التنسيق المدني والتنسيق الأمني
بقلم: علي صادق – عن جريدة الحياة
ربما يكون هناك خطأ في النقل أو في التعبير، في خبر نفيْ حسين الشيخ لأن تكون السلطة، أوقفت التنسيق مع إسرائيل، فجاءت الصيغة أنه ينفي وقف “التنسيق الأمني”. فليس حسين الشيخ معنياً بالموضوع الأمني، وإنما هو رئيس هيئة التنسيق المدني، والأصح صياغةً، أنه ينفي نبأ وقف التنسيق المدني، وشتان بين التنسيقيْن!
بخلاف موضوع الصياغة، نحن رفضنا في السابق، ونرفض اليوم ومستقبلاً، التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ظاهرة خيانية لو وجدت، وموضوعها كان إحدى نقاط الهجوم من القوى المعارضة للعملية السلمية، لتخوين الحركة الوطنية الفلسطينية ونزع الشرعية عنها. وفي الحوار الفتحاوي الحمساوي في القاهرة، رفض الحمساويون بحث الموضوع لأنه مجرد فرضيّة في السجال، يعرف قائلوها انها بلا أسانيد، وليست موضوعاً جدياً، ولا حيثيات لها. فهي تستند الى قراءات لواقع ملتبس. أصل الموضوع، في التدابير المتخذة لتطبيقات “أوسلو” في سنواتها الأولى، أن يلتزم الطرف الإسرائيلي، بعدم التوغل في مناطق السيطرة الأمنية الفلسطينية، وإن كان هناك ما يعتبرونه خطراً أو عملاً مسلحاً مضمراً لدى مجموعة تابعة لفصيل معارض، أن تبادر السلطات الأمنية الإسرائيلية الى إبلاغ الطرف الفلسطيني بمعلوماتها حول تحضيرات لعملية وشيكة، لكي تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمعالجة الأمر بنفسها، وتتحمل المسؤولية حول هذه المسألة المحددة أو تلك، حفاظاً على السياق السلمي لعملية التسوية. فهذا هو الذي يُسمى التنسيق الأمني. أما أن يعمل الطرف الأمني الفلسطيني، على ملاحقة الفصائل ومن ثم إبلاغ الطرف الإسرائيلي تطوعاً، بما يتحصل عليه من معلومات، فهذه ممارسة شائنة، لا ترتضيها حركة وطنية، ويأنفها الكادر الأمني الفلسطيني، ولا تقبلها الأجهزة التي تتشكل من مناضلين، أغلبهم من الأسرى السابقين ومن إخوة الشهداء.
أما التنسيق المدني، فهو المتعلق بحركة التنقل والنقل، لسكان فلسطين واحتياجاتهم، في الأراضي المحتلة، وبشؤون على هذا المستوى، وهو ضرورة موضوعية، مثلما هي ضرورات التعاطي مع “الكنتين” الإسرائيلي في السجون وفي تدابير الزيارات وتكليف المحامين. ومكاتب هذا التنسيق موجودة في غزة، ولا حيثيات أمنية لها بالنسبة للجانب الفلسطيني. والمحتلون يتعاملون معها بحيثياتهم الأمنية وكثيرها مختلق وتعسفي، كأن يوافقوا أو يمنعوا متذرعين بالأمن. وعلى الطرف الفلسطيني، يعمل الكادر الذي يجيد اللغة العبرية، وكان قد تعلمها في السجون!
ليس ثمة تنسيق أمني لكي يوقف أو يُستأنف. وفي حال وجود أية اتصالات من هذا النمط البغيض والمضاد لمشاعر الفلسطينيين، فإنه نوع من الجوسسة الفردية التي ينبغي محاربتها باعتبارها خيانة. فما نحن بصدده، هو تهيئة المناخ الشعبي لمقاومة لا عنفية فعالة، تعزز اللحمة الوطنية، وتعمق السمات القبيحة للاحتلال، في ناظر العالم، وتعكس إصرار شعبنا على نيل حقوقه واستقلاله الوطني!
إسرائيل تطارد وسائل الاعلام
بقلم:عادل عبد الرحمن – عن جريدة الحياة
فجر امس قامت قوات الاحتلال الاسرائيلية باقتحام مقري محطتي تلفزيون وطن والقدس التربوي، وصادرت معدات البث وكاميرات وأجهزة مختلفة وملفات تخص القنوات التلفزيونية. هجمة صهيونية جديدة تستهدف وسائل الاعلام الوطنية، وتهدف الى تكميم الأفواه، وخنق الصوت الوطني، وحرية الرأي والتعبير كخطوة اضافية الى جانب مواصلة سياسة البطش والتنكيل والاعتقال الاداري، وتعميق اساليب القهر للحركة الاسيرة، ومتابعة سياسة التهويد ومصادرة الاراضي وبناء الوحدات الاستيطانية في المستعمرات الاسرائيلية المقامة على الاراضي المحتلة عام 67 وخاصة في القدس الشرقية على طريق استباحة خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 67، وتصفية عملية السلام بشكل كلي.
دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية تعمل وفق مخطط مدروس ومعد سلفاً لتدمير العناصر المكونة للشخصية الوطنية خطوة خطوة دون ضجيج وفي ظل انشغال العالم بهمومه المختلفة، وانهماك كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بانتخاباتها، وغرق اوروبا في أزمتها الاقتصادية - المالية، والتهاء العرب بالملف النووي الايراني والثورات العربية وخاصة السورية، وأيضا في ظل استمرار الانقلاب والانقسام الفلسطيني، وبالتالي تمزق النسيج الوطني والاجتماعي لاعتبارات خاصة وفئوية في اوساط حركة حماس.
هذه العوامل تفتح الابواب واسعة امام مشاريع حكومة نتنياهو لضرب المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني. وهي كما أشير آنفاً مقدمة لمخطط أوسع وأعمق سيطال في المستقبل المنظور باقي وسائل ومنابر الاعلام بما في ذلك التلفزيون الرسمي والصحف والجامعات ومؤسسات السلطة الوطنية ووزارات وهيئات وادارات بما في ذلك مقرات الاجهزة الامنية دون ان تضطر الى اجتياحات واسعة تجلب عليها ردود فعل عربية ودولية كبيرة.
ما لم تتنبه القوى الفلسطينية للمخطط الاسرائيلي وتتصدى له بقوة فعل سياسية ودبلوماسية وشعبية واعلامية - ثقافية وعلى مختلف الصعد والمستويات المحلية والاسرائيلية والقومية والعالمية، وفي المحافل والمنابر الاقليمية والدولية، فإن حكومة اقصى اليمين لن تتورع عن ارتكاب المزيد من الاعتداءات والانتهاكات الاجرامية. الامر الذي يفرض تجييش حملة وطنية واسعة، والعمل بسرعة من أجل ردم هوة الانقلاب الاسود لتعزيز عوامل الصمود، والانطلاق من كل القرى والمدن والمحافظات وفي الشتات وفي الداخل في الـ 48 وعلى الجبهات العربية والاسلامية والأممية وخاصة منبري الجمعية العامة ومجلس الامن، والتوجه لاتحاد الصحفيين الدوليين ومنظمات حقوق الانسان وغيرها من المؤسسات لمحاصرة السياسات العدوانية والمنافية لأبسط حقوق الانسان وحتى لما تضمنته اتفاقية اوسلو على بؤسها.
على القيادة الفلسطينية والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنابر الاعلامية الارتقاء الى مستوى المسؤولية تجاه ما يجري، لا سيما وان الاخطار تتعدى حدود مصادرة معدات وكاميرات واجهزة كمبيوتر وملفات خاصة بقناتي «وطن» و»القدس التربوي» لتطال الركائز الاعلامية والثقافية والاكاديمية والاجتماعية وفي المقدمة السياسية للشخصية الوطنية الفلسطينية في ظل استمرار التهويد للقدس ومصادرة الاراضي في المناطق المحتلة عام 67.
إذاً حكومة إئتلاف اليمين الصهيوني تدفع الأمور نحو حافة الهاوية، ولا مجال امام القيادة سوى الاستعداد لكل السيناريوهات والخيارات الصعبة المطروحة عليها. فإما ان تكون على مستوى التحديات أو لا تكون.
فتوى العزل
بقلم: محمود ابو الهيجاء – عن جريدة الحياة
لم يدع الرئيس ابو مازن العرب والمسلمين لزيارة القدس من اجل التطبيع مع اسرائيل، بل من اجل نصرة القدس ودعم صمود اهلها، أفما كان الاجدى اذا بالشيخ القرضاوي اذا ما كان محبا للقدس وناصرا لها ان يفتي لصالح هذه الدعوة وهو الذي يعرف ان التطبيع امر تدبيرات و«زيارات» سياسية وترفيهية لبعض ضواحي تل ابيب وحتى لبعض مستوطناتها...!!! والقدس بمسجدها الاقصى وقبة الصخرة دون مساجلات فقهية واجتهادات في التأويل والتفسير والتشريع، هي التي تشد لها الرحال شرعا بدعوة نبي الامة ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك لأنها تقدست بحكم الله وارادته فلا دنس يصيبها حتى لو كان دنس الاحتلال والظلم والطغيان وزيارتها هي طريق المؤمنين لاكتمال حجهم المبرور، فأي فتوى اذا هذه التي تمنع المؤمنين من زيارة مدينتهم التي باركها الله وما حولها ...!! اي فتوى هذه التي تناهض دعوة الرسول الكريم وحتى دون فتوى تجيز الجهاد في سبيل تحريرها، وزيارة القدس اليوم تحديدا هي طريق المؤمنين جميعا للتمسك بها والدفاع عن تاريخها وعروبتها ومكانتها الاسلامية المقدسة .
كأن الشيخ القرضاوي على رأس جيش عظيم يقف على ابواب القدس في انتظار ساعة الصفر لتحريرها ولهذا فانه لا يريد جموعا من حجاج بيت المقدس تعكر صفوة خطة التحرير الكاملة والمكتملة....!!
لست بالطبع في مستوى الشيخ القرضاوي في علومه الشرعية والفقهية، لكني افهم شيئا في السياسة وموازين القوى وسبل الصراع الذي تحكمه الارادات في المحصلة وافهم ان للتحرير دروبا مختلفة ومعطيات عدة منها الثبات والصمود والمقاومة بشتى اشكالها وحين ندعو اليوم العرب والمسلمين لزيارة القدس فاننا نريدهم لتكريس عروبة القدس لمناهضة عمليات تهويدها والتصدي لهذه العمليات، هذه مدينتنا وروح تاريخنا العربي المسيحي والاسلامي، فلماذا فتوى العزل التي تريد ان تبقيها نهبا لعمليات التهويد العنصرية البغيضة..؟؟؟ هذا سؤال لا اظن ان القرضاوي سيجيب عليه والله تعالى ادرى بالامر واعلم.
لا لاعتقالات الطلبة
بقلم: بكر ابو بكر – عن جريدة الحياة
لا شك أن ملف الاعتقالات سواء في غزة من قبل مليشيات حماس، أو في الضفة من خلال الأجهزة الأمنية الرسمية ملف شائك، وحيث لا مقارنة بين همجية القتل (لم يحصل في الضفة إطلاقا) والتعذيب والاعتقال الذي مارسته/وتمارسه مليشيات حماس في قطاع غزة من الطبقة الطفيلية المعطلة للمصالحة، وبين الاعتقال على القاعدة الجنائية من قبل الأجهزة الأمنية أي تلك التي يتم فيها القبض على المتاجرين بالأسلحة أو القائمين بتبييض الاموال مما أشار لها الرئيس أبو مازن تكرارا وأمام خالد مشعل.
والفرق بين الاعتقال على قاعدة الانتماء السياسي أو وجهة النظر المخالفة فكريا وسياسيا واجتماعيا وهو ما تمارسه حماس، وبين الشأن الأمني الجنائي يعد فرقا كبيرا فالأول مدان من أي طرف كان، والثاني هو مفهوم استقرار أمن المواطن ومقبول في أي مكان بالعالم.
إن عدم إقرار حماس بانقلابها الدموي والذي أدى إلى الانقسام، أو رفضها الإقرار بعدم شرعية ما فعلت من قتل وجرح وفتاوى واعتقال وتعذيب (وحديثا الاستعداد لاعدامات لكوادر من حركة فتح)، وضرورة أن تدفع ثمن ذلك هو ما مكّن المستفيدين فيها ماليا واقتصاديا وأمنيا، وما زاد في فظائعها بالقتل والتعذيب والاعتقال وهي الممارسات التي لا يشير إليها غالبية متحدثي حماس حين الحوار عن قضية المعتقلين، وتشير إليها القلة المنصفة رافضة هذه الممارسات التي آذت حماس ذاتها كما أشارت هذه القلة الملتفة حول مشعل في حوارات المصالحة في القاهرة.
أن محاولات حماس اللعب على وتر الاعتقالات الجنائية (حيث من الممكن الرجوع لعشرات التصريحات التحريضية من حماس الداعية لمقاتلة السلطة الوطنية، والتي أفردنا لها مقالا سابقا) التي أدت لتكديس الأسلحة ليس بهدف مقاومة المحتل وإنما الاستعداد لضرب السلطة الوطنية كما دعا لذلك جهارا نهارا عدد من أولئك المحرضين في حماس، لذلك يأتي الحذر من ألا يتكرر سيناريو الانقلاب الدموي في غزة ثانية في الضفة خاصة والتحريض والفتاوى جاهزة بما لا يقبله الله ولا رسوله ولا أي مواطن.
خلاصة ما نريد قوله هو ان الاعتقال على قاعدة الرأي المخالف مهما كان هذا الرأي سياسي أو فكري أو اجتماعي مرفوض قطعيا سواء طبق من قبل الأجهزة الأمنية الرسمية في السلطة الوطنية، أو من قبل مليشيات حماس هذا أولا، وثانيا لقطع دابر الأمر يجب أن يتوقف المحرضون والمفتون والمستفيدون في حماس من الانقلاب عن تحريضهم وفتاويهم الفاجرة ضد بني جلدتهم، وثالثا يجب أن تقر حماس بخطأ الانقلاب والاعتذار عنه وعما فعلته وعدم العودة له مطلقا وتحت أي ظرف وإلا سنظل نعيش حالة اللامصالحة التي تفيد أمراء الحرب في غزة.
القضية الأخرى المرتبطة بالاعتقالات هي ما يتعلق باعتقالات الطلبة، والتي في ظني ان لم يطلها التحريض على القتل أوتكديس الأسلحة أوتبييض الأموال تصبح اعتقالات مرفوضة وغير مقبولة وندينها ونقف في هذا الإطار مع طلبة حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح في غزة وغيرها من الفصائل، ومع طلبة حماس في بيرزيت حينما يرفضون اعتقالاتهم ان كانت على قاعدة الرأي المخالف، ما يضر بمسيرة الطالب التعليمية.
وتحت أي ظرف فمن المتوجب ان يبتعد الطلاب والشباب عامة عن المماحكات السياسية وعن استغلالهم من قبل الأجهزة الأمنية او من قبل القيادات السياسية الانتهازية للايذاء والتحريض وافتعال الفتن والدعوة لقتال بعضنا بعضا كما حصل في قطاع غزة، وان تكون حرية التعبير لهم حصانة، كما يجب أن يكون عليه الحال لكافة فئات المجتمع.
إسرائيل ترد على مؤتمر الدوحة بتسريع هدم منازل المقدسيين
بقلم: اسرة القدس – عن جريدة القدس
بعد مؤتمر الدوحة الدولي وكل الخطابات التي سمعناها والتوصيات واللجان ووعود الدعم، ترد اسرائيل على ذلك، كما يبدو، بتشكيل فريق لتسريع تنفيذ هدم منازل المقدسيين، بناء على امر "المستشار القانوني" للحكومة بعد طلب رفعه "المنتدى القانوني" ايضا من اجل ما يسمونه ارض اسرائيل.
الموضوع ليس ترخيصا للبناء ولا مخالفة له، وانما هو حديث عن "ارض اسرائيل"، وبذلك تخرج القضية عن النواحي القانونية الى المخطط السياسي الواضح وهو "ارض اسرائيل" والسعي للحفاظ عليها وتقليص الوجود الفلسطيني فوقها، وهم لذلك يجعلون الترخيص عملية شبه مستحيلة ومرهقة ماديا وزمنيا، بينما يتسارع البناء الاستيطاني ويحظى بالدعم المادي والسياسي رسميا من الحكومة ومؤسساتها، وتؤكد منظمة "بتسيلم" الحقوقية الاسرائيلية ان اكثر من 46 الف وحدة بناء استيطانية ليس بينها وحدة واحدة للفلسطينيين، كما ان اسرائيل قلصت مساحة الارض المسموح البناء عليها الى نحو 11٪، وصادرت اكثر من 70 الف دونم من الاراضي وضمتها الى القدس وهي كلها اراض فلسطينية خاصة.
المخطط واضح والاهداف معروفة، وقد خصصت اسرائيل مبالغ مالية وميزانية خاصة لعمليات الهدم المحتملة، وبذلك تكتمل الصورة بانتظار التنفيذ، ومن اخطر اشكاله ما قالوا انه يقع في شمالي القدس اي المنطقة الواقعة بين القدس ورام الله والتي تمتلىء بالمباني الشاهقة والكثيرة.
هذه الخطوة جزء من السياسة العامة الاسرائيلية ولا ينفع لمواجهتها اية بيانات او مؤتمرات، وعلينا ألا ننتظر حتى يبدأ التنفيذ ولا بد من دراسة الموضوع بالجدية اللازمة والبحث عن وسائل حماية ممكنة.
قرصنة اسرائيل الاعلامية
لا تكتفي اسرائيل بمصادرة الارض وبناء المستوطنات وتهويد القدس، واصدار القوانين العنصرية المعادية لكل ما هو فلسطيني تاريخا وتراثا وحاضرا ومستقبلا، بل تمتد غطرستها وممارساتها الى وسائل الاعلام كما فعلت بالامس حين اقتحمت قواتها محطتي "وطن" و "القدس التربوي" التلفزيونتين وصادرت الاجهزة والمعدات والوثائق واوقفت البث، ولو مؤقتا، في اعتداء صارخ على ابسط حقوق حرية الرأي والكلمة.
المحطتان محليتان اساسا اي ان المشاهدة محدودة نسبيا، وهما لا تتعاملان بالصواريخ والمتفجرات وانما بالكلمة والنقاش والرأي والفكر. لكن اسرائيل لا تستطيع احتمال ذلك وهي التي تدعي انها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
على اية حال فان هذه ليست المرة الاولى التي تشن فيها اسرائيل حربا على وسائل الاعلام الفلسطينية وكانت قد دمرت مقر اذاعة وتلفزيون فلسطين تدميرا كاملا في رام الله، وهو امر يدل على ضعف الحجة الاسرائيلية وضياع المنطق والخوف من الكلمة والتنكر التام للحقوق والحريات الاعلامية، في تناقض واضح مع القوانين والمواثيق الدولية.
اننا نستنكر هذه الممارسة الحمقاء، ونؤكد في هذا المجال ان اسرائيل لن تستطيع ابدا اسكات الصوت الفلسطيني او طمس ممارساتها وحجبها في زمن التكنولوجيا والوسائل العصرية لايصال المعلومة قولا وصورة. وقد بدأ الرأي العام العالمي الشعبي في كل انحاء المعمورة، يدرك سوء السياسات الاسرائيلية ومجافاتها لكل ما هو عادل واخلاقي. ولا بد للمؤسسات الاعلامية الدولية بصورة خاصة، من شجب هذا التصرف وادانته وابلاغ اسرائيل بذلك وفضح ما تقوم به.
اتفاقات المصالحة الفلسطينية: الشيطان يكمن في التفاصيل!!
بقلم: محمد النوباني – عن جريدة القدس
لا أريد في هذه العجالة الدخول في معالجة نظرية لمقولة المصالحة الفلسطينية وهل الظروف مواتية لنجاحها أم لا؟
فمن زاوية تباين المصالح الطبقية والرؤى السياسية المتباينة وأختلاف المشارب الفكرية والسياسية ومسائل أخرى في غاية الاهمية مثل المفاوضات والعلاقات مع إسرائيل وتباعد الرؤى البرنامجية تبدو هذه المسألة بعيدة جدا عن التحقق دون تنازلات من أحد الطرفين أو كليهما وهما فتح وحماس في الأساس عن قضايا جوهرية لا يتسع لها المجال هنا لأنها بحاجة إلى دراسات معمقة وليس إلى مقالة.
ومع ذلك لا بد من الاشارة الى ان هناك خللا منهجيا في التعاطي مع هذه المسألة من زاوية أن تناولها يتم من خلال عناوين عامة تكتفي بمعالجة سطح الظاهرة من دون الدخول إلى أعماقها مما أدى إلى فشل سائر الإتفاقات الموقعة بين الطرفين.
ولا يشذ عن هذه القاعدة إتفاق الدوحة الأخير الذي باتت علامات فشله بادية منذ الآن من خلال تبادل الاتهامات بين الحركتين حول الطرف المسؤول عن تأجيل تشكيل حكومة التكنوقراط برئاسة الرئيس ابو مازن من دون أن يعرف المواطن الفلسطيني الذي هو صاحب المصلحة الحقيقية في إنهاء الانقسام والعودة الى جادة الوحدة الوطنية من هو الطرف المسؤول حقيقة عن ذلك .
بكلمات اخرى لا يختلف أثنان في الساحة الفلسطينية على أن مطلب انهاء الانقسام والعودة الى الوحدة الوطنية هما ضرورة ملحة وصمام أمان لانجاز مرحلة التحرر الوطني وانهاء الاحتلال، ولكن تكرار هذه المحاولات الفاشلة من شأنه ان يؤدي الى حالة احباط شعبية وقنوط من كل القوى السياسية.
فانهاء الانقسام والعودة إلى حالة الوحدة بحاجة إلى إزالة الاسباب والمسببات والخلافات التي أدت إلى حدوثها من خلال حوارات فكرية وسياسية ناضجة تأخذ بعين الاعتبار المصالح المختلفة والايدولوجيات المتباينة والمشارب الفكرية والسياسية المتعددة والموقف من اشكال النضال والمفاوضات والعلاقات الاقتصادية مع اسرائيل ومسالة التنسيق الامني وغيرها للوصول في النهاية الى ذلك الهدف الغالي والملح وهو إستعادة الوحدة الوطنية.
وبدون ان يدرك الجميع ضرورة وأهمية ذلك فاننا سنجد انفسنا في نهاية المطاف في حالة تشبه الى حد بعيد حالة اتفاق "اوسلو" الذي كان كل بند من بنوده وكل كلمة من كلماته وحتى كل حرف من حروفه بحاجة الى اتفاق جديد ومفاوضات عبثية مضنية لم توصل ولن توصل الى اية حلول ولو دامت عشرات السنين .
وكما يقول المثل الانجيليزي" الشيطان يكمن في التفاصيل" وان اردنا نجاح الحوارات بين الفصائل واستعادة الوحدة الوطنية فانه يجب ان نتوصل الى اتفاقات كاملة على تلك التفاصيل قبل ان نصل الى العنوان الرئيسي وهو المصالحة.
وبدون ذلك فان الامور ستظل تراوح في المكان الى ما لا نهاية وتفقد معها القوى السياسية المشاركة فيها مشروعيتها الشعبية، مهما كان تاريخها النضالي، لتصعد مكانها في نهاية المطاف قوى جديدة لإن الطبيعة لا تحب الفراغ ولا تطيقه.
تركيا: فلسطين والعرب والنموذج
بقلم: حمادة فراعنة – عن جريدة الايام
لا يمكن للمرء المنصف، المدقق، الزائر لتركيا، والمتابع لمجريات اهتماماتها، وتحديد أولوياتها، إلاّ أن يلحظ أن لديها الانحياز الواعي المبني على المصالح والتطلعات والشراكة، ويتعامل معها من خلال ثلاثة ملفات مترابطة، مع بعضها، أو منفصلة ولكنها تصب في مجرى واحد، ملفات فلسطين أولاً والعلاقات العربية التركية ثانياً، والنموذج التركي المحتذى به ثالثاً.
الأتراك يعرفون ماذا يريدون، لديهم واقع اقتصادي اجتماعي سياسي، فرضهم كدولة تقع في الخانة رقم 17 من بين دول العالم المتقدم، ولديهم تطلعات ورغبة جامحة ليكونوا في الخانة العاشرة من بين دول العالم، مؤكدين أنهم أتراك أولاً وثانياً وعاشراً، ونظرتهم للإسلام نظرة قيم وتاريخ يتباهون به كأفراد وكأمة، ويعملون على تجديده بأدوات عصرية طالما أن الواقع فرضهم كجسر التواصل بين الماضي والحاضر، مثلما هم صلة الترابط الإنساني والجغرافي بين آسيا وأوروبا.
الإسلام بالنسبة إليهم قضية شخصية إنسانية، تعكس ترابط الفرد بخالقه والالتزام بما هو مطلوب منه ذاتياً، أما الحساب والنتائج والعلاقة فهي مباشرة دون وسيط، أي لا صلة للمجتمع والدولة بهذه العلاقة الثنائية بين الخالق والإنسان الفرد، كل منهم يتحمل مسؤولية فعله وأدائه وخياره، ودون تحميل الناس جمايل الإيمان والتقوى.
فلسطين بالنسبة للأتراك، قضية وطنية تتفوق عليها أو تضاهيها أو تتقدم عليها أو تقف بعدها القضية القبرصية، فهي تدخل في صلب اهتماماتهم ورعايتهم ومشاعرهم، فلسطين القدس المسجد الأقصى مسميات لمضمون واحد قد تدفع مواطناً تركياً، قد يتقدم مستواه أو مكانته لموقع وزير أو رئيس، ولا يتردد من نزف الدموع حسرة أو إحساساً بالتقصير أو عجزاً عن تأدية الواجب نحو عنوان كبير اسمه فلسطين.
في العام 1967، كما قال لنا مسؤول كبير "جرت تظاهرات مؤيدة لإسرائيل واحتلالها باقي الأراضي الفلسطينية الضفة والقدس والقطاع، معبرة هذه المظاهر عن الفرح التركي لهزيمة العرب أمام الحليف والصديق الإسرائيلي" أما اليوم فوفق أحد الاستفتاءات كما يقول المسؤول التركي نفسه "فإن 98 بالمائة من الأتراك يقفون مؤيدين داعمين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله المشروع، ليس هذا وحسب بل وتشهد التحولات الجوهرية لتركيا (الشعب والدولة)، بعد ما جرى في سفينة (مرمرة) في أيار 2010، وسقوط شهداء أتراك من أجل فلسطين، على أيدي القوات البحرية الإسرائيلية"، ويختصر المسؤول التركي قوله "لقد أصبح الشعب التركي شريكاً في القضية الفلسطينية بعد شهداء سفينة مرمرة فقد استشهدوا من أجل فلسطين وعدالة قضيتها".
في الحوار مع الرئيس التركي عبد الله غُول قال لنا لا تراجع عن الموقف التركي، ولن تكون علاقات أو أي اتصال مع إسرائيل إلا بتحقيق شروط تركيا الثلاثة:
الاعتذار أولاً والتعويض لأسر الضحايا الشهداء ثانياً وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة ثالثاً.
في ملف العلاقات التركية العربية، ثمة مصلحة لبناء علاقات متوازنة ندية متكافئة بين العرب وتركيا، كبلد صديق ودولة مجاورة، وقومية رديفة، نرتبط معها بالجغرافيا والمياه والقيم المشتركة والمنافع المتبادلة لمواجهة خصوم مشتركين أولهم العدو القومي الذي يحتل أرضنا ويصادر حقوقنا وينتهك كرامتنا، وتركيا تقف معنا ضد هذا العدو بقوة وإيمان ومصلحة، فلماذا لا تكون المبادرة العربية بالخطوط المفتوحة بين القيادات والأحزاب والبرلمانات والبلديات والتجار والمهنيين والمثقفين والكتاب لخلق جبهة متراصة مبنية على المصالح والقيم والتطلعات بين العرب والأتراك، لتعود علينا وعليهم بالخير والفائدة وحسن الاختيار، ولمواجهة التحديات والخصوم والتطلع نحو مستقبل أفضل للقوميتين العربية والتركية في عالم تتحكم فيه الولايات المتحدة وإسرائيل.
في ملف النموذج التركي اتضحت الصورة حينما نجح حزب العدالة والتنمية قبل 12 سنة بـ 37 بالمائة من الأصوات وينجح بالدورة البرلمانية الثانية بـ 46 بالمائة ويفوز بالدورة الثالثة بأكثر من خمسين بالمائة، وها هي تركيا على أبواب الانتخابات، محققاً حزب العدالة والتنمية النجاحات المتتالية دون تزمت وادعاء، ودون تبجح على أنه حزب إسلامي، فهو حزب تركي ذو برنامج وطني وخلفية إسلامية في دولة علمانية، الإسلام والإيمان والعقيدة فيها مرشد للإنسان في حياته وتصرفاته وسلوكه الذاتي الشخصي الإنساني، لا يلزم الآخر بما يلزم نفسه فيه، وهكذا تنجح تجربة رجب طيب أردوغان دون أن يقع شعبه ودولته وشخصه وحزبه بمعايير معادية لحقوق الإنسان، بل ينتصر في مجتمعه وفي قيادة الدولة ضمن أقسى معايير حقوق الإنسان وتداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، في دولة علمانية يقع الإسلام فيها موقع الاحترام والتقدير وتتباهى إسطنبول التي تستقبل ملايين السياح من جميع أنحاء العالم، وهي تحتضن 36 ألف مسجد في أحيائها المنتشرة والموزعة بين القارتين الآسيوية والأوروبية.
تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية نموذج لنجاح الإسلام في دخول العصر والتعامل بمفرداته ومضامينه والالتزام بمعاييره بما يتعارض مع الأحزاب الشمولية اليسارية والقومية التي فشلت وهزمت لأن الحياة ضد اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الملهم والزعيم العرمرم، فالحياة نمت على التعددية والتباين والاجتهاد، واحترام الآخر والإقرار بوجوده، وهكذا هي تركيا التي تحترم نفسها وفرضت احترامها على الآخرين من أصدقاء وخصوم في الوقت نفسه.
نقابة.. المتاعب!
بقلم: حسن البطل – عن جريدة الايام
قليلاً صرت "أقشع"-وهذا تعبير لبناني بمعنى أرى-زميلي عبد الناصر النجار، منذ صار نقيب الصحافيين، قبل سنتين وشهر. الزملاء في جريدتنا ينادونه "أبو جمال". هناك طبعاً جمال عبد الناصر؛ وهناك أبو جمال عبد الناصر!
لا مقارنة، مطلقاً، بين أبو جمال عبد الناصر النجار والرئيس باراك أوباما.. سوى في أمر واحد: غزا الشيب الأبيض شعر رأسيهما. واحد لأنه رئيس العالم، والثاني لأنه نقيب الصحافيين الفلسطينيين.. هذا يريد رئاسة ثانية نقابية لأعوص النقابات، وذاك يريد ولاية رئاسية لأقوى دولة في العالم.
أميركا أهم من رئيسها أياً كان جمهورياً أم ديمقراطياً، والنقابة الصحافية أهم من نقيبها أياً كان فتحاوياً مثل أبو جمال، أو حمساوياً.. أو مستقلاً مثل زميلنا الآخر في "الأيام" حسام عز الدين، الذي شكل قائمة مستقلين، فصار التنافس في جولة آذار النقابية (مبدئياً) كما كان التنافس في جولة شباط قبل سنتين: سيبة من ثلاث قوائم: فتحاويون (يتحالفون مع ما يمكن من باقي فصائل م.ت.ف) ويساريون (يتحالفون مع قائمة "فتح") ومستقلون كانوا نشطاء سابقين في الفصائل والانتفاضة الأولى، وصاروا مستقلين نقابياً ومهنياً وليس عن الهم الوطني.
لا أحد من أعضاء وأنصار القوائم مستقل عن هموم النقابة بالطبع، وهمومها جزء من الهم الوطني، وبخاصة بعد ان "شرد" قطاع غزة عن سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية.
لعلني صحافي مخضرم، أو أنتمي الى زمن "الاتحادات" العامة والشعبية في "م.ت.ف"، لا الى واقع نقابات السلطة الوطنية.. وهكذا، وفي يوم بارد جداً، قبل سنتين وشهر، رحت "أتفرج" على انتخابات نقابية صحافية طال انتظارها، ربما عشر سنوات.. لا عضوا ولا ناخبا ولا منتخبا. "البركة بالشباب" ولم أعد شاباً، لكنني هلكت من حمل عمود طويل هبيل سبعة أيام على مدار اسبوع.
آخر انتخابات لـ "الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين-فرع قبرص" حللت أولاً في قائمة صحافيي فصائل "م.ت.ف".. لكن جئت ثالثاً في قائمة صحافيي "فتح"، لأن زملائي في "فلسطين الثورة" خذلوني بدعوى أن منصب "مدير التحرير" في المجلة المركزية "قد الحمل وزيادة"!
الطريف-غير الطريف بالمرة أن "زميلي" خالد سلام كان رئيس تحرير مجلة فتحاوية جداً، لكنه طلع "بوش" في الانتخابات.. ثم سطع في مجال آخر تعرفونه جيداً.
شخصياً، أنا مع النقابية والنقابات، لأنها لزوم الديمقراطية والسلطة والدولة، بينما كانت "الاتحادات" لزوم الوحدة الوطنية ومرحلة فصائل المنظمة.. لكن استمر "أبو ناصر" حتى موته نقيباً صلباً ومشاغباً للمعلمين دون أن ينجح في عضوية اللجنة المركزية في مؤتمر بيت لحم-السادس للحركة، وكان ينسق مع نقيب نقابة الموظفين العموميين.. التي "تدوش" رأس سلام فياض.
.. ويبقى خيط "السياسة" يشتغل في تفصيل "ثوب" النقابة، وبخاصة بعد الانقسام الغزي.. وهكذا فقبل عامين وشهر "انتخبوا" في الضفة و"اختاروا" أن يزكوا أو ينتخبوا "على الغايب" زملاء لهم في غزة..
وربما يكررون هذه النقابية الديمقراطية بعد شهر، رغم أن حكومة "حماس" ربربت نقابة صحافية خاصة بها، لكن لا تحظى بشرعية نقابية من "أيوج" الدولية مثل نقابة الضفة.
الشيء الجيد هو الاحتكام لصندوق الاقتراع النقابي (والأجود صندوق الانتخابات الوطني) لأن نقابة انتخبت قبل عامين وشهر في رام الله، قالت أنها مفوضة لسنتين فقط، ربما على أمل إنهاء الانقسام وهو ما لم يحصل بعد.
يذكرني هذا الحال بنكتة قالها شفيق الحوت وهو فلسطيني مخضرم بعد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام "هذا مؤتمر للكتاب والصحافيين.. والقراء" .. لكن نقابة الصحافيين المنتخبة في السلطة وضعت ضوابط معقولة لعضوية الأعضاء أقبل بها، دون أن أكون عضواً أو ناخباً أو منتخباً، ودون أن أحمل هوية النقابة (هوية "الأيام" فقط).
لكنني معني بمتاعب مهنة المتاعب، ومتاعب النقيب الفتحاوي، وأيضاً منافسي قائمته، مثل قائمة المستقلين التي يترأسها زميل آخر في "الايام".. فإن سمح لي رئيس تحرير "الايام" سأقول أن هذه الجريدة صورة مصغرة عن الفصيل والمنظمة والشعب: فتحاويون وغير فتحاويين بالمرة، وأيضاً مستقلون.
في مؤتمر "فتح" السادس، وقد حضرته، عملوا "نفضة" في الحركة، فهل آمل بنفضة في النقابة، أي أن تكون هي الخيط وليس القماشة السياسية!
حين يبغض المرء ذاته
بقلم: ليانة بدر - عن جريدة الايام
حين يبغض المرء نفسه يتناسى تاريخه، ويندفع إلى رحاب الكذب على ذاته وعلى الآخرين، يأبى على غيره أن يتمتع بالاختلاف، لذا يصبح عنيفاً ومتجبراً بدوره. الأعراض سالفة الذكر هي غيض من فيض مما يفعله المستعمرون بمن يستعمرونهم، وبما يقوم به الديكتاتور ضد الجماعة.
هل يفسر هذا لماذا نسيت ثلة المجتمعين في حيفا تاريخ النظام السوري مع الفلسطينيين، ومذابح تل الزعتر، بل ومجازر لبنان بأجمعها، ونظموا حفلاً تضامنياً مع النظام المجرم في سورية؟ أليس لديهم ذاكرة أو قدرة على تذكر التاريخ، وهم أول من يدعي هذا؟ هل نسوا أن مخيم تل الزعتر ومخيمات أخرى قاومت الحصار، وقدمت الشهداء كي تثبت أن للفلسطينيين قراراً مستقلاً وقضية وطنية هي أكبر من تحكم الأنظمة المستبدة، مهما كانت الحجج والشعارات الجميلة التي تعرضها؟
لا أفهم كيف لمن يمتلكون الجرأة على الادعاء بأنهم أنصار الحرية أن يقيموا بدورهم حفلاً تضامنياً مع حاكم سورية الديكتاتور، والذي صار مرشحاً لكتاب "جينيس" للأرقام القياسية بوصفه سفاح شعبه الأول؟ هل يريدون أن يقنعونا بأن المسألة هي مسألة مصالح دولية بين الأنظمة لا أكثر ولا أقل، وأنه على كل منا أن ينحاز إلى طرف ما بالبساطة ذاتها التي يختار فيها فريق كرة القدم الذي يؤيده؟
وإن كانت المسألة بهذه السهولة، فهل يصلح هؤلاء كي يكونوا قادة لنا؟ وكيف لنا أن نأتمنهم على الأوطان إن كانت غاية المنى بالنسبة لهم الانحياز إلى أنظمة وأطراف ضد أنظمة وأطراف أخرى يشايعونها حزبياً؟
هل هذه غاية الحكاية بالنسبة إليهم؟ وكيف تحوّل الشعب السوري بأكمله وقضية انعتاقه وتحرره من دكتاتورية حكم العائلات إلى مجرد بخار لا وزن له؟
أفهم فعلاً كيف يمكن للاحتلال الطويل أن يطيح برشد هؤلاء وقدرتهم على التفكير كي ينحازوا إلى مجرمي الحرب الذين يرتدون رداء العروبة الكاذب، وهم منها براء، في الوقت الذي يدمرون فيه شعوبهم وحق تقرير مصيرها بذاتها، بما فيه الحق المقدس في التحرر والحصول على العيش كبشر، ومكافحة البقاء كعبيد لمصالح ملوك الطوائف؟ هل نسي هؤلاء حروب إبادة تل الزعتر وعين الحلوة وبرج البراجنة، وحروب المخيمات المتعددة، ومواقع كثيرة أخرى لا تحصى ولا تعد؟
لن أتحدث عن القصف المرعب لبيروت عندما تقدم الجيش السوري غازياً باتجاهها للضغط على المقاومة الفلسطينية خلال الحصار الشهير لتل الزعتر. لن أتحدث عن المدافع التي كانت تطلق من الجبل على سكان المدينة عشرات القذائف في كل دقيقة. لن أتحدث عن نفاد الطحين ونقصان المواد الغذائية لأكثر من أربعين يوماً، ولن أحكي عن انقطاع الكهرباء في عز الصيف حينما يحتاجها الجميع لسحب ماء الشرب حين أغلقت المياه عمداً عن المدينة. لن أتحدث عن الخجل من عدم تلبية طلب امرأة أتت من شاتيلا، وطرقت باب دارنا وهي تبكي لأنها لا تجد طحيناً كي تخبزه لإطعام ثمانية أطفال هي المسؤولة الوحيدة عنهم، ونحن جميعنا لا نملك طحيناً. لن أحكي عن الديدان التي رأيتها في كأس الماء الذي احتفلنا بالحصول عليه من بئر البناية لنكتشف أن ما جمعناه لا يصلح للاستهلاك الآدمي. ولن أحكي عن الأصوات المرعبة للقذائف، ولا عن الانفجارات، ولا عن الأمراض التي أصابت الأطفال بسبب تلوث الأجواء بالفطريات في غياب الماء والكهرباء وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية. ولن أحكي عن الدمار في كل مكان، والآليات السورية تتقدم إلى بيروت لتأديب المقاومة الوطنية الفلسطينية اللبنانية. ولن أحكي عن القذيفة التي عبرت إلى شرفتنا، وهشمت الغرفة بما فيها، فحمدنا الله أنها قامت فقط بهذا.
أخجل فعلاً أن أحكي عنه، وعن مئات التفاصيل المعذبة التي عشناها، بعدما حصل ما حصل لمخيم تل الزعتر من إبادة وتشريد ودمار. لقد كتبت رواية "عين المرآة" بعد أن قمت بأبحاث استغرقت أكثر من خمس سنوات حول ما جرى من تصفية وإبادة في ذلك الموقع، لأقول إن الكرامة الإنسانية جديرة بأن تعاش مهما كان الخراب كبيراً.
ولكن أنتم، أيها المجتمعون في حفل الشكر الذي تقيمونه للطاغية ونظامه، ألا يمكنكم أن تتنحوا قليلاً لكي لا تسقطوا من أعيننا بهذه الفجاجة والبشاعة؟ ألا يمكنكم أن تبتعدوا عن الشاشات والأغاني الحماسية والشعارات فقط كي تشعرونا بأنكم تتأثرون بما يجري للمواطنين المدنيين في سورية. فإن لم تساهموا في استنكار ما يجري، فلا تجعلونا نعرف كم أنتم معطوبون من الداخل، وإلى أية درجة تكرهون أنفسكم كي تتماهوا مع شخصية الديكتاتور البائسة؟
لا نريد منكم الكثير. فقط، اخجلوا قليلاً.
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس