أقــلام وآراء إسرائيلي (263) السبــت - 09/02/2013 م
في هــــــذا الملف
ليست زيارة مجاملة فقط
من يعتقد ان زيارة اوباما الى اسرائيل ورام الله والاردن لن تغير الوضع الراهن فانه يتجاهل الدينامية التي ستنشأ كنتيجة لها
بقلم:حيمي شاليف،عن هآرتس
الثائر من ميدان الحريقة.. رأينا زعيما يولد
بقلم:رونين برغمان ـ ميونيخ،عن يديعوت
العروس السنية.. الايرانيون اتهموا مرسي بالخيانة
بقلم:اساف جبور،عن هآرتس
ليست زيارة مجاملة فقط
من يعتقد ان زيارة اوباما الى اسرائيل ورام الله والاردن لن تغير الوضع الراهن فانه يتجاهل الدينامية التي ستنشأ كنتيجة لها
بقلم:حيمي شاليف،عن هآرتس
زار الرئيس نيكسون اسرائيل في العام 1974 بعد التوقيع على اتفاقات وقف النار بين اسرائيل وسوريا ولصرف الانتباه عن مشاكله في قضية ووترغيت. وجاء كارتر في 1979 كي يربط الاطراف في اتفاق السلام مع مصر. أما كلينتون فكان مسافرا مواظبا وزار البلاد أربع مرات: للتوقيع على اتفاق السلام مع الاردن، للمشاركة في جنازة رابين، لمساعدة شمعون بيرس في 1996 وفي أعقاب اتفاق واي في 1998. ووصل بوش مرتين، بعد مؤتمر انابوليس وبمناسبة احتفالات الستين للدولة، ولكن بالاساس كي يحظى بالدفء والعطف الذي لم يعد يمكنه أن يتلقاه الا في اسرائيل.
وهكذا فانه من تحليل زيارات الرؤساء الامريكيين في الماضي تنشأ عدة استنتاجات عملية عن طبيعة الزيارات: فقد كانت دوما تأتي قبيل نهاية الولاية، وهي بشكل عام مكرسة لمهمة محددة أو تأتي في أعقاب حدث تاريخي، وهي احيانا تستهدف مساعدة الرئيس على توجيه الاضواء الاعلامية بعيدا عن المشاكل في الداخل. بهذا المفهوم، فان زيارة الرئيس اوباما المرتقبة هي استثناء: فهي تجري في بداية ولايته، حين تكون مكانته العامة متينة أكثر من اي وقت مضى، وبدون موضوع ملح، جوهري أو رمزي، على جدول الاعمال. او على الاقل ليس معروفا هكذا للمحللين، للخبراء ولمعظم الموظفين الذين يشتغلون على الامر.
وبالفعل، منذ علم بامر الزيارة ينشغل الناطقون بلسان الرئيس بتخفيض مستوى التوقعات وبخلق احساس بان اوباما يأتي في واقع الامر دون غاية، فقط لانه طاب له ان يزور. فلا توجد له خطة، ليس لديه اجندة، ليست لديه نوايا خفية وليس لديه أي ارادة للتأثير على تشكيلة الائتلاف. لا يأتي للتوبيخ ولا يأتي للضغط. يأتي كي يعيد تأكيد العلاقات المتينة بين اسرائيل وامريكا، يجري مشاورات في المواضيع الاقليمية المشتعلة وأن يبدأ من جديد علاقاته مع رئيس الوزراء نتنياهو.
لقد كبا اوباما عندما امتنع عن زيارة اسرائيل في حزيران 2009، بعد خطاب البداية الجديدة له في القاهرة. وقد ضخم هذا الخطأ بعد ذلك الى حجوم وحشية وسخيفة من قبل منتقديه في اوساط اليمين اليهودي والجمهوري، كدليل على عدائه لاسرائيل. اوباما يستغل الان الفرصة الاولى لازالة هذه الشوكة، في التوقيت الاكثر ملاءمة: بعد الانتخابات في الدولتين، في بداية الولاية الجديدة لاوباما ونتنياهو على حد سواء، وبعد أن صحا الرجلان من الوهم في أن يحل أحد ما اكثر راحة محل نظيره.
كما أن خطر مظاهرات الغضب الجماهيرية في الشوارع او الاستقبال المحرج في الكنيست قل جدا بالقياس الى السنوات الماضية، في ظل غياب مسيرة سلمية تثير الخلاف وفيما تكون اسرائيل وامريكا تقفان معا، كتفا بكتف، في وجه خطر مشترك كايران، سوريا ومصر.
ولكن خلافا للانطباع الذي يرغب الطرفان في خلقه، ولا سيما لصد الضغوط المحتملة، فان الحديث لا يدور عن زيارة مجاملة من الابتسامات، البادرات الطيبة والوقت اللطيف. اولا، لانه بعد ستة اسابيع وهذه مدة طويلة في الشرق الاوسط المتقلب والذي يعج الاحداث، فان المسألة الايرانية ستقترب من نقطة الغليان. بيان الرئيس خمينئي أمس، في أن ايران لا تستجيب لاقتراح الولايات المتحدة باجراء محادثات مباشرة، معناه حسب المحللين تأجيل الموعد المحتمل للقاءات الثنائية الى ما بعد الانتخابات التي ستجري في ايران في حزيران على الاقل، الموعد الذي يعتبر في اسرائيل بانه متأخر جدا. كما يفترض بامريكا ان تضع على الطاولة، رسميا او بالتسريب، اقتراحا لـ 'صفقة شاملة' مع ايران، من شأنها أن تثير انتقادا حاد في اسرائيل. وها هو موضوع مشتعل للبحث، تبرر آثاره الوجودية بالتأكيد لقاء وجها بوجه.
وحتى لو لم تكن للرئيس نية في أن يضع مبادرة جديدة على الطاولة، كما أوضح الناطق بلسان البيت الابيض، فان زيارته ستحل الجمود في اساسات المسيرة السلمية الاسرائيلية الفلسطينية. فليس هناك من وضع يأتي فيه اوباما الى اسرائيل ويزور رام الله والاردن وفي النهاية يخرج من هنا دون أن يغير في شيء الوضع الراهن القائم، ومن يعتقد ذلك فانه يعبر عن أمانيه أو يتجاهل الدينامية التي ستنشأ بالضرورة كنتيجة للزيارة. وبالحد الادنى، كما تقول مصادر عليمة، فان الزيارة سترسم الطريق لاستئناف المحادثات السياسية، في مسيرة كفيلة بان تتضمن ايضا تفاهمات ثنائية مع الفلسطينيين لاقناعهم بازالة طلبهم المطلق بتجميد الاستيطان.
وحتى لو كان صحيحا ان اوباما لا يعتزم التأثير على تشكيلة الائتلاف في اسرائيل، فلا ريب أن لتشكيلة الائتلاف سيكون تأثير هام على اوباما وزيارته. فائتلاف يمين اصوليين ضيق تكون فيه اغلبية مطلقة للتسوية سيلقي بظلال ثقيلة على الزيارة ويجعلها عقيمة وثقيلة؛ ائتلاف يمين وسط ستمنحها بعد من التفاؤل والبداية الجديدة. وهذا يعرفه نتنياهو هو الاخر.
ولكن التأثير الاكثر دراماتيكية للزيارة كفيل بان يكون على الرأي العام في اسرائيل. فاوباما لا يأتي الى اسرائيل كي يبحث في المساواة في العبء او في تحسين وضع الطبقة الوسطى. وهو سيقسم اغلظ الايمان لامن اسرائيل ويطلق اقوالا آسرة عن عمق العلاقة بين الدولتين، ولكنه سيربط مستقبل، أمن وازدهار اسرائيل بتحقيق اتفاق مع الفلسطينيين. وهو سيطلق صيغة مخففة ولطيفة على الاذن لامور فظة سربت باسمه الى الصحفي جيفري غولدبرغ: أين توجد المصالح الحقيقية لاسرائيل، في نظره، والى اين يمكن ان تتدهور اذا لم تعمل على تحقيقها.
سيملأ اوباما الفراغ الذي نشأ في الحملة الانتخابية الاخيرة، والتي فضل فيها معظم الاحزاب التركيز على المشاكل الاجتماعية والداخلية وتجاهل الفيل الفلسطيني الذي يحتل مركز الغرفة. وسيحطم بقدر كبير نهج 'الفلسطينيين يوك' (استعارة لقول ادميرال السلطان العثماني ابراهيم المجنون في القرن السابع عشر الذي قال: 'مالطا يوك'، مالطا غير موجودة، وأبحر الى حتفه في المعارك مع الكريتيين) الذي يميز الخطاب الجماهيري والاعلامي في اسرائيل في السنتين الاخيرتين. وسيعطي ضربة كهربائية لجسده الذي اقتنع الكثيرون بانه قضى نحبه وسيفاجأون باكتشاف انه لا يزال حي، يتنفس بل وربما يرفس.
ستكون هذه هي المرة الاولى التي يتوجه فيها اوباما مباشرة الى الشعب في اسرائيل، بعد أربع سنوات من التجاهل الذي يصعب حتى على أكثر محاميه حماسة ان يبرره. فالكثير من الاسرائيليين طوروا تجاهه اشتباها بل وضغينة في هذه السنوات، ولكنه يعرف ايضا كيف يكسب القلوب عندما تكون ثمة حاجة، كما أثبت في تشرين الثاني الماضي. وبالطبع يصعب تقدير قوة العطف التي ستكون للرئيس ورسائله، والامر لا يتعلق به فقط، ولكن الواقع الحالي، وهذا يكاد لا يكون شك فيه، سيغيره.
إذن اهمية الزيارة هي في مجرد وجودها؟ ربما. ولكن يدور الحديث عن اهمية هائلة، على الاقل من ناحية القدرة الكامنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الثائر من ميدان الحريقة.. رأينا زعيما يولد
بقلم:رونين برغمان ـ ميونيخ،عن يديعوت
كانت الساعة قد أصبحت متأخرة نسبيا، العاشرة والنصف ليلا، حينما بدأ المدعوون يتدفقون على قاعة المؤتمرات الحسنة الأنيقة في فندق 'بايريشر هوك'، التي تعتبر الأجمل والأفخم في ميونيخ. وأُعلمت الكراسي في الصفوف الثلاثة الاولى بأوراق تحمل أسماءا محفوظة للقيادة العليا الدبلوماسية العالمية. وينبغي ان نفترض ان الجميع كانت لهم اماكن أكثر اثارة يكونون فيها في ليل سبت شتائي كهذا في ميونيخ، لكنه كان من الواضح للجميع من جهة اخرى أنهم اذا لم يأتوا فقد يضيعون فرصة تاريخية وهي لقاء رئيس سوريا القادم.
في الـ 49 مرة التي عقد فيها مؤتمر ميونيخ للأمن تحول الى أهم حلقة دولية باستثناء الامم المتحدة بالطبع، للتباحث في الشؤون الأمنية. فقد اعتاد الرؤساء ووزراء الدفاع والزعماء ورؤساء الحكومات على الاتيان الى هنا كل سنة وبعضهم يخطب وبعضهم يصغي وكلهم يتلذذ. كان هناك هذه السنة مثلا نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن والشيخان من مجلس الشيوخ مكين وليبرمان، ووزراء خارجية المانيا وايران واسبانيا والأمين العام لحلف شمال الاطلسي وغيرهم. وقد مثل اسرائيل بالمناسبة وزير الدفاع اهود باراك وقال هناك ايضا الجملة التي أحدثت عاصفة فيما يتعلق بالهجوم على سوريا.
كان موضوع التباحث في يوم الجمعة الاخير الازمة في سوريا. ولا يوجد هنا في ظاهر الرأي الكثير مما يُجدد فالتفصيلات، حتى المزعزعة منها معلومة للجميع وتُذاع كل مساء في نشرات الأخبار. بيد ان منظمي المؤتمر جاءوا الى المنصة بمن نجح قبل شهرين فقط بعكس كل الاحتمالات في ان يوحد من ورائه جهات المعارضة السورية ويُنتخب رئيسا للمنظمة العليا للمتمردين. يسمونه مُعاذ الخطيب، وإن كثيرا جدا من الناس في الغرب على يقين من انه هو الرجل: انه وارث الاسد وزعيم سوريا في المستقبل.
ساد الصمت القاعة حينما كان أول المتحدثين وهو وسيط الامم المتحدة الكبير الاخضر الابراهيمي يجيب على الاسئلة. وقد غض زعيم المتمردين الخطيب عيناه في عدم ثقة بنفسه وبدأ يتصفح الاوراق التي أمامه بعصبية. وفي الصف الذي أمامه مال دبلوماسي اوروبي على أذن رفيقه وسأله في شك: 'قل لي أهذا هو الذي سيقود سوريا؟!'.
وأنهى الابراهيمي كلامه. ونقل ديفيد اغنشيوس الصحفي في 'واشنطن بوست' الذي كان يوجه الحوار الكلام الى الخطيب. وفي غضون ثانية كما بدا حدثت ثورة في داخل هذا الرجل.
رفع الخطيب عينيه عن الاوراق وبدأ يتكلم. وتطابقت عيناه الزرقاوان المتقدتان وكلامه الشديد اللهجة الذي قيل بالعربية الفصيحة. وقد تحدث في سلاسة وبقوة حضور كبيرة من غير ان ينظر ألبتة في الاوراق. وأصبح من الممكن في لحظة ان نتخيل كيف كانت ستبدو خطب هذا الرجل الآسر هناك في المسجد الأموي الكبير في دمشق حينما كان إماما ذا جلالة قبل ان يبدأ الاعتراض على سلطة الاسد. وصعب على المترجمة الفورية ألا تنساق في حماية. وأصبح الجمهور أسيرا. وحينما انتهى من كلامه حظي بتصفيق طويل حماسي وهذا شيء شاذ في الحلقة الالمانية الصارمة والمتحفظة. وقد صفق الدبلوماسيان الاوروبيان اللذان جلسا أمامي تصفيقا شديدا ايضا. وحينما ساد الصمت استدار أحدهما مرة اخرى نحو أذن الآخر وقال له هذه المرة بصوت واثق: 'إسمع. رأينا زعيما يولد'.
في الساعة الثانية عشرة ونصف حينما بدأ الحاضرون يتفرقون تقدمت الى الخطيب الذي كان يقف في ركن القاعة مع متحدثه، ولم أُعرف نفسي في البدء بأنني اسرائيلي وبدأت اسأله بضعة اسئلة. وفرح الخطيب بالاجابة.
في مركز الكلام الذي قاله من فوق منصة المؤتمر وفي حديثه إلي بعد ذلك قام أشد انتقاد للمجتمع الدولي الذي هو 'أنشارك الصامت في مجازر وجرائم حرب نظام الاسد' وبسط الخطيب القائمة المُحدثة لفظائع النظام: 'الى اليوم قتل 65 ألف انسان منهم 30 ألف ولد وشاب. وعُذب 85 ولدا حتى الموت، وقد قصفوا مدارس ومناطق مجاورة لها في أول ايام الدراسة ودُمر ثلاثة ملايين بيت وطُرد 700 ألف انسان عن بيوتهم وأصبحوا بلا سقف اليوم. وتضرر 40 في المائة من المباني في الدولة بنيران النظام.
'إن اعمال الرئيس الاسد تُذكر جدا بأعمال طاغية آخر هو صدام حسين في العراق الذي ذبح أبناء شعبه بلا تفريق. ويستعمل هذا النظام استراتيجية جرائم حرب متعمدة فهم يقصفون صفوف الخبز ويقتلون النساء والاولاد والشيوخ بلا تفريق.
'اعتقدنا انه يجب تنحية النظام بالوسائل السلمية لكنه في صلفه وخنزيريته رد بأعمال قتل على المظاهرات التي بدأت الهبة الشعبية، فلم يبق لنا مفر سوى ان نبدأ ثورة. نحن نحب الحياة لكننا لا نخاف الموت واذا اضطررنا فسنموت كي نزيل هذا النظام'.
قلت له: في العالم خوف كبير من ان يأتي بدل نظام الاسد نظام اسلامي متطرف، فقال الخطيب: 'لا أفهم المجتمع الدولي. يُقتل في سوريا مواطنون أبرياء لكنكم في وسائل الاعلام تقيسون طول لحى المعارضين وكأن هذا هو المهم الآن. يجب انقاذ سوريا من دمار شامل وبناء نظام بدل نظام المجرمين هذا يقوم على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان واحترام قيم الاسلام'.
صدمة حماة
ولد في 1960 في دمشق، وهو متزوج وأب لاربعة. ويدل اسم عائلته 'الخطيب' على أنه من نسل عائلة خطباء. وقد كان أبوه في الحقيقة خطيب المسجد الأموي في دمشق وكان من أكبر وأهم الخطباء في العالم الاسلامي. وقد درس مُعاذ الخطيب في دأب على يده وعلى يد علماء مسلمين آخرين. وقبل عشرين سنة في سن فتية نسبية ورث أباه عمله خطيبا في المسجد المشهور. وقد أصبح صيت هذا الشاب الذي يؤيد اسلاما معتدلا وينجح في أسر عشرات الآلاف بخطبه، الى بعيد ودُعي ايضا الى مساجد مهمة في نيجيريا والبوسنة وبريطانيا والولايات المتحدة وهولندة وتركيا وغيرها.
وفي موازاة تعمقه في دراسة الاسلام درس الخطيب الجيوفيزياء التطبيقية وعمل مهندسا في شركة نفط الفرات. وهو عضو في عدد من الجمعيات العلمية والثقافية وهو يحرص ان يقول في المقابلات معه انه 'لم أنتمِ ولست أنتمي الى أي جهة سياسية'، وهو ينكر على الخصوص العضوية في منظمة الاخوان المسلمين.
إن الأحياء التي نشأ فيها، حول المسجد الأموي في البلدة القديمة من دمشق وفي الشوارع الشاعرية في سوق الحميدية وسوق مدحت باشا وميدان الحريقة هي منطقة سنية تعتبر معتدلة وليبرالية نسبيا بالمفاهيم السورية. في أيام المجزرة الكبيرة التي نفذها الاسد الأب في مدينة حماة (في شباط 1982) فر جرحى ولاجئون كثيرون من رعب القتل الى البلدة القديمة في دمشق. وتأثر الخطيب الشاب الذي كان آنذاك في الثانية والعشرين بالحادثة تأثرا عميقا. إن اللاجئين من أبناء شعبه هم نقطة حساسة عنده.
جاءت لاجئة كهذه وهي شابة تدعى خلود، الى المؤتمر في ميونيخ. ووقفت عند مدخل القاعة وسألت المشاركين في الحوار بصوت مرتجف لماذا لا يفعل المجتمع الدولي ما يكفي من اجل اللاجئين السوريين. وشكر الخطيب بصوت لا يقل ارتجافا في جوابه 'الأخت العزيزة خلود'، واتفق معها تماما وأكد قائلا: 'كنت هناك واعتقلني النظام عدة مرات الى ان نجحت في الهرب'.
تقول جهات المعارضة ان الخطيب اعتقل في السنتين الاخيرتين اربع مرات على أيدي اجهزة الاسد الامنية. وبدأت الاعتقالات بعد نشوب الاحتجاج في سوريا بشهر حينما خطب الخطيب في جموع المتظاهرين حينما تمت جنازات القتلى السنيين في دمشق الذين أطلقت عليهم قوات النظام النار.
وتزعم المعارضة انه ظل يخطب ويعارض النظام برغم اعتقاله وهو يرى نصب عينيه ذكرى ضحايا المذبحة في حماة. وكان اعتقاله الأخير في الـ 27 من نيسان 2012، وبعد الافراج عنه هرب من وطنه لأنه أدرك ان مكانته الدينية لن تساعده في المرة القادمة وانه سيُعدم.
وفر الخطيب الى الدوحة عاصمة قطر وبدأ يعمل من هناك محاولا توحيد جهات المعارضة المنقسمة المتنازعة. وفي تشرين الثاني الاخير، تحت ضغط ثقيل من الولايات المتحدة والجامعة العربية، اجتمع في الدوحة ممثلو أكثر دوائر المتمردين (ما عدا الفصائل المؤيدة لايديولوجية القاعدة التي قاطعت اللقاء)، وكان الهدف واحدا هو ادخال اتفاق في هذا الخليط غير المفهوم للعيون الاوروبية والامريكية ـ من الطوائف والحمولات والقبائل المتصارعة بينها، أو بعبارة اخرى ـ ان يوجد زعيم سوري جديد.
كان اختيار الخطيب من هذه الجهة هو الأكثر إراحة. فهو مسلم سني تقي عالم بالدراسات الدينية، لكنه معتدل نسبيا (فقد أسرع الى تعيين امرأة لتكون من نوابه)؛ وهو عالمٌ يؤلف بين العلم والايمان الديني العميق؛ ويتحدث انجليزية لا بأس بها؛ وهو يستطيع ان يكون جسرا ايضا مع الاخوان المسلمين ومع المسيحيين والعلويين ايضا الذين هم الأقلية التي تحكم الدولة الآن. 'نحن نؤيد الحرية لكل انسان في هذا البلد: كل شيعي وعلوي واسماعيلي ومسيحي من الشعب العربي أو من الشعب الكردي العظيم'، قال. وهذه هي طريقة كلامه التي تميزه: فالخطيب يحاول ان يستوطن قلوب كل الأطراف. وعلى ذلك قال مثلا إن 'الجهاد في سبيل الله كان دائما باعثا أساسيا على حقوق الانسان'. واليكم مثالا خلاقا لجملة واحدة يستطيع الاخوان المسلمون متمردو اليسار الشباب في دمشق ايضا الموافقة عليها.
ويدرك الخطيب جيدا ايضا ان الثوار جميعا متحدون على كراهيتهم لايران وممثلها على الارض السورية حزب الله. فقد دعا الخطيب من فوق المنصة في ميونيخ احمدي نجاد ونصر الله الى الكف عن تأييدهما للاسد: 'إننا نطلب من النظام الايراني ان يُخرج جميع 'خبرائه' من سوريا'، قال، 'ونطلب من قيادة حزب الله ان تُخرج محاربيها من سوريا'.
وينكر عليه علي سلطانية، سفير ايران الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي كان يجلس في واحد من الصفوف الأمامية بين الجمهور، كلامه ذاك. 'إن الكلام الذي سمعناه على الحاجة الى تدخل دولي هو سخافة وهراء'، قال المسؤول الايراني الكبير لملحق 'سبعة ايام'. 'إن الطريقة الوحيدة لحل ما يجري في سوريا هي أن يعطى الطرفان امكانية التحادث فهما فقط يستطيعان حل هذه المأساة المستمرة'.
لكنهما في هذه الاثناء مستمران في القتل فقط.
يبتسم سلطانية. 'اذا لم تكن جهات المعارضة في سوريا هي القاعدة في الحقيقة كما يزعمون'، يقول في تهكم. 'فانهم لا يستطيعون معارضة اقتراح النظام محادثة مباشرة بلا شروط مسبقة. هذا اذا لم يكونوا القاعدة كما قلنا آنفا'.
'أُنظر، عبرية'
لا يستقبل الجميع الخطيب بالأحضان. فقد نسج صحفي فرنسي يدعى تيري مايسان، عُرف في الأساس بفضل نظرية المؤامرة التي نسجها حول أحداث الحادي عشر من ايلول، نظرية مؤامرة حول الخطيب ايضا. ويعتمد مايسان على ماضي الخطيب في اعمال الطاقة ويزعم ان تقديمه لمنصب الزعيم السوري غطاء على المصالح الحقيقية للقوى العظمى في المنطقة: النفط. ويزعم مايسان ايضا ان الخطيب صدرت عنه أكثر من مرة آراء معادية للسامية مطلقة على اليهود.
لكن رجل اعلام فرنسي ليس تهديدا للخطيب بل الجهات المتطرفة في ائتلاف المعارضة وهي تلك التي تحدث سلطانية في تهكم حينما قال انها 'ليست القاعدة'.
في حلقة جهادية مغلقة تدعى 'شموخ' قيل: 'لو كان فيكم خير لحاربتم على ارض سوريا وانضممتم الى المجاهدين ولم تقعدوا في كراسي والى موائد في الدوحة!'. وهذه إيماءة الى مكان حلول الخطيب. وكتب عضو آخر من الحلقة يقول: 'كل شيء مصالح ومعارضة مقاعد. إننا نريد مقاومة جهاد لأنه لا يفل الحديد إلا بالحديد'.
ورد عضو ثالث من الحلقة قائلا: 'حينما اضطر سكاننا في سوريا كارهين الى طلب مساعدة ... طلبوا تدخلا عسكريا سريعا أو أن يزودوهم بسلاح. لكن طلبهم رُفض رفضا باتا. بدل ذلك يرسلون اليهم جواسيس جددا، من بسطاء الشعب كي يحكموا الدولة بعد القضاء على الاسد'. وعبر المتحدثون في حلقة جهادية متطرفة تدعى 'الأنصار' عن خشية من ان يستسلم الخطيب آخر الامر 'لعناق دب الغرب'.
إن الخطيب قد صدرت عنه في الماضي في الحقيقة تصريحات مهادنة لنظام الاسد ايضا. وسألته عن ذلك في حديثنا فقال: 'هذا صحيح. فقد أعلنت أنني مستعد لمحادثة مباشرة مع النظام لكن لا ليبقى بل لتنحيته بوسائل سلمية. فلن تكون هوادة في هذا. يجب ان يُنهي الاسد حكمه وفورا. ونحن نطلب باعتبار ذلك خطوة ارادة خيّرة ولمنع سفك دماء آخر الافراج فورا عن 100 ألف مواطن جميعا الذين اعتقلهم النظام منذ بدأت الهبة الشعبية'.
' إنكم توجهون اصبع الاتهام دائما الى المجتمع الدولي. فما الذي كنتم تتوقعون ان يفعله حقا؟
' يجيب الخطيب بصيغة تشبه ما قاله قبل ذلك في كلامه وهذا برهان على ان الكلام قد أُعد في حرص مسبقا: 'أتوقع من المجتمع الدولي ان يبدأ عملية حثيثة للتشويش على جميع وسائل الاتصال والالكترونيات للجيش السوري على نحو لا يُمكّن طائراتهم من الاقلاع ولا يُمكّن قيادات الجيش من الحديث بعضها الى بعض. واذا لم يساعد هذا فأتوقع منهم ان يبدأوا عملية عسكرية فعالة تفضي الى اسقاط كل طائرة عسكرية تقلع في سوريا. واذا لم يساعد هذا فأتوقع منهم ان يدمروا جميع الاسلحة والطائرات والمنشآت للنظام مهما كانت'.
' في اسرائيل وفي العالم كثيرون قلقون جدا من مخزون السلاح الكيميائي للاسد. قلت للخطيب.
' وكان مستعدا ايضا لهذا السؤال: 'يوجد هنا شيء عجيب. فالمجتمع الدولي يقول انه لن يقبل ألبتة ان يستعمل النظام السلاح الكيميائي وانه سيتدخل آنذاك. هل يعني هذا ان السلاح الكيميائي محظور لكن كل ما سواه مُباح؟ أي نوع سياسة هذه؟
'وأقول في الشأن نفسه: لا يوجد ما يقلقكم في موضوع السلاح الكيميائي. فنحن في قوى ائتلاف المعارضة سنضع أيدينا على كل مخزون سلاح النظام ومنه السلاح الكيميائي ولن ندعها تقع في أيدي جهات غير مخولة'.
على أثر هذا الكلام قال لي بعد ذلك في حديث خاص ليس للنشر، قال لي طرف مقرب من الخطيب يبدو انه وجهه وأرسله انه 'عندنا معلومات كثيرة عن مخزونات السلاح غير التقليدي للنظام وأعددنا خطة خاصة للتحقق من سيطرة ورقابة كاملتين على السلاح الاستراتيجي اذا ما سقط النظام'.
' هل تفهم خوف اسرائيل من احتمال انتقال السلاح الى حزب الله؟
' وأجاب الطرف السوري: 'إن ناس حزب الله هم أبناء الشيطان وسنفعل كل شيء كي لا ينتقل اليهم أي شيء عسكري لا سلاح كيميائي ولا شيء آخر. ويشتمل بعض خطتنا ايضا على اغلاق كامل لجميع طرق الانتقال بين سوريا ولبنان بواسطة رقابة شديدة بحيث لا يستطيعون اخراج شيء من الدولة. إننا ندرك ان هذا الموضوع مقلق جدا ولنا تعاون مع الجهات الدولية كي تساعدنا على هذا الشأن'.
' قالت لي جهة استخبارية اوروبية إنكم تتلقون معلومات من الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا عن الجيش السوري وقواعده وتحركاته
' هل هذا صحيح؟
' 'نحن نتلقى مساعدة من المجتمع الدولي والجامعة العربية. قلت ما يكفي'.
' وماذا ستفعلون بهذا السلاح الكيميائي حينما تستولون عليه؟ أليس محظورا بحسب المواثيق الدولية...؟
' 'إن شاء الله، أنا على يقين من ان النظام الديمقراطي الذي سينشأ في سوريا الحرة سيعرف كيف يتصرف على نحو مسؤول متزن في جميع الشؤون وفي هذا الشأن ايضا'.
ونعود الى الحديث الذي أجريته مع الخطيب. مرت الدقائق واستمررنا في الحديث. وفجأة ثارت شكوكه وشكوك المتحدث فيما يتعلق بأصلي. واستقر رأيي على ان اسأل الخطيب في صراحة:
' هل سيوقع النظام الذي سترأسه على اتفاق سلام مع اسرائيل؟ وفي اثناء ذلك قدمت اليه بطاقة زيارتي.
' تناولها الخطيب وقال ملاحظة إما لنفسه وإما للمتحدث: 'أنظر. انها حروف بالعبرية'. وبعد ذلك بوقت قصير همس المتحدث بشيء ما في أذنه فأسرع الخطيب الى انهاء الحديث. فمن المنطق ان نفترض انه لو أجاب لأجاب في عداء، فما زالت اسرائيل هي العدو الذي يمكنه ان يشق المتمردين وما زالت القاسم المشترك ربما الوحيد الذي يستطيع الاسد توحيد قواته حوله. واذا كان يوجد عند شخص ما في اسرائيل توقع من الخطيب فان المقابلة الصحفية التي أعطاها لـ 'الجزيرة' في الاسبوع الماضي أثبتت ان حلم 'المسافرين لتناول الحمص في دمشق' ما زال بعيدا. فقد سُئل في اللقاء عن الهجوم الذي نفذته اسرائيل على ارض سوريا، بحسب مصادر اجنبية، 'يا لخزيك يا أسد لأنك تُمكّن الطائرات الاسرائيلية والهجمات الجوية من تدمير مساجدنا وحياة سكاننا'، أجاب الوارث المرشح لجارتنا في الشمال الشرقي. 'من العار ان يُمكّن النظام من قصف الشعب السوري'.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
العروس السنية.. الايرانيون اتهموا مرسي بالخيانة
بقلم:اساف جبور،عن هآرتس
34 سنة لم تطأ قدم رئيس ايراني أرض مصر. يوم الثلاثاء الماضي انتهت القطيعة. منذ العام 1979، حين وقعت الثورة الايرانية بقيادة آية الله الخميني وبالتوازي وقع اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر، نشأ صدع عميق بين الدولتين الاسلاميتين. وبأمر من الخميني، ابتداء من العام 1981 قطعت العلاقات بشكل رسمي.
قبل سفره الى مصر اجري لقاء صحفي مع احمدي نجاد في قناة الميادين اللبنانية، المقربة من حزب الله وتحدث عن التعاون الناشيء بين ايران ومصر: 'آمل أن تشق الزيارة الطريق لاستئناف العلاقات بين الدولتين. فالعلاقات بين الدولتين هي علاقات تاريخية، يوجد قاسم مشترك ثقافي عميق بين الدولتين وتوجد حاجة الى استئنافها. لو تعاون الدولتان في المسألة الفلسطينية، لكانت فلسطين محررة منذ زمن بعيد. مصر وايران يمكنهما ان تغيرا المعادلة بشأن فلسطين وبشأن الشعب الفلسطيني'. وردا على سؤال المراسل اذا كان يريد أن يزور غزة ايضا، اجاب الرئيس الايراني: 'اريد أن ازور غزة وأن اصلي في القدس'.
بعد وصوله الى القاهرة اقترح الرئيس الايراني على مصر 'استغلال حقيقة أن ايران هي قوة عظمى نووية من أجل الحصول على العلم والمعرفة في هذا المجال'. وفي مقابلة مع صحيفة 'الاهرام' المقربة من المؤسسة الرسمية، اشار احمدي نجاد الى أن المحادثات بين مصر وايران ازدادت بعد الثورة في مصر وقال ان 'الخطوات البطيئة تسير في الاتجاه السليم'. ودعا الرئيس الايراني الى اقامة وحدة اسلامية: 'في اوساط الدول الاوروبية ايضا توجد خلافات عديدة ولكنها حبذت الوحدة. ايران تمد يدها لكل من يرغب في ذلك'. كما أنه لم يفوت الفرصة لمهاجمة اسرائيل: 'هذا كيان يسلب، يحتل ويظلم العالم كله. فهم يسيطرون على مراكز الثراء، المال والسياسة العالمية ويسلبون الشعب الفلسطيني حقوقه'.
والى اقوال الرئيس الايراني انضمت اقوال مشابهة من محمد صبيح، مساعد الامين العام للجامعة العربية لشؤون فلسطين، الذي تحدث عن المؤتمر الاسلامي الذي وصل احمدي نجاد للمشاركة فيه في القاهرة وقال: 'يمكن لمصر ان توحد الدول العربية ضد اسرائيل. هذه القمة هامة. توجد حاجة للخروج منها باعلان واضح وجلي ضد اسرائيل. هناك حاجة لايضاح مقاومتنا لاحتلال القدس واقامة المستوطنات'.
وخلافا لاحمدي نجاد، فقد تحدث مساعد الامين العام المصري عن الوحدة الاسلامية فقط في سياق اسرائيل: '56 دولة يمكنها أن توقف العلاقات الدبلوماسية، الاقتصادية والصناعية مع الدولة التي تتصرف فوق القانون الدولي وتستخف به. اسرائيل هي دولة مجرمة لا تحترم القانون الدولي ولا تحترم الاتفاقات التي وقعت عليها. اذا لم تكن سياسة حازمة تجاه اسرائيل بانها ستواصل بناء المستوطنات وتؤدي الى القضاء على حل الدولتين. يمكن لمصر ان تحدث تغييرات وتطورات في المسألة الفلسطينية. عليها أن تمر على الدول واحدة واحدة وأن تسأل ممثليها عن مواقفهم من أعمال اسرائيل وما ينبغي عمله لتغيير الوضع'.
كفوا عن التدخل
الموقف الموحد حول المسألة الفلسطينية بشر ظاهرا بزيارة هادئة وايجابية من ناحية الدولتين، ولكن الاجواء الطيبة تغيرت دفعة واحدة عندما التقى احمدي نجاد إمام جامعة الازهر، المركز الاسلامي السني العالمي.
ولم ينتظر الإمام احمد الطيب قبل أن يفتح هجوما جبهويا على رئيس الجمهورية الشيعية الاكبر في العالم: ممنوع على الشيعة ان يحاولوا التأثير على مؤمني الدول السنية. ممنوع على ايران أن تتدخل في الدول المحيطة بها في محاولة لادخال المعتقد الشيعي اليها'.
وتناول الطيب بشكل مركز ما يجري في الخليج ومحاولات ايران منع اتحاد البحرين مع العربية السعودية. 'حذار على ايران أن تتدخل في شؤون دول الخليج. عليكم أن تحترموا البحرين كدولة عربية صديقة والا تحاولوا التدخل في شؤونها. أنا اعارض بشكل قاطع محاولات الشيعة التسلل الى الدول السنية وأرفض نشر المتعقد الشيعي بين الشعب المصري وشبابه'. وطلب الشيخ من احمدي نجاد السماح للجاليات السنية في ايران العيش بسلام وامان وطلب منع العمل على وقف سفك الدماء في سوريا.
وقال احمدي نجاد من جهته في اللقاء انه يحترم وجود السنة في مصر واشار الى ان هناك 'حاجة لتقدم الوحدة الاسلامية والعمل على التقريب بين الشيعة والسنة لحل المشاكل التاريخية بين التيارين'.
واضيف الى الطعم المرير للقاء، الذي نقل بالبث الحي والمباشر في قنوات الاتصال دعوة السلفيين الى عدم السماح لاحمدي نجاد بزيارة الاماكن المقدسة للشيعة. احد الفصائل البارزة في التيار السلفي، 'الدعوة السلفية' نشر بيانا رسميا جاء فيه انه اذا سمح لاحمدي نجاد بزيارة الاماكن الشيعية فسيكون هذا 'سقوط تاريخي للدبلوماسية المصرية'. وعارض السلفيون ايضا زيارة الرئيس الايراني الى ميدان التحرير وحذروا من أنه قد يزرع رسائل شيعية سلبية: 'على مصر واجب الدفاع عن الدول السنية من كل تسلل سياسي او حزبي. هذا جزء من التزامها الدولي وجزء من البرنامج الانتخابي للرئيس محمد مرسي'. وهاجموا الرئيس الايراني على تأييده للنظام السوري واتهموه 'بالمسؤولية عن قتل النساء والاطفال في سوريا، من خلال الدعم الاقتصادي والعسكري'.
ورغم مطالب الحركات السلفية، زار احمدي نجاد الاماكن المقدسة للتيار الشيعي بل والتقى بكبار القيادة الشيعية في مصر في مسجد يحمل اسم الإمام الحسين. وتحت حراسة شديدة دخل الرئيس الى النطاق واستقبلته يافطات كتب عليها: 'نريد الايرانيين هنا'. وأحاط المؤيدون باحمدي نجاد الذي شعر بانه في بيته. وفي حرارة اللقاء خرج الرئيس برفقة حراسة مشددة نحو سيارته، ولوح للجمهور وعندها التقطت الكاميرة حذاء يتطاير نحوه. شخص تحدث بلكنة سورية حاول ضرب رأس الرئيس الايراني احتجاجا على تأييده لنظام الاسد. وفور القاء الحذاء، الذي يعتبر غرضا حقيرا في الاسلام، هجمت قوات الامن على الشاب واعتقلته. احمدي نجاد اهين مرة اخرى.
عداء تاريخي
'تاريخ المواجهات بين ايران ومصر يعود الى الوراء نحو ستين سنة'، يقول يوسي منشروف، باحث في القسم الايراني في معهد بحوث الاعلام في الشرق الاوسط 'ممري' ود. في مركز عزري للبحوث الايرانية والخليج في جامعة حيفا. 'وهو يتضمن الكثير ممن الدم الفاسد، الاحتكاكات والمؤامرات. ومنذ الخمسينيات عندما قام جمال عبدالناصر بثورة الضباط التي أدت الى اسقاط الملك فاروق، اعرب الشاه الايراني محمد رضا بهلوي عن تخوفه من الاسلام المتطرف وحاول التأثير على البريطانيين للتخلص من ناصر.
'بعد الثورة في ايران وصعود الخميني'، يواصل منشروف، 'في الجانب المصري ثار الخوف من أن تكون ايران تحاول تعزيز الشيعة على حساب التيارات السنية. وفهم المصريون بسرعة شديدة أن النظام في ايران يستغل كل بؤرة شيعية كي يعزز سيطرته ولهذا فلم يسمح للايرانيين بموطيء قدم.
'في العام 1997، فور تعيينه، التقى الرئيس محمد خاتمي مع حسني مبارك في جنيف. وتم اللقاء بشكل ايجابي وكانت افكار عن التعاون، ولكن عندها كشفت مصر عن شبكة تجسس ايرانية تعمل في الدولة ومرة اخرى وقعت قطيعة. المصريون يشكون كل الوقت بالايرانيين، ولا يشترون تصريحاتهم'.
منشه أمير، المحلل في صوت اسرائيل للشؤون الايرانية ومحرر موقع الانترنت بالفارسية في وزارة الخارجية يشدد هو ايضا على المسافة بين الدولتين ويقلل من أهمية الزيارة الحالية: احمدي نجاد جاء الى المؤتمر الاسلامي. ولم تدعه مصر. هذا كان لقاء مفروض، مثلما فرض على محمد مرسي الوصول الى ايران قبل سنتين. هذا لا يدل على تحسن العلاقات بل ربما العكس. اقوال امام الازهر، التي كانت انتقاداته شديدة تثبت بان مصر لا تريد أي علاقة مع الايرانيين. وللحقيقة فانهم يريدونهم بعيدين قدر الامكان عن مصر. كما ان الاستقبال العاطف لم يكن الا للبروتوكول فقط. هذه السفرية تعمق الشرخ بين الشيعة والسنة وتؤكد الفوارق بين النهجين'.
ويشير أمير الى أن الخلاف في المسألة السورية لا يساهم في استئناف العلاقات. 'عندما يعرب الرئيس المصري محمد مرسي بشكل قاطع عن تأييده للثوار السوريين وانهاء نظام بشار الاسد بينما تؤيد ايران النظام لا يمكن القول انه من المتوقع تسخين في العلاقات بين الدولتين'.
ويضيف منشروف بان الكثيرين في ايران تحفظوا من سلوك احمدي نجاد في مصر. 'في ايران يوجد انتقاد على الرئيس من الداخل. والعديد من السياسيين والشخصيات العامة قالوا لاحمدي نجاد ان تزلفه لمصر لا يجدي ويؤدي الى اهانة ايران. يجدر بالذكر ان الايرانيين شعروا بالاهانة جدا في أنه في اثناء حملة 'عمود السحاب' لم يسمح الرئيس المصري مرسي لوفد ايراني بالوصول الى القطاع. بل انهم في ايران اتهموا مرسي بالخيانة لانه عمل على وقف النار بين اسرائيل وحماس. وفي الصحف الايرانية كتب انه بسبب وقف النار منع الرئيس المصري حماس من احتلال اسرائيل ومواصلة اهانة العدو الصهيوني الذي استسلم بسبب الصواريخ الايرانية'.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


رد مع اقتباس