أقــلام وآراء إسرائيلي (285) الخميس- 7/03/2013 م
في هــــــذا الملف
ادارة الحياة والموت في سوريا المتفككة
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
اعلان بدلا من تجميد
بقلم: أورني باتروشكا،عن هآرتس
تاريخ من الصناديق والاصوات
بقلم: يوسي بيلين ،عن اسرائيل اليوم
المسيرة السلمية.. ماذا سيكون عنها؟
بقلم: درور إدار،عن اسرائيل اليوم
نزع الحريات دون محاكمة
بقلم: عميرة هاس ،عن هآرتس
ادارة الحياة والموت في سوريا المتفككة
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
كاميرا رجل المعارضة السورية في بلدة تلبيسة شمال مدينة حمص تمر بين جدران المدرسة المحلية وتوثق الدمار. في الصف الصغير اطفال وطفلات يجلسون على الارضية، تلفهم طبقات من الملابس ويرتعدون من البرد. في وسط الغرفة توجد مدفأة نفط ولكنها لا تعمل لانه لا يوجد نفط. الحيطان مبنية على عجل بصفوف من الطوب المكشوف وأرضية الاروقة المظلمة لا تزال مليئة بحطام البناء، بقطع الحديد الملتوية ورذاذ الاسمنت والتي يشق التلاميذ الى صفهم عبرها.
في غرفة اخرى الصف أكثر ترتيبا، توجد فيه طاولات وكراسي ولكن النوافذ فالتة، بعضها مغطاة بالنايلون الذي لا يفلح في صد الريح الباردة. رجل الهلال الاحمر السوري، الذي انتج الفيلم، يجلب بعض الهدايا الصغيرة للاطفال: كراس رسم، اقلام رصاص، بعض الملابس. ويتساءل ماذا يريدون ان يجلب لهم في زيارته القادمة. 'طاولات'، يطلب احد الاطفال، 'حقيبة مدرسة'، تقول بهدوء طفلة، 'والوان'.
حسب تقرير نشرته منظمات الاغاثة، فان اكثر من 3.800 مدرسة هدمت في الحرب، والعديد من المدارس التي لم تهدم تستخدم مقرات عسكرية، مستشفيات معدة على عجل، او سجون للنظام. بعضها تستخدم لاسكان النازحين ونحو 650 ألف نسمة يسكنون فيها. تلبيسة هي بلدة صغيرة، يسكن فيها نحو 40 ألف نسمة، او على الاقل كانوا يسكنون فيها حتى القصف الاخير للجيش السوري الاسبوع الماضي. وهي تدار من قبل الجيش السوري الحر، وفيها فرع من 'قيادة الثورة' التي سجلت في كانون الثاني انجازا هاما عندما اسقط مقاتلوها طائرة ميغ سورية.
الرد لم يتأخر في الوصول. قصف اجرامي من الجو وقصف مدفعي اصاب مئات المنازل في البلدة وقتل عشرات المواطنين. بعد يوم من ذلك خرج مئات من المواطنين للتظاهر ليس فقط ضد الاسد ونظامه بل وايضا ضد الدول العربية، التي لا تساعد في شيء، وضد الدول الغربية، الغارقة في عدم اكتراثها. 'الزعماء العرب سرقوا رغيف خبزك، وبعد ذلك يعطونك لقمة منه ويأمرونك بان تشكرهم على سخائهم. يا لهم من عديمي الخجل'، هكذا يقتبس الشاعر الفلسطيني غسان كنفاني في صفحة مجلس الثورة في محافظة حمص، المسؤول ضمن امور اخرى عن ادارة الحياة في تلبيسة.
'ادارة الحياة' هو تعبير مرن. القسم الاساسي منه يقع على عاتق المواطنين، الذين يشكلون مجالس محلية تطوعية تنظم قوات لحفظ النظام، خدمات رفاه اجتماعي وحتى محاكم. وهذه المجالس لا تنسجم دوما في رؤيتها مع الجيش السوري الحر. فقد أفادت 'نيويورك تايمز' مثلا عن مجلس مدني كهذا في بلدة تلالان في شمال سوريا، اضطر للصراع مع قيادة الجيش السوري الحر على توريد المنتجات الاساس. وفي النهاية نجح المجلس في تحقيق رغيفين في اليوم لكل كبير في السن وتوريد للكهرباء لاربع ساعات في اليوم. انجاز صغير ولكن هام بما يكفي لمنح المجلس الشرعية. ولكن عندما حاول مواطنون جر هيكل دبابة سورية لبيعها لتجار الخردة وكسب بعض المال، اعتقلهم جنود الجيش الحر وأمروهم بترك الدبابة في مكانها كنصب يدل على انتصارهم العسكري.
من الصعب أن يفهم المرء ما الذي يغذي تصميم سكان هذه البلدة ومئات البلدات والقرى مثلها، التي تتعرض للقصف الجوي والمدفعي وتواصل القتال او التظاهر. على صفحة الفيسبوك لتلبيسة لا يوجد تفسير لهذه الاسئلة. ولعل الجواب هو في صور الدمار الهائل التي الى جانبها تظهر صور قتلى البلدة. طلال العقيدي، الجندي الفار اياد العقيدي، خالد سليم سويس، عمر المصري، كلهم يحظون بشاهد الكتروني خالد، سيصبح جزءا من الذاكرة الجماعية في اليوم الذي يقوم به نظام جديد في سوريا وتبدأ عملية تصفية الحساب.
'هذه بلدات صغيرة. الجميع فيها يعرف الجميع. اذا كان ابنك خدم في جيش الاسد، فان عائلتك تصبح على الفور مشبوهة. اذا قتلت ابنتك في قصف النظام، تصبح بطلا. لا يمكن ان تسمح لنفسك الا تخرج الى التظاهر او التضامن مع العائلات الثكلى. انت تخرج الى الشارع حتى عندما تتعرض حياتك للخطر والا فانك لن تتمكن من ان تري وجهك للناس'، يشرح علي عثمان، لاجىء سوري يسكن في تركيا لصحافي تركي. بيته استولى عليه قوات الجيش الحر، وهو لا يعرف اذا كان سيتمكن من استعادته في أي مرة من المرات.
مواطنو تلبيسة لا ينشغلون بالخطوات الدورية الفاشلة الرامية الى اسقاط الاسد. وهم لا يتابعون جولات مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي ولا يسألون رأيهم في زعيم المعارضة، معاذ الخطيب، الذي يجد صعوبة في اقامة حكومة سورية مؤقتة. من بقي في البلدة يجتهد بالاجمال لان يجتاز يوما آخر وهو على قياد الحياة. علاوة المساعدات التي وعدت بها الولايات المتحدة، بمبلغ 60 مليون دولار، مشكوك ان تصل الى المدرسة المحلية المهدمة أم الى المخبز الذي يصعب عليه توفير أرغفة الخبز. المال سينتقل الى قيادة المعارضة وقيادة الجيش السوري الحر ليستخدم اساسا لشراء السلاح او لتمويل الرحلات الجوية لزعماء المعارضة. الحساب الكبير سيأتي لاحقا عندما سيتعين على احد ما ان يمول اعادة بناء الدولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اعلان بدلا من تجميد
بقلم: أورني باتروشكا،عن هآرتس
تتوقع الأسرة الدولية والفلسطينيون بأن تعمد اسرائيل مع حلول زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى تجميد البناء في المستوطنات لزمن محدد، كدليل على النية الطيبة والاستعداد لاستئناف الاتصالات المباشرة لحل النزاع. وكما نشر أن مستشاري بنيامين نتنياهو المقربين توصلوا الى الاستنتاج بأنه ستكون حاجة الى تجميد البناء.
سيقول الفلسطينيون ان على التجميد ان يكون شاملا، ان يحل على كل المناطق خلف الخط الاخضر، وان يستمر حتى استنفاد المفاوضات. أما اسرائيل من جهتها فستدعي بالتأكيد بأنه لا معنى لتجميد البناء في الكتل الاستيطانية التي في كل الاحوال ستبقى تحت سيطرة اسرائيل في كل تسوية مستقبلية. واضافة الى ذلك ستدعي اسرائيل بأن على التجميد بأن يسمح بتوسيعات يقتضيها النمو الطبيعي مثل اغلاق شرفات بسبب اتساع العائلة وبالطبع سيحاول تقصير فترة التجميد قدر الامكان. وستحاول الأسرة الدولية التوسط بين الطرفين في موضوع مدة التجميد، مداه الجغرافي وعمقه (بمعنى أي حالات يجب ان تخرج من التعريف)، وهكذا قبل ان يدخل الطرفان الى المفاوضات، ستُستنزف قوتهما على المشادات الصغيرة.
تفاديا للعائق، يجدر انه بدلا من الاعلان عن الاستعداد للتجميد ان تعلن اسرائيل بأن ليست لها مطالب سيادة على الاراضي خلف الجدار الامني وأنها مستعدة لأن تعود الى المفاوضات على اتفاق دائم في كل وقت. مثل هذا الاعلان لا يتناقض مع كل الصيغ المعروفة للتسوية الدائمة ولا يشكل سوى خطوة صغيرة اخرى بعد تصريحات رئيس الوزراء في الكونغرس الامريكي بأنه توجد مستوطنات لن تكون ضمن السيادة الاسرائيلية بعد قيام التسوية الدائمة. وهو سيؤدي الى وقف البناء في المناطق شرقي الجدار إذ لن يكون معنى في مواصلة بناء المستوطنات في مناطق ستنتقل في المستقبل الى الدولة الفلسطينية.
بعض من المستوطنين الذين يسكنون خلف الجدار سيطلبون الجلاء حتى قبل الاتفاق، ولغرض ترتيب العملية ستكون حاجة الى تشريع قانون اخلاء تعويض استيعاب طوعي، قانون يسمح للحكومة بالاستعداد لاستيعاب عموم المستوطنين الذين سيخلون عندما يتحقق اتفاق. ولن يكون اخلاء اكراهيا للمستوطنين، وسنعفى من المواجهات في هذا الشأن وكذا مثلما في المواجهات حول البناء الموضعي كتوسيع منزل. وسيختار الكثير من المستوطنين البقاء في مستوطناتهم حتى التوقيع على اتفاق دائم. وسيبقى الجيش الاسرائيلي في يهودا والسامرة وبالتالي لن يكون أي تردٍ في كل ما يتعلق بالسيطرة الامنية.
بدلا من مناورات التأجيل السياسية التي تتبعها اسرائيل، والتي ملّها العالم، سيعود الصدق الى المحادثات، الامر الذي سترحب به الأسرة الدولية فتعود لتصديق اسرائيل بأنها معنية بالفعل بحل الدولتين للشعبين وتوقف العقوبات المتبلورة.
أما الفلسطينيون على أي حال فانهم لن يهتفوا لمثل هذا الاعلان، فهم لا يعترفون بمسار جدار الفصل. ولكن بداية حركة مستوطنين نحو الغرب في أعقاب قانون الاخلاء الطوعي، والدعم الدولي للاعلان الاسرائيلي سيخلقان أجزاءا ايجابية تدفع حتى الفلسطينيين الى العودة الى المفاوضات على التسوية الدائمة. يمكن التخمين بأنهم سيفهمون بأن الاعلان الاسرائيلي هو خطوة بنّاءة تدفع الى الأمام قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش وان اصرارهم بالذات على عدم العودة الى المفاوضات سيجعل الوضع المؤقت دائما.
والأهم من كل شيء: دون صلة بدعم العالم أو موافقة الفلسطينيين فان مثل هذا الاعلان هو خطوة حيوية لاسرائيل كونه يدفع الى الأمام واقع الدولتين وبالتالي ايضا رؤيا الدولة الديمقراطية التي هي وطن للشعب اليهودي.
حتى وقت أخير مضى كان يمكن الادعاء بأن لمثل هذا الاقتراح لا يوجد أي أمل في ان تُقره حكومة اسرائيل. ولكن في الايام التي تتبلور فيها حكومة جديدة، يكون فيها للقوى المركزية من الجمهور الاسرائيلي وزن كبير، والادارة الامريكية تُبدي بوادر تصميم وارادة صادقة لاعادة تحريك المسيرة، فانه ينبغي وضع هدف أكثر طموحا من مجرد مشادة اخرى على تجميد لن يؤدي الى شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ من الصناديق والاصوات
بقلم: يوسي بيلين ،عن اسرائيل اليوم
في البداية عينوا في العمل اعضاء الكنيست من خلال لجنة تنظيمية صغيرة، قررت قبل كل شيء التشكيلة وبعد ذلك وزعت الآخرين حسب الأقدمية والطائفة، العمر والجنس، منطقة السكن وشكل المعيشة (مدينة، قرية زراعية، كيبوتس وما شابه). بعد ذلك انتقلت القوة الى مركز الحزب، وهناك انتخب الاعضاء (العشرية تلو العشرية) المرشحين للكنيست. في الطريقة الاولى نشأ تعلق مطلق لاعضاء الكنيست بقيادة الحزب، وكاد لا يكون مجال لاصوات شاذة، أما في الطريقة الثانية فقد جاء اعضاء المركز بمطالبهم في التعيينات والترفيعات يرفعونها الى النواب الذين اختاروهم. كان يكفي القول للسكرتيرة 'يتحدث عضو مركز'، كي يُسمح له بالوصول الى المنتخب وان يعرض عليه مطالبه. اعتقدنا ان اسوأ من هذا لا يمكن للحال ان يكون.
في مؤتمر العمل في 1991، الذي انعقد في أجواء 'أيها الفاسدون مللناكم' في تلك الايام، نجحنا في ان نحقق اغلبية لتغيير الطريقة في صالح انتخابات تمهيدية تشمل كل اعضاء الحزب، وكنا على قناعة بأننا سرنا الى الأمام نحو ديمقراطية حقيقية، مثلما كان متبعا في حينه في الليكود. وكان نجاح الطريقة جزئيا. تحررنا من التعلق الكبير جدا بالقيادة، وكذا من مطالبات اعضاء المركز. ولكننا وقفنا، فجأة، أمام ظاهرة غير معروفة هي 'مقاولو الاصوات' الاشخاص الذين يدعون بأن عشرات أو مئات من اعضاء الحزب سيفعلون ما يأمرونهم هم به.
لقد خلقت الانتخابات التمهيدية أنواعا جديدة من الجرائم. معظم اعضاء الاحزاب المختلفة هم أناس الموضوع السياسي هام لهم، وهم مستعدون لأن يدفعوا رسوم العضوية المتواضعة ويكبدون أنفسهم عناء الوصول في يوم الانتخابات الداخلية الى الفرع كي يصوتوا لمرشحيهم. ولكن في كل حزب توجد مجموعة من الاشخاص لا تحسب حسابا للموضوع السياسي أو الايديولوجي ومستعدة لأن تمنح صوتها لمن يعد بترفيع هذا الرجل المحلي الذي يترأسها، وفي حالات متطرفة أكثر الحصول من شخص آخر على ثمن لقاء العضوية في الحزب والتصويت للمرشحين الذين يفضلهم دافع الثمن. وحتى لو كان الحديث يدور عن مخالفة للقانون، فانهم لا يعتبرون ذلك مخالفة جنائية بل موضوعا داخليا في الحزب لا ينبغي ان يثير اهتمام محافل فرض القانون، أمرا ما يمكن غض النظر عنه.
هؤلاء الاشخاص الذين لا يعتبرون الانتخابات الداخلية (واحيانا الخارجية ايضا) هامة لهم حقا، هم الذين يقفون خلف 'مُنسِّبي الصناديق' الذين نتذكرهم ايضا في كديما، خلف التزييفات وباقي المفاسد التي تنطوي عليها الانتخابات التمهيدية. معظم هؤلاء الاشخاص هم أناس ليسوا أثرياء جدا، ومصالحهم الوجودية تحتل مكانا مركزيا أكثر بكثير من مواضيع مثل السلام مع جيراننا أو 'المساواة في العبء'. هؤلاء الاشخاص هم الذين يستغلهم 'مقاولو الاصوات'، الذين يأخذون على عاتقهم المخاطرة الجنائية، فيصلون الى قسم من المرشحين ويعرضون عليهم بضاعتهم للبيع.
ما يحصل هذه الايام حسب الاشتباه في الاحزاب المختلفة من البيت اليهودي وحتى العمل يثير من جديد السؤال اذا كان صحيحا الغاء طريقة الانتخابات التمهيدية للامتناع عن المخالفات الجنائية التي تنطوي عليها. رغم كل شيء، شخصيا لا أوصي بذلك. فأنا لا أعرف طريقة أفضل من هذه وديمقراطية أكثر من هذه. أما المعالجة المتشددة من قبل السلطات ومعاقبة من يكونون مذنبين فهي الطريقة الأسلم للقضاء على هذه الظواهر، التي من الواجب وضع حد لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المسيرة السلمية.. ماذا سيكون عنها؟
بقلم: درور إدار،عن اسرائيل اليوم
'في السنوات الاربع الاخيرة لم يتم شيء'. هذا هو السطر الاخير الذي يتفق عليه تماما المحللون بالنسبة للولاية الاخيرة للحكومة المنصرفة. 'الجميع' موضع الحديث يقصدون ما يسمى 'المسيرة السياسية'.
نرى سفينة صغيرة تشق طريقها في مياه عاصفة وأمواج هوجاء. في كل لحظة تهدد الأمواج الهائلة بتفكيكها. ولكن السفينة تواصل السير وفي داخلها، وهذا هو العجب حياة كاملة تعج، ابداع وثقافة وعلم وتوراة، بل وحتى زمن للجدالات والمظاهرات. ليس يوما وليس شهرين بل أكثر من اربع سنوات تشق السفينة طريقها بثقة في المياه العاصفة. اذا دخلنا احدى الحجرات اليسارية سنسمع شكاوى حادة ضد القبطان، الذي لاربع سنوات 'لم يفعل شيئا'. فضلا عن العمى والتبطل، يوجد هنا قدر كبير من نكران الجميل، أليس كذلك؟.
هذا العمى يسعى الى جرفنا في اتجاه مكرر على نحو خاص من شأنه لا سمح الله ان يحطم السفينة الصهيونية على صخور الواقع إذ نحن ملزمون 'بالتقدم'، فكم ممكنا الاهتزاز في البحر؟ هذا وضع يأس اليأس من الحلم الصهيوني الذي يدفعنا نحو عناق كل يابسة تلوح في الأفق حتى لو كانت تنطوي على خطر وجودي. وضع اليأس يؤدي الى كراهية الطلائع الذين يقفون في مقدمة السفينة إذ لولاهم، لكنا منذ زمن بعيد نزلنا على يابسة ما.
اليسار الاسرائيلي، الذي هاجم يئير لبيد قبل الانتخابات، يهاجمه الآن على ارتباطه بنفتالي بينيت. أنتم تعرفون، المستوطنين. يمكن أن نرى في ذلك اسقاطا للكراهية الذاتية على الآخر المطلق. فالمستوطنون هم صورة مرآة اليسار الاسرائيلي ولهذا فانهم يهددونه. 'المستوطنون كرّهوا أنفسهم على الكثير من الشباب' احتج الاسبوع الماضي آري شبيط، 'فقد دفعوهم للشعور بأن المستوطنين هم أخوة'. شيء فاسد حصل لشبيط في السنة الاخيرة لقد فقد بوصلته تماما.
اذا كان ثمة أمل في آخرتنا حيال التهديد العربي والاسلامي علينا في قطعة الارض الصغيرة هذه، فهو يكمن في هؤلاء الأخوة، طلائع عصرنا. فالمستوطنون يواصلون مشروع الاستيطان الصهيوني، من تأسيس بيتح تكفا، عبر مئات النقاط الاستيطانية المنعزلة التي أُقيمت قبل اقامة الدولة وحتى عصرنا. هذا هو الحائط الحديدي الجابوتنسكي فأمنية العرب في اقتلاعنا من بلادنا ستخيب فقط حين يفهموا بأننا عدنا الى الديار ونحن نتمسك بأرض هذه البلاد، بالضبط مثلهم بل وأكثر. المستوطنون يعلمون جيراننا بأننا نحن ايضا نعرف ما هو 'الصمود'.
وتباكى شبيط ايضا على ان المستوطنين نجحوا ويا للويل في اقناع المجتمع الاسرائيلي بأن 'المشروع الاستيطاني ما بعد الصهيوني هو جزء لا يتجزأ من الصهيونية'. بالفعل، من أصبح ما بعد صهيوني هو أنت ورفاقك، يا سيد شبيط. نسيتم حقائق أساسية للصهيونية.
فلندع الصهيونية، ولكن ماذا عن التفكير العقلاني الذي ضاع في صالح تزمت يساري يضع مباديء الاعتقاد بدلا من الحقائق؟ كيف نسمي الانسياق المتكرر لليسار خلف حلول أثبتت نفسها عابثة خطيرة إن لم تكن مرضا عضال؟.
وها هي الحقائق: كل 'الاختراقات السياسية' في العشرين سنة الاخيرة أدت الى مصيبة ارهاب في الشوارع، نزع شرعية في العالم وهجمات صاروخية على اسرائيل. في كل مرة اعتقدنا بأن ها هم سيدعوننا لحالنا، تفجر الواقع في وجهنا. مائة سنة ونحن نسعى الى صنع السلام مع عرب البلاد، مائة سنة نوافق على الاقتسام معهم قطعة إرثنا وهم يرفضون؛ لأنهم غير معنيين بالحل الوسط وبالتأكيد لن يكتفوا بقسم صغير مما يعتبرونه كأرض 'وقف' اسلامي. ولكن اليسار الاسرائيلي ايضا يرفض الاعتراف بالواقع، فالمرة تلو الاخرى يكررون الشعار القائل: 'اذا لم يكن اختراق سياسي' شر ومر سيكون مصيرنا. فأي طريق نخترق؟ أي طريق لم نخترق؟.
هيا نرى ما هو الأفضل: امكانية مؤكدة لاستهداف يومي لغوش دان والمطار الدولي الاسرائيلي من خلال 'الأغراض المتطايرة' بما في ذلك تهريب أنواع من السلاح أثقل واقامة استحكام ايراني على ظهر الجبل تماما أمامنا أم انتفاضة مظاهرات ونزع شرعية في العالم؟.
كم من الوقت سيستمر التصفيق على شرف 'اختراق الطريق' الى ان نعود الى الانتقاد الشديد بسبب مطالب اخرى يرفعها الفلسطينيون لنا على عادتهم. إذ ان هذه هي القاعدة التي يتبعونها لا تتحمل المسؤولية عن أي شيء أبدا؛ أوقع ذلك دوما على اليهود. ويمكن الاعتماد على اليسار في ان يقبل بطواعية الجانب الآخر من هذا الشعور بالذنب لديه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
نزع الحريات دون محاكمة
بقلم: عميرة هاس ،عن هآرتس
في 14 كانون الثاني 2013 كان للقاضي العسكري العقيد موشيه تيروش يوم مكتظ في محكمة الاستئناف العسكرية: فقد استمع الى تسعة استئنافات على أوامر اعتقال اداري لفلسطينيين من سكان الضفة. وعلى الاوامر واقع العقيد يئير كولس الذي يعرف في البروتوكول بانه 'قائد عسكري لمنطقة يهودا والسامرة'. وقد اقرت كل الاوامر التسعة في مرحلة سابقة من قبل قضاة عسكريين آخرين. وفي كل الاحوال سمع تيروش المدعي العام العسكري، الملازم ايلي سيترون، يشرح لماذا ينبغي للاستئناف ان يرد، واستمع الى المحامين المختلفين الذين يدعون العكس. ونحن نفترض بان العقيد تيروش اطلع على المادة السرية في كل ملف، فحص تطابق المعلومات وتضاربها وتأكد من مصداقية المصادر. في ذاك اليوم رد تيروش تسعة الاستئنافات.
احد المستأنفين كان عبد الحكيم بواطنة. محاميه، حبيب لبيب، احتج على قرار المحكمة في عدم السماح له باستجواب ممثل مندوب جهاز الامن العام 'الشاباك' المخابرات. وعن هذا كتب تيروش يقول انه 'من حيث مضمون الامر وفي ضوء جوهر المادة كانت المحكمة محقة في عدم السماح باستجواب مندوب المخابرات من قبل وكيل المستأنف'. وكتب ايضا في قراره: 'الاطلاع على المادة السرية، بما في ذلك المادة الخام، دون حضور الطرفين، يبين أن عن حق عرفت المادة كسرية وعن حق ستبقى هكذا. المادة تتضمن تفاصيل معلومات كثيرة للغاية، من مصادر مختلفة، تتطابق جزئيا مع بعضها البعض وتؤكد جزئيا بعضها البعض. بعض التفاصيل هي ذات خطورة حقيقية. ويتضح من المعلومات انه كان للقائد العسكري اساسا معقولا للافتراض، لاعتبارات أمنية جزئية، واستنادا الى تقدير الخطورة الذي يستشرف المستقبل، بان أمن المنطقة، وكبديل الامن العام، يستدعي أن يحتجز المستأنف في المعتقل. مدة الاعتقال متوازنة نسبيا مع الخطورة النابعة من المستأنف'.
والان، كل ما تبقى عمله هو النسخ واللصق، فيكون لنا قرار للقاضي في كل باقي الملفات الثمانية. كلمة بكلمة. تسعة اشخاص. تسعة حرمانات من الحرية بلا محاكمة، وذات الصياغة بالضبط. وبرأي حبيب، يطرح النسخ التخوف من أن 'القاضي لم يمارس التفكير، فما بالك التفكير الحقيقي' وهو سبب كاف لالغاء القرار. بهذه الروح رفع حبيب هذا الاسبوع التماسا الى محكمة العدل العليا.
وجاء من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي التعقيب بان 'حضرة القاضي موشيه تيروش هو رجل قانون قديم، يتولى منصبه كقاضٍ في الخدمة الاحتياط في محكمة الاستئناف العسكرية منذ سنوات عديدة. كل قرار اتخذه القاضي يتضمن موقفا مفصلا كاملا من كل أمر بحد ذاته، حيث ان القرارات وان كانت مبنية باسلوب مشابه، الا انها مصوغة بشكل خاص بكل حالة من حالات الاستئناف. وبطبيعة الحال، عند تحليل المعلومات الاستخبارية السرية، التي لا يمكن تفصيلها، فان الامر يتم في ظل استخدام تعابير مهنية قريبة'.
المحاكم العسكرية هي شريط متحرك يدين مسبقا كل فلسطيني، لان كل فلسطيني يعارض مسبقا الحكم العسكري الذي فرض عليه. ولكن الاعتقال الاداري بشكل خاص يعد بحياة سهلة لهذا الجهاز العسكري: شخص يعتقل، لا يعرف بماذا يشتبه به، الادعاء العام لا يحتاج الى ان يتكبد اعداد لائحة اتهام، جلب ادلة وشــهود، والتصدي لاسئلة الدفاع. كله في حملة كبيرة يشارك فيها وشاة مجهولون لا يمكن معرفة مصداقيتهم ومصالحهم، قائد عسكري، عميل مخابرات خفي وباقي الصحبة - قضاة وخريجي جامعات محترمة، اعتادوا على نزع الحرية دون محاكمة وبقدرة انتاج مثيرة للانطباع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


رد مع اقتباس