ملخص مركز الاعلام
فتجملوا بالصبر
بقلم يوسف رزقة عن الرأي
قررت اللجنة التنفيذية مؤخراً إرسال وفد يمثل المنظمة إلى غزة للاجتماع مع حركة حماس ومناقشة ملفات المصالحة، وملف الموظفين، وملف الانتخابات. ورأت حركة فتح أن إرسال الوفد إلى غزة جاء استجابة لقرار المجلس المركزي للحركة، وقد رحب إسماعيل هنية بقدوم وفد المنظمة إلى غزة، وعدها خطوة ايجابية، لتحقيق المصالحة الحقيقية. هذا موجز لما تداولته وكالات الأنباء المختلفة خلال اليومين الماضيين.
وتعقيبا على هذه الأخبار أودّ أن أقول شكرًا ومرحبا بالقادمين إلى غزة، ولكن لدي سؤالين : الأول يقول ماذا تحملون معكم من قرارات قابلة للتنفيذ؟! والثاني يقول لماذا الآن ؟!
في الإجابة على السؤال الأول أقول إن غزة ملت اللقاءات، وملت النقاشات، ولم يعد لديها ثقة بهذه الدائرة المفرغة، والخداعة. سكان غزة، وموظو غزة في الوظيفة العمومية لا يلتفتون للوفد القادم كثيرا، فقد خبروا الوفود وملّوا من الوعود، ومن ثمة فهم يسألون عن القرارات، فهل رفع محمود عباس الفيتو السياسي عن دمج الوزارات والموظفين، وقرر أن للموظف حق مقدس في راتبه، وأن الاختلاف السياسي لا ينبغي أخذه مبررا لحرمان الموظف من راتبه.
إنه حين يتقاضى الموظف راتبه فهو لا يأخذه من بيت أبي مازن، ولا صدقة من عباس، لأن راتبه هو حقة الوطني، ويأخذ من مال الوطن تماما كما يتقاضى موظف الضفة راتبه من مال الوطن. مرحباً بالوفد إن كان معه قرار وطني، وعدالة وظيفية. ولا مرحباً به إن جاء لمجرد النقاش، واجترار الماضي، ونثر الوعود الخداعة.
وأما الإجابة عن السؤال الثاني: لماذا القدوم الآن؟! ففي النفس تفسير لا يسر كثيرين، وأرجو ابتداء أن يكون تفسيرا خاطئا، ولكن مرارة الفشل المتكرر من الإفراط في التفاؤل، تجعل الملدوغ يخاف من جرة الحبل، وأنا أخاف من تكرار الفشل بعد قدوم الوفد، كما تكرر في مرات سابقة. فهل ثمة هدف خفي من الزيارة، وهو هدف ليس على أجندة الوفد بالتأكيد ؟!.
نحن في الثلث الأخير من شهر مارس ٢٠١٥م وفي نهاية الشهر اعتاد القادة العرب عقد قمتهم، وهذه القمة ستعقد في القاهرة كما هو مقرر سلفا، فهل يجيء الوفد إلى غزة في هذا التوقيت من أجل القمة العربية؟! ، أم سيأتي ردا على تصريحات نيتنياهو حول الدولة الفلسطينية المستحيلة؟! ، أم لتقديم حلول وطنية للقضايا المتوقفة في ملفات المصالحة والموظفين ، وتهميش غزة؟!
الأجندة المعلنة في التصريحات القادمة من رام الله تقول الوفد مرسل لغزة للنقاش، واستكمال إجراءات المصالحة. وهم لا يتحدثون فيما فكرنا به بصوت مرتفع آنفا مما له علاقة بالقمة أو لتنسيق الخطوات للرد على تصريحات نيتنياهو ؟! و وهنا أتمنى أن لا يكون اللقاء من أجل القمة ليس إلا. وأتمنى أن يحمل الوفد قرارات منصفة قابلة للتنفيذ، وألا تنتهي القمة فتعود (حليمة لعادتها القديمة؟!).
نعم لست متفائلا بالقدوم الجديد للوفد المحترم ، وأعبر بموقفي هذا عن قطاع عريض من الشعب، وبخاصة الموظفين، ومع ذلك يمكن القول دعونا ننتظر، ونتجمل بالصبر، والأيام حكما للوفد أو عليه. والله مع الصابرين، وما بعد الضيق إلا الفرج.
نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية بل سلطة قمعية
بقلم عصام شاور عن المركز الفلسطيني للاعلام
بعد فوز حزبه في انتخابات الكنيست أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو عن إمكانية عدوله عن موقفه الرافض لمبدأ "حل الدولتين" إذا وافقت السلطة الفلسطينية على شروطه الثلاثة: نبذ السلطة لحركة المقاومة الإسلامية حماس وقطع علاقاتها معها كليا، والاعتراف بيهودية الدولة, وكذلك الانخراط في مفاوضات حقيقية مع (إسرائيل).
لكل شرط من شروط نتنياهو دلالاته، فعندما يطالب نتنياهو بمفاوضات حقيقية فهو يقر بأن الطرفين كانا يلعبان طيلة عقدين من الزمان، وهذا تأكيد على أنها مفاوضات عبثية حتى العدو الإسرائيلي لا يعترف بها رغم أن منظمة التحرير خاضتها بقناعة تامة.
أما إصرار نتنياهو على "يهودية الدولة" فهو إظهار حقيقة أن حرب اليهود ضدنا حرب دينية وليست فقط مجرد احتلال للأراضي الفلسطينية، كما أن إصراره على يهودية الدولة, وهو على باطل, يؤكد حق المسلمين, وهم أهل الحق, في إقامة دولة إسلامية، وفي هذا الصدد نطالب المستعربين والمتأسلمين من العلمانيين وأعداء الدين بأن يستنكروا على اليهود إصرارهم على إقامة " إمارة ظلامية" كما يحلو لهم وصف غزة أو الخلافة الراشدة التي تعمل الجماعات الإسلامية على إقامتها.
الشرط الأكثر سخافة وينمّ عن غباء إسرائيلي أو وقاحة مطلقة هو مطالبة السلطة بنبذ حركة حماس وقطع العلاقات معها، ليس فقط من باب التدخل في الشأن الفلسطيني ولا بالأمل الكبير لدى اليهود أن تنحاز السلطة لهم أكثر من انحيازها للشعب الفلسطيني, ولكن من باب طبيعة الدولة الفلسطينية التي تريدها (إسرائيل)، فلو كانت تريد حقا إقامة دولة فلسطينية حقيقية فإن شرط نتنياهو قد يسقط مع أول انتخابات فلسطينية, وبالتالي يكون شرطه دون أدنى قيمة، وهنا نتذكر كيف استطاعت (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية إجبار السلطة على تعديل الدستور في زمن الراحل ياسر عرفات, بحيث تم سحب صلاحيات الرئيس ومنحها للسيد محمود عباس حين كان رئيسا للوزراء ثم ما لبث أن أصبح السيد إسماعيل هنية رئيسا للوزراء بعد الانتخابات التشريعية وفوز حركة حماس, فأصبحت غالبية الصلاحيات بيده وأدى ذلك إلى الانقسام وتعطيل المجلس التشريعي حتى يومنا هذا، ولكن يبدو أن نتنياهو يريد من شرطه الإبقاء على الانقسام حتى نهاية دولة الاحتلال (إسرائيل), أو أنه يريد سلطة فلسطينية قمعية بلا انتخابات ولا حريات ولا يريد إقامة دولة فلسطينية.
ليس بنيامين نتنياهو ولا قادة العدو من سيقرر مصير الشعب الفلسطيني ونحن نقول لنتنياهو إن المقاومة الفلسطينية لديها مقومات الاستمرار حتى نهاية كيانكم فاقد الشرعية وغير القابل للحياة، قوتكم من ضعفنا, وضعفنا لن يطول.
"أملي أن يرضى الله عنّي"
بقلم لمى خاطر عن فلسطين الان
حين لخّص مبتغاه بالقول: "أملي أن يرضى الله عني" كان الإمام الشهيد أحمد ياسين (رحمه الله) يقدّم رسالة عميقة عن سموّ الأهداف، وجوهر الغاية النهائية للإنسان المسلم.
فالياسين لم يكن مجاهدًا فقط، بل كان داعية ومفكّرًا ينظر إلى مدى أبعد من معطيات اللحظة الراهنة، وهي إشارة إلى ضرورة أن يكون سقف تطلعات المسلم عاليًا لا محصورًا داخل حدود تناسب غيره وتتنافى مع رسالته الكلية؛ لأن تقاطع الأهداف المرحلية للمسلم الحركي وأهداف غيره ممن يقاسمونه همًّا مشتركًا أو قضية وطنية لا يعني أن ينسلخ عن غايته البعيدة، أو يحاكي خطاب غيره مسقطًا تمايزه وشمولية رؤيته.
ولذلك؛ فهم الياسين (رحمه الله) أن دوره الجهادي جزء لا ينفصل عن منظومته الفكرية الأوسع والأشمل، فالجهاد إلى جانب كونه ذروة سنام الإسلام إنه من أبواب القربى لله (تعالى)، فليس مثلُ الجهاد مربيًا ومنقيًا ورابطًا القلب والعقل بغاية الإنسان الكبرى ودوره الوظيفي في هذه الحياة، التي تعدّ في جوهرها دربًا مفضيًا إلى الآخرة، لكنه درب متعب وتكتنفه مشقة عالية، لمن اختار أن يسير فيه كما ينبغي وكما هو مطلوب منه وفق المفهوم الرسالي للحياة.
الجهاد بات الفريضة الغائبة في أيامنا هذه عن وعي كثيرين، ممن يظنون الإسلام جملة من الشعائر والأخلاق والتعاملات فقط، وأن النهضة والتحرر ممكنين دون قتال ومدافعة، ودون دماء وتضحيات، ذلك أنهم فهموا أو تخيروا من دينهم ما يناسب همّتهم وطاقتهم وحسب، وغفلوا عن ذلك الجانب المهم الذي يترتب عليه أذى ودماء، إلى درجة أن المتابع لكثير مما يكتب ويقال على لسان دعاة ومفكرين إسلاميين يهوله مدى غياب آيات القتال الواضحة الدلالة عن تداولهم وتناولهم، وينبري فريق آخر إلى تمييع كثير من المفاهيم الجهادية ومسخها؛ لأن هذا ما يوافق هواه أو يتقاطع مع طموحه، مع أنه يسع المرء أن يقرّ بتقصيره أو قعوده أو تواضع غاياته، ولكن دون أن يلبّس على الناس المفاهيم ويقدّم تلك الأفكار لهم على أنها أصل الإسلام ومقاصد شريعته.
في الجانب المقابل كان المثال الذي سطّره الشيخ الشهيد أحمد ياسين بحياته وجهاده وأسره ثم شهادته مفعمًا بآيات إقامة الحجة على كل قاعد ومتخاذل أو متذرّع بالعجز، ذلك أن العجز الجسدي شبه الكامل لم يَحُل بين الشيخ وقيامه بواجباته ومسؤولياته، ولا بنائه تنظيمًا واسعًا يشكّل الجهاد دعامته الممتدة، وهو كان ذا دور ريادي في هذا البناء يتجاوز مفهوم المهمة الروحية أو التوجيهية، ولذلك أدرك المحتلّ أكثر من غيره تلك القيمة الوافرة التي يجسّدها حضور الشيخ في واقع حماس وفلسطين والأمة، فاختار اغتياله والخلاص منه، مع أن الشيخ كان في حالة صحية صعبة في أواخر أيامه، وكان المقربون منه يتوقعون له ميتةً طبيعية بعد اشتداد المرض عليه.
أقبل الياسين في ذلك الفجر على الشهادة، ولم ينتظر أن يأتيه الصاروخ في مكان مغلق وآمن، فالشيخ الذي نشأ وعاش وجاهد بين الناس وقريبًا منهم قضى بينهم كذلك، وفي ميدان مفتوح يقرّ كل جدار فيه بفضل الشيخ وقيمته وعظمة عطائه.
"أملي أن يرضى الله عني" ليست عبارة بسيطة كما قد يراها من يقرأ أن الشيخ جعلها أمنيته وغايته وهدفه، غير أنه (رحمه الله) على عظم ما قدّم وبذل في سبيل فكرته اختار أن يلخّص جوهر مسيرته بهذه العبارة؛ لكي يربط الأفئدة بغاياتها السامية، ويحرر العقول والقلوب من محدودية الأفق إلى سعة الإدراك، ويصوّب أنظارها إلى أصل الوجود وفصله دون تعقيد أو فلسفة، فكل ما دنا عن تلك الغاية السامية يظل فعلًا بشريًّا قاصرًا، وإن كان في مضمونه عظيمًا ومبهرًا.
النتائج الفلسطينية للانتخابات الإسرائيلية
بقلم عدنان أبو عامر عن الرأي
وأخيرا.. حققها "بنيامين نتنياهو" ليصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية للمرة الرابعة في حياته، ويعيد نموذج "دافيد بن غوريون" أول رئيس حكومة في إسرائيل، ويستحق بجدارة اللقب الذي كان يتمناه "ملك ملوك إسرائيل"، وهو ما كان وقعه سلبيا على السياسة الفلسطينية التي لم تتوقع في أشد كوابيسها حلكة أن يعود "نتنياهو" مجددا لمقعد رئيس الحكومة، وكأنه ذو "الأرواح السبعة" بعد أن تراجعت حظوظه في الفوز حتى الساعات الأخيرة للاقتراع!
مفاجأة غير سارة
لم يكن سرا أن الفلسطينيين بمختلف مشاربهم السياسية وتوزيعاتهم الجغرافية كانوا يعولون على تراجع اليمين الإسرائيلي عن المشهد السياسي، وهم يشتركون في هذه الأمنية مع أوساط إقليمية ودولية، وصلت ذروتها في البيت الأبيض، الذي سعى بقوة لا تخطئها العين لأن يشرب نخب فوز "المعسكر الصهيوني"، لكن رياح "نتنياهو" أتت بما لا تشتهي سفن "أوباما"، لاسيما مع المواجهة الأخيرة بينهما قبيل أيام قليلة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
المفاجأة الأكثر في نتائج الانتخابات الإسرائيلية أن "نتنياهو" فاز، لكن معسكر اليمين خسر، وهنا معضلة جديدة قد تواجه الفلسطينيين تتمثل بوجود إسناد إسرائيلي لخطوات الرجل السياسية والعسكرية، رغم ما قيل عن إخفاقاته وأخطائه، لكن نظرة تقييمية أولية لمنافسيه، جعلت الناخب الإسرائيلي يختاره وهو صاحب الكاريزما المطلوبة إسرائيليا، ويفضله على سواه، من المرشحين ذوي الحظوظ الضعيفة.
هنا يحق للرجل "نتنياهو" أن يفاخر بأنه تجاوز كل التقديرات، وفاجأ كل الأوساط، وأفشل جميع ما قال إنها "مؤامرات" داخلية وخارجية لإسقاطه، لكنه عاد مجددا، ولعل خطاب "الانتصار" الذي ألقاه بعد ساعتين من إعلان النتائج الأولية أظهر حجم الزهو بنفسه، والمضي قدما في برنامجه اليميني: سياسيا وأمنيا!
انتفاضة في الضفة
يجوز لنا التكهن بأن بيت عزاء أقيم في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله عقب إعلان فوز "نتنياهو"، لأن السلطة عولت كثيرا على عودة الوسط وما تبقى من اليسار الإسرائيلي، وهم رفاق التسوية وشركاء "أوسلو"، ولعل الأزمة القائمة مع الحكومة الإسرائيلية عقب ذهاب الفلسطينيين للمؤسسات الدولية كانت جزءا من توجه فلسطيني رسمي لإحراج اليمين الحاكم في تل أبيب، لتمهيد الطريق أمام الناخب لاختيار المعسكر الصهيوني.
بل إن ما تسرب من وراء الكواليس يؤكد أن السلطة كانت عاقدة العزم على تجميد خطوتها لتدويل القضية الفلسطينية في حال وصول "هرتزوغ-ليفني" إلى سدة الحكم في إسرائيل، على اعتبار أننا سنفتح صفحة جديدة، في ظل ترحيب عربي ودولي بالتيار المنافس لـ"نتنياهو".
الآن، وقد باءت الجهود الفلسطينية بالفشل، وعاد "نتنياهو" لترؤس ائتلاف يميني متطرف، فهل تعود "ريما لعادتها القديمة"؟ وهل سنشهد استمرارا للأزمة السياسية الطاحنة بين السلطة وإسرائيل، بدءا بمواصلة السلطة مساعيها للانضمام للمؤسسات الدولية، وصولا لاستمرار تجميد إسرائيل لأموال الضرائب، وانتهاءً بقرار وقف التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي، وكل ذلك يعني إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية عارمة في الضفة الغربية؟
لا أحد يمتلك في هذه اللحظات الإجابة القاطعة عن هذه التساؤلات المفصلية، لكن من الواضح أننا أمام فترة تاريخية عصيبة، قد تقرر مصير عملية التسوية، خاصة وأن راعيها الأميركي لا يمتلك "كيمياء إيجابية" مع صانع القرار في تل أبيب، فضلا عن انشغاله بملفات إقليمية ودولية عاجلة لا تقبل الانتظار، وهو ما يرجح فرضية ترك الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يديران الصراع بينهما، على نار هادئة، دول الوصول لمرحلة الحسم الميداني، واستمرار "كيري" رئيس الدبلوماسية الأميركية في عمله كـ"طفاية حرائق" بين رام الله وتل أبيب!
حرب في غزة
حماس في غزة ليست أفضل حالا من السلطة في الضفة، صحيح أنها لا تعول كثيرا على معسكر سياسي بعينه في إسرائيل، وتتمسك بما تعلنه في كل انتخابات إسرائيلية بأنهم جميعا أعداء للشعب الفلسطيني، الفرق بينهم أن أحدهم يقتلنا برصاصة، وآخر يذبحنا بسكين، لكنها أصيبت بخيبة أمل واضحة من الفوز المجدد لـ"نتنياهو".. لماذا؟
رغبت حماس بقوة أن تكون حرب غزة الأخيرة هي الوصفة السحرية لسقوط "نتنياهو" المدوي في الانتخابات الأخيرة، تأكيدا لما كانت تردده خلال يوميات الحرب بأن "غزة باقية ونتنياهو سيسقط"، لكن نجاح الرجل، قد يحرم حماس من المفاخرة بأدائها العسكري في تلك الحرب، والدليل أن الجمهور الإسرائيلي اختار المرشح الأقوى الذي يرى فيه كفاءة لمواجهة مخاطر حماس المتنامية في غزة وعلى حدود إسرائيل الجنوبية.
أما وأن الفوز قد تحقق لـ"نتنياهو" فإن حماس تبدو في حالة إعادة النظر في تقديراتها العسكرية، أو هكذا يجب أن يكون على الأقل، على اعتبار أن فوز عدوها اللدود يعني ضمنيا تفويضا إسرائيليا بتكرار الحرب مجددا ضدها في غزة، رغم ما عاناه الإسرائيليون من تبعات تلك الحرب التي استمرت خمسين يوما.
خيار الحرب ليس بالضرورة السيناريو الوحيد الماثل أمام حماس عقب فوز نتنياهو، وتشكيله للحكومة الجديدة، بل إن هناك بديلا آخر يتمثل بتشديد الحصار، والإبقاء على السياسة الإسرائيلية القديمة الجديدة "غزة لا تحيا ولا تموت"، وهو يزيد من عمق الأزمة الإنسانية المعيشية في القطاع، خاصة بالتنسيق الإسرائيلي المصري، ولا يدفع ثمنها سوى مئات آلاف الفلسطينيين الذين أعادتهم ظروف الحصار عقودا طويلة إلى الوراء منذ ثماني سنوات دون تغيير إلا إلى الأسوأ!
هنا يفسح المجال لقراءة خيارات حماس التي تتراوح بين تفجير الموقف في غزة ضد إسرائيل، وما يعنيه من عودة حرب ستكون أكثر شراسة ودموية، ولن تضمن نتائج أفضل مما حققته الحرب السابقة، وبالتالي فهو خيار مكلف دون جدوى، أو ذهاب حماس لخيارات أقل كلفة تتمثل بالبحث عن صفقة ما بمشاركة فلسطينية إسرائيلية إقليمية دولية.
صفقة محتملة
القراءة الأولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية تمنحنا الثقة للتنبؤ بأننا أمام حكومة يمينية بشقيها: دينية وقومية، تسير على درب الحكومة السابقة، ما يعني أننا قد لا نشهد انقلابا دراماتيكيا في برامجها السياسية تجاه الفلسطينيين في ضوء حالة الانسجام بين مكوناتها المحتملة من أحزاب: "الليكود، البيت اليهودي، يسرائيل بيتنا، شاس"، بل إن المجال سيكون متاحا لمزاودات حزبية، أيهم يضغط على الفلسطينيين أكثر.
ومع ذلك، فإن الأزمة الإسرائيلية الأميركية القائمة قد تتطلب من "نتنياهو" التراجع خطوة للوراء للقفز عشر خطوات إلى الأمام، بلغة العسكر، فالرجل بحاجة لأن يكون أكثر انخراطا في التحالف الإقليمي والدولي ضد "تنظيم الدولة"، وبحاجة أكثر لمواجهة الملف النووي الإيراني، والرغبة بأن تكون إسرائيل جزءا مفصليا في أي حل للمعضلة السورية، ولن يستطيع التقدم بكل هذه الملفات دون وجود تفاهمات ثنائية مع البيت الأبيض.
صحيح أن الكيمياء الشخصية بين "نتنياهو وأوباما" لا تمر بأحسن أحوالها، لكن الاثنين معا يحفظان عن ظهر قلب مقولة "تشرشل" بأن السياسة لا تعرف الصداقات والعداوات الدائمة، بل تفهم المصالح الدائمة، وكل ذلك قد يعطينا تقدير موقف بأن "نتنياهو" قد يقدم "رشوة" للأميركيين للتقدم "الشكلي" في الملف الفلسطيني بشقه "السلمي"، من خلال الإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية، مقابل تجميد السلطة لإجراءاتها الدبلوماسية ضد إسرائيل.
"نتنياهو" يسعى من إدارة العلاقات العامة المتوقعة مع واشنطن لتعزيز انخراطه في الملفات الإقليمية الأكثر أهمية لديه، بعد أن يتفق مع الأميركيين على الخطوط العامة على مستقبل الصراع مع الفلسطينيين على المدى القصير، بحيث يكسب الـ18 شهرا القادمة من إدارة "أوباما" بأقل الخسائر مع الحليف الأكبر.
أخيرا.. لم يتوقع الفلسطينيون من "هرتزوغ" الخصم اللدود لـ"نتنياهو" أن يفرش لهم الأرض ورودا، وهم ليسوا بوارد المفاضلة بين صهيوني وصهيوني، بين قاتل يطلق عليهم الرصاص وآخر يذبحهم بالسكين، لكن فوز الأخير شكل لهم صدمة حقيقية على اختلاف توجهاتهم، لأنه يعني تضييعا لسنوات قادمة من أجيالهم إن استمر الوضع على حاله، وهو ما يفرض عليهم تحديا كبيرا بالتوصل إلى سياسة موحدة تواجه "ملك ملوك إسرائيل"!


رد مع اقتباس