أقلام وآراء

مسيرة مليونية ام حراك دائم على مختلف الصعد والساحات محليا ودوليا؟

بقلم: عدنان ادريس عن القدس العربي

يجب الا ننسى ما يحاك ضد القدس والاقصى والقيامة، فالمشاريع التي يخططها وينفذها عدونا هي بالعشرات: علينا الا ننسى المخططات الجهنمية التي اعلن عنها وبدئ بتنفيذها:

مخطط 'واجهة القدس' الجهنمي، مخططات الحفريات تحت الاقصى والمدينة المقدسة باسرها، مخططات أنشاء 'متاحف' على انقاض التراث العربي والاسلامي في المدينة، مخطط 'الحوض المقدس'، مخطط ' الحدائق التسع' التي تحيط بالاقصى والمدينة لفرض منطقة عازلة عليها، مخطط 'سكة الحديد'، مخطط 'اقامة الكنس والتي بلغ عددها ستون اكبرها كنيس الخراب'، مخطط 'هدم جسر المغاربة'، مخطط 'تغيير معالم ساحة البراق'، مخططات 'الشوارع الالتفافية'، مخططات 'اعادة هيكلة المدينة المقدسة والمخططات الهيكلية الجديدة'، مخططات بناء الاف الوحدات الاغتصابية وتوسيع احكام 'الطوق الاستيطاني الاغتصابي داخل وحول المدينة' التي تستهدف عزل القدس عن محيطها وتاريخها وتواصلها العربي، علينا الا ننسى المخطط الاطاري العنصري التفريغي الكبير والاخطر: مخطط 'القدس 2020'، وسلسلة 'القوانين' العنصرية التي تنهال على وضع المدينة المقدسة في محاولة لتزوير التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، و التي تهدف جميعا لقلب المعادلة الديموغرافية والخريطة السياسية ومصير المدينة برمته وتهجير اهلها، وهل ننسى جدار الضم والتوسع وما فعله بالقدس؟، وهل ننسى عشرات الاقتحامات لباحات الحرم القدسي الشريف وتدنيسه؟ هل ننسى ما تفعله 'بلدية' الاحتلال من الهدم المتكرر والدائم لمنازل المقدسيين؟ هل ننتظر ان يخلى وادي حلوة والشيخ جراح وسلوان والعيسوية وشعفاط وغيرها من احياء القدس من مواطنيها العرب المقدسيين؟ هل ننسى مافعلته ادارة الاحتلال من 'بلدية' وغيرها في جهاز التربية والتعليم الفلسطيني في القدس وتغيير مناهج التعليم فيها وما اداه ذلك كله من حرمان عشرات الالاف من الطلبة المقدسيين من مقاعد الدراسة وحقهم الطبيعي في التعليم؟

هل ننسى الهجمة الشرسة التي يتعرض لها ابناء المدينة المقدسة اقتصاديا واجتماعيا و'قانونيا' وثقافيا ونفسيا من اجل اجبارهم عل هجرة مدينتهم؟ ألا نشاهد صورعشرات الانفاق الاخرى التي تفضي الى اروقة و'متاحف' و'معابد' وحتى حانات ومرافق سياحية.. (وما لم نعلم منها ربما هو الاخطر والاعظم) والتي يستهدف الاحتلال من ورائها - كمنظومة- احكام سيطرته غلى المدينة المقدسة وتهديد اساسات وبنية الحرم القدسي بكامل مساجده وزواياه ومرافقه واركانه تمهيدا لهدمه... عندها ستظهر ماهية الانفاق هذه؟!! وما هو دورها الحقيقي! وهل يجب الاسخفاف بقرار محكمة 'العدل' العليا الامريكية الذي صدر بالامس (كما استخف به من جلب لقضيتنا الويلات)، وهو القرار الذي يبارك اعتبار القدس عاصمة 'ابدية' لليهود ودولة الاحتلال؟ ألا يعتبر هذا القرار تمهيدا للقرار الامريكي الرسمي المتخذ سابقا والموجود في ادراج الكونغرس الامريكي، الذي يعتبر القدس عاصمة لكيان الاحتلال ويطالب بنقل سفارة امريكا اليها؟ فهل ننتظر يا امة العرب ويا مسلمين حتى وقوع الكارثة - لاقدر الله-؟؟ وهل نصمت اليوم لتعطى بدائل يحضرونها للافصى 'شرعية'-؟؟

وهل ما تخفيه ايادي الاجرام الصهيوني عن الاعين طيلة عشرات السنين الماضية هو حقا خاف علينا، حتى وان لم نبصره بأعيننا؟؟!! الاتدل مخططات السطح - التي جاهر بها عدونا حتى الاستخفا ف الكامل - على مخططات ما تحت الارض؟ (الاتبصر الدم في اياديه، فكيف)..

الم تسمعي يا امة العرب (مسلمين ونصارى) ألم تشاهدوه باعينكم من على الشاشات والفضائيات ما كتبه اعداؤنا من لافتات لافتة متحدية مستخفة وبالعربية الى جانب العبرية: 'هنا ارض اسرائيل، اين انت يا صلاح' ( وحذفوا الدين!) .....الصحوة الصحوة يا امة العرب .. النفير النفير يا امة الاسلام..

القدس تستصرخكم.. الاقصى يناديكم ..مستضعفو فلسطين ..اسراها، ثكالاها يناشدونكم .. يا احرار العرب في ميادين التحرير والثورة والستين وبلاد البوعزيزي وسائر المغرب والجزيرة والرافدين والنيل لبوا النداء! وردوا على احفاد 'اللنبي' و'غورو' و'ريكاردو' وليأت الرد من تركستان الشرقية مرورا بكوالالمبور فالارخبيل الاندونيسي، فبنغلاديش فباكستان وافغانستان وايران والشيشان وبخارى وطشقند وقرغيزستان ومن احرار العالم كافة ..'انفروا خفافا وثقالا..'، ولا تدعو مؤامرة تهويد القدس تمر امام ناظريكم! انقذوا الاقصى مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، انقذوا القيامة مهد السيد المسيح عليه السلام.. ولتكن مسيرة القدس المليونية هي مليونية حقا لتسمع صوت الاقصى الجريح للعالم، ولتوجه الرسالة التي تصل بعد للكيان الصهيوني الغاصب: 'ان الربيع العربي لن يسمح لهذا الكيان ان يمرر افظع واخطر سياساته في ضوء نهار هذا الربيع الذي انطلق لتغيير واقع الامة قاطبة!'، 'فان تفعلوا فانه فسوق بكم ..'، ولن يتبقى لكم بعد ذلك من 'اجندة ' تطيقونها في فلسطين!!!

هل يتجه شرق المتوسط نحو سايكس - بيكو جديد؟

بقلم: بكر صدقي عن الحياة اللندنية

من تركيا إلى العراق فسورية ولبنان وفلسطين والأردن، تمتد منطقة واسعة تعج بالثقافات والمشكلات معاً. تنوع ثقافي، قومي، ديني ومذهبي، ومشكلات معقدة ومزمنة تراكمت خلال أكثر من قرن. وبدلاً من أن يتكفل الزمن بحلها، ازدادت تفاقماً بفعل السياسة. فإلى المشكلات العربية واليهودية والكردية والمسيحية والأرمنية، انضافت مشكلة شيعية مستجدة، ونواجه اليوم ما يمكن أن نسميه بالمشكلة العلوية.

كانت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة حول توجسه من إقامة حكم سني في سورية ما بعد الأسد، نذيرَ شؤم لا يخلو من وجاهة، وكأنه عاد بنا إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين كانت روسيا القيصرية تريد لعب دور حامي الأرثوذكس في المشرق في مواجهة القوى الأوروبية الاستعمارية الرئيسية آنذاك. كأننا عدنا مجدداً إلى «هواجس الأقليات» التي لا تمكن طمأنتها إلا بضمانات من القوى العظمى.

إذا كان مصطفى كمال أتاتورك قد لملم ما تبقى من جسد الامبراطورية العثمانية المنهارة في صيغة الدولة–الأمة التركية، فأكمل تطهير جمهوريته من اليونانيين واليهود، بعد السريان والأرمن، وحاول تتريك الكرد ومن بقي من العرب، فقد تفاقمت المسألتان الكردية والعلوية في ظل جمهوريته العلمانية–السنية. فشل في تتريك الكرد وتسنين العلويين وعلمنة الأتراك، برغم كل الإجراءات القسرية.

العراق الذي يتجه باطراد نحو مزيد من النزعات النابذة، يشهد اليوم توتراً لعله الأكثر خطورة بين دكتاتورية المالكي المدعوم إيرانياً وبين المكوِّنين السني والكردي. قد تكون مشكلة طارق الهاشمي، الذي احتمى بالإقليم الفيدرالي الكردستاني، من نوع حادثة اغتيال ولي عهد الامبراطورية النمساوية التي شكلت السبب المباشر لبلقنة منطقة البلقان بعد الحرب الأولى. نلمس في تصريحات مسعود البارزاني الأخيرة نوعاً من الإنذار والتحدي في مواجهة الهيمنة الإيرانية المديدة التي وسمت عراق ما بعد صدام حسين.

وفي لبنان، لا يبدو في الأفق حل سياسي بسيط لمشكلة حزب الله، الذي استعاد بطريقة أكثر خطورة وتعقيداً، انعزالية المارونية اللبنانية في عقد السبعينات، فالحزب الشيعي المسلح حتى أسنانه يمثل امتداداً مباشراً لإيران على ساحل المتوسط والحدود الشمالية لدولة إسرائيل. وإذا كان التوتر السني–الشيعي قد وسم العقد الماضي في لبنان، فقد كان في الوقت نفسه انعكاساً محلياً لتوتر خليجي–إيراني منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران أواخر السبعينات. كابوس الأقليات الشيعية في بلدان الخليج ازداد تفاقماً مع السياسات التدخلية للجمهورية الإسلامية الوليدة. وبدت تلك الدول الثرية بمواردها النفطية كمن جاء بالدب إلى كرمه، حين عملت على التخلص من نظام صدام حسين، ليحل محله نفوذ إيراني غير مسبوق في العراق.

من شأن سقوط النظام السوري المتوقع أن يزحزح تراصف القوى القائم في المنطقة بأسرها، والنفوذ الإيراني الممتد إلى لبنان وفلسطين فاليمن، سيفقد حلقته الوسيطة الأهم، ويصبح مصير حزب الله في مهب الريح. لكن الأزمة السورية الممتدة منذ سنة، باتت تنذر اليوم بولادة مشكلة جديدة هي «المسألة العلوية»، التي قد يطال تأثيرها تركيا إضافة إلى شمال لبنان.

تتجنب الأدبيات السياسية السورية أي حديث عن الأقلية العلوية، خشية أن تتهم بالنزعة الطائفية، ويجري الفصل عموماً بين النظام السلالي الذي دشنه حافظ الأسد قبل 42 عاماً وبين هذه الأقلية. وحاول النظام الأسدي أن يغطي على انتمائه الأقلوي بضباب أيديولوجي عن الوحدة الوطنية والتشبيك مع بعض أشد التيارات الإسلامية تطرفاً مما يمكن إدراجها ضمن مظلة منظمة القاعدة بمعنى موسع. وبخلاف شقيقه البعثي في العراق، حرص نظام الأسد الأب على تمتين علاقات مع السعودية ودول الخليج اهتزت في عهد الابن بعد اغتيال رفيق الحريري.

تبرز المسألة العلوية اليوم بعدما نجح النظام إلى حد بعيد في ربط مصير هذه الأقلية المذهبية بمصيره. وعلى رغم انخراط العديد من النشطاء العلويين في فعاليات الثورة السورية، ظل الجسم الرئيسي لها مؤيداً للنظام المترنح. بل تجاوز قسم منهم التأييد إلى المشاركة الفعالة في القمع الدموي العنيف للسكان المدنيين في المناطق الثائرة، من خلال ميليشيات الشبيحة التي أوكلت إليها أقذر المهمات وأشدها إثارةً للفتنة الأهلية، التي لم يألُ النظام جهداً منذ الأسبوع الأول من الثورة، في إثارتها. فشلت تلك الجهود إلى اليوم في بلوغ مرماها، بفضل وعي وطني مدهش لدى الثوار، لكن لا شيء يضمن عدم انزلاق الوضع نحو الأسوأ في ظل استمرار النظام في إراقة الدم.

نحن نتحدث عن نحو ثلاثة ملايين من السكان وضعهم النظام على الطرف الآخر من شرخ وطني عميق. هذه هي المسألة العلوية التي من المحتمل أن النظام يريد استثمارها كخط دفاعي أخير في مشروع تقسيمي يستعيد بدايات تشكل الكيان السوري في العشرينات. يعزز هذا الافتراض ما يجري في حمص بعد سقوط بابا عمرو ومجزرة كرم الزيتون من تطهير سكاني، وما يقوم به حزب العمال الكردستاني من إجراءات منفردة في المناطق الشمالية من البلاد، فقد شجعه نظام الأسد على السيطرة المسلحة على تلك المناطق وإقامة مؤسساته لـ «الإدارة الذاتية» التي طرحها زعيمه الأسير عبد الله أوجلان أصلاً من أجل المناطق الكردية في تركيا. ومؤخراً هدد الحزب المذكور بفتح حرب ضد تركيا إذا تدخلت عسكرياً في سورية، في إشارةٍ إلى تصريحات أردوغان بصدد المنطقة العازلة.

لن تكتمل لوحة «الشرق الأوسط» هذه من دون ذكر الكيان الإسرائيلي الذي فشل في الاندماج في نسيج هذه المنطقة، وما زال بعد نصف قرن على اصطناعه، يكابد أزمته الوجودية ويسعى إلى إقامة «دولة يهودية».

لم تفعل الثورة الشعبية في سورية غير تظهير «الفسيفساء» المتنافر العزيز على قلوب المستشرقين. في هذا ربما، علينا البحث عن سر لامبالاة الغرب أمام الفظاعات التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين، ولسان حاله يقول: لنترك التفاحة السورية تنضج وتتعفن حتى نضع الخرائط مجدداً على الطاولة.

هذا ليس قدراً. يمكن قلب الطاولة هذه كلما كان سقوط النظام أسرع.

مرحلة التنقيط في الحلق

بقلم: نبيل عمرو عن الشرق الأوسط

دخل الفلسطينيون في زمن الربيع العربي، مرحلة التنقيط في الحلق الجاف، قطرة قطرة، وذلك لكي يبقوا على قيد الحياة السياسية، إلى حين إنضاج خلاصات المرحلة، خصوصا على صعيد قطبيها الإسرائيلي والأميركي.

عملية التنقيط في الحلق تمارسها الدول المانحة التي يتنازعها في الشأن الفلسطيني همان أساسيان:

الأول: إعادتهم إلى مسار المفاوضات دون قيد أو شرط كسبيل وحيد لحل قضيتهم السياسية وحتى الاقتصادية.

والثاني: التوسط لدى إسرائيل لتخفيف قيودها حتى يتمكن الاقتصاد الفلسطيني «المعتل» من مساعدة الدعم الدولي على الوفاء بالاحتياجات.

وهذه الحالة الضاغطة على الفلسطينيين يضاعف من أذاها الأداء الفلسطيني المرتبك والمتردد والمرتجل للمهام السياسية التي يفترض أن تؤدى في ظرف من هذا النوع، ولعل أخطر مردودات هذا النوع من الأداء هو توفير ذرائع للآخرين كي يحجموا عن تقديم ما يفترض أن يقدم من دعم سياسي واقتصادي.

لقد ارتبك الخطاب السياسي الفلسطيني على نحو شامل وبدا كما لو أن المتناوبين على تقديم هذا الخطاب، وهم كثر، يبلبلون العالم في أمر ما يريدون وما لا يريدون، وقبل ذلك يبلبلون العرب والفلسطينيين الذين لم يعودوا يعرفون ما هو الخطاب؟ وما هي الاتجاهات؟ وكيف تدعم كي تصل إلى أهدافها.

هنالك من تحدث عن حل السلطة، وتسليم مفاتيحها للإدارة المدنية الإسرائيلية في مستوطنة بيت إيل، وهذا أمر يدعو الأصدقاء والأشقاء وحتى المؤلفة قلوبهم إلى الحذر والإمساك عن الحسم في المواقف.

وهنالك من طرح فكرة خيار الدولة الواحدة، بديلا عن خيار الدولتين دون الانتباه إلى أن موازين القوى على الأرض في هذا الوقت تجعل من طرح حل الدولة الواحدة كما لو أنه إلحاق الطرف الضعيف بالطرف الأقوى، فهل يعقل أن تشاركنا إسرائيل في تل أبيب ونحن نعاني من سطوتها على رام الله، وهل نتوقع أن يتبعنا العرب والمسلمون في هذا الطريق ونحن من ورطناهم في خيار حل الدولتين؟!!

وهنالك من يفتح ملف المصالحة، بإخلاص ويقين باستحالة تحقيق أي تقدم دون حسمه، وبالمقابل هنالك من يقرر ببرود أعصاب وضع الفكرة والآليات والعملية كلها في ثلاجة، كما توضع الأطعمة البائتة المهددة بالفساد والتعفن، وهنالك من يدعو إلى تقشف لعل وعسى نسد خانة من خانات العجز المتفاقم والمتمادي في وضعنا.

هذا بعض ما يطفو على السطح عندنا، وفوقه الكثير مما نعرف وما لا نعرف.. إلا أن الذين يراقبون حياتنا في سياق رقابتهم لحياتهم مثل الدول المانحة والكثير من الدول الداعمة الصديقة والشقيقة، فإنهم يعرفون عنا أكثر مما نعرف.. يعرفون كم سيارة نشتري وكم غالون بنزين ننفق وكم موظفا يتقاضى راتبا وهو خارج الوطن أو وهو في أي مكان إلا مكان العمل.. وإلى أي مدى بلغ التهرب الضريبي والتحايل عليه وإلى أي مستوى وصل التضخم الوظيفي.. والإنفاق التطفلي في كل الاتجاهات.

وإذا ما قلنا إن ظواهر من هذا النوع، موجودة في كل زمان ومكان وإننا نحاول الحد منها أو التخفيف من آثارها.. إلا أن ما يبدو غريبا حقا هو الجمود السياسي الداخلي الذي لم يبلغ في التاريخ ما بلغه الآن.

كانت الحالة الفلسطينية المثخنة بالجراح والموت والحصارات تتمرد على واقعها، بحيوية شاملة، بدأ من الاتحادات والجمعيات والنقابات.. والمجالس المحلية على مختلف أنواعها، فتتحول إلى شعلة نشاط في التفاعل مع المجتمع ومع نظيراتها في العالم، وتجري انتخابات دورية، واستبدالا ديمقراطيا للوجوه والقادة وحتى أدنى المستويات.. كان ذلك يعبر عن الهوية الحقيقية للشعب الفلسطيني والرصيد الحقيقي للقوة المادية والمعنوية لهذا الشعب. كنا نجري في بعض المواسم ألف انتخابات حرة قوية فعالة، لكل جوانب حياة مجتمعنا... حتى ممثلي شعبنا المهاجر إلى أميركا اللاتينية في المجلس الوطني، جاءوا منتخبين وليسوا معينين، أين نحن الآن من هذا كله؟

إن ما يبدو حبيس الثلاجة ليس اتفاق المصالحة وحده بل مصير الشعب والقضية، فأين المبادرات يا أولي الأمر؟

دون هذه المبادرات سنظل نعيش مرحلة التنقيط في الحلق.. ليس من أجل أن نحيا وإنما من أجل أن لا نموت.. والفرق كبير وكبير جدا.

يوم الأرض: أوهام تتجدّد وأخرى تتبدّد

بقلم: ماجد الشيخ عن السفير البيروتية

في الواقع الذي ترسمه الدبابات والجرافات لإقامة المزيد من الأبنية الاستيطانية، تلاشت عمليا إمكانية إقامة حدود ترسم مسارا ومصيرا لدولتين، فقد بات «حل الدولتين» العتيد من الماضي، على الرغم من تشبث البعض بأوهام «استحقاقات» تفاوضية ممكنة في الحاضر، في ظل مستقبل غامض، تترسمه أخطار التهويد الشامل، من تهويد الوطن الفلسطيني، إلى محاولة تهويد الأرض قطعة قطعة، إلى تهويد «الكيان البديل» الصهيوني، وصولا إلى أكذوبة «دولة يهودية ديموقراطية» تحت مزاعم إمكانية قيامها على الضد من تاريخية الوجود الوطني الفلسطيني الذي تواصل ديموغرافيا وجغرافيا من تاريخ كنعاني سابق، عاش على أرض فلسطين ردحا طويلا من الزمن، زمن أطول كثيرا من وجود «عبراني» وتوراتي عابر، لم يعمر أكثر من ستة أو سبعة عقود.

وعلى الرغم من عقود الاحتلال الطويلة منذ العام 1948، فما زال المشروع الاستيطاني شرهاً للمزيد من الأرض، وتواقاً للمزيد من تشريد أصحابها، ليس في الضفة الغربية والقدس فحسب، بل في العديد من مناطق الجليل والمثلث ومؤخرا في النقب؛ ولأهداف ليست استيطانية فحسب، بل لأهداف سياسية واقتصادية، ترسم مصيرا مختلفا للوطن الفلسطيني، من حيث اقتطاعه كاملاً وقطع إمكانية اتصاله وتواصله في ما بين جزره التي عزلها الاستيطان، وباعد بينها ديموغرافيا وجغرافيا على حد سواء.

وما يجري ويتواصل في قرية العراقيب بالنقب، وتدميرها لأكثر من أربعين مرة وإعادة بنائها من قبل سكانها، لم يكن فجائيا، فمحاولات الاستيلاء على النقب وطرد سكانه منه، قديمة قدم الاحتلال الأول في العام 1948، وهي محاولات دائبة ومتواصلة، حتى لقد باتت مخططات الهدم معلنة، وتطرح في عطاءات لإجراء مناقصات لتنفيذ أوامر الهدم الصادرة عن حكومة الاحتلال. وصار اعتياديا تنظيم قسم التخطيط والهندسة في وزارة الإسكان، لجولات ميدانية في القرى العربية بالنقب، بمشاركة العديد من المقاولين، لتقديم مناقصاتهم، حيث جرى رصد ميزانيات كبرى لهذا الهدف، وذلك بغية استقدام مليون مهاجر يهودي لإسكانهم النقب، الذي يشكل حوالي 40 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، ويقطنه قرابة 200 ألف فلسطيني، تسعى حكومة الاحتلال لطردهم وتركيزهم في ثماني بلدات، تحوّلت إلى مراكز للبطالة والفقر.

ما يحدث في النقب وفق د. ثابت أبو راس مدير مشروع عدالة في النقب، هو عملية «ترانسفير» ممنهجة، لكن الأخطر من ذلك هو ما تعرضه شرائح تشمل خرائط وصوراً جوية للوضع الحالي، وما يمكن أن يحدث إذا تم تطبيق قانون تحت مسمى «مخطط برافر»، حيث تسعى إسرائيل إلى تركيز عرب النقب في منطقة محددة (شرقي شارع رقم 40) وذلك لمنع أي إمكانية تواصل جغرافي وديموغرافي فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لا سيما إذا ما علمنا أنه كان من المعوّل أن يكون هذا التواصل هدف اتصال غزة بالضفة الغربية في حال قيام الدولة الفلسطينية. وفي إحدى الوثائق التي كشف عنها موقع «ويكيليكس» فإنه سيتم اقتلاع 65 ألف مواطن بدوي من أراضيهم، الأمر الذي يعني هدم جميع القرى غير المعترف بها، وليس 30 ألفا كما تدعي سلطات الاحتلال.

وفي انسجام مع قطع تواصل واتصال الفلسطينيين داخل وطنهم، والرهان على فرض وقائع لا يعترف بها المجتمع الدولي، ما كشف عنه موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية (24 شباط)، وذلك تحت مسمى «خطة بينت» وهي الخطة التي يقترحها المدير العام لما يسمى «مجلس يهودا والسامرة الاستيطاني» في الضفة الغربية «نفتالي بينت» والتي تقضي بأن تضمّ اسرائيل مناطق «سي» التي تشكل 60% من اراضي الضفة الغربية إلى سيادتها بشكل أحادي الجانب. ويقول بينت ان العالم لن يعترف بهذه السيادة، مثلما لا يعترف اليوم بسيادة اسرائيل على حائط البراق وعلى أحياء راموت وجيلو في القدس ولا يعترف بسيادة اسرائيل في هضبة الجولان، ولكنه سيعتاد على ذلك مع الوقت، كما يقول.

ووفقا للخطة التي امتدحها العديد من السياسيين الإسرائيليين، فإن الاراضي التي ستُضمّ الى اسرائيل، وعلى العكس مما هو حاصل وسيحصل للأراضي الفلسطينية، ستشكل تتابعا جغرافيا اسرائيليا، وتشمل غور الاردن، البحر الميت، ارئيل، معاليه أدوميم والمستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية. وهكذا سيتمتع سكان القدس اليهود وتل ابيب وغيرها من مدن غوش دان بالأمن في وجه التهديدات التي تأتي من الشرق، كما يقول. الخطة تقضي ايضا بمنح 50 ألف فلسطيني يسكنون اليوم في المناطق «سي» الجنسية الإسرائيلية وهي بذلك لن تؤدي، على حد قول معدها، الى طرد أي فلسطيني من بيته. ويشير بينت إلى أن 350 ألف مستوطن إسرائيلي يسكنون في المناطق «سي» مقابل 50 الف فلسطيني.

ويعتقد مُعد الخطة ان كل فلسطيني في الضفة الغربية يستطيع التنقل بحرية، بدون حواجز وذلك على ما يبدو عبر شبكة شوارع خاصة، تتطلب استثمارا لمرة واحدة بمئات ملايين الدولارات، من ناحية ثانية يقترح إحداث قطيعة تامة مع غزة؛ لكي لا تصدّر مشاكلها الى الضفة، التي تتميز بالهدوء على حد قوله، ويقترح ضم غزة تدريجيا لمصر، وهو يعارض أيضا عودة لاجئين فلسطينيين بأي عدد كان.

وإضافة إلى هدف استبعاد «حل الدولتين» واضمحلاله، فإن ما يجري في الواقع يقارب موضوعة استكمال الاحتلال الاستيطاني لكامل الوطن الفلسطيني، ووفق خريطة التوزع الاستيطاني الحالي، فإن هناك الآن حوالي 35 نواة استيطانية في 22 مكانا مختلفا في كامل الأراضي الفلسطينية، من ضمنها مدينة عكا وبيت شان وسديروت وكريات شمونا ويرحيم، وإضافة إلى بؤر الخليل الاستيطانية المحروسة من جنود الاحتلال، هناك عمليات بناء غرف إسمنتية تتواصل في مستوطنات الأغوار الشمالية شمال شرقي الضفة الغربية، حيث تم إضافة عدد من الغرف الإسمنتية في مستوطنة «مسكيوت» التي قامت قوات الاحتلال مؤخرا بتوسيعها بشكل كبير، في حين أن عمليات البناء في المنطقة الغربية من المستوطنة، ما زالت تتوسع على حساب أراضي المواطنين الفلسطينيين، الذين تم هدم مساكنهم وتهجيرهم منها.

وفي المدن خصوصا، كالقدس وعكا وحيفا ويافا وغيرها، ومنذ ثلاثين عاما، ما زال الفلسطينيون فيها يُمنعون من البناء، حتى أنهم يُمنعون من ترميم منازلهم، لتعلن عنها سلطات الاحتلال مباني خطرة تطالب الناس بتركها دون توفير البدائل. وبالإضافة إلى ما يسمى «قانون أملاك الغائبين» المطبق بحق المواطنين الفلسطينيين. هناك قانون آخر مواز يمنع الفلسطيني من الإقامة الدائمة في منزله، أو في منزل مُستأجر، حيث إن القانون المجحف هذا يمنع المستأجر من تملّك المنزل، إذ عليه تركه بعد الجيل الثالث وتسليمه لـ«الدولة» التي تعمد إلى بيعه.

ويستهدف قانون السكن الإسرائيلي هذا؛ إضافة إلى «عقارات الغائبين»، عقارات اللاجئين كذلك، تلك التي وضعت حكومات الاحتلال اليد عليها منذ بداية الاحتلال العام 1948، وهي تتحكّم بها منذ ذلك الحين، وها نحن نشارف على بلوغ الجيل الثالث، أي أننا سنشهد خلال الأشهر القريبة المقبلة «استحقاق» إجلاء مئات العائلات الفلسطينية من عقاراتها أو من عقارات مُستأجرة، لا بديل لها سوى ممتلكاتها وأراضيها المحتلة.

ولا تقل مخططات تهويد عكا ويافا والقدس والرملة والنقب، وكل الأماكن المرشحة لتكون بؤرا استيطانية اليوم أو في الغد، عن مخططات التهويد الجارية اليوم على قدم وساق، والتي كثفتها حكومة الائتلاف اليميني المتطرف في انقلابها الثاني على الكثير من المسلمات التي أرساها الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية، في المرة الأولى عام 1948، كما في المرة الثانية عام 1967. وفي المرتين كانت الأرض هي محور مخططات الاستيلاء الاستيطاني، وكان الإنسان الفلسطيني هو محور الطرد الإحلالي من الأرض، وها هي مسيرة النكبة ومسار الانحدار يتواصلان، لا ليستقرا على حال، ولكن ليستمرا في تغيير أحوال ما كان لها أن تتغير، إلا بتغيير شروط وظروف مقاومة ومجابهة الاحتلال، ومواجهة مخططاته المتغيرة والمتلونة، في مسيرة تواصلها التي لم تعد تجد من يعمل، أو يواصل العمل بجدية مصيرية، على إيقافها ووضع حد لها.

مسيرة القدس رسالة شعبية ضد الاحتلال

بقلم: سميح المعايطة عن العرب اليوم

القضية الفلسطينية من أهم الملفات التي تَراجَع الإهتمام بها خلال المراحل الأخيرة عربيا ودوليا وحتى القوى السياسية التي كانت معنية بالقضية حولت اتجاهها لتحصل على سلطة هنا او تُغير في معادلة بلد هناك.

الجمعة المقبل ستكون مسيرة شعبية عربية نحو القدس وفلسطين, وهي عمل شعبي ايجابي ومحرك يحمل رسالة تضامن مع فلسطين في ذكرى يوم الأرض, بشرط ان لا يتحول من حالة تنديد بالاحتلال الى حالة توتير وصدام بيننا نحن العرب, متظاهرين وحكومات, حتى تبقى رسالة المسيرة ايجابية وسامية, لكن ربما على القوى الشعبية ان تدرك ان هناك متغيرات جعلت عمليات الضغط والمطالبات تخرج من سياقها الشكلي او الروتيني لتكون ذات فعالية على الإحتلال, لأن مسيرة في أي بلد او عاصمة هي حالة للتعبير عن الرأي, لكن ما هو حقيقي موجود ومتوفر ليس في الأردن فقط بل حتى في دول اخرى, ومنها فلسطين, حيث يخرج رئيس وزراء حكومة حماس في غزة في مسيرة ضد الإحتلال وهذا أمر كان معقولاً قبل عشرين عاما, لكنه اليوم لا يكفي, لأن حماس تحكم غزة ولديها تنظيم عسكري قوي وصواريخ, والرد الحقيقي والعملي على ممارسات الإحتلال من خلال فتح جبهة غزة على الإحتلال وإعادة المقاومة والعمليات العسكرية وليس عبر مظاهرة.

اليوم هناك بوصلة واضحة للتحرك في دول اصبح فيها قواعد للقوى الشعبية وفي مقدمتها الإسلاميين تجعلهم مطالبين بأكثر من تنظيم مظاهرات منددة بالإحتلال أو المطالبة بالغاء معاهدات واغلاق سفارات, لأن ما سبق مشروع ومتوقع ممن لا يستطيع غير هذا, لكن الحركة الاسلامية في العالم العربي وفلسطين تملك القدرة على الزام حركة حماس وتحديداً في غزة بإعادة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال, والقرار ليس بأيدي انظمة او جامعة عربية او امم متحدة, بل بأيدي حماس والإخوان المسلمين, وما يجب ان تتم به مواجهة الإحتلال ليس فقط المظاهرات بل اعادة احياء جبهة المقاومة ضد الإحتلال من خلال قوى المقاومة وفي مقدمتها حماس والجهاد, فحماس اليوم هي صاحبة القرار بوقف المقاومة, وهي التي بعثت الدفء في جبهة غزة منذ سنوات حين اوقفت كل العمليات العسكرية, وتحول تنظيمها العسكري الى عسكر من دون أي نشاط على غرار جيوش الدول العربية, مع الفرق ان الدول تعلن إيمانها بالتسوية والسلام, وحتى ما حدث مؤخراً من تصعيد فان الوساطة المصرية وبقبول من حماس واسرائيل أعادت الهدوء والتهدئة إلى أن يقرر العدو العودة للعدوان, عندها يجب التحرك نحو الاحتلال والضغط عليه والرد على ممارساته.

تملك القوى الاسلامية الشعبية ان تقوم بمستويات أكبر من التظاهر والإعتصام, فجبهة غزة يمكن ان تتحول الى مصدر قلق للإحتلال من خلال اعادة خيار المقاومة للحياة, وان نشهد منها عمليات عسكرية من الاجنحة العسكرية لحماس وغيرها, والقرار هذا تملكه حماس والحركة الاسلامية, وهي القادرة على الرد العسكري بقرار من قيادة حماس والإخوان المسلمين.

الجانب الآخر سياسي رفيع من مصر فاليوم الأغلبية الساحقة في مجلس الشعب المصري من الإخوان المسلمين والسلفيين, وتستطيع قيادة الجماعة ومكتب الإرشاد ان تتخذ قراراً بطرح موضوع اتفاقية كامب دي يد على مجلس الشعب المصري واتخاذ موقف بالغائها او على الاقل ما يمنحه الدستور من صلاحيات لمجلس الشعب, فالأمر لم يعد مطالبة او مظاهرة امام سفارة كيان الإحتلال في القاهرة. فالإخوان اليوم سلطة واصحاب قرار ويمكنهم اتخاذ موقف سياسي رسمي يُمثل الدولة المصرية, فنظام حسني مبارك كانت تصفه قوى شعبية بنظام كامب دي يد وهو وصف صحيح, لكن ماذا لو استمرت كامب دي يد في زمن سيطرة الإسلاميين على البرلمان وقدرتهم على اخذ موقف رسمي ضد الإحتلال.

وحتى حصار غزة فإن الأمر لم يعد بيد الاحتلال الذي لا ننتظر منه خيراً للشعب الفلسطيني, بل هناك امكانية كبيرة للدولة المصرية ان تشطب كلمة الحصار, والدولة المصرية اليوم تقود سلطتها التشريعية الحركة الاسلامية لا نظام مبارك.

ما أود قوله: اننا في مرحلة لم يعد مطلوبا, فيها من القوى الشعبية وتحديدا الحركة الاسلامية العربية وقفات احتجاج او اعتصامات لأنها تملك جزءاً من السلطة, فالجهاد والمقاومة أوقفتهما حماس من غزة, ويمكن للحركة ان تأخذ موقفا مؤذيا للإحتلال بانهاء حالة الهدوء على الحدود مع الإحتلال, وايضا يمكن لأخوان مصر ان يكونوا فاعلين في انهاء معاهدة كامب دي يد, فهم اليوم جزء اساسي من السلطة وصناعة القرار, وكما يوجه بعض العلماء نداء لشعوب بعض الدول للثورة على انظمتهم, فإن الدعوة ايضا لربيع فلسطيني من خلال العودة للمقاومة من غزة التي تديرها حماس وايضا مناطق السلطة في رام الله.

اما المسيرة العالمية التي ستستضيف ارض الاردن جزءاً منها فهي تحرك ايجابي ضد الاحتلال وفعل مقبول ممن لا يملكون غيره, لكن القوى التي تملك أكثر من هذا فمطلوب منها كل ما تملك.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً