تساؤلات ما بعد عملية الجولان
بقلم: عاموس هرئيل ،عن هآرتس
لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست كرست أمس أغلبية وقتها للتداول في قضية قرار الجيش الاسرائيلي التراجع عن وضع الجنود في مداخل المستوطنات على الحدود مع قطاع غزة، واذا لم يكن اعضاء لجنة الخارجية والأمن غارقين أكثر من اللازم في معركة الانتخابات، فربما من الأجدر بهم أن يتفرغوا للتداول في الازمة الأمنية القادمة – التهديدات العلنية لايران وحزب الله بالانتقام لضحايا العملية المنسوبة لاسرائيل التي راح ضحيتها قادة من حرس الثورة الايراني وعناصر من حزب الله في هضبة الجولان.
ما زالت اسرائيل ترفض بشكل رسمي الاتهامات الموجهة اليها فيما يتعلق بهذه العملية، ولكن الصحيفة المقربة من السلطة «اسرائيل اليوم»، أقرت في يوم الاثنين أن «قواتنا هاجمت خلية مخربين كبار في الجولان السوري». كما أن مراقبي الامم المتحدة في لبنان أبلغوا عن طائرات اسرائيلية بدون طيار تجاوزت الحدود ودخلت إلى المناطق السورية وقامت بفتح النار. يستطيع اعضاء الكنيست الاستناد إلى هذه المصادر والتوجه إلى رئيس الحكومة أو إلى وزير الدفاع بعدة اسئلة وهي:
هل مغنية كان الهدف لهذا الاغتيال أو أن منفذي العملية خططوا مسبقا للتعرض لحياة الجنرال الايراني الذي سافر معه في القافلة؟ هل الاستخبارات العسكرية عرفت أن الجنرال كان هناك (أمس صرح رئيس الاستخبارات السابق ومرشح «المعسكر الصهيوني» لمنصب وزير الدفاع، عاموس يادلين، لصوت اسرائيل إنه «السؤال هو ما اذا كانت هناك طريقة اخرى لمنع هذه العملية المتدحرجة عندما علمنا عن وجود الايراني في القافلة»).
هل الربح المتوقع من اغتيال مغنية الشاب، الذي بحكم وضعه العائلي مُعد ليكون شخصية قوية في حزب الله، يزيد على الضرر المحتمل في حالة تدهور الوضع؟ هذا السؤال يتكرر بعد كل عملية اغتيال. وفي حالة مغنية الأب الذي تمت تصفيته في 2008 كان الرد على هذا السؤال بالايجاب، بسبب الضرر الذي لحق بالقدرة التنفيذية لحزب الله. وهكذا ايضا عندما تم اغتيال فتحي الشقاقي، رئيس منظمة الجهاد الإسلامي الذي اغتيل في مالطة في 1995. والنموذج المعاكس الآخر عندما تم اغتيال سكرتير عام حزب الله السابق عباس موسوي في 1992، حيث رد حزب الله وايران بتفجير السفارة الاسرائيلية في الارجنتين بعد شهر، ودفعت هذه العملية إلى قمة القيادة زعيم أكثر تشددا وهو حسن نصر الله.
وحسب بعض التقارير في وسائل الإعلام الاجنبية، قُتل في الهجوم 12 شخصا، نصفهم من الايرانيين. فهل كانت النية المسبقة هي تصفية هذا العدد الكبير من الاشخاص؟.
من المعلوم أن مغنية فعّل في السنة الماضية خلية قامت ببضع عمليات ضد اسرائيل من الحدود السورية، فهل حدثت هذه العملية في الوقت الذي كان فيه القادة اللبنانيون والايرانيون منشغلون في استعدادات متقدمة لعملية اخرى التي (تم احباطها في هذا الهجوم)، أو أنه تم استغلال فرصة وجود دورية قادة بالقرب من الحدود؟.
حافظت اسرائيل حتى اليوم على تدخل بسيط جدا في الحرب الاهلية السورية، وقيدت نشاطاتها (حسب مصادر اجنبية) في الحالات التي تم فيها اجتياز الخطوط الحمراء، مثل احباط محاولة نقل منظومات سلاح متقدمة من سوريا إلى حزب الله. هل تم الاخذ في الحسبان امكانية أن هذه العملية الصعبة التي صُفي فيها رجال حزب الله (وشخصية ايرانية كبيرة) ستؤدي إلى التصعيد على الحدود؟ وفقط في يوم الخميس الماضي صرح نصر الله أن «المقاومة» ترى نفسها ملزمة بالرد على الهجمات الاسرائيلية ليس فقط في لبنان بل ايضا في سوريا.
قبل سنة أعلن نصر الله عن سياسات جديدة في الشمال التي بموجبها ستضرب منظمته أهدافا اسرائيلية ردا على النشاطات الاسرائيلية ضدها وضد سوريا. وفي تشرين الاول الماضي بعد مقتل أحد عناصر حزب الله، وهو خبير متفجرات، في تفجير منشأة استخبارية مفخخة في الجنوب اللبناني، فجر حزب الله ردا على ذلك عبوتين ناسفتين في جبل دوف. وجُرح جنديان اسرائيليان بسبب هذه العبوات. ولكن في الجيش ادعوا أن هذه العملية تسببت في مقتل عدد كبير من المقاتلين. هل اجتمعت الحكومة في أعقاب هذه الحادثة للنقاش في تغيير طبيعة الرد لحزب الله (الذي كان مستعدا للمخاطرة بقتل جنود وإن أدى ذلك إلى تصعيد كبير)، وبضرورة الفحص المجدد للسياسات الاسرائيلية في الشمال؟.
الى أي مدى الجبهة الداخلية الاسرائيلية مستعدة لمواجهة احتمالية نشوب الحرب التي يهدد فيها حزب الله باطلاق عشرات آلاف الصواريخ والقذائف على المراكز السكانية، هل يتطلب الامر استعدادات مسبقة لاحتمالية كهذه، على الرغم من الاحساس بأن حزب الله يريد الامتناع عن الدخول في حرب شاملة؟ وما هي نوعية الخطط العملية للجيش ضد هذا التنظيم الشيعي؟.
منذ عملية الاغتيال يثير الخصوم السياسيين لليكود امكانية أن يكون قرار الاغتيال له أبعاد سياسية أو أنه تم اتخاذه على خلفية الاعتبارات السياسية، وهذا الادعاء يصعب اثباته، لا سيما وأنه لا يمكن فصل السياسات الحزبية عن السياسة بشكل عام. ومن الواضح أن كل سياسي عندما يفكر بأي عمل أو خطوة معينة يأخذ في الحسبان مصالحه الشخصية. وبالتأكيد في فترة الانتخابات التي نمر بها لا بد أن يكون نتنياهو ويعلون قد أخذا في الحسبان مثل هذه الادعاءات.
إن المداولات في سلسلة الاسئلة هي أمر لا بد منه في هذه المرحلة بسبب أنه اذا تجسدت هذه التهديدات الايرانية واللبنانية من قبل حزب الله فسينشأ هنا وضع أمني جديد قد يضع الحملة الانتخابية كلها في الهامش. وعلى هذه الخلفية فان الاصرار الاسرائيلي على التخفي في هذه المساحة الضبابية لن يوحي بأي شيء. واذا كانت هناك أبعاد ممكنة لهذه العملية المذكورة، واذا أقرت الامم المتحدة أيضا أن اسرائيل هي التي نفذت العملية، فماذا ينفعنا البقاء في حالة الضبابية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
حرب أعصاب
التسريبات حول العملية في هضبة الجولان ذات أبعاد سياسية لنتنياهو
بقلم: بن كسبيت،عن معاريف
كما سبق وقلنا هنا، فان عملية من النوع الذي تم تنفيذه في الجولان السوري يوم الاحد الماضي يمكن فقط فحصها من منظور الزمن. عندما يتضح من يقف ضد من، ماذا كانت الاسباب، ماذا كانت الانجازات وأي ثمن تم دفعه. عندها فقط وبعد حدوث الواقعة يمكننا أن نعرف فيما اذا كان قرار تنفيذ هذه العملية صحيحا ومتوازنا، أو كان قرارا مغامرا وعديم المسؤولية. نحن بعيدون جدا عن هذه النقطة. ما يمكننا الحكم عليه في هذه الاثناء هو التصرفات الاسرائيلية من يوم الاحد ظهرا وحتى هذه اللحظة. لقد كان الرد الاسرائيلي الرسمي «لا يوجد رد»، شرعيا تماما. بعد تفجير المفاعل النووي السوري في 2007 فقد نزل جميع قادة الدولة (السياسيين والعسكريين تحت الارض) وابتعدوا عن وسائل الإعلام تماما. هكذا يجب التصرف.
كان هناك استثناء وحيد ومتوقع هو وزير الأمن موشيه (بوجي) يعلون، الذي يجد صعوبة احيانا في اخفاء ما يدور في نفسه، حيث سارع إلى الاحتفال في القناة الحريدية. لم يأخذ على عاتقه المسؤولية، ولكنه حاول أن يكون ذلك بصورة غير مباشرة. بعده، وفي اليوم التالي صباحا، جاءت الصحيفة الناطقة باسم الحكم «لسان بيبي»، جاءت بعنوان رئيسي ضخم يُحتفظ به لألبومات النصر الفخمة يقول: قتلت قواتنا مخربين في سوريا. الورود للجيش الاسرائيلي ولبيبي ايضا. إن من يعرف العلاقة الوطيدة ما بين مكتب المحرر الرئيس للصحيفة المذكورة أعلاه وبين مكتب رئيس الحكومة، يعرف أن مثل هذا العنوان لم يمر حتى على الرقابة العسكرية، لكنه أخذ المصادقة عليه بصورة صريحة من المسؤول عن حياتنا وأمننا هنا.
لقد وصلت الذروة أمس. حيث قال مصدر اسرائيلي لوكالة انباء «رويتر» إن اسرائيل لم تعرف عن وجود الجنرال الايراني رفيع المستوى في القافلة التي تم تفجيرها، وإن هذا الجنرال لم يكن هدفا للتصفية. إن من يعرف تسلسل الاحداث، يعرف أن «رويتر» لا تنشر نبأ كهذا على مسؤوليتها، حيث يدور الحديث هنا عن تسريب مشروع لمصدر رسمي في القدس. توقعي هو: ليس مصدرا عسكريا، ولكنه مصدرا سياسيا، الآن ستعرفون لماذا.
هذا التسريب لـ «رويتر» حطم كل الارقام القياسية للضحك. فقد أعلنت اسرائيل أنها لم تستهدف قتل الجنرال الايراني في ذلك التفجير الذي لم تنفذه. هناك في القدس من خشي من تهديدات الانتقام الايرانية وسارع إلى الهمس بأننا لم نقصد ذلك، لأنه بالطريقة التي استخدمها بعدم الوضوح جعل من نفسه أضحوكة.
الآن فان الاوساط العليا في جهاز الأمن ليسوا متحمسين من هذا التسريب لـ «رويتر». وحسب مصادر اسرائيلية (ليست رسمية)، لا يوجد أحد مستعد للوقوف من خلف هذا الاعلان التأسفي، وهو أننا لم نستهدف قتل الجنرال الايراني. ما الذي كان يفعله هناك مع كبار القادة من وحدة النخبة لحزب الله المسؤولين عن تنفيذ العمليات في اسرائيل، وهم لم يكونوا هناك يعملون الاعمال الخيرية، ولو كانت الاستخبارات الاسرائيلية قد قامت بتشخيص هذا النشاط، فان القضاء عليها بالقوة كان أمرا مطلوبا وجدير القيام به حتى قبل الانتخابات. ما هو مطلوب أقل، وايضا أقل جدارة، هو التصرف بعد ذلك، وكذلك الاعتذار المشوش لـ «رويتر». ونظرا لأنهم في الجيش الاسرائيلي غير متحمسين، كما قلنا، من هذا التسريب، فيبدو أن شخصا في القدس بدأ بالتمتمة وسارع إلى اصدار توضيحات داخلية زائدة. هكذا يحدث عندما تكون الاعصاب ضعيفة. حسنا، نحن مع كل ذلك، ما قبل الانتخابات. بالمناسبة، انتخابات: ما يجري حاليا بين اللاعبين المركزيين هو لعبة «من يُخلي أولا». نتنياهو وهرتسوغ يقودان هذا أمام ذاك بسرعة كبيرة نحو التصادم المدمر. ومن يخاف أولا ينحرف إلى جانب الطريق. التفسير: من سيتحد أولا. نتنياهو مع بينيت، أو هرتسوغ مع لبيد؟ الذعر موجود الآن في مكانه الصحيح، أي بيت رئيس الحكومة في القدس. فالاستطلاعات الحالية ليست جيدة بالنسبة له، وهو يشم رائحة العزل، وقد بدأ في تحسس طريقه باتجاه بينيت، أحد الاشخاص من مقربي بينيت ضحك أمس وهو يقول لي «كيف سنتحد معهم، فهم حتى الآن لم ينتخبوا قائمتهم. مع من سنشكل القائمة بحق السماء؟».
الضحك هو الضحك، ولكن الامور اللوجستية يمكنها تدمير هذه العملية. إن قائمة الليكود لم يُصادق عليها حتى الآن، الاتحاد مع بينيت يقتضي اجتماع المركز أو لجنة مع داني دنون وكل الطاقم، والآن الوقت ينفد. ايضا لدى بينيت فان هذا لن يمر بسهولة، رغم أن بينيت يسيطر على حزبه بقبضة قوية إلا أن هذا يشكل قليلا من وجع الرأس، من غير أن تعرف ماذا سينتج عن ذلك.
المشكلة هي أن نتنياهو يمكننا أن نجده في القريب العاجل في وضع يكون فيه خاسرا بدون اتحاد، وفائزا اذا اتحد. مع وضع كهذا يصعب عليه النقاش. من جهة اخرى، اذا قام بالاتحاد فانه يتوجب على هرتسوغ الاتحاد مع لبيد والوصول إلى وضع مماثل، وعندها فان كل هذا يكون عبثا. الحديث يدور عن مغامرة كبيرة يمكن أن يتبين أنها كارثية.
هرتسوغ ولبيد لا يريدان الاتحاد، وهما ليسا بحاجة اليه، هما على علاقة جيدة ويتحدثان مع بعضهما، وقد قررا أن يقوما فحص الامور ثانية اذا قام نتنياهو بالاتحاد. ولكن في نهاية المطاف كل واحد من اللاعبين المذكورين هنا يفهم أن من سيتحد سيفوز. اذا نجح طرف في التسلل إلى الاتحاد بدون أن يكون لدى الطرف الثاني الوقت للرد، فمن الممكن أن يحصل في هذه العملية على بطاقة الدخول إلى مكتب رئيس الحكومة (على الأقل لنصف الولاية). بناءً على ذلك فان الحديث يدور عن مغامرة كبيرة وعن إغراء ليس أقل منها. الايام القريبة، حتى الموعد النهائي، ستكون متوترة ومُسلية وفي الأساس سرية. الجميع سيتسللون من خلف ظهور بعضهم، وحتى الآن ليس واضحا إلى أين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
سلام لإيران
عملية الجولان توسع حجم تدخل إسرائيل في الحرب في سوريا
بقلم: تسفي برئيل،عن هآرتس
حظيت نظرية المؤامرة أمس بازدهار متجدد. سطحيا، فان الضباط الايرانيين الكبار ورجال حزب الله ممن قتلوا في الهجوم المنسوب لاسرائيل، لم يقتلوا على الاطلاق في منطقة القنيطرة بل في جبال القلمون على الحدود السورية – اللبنانية. ليس اسرائيل هي التي قتلتهم، بل كمين أعده مقاتلو جبهة النصرة الإسلامية، واتهام حزب الله لاسرائيل هو أيضا كذب وبهتان، لان حزب الله لا يريد أن يعترف بانه تعرض للهزيمة على ايدي الثوار بالذات.
كان يمكن لهذه ان تكون رواية مشوقة لو أن جبهة النصرة نسقتها فقط مع اعتراف قيادة الحرس الثوري الايراني بموت كبار المسؤولين الايرانيين في الهجوم الاسرائيلي. على أي حال، فان الروايات المتضاربة هي جزء لا يتجزأ من المعركة في سوريا، ولكن لا شك أن الهجوم خدم جيدا جبهة النصرة التي يحتل مقاتلوها قسما من معبر القنيطرة واجزاء من هضبة الجولان السورية. واسرائيل على أي حال مشبوهة بمساعدة جبهة النصرة المتفرعة عن القاعدة وتندرج في قائمة منظمات الإرهاب وبالاستعانة بها. وحسب التقارير في مواقع الثوار، فان مقاتلي الثوار في هضبة الجولان يوفرون المعلومات الاستخبارية الجارية لاسرائيل بل ويستعينون بها في الحصول على السلاح والتدريب العسكري. وشرح أحد المواقع الالكترونية بان اسرائيل تقيم في هضبة الجولان السورية جيشا مثل جيش لبنان الجنوبي، يستند إلى قوات الثوار.
ليس واضحا فيما اذا كانت اسرائيل اعتزمت المس بالمسؤولين الايرانيين الكبار، ولكن من المعقول ان تكون عرفت بانهم يتواجدون بين مجموعة الضباط اياها التي عنيت حسب التقديرات بالتنسيق والتخطيط لنقل مزيد من قوات حزب الله إلى هضبة الجولان، من أجل السيطرة على تلك المعاقل التي تسيطر عليها قوات الثوار. وكان ابو علي طبطبائي، المسؤول في حزب الله الذي كان قائد قوات «رضوان» للتدخل السريع، عمل قبل ذلك في جبهة جبال القلمون ويحتمل أن يكون مرشحا لادارة جبهة الهضبة.
لقد عمل طبطبائي تحت تعليمات محمد علي الهددي، المسؤول الايراني الذي قتل في الهجوم، والذي كان يقع مباشرة تحت امرة قاسم سليماني، قائد قوات القدس المسؤول ضمن امور اخرى على نشاط القوات الايرانية في جنوب لبنان وسوريا.
هذه سلسلة قيادية يستخدمها الحرس الثوري بشكل مستقل ومنقطع عن الحكومة والجيش الايراني. ولكن عندما يصاب مسؤولون ايرانيون كبار، فان القيادة العليا في ايران برئاسة علي خامينئي هي التي تقرر اذا ما كانت سترد وكيف.
تتمتع ايران بحكم ذاتي كامل في ادارة وتوجيه صراع بشار الاسد ضد الثوار. ومقارنة بالولايات المتحدة أو الدول العربية، فانها لا تحتاج إلى ائتلاف دولي، فما بالك عندما تنسجم روسيا معها في رؤيتهما للحل في سوريا ومستقبل الاسد. ويبدو ظاهرا أنه يوجد «تفاهم صامد» بموجبه لا ترد ايران طالما تركز اسرائيل هجماتها على اهداف حزب الله في سوريا. كما أن ايران تصر على ألا تكون علاقة بين محادثات النووي التي تديرها مع القوى العظمى الغربية وبين الموضوع السوري، العراقي أو الحرب ضد الدولة. ففي الجبهة العراقية على أي حال توجد شراكة مصالح وتعاون عسكري غير رسمي بين ايران والولايات المتحدة ضد الدولة، بينما «ملف سوريا» تبقيه ايران في يدها كرهينة، كي تفرض موقفها لحل الازمة.
يبدو ظاهرا أن تصفية اسرائيل للمسؤولين الايرانيين من شأنها ان تهز هامش التفاهمات غير الرسمية هذه، ولا سيما عندما تشتبه ايران في أن تكون عملية بمثل هذا النطاق منسقة بين اسرائيل والادارة الأمريكية.
يمكن التقدير بانه في ظروف اخرى، تحت رئاسة احمدي نجاد، أو لو لم تكن محوطة بالمفاوضات على النووي التي ستستأنف محادثاتها في بداية شباط، لكانت ايران اتهمت الولايات المتحدة مباشرة او حتى كانت هددت بالرد لضرب اهداف اسرائيلية وأمريكية. ولكن مثل هذه التهديدات لم تطلق هذه المرة ويبدو أن ايران متمسكة بسياستها للفصل بين اهدافها الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة وبين احداث «تكتيكية» مثل تصفية قادة في الحرس الثوري. ويحرر البيان الذي يقول ان «الرد سيأتي في الزمان والمكان اللذين نقررهما» سواء ايران أم حزب الله من الحاجة إلى تحويل التصفية إلى الموضوع المركزي الذي يحرف مركز القتال في سوريا ومن شأنه أن يفتح جبهة واسعة في لبنان.
ومع ذلك، فان عملية كهذه توسع حجم تدخل اسرائيل في الحرب في سوريا وتجعل اسرائيل بندا هاما آخر في منظومة الاعتبارات الاستراتيجية لايران، حزب الله وسوريا. فما بالك حين يكون الهدف الذي تعرض للاعتداء ليس قافلة سلاح أو مخازن سلاح حزب الله التي يتمتع هجوم حزب الله عليها منذ الان بشرعية دولية، بل مجموعة قيادية مسؤولة عن ادارة الجبهة.
هنا ترسم اسرائيل خطا أحمر واضحا آخر يؤكد انه طالما تسيطر منظمات الثوار، حتى وان كانت متفرعة عن القاعدة في اجزاء من هضبة الجولان السوري، فان اسرائيل لن ترى في ذلك تهديدا؛ ولكن دخول قوات حزب الله ومقاتلين ايرانيين سيعتبر انعطافة استراتيجية ستواجه اعتراضا اسرائيليا عنيفا. من ناحية ايران يعد هذا تهديدا على الاحتكار الذي تحتفظ به في سوريا، وذلك لان هذا الفهم الاسرائيلي يدخل بشار الاسد ايضا إلى المشكلة. فتطلعه لاستعادة الهضبة بمساعدة قوات حزب الله وايران ستصده اسرائيل وتبقي في هذه الاثناء السيطرة عليها في ايدي الثوار، الذين حتى دون تنسيق مع اسرائيل يمكنهم ان يروا فيها درعا في وجه قوات النظام..
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ثلاثة عصافير بحجر واحد
إذا كانت إسرائيل تعرف ماذا ومن هاجمت في هذه العملية فإننا نكون هنا أمام مشكلة في التفكيرالاستراتيجي
بقلم: اليكس فيشمان،عن يديعوت
أفرايم كيشون هو الذي ابتكر الجملة الوطنية المجهولة «عفوا ان انتصرنا. أما اليوم، ففي ذات البلاد الكيشونية اياها لا بد يعيش بضعة اشخاص ويقولون بينهم وبين أنفسهم: اخس، عفوا اننا نجحنا أكثر مما ينبغي. ما كان يفترض أن يكون احباطا لاحداث تكتيكية تحول ليصبح أزمة استراتيجية. والقبب الحديدية باتت تنتشر منذ الان في الشمال.
دون الكشف عن تلك الجهة المجهولة التي تقف خلف التصفية في سوريا، يمكن لنا أن نفترض بان حتى المخططين أنفسهم لم يحلموا بنجاح بهذا الحجم. فبصاروخين قضي على ثلاثة عصافير بضربة واحدة: اصيبت السيادة السورية، اصيب رمز حزب الله وصفي جنرال ايراني. كل محور الشر – ايران، سوريا وحزب الله – احتطف دفعة واحدة ضربة ونال اهانة علنية لاذعة.
لا غرو إلى أنه يسترق إلى القلب اشتباه معقول بان منفذي التصفية لم يعرفوا بالضبط كل من كان يجلس في القافلة التي تعرضت للهجوم. معقول انهم خططوا للمس بالقائد المحلي لحزب الله جهاد مغنية ومساعديه – ولكن ليس مؤكدا أبدا انهم كانوا يعرفون بيقين بانه كان يوجد في هذه العصبة ايضا ضابط ايراني كبير من الحرس الثوري. في واقع الامر، يمكن لنا أن نأمل الا يكونوا يعرفون: والا فان لدينا هنا مشكلة في التفكير الاستراتيجي.
لقد جرى أغلب الظن تخطيط لعملية تكتيكية على الحدود لاحباط عملية. اما النتيجة فكانت الحرج. وليست اسرائيل وحدها هي الصامتة بل كل وزارات الخارجية في العالم صامتة. وفي هذه الاثنا يتراجع الجميع ويدفنون رؤوسهم في الرمال، على أمل أن يمر هذا الحدث كيفما اتفق. واذا ما وقعت عاصفة ما – من جهة ايران، سوريا، حزب الله او ثلاثتهم معا – فيأملون ان تكون هذه قصيرة.
واضح تماما انه عندما تعلن ايران على الملأ عن ضحاياها، ويدفن جهاد مغنية في جنازة جماهيرية، فانه يوجد هنا اعداد ورسالة للرأي العام في الداخل وفي العالم: نحن نعتزم الرد. وعندها فان كل اللاعبين يحشدون القوى ويدخلون في حالة تأهب: بما في ذلك الجيش اللبناني، قوات الامم المتحدة في جنوب لبنان والجيش الاسرائيلي الذي يعزز قواته في الشمال.
ومع أنه قيل للسكان في الشمال ان واصلوا حياتكم العادية وابتعدوا عن الحدود، الا ان خلايا التأهب اعلنت عن بقائها في البلدات والابقاء على حالة التحفز. وتنسجم هذه التعليمات تماما مع آخر المنشورات – بما فيها المقابلة التي اعطاها نصرالله الاسبوع الماضي – حول خطط حزب الله لاحتلال بلدات في الجليل. وبالنسبة للجاليات اليهودية والمؤسسات الاسرائيلية في الخارج فانها متحفزة على أي حال منذ العملية في باريس. اما الان فهي اكثر تحفزا.
لقد فتح الاحباط المركز الذي نفذ أول امس في القنيطرة دملا اشكاليا آخذا في الانتفاخ في ست قرى في سفوح جبل الشيخ السوري. ولا تزال المنطقة تحت سيطرة النظام السوري، اما عمليا فهي تشكل معقلا لحزب الله على حدود اسرائيل. والطبخة التي اعدها اغلب الظن جهاد مغنية تضمنت ايضا اطلاق الصواريخ من هناك نحو اسرائيل. وبالمناسبة، فان ثلاث قرى من اصل القرى الستة هي قرى درزية ينشط فيها قائد آخر في حزب الله: سمير قنطار – ذاك المخرب اياه – ذاك المخرب من أصل درزي الذي تحرر من السجن الاسرائيلي في 2008. وينشغل قنطار في تجنيد الدروز لعمليات تخريبية على طول الجدار الحدودي مع اسرائيل.
هذه الزاوية، في سفوح جبل الشيخ، اصبحت منطقة استراتيجية من ناحية حزب الله: فمنذ تشرين الاول 2014 نشر معهد بحوث الاتصالات في الشرق الاوسط – ممري من صحيفة مقربة لحزب الله مقالا فصلت فيه المنظمة قائمة مصالحها.
فحزب الله يؤمن بان اسرائيل تعيش ضغطا من السكان الدروز في اراضيها ممن يحثونها على التقدم نحو البلدات الدرزية في الجولان السوري، بذريعة الحماية في وجه المذبحة التي بانتظار الدروز على ايدي المنظمات الإسلامية. وتستند المنظمة إلى تصريحات رئيس الاركان غانتس في اثناء زيارته لزعيم الطائفة الدرزية في اسرائيل موفق طريف، في شهر تشرين الاول، حين تعهد بالدفاع عن القرى في الجولان السوري.
ويخشى حزب الله ان تكون السيطرة الاسرائيلية على القرى الدرزية في سفوح جبل الشيخ السوري هي جزء من خطة شاملة لديها للسيطرة على كل قمم جبل الشيخ. فسيطرة اسرائيلية على هذه المنطقة لن تبعد فقط نظام الاسد عن موقعه الاخير في الجولان، بل وستحاصر حزب الله وتلتف عليه في المواجهة المستقبلية.
وفضلا عن ذلك، ففي حزب الله يخشون من أنه اذا ما سيطرت اسرائيل على سفوح جبل الشيخ – بدعوى مساعدتها للدروز – فان من شأنها أن تسمح لجهات في سوريا معادية للمنظمة بالمرور عبر هار دوف والدخول إلى لبنان.
ويعتبر حزب الله العملية اول أمس كمرحلة اخرى في الخطة الاسرائيلية لابعاد رجاله عن هذه المنطقة. من ناحيته، هذا سبب يدعو إلى المواجهة المسلحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ


رد مع اقتباس