في هذا الملـــــف:
هناك بشرى انهاء الانقسام خطوة كبيرة على طريق طويل
حديث صحيفة القدس
هل سيرسم المجلس المركزي معالم استراتيجية وطنية جديدة؟!
راسم عبيدات/صحيفة القدس
هل نحن امام تحوّل جديد في الموقف الفلسطيني؟!
عطالله منصور/صحيفة القدس
ثلاثة أشهر حاسمة..!
عرفان نظام الدين/صحيفة القدس
عنوان المرحلة القادمة: «وحدة - غزة - دولة»
صالح عوض/صحيفة القدس
إسرائيل تحتفي بالعودة إلى الوضع القائم
إريك ألترمان* — (ذا نيشن)/صحيفة القدس
أطراف النهار-"مش على خاطرنا" ؟
حسن البطل/الأيام
إعلان آخر ينتظر إرادة التنفيذ
طلال عوكل/الأيام
المجلس المركزي على عتبة القرار
حمادة فراعنة/الأيام
هل نحن أمام مصالحة ؟!
د. عبد المجيد سويلم/الأيام
اتفاق 23 إبريل
عمر حلمي الغول/الحياة الجديدة
المجلس المركزي سيد القرار
بهاء رحال/الحياة الجديدة
هناك بشرى انهاء الانقسام خطوة كبيرة على طريق طويل
حديث صحيفة القدس
تم في غزة امس توقيع اتفاق بين منظمة التحرير وحركة حماس لخصه رئيس الحكومة في القطاع اسماعيل هنية بالقول: أزف الى شعبنا الفلسطيني بشرى إنهاء الانقسام، وقد غمرت الفرحة قلوب الفلسطينيين جميعا في داخل الوطن المحتل وفي المهاجر والشتات... فقد شكل الانقسام خنجزاً في صدر القضية والشعب وقد عانينا من ذلك كثيرا والاتفاق على انهائه يعتبر فعلاً بشرى كبيرة وخبراً سعيداً طال انتظاره.
ويجيئ هذا التطور غير المتوقع وسط ظروف فلسطينية وعربية متغيرة استراتيجيا ولها ابعاد وتداعيات واسعة على كل المستويات. بالنسبة للسلطة الوطنية وحركة فتح تدخل العملية السياسية ابوابا مغلقة تماما والمفاوضات في مأزق حقيقي وانضمام دولة فلسطين الى بعض المعاهدات والمنظمات الدولية زاد من حدة المواجهة مع حكومة الاحتلال، وبالنسبة لحركة حماس فقد احدثت التطورات الاقليمية وخاصة في مصر اولاً ومن ثم ما حدث من تطورات خليجية والازمة مع حكومة قطر والحصار الاسرائيلي والحرب في سوريا وابعادها وغير ذلك، تغيرا اساسيا في الموقف السياسي لحماس.
وبناءً على ذلك فقد شعرت كل من فتح وحماس أن الاوضاع تنقلب جذريا وان المصالحة وانهاء الانقسام امر في غاية الاهمية والضرورة.... ولهذا فقد تقاربت وجهات النظر وتم توقيع الاتفاق لإنهاء الانقسام امس، وهذه الخطوة الايجابية الكبيرة ليست سوى اول المسيرة على طريق طويل وصعب للغاية ومليء بالتعقيدات والتحديات، فقد سبق أن تم توقيع اتفاقات في مكة المكرمة وفي الدوحة وفي القاهرة وظلت كلها حبر على ورق... واتفاق الامس أساساً نص على تنفيذ هذه الاتفاقات السابقة واعتبارها مرجعية للعمل المشترك في المرحلة القادمة.
وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي هناك اتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط خلال خمسة اسابيع ومن ابرز مهامها اعادة الاعمار والاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني... ومن ثم تجيء قضية الاجهزة الامنية وتوحيدها وكذلك تفعيل وتطوير منظمة التحرير وهي كلها تتطلب جهدا كبيرا ونوايا صادقة ومخلصة من جميع الاطراف... وتنفيذها كلها ليس بالأمر السهل او اليسير.
واذا كانت طريق التنفيذ صعبة على المستوى الفلسطيني فإن الدور الاسرائيلي سيكون اكبر معيق واكبر عقبة أمام أية خطوة عملية... وبمجرد توقيع الاتفاق المبدئي أمس سارع رئيس وزراء اسرائيل الى وقف كل أشكال التفاوض وألغى جلسة كانت مقررة مساء أمس. واكثر من ذلك فقد وصف السلطة بأنها اصبحت أكبر «منظمة ارهابية» بعد تصالحها مع حماس وهدد بالطبع بإتخاذ خطوات أسماها بالعقابية.
وهذا الموقف الاسرائيلي متوقع ومعروف سلفاً وقبل الانقسام اساساً، وهو لن يثني اي فلسطيني عن تحقيق المصالحة التي هي شأن فلسطيني داخلي، كما ان حكومة نتانياهو وغيرها من الحكومات الاسرائيلية السابقة طيلة العشرين عاما من المفاوضات لم تقدم شيئا سوى المزيد من الاستيطان ومصادرة الارض وتهويد القدس وغيرها وتهجير المواطنين، حتى وصلت المفاوضات الى مأزقها الحالي حتى قبل اتفاق المصالحة... وتبقى الكلمة المهمة في هذا السياق للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بصورة خاصة، كما ان الرعاية العربية ولا سيما المصرية سيكون لها دورها الهام.
ان شعبنا الفلسطيني السعيد اليوم بهذا الاتفاق يأمل ويدعو وبقوة الى التنفيذ المستمر والتزام جميع الاطراف بالمصلحة الوطنية في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ قضيتنا... حتى تكتمل الفرحة ونستعيد قدراتنا على مواجهة التحديات.
هل سيرسم المجلس المركزي معالم استراتيجية وطنية جديدة؟!
راسم عبيدات/صحيفة القدس
يتوقع الشعب الفلسطيني ان تكون الدورة القادمة والقريبة للمجلس المركزي الفلسطيني،دورة هامة،تاريخية ونوعية تحدث تغييراً جوهرياً في مسارات العمل الوطني الفلسطيني، تغييراً يرتقي الى مستوى تحديات المرحلة وانعطافاتها التاريخية، فالخطر داهم وجدي على قضية الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، ولسنا بحاجة الى بيان ختامي يصدر عن المجلس كبيانات القمم العربية يعيد التأكيد على المبادرة العربية للسلام، التي لفظتها اسرائيل مرة ومرات وركلتها شمالا ويميناً والعرب ما زالوا متمسكين بها ويهبطون في سقفها في كل قمة يعقدونها ويستجدون اسرائيل لقبولها، ولسنا بحاجة الى الإنشاء في الإشادة والمدح والتبجيل لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو على دعمهم ومساندتهم للقضية الفلسطينية، تلك القضية لو سلمت من مؤامرة بعضهم،لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الان، وكذلك لا نريد اللازمة الممجوجة من عبارات الادانة والاستنكار للممارسات الاسرائيلية ودعوتها للقبول مبادرة السلام العربية.
نحن لا نريد من هذا المجلس أن يؤكد على دعم ثبات وصمود الرئيس ورفضه للضغوط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية....ودعم خيار السلطة ونهجها و"صحة" و"صوابية" موقفها وخيارها،ولسنا بحاجة لبيانات وخطابات الدعوة والتاكيد على السير بخطى ثابته، وهي ليست بثابتة او جادة نحو إنهاء الإنقسام،وما له من مفاعيل وتداعيات ضارة على الشعب والأرض والقضية فهذه الديباجات والخطابات والإسطوانات المشروخة،مل شعبنا منها وأصبح يحفظها عن ظهر قلب،وهو يعرف بان ذلك مجرد أقوال وبيانات وشعارات وتصريحات للإستهلاك والإعلام،ليس اكثر ولا أقل.
عندما نتطلع الى ان تكون دورة المجلس المركزي هذه دورة نوعية بكل المعايير والمقاييس،فهذا يعني اولاً أنه يجب ان يعاد الإعتبار لهذا المجلس، وان يجري إحترام ما يصدر عنه من قرارات،حتي يكون له هيبة وثقة وقيمة،وليس الضرب بعرض الحائط بتلك القرارات وتجاوزها والإلتفاف عليها، وكذلك الإستراتيجية الجديدة التي يجب رسمها،يجب ان تستند الى قراءة دقيقة ومعمقة لمجمل التطورات والتغيرات دولياً وإقليمياً وعربياً، وكيفية الإستفادة من تلك التطورات والمتغيرات في معاركنا وكفاحنا ونضالانا ضد الاحتلال الاسرائيلي، وكذلك في ضوء ما وصلت إليه المفاوضات من انسداد أفق، وحتى لو اعطيت جرعات تنفس اصطناعي، فهي لم تعد مجدية،بل عبثية وضارة، ويستفيد منه الإحتلال في فرض وإستكمال مشاريعه ووقائعه على الأرض، فبالتالي، يجب ان لا يكون خيارنا بالتوجه للإنضمام الى المنظمات والهيئات والإتفاقيات الدولية، شكل من أشكال التكتيك الضار والبائس،من اجل ان نحسن شروط العودة للمفاوضات، بل يجب ان نعمل على تغيير قواعد الإشتباك في كل الساحات والميادين وبكافة أشكال النضال.
المجلس المركزي يجب ان يتوقف بشكل جدي،من اجل ترجمة ما اتخذ من قرارات سابقة حول تفعيل وإعادة الإعتبار الى منظمة التحرير بشكل جدي وحقيقي، وكذلك وقف تغول السلطة وسيطرتها على قرارات المنظمة،وتجويفها خدمة لمشروع سياسي معين، وأيضاً يجب ان تجري الإنتخابات لهيئات المنظمة،وبالتحديد للمجلس الوطني،والذي لا يعرف من هم اعضاؤه فمنهم من غادر الدنيا ومنهم من أصابه الخرف،والذين بقوا منهم اغلبهم مجرد ديكور، يدعون من اجل التصويت والمصادقة على قرارات تكون جاهزة، وكذلك اعلى هيئة في المنظمة (اللجنة التنفيذية) نتحدث عن الديمقراطية الفلسطينية الخادعة والكاذبة، والتي لا تختلف كثيراً عن ديمقراطية الأنظمة العربية، فهناك من هو موجود في عضويتها منذ اربعين عاماً، وحتى اللحظة الراهنة لا يجيد التعاطي او التعامل مع الوسائل التكنولوجية، ومنهم من يصرح في الغرب والقضية في الشرق وكان الله في عون شعبنا الفلسطيني.
ويجب ان يتاح المجال بشكل جدي وحقيقي من اجل أن تتمثل حماس والجهاد في المنظمة وهيئاتها وفق حضورهما وحجميها في المجتمع الفلسطيني، فمن غير المعقول بأن يكون هناك من هو مقرر في الشان الفلسطيني، وممثلا في لجنتها التنفيذية، وحضوره وتاثيره ووزنه الشخصي والحزبي والجماهيري، وعطاؤه وإنتاجه،لا يتعدى شيخا من فخد حمولة او عائلة، وكذلك ما الفائدة والحكمة من وجود من هو في اللجنة التنفيذية للمنظمة ولا يتحكم في اطرافه، لكي يتحكم برقاب شعبنا ومصيره، كما حال المرشح للرئاسة الجزائرية بوتفليقه؟؟.
المجلس المركزي يجب ان يتوقف أمام عناوين مركزية، عناوين بحاجة الى اجوبة نوعية،وليس مجرد أحاديث وإنشاء عابر،ما هو وضع السلطة في المرحلة القادمة؟ من حيث الدور والوظيفة والمهام والمسؤوليات،العلاقة بين السلطة والمنظمة،العلاقة ما بين المنظمة والسلطة والوضع الناشيء عن حصول فلسطين على دولة مراقب في هيئة الأمم المتحده،وما استتبعه من التقدم بطلبات عضوية في العديد من منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة؟؟وهل سنمضي في عضويتنا في باقي المنظمات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟؟ وتحديداً محكمة الجنايات الدولية واتفاق روما.
هل سنتخلى عن نهج وخيار المفاوضات..؟ هل سنتجه نحو خيار آخر، خيار الصمود والمقاومة؟؟ وما هو نوع المقاومة الذي سنعمل على تطويره وممارسته في المرحلة القادمة؟؟ وما ردود الفعل المتوقع حصولها حال وقف المفاوضات، وكيف سنواجه التبعات المترتبة على مثل هذا القرار؟؟ وهل سيكون سيناريو حل السلطة مطروحاً؟؟ وماذا بجيش العاملين والموظفين المرتبطين بالسلطة، والذين جزء كبير منهم جرى رهن حياته بتفاصيلها المختلفة لمؤسسات النهب الدولي"بنك وصندوق نقد دوليين"، وهل الذين نمت مصالحهم وإمتيازاتهم من وجود السلطة كمشروع استثماري، سيتخلون عن هذه الإمتيازات؟؟ هل سيعاد الإعتبار للحركة الوطنية بمختلف ألوان طيفها السياسي، والتي جرى تجويف وتحييد الكثير من كادراتها وقادتها بالوظائف والإمتيازات والرتب والرواتب..؟
المجلس المركزي أمام مهام جسام وقرارات يجب ان تكون على درجة عالية من الأهمية، ترتقي الى حجم المهام والتحديات المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني، فالهجمة الان تستهدف تصفية المشروع الوطني ووأد قضيتنا للأبد،ولذلك بات ملحاً ومطلوباً من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته القادمة رسم معالم استراتيجية وطنية جديدة.
هل نحن امام تحوّل جديد في الموقف الفلسطيني؟!
عطالله منصور/صحيفة القدس
آخر ما سمعت من الصحافة المصرية كان خبرا مفاده بان المخابرات المصرية حصلت على معلومات تؤكد بان " الجيش المصري الحر" ينوي انشاء معسكرات جديدة لتدريب عناصره على ارض غزة - بعد اكتشاف امر معسكراتهم في ليبيا. ومن مصر ايضا سمعت حكام مصر يؤكدون للرئيس محمود عباس انهم يؤيدون ويدعمون مواقفه وعلى اتم الاستعداد لتقديم كل عون لحكومة فلسطين. وعلى طريق غزة رأيت وفدا فلسطينيا في طريقه الى غزة لاجراء جولة جديدة من المفاوضات لتحقيق الوحدة الوطنية وعلى التلفزيون رأيت سادة غزة -الذين يحرصون على التأكيد عن كونهم حكومة فلسطين- يرحبون بوفد حركة فتح, ويعلنون العفو الذي اصدروه عن عشرة من رجالات فتح في سجون قطاع غزة.
هذه الصور تتلاطم امام عيون ابناء شعبنا الذين-كما اعتقد - يعتبرون وقوفنا الى جانب مصر يشكل ضرورة استراتيجية ويرحبون بموقف مصري مساند وداعم ويتمنون ان تكون كافة الاخبار حول عداء حماس ( وحلفاء حماس) هي مجرد اكاذيب اختلقتها عناصر معادية وكاذبة .
ولكن التلفزيون المصري يبث ويكرر بث صور ابناء مصر من المجندين مما لا يترك مجالا للشك حول طريق العودة لزيارة عائلاتهم ولا يترك امام مصر الا طريق واحد يضمن للدولة سيطرتها على اراضي سيناء
وهذه الظروف في الاجواء السائدة في شمال سيناء لا يترك مجالا للشك في انهم يحصلون على دعم او تشجيع وتدريب توفرها سهولة الحركة من والى قطاع غزة- من الانفاق التي تحكمها السلطات الفلسطينية في غزة هاشم. ومن هنا يتضح بان على سلطتنا الوطنية ان تواجه معضلة جديدة لتتمكن من تحقيق امنية الوحدة الوطنية تضاف الى المعضلة "الطبيعية" التي تتكون من انقسام التمثيل الفلسطيني بين فريق يفاوض على امل اختراق الغيتو الفكري الذي يتحصن فيه بيبي نتنياهو ليضمن له بعض الهدوء في صفوف اليمين الاسرائيلي.
ولكن المفاوض الفلسطيني حين يكتشف الابواب المغلقة وضعف موقفه لتحيز" الوسيط" الامريكي مع اسرائيل, كما يجد المفاوض الفلسطيني عقبة اخرى تتكون من موقف "حماس "العلني والرسمي والحاسم بانهم يرفضون الاعتراف باسرائيل والتفاوض معها. وحين يكتشف المفاوض الفلسطيني انه يعجز عن فرض مواقفه الحقة والمحقة على امريكا واسرائيل يقوم باضافة المزيد من الاحمال وتبني حماس ومواقفه المعارضة للمفاوضات ؟
الرد الاولى على هذا السؤال واضح ولا لبس فيه. لقد اصاب اليأس رجالات السلطة الوطنية ومن هنا فهم يسعون لجمع كافة القوى الفلسطينية ومواجهة اسرائيل ومن يقف خلف اسرائيل في معركة حاسمة. واغلب الظن ان هذا الفهم خاطيء لان المفاوض الفلسطيني يواجه ازمة حقيقية ولكنها ليست حالة يأس اطلاقا . مصر والاردن وبعض الفئات العربية التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع اسرائيل وتقيم علاقات تحالف مع السلطة الوطنية الفلسطينية تشكل رافعة هامة وواعدة لدفع اسرائيل نحو تفهم حقوق الشعب الفلسطيني التي لا تستطيع اسرائيل ان تتهرب من ايجاد الحلول لها: كما يجدر بنا ان نتذكر بان هناك حركة دولية شعبية نجحت في انشاء قطاع يتسع من المؤسسات التي تتبنى سياسة المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل ولحركة الاستيطان بصورة خاصة, ويضاف الى كل هذا :السلاح الديموغرافي (اي النمو السكاني العربي المتزايد) الذي يهدد اسرائيل بان تتحول الى دولة اقلية يهودية ضمن حدود فلسطين الانتدابية, او الى دولة ابارتهايد بصورة علنية ورسمية تسير على خطى جنوب افريقيا ونفس السيناريو والمصير.
اذن- لماذا جاءت هذه المفاوضات ؟ اغلب الظن انها جاءت لجس النبض. هل يشعر سادة غزة بان اغلاق الانفاق واحتمال التحول في سياسة قطر يفرض عليهم مزيدا من التعاون مع رام الله؟ هل حان الوقت لنرى مناورة وتحولا في الموقف الفلسطيني ؟ هذا الاحتمال وارد ومنطقي ولكن قد يكون الطبيخ بحاجة الى غلوة اضافية ( وهذا تعبير سمعته من الكاتب الفلسطيني المشهور جهاد الخازن)
ثلاثة أشهر حاسمة..!
عرفان نظام الدين/صحيفة القدس
تبدو الأجواء على امتداد العالم العربي، مكفهرة وتنذر بقدوم موجة جديدة من العواصف العاتية في ظل انعدام الرؤية وغياب البصيرة وتضخم حالات مشاعر اليأس والإحباط التي تعيشها الشعوب ويروج لها البعض بأنها وصلت إلى طريق مسدود لا أمل بعده ولا انفراج.
شذوذ وتهور، تعصب وتطرف، دماء ودمار، فشل في حسم الأمور عسكرياً وأمنياً وسياسياً من جانب الأنظمة والمعارضات، تشريد الملايين من ديارهم، قتل بالجملة ومذابح مشينة، اعتقالات وتعذيب وتغييب وخطف وإخفاء، هدر للثروات وتدمير كل ما بنته الأوطان والشعوب من عرق جبينها ودم أجيالها وجهود أبنائها.
هذا المشهد الدرامي المحزن والمبكي تبدو فيه الأحوال كأنها دخلت في عنق الزجاجة، ولا سبيل للخروج منها بعدما شهدنا خلال الأعوام الثلاثة الماضية وحشية ما بعدها وحشية، وإجراماً لا سابق له على مدى العصور، وممارسات شائنة ومعيبة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في أحلك الظروف، ومواقف متعنتة لا تقبل بأي تنازل أو بحل وسط، بل بإمعان في التصرف بمثل هذه العقلية السادية المريضة بلا وازع من ضمير، ولا رادع ديني أو أخلاقي أو إنساني.
وعلى رغم هذه النظرة البانورامية السوداوية، يمكن الحديث عن نور في نهاية النفق، في حال وصلنا إليه، ليبنى عليه الأمل في بدء تصحيح المسار والبحث عن حلول في رحلة الألف ميل الصعبة، وإلا فإن الآتي أعظم ولا يبقى في اليد حيلة إلا الاستسلام لليأس وانتظار معجزةٍ لا يغيّر الله فيها ما بقوم إلا إذا غيّروا ما بأنفسهم.
هذا النور يستند في شعاعه إلى سلسلة أحداث مرتقبة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة في معظم الدول العربية التي أطلق على أحداثها وثوراتها اسم «الربيع العربي»، على رغم أن هذا الربيع تحول بسحر ساحر من الزهور والرياحين والأريج وبشائر الخير وجنى المحاصيل والأمل والفرح... إلى روائح البارود القاتل والدم المهدور والدموع واليأس والأحزان وضياع جنى العمر وتشريد الملايين ونحر فلذات الأكباد.
البداية من مصر حيث وصلت معارك الشد والجذب إلى ذروتها بين النظام الانتقالي و «الإخوان المسلمين» عبر التظاهرات والتفجيرات والتشنجات وتبادل الاتهامات والمحاكمات والتدهور الاقتصادي. لكن نسمة الأمل ما زالت قائمة بحدوث انفراج قريب يمهد لاستعادة الاستقرار إلى الكنانة، وبدء مرحلة إعادة البناء وتعزيز الأمن وإدارة حوارات بناءة للخروج من هذه الأزمة الدموية وإعادة تظهير الصورة الحقيقية الجميلة للشعب المصري التي تقوم على الصبر والتسامح والتعايش في ظل الوحدة الوطنية.
هذه النسمة تنتظر حسم معركة انتخابات الرئاسة ووصول المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق، إلى سدة الحكم، مدعوماً من الجيش الوطني وغالبية الشعب المصري التي وضعت ثقتها به ووجدت فيه المنقذ ورأت أن الجيش هو صمام الأمان والمرجع الوحيد القادر على إنقاذ مصر من المجهول وإفشال المؤامرة الكبرى التي استهدفتها وحاولت مراراً تركيعها لضرب القوة العربية الكبرى وبيضة القبان في ميزان المنطقة. وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، باستثناء قطر، إلى دعم مصر بكل الوسائل بعد ثورة 30 حزيران والوقوف إلى جانب الشعب المصري في محنته انطلاقاً من مبدأ «قوة العرب من قوة مصر».
أما في سورية، ففسحة الأمل أضيق وأكثر تعقيداً وأبعد في نورها وأملها نظراً إلى فداحة الخسائر وحجم الدم المسفوك، لكنها تتمثل في حسابات دقيقة تتعلق بالتوازنات في ساحات القتال واحتمالات التحرك الجدي من أجل بدء حوار شامل بإشراف دولي يتوج بعقد مؤتمر «جنيف - 3» على أسس واضحة ووفق أجندة وجدول زمني محددين يتم الاتفاق عليهما مسبقاً.
والأمل يبنى على 3 أحداث متوقعة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهي:
- حلول موعد انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في تموز المقبل، وحسم الأمور بالنسبة إلى إجراء انتخابات رئاسية بغض النظر عن اعتراض المعارضة والمواقف الدولية المنددة، أو في حال بدء الحوار للاتفاق على مرحلة انتقالية يتم بعدها تقرير موضوع الرئاسة وشكل الحكم، إلا إذا تم إيجاد مخرج دستوري لتجديد الولاية الرئاسية بذريعة الظروف القاهرة التي تمر بها سورية منذ ثلاثة أعوام ونيف.
- توقع الكثير من المراقبين والمحللين أن تسفر أزمة أوكرانيا عن حوار أميركي - غربي مع روسيا يجرى فيه عقد صفقة تتناول معظم القضايا الدولية، وفي مقدمها الوضع في سورية، ويتوصّل فيها «الكبار» إلى حلول قد تكون على حساب الأنظمة والشعوب والدول كعادتهم على مدى العقود في مجال تقاسم مناطق النفوذ وتأمين مصالحهم ومطامعهم.
- احتمال كبير بأن يتم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة التوصل إلى اتفاق نهائي بين الغرب، وأميركا بالذات، مع إيران على مسألة ملفها النووي وإقفال باب العمل العسكري، إلا إذا نفذت إسرائيل تهديداتها وقلبت الطاولة على الأطراف المتحاورة.
هذا الاتفاق قد يتمدد ليشمل مجمل القضايا العربية والإقليمية وعلى رأسها الحرب السورية وأوضاع العراق ولبنان وأمن الخليج وسط أنباء عن قرب عقد قمة سعودية - إيرانية تسعى إلى حل الإشكالات القائمة واستعادة الثقة المفقودة، والتفاهم على القضايا المعلقة.
ومن مصر وسورية وإيران، إلى لبنان المربوط بقضاياها، حيث تتركز الجهود على تمرير «قطوع» انتخابات الرئاسة بسلام ويسر وسهولة وتوافق. فبدءاً من اليوم ينطلق العد العكسي للانتخابات بكل تعقيداتها وسط تباين في التوقعات بين واثقة بأنها ستتم حتماً في مواعيدها الدستورية وأخرى ترجح التوصل إلى تفاهم محلي - عربي - إقليمي - دولي على التمديد للرئيس ميشال سليمان لفترة قصيرة حتى تنجلي الأمور وتهدأ النفوس، وهو ما يستبعده البعض بسبب معارضة «حزب الله» للتمديد ومساجلاته مع الرئيس.
وأخيراً، هناك توقعات متشائمة تروج لصعوبة إتمام الاستحقاق الرئاسي ودخول البلاد في حال فراغ تترتب عليه نتائج سلبية وخيمة على الوضع السياسي والأمني والاقتصادي، على رغم التمهيد لسد الفراغ بمنح حكومة الرئيس تمام سلام الثقة لتتولى إدارة البلاد خلال فترة الفراغ، بانتظار كلمة السر من الخارج المتعدد الطرف والاتجاه والمصلحة.
وما ينطبق على لبنان يمكن تعميمه على الدول الأخرى، مثل اليمن الذي ينتظر حسم أموره العسكرية وحالات الانفلات الأمني وحروب «القاعدة» و «الحوثيين» ضد القبائل والجيش مع إمداداتهم الإيرانية وتصاعد الدعوات في الجنوب إلى الانفصال. وإذا نجح الحوار الجاري حالياً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة في تهدئة النفوس، وإحلال الأمن نسبياً يمكن المضي في جهود المصالحة الشاملة وصولاً إلى تنفيذ مشروع الفيديرالية تلبية للمطالب المتزايدة للمناطق.
والعراق أيضاً ينتظر حسم أموره خلال هذه الفترة الزمنية الخطرة من وضع حد للمعارك المشتعلة بين النظام و «داعش» - «القاعدة» من جهة، وبين حكومة نوري المالكي والعشائر العراقية من جهة ثانية، أو في تعبير أدق ما يروج له بأنه صراع بين المكون الشيعي والمكون السنّي الذي ينذر تصاعده بتحوله إلى فتنة مذهبية بغيضة.
تبقى ليبيا وتعقيداتها، فهي أيضاً تنتظر الحسم بين السلطة الانتقالية الهشة والميليشيات التي تمسك بخناق البلاد، أو بين دولة الوحدة، أو ما تبقى منها، وبين القوى الانفصالية في برقة وغيرها التي تطالب بالتقسيم والسيطرة على حقول النفط وسط دعوات لإعادة النظام الملكي الضامن وحدة البلاد والعباد في ظل حكم ديموقراطي عادل في انتظار إجراء انتخابات عامة تنهي إشكالية شرعية المجلس الوطني ومعها صراعات الاتجاهات ودور الإسلاميين وعلى رأسهم «الإخوان المسلمون».
هكذا، يبدو واضحاً من خلال هذا الاستعراض للأوضاع الراهنة والتوقعات، أن الأمل منصب على ما سيجري وما سيحسم خلال الأشهر الثمينة المقبلة وما بعدها. فإما أن يستمر التوتر ويتواصل الانحدار والبدء في جولات جديدة من العنف والاقتتال، أو أن تبدأ مرحلة جديدة، مرحلة الحلول الناجعة ورحلة البحث عن المخارج.
الكل ينتظر والشعوب تقف على مفترق طرق للخيار بين الحل الكامل والدمار الشامل!
عنوان المرحلة القادمة: «وحدة - غزة - دولة»
صالح عوض/صحيفة القدس
لم يكن المشهد الفلسطيني الخاص الذي شاهده الملايين عبر وسائل الإعلام عن مظاهر العناق الحار بين قيادات «فتح» و«حماس» بغزة إلا بداية الرحلة الطويلة التي تتطلب مزيدا من اللياقة والوعي والعمل والانتباه لتجاوز الاختلافات الجوهرية والثانوية وصولا إلى برنامج وطني يحشد القوى السياسية على طريقه ويبعث في الشعب التفاؤل اللازم لمواجهة التحديات العديدة لا سيما على مستوى المعيشة والاستقرار والأمن.. وإلا فإن هذا العناق لن يكون له قيمة كما حصل في مرات عديدة سابقة.
يأتي هذا اللقاء في ظل تصعيد سياسي ناتج عن توجه الفلسطينيين الى المنظمات الدولية بعد ان تحصلوا على عضو مراقب في الامم المتحدة الامر الذي استقبله القادة الاسرائيليون بحالة من الهيجان وكأن على الفلسطينيين ان يظلوا في بيت الطاعة الاسرائيلي الامريكي الى آخر العمر..لقد جاءت هذه الخطوة الفلسطينية ردا على التلاعب الاسرائيلي بالمواقيت وجعل المفاوضات غطاء لتنفيذ مشاريعها الاستيطانية والإمعان في إضعاف السلطة الفلسطينية.
امام الفلسطينيين ثلاث اوراق قوة يضعونها في بداية المرحلة المقبلة وهي تتناسب في علاقة طردية فيما بينها ويؤثر كل منها على الآخر..انها الوحدة وغزة و الدولة.. فعلى صعيد غزة لم يعد هناك اي مبرر لاستمرار الوضع الحالي بعد ان تحولت غزة الى سجن ومفجر للمعاناة بشكل غير مسبوق لا سيما وقد اغلقت عليها المنافذ جميعا.. ولم تتمكن حماس ان تتمدد فلسطينيا من غزة ولم تستطع توفير الحد الادنى من حاجات الناس الذين القى بهم الحصار على هامش الحياة.
ومن هنا اصبح من الضرورة الاخلاقية والسياسية ان يتقدم الكل الفلسطيني لإنقاذ غزة من الحصار وهذا لا يمكن ان يتم بلا انهاء للانقسام..فأصبح انهاء الانقسام على مستوى العلاقة بين فتح وحماس وتشكيل حكومة وحدة وطنية او حكومة ثكنوقراط تجمع بين الاخوة الذين سبقت لهم كلمة النزاع.. فعلاقة رفع الحصار عن غزة مرتبطة بإنهاء مرحلة الانقسام ولعل هذا الامر اصبح ملحا الى اقصى درجة..
اما الدولة والاعلان عن حل السلطة الفلسطينية فمناقشة الموضوع تحتاج الى تقديرات سياسية وتشاور واسع وحسابات على اكثر من صعيد..اعلان الدولة بعد افتكاك الاعتراف بها ومشاركتها في المؤسسات الدولية قد يحتاج الى تأخير او تريث او مناورة وقد لا يحتاج ويستطيع المنشغلون بالشأن السياسي الاجابة عليه وتحديد التوقيت وإن كان هو صحيح من حيث المبدأ الا ان تقدير الموقف ضروري..
يلوح الفلسطينيون بأنهم سائرون لحل السلطة وإعلان الدولة وهذا يعني معركة سياسية كبيرة بينهم والحكومة الاسرائيلية ..
وبالفعل فإن اسرائيل لم تتوان عن توجيه الاتهامات للفلسطينيين والقيادة الفلسطينية وأنها سائرة في الاستيطان و فرض الامر الواقع في القدس.
لكنها لم تكتف بذلك بل توجهت الى رسم معالم لمستقبل آخر. هنا تظهر محاولات اسرائيل للكشف عن ان هناك امكانية لتحويل الانظار عن المسعى الفلسطيني بتخيل واقع قد يغري الفلسطينيين بإشعارهم انهم يحققون انتصارا لا سيما عندما يقدمون افكارا عن خسارة اسرائيل بعشرات مليارات الدولارات في حال حل السلطة الفلسطينية وعودة الاحتلال للضفة كما جاء في تقرير اسرائيلي يوم 22 نيسان الحالي..
هنا تتجلى قدرة الاحتلال على صناعة الافكار في البلاد المحتلة .. يدرك القادة الاسرائيليون ان الفلسطينيين لن يحلوا السلطة بل انهم سيحلونها لإعلان الدولة فستظل كل المؤسسات الفلسطينية الامنية والخدماتية ويعلن عن رئيس لدولة فلسطين و عن جوانب خاصة تؤكد هوية الدولة الفلسطينية .. وسيتوجه الفلسطينيون الى المنظمات الدولية لمقاضاة اسرائيل على تجاوزاتها وعدوانها المتواصل على الارض والمقدسات والناس وسيناضل الفلسطينيون لهدف محدد معلوم انه جلاء الاحتلال من حدود دولتهم التي اعترف بها المجتمع الدولي.
هنا يبدو ان الفلسطينيين يدخلون مرحلة جديدة تماما تختلف عما سبق فهم مدعوون الى اعادة الاعتبار لوحدتهم ورفع الحصار عن غزة وتثبيت اركان دولتهم بمعنى انه ليس لديهم وقت ينفقونه في المماحكات الداخلية والخارجية ولا وقت لديهم يتركونه بيد القادة الاسرائيليين يبددونه كيفما شاءوا.
سيستطيع الفلسطينيون بفتحهم ابواب المرحلة القادمة حشد طاقاتهم حول برنامج واضح واحد مفيد بهدف محدد تماما كما سيحشدون طاقات مهمة حولهم أولها المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وستصبح اسرائيل دولة منبوذة وستضطر الى انفاق الوقت والمال من اجل تحسين صورتها ولن تستطيع..
كما ان الفلسطينيين سيقدمون للشعوب العربية وسواها من الشعوب المحبة لفلسطين بوصلة واضحة تلتف في اتجاهها جهودهم وإمكاناتهم وسيكون كل يوم جديد بمثابة نقطة انتصار للدولة الفلسطينية..
سيلجأ الفلسطينيون باعتبارهم دولة معترف بها الى المنظمات الدولية لمقاضاة اسرائيل عما ترتكبه معنويا وماديا و لن يجد الامريكيون حينها كما قال الرئيس اوباما قدرة على الدفاع عن الموقف الاسرائيلي..وسيصبح الفلسطينيون بذلك نقطة الهجوم العربي الوحيدة التي من شأنها دعم الموقف العربي وتمتينه ودفعه الى الامام .
ان واقعا جديدا بلغة جديدة وثقافة جديدة وأشخاص جدد سيكون لمرحلتنا المقبلة.. ولعل العناق الحار الذي ابداه الاخوة المتخاصمون يمتلك من القدرة ما يكفي لتوحيد الصف وتجاوز المحنة التي طال امدها.. تولانا الله برحمته.
إسرائيل تحتفي بالعودة إلى الوضع القائم
إريك ألترمان* — (ذا نيشن)/صحيفة القدس
لاحظت أن النقاشات المتعلقة بموضوع إسرائيل- فلسطين غالباً ما تثور متى ما اختار المرء أن يدير الساعة. وقد بدأ الهيجان الأحدث في هذا الصدد عند الساعة السابعة صباحاً من يوم الثلاثاء الأول من نيسان (ابريل)، عندما طرح وزير الإسكان يوري آرييل من حزب البيت اليهودي الذي ينتمي إلى أقصى اليمين عطاءات لبناء 708 منازل جديدة في المستوطنة غير القانونية "غيلو" الواقعة في القدس الشرقية. وقد أشعل بعمله هذا فتيل سلسلة من التطورات التي شهدت الفلسطينيين وهم يقررون التقدم بطلب العضوية لخمس عشرة منظمة دولية، وهو ما قاد إسرائيل بالتالي إلى رفض تنفيذ الصفقة التي تجشم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الصعاب وهو يحاول ترتيبها (والتي تقضي بأن تفرج إسرائيل عن أكثر من 1000 سجين فلسطيني، وبأن يتم تمديد مفاوضات السلام لأربعة أشهر، بينما تتلقى إسرائيل المكافأة في شكل تحرير الجاسوس الكبير - الخائن، جوناثان بولارد في المقابل). وقد اسدلت الستارة على ذلك اليوم بتهديد وجهته المفاوضة الإسرائيلية الرئيسية وزيرة العدل، تسيبي ليفني، إلى الفلسطينيين - ليس فقط بإلغاء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المتفق عليه سابقاً، وإنما أيضاً باحتمال فرض عقوبات اقتصادية كارثية عليهم. ومن ناحيته، تصدى كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، لذلك التهديد بالتهديد "بملاحقة الإسرائيليين كمجرمي حرب في كافة المنتديات والمحافل الدولية".
كان انهيار هذه المفاوضات شيئاً يمكن التنبؤ به سلفاً. فعندما يتفاوض جانبان وسط غياب الثقة بينهما، يكون من السهل على المستفزين مفاقمة أسوأ مخاوف الجانب الآخر. وكان آرييل، على سبيل المثال، يتطلع بوضوح إلى نسف المحادثات. وكما شرح لاحقاً، فإنه كان "قد تم إبلاغه شخصياً بأن بولارد يعارض الإفراج عنه في مثل هذه الصفقة المخجلة"، (مع أن زوجة بولارد، إستير، نفت هذا الزعم كما ذكرت الأنباء).
لقد ألغت إسرائيل فعلاً عملية الإفراج عن السجناء، وتبعاً لذلك، بدا أن الهيكل الكلي لمفاوضات السلام التي وضعها كيري قد انهار. ومثلما شرح مسؤول إسرائيلي لمراسل صحفي: "إن هدفنا الآن هو وقف كل شيء - إننا نقوم بتقوية مواقفنا ثم سنقوم عندئذ بالبدء من البداية".
هذا الوضع يناسب العديد من الإسرائيليين بشكل كامل. فالحياة في الأرض الموعودة تبدو سلمية ومزدهرة في هذه الأوقات، على الأقل بالنسبة للغالبية اليهودية. وفي نفس اليوم الذي ظهرت فيه الجدالات المذكورة، صادف أن كنت أدير ندوة في القدس عن مستقبل حل الدولتين - بإشراف ورعاية "مولاد" -مركز تجديد الديمقراطية الإسرائيلية ومركز التقدم الأميركي- والتي كانت مصممة في جزء منها لترسيخ علاقات أوثق بين المؤسسات التقدمية في البلدين. وكما لاحظ مدير "مولاد" إفنار إنبار: "مع أن نتنياهو يشعر بالقلق الحقيقي من العزلة ومن الديمغرافية، فإنه يعتقد بأن الوضع الحالي الراهن هو الخيار الأفضل".
قد تكون الجماهير الأميركية قد خدعت بكلام نتنياهو المعسول عن حل الدولتين، لكن الإسرائيليين لم ينخدعوا به. ووفق استطلاع نشر على الموقع الإلكتروني التابع للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، فإن 50 % من الذين استطلعت آراؤهم شككوا في تبني نتنياهو المزعوم لحل الدولتين، مقابل 23 % فقط ممن اعتقدوا أنه صادق ومخلص في هذا التوجه. وبعد أيام قلائل، وجد استطلاع أجري لصالح صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية هامشاً يتراوح بين 59 إلى 34 % حول نفس الأسئلة.
تتكشف أولويات نتنياهو الحقيقية في رغبته الإفراج عن الإرهابيين (حتى وقت قريب) من أجل حماية قدرته على بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، وبشكل أكثر دقة في مطلبه المثير للسخرية العميقة من الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كـ"دولة يهودية." ويقول الصحفي في صحيفة "هآرتس" رافيت هيخت: "إن نتنياهو يقوم بتعليق الصورة الكارثية التي تعرض اليهود بينما يتم إلقاؤهم في البحر - وكأن ذلك هو هدف الفلسطينيين إذا هم رفضوا الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية - وبفعله ذلك، فإنه يضرب على مركز النظام العصبي المركزي اليهودي، وهو بالطبع الخوف من الهولوكوست. "أما بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفق هيخت، فإن مطلب نتنياهو هو محو تاريخ شعبه وسحق الرواية الفلسطينية والاعتراف بأن العرب (الذين يشكلون 20 % من مواطني إسرائيل تقريباً، باستثناء الضفة الغربية) ليسوا بأكثر من ضيوف في دولة إسرائيل.. ويعرف نتنياهو أن عباس لا يستطيع الإدلاء بمثل هذا الإعلان"، لكنه يعرف أن أي إسرائيلي أو، إذا أردتم، أي سياسي أميركي سيقبض على الجحيم نفسها إذا عارضه.
في حديثه أمام ندوة مولاد/ كاب، أشار دانيال ليفي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن نتنياهو كان يتلاعب بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مثل البلهاء. ومن الواجب على الجانبين ممارسة الضغط على إسرائيل لحملها على وقف إنشاء المستوطنات والتفاوض بنية حسنة. ونعي بالقول إن أوروبا، شأنها شأن الولايات المتحدة "تعمل بثبات على تكثيف وتعميق علاقتها مع إسرائيل"، وأضاف "ولذلك، لا يشعر الإسرائيلون ولا نتنياهو نفسه بالتثبيط بقدر كاف" لدراسة أنواع التنازلات الضرورية ليعرضوا على الفلسطينيين أي شيء أكثر من حل على غرار البانتوستان.
إن نتنياهو وشركاه يقدرون بالفعل الجهود المضللة لحملة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات في الولايات المتحدة وأوروبا. وكما يشرح إنبار من مولاد، فإنه بينما "تدعي حركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات المدفوعة أيديولوجياً بالفضل في تحقيق أي بعد من الضغط الدولي على إسرائيل، فإنها تقوم في الواقع بإحباط هذا الضغط فيما يكون اللاعبون الكبار الذين تحسب أعمالهم في هذا المجال - حكومات ووكالات دولية وشركات تعارض الاحتلال - مترددين بشكل مبرر في الاقتران بالخطاب الكلي المعادي لإسرائيل والذي تتبناه حركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات." ولذلك نرى الإسرائيليين من الجناح اليميني قادرين على الاستفادة من النفور واسع النطاق من "أسلوب خطاب حركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات وتكتيكاتها، لأنهم يعرفون أنه كلما ازداد إيلاء الاهتمام لحركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات كلما أصبح من الصعب أكثر بناء ضغط دولي جاد على الاحتلال نفسه". (وهذا يفسر بلا شك السبب في معارضة محمود عباس لحركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات).
إذا لم يكن ثمة شيء، فإن أنماط المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات استطاعت إقناع القليل من المؤدين والفنانين، بمن فيهم روجر وولترز وإلفيس كوستيللو، برفض تقديم العروض في إسرائيل. وللأسف، كان على الإسرائيليين الاضطرار إلى الاكتفاء بأمثال ليونارد كوهين والرولينغ ستونز. في نهاية المطاف، يمكن منح العذر لأولئك في الجانبين ممن يرغبون في رؤية الفرص الحقيقية لإقامة دولة فلسطينية وقد دمرت للأبد وهم يرنمون: "هللويا". إنها في النهاية مجرد لبنة أخرى في جدارهم.
*أستاذ مميز في اللغة الإنجليزية في كلية بروكلين في جامعة مدينة نيويورك، وهو أيضاً أستاذ الصحافة في كلية "كوني" للدراسات العليا في الصحافة. وهو أيضاً كاتب عمود لصحيفة "ذا نيشن" وزميل معهد "ذا نيشن" وزميل رفيع في مركز التقدم الأميركي في واشنطن العاصمة.
أطراف النهار-"مش على خاطرنا" ؟
حسن البطل/الأيام
مفهوم ومعلّل تحذير أميركا للسلطة من مغبّة حلّ نفسها، لأسباب ترقى إلى زمن (م.ت.ف) وزمن السلطة.. والآن زمن الدولة!
في زمن المنظمة في بيروت، وجهت واشنطن شكراً أول لإشراف قوات المنظمة على إجلاء الرعايا الأميركيين من بيروت (الشرقية والغربية) عن طريق مرفأ بيروت (بل وحرس جيش التحرير الفلسطيني السفارة الأميركية).
يقودنا هذا المعروف، إلى جواب الوسيط الأميركي فيليب حبيب لترتيب خروج القوات الفلسطينية المحاصرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982. قال للوسطاء اللبنانيين: أخبروا عرفات أن الخروج الفلسطيني "قرار دولي".. ومن ثم؟ قاد الأسطول السادس أساطيل دولية لترحيل القوات الفلسطينية.
من دور أميركا في "الخروج المشرّف" والمحمي للقوات الفلسطينية، إلى دورها "الدولي" في رعاية توقيع إعلان مبادئ أوسلو، أي دورها في دخول "السلطة" إلى أرض فلسطين.
الخروج كان توافقاً دولياً (وعربياً وإسرائيلياً) والدخول كان اتفاقاً ثنائياً مفاجئاً، ثم دولياً احتفالياً. الخروج قاد لأوسلو، وهذه قادت إلى السلطة، والسلطة تقود إلى الدولة.. والولايات المتحدة، منذ ولاية بيل كلينتون إلى ولاية جورج بوش ـ الابن، إلى ولاية باراك أوباما، ضالعة في مشروع الدولة الفلسطينية.. ومن قيادة رباعية مدريد، إلى إعلان بوش ـ الابن "الحل بدولتين"، صارت الدولة الفلسطينية مشروعاً دولياً تقوده الولايات المتحدة.
أخذ العروبيون (والفلسطينيون بخاصة) على الرئيس أنور السادات قوله قبل معاهدة صلح كامب ديفيد أن 99% من أوراق الحل في يد الولايات المتحدة. من الواضح أن المشروع الدولي للدولة الفلسطينية تقوده الولايات المتحدة، ربما بنسبة 99% وربما بنسبة 90%.
صحيح أن عرفات ثم أبو مازن حاول ويحاول، سياسياً، أن يصل إلى المعادلة التي تعمل بها "المعدة".. أي "قلوي" المشروع الأميركي للدولة و"حمضي" هو دور الشرعية الدولية كما تجسدها الأمم المتحدة ومنظماتها. يعني؟ محاولة لتجنّب "وضع البيض كله في السلّة الأميركية" كما في قرار الجمعية العامة 2012 معاملة دولة فلسطين دولة غير عضو.
الواقع أن "بيض الدولة" يوجد ثلثه في مؤسسات الأمم المتحدة، وأما البقية ففي السلّة الأميركية، وبهذا نفسر دعم أطراف الرباعية، وبخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاحتكار أميركا لسلة بيض الدولة الفلسطينية!
لعلّ مستشار الأمن القومي للرئيس ريغان، السيد زبغنيو بريجنسكي يفسّر تطور الموقف الأميركي من زمن المنظمة إلى زمن الدولة. في زمن كانت فيه المنظمة هي "مظلة الحركات الإرهابية في العالم" وثاني أخطر عدو لأميركا بعد كوبا ـ فيدل كاسترو، قال بريجنسكي: ألقينا صنانير وشصوصا للمنظمة.. والآن "غود باي بي. إل. أو".
الآن، يدعو بريجنسكي وآخرون إلى "فرض" مشروع حل أميركي على الطرفين، وهو حل قريب من مشروع كلينتون وبوش وأوباما.. وحتى المشروع الفلسطيني للدولة وحدودها، والمبادلات الجغرافية، وحتى للقدس، أيضاً (حسب مبادئ كلينتون: ما هو يهودي لإسرائيل، وما هو عربي لفلسطين).
صحيح، أن انطلاق العمل الفدائي كان "قراراً مستقلاً" فلسطينياً، لكن تشكيل (م.ت.ف) قبله كان قراراً عربياً، وخروج قوات المنظمة من بيروت 1982 كان قراراً دولياً.. إلى أن نصل إلى يومنا هذا، حيث كان قرار دخول المنظمة لفلسطين قراراً ثنائياً ثم دولياً، وكذا صار مشروع السلطة، وكذا صار مشروع الدولة!
الفلسطينيون أعلنوا استقلال الدولة على الورق 1988، وكان هذا آخر قرار فلسطيني مستقل.. لكن صارت إقامة الدولة سياسياً مشروعا دوليا تقوده أميركا، وبخاصة منذ إعلان بوش ـ الابن مشروع "الحل بدولتين".
كم هذا بعيد عن زمن ما بعد حزيران 1967، حيث كان موضع الفلسطينيين من الحل الأميركي هو لا أكثر من "حلّ عادل لمشكلة اللاجئين".
إذا قررت أميركا أمراً سياسياً فهي مصمّمة عليه ومثابرة في تحقيقه، وطرف في بنائه وتمويله مباشرة أو غير مباشرة (أموال الدعم الأوروبي والأميركي).
لذلك، نفهم التحذير الأميركي الحاد للسلطة الفلسطينية من مغبّة حل نفسها، لأن واشنطن استثمرت جهوداً وأموالاً في بناء مؤسسات السلطة؛ ولأن أميركا لا تريد أن ترى جهودها بدداً.. وأولاً، لأن قرار حل السلطة ليس قراراً فلسطينياً منفرداً، بعدما صارت الدولة مشروعاً دولياً (أميركياً أولاً) ولا تريد أميركا أن يمرّ طريق الدولة عبر إشارة مرور خضراء من الأمم المتحدة، بل بإشارة مرور أميركية.
الفلسطينيون منقسمون حول حل الدولتين أو الدولة المشتركة، وحول "حلّ السلطة" وكذلك الإسرائيليون، لكن العالم متحد حول "حل الدولتين" وضد أي قرار فلسطيني بحل السلطة، لأنه "تفليسة" سياسية للنضال الفلسطيني، ولأنه "تفليسة" للجهود والأموال والمشاريع الدولية.. والأميركية بالذات.
هناك مثل أميركي يعود للاقتصادي ديل كارنيجي: "لا شيء ينجح كالنجاح!".
إعلان آخر ينتظر إرادة التنفيذ
طلال عوكل/الأيام
أقل من أربع وعشرين ساعة، كانت كافية للإعلان عن طي صفحة الانقسام الفلسطيني الذي وقع قبل سبع سنوات، تخللتها عشرات الجلسات، ومئات الساعات من الحوار الجماعي والثنائي، وتخللتها عمليات وإجراءات على الأرض، وفي المجتمع، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، تجعل من إنهاء الانقسام وآثاره، ومخاطره، أمراً شديد الصعوبة والتعقيد.
أقل من اربع وعشرين ساعة، لم تدم خلالها الحوارات سوى ساعات قليلة وبدون وساطة مصرية مباشرة، أو إشراف أو مساعدة من أي طرف عربي، ما يعني أن الفلسطينيين هم الذين يتحملون المسؤولية عما أصابهم ويصيبهم من مخاطر جراء وقوع الانقسام، واستمراره، وجراء تعطل المصالحة كل هذا الوقت. مصر كانت ولا تزال جاهزة للقيام بدورها وواجباتها تجاه رعاية ودعم ما يتفق عليه الفلسطينيون، وهي والعرب، جاهزون لتوفير شبكة أمان لحماية المصالحة واستعادة الوحدة، بالرغم من الخلاف العميق والأزمة بين حركة حماس كجزء من جماعة الإخوان المسلمين وبين مصر، ودول عربية أخرى تصنف الجماعة كجماعة إرهابية.
المظاهر الاحتفالية التي رافقت حضور وفد منظمة التحرير الفلسطينية، وحظيت بتغطيات إعلامية واسعة، لم تقنع الجمهور الفلسطيني بأن ما يجري من معسول الكلام، يشكل بداية النهاية لمرحلة الانقسام، فلقد سبق للجمهور أن تابع مثل هذه المشاهد الاحتفالية عالية الجودة، ولكنها انتهت إلى خيبة أمل كما حصل خلال مراحل الحوار الماراثوني الطويل. في الرابع من أيار 2011، جرى في القاهرة إعلان احتفالي، بالتوقيع على ما يعرف بالوثيقة المصرية، وكان بحضور الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، وحضور مصري رسمي، وقيادي فلسطيني واسع، ولكن ها هي ثلاث سنوات تمر على ذلك التوقيع، ومن بعده إعلان الدوحة دون أن تتحرك الأمور.
بالأمس وقع الكل على إعلان بداية تنفيذ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة وفق رزنامة زمنية محددة، ولكن يبدو أن علينا الانتظار خمسة وثلاثين يوماً، حتى نعرف ما إذا كان هذا التوقيع، سيتحول إلى ممارسة عملية مرئية ملموسة، وليس مسموعة فقط.
لا أريد بصراحة أن أغرق في الأحلام الوردية، ولكنني أيضاً أربأ بنفسي على أن أكون غراباً، ولذلك فإنني أتوخى الحذر الشديد، رغم أن الكثيرين لن يتوقفوا عند هذا الحذر، الذي ينطوي على حرص شديد على أن يتكلل هذا التوقيع والإعلان بالنجاح.
الحذر ناجم عن الفارق بين الكلمات الجميلة، الضافية، العميقة التي صدرت عن الأخ إسماعيل هنية، وكرر معظمها الأخ عزام الأحمد في اليوم الأول لزيارة الوفد إلى غزة، وبين محصلة الفعل الذي ننتظره حتى في حال صدقت النوايا.
كلمات الأخ إسماعيل هنية، تنطوي على قراءة، ومراجعة نقدية عميقة وشاملة للمسيرة الفلسطينية، لست أدري إن كانت تمت بالفعل أو أنها لم تتم، لكن الخلاصات التي قدمها بإيجاز ووضوح، تضع أمامنا اللوحة المطلوبة، التي ينبغي التوجه لرسمها، لأنها تعني إعادة بناء كل الحالة الفلسطينية استراتيجياً، ومؤسساتياً، ومعايير وآليات فعل، نحتاج إلى إعادة بناء الاستراتيجية والخيارات، ونحتاج إلى حكومة واحدة، وتمثيل فلسطيني يوحد عبر منظمة التحرير الفلسطينية، ونحتاج إلى تفعيل المنظمة بعد إعادة بنائها، ونحتاج إلى تداول سلمي للسلطة عبر الانتخابات، وإلى شراكة فلسطينية حقيقية، على مبدأ "شركاء في الدم شركاء في المصير والقرار".
السؤال هو متى وكيف يمكن الوصول إلى هذه الأهداف التي لخصها هنية وأثنى عليها الأحمد، وأظنها تستجيب لتطلعات كل الفلسطينيين. في الأوقات السابقة، ومن مواقع الاختلاف، كانت حماس وفصائل أخرى تصر على المقاومة باعتبارها الطريق الوحيد للتحرير الوطني، مقابل تمسك "فتح" والرئيس عباس، بالمفاوضات كخيار وحيد يحظى بالأولوية. في خطاب هنية ورد تعديل أو تصحيح وهو تصحيح مناسب للغة التوحيد، حيث أكد الحاجة لتحقيق اتفاق وطني بشأن خوض كل أشكال النضال التي تقربنا من هدف التحرير.
أتمنى من القيادات الفلسطينية التي ستجتمع في إطار المرجعية الوطنية المؤقتة لمنظمة التحرير أن تستعيد كل مفردات خطاب هنية، وأن تتفق على الآليات التي تمكن الفلسطينيين من إعادة صياغة مسيرتهم، وفق تلك الملاحظات بما تحتاجه من صدق الكلمة والفعل. ولكن أليس علينا أن نتساءل عن سبب آخر لمنح الرئيس خمسة أسابيع، حتى يتم تشكيل الحكومة، عدا عن السبب الذي يتذرع بالمدة القانونية؟ أقصد من ذلك أنه كلما طالت المدة لتحقيق الخطوة الأولى العملية توفرت الفرصة أكثر لعشرات الشياطين التي ستتدخل لمنع تطبيق إعلان المصالحة الجديد من غزة.
يعلم الجميع ويصرح بأن إسرائيل، صاحبة مصلحة حقيقية في إدامة الانقسام وانها ستتعمد تدفيع الفلسطينيين ثمن سعيهم لتحقيق إنجاز وحدتهم. لقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة بسبب الانقسام وتداعياته، وهو لم يكن في مصلحتهم، فكيف سيكون حالهم وأي ثمن سيدفعون مقابل تحقيق إنجاز الوحدة الوطنية.
لقد هدد نتنياهو الرئيس عباس حين خيّره بين "حماس" والسلام، وبعضهم قال عقب إعلان غزة، إن عباس ارتمى في أحضان "حماس". هذا لم يعد كلاماً فارغاً، فلقد ردّت إسرائيل مباشرة على إعلان غزة بقصف في منطقة بيت لاهيا أدى إلى وقوع سبع إصابات بين المدنيين. الرد الإسرائيلي من غير المتوقع أن يقف عند هذه الحدود، فما جرى في بيت لاهيا ليس سوى الرسالة الأولى، على الطريقة التي قد تعتمدها إسرائيل لتعطيل المصالحة الفلسطينية.
من المتوقع في هذا الإطار أن تشدد إسرائيل حصارها لقطاع غزة، بما يعيد سكان القطاع إلى الأشهر الأولى من الحصار، حيث خلت الأسواق من أبسط الضروريات للحياة، هذا فضلاً عن احتمال قيامها بعدوان واسع على قطاع غزة، وتصعيد إجراءاتها العدوانية والعقابية بمختلف أشكالها في الضفة.
التساؤل الأخير يتصل بمآل المفاوضات الجارية، المتوقع أن يتم الاتفاق على تمديدها لفترة أُخرى، والسؤال هو هل ستستمر عملية دفع المصالحة إلى الأمام، في حال جرى تمديد المفاوضات؟ هذا يحتاج إلى إرادة فلسطينية قوية جداً.
المجلس المركزي على عتبة القرار
حمادة فراعنة/الأيام
بعد تأجيل، وإطالة مدة الانتظار، منذ انعقاد دورته الأخيرة، الدورة الخامسة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، يومي 27 و28 تموز 2011، أي قبل ما يقارب الثلاث سنوات، وهي سمة سلبية غالبة على مؤسساتنا الوطنية، ما يضعف حالة التواصل والالتزام الدستوري، لصالح طغيان التفرد والأحادية بما يتعارض مع روح العمل الجماعي، وأهميته وضرورته، مع أن الشعب الفلسطيني في أمس الحاجة إلى الشراكة والعمل الجماعي، تحقيقاً للنظام الأساسي، ولمبدأ توسيع قاعدة المشاركة، وهي السمة البارزة النوعية التي طبعت منظمة التحرير، منذ تأسيسها، وخاصة بعد تولي حركة فتح والرئيس أبو عمار قيادتها وكانت أحد مصادر قوتها، باعتبارها جبهة وطنية جامعة ويجب أن تكون، في مواجهة تفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
منذ ذلك الوقت، يلتئم المجلس المركزي الفلسطيني يومي 26 و27 نيسان الجاري، في ذروة مواجهة الاستحقاقات التنظيمية والسياسية الوطنية، ومطالبها الملحة التي تتطلب الوضوح والشجاعة، بلا تردد، بعد سلسلة إنجازات فلسطينية مهمة تمثلت بما يلي:
أولاً: نجاح قبول عضوية فلسطين في منظمة "اليونسكو" يوم 31/10/2011، وهزيمة التحالف الأميركي الإسرائيلي المناهض.
ثانياً: نجاح قبول عضوية فلسطين، كدولة مراقب، لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، وهزيمة التحالف الأميركي الإسرائيلي أمام الدبلوماسية الفلسطينية الناشطة وحيويتها، ما يتطلب إلغاء السلطة الوطنية، وانتخاب رئيس للدولة، إضافة إلى المجلس التشريعي – البرلمان.
ثالثاً: تماسك الموقف الفلسطيني في اتفاقيتين هما 1- إطلاق سراح أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، 2 - استئناف المفاوضات بدون تقديم تنازلات جوهرية تمس حقوق الشعب العربي الفلسطيني خلال جولات التفاوض منذ تموز 2013.
رابعاً: تطور إيجابي في الموقف الأوروبي لمصلحة فلسطين بما فيها إعلان مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها.
خامساً: وقوع واشنطن في الحرج السياسي بسبب انحيازها لموقف حكومة المستوطنين الاستعمارية الاحتلالية، التي خرقت الاتفاقيتين التي توصل لهما جون كيري في تموز 2013، ما دفعه لتحميل حكومة نتنياهو أمام لجنة في الكونغرس الأميركي، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب عدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، وعدم الالتزام الإسرائيلي بالوقف غير المعلن للاستيطان من خلال طرح مشاريع استيطانية جديدة أخلت بشروط التفاوض.
هذه إنجازات حققتها القيادة الفلسطينية، والمفاوض الفلسطيني، والدبلوماسية الفلسطينية، في مواجهة العدو الإسرائيلي المتفوق، وأمام المجتمع الدولي وعبر مؤسساته ومن خلالها، ولكن القيادة الفلسطينية أخفقت، في جملة من العناوين، يمكن تلخيصها كما يلي:
أولاً: على المستوى الداخلي، فشلت في دفع حركة حماس للتراجع عن الانقلاب وإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، مثلما بقيت مؤسسات منظمة التحرير ضعيفة التأثير، وعدم قدرتها في امتلاك زمام المبادرة، ومعالجة انتهاء الولاية الدستورية، لكل من الرئيس والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، ورفد هذه المؤسسات بدماء جديدة أسوة بما يتم لدى مؤسسات العدو المتفوق، وبقي الانتظار وإطالة فترة بقاء المؤسسات في حالة القنوط بدون تجديد لشرعيتها، هو سيد الموقف وعنوانه، ما دفع حركة حماس للتهرب من مسؤولياتها، ويصف صلاح البردويل المجلس المركزي بأنه "منتهي الصلاحية وفاقد للشرعية منذ سنوات".
ثانياً: فقدان الدور القيادي الحيوي لمنظمة التحرير في تمثيلها لمكونات الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة، ضمن سياسة خلاقة، راعت الظروف الخاصة لكل طرف وهم:
1- أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة في مناطق 48.
2- أبناء الضفة والقدس والقطاع، أبناء مناطق الاحتلال العام 1967.
3- أبناء المخيمات وبلدان اللجوء والشتات، واتساع الحملة المعادية لمكانة ودور منظمة التحرير، خارج فلسطين، من قوى عديدة تقودها حركة الإخوان المسلمين، وبعض القوى القومية وبعض الأجنحة اليسارية، بدون أن تجد الصد الكافي لها من قبل الائتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير والمكون من 1- حركة فتح، 2- الفصائل اليسارية والقومية، 3- المستقلين.
ثالثاً: ضعف القدرة وغياب المبادرة الفصائلية لمواجهة الاحتلال والاستيطان والتصدي لها على الأرض، رغم بسالة المبادرات الشعبية في بعض المواقع الجماهيرية مثل نعلين وبلعين والمعصرة والأغوار ولكنها لم تصل إلى مستوى المواجهة الجماهيرية الكفاحية المؤهلة لوضع مداميك إزالة الاحتلال، عملياً وفعلياً على الأرض، فالاستيطان مستمر، ونهب الأرض متواصل، وانتهاك المحرمات وحقوق الإنسان فاقع بلا تردد، بلا أي إحساس إسرائيلي بالقلق، سواء من قبل الفعل الكفاحي الشعبي الفلسطيني، أو من قبل العقوبات الدولية، فالدعوات نحو النضال الشعبي المدني ذات الأدوات السلمية تبدو غير مؤثرة، ولا توجد استجابة جماهيرية كافية لها، والملاحقات الدولية لجرائم الاحتلال ما زالت شبه معدومة.
رابعاً: فشل المفاوضات، والتي شكلت غطاء لاستمرار الاستيطان وتوسعه وتهويد القدس وأسرلة الغور وتمزيق قلب الضفة، فالهدف الإسرائيلي من استمرار المفاوضات مكشوف، يتمثل بمواصلة الاستيطان وتضليل المجتمع الدولي لإظهار رغبة حكومة المستوطنين الاحتلالية الكاذبة بالعمل من أجل التوصل إلى تسوية وتحقيق السلام.
خامساً: فشل السياسة المالية، لتغطية احتياجات الصمود الوطني وزيادة المديونية التي جعلت القرار السياسي الفلسطيني أسيراً للوضع المالي المأزوم، وغدت المديونية ـ هي العامل الثالث بعد 1- الاحتلال، و 2- الانقسام، ـ عنواناً وأداة للضعف الفلسطيني.
سادساً: ما زال الضعف الفلسطيني بائناً في عملية اختراق المجتمع الإسرائيلي الحيوية والضرورية، وما زال هذا العامل انقسامياً، يفتقد للإجماع الوطني، وخاصة من قبل فصائل العمل اليساري والقومي، وينظر له على أنه تطبيع مع العدو الإسرائيلي، رغم أهميته البالغة في كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية مطالبها ونضالها سواء من أجل الدولة وفق القرار 181، وحق العودة للاجئين وفق القرار 194.
المجلس المركزي محطة مهمة يمكن أن يُبنى عليها للتقييم والمبادرة إذا توفرت الإرادة السياسية، فهل تملكها "فتح" والفصائل اليسارية والقومية والمستقلون؟؟، وهل هي قادرة على جلب "حماس" و"الجهاد" نحو مؤسسات منظمة التحرير، حتى تنتهي فترة الانقلاب الأسود، ويستعيد الشعب الفلسطيني وحدة 1- برنامجه، 2- مؤسساته، 3- اختيار أدواته الكفاحية المناسبة.
هل نحن أمام مصالحة ؟!
د. عبد المجيد سويلم/الأيام
يبدو أن الاتفاق على إنهاء الانقسام هذه المرّة من الزاوية الرسمية قد تمّ بالفعل، ويبدو أن ثمة تفاهما قد جرى التوافق عليه فيما يتعلق بتشكيل حكومة توافق وطني بل وحتى موعد الانتخابات.
إذا ما تمّ بالفعل التوافق على هاتين المسألتين نحن نكون للمرة الأولى أمام إنجاز سياسي كبير وعلى درجة عالية من الأهمية، وربما على درجة عالية، أيضاً، من التأثير والفعل في مسار التطور اللاحق لمجمل العملية الوطنية.
لكن علينا أن ندرك مع ذلك وبالرغم من ذلك أن الذي تمّ التوصل إليه هو مدخل ومدخل رئيسي وكبير لإنهاء الانقسام. وأن إنهاء الانقسام من الزاوية العملية المباشرة مسألة تختلف اختلافاً كبيراً، وربما جذرياً عن إنهاء الانقسام من الزاوية الرسمية.
تشكيل حكومة التوافق الوطني ـ إذا صمدت بعد تشكيلها ـ وجهّزت كل الأجواء السياسية واللوجستية لعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية فإنها في الواقع تكون بمثابة ضربة موجعة لإسرائيل وفي الصميم، أيضاً. إذ لن يعود بمقدور إسرائيل الحديث عن ازدواجية التمثيل في حين ان باستطاعتها "استخدام" مسألة ازدواجية السيطرة على الأرض المحتلة، وهو ما يؤكد على ضرورة إلحاق خطوة إنهاء ازدواجية التمثيل بخطوة إنهاء ازدواجية السيطرة، وإخضاع كامل منظومة السيطرة إلى سلطة تنفيذية مستقرة ونابعة من نظام سياسي شرعي ومنتخب وراسخ، وهو الأمر الذي توفّره وتؤدي إليه مسألة الانتخابات بالذات. أي أن إنهاء الانقسام هو بالأساس عملية مدروسة ومتدرّجة، تبدأ بتجديد شرعية النظام السياسي على أسس ديمقراطية راسخة ومتفق عليها دستورياً، وفي إطار ملزم من سيادة القانون، والاحتكام له والاهتداء به والمحافظة على الانضباط التام له، (في هيئة دستور أو قانون أساسي أو أية صيغة من صيغ العقد الاجتماعي). ولكنها لا تنتهي هنا، وإنما تتواصل في آليات لإعادة إدماج المؤسسات الوطنية في إطار واحد وتحت قوانين واحدة وآليات عمل واحدة وموحّدة.
إنهاء الانقسام من الناحية الرسمية يفتح الطريق واسعاً أمام إنهاء الانقسام من الناحية العملية، ولكنه لا يحل المشكلة إلاّ إذا توفرت آليات عمل وآليات قياس ومؤشرات وآليات مراجعة وتقييم وتعديل وتصويب وصولاً إلى إعادة بناء المؤسسات الموحّدة.
كما أن إنهاء الانقسام من الناحية الرسمية لا يعني الكثير إذا نُظر إليه كعملية فنية بآليات محدّدة.
إنهاء الانقسام هو عملية انتقال من ميدان إلى ميدان جديد، ومن ساحة خاصة إلى الساحة العامة.
إنهاء الانقسام هو مغادرة لمنطق الاستثناء والتحكّم إلى منطق الشراكة.
منطق الشراكة هو منطق دستوري ومؤسسي، وليس منطقاً اختيارياً أو اجتزائياً أو احتكارياً بأية صورة من الصور. منطق الشراكة الوطنية هو منطق فكري وثقافي قبل أن يكون منطقاً سياسياً بالمعنى المتداول للسياسة.
فإذا كان السبب في إنهاء الانقسام هو شعور أي طرف أو بعض الأطراف أو حتى كل الأطراف بأزمة معينة مما يستدعي اللجوء إلى إنهاء الانقسام في إطار البحث عن الوسائل التي من شأنها إنهاء هذه الأزمة فإن "إنهاء" الانقسام في هذه الحالة هو استخدامي وتكتيكي، وهو قابل للانكفاء بل وحتى الفشل عند انتهاء الأسباب التي أدت إليه ودفعت به.
بهذا المعنى فإن إنهاء الانقسام لا يمثل حالة انتقال من منطق الاستئثار والإقصاء والتفرّد إلى الشراكة الوطنية وإلى الاحتكام للمؤسسات والالتزام بدستورية الاختلاف والمنافسة المشروعة والشرعية.
وعلى الرغم من أهمية عامل الشعور بالأزمة الخاصة والعامة في الدفع نحو إنهاء الانقسام، إلاّ أن الأمر يتعلق هنا بالإنهاء الرسمي لهذا الانقسام وليس الفعلي على الإطلاق. أما عندما يكون المنطلق في إنهاء الانقسام إضافةً إلى الشعور بالأزمة هو المسؤولية الوطنية والانضباط لمعايير المصلحة الوطنية وتغليبها، وفي إطار الحفاظ على علاقات وطنية ديمقراطية وتنافسية شريفة ودستورية فإن إنهاء الانقسام بالفعل ينتقل من دائرة الطابع الرسمي إلى الواقع الفعلي.
هنا يتحول إنهاء الانقسام إلى رافعة وطنية كبرى ستؤدي حتماً وبالضرورة إلى تعزيز الصمود الوطني ومجابهة التحديات القادمة وما أكبرها وما أكثرها.
هذا كله طبعاً إذا استثنينا العقبات الإسرائيلية وهي عقبات فعلية وواقعية وليس مجرد افتراضات وتكهنات، وإذا استثنينا العقبات الداخلية وهي عقبات قائمة وماثلة للعيان خصوصاً المجموعات المتضررة من إنهاء الانقسام من الناحية الرسمية وهي متعددة وعلى درجة عالية من القدرة على التخريب والإعاقة في القطاع أساساً وخارجه أيضاً.
إن استسهال إنهاء الانقسام من الناحية الفعلية سيعود علينا بأفدح الخسائر ونحن في النهاية لا نستطيع أن نشتري سلعاً ثمينة بأسعار زهيدة، ونعرف باليقين أنه لا توجد حلول سهلة لمشاكل وأزمات معقّدة وهذا كلّه أيضاً جزء من مسؤولية التصدي لمهمة إنهاء هذا الانقسام البغيض.
اتفاق 23 إبريل
عمر حلمي الغول/الحياة الجديدة
توصل الوفدان الفلسطينيان، الأول وفد منظمة التحرير برئاسة عزام الاحمد، والثاني وفد حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية، إلى اتفاق على طي صفحة الانقلاب على الشرعية، وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية بعد جولتي حوار في محافظات الجنوب.
الاتفاق الموثق ببيان يوم الاربعاء الموافق 23 من إبريل/ نيسان الجاري، يعتبر التتويج الحقيقي لارادة الشعب الحقيقية. ولم يأت هذا الاتفاق الهام على إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة الرئيس محمود عباس، ووضع ملف الانتخابات في عهدة ابو مازن بعد ستة اشهر بالحد الادنى، وتفعيل منظمة التحرير، ولجنة المصالحة المجتمعية والملف الامني وكل الموضوعات ذات الصلة، لم يأت نتاج الرغبة فقط، بل أملته الظروف الموضوعية الضاغطة والتحديات، التي انتصبت في وجه القوى المختلفة وخاصة الازمات العاصفة بحركة حماس في اعقاب زوال نظام الرئيس مرسي في مصر.
بغض النظر عن العوامل والأسباب، التي ادت إلى الاتفاق التاريخي، فإن الحاجة تفرض على كل مواطن فلسطيني في الوطن والشتات الوقوف في وجه القوى المتربصة بالوحدة الوطنية، والتصدي لها، ولجم اية نزعات معادية له؛ وفي ذات الوقت، خلق المناخ الملائم لتنفيذه باسرع ما يمكن، والحؤول دون تعثر التطبيق في هذه النقطة او تلك المسألة.
بالتأكيد كما اشار عزام الاحمد اثناء المؤتمر الصحفي في معسكر الشاطئ، ان لوسائل الاعلام دورا هاما واساسيا في تهيئة المناخ الوطني، وترطيب الاجواء الايجابية في اوساط الشعب، وخلق روح التسامح، ونبذ لغة الفرقة بغض النظر عن خلفية كل إنسان تجاه هذا الفريق السياسي او ذاك. ولا يعني ذلك إلغاء العقل والتفكير المنطقي، ولا التحذير مما قد يبيته البعض من المتضررين او اصحاب الخلفيات العقائدية المعادية للمشروع الوطني. ولكن الحاجة الوطنية تتطلب دعم التوجهات الوطنية، وترك صناديق الانتخابات لتقرر هوية القوى التي ستقود المشروع الوطني في المرحلة القادمة، وهوية الرئيس القادم.
الضرورة تحتاج الى وضع رؤية وطنية واضحة سياسيا من خلال العمل على تنفيذ برنامج الوفاق الوطني، الذي تم الاتفاق عليه في مايو / ايار 2006 لحين عقد المجلس الوطني الجديد واقرار برنامج جديد وانتخاب هيئات قيادية جديدة. وبالتالي على الجميع ضبط إيقاع الشارع الوطني، وعدم السماح لاية قوة سياسية او جهادية بتجاوز سقف القرار السياسي الوطني لقطع الطريق على دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، التي تتربص بأبناء الشعب الفلسطيني، وتعمل على زرع الفتنة والانقسام بين ابنائه.
المرحلة المقبلة تشترط على القيادة وخاصة الرئيس عباس اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة ومدروسة في آن لوضع المصالحة على الارض، وفتح الابواب امامها، والتصدي القوي عثرة او توتر يمكن ان ينشأ هنا او هناك. وعليه ان يبادر مع تشكيل الحكومة للعودة الى مقر اقامته في غزة للقاء شعبه هناك، لان وجوده بينهم يعطي المزيد من المصداقية للمصالحة، ويطمئن ابناء الشعب على المآل الذي تتخذه الوحدة الوطنية.
وتدعو الضرورة لتقديم كل الشكر والتقدير لكل الاشقاء العرب على دورهم الايجابي تجاه المصالحة وخاصة الاخوة المصريين، ويتطلب الامر التنسيق عبر القيادة الشرعية لادارة المعابر وخاصة معبر رفح البري، وتسهيل حرية حركة المواطنين الفلسطينيين وبما لا يتعارض مع الامن القومي المصري.
مرحلة جديدة لا يملك المرء سوى التمني بان تكون المصالحة هذه المرة حقيقة واقعة لإخراج الشعب من حالة التمزق والانقسام والانقلاب البغيضة والسوداء.
المجلس المركزي سيد القرار
بهاء رحال/الحياة الجديدة
اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني خطوة مهمة وضرورة ملحة في الوقت الراهن نتيجة التطورات والتغيرات التي تعصف بالساحة السياسية خاصة بعد أن اقتربنا من نهاية نيسان ونحن على اعتاب ايام قليلة وقليلة جداً من الموعد النهائي للمفاوضات التي افشلها اليمين المتطرف في اسرائيل والمهيمن بافكار الاستيطان والتهويد على مصدر صنع القرار في حكومة الاحتلال, الأمر الذي جعل الكثير يحلل ويدقق ويفسر ويوضح الخطوة التالية لما بعد نهاية الموعد الأخير للمفاوضات وللخطوات الفلسطينية التي سوف تكون بعد ان اتخذت اولى هذه الخطوات بالتوقيع على الانضمام لعدد من المواثيق والمؤسسات الدولية, حيث راح البعض الى الرهان على فكرة تمديد هذه المفاوضات, واجتهد البعض في الحلول والمقترحات الضعيفة كما يروج في الآونة الأخيرة, وراح بعضٌ آخر الى أبعد من ذلك بينما الحقيقة هي أن المجلس المركزي هو سيد القرار حين يعقد وهو جهة الاختصاص التي وضع الرئيس ابو مازن هذا الملف وملفات أخرى امامه ليفصل فيها ويقرر باعتباره المرجعية صاحبة الاختصاص بعد أن يدرس الافكار التي قدمت سواء من اطراف عربية أو أوروبية أو تلك الأفكار التي قدمها الجانب الاميركي باعتباره الراعي لهذه المفاوضات كما وسيحدد المجلس المركزي الخطوات القادمة التي سوف تضع المعالم الاساسية للمرحلة الصعبة والدقيقة الحالية والمستقبلية وهنا فان المجلس المركزي امام دورة ليست عادية فهمي محملة بالأعباء ومثقلة بالملفات الكبيرة التي تنتظر منه القرار المناسب والذي بناء عليه ستحدد طبيعة وشكل المرحلة القادمة, وهذه الملفات لن تقتصر على ملف المفاوضات فحسب بل ان هناك ملفات اخرى عديدة نرجو ان يحسم فيها القرار وأن يتخذ دون تردد وعلى رأسها ملف المصالحة وانهاء حالة الانقسام وعودة الوحدة لجناحي الوطن بالاضافة الى القضية المهمة وهي قضية الانسان الفلسطيني في مخيم اليرموك وما تعرض له ولا يزال يتعرض من جوع كافر وقتل وتدمير وصل حد الخراب الكبير.
هناك الكثير الكثير من التأويلات وهناك ايضا الكثير من الاجتهادات التي تصيب احياناً وتخطيء في أحيان أخرى, لهذا لا أحد يستطيع أن يجزم طبيعة تلك القرارات التي سوف تصدر في ختام اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني ولهذا لن أخوض بها حتى لا أقع في الخطأ وسأنتظر مثلكم ونحن نترقب ما قد يتخذه المجلس المركزي من قرارات ستحدد سمة المرحلة القادمة وتضع معالمها وتفصل في كل التكهنات الحاضرة والتي تسبق انعقاده في دورته التي يجري الاستعداد لها والمنوي عقدها بعد ايام قليلة تسبق الموعد النهائي المحدد للمفاوضات.


رد مع اقتباس