في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
منطلقات أوروبا و"إسرائيل"
محمد خليفة – الخليج الإماراتية
فلسطين والتقاء الصهيونية واللاسامية
علي جرادات - الخليج الإماراتية
ومرت الذكرى
عوني صادق – الخليج الإماراتية
«أيها الإسرائيليون: استقلالكم... نكبتنا»
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
"الأصوات من أورشليم تُهيمن في وسائل إعلامنا"
جهاد الزين– النهار اللبنانية
عقدة أمريكا في الشرق الأوسط
هاشم عبدالعزيز – الخليج الإماراتية
هل على رأس الإخوان المسلمين « ريشة»؟
خالد فخيدة – الرأي الأردنية
عقدة التنظيم الجديد وعقد الجماعة
د. مهند مبيضين – الدستور الأدرنية
عيون وآذان (اميركا وتدمير العراق)
جهاد الخازن – الحياة اللندنية
إصلاحات بوتفليقة
محمد الأشهب – الحياة اللندنية
الإعلام الطائفي وتدمير ما تبقى
خالد الحروب – الحياة اللندنية
منطلقات أوروبا و"إسرائيل"
محمد خليفة – الخليج الإماراتية
تتصاعد المواقف الأوروبية الرافضة لسياسة "إسرائيل" تجاه الشعب الفلسطيني، وخاصة المحاولات "الإسرائيلية" لوأد مقترح حل الدولتين، عبر إقامة المزيد من المستوطنات في أراضي الضفة والقدس الشرقية . فقد قررت ألمانيا، وهي أقرب حليف للدولة اليهودية في أوروبا، عدم تمويل الشركات التكنولوجية "الإسرائيلية" الموجودة في مستوطنات الضفة والقدس الشرقية . وكانت هولندا أول من انخرط فيما يشبه حملة مقاطعة، والعديد من صناديق التقاعد الأوروبية انضمت لهذه الحملة، وكذلك بعض الجامعات الأمريكية التي ترفض التعاون مع الجامعات "الإسرائيلية" .
والغضب الأوروبي من إسرائيل يأتي لكونها لا تبالي بالقانون الدولي، ولا بشرعة الحقوق الدولية، ولا تكترث برغبة المجتمع الدولي في إقامة دولة فلسطينية، مجاورة لها في الضفة وغزة . فرغم أن الأوروبيين من أخلص الحلفاء ل"إسرائيل" منذ لحظة تأسيسها عام ،1948 لكنهم أيضاً شعوب عانوا ما عانوه من الحروب والآلام حتى توصلوا إلى ما هم عليه الآن من حكم رشيد، وديمقراطية مستقرة، وحقوق كاملة لكل مواطن، وهم باتوا يشعرون، أكثر من أي وقتٍ مضى، بآلام الشعب الفلسطيني، وبحق هذا الشعب في تقرير مصيره، مثل غيره من سائر شعوب الأرض، فهذا الشعب يعيش في سجن كبير، محروم من أبسط احتياجات الإنسان، وهو الشعب الوحيد في العالم الذي لا يستطيع أن يسافر جواً، بسبب عدم وجود مطارات خاصة به في الضفة أو غزة، إضافة إلى القيود المفروضة على تحركاته داخل أراضي الضفة الغربية .
وتعمل "إسرائيل" جاهدة على منع هذا الشعب من بناء دولته المستقلة، ولذلك بدأ الأوروبيون في سياسة المقاطعة مع "إسرائيل"، هذه السياسة التي من المرجح أن تتصاعد في المستقبل، مع كل إصرار "إسرائيلي" على عدم الاستجابة لنداء المجتمع الدولي . وما يؤكد ذلك أن الولايات المتحدة باتت منزعجة من الغطرسة "الإسرائيلية"، ومن تجاهل قادة "إسرائيل" لمساعيها المحمومة لتطبيق حل الدولتين، بهدف إنهاء الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، والخلاص من تبعة "إسرائيل"، ومن ثقلها الذي أنهك الكاهل الأمريكي، وقد أدرك قادة "إسرائيل" أن الحليف الأمريكي لن يدوم لهم إلى الأبد، ولاسيما بعد انفتاح الولايات المتحدة على إيران، والمضي في إنجاز صفقة كاملة معها حول الملف النووي الإيراني وحول قضايا المنطقة . والواقع أن حل الدولتين هو الموضوع المجمع عليه دولياً، لكنه قد لا يكون الحل النهائي خصوصاً مع إصرار "إسرائيل" على إفساد هذا الحل، بالاستمرار في إقامة المستوطنات في الضفة، وبالتمسك بمنطقة الغور بحجة تحقيق الأمن لها من جهة الحدود مع الأردن .
إن تمادي "إسرائيل" في الاستهزاء بالمواقف التاريخية والدولية سوف يؤدي إلى فرض المزيد من العزلة عليها من قبل الأصدقاء قبل الأعداء . وهنا يجدر بنا أن نذكر بما قاله العالم ألبرت أينشتاين في رسالة بعث بها إلى حاييم وايزمان أول رئيس ل"إسرائيل" وقد حذره فيها من الخطر الكامن وراء الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وتأكيده أن شعوراً بالظلم والقهر سيتشكل لدى الأجيال الجديدة من العرب المسلمين، وأعرب عن عدم رضاه عن فكرة الدولة اليهودية، وحين قامت الدولة الصهيونية رفض تولي منصب أول رئيس لدولة الكيان الصهيوني ورد على خطاب الدعوة بالقول "لا يشرفني رئاسة دولة تقوم على العنصرية والفصل الديني المقيت" .
في النهاية - وعلى المدى البعيد- قد يتخلى الغرب نهائياً عن "إسرائيل"، كما فعل مع النظام العنصري الذي أقامه المستوطنون الأوروبيون في بروتوريا "جنوب إفريقيا الحالية"، فقد كان الغربيون حلفاء رئيسيين لذلك النظام، وكانوا يساندونه في تجاوزاته، وتعدياته على الشعب الجنوب الإفريقي ذي البشرة السمراء، لكن مع تصاعد قوة الزنوج، بزعامة الزعيم الخالد نيلسون مانديلا، وتصاعد الغضب العالمي من سياسة الفصل العنصري في بروتوريا، اضطر الغربيون إلى قطع العلاقات مع ذلك النظام حتى تم إجباره على التسليم بالحل الديمقراطي، وإعطاء الأغلبية الزنجية حقوقها في السلطة والحكم، وبذلك فقد تحولت جمهورية جنوب إفريقيا إلى دولة ديمقراطية مستقرة لها سياسات مختلفة عن سياسات الغرب، واليوم أصبحت - الدولة الديمقراطية الوليدة- جزءاً من تحالف دول "بريكس" في الوقت الحاضر، ولعل الحل الديمقراطي هو الأنسب حالياً في موضوع الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، لأن حل الدولتين غير ممكن على الإطلاق بسبب التداخل السكاني من الجانبين، ففي داخل "إسرائيل" يوجد أكثر من مليون عربي يعيشون وسط أغلبية من المستوطنين اليهود، وفي الضفة الغربية هناك عشرات الآف من المستوطنين اليهود يعيشون وسط أغلبية عربية، وحل الدولتين يفترض تبادل السكان، وهذا الأمر غير قابل للتطبيق خصوصاً بالنسبة للسكان العرب الموجودين داخل "فلسطين 48"، والذين يرفضون ترك مدنهم وقراهم التي عاشوا فيها منذ آلاف السنين . وفي المقابل فإن تحرير فلسطين من اليهود - خاصة وسط الأجواء التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي اليوم من تفرق وتشتت - هو أمر غير ممكن، ويبقى الحل الديمقراطي هو الوحيد القابل للتطبيق، لأنه يحفظ لليهود كأفراد - لا نظام مستبد- حقهم في البقاء في فلسطين، وفي الوقت نفسه فإنه يعطي للشعب الفلسطيني الحق في العودة إلى أرضه ووطنه . ومع كل تأخير في تطبيق حل الدولتين يصبح الحل الديمقراطي أكثر قرباً .
فلسطين والتقاء الصهيونية واللاسامية
علي جرادات - الخليج الإماراتية
من أشد مفارقات أوروبا الحديثة التي أسست دولاً قومية صهرت في بوتقة المواطنة مكوناتها العرقية والطائفية والمذهبية بعد احتراب دموي امتد لقرون، وأزهق حياة الملايين من البشر، وخلف دماراً مادياً هائلاً قل نظيره في التاريخ البشري، هي أنها ذاتها، (أوروبا الحديثة)، التي انتجت الحركتين: الصهيونية واللاسامية كظاهرتين أيديولوجيتين سياسيتين جمعتهما- إلى حد كبير- الأهداف، وإن اختلفتا في الدوافع، حيث التقتا عند اعتبار أتباع الديانة اليهودية الموزعين، كأتباع كل ديانة، على مواطنة متعددة القوميات، أمة وجنساً وقومية، وتشاركتا في العمل على قطع سياق اندماجهم في النسيج الوطني لمجتمعاتهم، فكان أن تمخض فكر الحركتين عن اختراع "الشعب اليهودي"، و"صلته التاريخية بأرضه"، وحقه في الهجرة إليها واستيطانها وإقامة "الدولة القومية اليهودية" عليها . وكانت الضحية فلسطين وشعبها الذي يشكل جزءاً من أمة عربية عريقة حالت اتفاقية سايكس-بيكو الاستعمارية التمزيقية للوطن العربي، (وهذه مفارقة أخرى من مفارقات أوروبا الحديثة)، دون نجاحها، (الأمة العربية)، في بناء دولة قومية حديثة .
في الظاهر يتراءى الجمع بين الصهيونية واللاسامية وكأنه افتراء لا مثيل له، لكن شواهد التاريخ الملموسة تؤكد أنه حقيقة لا شك فيها . فالصهيونية واللاسامية لم تتفقا على فكرة إيجاد حل لمجموع التجمعات اليهودية في العالم، أو إيجاد حل لهذا التجمع اليهودي أو ذاك، فحسب، بل اتفقتا- أيضاً- على فكرة جمع اليهود من مختلف أرجاء العالم، و"غرسهم" في فلسطين بالذات . خذوا على سبيل المثال لا الحصر:
في العام 1878 عرض جوزيه إيشتوسي، وهو من أشهر اللاساميين المعادين لليهود، مشروع قرار على البرلمان المجري يدعو فيه إلى تأييد ودعم "إقامة دولة يهودية في فلسطين"، بل وعرض مشروع القرار ذاته في مؤتمر برلين الذي انعقد في الفترة ذاتها، بغرض نقله إلى حيز التنفيذ، وتوسيع جهات ودوائر تأييده ودعمه كمشروع مطروح للتطبيق . ومثل جوزيه إيشتوسي اللاسامي هذا، إنما بعد عقدين من الزمان، نجح ثيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا، ،1897 وفي توحيد صفوف المؤتمرين حول الدعوة إلى "إقامة دولة يهودية نموذجية تشكل ملجأ آمناً لليهود"، وفي إنجاح توصية المباشرة في "إقامة هيئات ومؤسسات لإخراج الفكرة إلى حيز التنفيذ في "أرض إسرائيل"، أي فلسطين . ومثل اللاسامي جوزيه إيشتوسي ومؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل، إنما بعد عامين على صدور "وعد بلفور" الاستعماري القاضي بإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين"، أعلن حاييم وايزمان في العام ،1919 كرئيس للمنظمة الصهيونية العالمية آنذاك، أمام الاتحاد الصهيوني الإنجليزي: "عندما أقول وطناً قومياً يهودياً فإنني أعني خلق أوضاع تسمح لنا، بأن يدخل إليه العدد الوفير من المهاجرين اليهود، وأن نقيم في نهاية الأمر مجتمعاً في فلسطين بحيث تصبح فلسطين يهودية كما هي إنجلترا إنجليزية أو أمريكا أمريكية" . وعلى خطى مؤسسيْ الحركة الصهيونية، ثيودور هيرتزل وحاييم وايزمان، وقبلهما اللاسامي جوزيه إيشتوسي، أعلن نتنياهو في نهاية إبريل/ نيسان من العام الجاري، ،2014 كرئيس لحكومة المستوطنين الحاكمة في "إسرائيل" عن ضرورة "تجديد القيم الصهيونية" عبر حث "الكنيست" ودعوته إلى سن قانون أساسي "يحصن اعتبار "إسرائيل" دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي" و"يصون صلته التاريخية بأرضه" و"يحفظ حقه في الهجرة إليها" .
هنا لئن كان هدف جمع اليهود من مختلف أنحاء العالم لإقامة "دولة يهودية في فلسطين"، كهدف اتفقت عليه، رغم اختلاف الدوافع، الحركتان الصهيونية واللاسامية كحركتين أوروبيتين عنصريتين أحدثتا ردة فكرية تاريخية على مفهوم المواطنة الحديث، (الأوروبي المنشأ أيضاً)، فإن "وعد بلفور" الاستعماري الغرب أوروبي هو ما مهد لتحويل هذه الردة الفكرية العنصرية إلى حقيقة سياسية بنص يقول: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر" . فبهذا النص الملتبس وحمال الأوجه أختُرِع لطائفة دينية يتوزع أتباعها، ككل طائفة دينية، على "مواطنة" متعددة القوميات، مكانة شعب يستحق دولة، بينما أعيدت مكانة شعب قائم وحدت "المواطنة" مكوناته إلى وضعية طوائف تستحق التمتع ب"حقوق مدنية ودينية" ليس إلا .
عليه، لم يكن عجباً أن يمارس قادة "دولة" "إسرائيل"، منذ قيامها وحتى يومنا هذا، الحكم ويقوننوه ويشرعوه على أساس عنصرية أنها "دولة لليهود" فقط من نشيدها إلى قوانينها الأساسية خصوصاً المتعلقة منها بالجنسية والتملك والبناء والتصرف بالأرض . أما لماذا الآن يصر قادتها على انتزاع الاعتراف بها "دولة يهودية"؟ يجيب الصحفي "الإسرائيلي" ديفيد بارزيلاي في مقال له في صحيفة "معاريف" بتاريخ 2-4-2014 بالقول: "كما هو معروف كان التخوف سابقاً أن تقرر الدول بأنه إذا كان لليهود دولة، فيجدر بهم أن يغادروا وينتقلوا للسكن فيها، بل وأن تفرض ذلك عليهم . وتخوف آخر كان أن المحافل المناهضة لليهود ستتهم يهود الشتات، ولا سيما يهود الولايات المتحدة، بالولاء المزدوج . لكن لم يعد واقعياً في القرن ال21 مطالبة اليهود مغادرة بيوتهم في الولايات المتحدة أو في أوروبا لمجرد أن لهم وطناً قومياً في "إسرائيل"، فحتى هجرة المكسيكيين إلى الولايات المتحدة والمسلمين إلى أوروبا لا تجر طلباً بأن يعودوا إلى وطنهم . وبالتأكيد يوجد إجماع على أن مثل هذا الطلب ليس واقعياً" .
خلاصة القول: الظلم التاريخي الذي لحق بفلسطين وشعبها، بل بالوطن العربي وشعوبه قاطبة، لم يكن ليقع إلا بفضل أكثر ظواهر أوروبا الحديثة رجعية وبؤساً: الاستعمار والصهيونية واللاسامية كحركات عنصرية عدوانية التقت أهدافها، وكل منها لدوافعها الخاصة، حول اختراع "الشعب اليهودي" و"أرض الشعب اليهودي"، كما برهن باحثون كثر، منهم الباحث اليهودي الجريء والمتنور، شلومو ساند، في كتابين قيمين يستحقان القراءة والاقتناء .
ومرت الذكرى
عوني صادق – الخليج الإماراتية
في كل عام نستعد لإحياء ذكرى اغتصاب فلسطين، أو ذكرى "النكبة" كما نسميه، مثلما يستعد "الإسرائيليون" للاحتفال ب "عيد الاستقلال" كما يسمونه، بالطريقة نفسها وبالخطابات نفسها، وببعض المسيرات من جانبنا، مثلما يحتفلون هم أيضاً بالطريقة نفسها، ولكن بمزيد من الإجراءات نحو تحقيق الأهداف . نعم، كلانا يسير، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يسيرون إلى الأمام، ونسير إلى الوراء! هم يسيرون بأساطيرهم وعدوانهم، نحو تنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهدافهم، ونحن نسير بحقوقنا إلى تعظيم خساراتنا وتأبيد هزائمنا! هل هو اليأس يتكلم؟ أم هو العجز ينطق؟ قد يكون كلاهما، لكن الأخطر من اليأس والعجز أن تكون الحقيقة الماثلة هي التي تتكلم وتنطق .
عشية 15 مايو/ أيار، التقى الرئيس محمود عباس في لندن، وزير الخارجية الأمريكية جون كيري . مصادر فلسطينية كانت قد قالت قبل اللقاء، إن الغرض منه "تقييم الموقف" بعد انتهاء فترة المفاوضات ومن دون تفاصيل . المصادر نفسها قالت أيضاً، إن الغرض هو البحث في "التمويل الأمريكي" للسلطة الفلسطينية بعد العقوبات التي فرضتها حكومة نتنياهو ضد السلطة في أعقاب توقف المفاوضات . لكن بعد اللقاء، نسب إلى كيري قوله: إن الباب لا يزال مفتوحاً أمام السلام، وأن الأمر "الآن بيد الفلسطينيين والإسرائيليين"!
ماذا نفهم ونستفيد من ذلك؟ نفهم أن السلطة الفلسطينية ما زالت تتمسك بالمفاوضات، وبالرعاية الأمريكية . وهذا ليس اكتشافاً، فقد أكدهما الرئيس عباس فور انقضاء 29 إبريل/ نيسان، وانتهاء فترة المفاوضات . إذاً ما الجديد؟ الجديد هو أنه لا جديد لدى الفلسطينيين الذين فرحوا بالمصالحة و"اتفاق الشاطئ" لا يزالون يحيون الاحتفالات . ولكن أخبار المصالحة لا تتعدى الحديث عن قرب تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية"، وأسماء الوزراء، بعد أن بات من شبه المؤكد أن يشكل رامي الحمدالله هذه الحكومة . ويبدو أن حكومة "الوحدة الوطنية" لن تكون ذات صلة بالأمور السياسية أو حتى الأمور الأمنية! إذاً ليقل لي العارفون ماذا ستغير المصالحة والحكومة الجديدة من الأمر الواقع الراهن؟ الكل يتحدث عن أهمية المصالحة وأهمية الوحدة، ولكنهم لا يرونهما ذا صلة مع الاحتلال ومشتقاته .
في الأثناء، وبينما تتناثر أخبار الفلسطينيين بين لندن وغزة ورام الله، يقوم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو بزيارة لليابان، ويصرح لصحيفة يابانية بأنه لا يريد الوصول إلى "دولة ثنائية القومية"، ولذلك هو يفكر ببدائل للمفاوضات! وبحسب صحيفة (هآرتس- 15-5-2014)، فإن نتنياهو سيدرس بعد عودته من اليابان، مع أعضاء وزارته ومسؤولين عسكريين "اتخاذ خطوات بديلة للمفاوضات مع الفلسطينيين" . أبو مازن يبحث كيف يعود إلى المفاوضات، ونتنياهو يبحث عن خطوات بديلة للمفاوضات .
لم تكن المشكلة يوماً عند الفلسطينيين، المشكلة كانت طول الوقت في "إسرائيل"، كما يقول المحلل السياسي في (هآرتس) عكيفا إلدار . ف "الإسرائيليون" لم يسعوا إلى السلام يوماً، و"الاتفاق" في رأيهم، كما يقول البروفيسور "الإسرائيلي" زئيف شترنهل، في (هآرتس 18-4-2014)، هو "استسلام الفلسطينيين بلا شروط"، من أجل أن يكون الحق الحصري لليهود على البلاد كاملاً ومعترفاً به .
لذلك شهدت أشهر المفاوضات التسعة توسعاً استيطانياً غير مسبوق . وبحسب "حركة السلام الآن" "الإسرائيلية"، فإنه تم فيها بناء ما يقرب من 14000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية . وفي مقال للكاتب الأمريكي، إريك مارغوليوس، على موقع (كومون دريمز 12-5-2014)، قال في معرض برهنته على أن "الإسرائيليين" لم يسعوا إلى تحقيق السلام لا في المفاوضات الأخيرة ولا في أي مفاوضات سابقة، إن "إسرائيل تمسك بجميع الأوراق . والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يحددها اللوبي الإسرائيلي النافذ"، وتساءل: "لماذا تتنازل إسرائيل؟"، والمشكلة أن الفلسطينيين والعرب هم أكثر من يعرفون صحة ما يقوله المعلق الأمريكي .
في ضوء ذلك، يتساءل المواطن الفلسطيني، ويتمنى لو أن قياداته تصدق معه مرة واحدة وتجيب عن سؤال لم تجد له جواباً حتى الآن، وهو: هل تتمسك السلطة بالمفاوضات والرعاية الأمريكية لأنها تؤمن بهما حقاً، أم لأنها تعرف حقيقة عجزها ولا تجد غيرهما أمامها؟ وفي خطابه في ذكرى النكبة، قال من الرئيس عباس في خطاب متلفز: "لقد أعدنا فلسطين إلى الخارطة الدولية، دون تفريط في الثوابت الوطنية التي أقرت العام ،1974 مروراً بالعام ،1988 والتزمنا بتعهداتنا في اتفاق أوسلو"! قد يكون مع أبو مازن الحق، إن كان يقصد أنه ليس هو شخصياً من أوصل القضية الوطنية إلى ما وصلت إليه، لكن أين الحق في مواصلة طريق أظهرت عقمها وفشلها، بل إنّ في نهايتها نهاية القضية الوطنية برمتها؟ أين الحق في التمسك بالمفاوضات وبالرعاية الأمريكية؟
وهناك سؤال آخر يرميه المواطن الفلسطيني في وجه حركة (حماس) وبقية الفصائل الفلسطينية التي فرحت بالمصالحة، وهو إن كانت هذه المصالحة لن تغير من السياسة المعتمدة منذ أكثر من عشرين عاماً، فلماذا هذه الفرحة البادية على وجوه الجميع؟ قلنا المصالحة مطلوبة، والوحدة ضرورة، من أجل الوقوف في وجه الاحتلال، ومن أجل إنهائه . ولكن إذا كان هذا سيتم فقط من خلال "حكومة الرئيس"، وبالوسائل والأدوات نفسها، فما الذي تغير، وكم سنتيمتراً تحركنا إلى الأمام لإنهاء الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية؟
هكذا مرت الذكرى ،66 كما مرت الذكرى 65 وما قبلها، ويبدو أن "القديم" ما زال تحت الشمس .
«أيها الإسرائيليون: استقلالكم... نكبتنا»
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
ظن الصهيونيون الأوائل أن إرهاب الفلسطينيين العرب وإخراجهم من ديارهم سينسيهم حق العودة إليها، وأن الفلسطينيين سيتنازلون عن حقوقهم السياسية وسيذوبون في البلدان التي هجروا إليها، مرددين مقولة «الكبار يموتون والصغار ينسون». لكن الفلسطينيين أظهروا تمسكهم ببلادهم وحقوقهم، خاصة بعد أن تبين للعالم أن الفلسطينيين إنما أكرهوا على الخروج بقوة المذابح التي قادتها المنظمات العسكرية الصهيونية.
66 عاما وما زالت استراتيجية «النكبة المستمرة» تتجسد، إسرائيليا، على الأرض. لكن التحركات والمقاومة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أثبتت للعالم أن هناك صمودا فلسطينيا عبر مقاومة سلمية فلسطينية، مع كثافة المشاركة الأممية وحتى الاسرائيلية، وبالتالي الدعم المتزايد الذي يلقاه هذا النوع من النضال الذي يستقطب كل يوم أنصارا جددا لخيار المقاومة السلمية في أوساط الشعب الفلسطيني، وهذا ما نراه يوميا يترسخ في مناسبات وطنية عديدة كيوم الأرض أو ذكرى «النكبة 1» في 1948 و»النكبة 2» في 1967. ولقد أثبت الفلسطينيون أن صمودهم يأخذ أشكالا عديدة، سواء على الأرض، عبر المظاهرات والمسيرات التي تتصاعد في كل مناسبة خاصة مع استمرار الاستعمار/ «الاستيطان» وقرب اكتمال جدار الفصل العنصري. وكأني بالفلسطينيين أدركوا أن ربح المعركة يوجب تنظيم الجهد الشعبي الوطني الفلسطيني على نحو يستهدف تجسيد مقاومة جماهيرية متعاظمة تنتشر وتمتد في الأراضي المحتلة. أضف إلى ذلك، صمودا في مسألة الذاكرة التاريخية والإصرار عليها وما هو ما نلحظه تماما في المواقع الالكترونية المتخصصة في مسائل التهجير والعودة والحركات الشبابية التي تقيم مسيرات العودة إلى القرى المدمرة.
أما إسرائيليا، فرغم أن حكومة اليمين المتطرف ماضية في غيها وإصدار القوانين الفاشية، إلا أن هناك دعوات متزايدة في أوساط الإسرائيليين تدعو إلى الاعتراف بالنكبة، فمثلا تعتبر جمعية «ذاكرات» الإسرائيلية، التي قامت بهدف تعريف النكبة إلى الجمهور اليهودي في إسرائيل، وكذلك اعتراف وتحقيق لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وفقًا لقرار الأمم المتّحدة رقم 194، تعتبر، إحدى أنشط الجمعيات التي ترى أن «تحمل اليهود المسؤولية عن حصتهم في النكبة الفلسطينية هو شرط حتمي لإرساء سلام عادل ومصالحة». وتؤكد أن «حق العودة يجب ألا يكون متعلقًا بطابع التسوية السياسية النهائية في البلاد (دولتان، دولة واحدة، أو كونفدرالية)، بل إنه شرط سابق لتلك كلها». وقبل أيام، قامت المنظمة غير الحكومية بإطلاق تطبيق للهواتف الذكية يسمح للمستخدمين إيجاد قرى فلسطينية في أراضي 1948. ويشمل نطبيق «آي-نكبة”» خريطة تفاعلية وصورا لمبان ومنازل تركها الفلسطينيون خلال حرب 1948. وفي هذا الشأن، قالت (ليئات روزنبرغ) مديرة «ذاكرات»: «هدفنا هو أن يعي اليهود الإسرائيليون موضوع النكبة، التي اقتلعت مئات الآلاف من الفلسطينيين من جذورهم». ومن جهته، كتب (إيلان روبنشتاين) يقول: «الحوار حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، معدوم في إسرائيل. لقد حاولت في موضعٍ آخر، تقديم تفسير لذلك، على أساس الرعب الغريزي الذي يثيره الموضوع في نفوس اليهود الإسرائيليين، إذ يذكرهم بالجريمة التي اقترفوها سنة 1948، وأنهم هم، وبشكل شخصي، يقيمون مكان اللاجئين الفلسطينيين الذين جرى طردهم». ويضيف: «ربما لا داعي لأن أذكر هنا مدى الأهمية التي أراها في تعزيز الحوار حول قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حيث أن الحل المبني على هذا الأساس هو شرط أساس للوصول إلى سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين». هذا، طبعا دون أن ننسى «المؤرخون الجدد» من الإسرائيلين الذين قدموا قراءة علمية، لما حدث في السنوات التي رافقت قيام «دولة إسرائيل»، مناقضة للرواية الرسمية الإسرائيلية. وقد ظهر هؤلاء في العام 1988 بعد كشف إسرائيل عن أرشيفها الوطني بموجب القوانين، فتوفرت أمام جيل جديد من الباحثين الإسرائيليين إمكانية الإطلاع على وثائق رسمية قديمة خاصة حول مسألة تهجير/ طرد الفلسطينيين في العام 1948. ورغم تنامي عدد «المؤرخين الجدد» فإن الأبرز اليوم ضمن هؤلاء المعترضين الناقدين، والذي بات يغرد بعيدا عن سرب المثقفين الإسرائيليين، هو الشاعر (نتان زاخ) – الألماني الأصل–الذي فتح النار على سياسات دولته، وقال إنه هرب من «دولة نازية ليجد نفسه مواطنا في دولة فاشية».
"الأصوات من أورشليم تُهيمن في وسائل إعلامنا"
جهاد الزين– النهار اللبنانية
قرأتُ متأخِّراً كتاب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر "فلسطين: سلام لا تمييز عنصري" الصادر عام 2006، وكنتُ قد اشتريته من إحدى مكتبات واشنطن في آخر زيارة لي للعاصمة الأميركية عام 2010، "نام" طويلاً على أحد رفوف مكتبتي في بيروت! إلى أن فتحتُ صفحاته أخيرا.
"الفضل" في ذلك ليس فقط لوجودي على سرير المرض مع أوقات متاحة للقراءة، بل الأساس الذي جعل من قراءة هذا الكتاب أمراً لا غِنىً عنه لأي متابع لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي هو الضجة الكبيرة التي أثارها موقف وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري في ندوة غير علنية الشهر المنصرم - عاد وتراجع عنه معتذراً - وهو أن إسرائيل ستصبح نظام تمييز عنصري إذا لم يتم التوصّل إلى تسوية "الدولتين" مع الفلسطينيّين.
على الأرجح أن كتاب جيمي كارتر هو المرجع الأول الأميركي على هذا المستوى الرفيع داخل "المؤسّسة" الأميركيّة في تداول هذا التشبيه لإسرائيل بنظام جنوب إفريقيا السابق كنظام عنصري، وموقف الوزير كيري يشكِّل امتداداً له من حيث تاريخ استخدام الفكرة بل ربما يضيف عليه، رغم الاعتذار، أنه يصدر عن موقعٍ رسميٍّ عالي بينما جيمي كارتر نشر كتابه وقد أصبح رئيساً سابقا.
في كتابه الصادر عن دار "سيمون وشاستر" يصف الرئيس الأسبق، بكلمات لم يسبق لزعيم أميركي شغل منصب الرئاسة أن استخدمها، يصف ما يسمّيه حرفيا "البيت الأبيض والكونغرس الأميركي الخاضعان" للسياسة الإسرائيليّة و"أفعالها غير الشرعية". وإذْ يلاحظ أن هناك دائما سجالاً سياسيّاً وإعلاميّا في إسرائيل حول السياسات الإسرائيليّة في الضفة الغربية يقول ان قرارات الحكومة الاسرائيليّة نادرا ما تخضع للمحاسبة. والسبب هو "نفوذ القوى السياسية والاقتصادية والدينية الداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية" فـ"الأصوات الآتية من أورشليم تهيمن في وسائل إعلامنا" الأميركية مما يجعل الرأي العام الأميركي غير مدرك لحقائق الأمور (ص 209).
الحالة نفسها تنطبق على ما حدث مع الوزير جون كيري. كأن شيئاً لا يتغير في قدرة النفوذ الإسرائيلي على محاصرة أي مسؤول أو سياسي يجرؤ على قول أو حتى تسريب موقف ضد السياسة الاسرائيلية القمعية للشعب الفلسطيني.
تقمّص جون كيري "روحَ" جيمي كارتر وكلاهما تعرّض لحملة شعواء من اللوبي الإسرائيلي أُرْغِم بعدها على شكل من أشكال التراجع.
... كيف يعرّف كارتر نظام التمييز العنصري في إسرائيل؟ في كتابه الشيّق من حيث هو (الكتاب) مزيجٌ منظّم من تأريخ علاقة الكاتب الشخصية بإسرائيل والعالم العربي كحاكم ولاية ثم كرئيس فرئيس سابق؟
... يعرّفه كالتالي:
"إنه نظام يحتلّ فيه شعبان الأرض نفسها ويعيشان منفصلين كلّياً، مع سيطرة كاملة للإسرائيليّين وعنف إلغائي يقومون به عبر حرمان الفلسطينيّين من حقوقهم الانسانية الأساسية. هذه هي السياسة الاسرائيليّة المتّبعة حالياً"... (ص 215).
في المقطع نفسه ينقل كارتر عن لسان ما يصفه بأنه "إسرائيلي مرموق" كلاما يشبه الكلام الذي "سيُنسب" إلى الوزير جون كيري بعد حوالى ثماني سنوات. إذْ يكتب نقلا عن الشخصيّة الإسرائيلية: "أخشى أننا نتجه نحو حكومة مثل حكومة جنوب إفريقيا السابقة عبر مجتمع ثنائي يتألّف من حكّام يهود وعرب محكومين مع قليل من حقوق المواطنة". فالفكرة هي نفسها لأن كيري قال أن إسرائيل إذا لم تقبل بتسوية الدولتين فستصبح نظام تمييز عنصري (الأبارتايد) مثل جنوب إفريقيا.
من المواضيع الشائكة في الأوساط الإسرائيلية واليهودية في العالم موضوع "هل يحق لليهودي أن ينتقد إسرائيل؟"، وهذا ما يُثار دائما بمناسبة أنشطة مثقّفين يهود يساريّين في الغرب مثل حادثة إلغاء محاضرة كان يُفتَرض أن يلقيها المؤرخ البريطاني (اليهودي) توني جوديت عام 2007 في قنصلية بولونيا في نيويورك. وحصل الإلغاء بطلب من إحدى المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسيّة. لكن في الولايات المتحدة بالذات الحظر لا يطال فقط ليبراليين نقديين للسياسة الإسرائيلية بل حتى سياسيين أميركيين أمضوا حياتهم السياسية في خدمة دعم السياسة الإسرائيلية.
أخيرا وليس آخراً... تُطل علينا ذكرى النكبة (15 أيار) وفلسطين التي تحت خطر سرطان الاستيطان لم تعد تعني ما عناه السياسيون العرب الذين اختاروا هذا الاسم (النكبة) لتهجير العرب الفلسطينيّين في حرب 1948 بل أصبحت تعني ما يشدّد جيمي كارتر في كتابه أنه 23 بالماية من فلسطين الأصلية التي ارتضى العرب والمدرسة السائدة في الطبقة السياسية الفلسطينية بأن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المنشودة. وكتابه مرجع احتجاجي مهم لدى تيار داخل المؤسّسة الأميركيّة.
إنها الروح الموؤودة في هذه المؤسسة حين يتعلّق الأمر بإسرائيل. ومثلما حلّتْ روح كارتر في كيري ستحلّ مستقبلاً في آخرين من "الإستابلشمنت" فهل سيتكرر الاحتجاج والتراجع نفسهما كل بضع سنوات؟
عام 2007 كنتُ مدعوا من وزارة الخارجية الأميركية عبر السفارة في بيروت لمواكبة انطلاق حملة الانتخابات الرئاسيّة ضمن مجموعة من صحافيين وسياسيين من بلدان مختلفة. اكتشفتٌ كفاءة باراك أوباما ونحن نتابعه من ولاية إلى أخرى بعد طول إعجاب بكفاءة هيلاري كلينتون كسيدة قوية في الشأن العام. أحد ملامح ظاهرة أوباما التي حشدتْ له أكثريةَ شباب الطبقة الوسطى البيضاء الأميركيّة هي ذكاؤه العالي الذي يتجلّى في خطبه. ولهذا تحوّلتُ إلى متابع شغوف لنصوصه وحاولتُ مرارا في ولايته الأولى أن أقدّمها لقرّاء "النهار" في إطار دراسة النص و"تفكيكه".
لماذا أروي ذلك هنا؟ أرويه لأقول أن كل هذين الذكاء والدقة التعبيرية لدى باراك أوباما يتحوّلان إلى شيء مختلف أقل ما يوصف به أنه عادي أو باهت حين يأتي على ذكر السياسة الإسرائيليّة أو يكون في معرض مخاطبة اللوبي الإسرائيلي (أيباك). بدل أن يكون همّه كرجل دولة توصيف الحلول ومخاطبة الرأي العام الأميركي بنباهة ودقة كما في كل خطبه الأخرى، يصبح في الخطبة التي يتناول فيها شؤون إسرائيل رجلا سياسياً خائفا لا تعنيه قوة التعبير ومنطقه، بل عدم الوقوع في الخطأ كمايراه اللوبي الإسرائيلي. باختصار يصبح أقل ذكاءً.
إنها الروح الموؤودة.
عقدة أمريكا في الشرق الأوسط
هاشم عبدالعزيز – الخليج الإماراتية
بينما كانت مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي سوزان رايس تعلن عن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والرئيس الفلسطيني محمود عباس الخميس الماضي في لندن لبحث استئناف المفاوضات الفلسطينية - ال"إسرائيلية"، كان وزير الخارجية ال"إسرائيلي" ليبرمان يعلن أن المفاوضات لن تستأنف في المدى القريب .
في النظرة العامة لهذه المواقف يبدو أن الأمريكيين ما زالوا يحاولون بذل جهودهم في شأن ما يعتبرونه الوصول إلى تسوية سلمية للصراع، وأن تصريحات ليبرمان لا تذهب أكثر من مناورة لحمل الفلسطينيين على اتخاذ موقف لن يكون خالياً من تنازلات، بيد أن الأمور لا يمكن أخذها بهذه التوليفة المبسطة لأن استبعاد ليبرمان للمدى في شأن المفاوضات هو لغة مخففة لرفض التسوية القائمة على الحق والعدل وإرساء قواعد السلام، وأن الدور الأمريكي لا يزال مستمراً في شراء الوقت وهذا ما استثمره الاحتلال وبخاصة في شأن الاستيطان . بالطبع، من غير المستبعد أن ينجح كيري في إعادة الطرفين إلى المفاوضات، لكن المستبعد أن يتم إحراز تقدم في شأن مواجهة القضايا المتداعية عليها في أزمة هذه المنطقة جراء سياسة الاحتلال .
والقول هكذا ليس حكماً مسبقاً بل قد يكون متأخراً لأن الإخفاق الذي لازم جولات كيري المكوكية يعود إلى فشل أوباما في الإيفاء بوعده حول القضية الفلسطينية، وهذا الفشل ليس الأول وهو بالتأكيد قد لا يكون الأخير لإدارة أمريكية طالما ارتهنت سياستها تجاه هذه القضية على الازدواج وعقدة هذا الازدواج اللوبي الصهيوني بما ترتب على دوره في الوضع الأمريكي برمته من مفارقة في شأن هذه القضية والتي يمكن تلخيصها أو إيجازها بالسؤال : "هل على الرئيس الأمريكي وعلى الشعب الأمريكي مواجهة الصراع بقوة بين اليهود والعرب في الشرق الأوسط، أم أن عليهما أن يرضخا لمطالب اللوبي "الإسرائيلي""؟ .
هنا يمكن الإشارة إلى أن مراقبين ومحليين يعيدون بداية الفشل الأمريكي في شأن هذه القضية إلى عهد الرئيس ترومان الذي دخل البيت الأبيض عام 1945 حينها كانت مخيمات اليهود منتشرة في العديد من البلدان الأوروبية التي لم تكن راغبة فيهم ووجد كثير منهم في وعد بلفور ملاذهم إلى فلسطين وحينها بدأت مطالب يهود أمريكا تنهال على الرئيس ترومان لمساعدة اليهود الأوروبيين الهجرة إلى فلسطين .
وتذكر الأرقام أن الرئيس ترومان تلقى آنذاك ما يقارب من 35 ألف رسالة لكنه لم يكن مهتماً ولا تحت تأثير اللوبي الصهيوني الأمريكي الذي كان لا يزال محدود التأثير، وحسب ما يذكر فإن الرئيس الأمريكي آنذاك قال لأحد أصدقائه: "لقد جمعت كل تلك الرسائل وأشعلت فيها عود كبريت" .
لكن هذا الموقف تغير على نحو جذري عام 1948 فكان ترومان أول رئيس يعترف ب "إسرائيل" ويتعهد بمساعدتها، ومنذ ذلك الوقت وهذه القاطرة متواصلة ولا تزيد بين فترة وأخرى سوى الاندفاع في هذا الاتجاه، والأمر يعود هنا إلى الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في الانتخابات وهذا ما احتاجه واستجداه ترومان في خوض الدورة الرئاسية الثانية .
لقد حاول رؤساء أمريكيون إيجاد حل توافقي يجمع بين قيام "إسرائيل" والحقوق الفلسطينية ولامس هذا الاتجاه بمستويات متفاوتة جيمي كارتر وجورج بوش الأب وبيل كلينتون، وكان بمقدور ترومان أن يوجد حلاً وحاول ذلك فعلاً ولكنه فشل وفشل من حاول بعده بسبب دور اللوبي الصهيوني، وربما أن الفشل الذريع سيبقى من نصيب باراك أوباما . فالرجل الذي أطلق شعار إعادة بناء أمريكا الجديدة والجديرة بالقيم الإنسانية ووعد بحل القضية الفلسطينية وإحلال السلام في هذه المنطقة انقلب على نفسه جراء الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني، والمثل الدال على هذه الحقيقة التراجعات التي اتبعها أوباما في شأن شروطه الإيقاف الكامل والشامل للاستيطان للعودة للمفاوضات والتخبط بين ذهابه إلى نقده بصوت مرتفع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو ووصفه بنعوت سيئة ومن ثم عودته إلى استقباله في واشنطن بتدلل وابتذال غير لائق برئيس دولة، ناهيك عن كونه رئيساً للولايات المتحدة وليزيد تحت ضغط اللوبي الصهيوني الوقوف على منبر هذا اللوبي وفي "إسرائيل" معلناً التزام الولايات المتحدة بأمن وسلامة "إسرائيل" ويمنح رئيسها أعلى وسام أمريكي ويعترف بها دولة يهودية .
لقد فشل مشروع ترومان تحت اندفاع الصهاينة الذي يريد كل فلسطين، وإذا ما أخذ في الاعتبار أن سنوات الرعاية الأمريكية للتسوية أخفقت في كل ما يرتبط بالحل العادل والسلام الدائم، فإنها نجحت في شراء الوقت الذي استثمره الاحتلال في المشروعات الاستيطانية التي تزحف على كل الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس: أليس هذا تنفيذاً لما كان حلم به الصهاينة في عهد ترومان؟
إن ما هو لافت والتحركات الأمريكية الآن للعودة إلى المفاوضات تأتي "فيما أعلنت واشنطن أن محمود عباس أخطأ بتوقيع 15 اتفاقية انضمام لمؤسسات دولية"، ولكن نتنياهو لم يخطئ في بناء 15 ألف وحدة استيطانية في القدس"، فهل من تفسير لهذا الازدواج؟
هل على رأس الإخوان المسلمين « ريشة»؟
خالد فخيدة – الرأي الأردنية
صحيح ان فصل اصحاب مبادرة زمزم الاصلاحية من «الاخوان المسلمين» فضح الوجه الخفي لصناع قرار الجماعة في الوقت الراهن، ولكنه فتح الباب لتساؤلات جمة، اهمها الوجهة المقبلة للمتشددين في العبدلي، ومستقبل تنظيمهم الذي لا زال يمارس السياسة برخصة جمعية خيرية.
ووفق القانون الذي تخضع له جمعية الاخوان المسلمين، هل يحق فصل اعضاء فيها بقرارات صادرة عن محاكم يديرها تنظيم سياسي، وهل هذه المحاكم التنظيمية شرعية وملزمة، وما الذي سيقرره القضاء لو لجأ المفصولون اليه للطعن بما اتخذ بحقهم من قرارات؟.
ومن الاسئلة التي اثارتها قرارات محاكم الجماعة تجاه من تبنوا مبادرة زمزم الاصلاحية، اي القوانين التي تنطبق على تنظيم الاخوان المسلمين، فهم اسسوا حزبهم المعروف بجبهة العمل الاسلامي، ولكن لهذا مكتبه التنفيذي ومجلس شوراه، وللجماعة التي يفترض ان لا تمارس السياسة بحكم ترخصيها كجمعية خيرية، مكتبها التنفيذي ومجلس شوراها الخاص بها؟. ورغم التبرير الذي تردده غالبية من النخب السياسية بانه كان للجماعة « وضع خاص « فيما مضى من عقود، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه الى متى سيبقى هذا الوضع قائما سيما وان هذه الايام يتسابق فيها الجميع للمطالبة بالاصلاح الشامل، والعمل الحزبي فيها يخضع لمنظومة تشريعية.
فهل لا زال على رأس الجماعة تلك « الريشة»؟. وهل يخدم هذا « الدلال « العملية الاصلاحية وخارطة الطريق التي رسمها الاردنيون للعبور الى مستقبل آمن وحياة افضل. وكيف يطالب الاخوان المسلمون بتعديل الدستور، ويهبون في وجه كل من يقول لهم « صوبوا اوضاعكم». واذا اعتبرنا ان حزب جبهة العمل الاسلامي المرخص وفق قانون الاحزاب واجهة الاخوان المسلمين السياسية، وامينه العام الحالي الاستاذ حمزة منصور، فما هي الصفة القانونية التي تمنح المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين ونائبه للدعوة الى المسيرات الاحتجاجية وفي بعض المرات العصيان المدني؟.
وبما اننا نتحدث عن الاصلاح وتعديل التشريعات لتحقيقه، فالاصل في دولة المؤسسات والقانون ان الذي يخوله القانون بممارسة العمل السياسي هو امين عام حزب جبهة العمل الاسلامي، فيما ترخيص جمعية الاخوان المسلمين تخول رئيسها او من ينوبه فقط الاعتصام امام وزارة التنمية الاجتماعية اذا كان هنالك غبن او قرار يعيق العمل الخيري في البلاد.
والمقصد، ليس حل جماعة الاخوان المسلمين، فمن يؤمن بالديمقراطية، عار عليه ان يلغي الآخر، ولكن هذا لا يعني ان يستمر غض الطرف عن الجماعة لاسباب لم تعد موجودة في يومنا هذا وان تبقى فوق القانون.
فتحت مظلة القانون لتمارس الجماعة سياستها وحريتها في التعبير عن ارائها ومواقفها، وكما هو مطلوب من الاحزاب ان تقدم بياناتها المالية وغيرها الى الجهات الرسمية بحكم المنظومة التشريعية التي تخضع لها، فان ذلك يحتم على الحكومة توفير بيئة عادلة لكافة الاحزاب حتى تتمكن من الانتشار بين الناس وفق برامجها وليس بحكم التسهيلات الممنوحة لها.
ولذلك، ما دمنا نتحدث عن الاصلاح، فقد آن الاوان على الاخوان المسلمين تصويب اوضاعهم القانونية لممارسة عملهم السياسي من الباب وليس من الشباك.
عقدة التنظيم الجديد وعقد الجماعة
د. مهند مبيضين – الدستور الأدرنية
متأخرة جداً جاءت تحذيرات نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد من تشكل نواة لتنظيم جديد داخل هيكل الجماعة، والتحذير مبني على معلومات، وعلى تقديرات تقول أن الجماعة إن لم تدرك التغيرات فإن القطار قد يفوت، والجماعة تعيش الكثير من العقد الموروثة التي جعلتها طول السنوات الثلاثة والنصف الماضية لا تسمح بأي صوت معارض داخلها لسياسات الرجال الكبار.
والأكيد أن سجل المحاكمات الذي تعرض له مجموعة من الشباب المجتهد داخل فكر الجماعة والذي بدأ منذ أنطلاقة الربيع العربي وحتى اليوم، سوف يثمر حالة من النضوج الواجب بحق التمرد او الاستقلال، على الأقل هناك تنظيمان للشباب ولدا داخل الجماعة في فترة الربيع العربي وكلامها يمثل اتجاه، واحد متنور متجدد، وآخر محسوب على التقوى المرجعية المتشددة.
عمر الشباب التنظيمي الطويل نسبيا، هو أحد أسباب الحنق والغضب، على التقليد والجمود، فالشاب الإخواني حين يلتزم بالجماعة يحتاج لوقت طويل من العمر التنظيمي كي يسمح له بممارسة دور فاعل في تحديد مسار الانتخابات واتخاذ القرارات في الجماعة، فالسن التنظيمية للتصويت هي خمس سنوات، وما قبل الخمس سنوات على الشاب أن يقطع مرحلتين هما سنوات ثلاث أولى تسمى «العمر التكويني» تليها ثلاثة أخر تسمى «العمر التمهيدي» ثم يدخل العضو الشاب بما يسمى «العمر التنظيمي»، بمعنى أن الشاب يقضي في صفوف الحزب أكثر من عشر سنوات ليكون قد استحق تبوّء مواقع متقدمة في الجماعة وحتى في الحزب أو المشاركة الفاعلة بالقرار والانتخاب.
هذا العمر الطويل للفاعلية السياسية، مع مشاهدات الشباب للتسويات وحل الخلافات داخل الجماعة بالترضيات، والخجل عن معالجة الإنقسام الذي تكرس بعد العام 2003، والمواقف المتضاربة من الوضع السياسي العام، والقرارات الأخيرة داخل الجماعة والتي اعتبرت مجحفة بحق من خدموا التنظيم ورد الفعل عليها في شعبة الشمال والتهديد بشلل تنظيمي، تؤكد أن القادم سيكون اعظم داخل بيت الجماعة.
هذا الوضع أكده اللقاء الذي عقد في اربد يوم الخميس 8/5/2014 في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي والذي ضم ممثلين عن (8) شعب، ورأى فيه البعض بداية الانقلاب ضد القيادة الحالية للجماعة في أكبر شعبها التنظيمية تأثيراً. واللقاء جعل العقل المفكر داخل الجماعة يتحسس رأسه؛ ذلك أنه حدد أسباب الخلل في ورقة عمل طرحت للنقاش من اجل استعراض واقع الحركة الإسلامي في الاردن وأزماتها .
في اللقاء كان ثمة تأكيد على وجود العقلية المغلقه التي لا زالت تعيش بها قياده الجماعة الحالية .، وتأكيد على أن الجماعة تمر بمنعطف حرج يؤكد ازمة الشباب وأزمة التنظيم مع الشباب أيضا، إذ أشارت الورقة إلى تناقص أعداد المنتظمين في الجماعة قياساً للنمو السكاني، حيث أن ارتفاع متوسط أعمار أعضاء الإخوان عن ما يزيد (40) عاماً مما يدل على أن نسبة الشباب تتضائل، وهذا ما أدى إلى ضعف الدافعية والقدرة على المبادرة داخل التنظيم.
هكذا ظروف قد تكون كافية لكي تدفع نائب المراقب للتحذير من تنظيم وليد، وأعتقد أنه ليس تنظيما وليدا بقدر ما هو انقسام ومفارقة لأفكار الجماعة التي تنازعها جيلان ومشروعان وطنيان، مع وجود مراجع التقليد والقيادة المحافظة التي لم تدرك الزمان وتحولاته.
عيون وآذان (اميركا وتدمير العراق)
جهاد الخازن – الحياة اللندنية
الانتخابات العراقية بدأت في آخر الشهر الماضي ولن تُعرَف نتائجها قبل الأسبوع الأخير من هذا الشهر، والأرجح ألا يحقق تحالف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي غالبية، وإنما سيحتاج الى ائتلاف وزاري جديد. ونسمع كل يوم عن تحالفات، إلا أن مثل هذا الكلام سابق لأوانه.
على سبيل التذكير، بعد انتخابات 2006 مضت ثمانية أسابيع قبل النجاح في تأليف حكومة، وبعد انتخابات 2010 استمرت مفاوضات تأليف الحكومة 14 أسبوعاً. هذه المرة الوضع أكثر تعقيداً، والأكراد أعلنوا أنهم لن يعودوا الى حكومة مع المالكي، وهناك إرهاب يومي، ومحافظة الأنبار تحت سيطرة «داعش»، فيما المالكي يقول إن ارتفاع نسبة التصويت (حوالى 60 في المئة) صفعة في وجه الارهابيين.
الحرب الاميركية على العراق انتهت بموت مليون عراقي، إما مباشرة في الحرب أو لأسبابها مثل فقدان الأدوية، ومعهم ستة آلاف جندي اميركي، وقيام نظام شيعي موالٍ لإيران برئاسة المالكي.
«الإرث» الاميركي في العراق عاد الينا مع أخبار من واشنطن عن جهود لمحاكمة رجال شركة الحراسة الخاصة بلاكووتر بتهمة قتل مدنيين عراقيين. القصة تعود الى تشرين الأول (اكتوبر) 2007 عندما ذهب محققون من «إف بي آي» ورأوا صوراً وأفلاماً تُظهر رجال بلاكووتر يطلقون النار على حشد من المدنيين العراقيين ويقتلون 17 منهم. في الوقت نفسه تقريباً قتل المارينز الاميركيون 24 مدنياً في الحديثة.
الجزء الآخر من الإرث الاميركي معتقل أبو غريب وصور التعذيب والقتل فيه. المعتقل أغلِق في منتصف الشهر الماضي، إلا أن ذكراه باقية، فلا أنسى صورة مجنّدة اميركية تعذب معتقلاً، فيما محامو الادارة الاميركية ينكرون التعذيب ويطلعون بقرار هو أن المعذِّب وحده يقرِّر إن كان عَذَّب أو لا (صدِّق أو لا تصدِّق).
أسوأ مما سبق كثيراً أن القوات الاميركية في حرب تحرير الكويت، عام 1990-1991، وفي اجتياح العراق عام 2004 استخدمت ذخيرة تحتوي على يورانيوم مستهلك وفوسفور أبيض، وسمَّمت العراق كله، فأكثر أمراض الولادة والأطفال والعجزة يعود الى السموم التي نشرها الاميركيون في العراق وتركوها وراءهم.
الانتخابات الأخيرة أُجريت بعد انسحاب القوات الاميركية، إلا أن الوضع يشبه كثيراً السنوات 2006 الى 2008، فأرقام الأمم المتحدة تُظهر سقوط حوالى تسعة آلاف قتيل، معظمهم من المدنيين، السنة الماضية. والشهر الماضي قتِل 750 عراقياً، 600 منهم مدنيون، وهكذا زاد القتلى في نيسان (ابريل) عن كانون الثاني (يناير) عندما قتِل 733 شخصاً، معظمهم من المدنيين أيضاً.
هذه الأرقام هي ما كنا نقرأ شهراً بعد شهر أيام الاحتلال الاميركي، وقد أصبح العراق مستعمرة ايرانية، وهناك مقاتلون ايرانيون الى جانب قوات الحكومة، كما أن هناك مقاتلين ايرانيين في سورية لدعم نظام بشار الأسد. وفي البلدين يُستَهدَف المواطنون من السنّة، وهم أقلية في العراق وغالبية مطلقة في سورية.
في فيتنام، كانت هناك مجزرة ماي لاي التي كشفها الصحافي المحقق الاميركي سيمور هيرش الذي ذهب الى العراق وكشف جزءاً كبيراً من فضيحة معتقل أبو غريب والتعذيب والقتل فيه.
العراق يدفع الثمن كل يوم منذ 1990 عندما ارتكب صدام حسين جريمته البشعة باحتلال الكويت، ومنذ 2004 وغزو الاميركيين العراق بأدلة زوِّرَت عمداً. وقرأت أخيراً اقتراحاً بأن يرسم جورج بوش الابن لوحات لضحايا أبو غريب بدل لوحاته لزعماء عالميين يعرفهم. أنا أقترح أن يُحاكَم بوش وأركان إدارته المجرمة أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي.
إصلاحات بوتفليقة
محمد الأشهب – الحياة اللندنية
يرغب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في إضفاء بعد إصلاحي على ولايته الرابعة، من خلال تعديل الدستور، لجهة حصر الرئاسة في ولايتين غير قابلتين للتمديد، وتكريس فصل السلطة ومنح رئيس الوزراء صلاحيات أكبر. لو فعل ذلك قبل الذهاب إلى انتخابات الرئاسة لكان مفعول الحدث أكبر. أقله أن الاستحقاقات في ظل دستور معدل تكون أكثر انسجاماً ونداءات التغيير التي ارتفعت من كل الاتجاهات.
قد يكون بوتفليقة أو محيطه الأقرب في دائرة الحكم أراد إضفاء الشرعية على تعديل الدستور، استناداً إلى النسبة العالية التي حصل عليها في الرئاسيات، كونها حررته إلى حد ما من قيود الالتزام بوضع دستور جديد، عبر آليات منتخبة. وقد تكون البلاد مقبلة على مرحلة يضطلع فيها رئيس الوزراء بدور أكبر على غرار النظم الديموقراطية التي تتحكم صناديق الاقتراع في توجيهها. لكن الموقف يظل رهن تنظيم استحقاقات اشتراعية لا تشوبها انتقادات. ما يحتم في أقل تقدير جذب أحزاب المعارضة إلى مربع المشاركة في الاستشارتين الدستورية والاشتراعية.
لا تبدو الطريق سالكة أمام تحقيق هكذا انتقال من دون صعوبات، فأحزاب المعارضة تطرح خيار الانتقال الديموقراطي بمرجعية وفاقية، قد تفسح في المجال أمام مشاركة أوسع أو تغلق الباب أمام استقطاب في مستوى أهمية اللحظة، بينما ترصد العيون الموقف الذي يلتزمه المرشح المنافس علي بن فليس الذي يعول على تشكيل قوة سياسية بديلة. وبين الحالين يبحث النظام الجزائري عن وسيلة لتصريف «نصره» كمحطة فاصلة بين آخر ولاية وبداية العهدة الجديدة.
صادفه الحظ في التمديد لولاية جديدة بأقل قدر من الخسارة، ولم يجد في ساحة المنافسة من يخطف منه وهج الاستقرار الذي تحول إلى برنامج سياسي بلا أرقام ولا كلفة. وكما أفلتت الجزائر من خنادق الربيع الذي بدأ حريرياً وانتهى بالدم والمقاصل، نجت أيضاً من عدوى الانفلات، وحققت العشرية الدامية ما لم يستطعه أي خطاب ينشد التغيير، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الأمن الذي كان مفقوداً.
غير أن السياسة تنبني على معادلات، ومن دون إشراك المعارضة في ترتيبات ما بعد العهدة الرابعة لن تقف على رجليها. وبعد أن أضحى بوتفليقة رئيس كل الجزائريين، لا مبرر لإقصاء أي خصم سياسي في وضع أسس الإصلاح الدستوري. ففي القضايا الكبرى تصغر الخلافات. وإذا كان الرئيس نجا من التقيد بولايتين، كما في اقتراحات التعديل، فلا أقل من أنه يحتاج إلى طوق نجاة من نوع آخر، يحقق وفاق التحدي الدستوري. وليس غير المعارضة من يملك ما يكفي من أوراق الضغط في المعادلة الجديدة.
على الواجهة الأخرى لا تبدو أوضاع جبهة التحرير الجزائرية التي تتنازعها صراعات داخلية، في وارد تكريس التوازن المطلوب. على رغم أنها حققت حضوراً رمزياً من خلال معاودة انتخاب بوتفليقة، ولم تستقر فاعليات الغالبية عند موقع يجعلها قابلة للتفاعل مع المستجدات، كونها تضع كل البيض في سلة النظام، فيما اللعبة الديموقراطية تقتضي ترسيم مسافة تشجع تداول السلطة، فالجزائر مقبلة على مرحلة جديدة، ومن دون تفعيل دور الأحزاب وتحرير العمل السياسي من قالبه القديم الذي يبخس دور المعارضة، لن يكون هناك معنى لمفهوم التداول.
في النهاية حقق بوتفليقة أمنيته في قيادة الجيل الجديد من الإصلاحات، أو هكذا على الأقل سيقترن اسمه بعد أن اقتعد الكرسي المتحرك بالقيام بحركة أكبر في اتجاه تنفيذ الوعود الإصلاحية، بصرف النظر عمن يحركها من وراء الستار. لكن الوئام الذي اعتمده في البحث عن الاستقرار انفتح على فئات راديكالية حملت السلاح. وحري به أن يمتد ليشمل أطياف المعارضة التي تحمل مشروعات سياسية. ولأنه أصبح رئيسا لكل الجزائريين لم يعد مقبولاً أي استمرار في إقصاء الصوت المعارض، فثمة هامش كبير يفترض أن يلازم الإصلاحات الدستورية، إذ يلعب الرئيس دور الحكم، من دون إغفال قواعد اللعبة الديموقراطية التي قد تأتي برئيس وزراء يحوز دعم الغالبية.
عندما بدأت الجزائر تنفيذ الخطوات الأولى في الانفتاح على التعددية السياسية واقتصاد السوق ودعم المبادرة الحرة التي تناقض استمرار هيمنة الدولة في السياسة والاقتصاد، كان واضحاً أن ثمة أفقاً قد انفتح. لم تكتمل التجربة لأن البلاد لم تكن مستعدة لتجريب حكم الإسلاميين. مع أن الجزائر كان في وسعها أن تسبق باقي التجارب التي عرفتها دول عربية أخرى بعد سنوات. وما دام أن أموراً كثيرة تغيرت على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فإن الإقدام على اختيار إرادة التغيير الهادئ لن يجعل البلاد تخسر شيئاً. على عكس ذلك ستدفع إلى الالتفاف حول مشروع الإصلاحات التي تُحدث الحد الأدنى من التغيير.
الإعلام الطائفي وتدمير ما تبقى
خالد الحروب – الحياة اللندنية
ابتداء، لا يمكن القول إن كل الإعلام الديني يندرج تحت وصف الإعلام الطائفي أو المتطرف، ومن غير الموضوعية إطلاق أي وصف عام وتعميمي إزاء هذا الإعلام. لذا وجب ترسيم هذا المدخل الأساسي قبل مقاربة أي نقاش حول الموضوع، فالتركيز في الأسطر التالية يختص بالجانب المتطرف والطائفي من ذلك الإعلام تحديداً. الإعلام الديني المتطرف، والمتلفز منه على وجه الخصوص، هو ظاهرة عالمية ينظر إليها في سياق عولمة الاتصالات في العقود الأخيرة. أما العواقب الناجمة عن هذا الإعلام، فهي متنوعة وتعتمد على السياق السياسي والاجتماعي الخاص والأجندة التحريرية لكل حالة إعلامية وعلى منسوب التوتر لدى اللاعبين الرئيسيين في السياق المعني. وعملياً كان الإعلام الديني في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية هو أول من ابتدع استخدام شاشات التلفزة لنشر الدعوات الدينية على مستوى جماهيري. وبينما تتشارك وسائل الإعلام الدينية بعض الملامح والصفات المشتركة بصرف النظر عن موقعها الجغرافي أو ما تروج له من دين، فإن بعضها يشكل حالات خاصة منفردة. سنركز هنا على الإعلام الديني في الشرق الأوسط وخصوصاً السنّي والشيعي منه.
الملمح المشترك لوسائل الإعلام الدينية، وخاصة المتشددة منها، يتمثل في إحياء المعارك العقدية الدينية النائمة وبثها في الوجدان الشعبي، ففي الشرق الأوسط وفي سياق التنافس الإقليمي الجاري والذي يأخذ أبعاداً طائفية، تقوم وسائل الإعلام في المعسكرين على بث وترويج مساجلات إزاء نزاعات وخلافات دينية عقدية كانت تتسم على الدوام بالنخبوية وبكونها محصورة في فئة رجال الدين والمتكلمين، وهي معارك كانت بعيدة من اهتمام الناس العاديين، وانقضت وعف عليها الزمن. وكما هو شأن هذه الأمور في كل الأديان بلا استثناء، ثمة اختلافات عميقة بين المدارس العقدية والمذاهب المختلفة في الإسلام ولكنها ظلت مقصورة على الدوائر المتخصصة من فقهاء وعلماء بالدين. وعلى ذات المنوال، تعود الخلافات بين الشيعة والسنّة إلى القرن الأول الهجري، لكن بمرور الزمن تشابكت خيوط الاختلاف في تأويل النص المقدس مع خيوط الصراع السياسي لتتحول المواقف السياسية المتعارضة على مر القرون إلى أرثوذكسيات دينية ومعتقدات متشددة. وعبر التاريخ الإسلامي، كان التحول الجماعي إلى المذهب الشيعي أو السنّي غالباً ما يجري قسراً أو قريباً من القسر على يد الملوك والحكام بعد تبني السلطة مذهباً معيناً وليس لقناعة المتحولين إلى هذا المذهب أو ذاك. وإذ لم يكن للمحكومين من حيلة سوى الانصياع للسلطة، فقد كانوا غالباً ما يتبعون حكامهم المنتصرين من دون شعور بتبكيت الضمير. أما أمر الاشتغال بالاختلافات والتبريرات الدينية الجوهرية، والتسويغ الديني لما هو جوهرياً سياسي، فقد ظل ظل عملاً مقصوراً في الغالب على العلماء والفقهاء، خاصة من تحالف منهم مع الحكام. في المقابل، وعلى مستوى الناس العاديين حيث توجد جماعات مختلطة من السنة والشيعة، سادت درجات مختلفة من التعايش وتجلت عبر التعايش الاجتماعي المكثف في كل المجالات، وعلى رأسها الزيجات المختلطة. وظل هذا الأمر سارياً ليصبح شكلاً عاماً للعلاقات الاجتماعية داخل الجماعات المختلطة (في العراق، وبلدان الخليج، ولبنان) وإلى عقود قريبة، وتحديداً حتى سبعينات القرن الماضي.
لكن تحولاً مفاجئاً حصل في الوقت الراهن بظهور الإعلام العابر للحدود واستخدامه سلاحاً في ساحة الخصومات الإقليمية، ابتدأ بالحركية الإسلاموية الشيعية وتبعته الحركية الإسلاموية السنية (السلفية تحديداً). فمع بروز وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم يتردد آية الله الخميني في تبني سياستين أخافتا دول الجوار العربي، وخاصة الخليجية إلى درجة كبيرة: الأولى هي إعلانه بأنه يتحدث باسم كل المسلمين (شيعتهم وسنّتهم)، والثانية إعلانه سياسة تصدير الثورة الإسلامية، وضمنا إلى دول الجوار كمرحلة أولى. تمثلت ردة الفعل الخليجية في السعي الفوري إلى إحباط هذا الزعم باستثارة خطاب ديني سنّي مناهض للأيديولوجيا الشيعية التي كان لها وهج ثوري جذاب حتى في أوساط المجتمعات السنّية المحبطة، والتي كانت تتوق إلى أي طرف يقف في وجه إسرائيل (كما فعلت إيران الخمينية بإغلاق السفارة الإسرائيلية، ثم تبني خطاب معاد لإسرائيل).
وهكذا صار الناس يكتشفون وعبر القنوات الدينية التي تضخ مواد ضحلة وتحريضية ضد الشيعة أو السنة، وفق اتجاه القناة، بأن كثيراً من جيرانهم هم في الواقع من «الطائفة الأخرى» التي يُشك في إسلامها، فالشيعة في نظر صناع الخطاب السلفي المتعصب إسلامهم غير مكتمل، والسنّة في نظر صناع الخطاب الشيعي المتعصب إسلامهم غير مكتمل أيضاً. وفي ضوء حروب إعلامية وخطابية طاحنة تعلي من شأن الذات الجمعية من ناحية وتعتبرها صاحبة «الحق» المطلق، وتدعو إلى استئصال الطرف الآخر باعتباره (أي الطائفة كلها) ضالاً ومُضِلاًّ، أعيد إنتاج الصراعات السياسية الراهنة من مناظير طائفية تاريخية. وانتعشت المظلوميات التاريخية والادعاءات التي لا يمكن إثباتها على شاشات التلفزة وفي الخطاب السياسي، وتحول الجهد إلى كيفية ربط ما يحدث يومياً بالسرديات التاريخية الكبرى، بحثاً عن تسويغ الفعل السياسي وعن الشعبية والشعبوية. ولعل من الأمثلة الصارخة الحديثة على التصريحات السياسية ذات الصبغة الطائفية الواضحة، ذاك الذي صدر مؤخرا عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في معرض ربطه «معركته» بالتاريخ الشيعي والكربلائي، فقد وصف المالكي خلال زيارته مدينة كربلاء في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013، القتال الجاري بين الجيش العراقي والمجموعات السنية المسلحة على أنه استمرار للمواجهة القديمة في القرن السابع الميلادي بين الحسين ويزيد، كما وصف كربلاء بكونها «قبلة» كل المسلمين، على ما في هذا التعبير من استفزاز شديد لكل السنّة الذين يرون أن مكة وحدها هي قبلة المسلمين، وأن مناكفة ومزاحمة المالكي باستخدام ذلك الوصف بكبرياء لا يُؤكد سوى رغبة إيران في أن تصبح زعيمة العالم الإسلامي برمته.
ساهم الإعلام الديني، ولا يزال، في تآكل الأرضية الاجتماعية المشتركة وفي إضعاف فكرة المواطَنة وهي فكرة هشة أصلاً ولم تمتلك فرصة كافية أبداً لتضرب بجذورها عميقاً في أي من دول المنطقة بعد انتهاء الحقبة الكولونيالية. وحلت الولاءات الدينية والطائفية محل الانتماءات الوطنية وفكرة المواطَنة، في ظل ضعف الدولة أو قمعها وعدم شعور الأفراد بالانتماء لها، بل ساد الإحساس بالخوف والرعب منها، وبذلك انتعشت تلك الولاءات وصارت تبحث عن مرجعيات وسلطات خارج نطاق أوطانها. ووفر الإعلام العابر للحدود، وبخاصة الديني منه، منابر وقنوات للتواصل مع تلك المرجعيات خارج الحدود الوطنية، ولهذا فإن الشرائح الانتخابية الشيعية أو السنية في أي بلد قد تشعر بارتباط أوثق مع الشرائح المشابهة لها خارج أوطانها، فمنذ حرب عام 2003 في العراق وما تمخض عنها من هيمنة شيعية على السلطة هناك، ربما تشعر شرائح سنية عريضة من العراقيين بتهميش الدولة لهم، وربما من الأغلبية الشيعية العراقية كذلك. وفي هذا السياق، فإن التغطية الإعلامية لمظالم السنّة ومظاهر تهميشهم في العراق تخلق لديهم روابط وتوقعات عابرة للحدود وتدفعهم للتطلع نحو مساعدة وتأييد «الأشقاء السنة» في البلدان الأخرى.
إن اتساع نطاق التغطية والتأثير للإعلام العابر للحدود يلعب دوراً سلبياً في تفكيك الفضاء الوطني واستبداله بفضاء ديني رمادي واهٍ عابر للحدود الوطنية ويجمع بين الجماعات التي تنتمي إلى الطائفة ذاتها ولكنها تستقر في بلدان مختلفة داخل المنطقة، وهذا يعمق من التجزئة ويعقد من تداخل الولاءات الدينية والسياسية عبر الحدود، ويوفر أرضية خصبة لانفجارات مستقبلية.


رد مع اقتباس