاملة للرؤوس النووية . وافقت جنوب إفريقيا العنصرية على تجربة إسرائيل للصواريخ في صحرائها .
لقد تذرّع نتنياهو بعدم المشاركة مباشرة في جنازة مانديلا بسبب التكلفة المالية الباهظة! أما الرئيس الاسرائيلي بيريس فتذرّع بالأسباب الصحية!. لقد كشفت الصحف الاسرائيلية حقيقة سبب عدم مشاركة المسؤولين الإسرائيليين الاثنين "بسبب عدم رغبة المسؤولين الجنوب إفريقيين بمشاركتهما"، لذلك جرت المشاركة الاسرائيلية في التشييع عن طريق رئيس الكنيست، وكان ذلك في آخر لحظة .
يبقى القول إن مظاهر الحزن التي جرى التعبير عنها في جنوب إفريقيا، وفي دول عديدة في العالم، ومشاركة مسؤولين من تسعين دولة، بينهم رؤساء دول هي تعبير حقيقي عن تقدير العالم لهذا الزعيم .
حاجـــز قلنــــديا...طريــــق العقــاب والعـــــذاب اليومي
بقلم: نبيل حمودة – القدس
الحياة اليومية للمقدسيين في القدس شاقة وقاسية وليست رغدة وسهلة كما يتصورها ويتوقعها البعض ؟ ، فتكاليف المعيشة عالية ، والأوضاع الاقتصادية صعبة ، وشراء المواد والسلع الاساسية ليست بمقدور ومتناول يد الجميع لارتفاع اسعارها ، لضآلة دخل المقدسيين ، وعدم توفر فرص العمل ، وزيادة البطالة ، هذا عدا ضائقة السكن ، وغلاء ايجارات البيوت والمحال لقلتها ، وإرتفاع تكاليف البناء ورسوم ترخيصها ، ناهيك عن ارتفاع فواتير إستهلاك الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء وأسعار المحروقات والغاز والمواصلات ... الخ ، الى جانب الرسوم والضرائب والمخالفات المضاعفة التي يفرضها الاحتلال عليهم ، فالمقدسيون يعانون في توفير المأكل والمسكن المناسبين ، اللذين يشكلان العنصرين الأساسيين للحياة الكريمة في اي بلد ومدينة .
هذا الوضع دفع العديد من العائلات التي تعيش بالقدس إلى إخراج ابنائهم من المدارس ، وتشغيلهم صغاراً في أعمال خدمية دون إكمال تعليمهم بالمحلات والفنادق والمطاعم والمقاهي الاسرائيلية والاحتكاك بنمط حياة جديدة تختلف عن نمط حياتهم وأعرافهم وتقاليدهم ، ولقد قام العديد من التجار ورجال الاعمال وكذلك العديد من المؤسسات والمنظمات بنقل مقار اعمالهم ومحالهم التجارية خارج المدينة تهرباً من المضايقات المستمرة والملاحقات الضريبية الاسرائيلية الباهظة ، وعدم القدرة على منافسة الاسعار والمنتوجات الاسرائيلية داخل المدينة ، خصوصاً بعد بناء الجدار العنصري ، وحصار وفصل القدس عن امتدادها الفلسطيني . مما دفع العديد من المقدسيين للعمل خارج مدينة القدس في محافظة رام الله والبيرة في الوزارات والمؤسسات والشركات برواتب متدنية اذا ما قورنت بمستوى المعيشة بالقدس ، وقيام العديد من المقدسيين للتسوق بالمحافظة لانخفاض الاسعار فيها عن الاسعار بالقدس . وحيث أن منطقتي كفر عقب وسميراميس جزء من القدس ، ونظراً لتوفر المساكن فيها ، وانخفاض الأجرة وأسعار شراء الشقق في هذه المناطق ، جعل آلاف المقدسيين يسكنون فيهما للمحافظة على هويتهم ، ولبقاء ارتباطهم مع اهلهم داخل الجدار ، مما يجعل التنقل والتحرك والمرور من خلال حاجز ذات حاجة وضرورة ماسة تزيد من كثافة حركة التنقل عبر الحاجز .
من مجموع ما سبق وغيره ، تبدأ رحلة العقاب والعذاب اليومية التي يعاني منها المقدسيون العاملون في محافظة رام الله والبيرة وما بعدها ، وأبناء الضفة العاملين في مدينة القدس بتصاريح مرور ، وكذلك المقدسيين القاطنين في الضواحي الشمالية حملة الهوية الزرقاء الذين يزيد عددهم عن عشرة آلاف شخص ، مما يجعل حركة التنقل عبر المعبر تصل لعشرات الالاف يومياً ، ورغم ان المسافة بين القدس ورام الله لا تتعدى 20 كيلومترا ، إلا ان الوقت الذي يستغرقه الشخص احيانا لقطع المسافة بينهما ساعة او ساعتين في الذهاب ومثلهما في الاياب ، وهي مدة تزيد عن مدة السفر من القدس الى دمشق او حتى بيروت لو كانت الطريق سالكه ، ففي هذا الحاجز نضييع الساعات بلا فائدة او طائل ، بل نضيع ما لا نستطيع استرداده.
إن حاجز قلنديا " كما يسمونه " يقع على الطريق بين القدس ومحافظة رام الله والبيرة ، وهو الحاجز الوحيد الاقرب بينهما ، الذي يربط أيضاً شمال الضفة مع القدس وبالعكس ، وهو طريق مزدحم بكثرة العابرين من المشاة ، وأيضاً بوسائل النقل المتعددة كالشاحنات والمركبات الثقيلة ، وباصات الركاب وطلاب المدارس ، وسيارات الاسعاف والأجرة والسيارات الخصوصية والدراجات النارية ، تحيطه شوارع ضيقة غير عريضة تتلاقى في دواوير صغيرة ، بدون اشارات مرورية ، او شرطة مرور ، مما يؤدي الى حدوث اختناقات مرورية تزداد ازدحاماً وإزعاجاً عند قيام حراس المعبر بالتضييق على الناس ، وعدم تسهيل مرورهم ، خصوصاً في مناسبات أعيادهم ، او استبدال نوبات الحراس بالمعبر ، أو استخدام مسلك واحد فقط من مسالك أخرى مخصصة لهذا الغرض ، او حدوث بعض المناوشات الامر الذي يؤدي الى تباطؤ تفتيش العاملين في الحاجز او حتى إغلاقه عقاباً للمارة ممن ليس لهم علاقة بالأمر ، فيؤدي الى تكدس السيارات في طوابير طويلة تزيد عن كيلو متر ، ما يفاقم من التزاحم والفوضى والتسابق والنرفزة والانزعاج والإرهاق والنزاع والشقاق وضياع الوقت وتعطل مصالح الناس والعباد ، والتأخر في الوصول حسب مواعيد العمل المحددة والاجتماعات المقررة .
ومما يزيد الطين بله في هذا الحاجز الذي يغم الصدر ويزعج النفس والبال ، حركة انتقال مرور المشاه المضطرين للانتقال سيراً على الاقدام في الحاجز الذي يعج بالطوابير الطويلة من النساء والحوامل والأطفال والأولاد الصغار وكبار السن والمرضى ومئات الشباب والشابات الذين يتحملون مشقة العبور بالممرات الضيقة وأجهزة التفتيش والأبواب الدوارة ، وكلمات الهوان والإذلال ، والعبرات النابية وأوامر الحراس بالوقوف او التحرك وبالرجوع او التقدم ، ناهيك عن العمال وطلبة المدارس الذين يتوافدون على الحاجز منذ ساعات الفجر الاولى للمرور قبل الازمة وخشية التأخر عن مواعيد العمل وموعد الدراسة .
ومما يزيد من معاناة الشوارع الضيقة عند حاجز قلنديا السلوك غير الحضاري والتصرفات غير اللائقة من بعض السائقين والركاب التي لا تتناسب مع قيمنا وسلوكنا وثقافتنا ، وكأننا نعيش في غابة ، فلا نكتفي بمعاقبة الاحتلال لنا ، بل بمعاقبة بعضنا البعض ، بعيداً عن قواعدنا الدينية والسلوكية والاخلاقية حيث يقوم الركاب برمي وقذف علب السجائر وعبوات المياه والعصائر والأكياس بأنواعها وألوانها من نوافذ سيارتهم على أطراف الشوارع . وعدم اهتمام المسئولين بنظافة المكان كترك بقايا النفايات وأكياس الزبالة مكدسة على الارصفة ، دون مراعاة للنظافة او ازالة للقمامة او للقاذورات او الحجارة او التراب او الاطارات ، ناهيك عن وقوف بعض السيارات وأكشاك بعض باعة في وسط الشوارع ، وعبور المشاة وانتشار الباعة المتجولين ، وماسحي زجاج السيارات المارة عنوة بالشوارع ، مما يضييق من انسياب حركة مرور السيارات .
ان هذا الواقع السيئ الذي يعيشه المارة وسائقي السيارات والركاب في الطريق من القدس الى رام الله وبالعكس يزداد صعوبة ومشقة يوما بعد يوم ، وهو يمس قطاعاً واسعاً من المقدسيين الذين يبحثون عن عمل من اجل لقمة العيش وممن لا يملكون بطاقات خاصة " vip" كغيرهم ، للمرور عن طريق ال " d.c.o " ذات التسهيلات الخاصة والأكثر راحة وسهولة ، والمخصص لكبار القوم وعليتهم ومسئوليهم لهذا فهم لا يحسون بالمعاناة والمكابدة اليومية التي تحدث صباح مساء على حاجز قلنديا والشوارع المحيطة به .
كما إن الفوضى وعدم التنظيم والترتيب والتسابق والبلبله التي تحدث في الطريق الى الحاجز يدعوا للدهشة والاستغراب ؟ فبينما انت واقف في الطابور تنتظر دورك في كلا الاتجاهين تجد من يمر امامك بسرعة البرق ، " او السير بعكس السير " ، يتخطاك ليمر من قبلك وكأنه في سباق ، غير عابئ بشيء ، ولو تحدثت مع من يقوم بمثل هذه التصرفات فستجد الكلمات الهابطة تنهال عليك " ويصبح الحق عليك بدلا من ان يكون لك " وهذه ثقافة جديدة تتمثل في سرقة وسلب وتبديد وقت غيرهم ، والاستقواء على الاخرين وعدم تقديرهم ظروف غيرهم وأحوالهم ، وغير مقدرين ومراعين لوقتهم ، وهي استعراض للفهلوة والشطارة على الغير ، تنم عن تصرفات وقحة ، وسلوك خاطئ وعدم الاحترام والتقدير ، في غياب قوانين الردع ومراقبة أشخاص مؤهلين لمراقبة الشارع من قبل الجهات المختصة .
كما يزداد التزاحم في اوقات محددة دون غيرها كمواعيد بداية ونهاية عمل الموظفين والعاملين والطلاب لارتباطهم بمواعيد محددة ، وكذلك في مناسبات الافراح والأعراس والمناسبات الاجتماعية التي تقام في مدينتي رام الله والبيرة لارتفاع أجور وندرة وجود القاعات اللازمة لذلك في القدس ، وعودة عمال الشمال من العمل لأهلهم خصوصاً ايام الخميس والسبت والإجازات والاعياد الرسمية ، كما يزداد الازدحام بكثرة في الفترة المسائية التي لا تقل صعوبة وضغطاً عن الفترة الصباحية بل اشد لعدم توفر الإنارة الكافية في المنطقة ، ففوانيس السيارات تعمي الابصار وتشد الاعصاب ، وتخرج المرء عن طوره ، وينتابه الخنق والغصة من كثرة ما يراه من تزاحم وتجاوز وعدم وجود انضباط مروري مما يؤدي الى حدوث حوادث مرورية ومشاكل وتعطيل وتأخير المرء عن التزاماته مما لا يمكن من الوصول في المواعيد المحددة .
لذا فالمطلوب من السلطة الفلسطينية والمرجعيات المعنية بالقدس التنسيق في كل المناحي الحياتية و المعيشية للمواطنين ، وعلى رأسها تسهيل وتوفير الحياة المريحة للمواطنين كحل مشكلة المعابر بين المدن والقرى الفلسطينية ، وعلى الاخص حاجز قلنديا الذي يعاني منه الجميع الامرين ( خاصة في شهر رمضان المبارك ، وفصل الشتاء ) ، امام هذا الحاجز الكابوس الذي " ندعوا الله ونتمنى من الله ازالته وغيره من المعابر نهائياً " وعودة مياهنا لمجاريها ، ولا بد من وقفة جادة وتدخل السلطة لحل هذا التزاحم الذي " لا مثيل له في عالمنا اليوم " ، ولا بد من إيجاد حلول جذرية لمعالجة المعاناة اليومية بهذا الحاجز مما يستدعي التحرك واخذ الخطوات لحل هذه الازمة جذريا عبر : توسيع الطرق الحالية ووضع اشارات ضوئية بدل الحجارة ، ووضع الاشارات الارشادية ، وفتح شوارع فرعية لفصل السيارات المتجه للقدس عن المتجهة للضفة ، وفتح طريق جديدة ، وتوفير الشرطة المرورية ، و تعين موظفين مؤهلين لهذا الغرض ، وتغيير مسار الباصات وسيارات الشحن والنقل الكبيرة عن الحاجز او تحديد مرورها بساعات معينة ، طلب فتح جميع مسارات الحاجز وزيادتها ، وتسهيل اجراءات التفتيش ، ولعل شق طريق جديدة تربط بين مدينتي رام الله والبيرة مع الجهة الجنوبية والشرقية خطوة عملية لتخفيف حدة الازمة الحالية ، فكفانا عقاباً وعذابا على هذا الحاجز المزعج المقيت فهل من مستمع وهل من مجيب .
رائحة انتصار في النقب!
بقلم: حسن البطل – الايام
وحدة حال، في غير مجال، بيني وبين عضو الكنيست أحمد الطيبي. هو وقف على المنصة، في ذروة "أليكسا" وسكب ماء على نص مشروع برافر ـ بيغن، وقال: "بللوه واشربوا ماءه".. أما أنا فكنت أبلل الخبز للعصافير واضعه على افريز النافذة المثلجة!
المشروع الذي أعلن في حزيران واجتاز القراءة الأولى في الكنيست، "ثم إيقاف النظر فيه بصيغته الحالية" كما أعلن الليكودي بيني بيغن في مؤتمر صحافي، علماً أن بيغن وضع مشروع الاقتراح بعد جولات ميدانية وحوارات، استمرت عاماً مع عشائر وقبائل وشخصيات بدو النقب، وجاء مسؤول التخطيط في مكتب نتنياهو، ايهود برافر، مع تعديله نحو التشدّد فصار مشروعا يحمل اسم برافر ـ بيغن!
في القراءة الأولى مرّ المشروع بغالبية 44 صوتا ضد 40، ويوم 12 كانون الأول أعلن صاحبه الأساسي عن ايقاف النظر فيه بصيغته الحالية.
لم يسقط المشروع بأصوات النواب العرب في الكنيست بالطبع، وحكومة الائتلاف الأكثر يمينية تجتاز بسهولة تصويتات الثقة بها في الكنيست.. فلماذا أعلن رئيس الائتلاف، ياريف ليفين، أن لا احتمال للموافقة على قانون برافر في القراءتين الثانية والثالثة.
الجواب موجود في مؤتمر بيغن الصحافي عن وقف المشروع، وهو ان "اليمين واليسار، العرب واليهود عملوا معاً من خلال استغلال ضائقة الكثير من البدو بهدف تعكير الجو لأهداف سياسية (..) عملنا كل ما في وسعنا، لكن علينا أن نعترف بالواقع أحياناً"!
اليمين عارض المشروع، لانه يقدم "تنازلات" للبدو.. واليسار عارض لأن المشروع يقحم الحكومة في "صراع قومي" مع البدو ومع الشعب الفلسطيني في اسرائيل، وقد يتسبّب في انتفاضة، وأنصار البيئة عارضوا لأسبابهم، وحتى البلدات اليهودية القائمة في النقب تحفظت أو عارضت مشروعا "تهويدياً" ملحقاً بإقامة ست بلدات يهودية، لأنه سيجرف السكان منها إلى البلدات الجديدة، والأحرى تقوية البلدات اليهودية القائمة و"مركزتها" بدلاً من "مركزة" الانتشار البدوي.
كل هذا صحيح، لكن لولا هبة البدو، وتضامن الشعب الفلسطيني في اسرائيل (والأراضي المحتلة، وعواصم العالم) لكان المشروع سيمرّ في الكنيست.
بدأ مسار "فلسطنة" من تسميهم اسرائيل "عرب اسرائيل" انطلاقاً من "يوم الأرض" 30 آذار 1976، وما بعده، وبدأ مسار فلسطنة من تسميهم اسرائيل "بدو النقب" منذ بدء معركة الاعتراف بالقرى الأربعين في النقب.
تجلّى العناد البدوي بإعادة بناء قرية العراقيب 61 مرّة وكان هذا العناد فتيل البارود الذي اشتعل غضباً وتهديداً صريحا بالبدء في انتفاضة، تعني انهيار السياسة البدوية للحكومة، وقد يليها انهيار السياسة الدرزية.. وأخيراً تمييز "عرب اسرائيل" عن "عرب يهودا والسامرة".. فالجميع فلسطينيون وينتمون إلى شعب واحد، كما تجلّى الأمر في "هبة اكتوبر" 2000 في الجليل والمثلث تضامناً مع الانتفاضة الثانية.
ألقت حكومات إسرائيل بالحطب على الجمر، بإعلانها مشروع توسيع تهويد النقب، وزادت النار ضراما، بإعلانها مشروعاً آخر لتهويد قلب الجليل (سهل البطوف)، لقلب التوازن الديمغرافي فيه لصالح "التهويد" ناهيك عن مشاريع التهويد المتسارعة في الاراضي الفلسطينية.
لا يعني ايقاف المشروع التهويدي بصيغته الحالية ان الحكومة لن تلجأ لصيغة اخرى اكثر التواء، بدليل ان مشروع تهويد قلب الجليل لم يتوقف، لكن اسرائيل المتهمة دولياً بممارسة سياسة التمييز والعزل العنصري تخشى تعميم الاتهام لسياستها ازاء رعاياها الفلسطينيين.
ان طي مشروع برافر ـ بيغن في صيغته الحالية يوجه ضربة لمطالب حكومة نتنياهو من السلطة الفلسطينية الاعتراف بـ "يهودية إسرائيل". طالما أن رعاياها الفلسطينيين تحت وطأة تمييز قومي ـ عنصري يمنع عن اسرائيل شرط الدولة الحديثة لجميع مواطنيها.
سياسة "الأسرلة" إزاء الفلسطينيين في إسرائيل تلقت ضربة مؤثرة، وأمن دولة إسرائيل لا يقتصر على الأمن العسكري وحده، بل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشعبي دولة إسرائيل من جهة، وللشعبين الإسرائيلي والفلسطيني من جهة أخرى في دولتين سياديتين.
نتنياهو أذعن لتوصيات بني بيغن، وهو جغرافي، بإيقاف المشروع في صيغته الحالية، ربما لأنه يخشى أن يلجأ الفلسطينيون في إسرائيل إلى مطالبة مجلس الأمن بالتدخل ضد سياسة التمييز بين يهود الدولة وعربها.
رســــالة إلى الرئيـــــــس
بقلم: هاني المصري – الايام
أعرف حجم الضغوط والتحديات التي تواجهها في هذه الأيام التي تقترب فيها لحظة الحقيقة، اللحظة التي تتخذ فيها القرارات المصيريّة.
كما أعرف أنك ترفض الأفكار الإسرائيليّة التي تبنتها الإدارة الأميركيّة من خلال طرح الجانب الأمني من خطة جون كيري تمهيدًا لطرح الجانب السياسي في تبنٍ كامل للنظريّة الإسرائيليّة، التي طالما أرادت جعل الأمن الإسرائيلي المرجعيّة الوحيدة للمفاوضات، وأصرّت على الاتفاق على الخارطة الأمنيّة أولاً حتى ترسم خارطة الحدود على مقاسها.
عند الاطلاع على ما توصل إليه الجنرال الأميركي جون ألن، يدرك المرء استحالة التوصل إلى اتفاق. فالمقترحات تتضمن الإبقاء على القوات الإسرائيليّة لفترة مؤقتة في الأغوار والحدود ضمن قائمة طويلة عريضة من الترتيبات الأمنيّة، التي تبدأ بأن تكون الدولة الفلسطينيّة العتيدة منزوعة السلاح، وتلتزم بعدم عقد أي معاهدات أو تحالفات مع أي دولة يمكن أن تهدد إسرائيل، ولا تنتهي بتسيير دوريات فلسطينيّة إسرائيليّة مشتركة، وإقامة وجود مرئي فلسطيني على المعابر؛ على أن يبقى القرار بالمرور بالاتجاهين بيد إسرائيل، والسيطرة على الحدود والأجواء والبحار؛ إلى أن ترى إسرائيل أن القوات الفلسطينيّة أصبحت مهيأة لتوفير الأمن الإسرائيلي ووضع نقاط إنذار وقواعد عسكريّة على رؤوس الجبال والمواقع الإستراتيجيّة.
إذا أضفنا إلى ما سبق الأمر الواقع الاحتلالي الذي خلقته الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة على الأرض، من خلال الاستيطان وجدار الفصل العنصري وتهويد القدس وأسرلتها وتقطيع أوصال الضفة الغربيّة وحصار غزة والاعتداء بشكل شبه مستمر عليها في ظل اتجاه إسرائيل أكثر وأكثر نحو التطرف، ومع وجود حكومة يتنافس أعضاؤها حتى في مجال تجاوز اللاءات الإسرائيليّة، ورفض الحلول بكل أشكالها الانتقاليّة والنهائيّة على أساس أن الواقع الحالي مناسب جدًا لإسرائيل؛ فالرهان بينهم يكون على إمكانية تدهور الوضع أكثر فلسطينيًا وعربيًا بما يتيح لإسرائيل فرض حل أكثر ملاءمة لها يحقق إقامة "إسرائيل الكاملة" من دون أصحاب البلاد الأصليين، أو بوجود أقل عدد منهم شرط إقرارهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في "دولة اليهود"، وعليهم نسيان أنهم فلسطينيون والتخلي عن حقوقهم، خصوصًا حق العودة للاجئين والموافقة على إنهاء الصراع والكف عن المطالب.
ما سبق تعرفه جيدًا، كما يعرفه أي فلسطينيي وأي متابع للشأن الفلسطيني، ولكن يبدأ الخلاف في كيفيّة التعامل معه، فهناك من يطالب بقبول ما أسموه زورًا "التسوية" غير المكتملة والحل على مراحل، خشية من إخراج الفلسطينيين من المعادلة السياسيّة. وبهذا الطرح أصبح الاستمرار في هذه المعادلة أهم من تحقيق الأهداف التي دخل الفلسطينيون المعادلة من أجل تحقيقها، ونسي أصحاب هذه النصيحة الرديئة أو تناسوا أن ما جعل الفلسطيني لاعبًا مهمًا نضاله وتصميمه على الحصول على حقه، وما أضعفه وجعل دوره ثانويًا أنه تصور أن وقت النضال قد مضى وأن وقت الحصاد قد أزف.
إن إسرائيل لا تريد السلام ولا إعطاء الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه حتى بحدود إقامة دولة على حدود 1967، ولا يوجد الضغط اللازم عليها حتى تقبل بهذه الحقوق، والضغط الأميركي الممارس عليها - إذا كان هناك ضغط أصلا - أو الذي يمكن أن يمارس حاليًا وفي المستقبل القريب على الأقل؛ لا يتعدى تطبيق اللاءات الإسرائيليّة التي تتحدث عن عدم العودة إلى حدود 67 وضم القدس وضم المستوطنات وحدود الجدار وتصفية قضيّة اللاجئين، وخصوصًا حق العودة والاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة وإنهاء الصراع والكف عن المطالب.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل فلسطيني هو: ما العمل، وهل هناك بديل عملي من الانخراط في هذه العمليّة والسعي للخروج منها بأحسن حل ممكن؟
الجواب عن هذا السؤال يبدأ بأن القبول باستمرار الأمر الواقع القائم حاليًا أو بما يمكن أن تخرج به المفاوضات الدائرة والمختلة، التي تمضي من دون مرجعيّة ولا أي التزام إسرائيلي سوى باستمرار الاستيطان وتغيير الأمر الواقع ليتعمق الاحتلال أكثر وأكثر؛ ليس خيارًا مقبولا، وإنما هو في الحد الأدنى "انتحار سياسي"، وفي الحد الأقصى "تفريط وتخلٍ عن الأمانة".
فأي شيء بديل عن هذه العمليّة التي تسمى "عمليّة سلام"، وما هي بذاك، أحسن أو أقل سوءًا من قبول استمرار الأمر الواقع، أو قبول إحدى صيغ الحلول الإسرائيليّة الانتقاليّة أو النهائيّة. وإذا لم يكن البديل متوفرًا فيجب بناؤه خطوة خطوة ومدماكًا وراء مدماك.
البديل يبدأ بإدراك أن المرحلة الحاليّة ليست مرحلة حلول مناسبة، فلا أحد يعطي الضعيف والمنقسم الذي ألقى بمعظم أوراق قوته على مذبح البحث عن التسوية المستحيلة. فالمرحلة هي مرحلة توفير مقومات الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين، والحفاظ على الحقوق والمكتسبات وإعادة القضيّة إلى طبيعتها الأصليّة بوصفها قضيّة عودة وتقرير مصير للشعب الفلسطيني كله، وليست قضيّة إقامة دولة على جزء متناقص باستمرار، وتقليل المخاطر والمخاسر وإحباط الخيارات المفضلة لدى إسرائيل وجعلها تخسر أكثر وأكثر من استمرار احتلالها وتعنتها ورفضها لكل المبادرات، تمهيدًا لعمليّة تغيير تدريجي لميزان القوى ينسجم ويقدر على الاستفادة من أي تغيير إيجابي في المنطقة والإقليم والعالم الذي يشهد متغيرات عاصفة، بحيث يمكن أن تأتي اللحظة المناسبة ولو بعد حين لفرض الخيارات المفضلة لدى الفلسطينيين.
البديل يتطلب إبقاء القضيّة حيّة والحفاظ على تفوقها الأخلاقي المنسجم مع عدالتها، وما يقتضيه ذلك من العودة إلى وحدة القضيّة والشعب والأرض، إضافة إلى الاعتراف بأن هناك حقوقًا لليهود المتخلين عن المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني العنصري الإجلائي الاحتلالي.
إن البديل غير ممكن من دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة في سياق إعادة بناء الحركة الوطنيّة، وإعادة تعريف المشروع الوطني، وبلورة إستراتيجيات جديدة تعترف بالواقع القائم ليس من أجل تكريسه وإنما من أجل تغييره، وإن لم يكن ممكنًا مرة واحدة فبالتدريج، وهذا الأمر يتطلب مقاومة تنسجم مع الواقع والقدرات، وتزج الشعب كله كل حسب قدراته وظروفه، وتستخدم وسائل التحرك السياسي، بما في ذلك المفاوضات، ولكن ليس على شاكلة المفاوضات التي شهدناها حتى الآن، وإنما مفاوضات تتم في إطار "مؤتمر دولي" مستمر وكامل الصلاحيات، وعلى أساس تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وليس التفاوض عليها.
إن الوصول إلى هذه المرحلة بحاجة إلى وقت ونضال وتدويل للقضيّة ومقاطعة لإسرائيل على كل المستويات والمحافل، واستعادة الأبعاد العربيّة والدوليّة للقضيّة الفلسطينيّة، بما في ذلك تنشيط حركة التضامن الدوليّة التي استمرت رغم كل الظروف والإهمال الذي تعرضت لها في ظل الوهم المستمر حتى الآن بأن الدولة على الأبواب وعلى مرمى حجر.
تخيل يا سيادة الرئيس لو أن أجواء الوفاق الإقليمي والدولي الحالي والمرشح للاستمرار حول الملف السوري والملف الإيراني والتراجع في الدور الأميركي في المنطقة والعالم قد جاءت في ظل وحدة وطنيّة فلسطينيّة على أسس وطنيّة وديمقراطيّة وشراكة حقيقيّة وإستراتيجيات فاعلة؛ لكانت قدرة القضيّة الفلسطينيّة على الحضور بفعاليّة وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني ستكون أفضل بما لا يقاس من الوضع الفلسطيني الحالي الذي لا يسر صديقًا ويفرح كل الأعداء.
القضيّة في خطر والشعب يتطلع إلى سياسات وقرارات تكون بمستوى التحديات والمخاطر وقادرة على تحقيق المصالح والحقوق والأهداف الفلسطينيّة٠
شهادات .. من داخل العاصفة الثلجية
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
"خمسة أيام هزت شركة الكهرباء، والمجالس المحلية، والدفاع المدني وجهات الاختصاص، التي كانت عاجزة امام انهيار شبكة الكهرباء، وإخفاقات البنية التحتية وانهيار الخدمات نتيجة للطرق المقطوعة والمغلقة. كانت الاستعدادات خاطئة وهشة وغير سليمة، ما أدى الى انهيار الخدمات". هذا الوصف يخص "دولة السوبر بَوَرْ" إسرائيل بحسب تقرير صحيفة يديعوت احرنوت، أما الوضع عندنا فحدث ولا حرج بحسب عينة من الشهادات:
1- "أَمَا وقد انحسرت موجة الثلج والبرد إلا أن تداعياتها ونتائجها مستمرة. والمطلوب أولا أن يتوقف كل المسؤولين عن التغني بانجازاتهم احتراما للجمهور ولذكائه ومعاناته جراء انقطاع الكهرباء لأيام وساعات طويلة، يضاف اليه انقطاع المياه بالكامل عن رام الله والبيرة واستمرار الشوارع الفرعية مغلقة. لا نستطيع الخروج من بيوتنا بحثا عن خبز او ماء. قد يقول قائل ان اهلنا في غزة يعيشون هذا الوضع باستمرار وهذا صحيح وظالم، ولكن هل هذا يكفي ليبرر او يفسر الاخفاق الذريع في رام الله والبيرة. من المسؤول عن هذا الخلل؟ من الحكمة ان يكون هناك تحقيق جدي وان لا نكتفي بتعليق كل شيء على شماعة الاحتلال، حتى وهو جزء من هذه المشكلة". د. احمد صبح
2- أن تبادر أفضل من أن تتذمر
بادرت باستئجار جرافة لفتح شوارع حي مكون من 10 عمارات، فاوضت صاحب الجرافة، بالنسبة له الوقت من ذهب كل ربع ساعة عمل بـ 300 شيكل، بعد أن رفضت جرافات الدفاع المدني والبلدية فتح الشوارع الفرعية بذريعة "ماكو أوامر"! كل بيت دفع مبلغ 5 شيكل، فتحت الجرافة الشارع الفرعي. مشهد العائلات التي خرجت الى الشارع، رهيب/ كأنه لحظة تحرير من سجن الشقق، الجميع خرج ودفعوا المبلغ عن طيب خاطر، وشكروني على المبادرة. الصفقة جيدة حرية مقابل 5 شواقل. عدد سكان الحي 300 إنسان على اقل تقدير شارعهم مغلق ـ شارع المصايف. أدعو المواطنين الى الاحتجاج على كل مسؤول يستعرض امام الفضائيات فقط، وفي الحقيقة، هو لم يقدم اي شيء/ نضال الخطيب
3- الرجال لا يلزموننا: استيقظت صباحاً لأجد أن الشجر قد انكسر ونزل على سيارتي... وحدي أمام عيون كل رجال الحارة رفعت الشجر وقصصته بالمنشار، وهم يتفرجون أو يمرون مرور الكرام... بقولوا لك الست ضعيفة، والله ما حدا ضعيف غيرهم... سيكونون هم دائماً بحاجتنا ولن نحتاجهم... يعطيكم العافية وغيروا لي قصة الرجولة هاي، وشوفوا لكم قصة جديدة/ سامة عويضة
4- باعتراف الإسرائيليين:
الفلسيطينيون أقوى منا على الصمود والبقاء ليس بما لديهم من إمكانات مادية أو لجان طوارئ أو دفاع مدني، جبهتم الداخلية معززة ومصانة بمجموعة من القيم والعادات والتقاليد تمكنهم من مواجهة الكوارث بكل عزم وصبر وثبات، لديهم قيم مثل الفزعة، العونة، اللمة/ نضال الخطيب
5- طواقم إطفائية بلدية نابلس حضروا لتفقد سكان المنطقة المغطاة بالثلوج، لم يستطيعوا الوصول بآلياتهم لأن معالم الطرق لم تكن واضحة، لكنهم وصلونا مشيا على الأقدام بعد تسلقهم الجبل. كل التحية والإكبار أترك التعليق لكم/ د. فاروق حمد
6- غزة تغرق: لو أن الجهود التي بذلت ببناء أنفاق في قطاع غزة بذلت لبناء سدود لضربت غزة امثولة في مواجهة غضب الطبيعة/ محمد الحلو.
"حماس لديها احتياط سولار يكفي لحل الازمة، لكنها لم تستخدمه أثناء الفيضان، واستعاضت عن ذلك بالحديث عن المخاطر/ سعود اتصال هاتفي.
ودعت قيادة حماس المواطنين للتبرع لـ 4500 منكوب في 16 مركز إيواء. وكانت الاستجابة الجماهيرية عالية سواء بالإنقاذ او بالتبرع/ توفيق ابو شومر
7- رغم تنسيق السلطة مع الصليب الأحمر والشؤون المدنية إلا أن إدارة سجن "عوفر" رفضت إدخال الأغطية الشتوية للاسرى، مع العلم أن الوزارة جهزت مئات الأغطية لإدخالها للسجون. إن ادارة مصلحة السجون لم توفر ابسط المستلزمات اللازمة لوقاية الأسرى من البرد القارس. إن السجون تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ولا تتوفر فيها أغطية شتوية "بطانيات" أو ملابس كافية أو وسائل التدفئة، وساء الوضع بعد أن تسربت المياه إلى الكثير من الغرف ومراكز التوقيف، بعض المعتقلين أصيبوا بالبرد والمرض وهم بحاجة إلى كشف طبي حقيقي للاطلاع على أوضاعهم خاصة في سجون الجنوب التي لم تراع الظروف الصعبة المواكبة للمنخفض الجوي الاخير. الوزير عيسى قراقع
8- المنخفض القطبي أثبت أن القدس قدسان، شطرا المدينة تعرضا للاحوال الجوية ذاتها ولكمية الثلوج ذاتها، مع فرق بسيط هو أن بلدية الاحتلال حركت كل طواقمها وأجهزتها ولجان الطوارئ فيها للقدس الغربية لإزالة الثلوج من شوارعها بينما بقيت ازقة القدس الشرقية دون مساعدة. أجهزة الشرطة وطواقم الأشغال عملت ليل نهار لإعادة التيار الكهربائي لحي "مئة شعاريم" مثلا بينما الطور وسلوان وواد الجوز بقيت على العتمة تنتظر حتى طال الانتظار/ عصام بكر.
وفي القدس أيضا "اتصلت عائلة مقدسية بالاسعاف الاسرائيلي لنقل مريض مقدسي من اجل غسل الكلى، لكن سيارة الاسعاف تأخرت يومين "بسبب الثلوج"!! ما هدد حياة المريض. مقابل ذلك ذهبت مروحية تابعة للجيش لنقل مستوطنة من مستعمرة يتسهار الى مستشفى الولادة/ سامية سعيد.
9- غريبة هالحكومة، نيالها بحالها، عيدت عيد الأضحى 9 ايام، وغيرت موعد راس السنة الهجرية، وبالعاصفة ما اسمعنالها صوت واليوم بدها الناس تموت بطريقها للعمل، بصراحة محظوظين احنا! (فاتن فرحات).
10- الحمد لله، المخيم والعاصفة الثلجية طلعنا أصحاب وحبابيب. تجمع الناس بأعداد كبيرة أهل وجيران وأصحاب... كبار وصغار. سهرات حتى ساعات الصباح. الجميع لعب بالثلج وطبشنا بعض، مئات المحبين والمحبات للثلج في الشوارع وفوق أسطح المنازل، الكل مبسوط وسعيد، بس جماعة خراب البيوت، قطعوا الكهرباء والتلفون والموبايلات ويخلف عليهم خلوا النت شغال على اعتبار أنه بيشتغل على الحطب! بس ولا يهمنا عملنا خبز على الصاج وطبيخ وقهوة شاي وأعشاب على النار ولا أزكى. مالنا ومال الحكي كَيَّفْنا. هيثم عرار/ مخيم الجلزون.
أطفال بلا أبواب
بقلم: زياد خدّاش – الايام
أمس ليلاً خرجت من بيتي المعتم، زاحفاً تقريباً على بطني لأشتري خبزاً وشموعاً، كان الثلج أمام بيتي يشبه سوراً، بعد ساعتين كنت أقف في طابور طويل أمام دكان صغير مضاء من الداخل بشمعتين صغيرتين، وبعده وقفت في طابور الفرن، المضاء بنار الفرن نفسه لا غير، عدت تحت تساقط عنيف للثلج بعد ثلاث ساعات منهكاً شبه مشلول الساقين ومكسور الظهر، أضم لصدري خمسة أرغفة شهية وحفنة من الشموع، بصعوبة وضعت المفتاح في الباب، أدرته فلم يفتح، حاولت لساعة كاملة دون جدوى ارتميت على ظهري مطوحاً بالخبز والشموع في الفضاء الأبيض، وصارخاً بغضب وحشي: ليش هيك يا رب؟.
بعد ساعة ونصف فُتح الباب، دخلتُ بسرعة زحفاً وأنا ألهث دون شموع وخبز.
جلستُ على الأريكة في حضن العتمة الفائضة وأنا أتذكر فجأة أطفال مخيم الزعتري الذين لا أبواب لهم ليحاولوا على الأقل فتحها، خجلتُ من نفسي زحفت الى السرير، دفنتني تحت أربعة ألحفة ثقيلة، ثم حاولت أن أقتل جوعي وخجلي وظلامي والوقت نوما، فلم أنجح، وهيئ لي أنني أسمع صوتاً جماعياً كبيراً ومخيفاً في العالم كله يدوّي: ليش هيك ليش يا......!
ما اصعب ان تكون فلسطينيا
(لذكرى القائد الوطني يونس الكتري)
بقلم: يحيى رباح – الحياة
من المؤكد ان الذاكرة الفلسطينية المفعمة بالرموز سوف تؤرخ لرحيل يونس الكتري القائد الوطني المعروف على طريقتها الخاصة فتقول انه رحل عن هذه الدنيا في عام الثلجة الكبرى.
يونس الكتري ،ابن قرية سمسم، لمع اسمه في منتصف الخمسينيات حين تم انشاء حركة الفدائين الفلسطينيين في قطاع غزة في العام 1955، حين كان القطاع تحت الادارة المصرية ،وقد اختار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي نبتت فكرة الثورة المصرية لديه من قلب حصار الفالوجا، واحدا من المع ضباطه وهو الشهيد مصطفى حافظ الذي تحمل بعض شوارع غزة ومدارسها اسمه حتى اليوم.
وكان يونس الكتري من الطلائع الاولى، ومن المعروف ان حركة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة –ارض البدايات، ذلك الشريط الضيق المحشور بين الماء والصحراء –جاءت استجابة لهبة جماهيرية واسعة النطاق، تطالب الادارة المصرية انذاك بان تفعل شيئا ازاء الاعتداءات والجرائم والمجازر التي كان يرتكبها الاسرائيليون ومعظمها كان يتم بقيادة ضابط اسرائيلي يقود ابرز احدى الوحدات الخاصة الدموية في الجيش الاسرائيلي اسمه ارئيل شارون ،الذي حقق شهرة واسعة لدى المجتمع الاسرائيلي نتيجة تلك المجازر، التي نفذتها وحدته ضد محطة السكة الحديد في الاطراف الشمالية لمدينة غزة وفي وادي غزة، وفي مستشفى الامراض الصدرية شرقي مخيم البريج، وضد مركز الشرطة في مدينة خان يونس وغيرها الكثير من الاهداف التي خلفت دماء بريئة مسفوحة، فهب اهل القطاع يطالبون بالسلاح، وقد نشأت حركة الفدائيين الفلسطينيين استجابة لتلك الهبة العظيمة، وقد تحولت تلك الهبة الى مفصل اساسي في تحول التوجهات الاستراتيجية للثورة المصرية وللمنطقة كلها بعد ذلك.
منذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان التعبير السياسي المسيطر على أهل قطاع غزة ،هو انتماؤهم الى الاحزاب الفلسطينية السائدة في ذلك الوقت والتي تشكلت منها الحركة الوطنية الفلسطينية (القوميين العرب، الاخوان المسلمون، الشيوعيون، حزب البعث...... الخ )وقبل نهاية عقد الخمسينيات تاسست حركة فتح لتكون البديل الوطني والصوت الوطني الفلسطيني، وفي منتصف الستينيات اعلنت حركة فتح انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، فتحول عقد الستينيات كله الى انبثاقات للحركات والفصائل الفلسطينية الثورية المسلحة.
ممن كان بامكانه ان يقاوم الاغراءات مع انه لو اراد لكان في الصدارة ؟
انه يونس الكتري .. الفدائي الفلسطيني، المقاوم الفلسطيني، المستقل الفلسطيني، الذي لم يجعل بينه وبين فلسطين أي وسيط، هو فلسطيني حتى النخاع الشوكي، ويريد ان تظل فلسطين عنوانه الاول والوحيد، وانتماؤه الاول والاخير، وحبه الاول والنهائي، وقضيته التي هي اول الكلام واخر الكلام.
يونس الكتر ي، عضو المجلس الوطني والمجلس المركزي الخبير المتعمق، في قضية اللاجئين، خفيض الصوت عالي الهمة، المحفور بدماثته، طويل النفس، الذي يحبه الناس ويحترمونه لانه حمل قضيتهم في قلبه، حمل جرحها العميق، وعدالتها التي لا تضاهى ،واملها الذي لا ينطفئ مع السنين.
يا ايتها الاجيال الفلسطينية : اكتبي في سجل الذاكرة المقدس ان الفدائي القديم، المناضل بلا ألقاب، القائد دون قرارات، يونس الكتري قد بدأ مشوره الطويل في منتصف الخمسينيات، حين داهم الاعصار البحري خيامنا فاقتلعها، فرحل بعد ان ادى ما عليه في عام الثلجة الكبرى وانه اصبح الآن جاهزا ليضيء شجرة الذاكرة الفلسطينية وان يكون حيا في نسيج الحكايات.
الزهار يكذب مع "الوطن"
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الافتراء على الحقيقة وتزويرها بضاعة إخوانية عميقة الجذور، وجدت ، ورافقت جماعة الاخوان المسلمين مذ اسسها حسن البنا في 1928. وبالتالي الكذب وقلب الحقائق رأسا على عقب في خطاب قيادات فروع حركة الاخوان المسلمين في العالم ليست أمراً جديدا. لن اضيف جديدا لذهن اي متابع لسيرورة حركة الاخوان عموما وحركة الانقلاب الحمساوية جديدا بشأن نكث الوعد، وتزوير الحقائق كأحد اهم الخصال الملازمة لسلوكياتهم واخلاقهم، التي تبيح لهم المتاجرة بالدين والعباد والاوطان والقيم، لا مقدس لديهم سوى مصالحهم وحساباتهم الخاصة واجنداتهم وارتباطاتهم الاقليمية والدولية.
ما تقدم له عميق الصلة بما ادلى به محمود الزهار لمراسلة جريدة "الوطن" المصرية، منى مذكور، التي اعادت نشرها وكالة "سما"، حيث لم ينطق كلمة واحدة تمت للحقيقة بصلة، لا في إلتورط المشين والمعيب في الجرائم التي ارتكبت ضد مصر وجيشها على مدار الاعوام الماضية، وبوقاحة فجة، يسأل الزهار الصحفية المصرية (وكأنها تملك المعلومات التفصيلية عن اسماء المعتقلين من تنظيم الانقلاب الحمساوي في مصر) هات لي إسما من اعضاء حماس أُدين بعمل ضد مصر؟؟ وهو يعلم علم اليقين أن عدد المعتقلين الحمساويين في مصر وبجرائم في المقطم والتحرير وسيناء والقاهرة وبور سعيد ومحاولة إغتيال وزير الداخلية تجاوز الـ (200) عنصر. ويكذب كما يتنفس بالنسبة لقصة القنابل، الممسوكة من قبل اجهزة الامن المصرية، التي انتجتها وصنعتها حركة حماس، فيقول: صحيح قمنا بالتصنيع ، ولكن بعض القنابل سرقت، ولا علاقة لنا بها، واستخدمتها الجماعات التكفيرية!!؟ وعن العلاقة مع الجماعات التكفيرية، يدعي كذبا وافتراء، ان لا صلة لحركة حماس بهم، وانها قاتلت تلك الجماعات كما حصل في رفح في مسجد ابن تيمية، وهذا صحيح جدا، لكن ليس من موقع التناقض، بل لاخضاع تلك الجماعات لمشيئة ومنطق وسياسة حماس، وهي تقوم بالتكامل معهم والتنسيق واياهم، وبامكان الزهار ان يراجع تحالفات حركته مع تلك الجماعات، ويعود لدور فتحي حماد بالتعاون معها، ويراجع آليات العمل المشتركة بين الجماعة وبين تلك الحركات الجهادية في مصر وغزة والضفة والسودان وتونس وليبيا وسوريا والاردن والصومال ... إلخ
ثم يفتري على الرئيس محمود عباس، ويشهر به، وهو يقلب الحقائق رأسا على عقب، حين يفتري في موضوع دولة غزة الكبرى، مستخدما سلاح الكذب والتضليل حين ربط بين مبادلة الاراضي المتفق عليه بالحل النهائي لخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وبين "غزة الكبرى"، ونفى ان يكون الرئيس المعزول، محمد مرسي وجماعة الاخوان بالاتفاق مع حركة الانقلاب الحمساوية أن يكونوا اتفقوا مع أميركا وإسرائيل على اخطر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، وهو مشروع غزة الكبرى، الذي بدأ بالاستعداد لاقامة "منطقة تجارة حرة" بين مصر وغزة، بحيث تمتد لاحقا إلى العريش وما يرافق ذلك من تبادل للاراضي بين مصر وإسرائيل ، وتناسى ما طرحه مرسي من إيجاد قنصلية في غزة، على اعتبارها إمارة مستقلة عن الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولم يتذكر الزهار ما اعلنه اوباما امام الكونغرس من انه دفع خمسة وعشرين مليار دولار لمصر ومكتب إرشاد الجماعة لتنفيذ المخطط، منها مبلغ ثمانية مليارات دولار قيمة الارض، التي ستضاف إلى إمارة غزة...... إلخ من الاكاذيب والافتراءات المفضوحة، التي تكشف مدى انحطاط تلك الجماعة وما تمثل.
رغم الاحترام للصحفية وصحيفة الوطن المصرية، وحقها في إجراء المقابلة مع من تشاء، وفي الوقت الذي تشاء لكن توقيت المقابلة، ونشرها الآن، كأنه يحمل شيئا ما يتم من تحت الطاولة، يستهدف تمرير بعض الافكار والتلميع لحركة الانقلاب الحمساوية من قبل بعض الجهات لاعتبارات سياسية آنية.. أرجو الا يكون الاستنتاج صحيحا.
خطوة من الجبهة الشعبية تستحق الاحترام
بقلم: د/ إبراهيم أبراش – معا
لا يسعنا إلا أن نوجه التهنئة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عقدها المؤتمر السابع ،وللجبهة الشعبية أيضا التقدير والاحترام للخطوة المتميزة التي أقدمت عليها قيادات تاريخية بترك مناصبهم القيادي ، ومن المعلوم أن للجبهة الشعبية سابقة في هذا السياق عندما تخلى قائد الجبهة الرفيق والقائد التاريخي جورج حبش عن القيادة بالرغم من تاريخه النضالي المشرف والاحترام الشديد الذي يحظى به فلسطينيا وعالميا .
ليس المهم عدد القيادات التي تخلت عن مواقع كانت تشغلها ،ولا يهم حتى وإن تخلى البعض عن موقع واستمر يشغل موقع آخر،ويمكن أيضا التغاضي عن منطوق البندين الخامس والسادس من المادة الحادية والثلاثين من النظام الداخلي المُصادَق عليه في المؤتمر السادس 2000 واللتان تحددان مدة عضوية الهيئات القيادية بعشرة سنوات فقط ، المهم أن قيادات كانت قررت الانسحاب لتفسح المجال لقيادات جديدة وخصوصا للشباب ليأخذوا دورهم النضالي ويختبروا قدرتهم على العمل الحزبي والوطني وتغيير الأوضاع العامة التي باتت لا تسر صديقا وتفرح كل عدو.
في واقع الأمر فإن خروج قيادات لها احترامها الكبير وتاريخها الذي يشهد لهم عليه حتى الخصوم السياسيين، مثل الرفيق عبد الرحيم ملوح وجميل المجدلاوي وغيرهم ،وإن كان يعزز الممارسة الديمقراطية ويُشَبِب الحياة السياسية إلا انه يُفقد الساحة الفلسطينية قيادات لها كل الاحترام والتقدير ، ولكن العزاء أن هذا الانسحاب من مواقعهم وكما يقول الرفيقان ملوح والمجدلاوي لا يعني التخلي والانسحاب من العمل والحياة السياسية بل سيستمرون في القيام بالواجب في مواقع نضالية أخرى ،كما أن العزاء أن من سيتولى المسؤولية قد تسمح لهم فتوتهم في إبداع وسائل نضالية جيدة .
مبادرة قيادات الجبهة الشعبية ترسل رسائل بأن القيادة تكليف وليس تشريفا ، وعندما تشعر القيادة أنها قدمت ما تستطيع ، وأن هناك من يستطيع تقديم الأفضل فالأفضل لها أن تنسحب من أجل المصلحة الوطنية حتى وإن كان ذلك يُفقدها بعض الامتيازات. أيضا قد يكون الانسحاب إحساسا من القيادات بأنه لم يعد لديهم ما يقدمونه للوطن أو للجبهة في ظل وضع مأساوي باتوا فيه مجرد شهود زور ،بالرغم من ذلك نتمنى أن يتم الاقتداء بهذه الخطوة في الساحة الفلسطينية التي تعج بـ (القادة والزعماء) وخصوصا في الأحزاب والحركات السياسية .
سنخص بالحديث القيادات في منظمة التحرير وحركة فتح لأنهم يمثلون قيادة الشعب الفلسطيني ويتحملون المسؤولية أكثر من غيرهم ، ولأن الشعب يراهن عليهم أكثر من غيرهم . لا شك أن فصائل منظمة التحرير وخصوصا حركة فتح قدمت اكبر عدد من الشهداء والجرحى والأسرى وكان لها الدور الأول والأكبر في استنهاض الوطنية الفلسطينية، إلا أن واقعها اليوم مثير للقلق مما يجعلنا نتخوف عليها وعلى القضية الوطنية. استنهاض الحالة الوطنية لن يكون إلا باستنهاض منظمة التحرير وحركة فتح ، وحال النخبة القيادية فيهما لا يبشر بقدرتها على القيام بهذه المهمة .
في منظمة التحرير وحركة فتح قيادات تجاوزت السبعين وحتى الثمانيين من العمر وما زالوا يتولون مواقع قيادية وبعضهم في مواقع القيادة والمسؤولية منذ تأسيس المنظمة و الحركة، وكأن المواقع التي يشغلونها نالوها بالوراثة من عائلاتهم أو أن الشعب الفلسطيني عاقر ولم يُنجب (عبقريا أو فلتة زمانه) مثلهم . ولا ندري لماذا هؤلاء مصرون أن يستمروا في مواقع القيادة حتى يتولاهم ربهم وهم على رأس عملهم ؟ ولماذا يصرون أن يستمروا في مواقع القيادة بالرغم من أن عمرهم لا يُمَكِنهم من متابعة ما يدور حولهم وباتوا يعيشون على ذكريات الماضي ، ونضالهم السياسي يقتصر على تكرار الحديث عن التمسك بالثوابت وبالحقوق الوطنية وعدم التفريط بها ! وكأن القول بالتمسك بالثوابت يُغني عن الثوابت وعن انجاز الحقوق الوطنية .
بعض هذه القيادات يستغرق أغلب وقته وكل ما تبقى له من جهد وتفكير في إدارة ممتلكاته ومشاريعه الخاصة ،أو في البحث عن أحدث صابغات الشعر أو ما استجد في عالم الطب والعقاقير من وصفات وبراشيم وربما من رقيات وأحجبة شيوخ دجالين الخ حتى يظهروا أمام الملأ في المؤتمرات والمناسبات وعلى شاشات التلفزيون بصحة جيدة ، وحتى يستطيعوا السفر من بلد لبلد للتمتع بمباهج الحياة مع أبنائهم وأحفادهم وربما أبناء أحفادهم ،وبطبيعة الحال كل ذلك على حساب ومن حساب الأموال العامة وما يتيحه موقعهم القيادي من امتيازات .
كان من الممكن تجاوز مسألة عمر القيادات ، بل وندعو لها بطول العمر، لو أن هناك مؤسسات وبنيات تنظيمية تشتغل بشكل صحيح ، ولو كان هناك انجازات وطنية تجعل مسألة عمر القيادة أمرا ثانويا، فالانجازات الكبيرة تغطي على الهفوات الصغيرة - كما هو الحال في الصين وكوبا وحتى في السعودية – ولكن عندما تصل القضية الوطنية في ظل نفس القيادات التاريخية لأوضاع غير مسبوقة من السوء ،وعندما يصبح الشعب والقضية في حالة ضياع وتيه ، فإن مسألة القيادة يجب أن يتم طرحها بقوة ،فحيث إن القيادة تكليف،والتكليف يعني المسؤولية عن المهمة المكلف بها القائد فإنه في حالة عدم القيام بالمهمة فالتكليف يسقط حكما وشرعا.
لا نطالب بالانقلاب على القيادات الحالية،ولا نطالب بتجريدهم من رواتبهم وامتيازاتهم فتاريخهم النضالي يعطيهم الحق بتقاعد مريح وبحياة كريمة،ولكن نتمنى عليهم من أجل المصلحة الوطنية ولمصلحتهم حتى تبقى سمعتهم ومكانتهم محترمة عند الشعب، أن يتخلوا عن مواقعهم أو بعضها ، حتى ندفع بقيادات شابة وجديدة لتأخذ فرصتها وتحاول إصلاح ما افسد الزمن ولتبدع أشكال نضالية جديدة تتناسب مع معطيات العصر ومستفيدين من خبرة الأولين وتجاربهم،ويمكن للقيادات التي تتخلى عن مواقعها أن تستمر في مواقع الاستشارة والنصح .


رد مع اقتباس