اقلام محلي 540
6/11/2013
في هذا الملـــــف:
نتنياهو يتبنى علنا التوسع الاستيطاني
حديث القدس
الأخطر من وعد بلفور...
فايز رشيد /صحيفة القدس
مجلس الأمن والفشل في إدارة العالم
سليم نصار/صحيفة القدس
أبو مازن : نصف المفاجأة .. والمفاجأة ؟
حسن البطل/الأيام
"كيري" من جديد .. وماذا بعد ؟!
هاني حبيب/صحيفة الأيام
المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية: الحاجة إلى تحكيم دولي
أشرف العجرمي/صحيفة الأيام
ستبقى السّياسة الدّولية عالقة في أوحال الشّرق الأوسط
رائد دحبور/صحيفة الأيام
كيف نصنع الأمل؟
يحيى رباح/الحياة الجديدة
تساؤلات متشعبّة....أزمات هنا وهناك: إلى متى؟
صادق الخضور/وكالة معا
تفهمٌ إسرائيلي لمخاوفٍ فلسطينية ...
د. مصطفى يوسف اللداوي/وكالة سما
نتنياهو يتبنى علنا التوسع الاستيطاني
حديث القدس
حتى وقت قريب كانت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ الاحتلال تنفذ مشاريع استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن تلك الحكومات لم تتبجح علنا بأنها تنفذ المخططات الاستيطانية، وكانت تلقي باللوم على جماعات ومنظمات يمينية متطرفة. صحيح أن العالم كله كان يعرف وما يزال يعرف أن تلك الحكومات هي التي تمول وتشجع وتحمي المستوطنات والمستوطنين، لكن الجرأة لم تكن تصل بتلك الحكومات حد التصريح أمام الدنيا كلها بأنها هي التي تبني المستوطنات، وتقوم بتوسيعها.
الأمر اختلف مع حكومة بنيامين نتنياهو الحالية : فقد صرح رئيسها، وفقا لمصادر إعلامية اسرائيلية خلال هذا الأسبوع بأنه أبلغ الفلسطينيين قبل بدء المحادثات الراهنة بأن اسرائيل لن تفرض على نفسها قيودا في مجال البناء الاستيطاني، وادعى بأن الجانب الفلسطيني يعرف هذا الموقف الاسرائيلي، على حد قوله.
وخلال الفترة الأولى من حكومة نتنياهو، وعقب الطلب الذي تقدم به الرئيس الأميركي باراك اوباما خلال ولايته الأولى بتجميد الاستيطان، كان موقف نتنياهو يتصف بالمراوغة والتملص، ولم يقل علنا بأنه ينفذ سياسة ممنهجة ومخطط لها لتوسيع المستوطنات. بل إنه في وقت من الأوقات أعلن أنه سيجمد الاستيطان لمدة ١٠ شهور، وإن كانت تقارير وسائل الإعلام الاسرائيلية تحدثت في حينه عن استمرار البناء الاستيطاني، وخصوصا في القدس، مضافا إلى ذلك استكمال بناء الوحدات الاستيطانية السكنية التي بدأ البناء فيها قبل دخول تجميد الاستيطان المزعوم حيز التنفيذ.
والحقيقة أن تشجيع الحكومة الاسرائيلية للاستيطان، وسكوتها عن اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين ومزروعاتهم وزيتونهم، ليس بحاجة إلى تصريحات علنية. فما تنقله وكالات الأنباء والمصادر الإعلامية الفلسطينية، وحتى الاسرائيلية، يتحدث عن نفسه.
كما أن أعداد المستوطنين، التي قاربت ثلاثة أرباع المليون، دليل صارخ على السياسة الاسرائيلية الرامية لتفريغ الأرض الفلسطينيين من المواطنين العرب، وتغيير طابعها الديموغرافي لصالح الاستيطان والمستوطنين.
والسؤال الذي يطرح نفسه على نتنياهو وحكومته هو :لماذا تجري محادثات التسوية السلمية التي تتواصل حاليا تحت الرعاية الأميركية ما دام الاستيطان سيستمر، وما دامت الأراضي الفلسطينية التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية العتيدة تتشظى وتتفتت إلى مستوطنات تحاصر التجمعات السكانية الفلسطينية، وتحول دون أي تواصل جغرافي فيما بينها؟.
وأي دولة هي التي يمكن إقامتها في ظل التواجد الاستيطاني الذي أوجد بالفعل دولة أمر واقع للمستوطنين، وجعل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية أشبه بالجبنة السويسرية ذات الثقوب الواسعة التي تزيد في حجمها عن المادة الأصلية؟.
غير أن تصريح نتنياهو يجب أن يكون جرسا يقرع في آذان القوى الدولية الصامتة عن الاستيطان، والتي كان بإمكانها منذ وقت طويل ليس فقط أن تمنع التوسع الاستيطاني، بل كذلك أن تقوم بإجراءات تكفل تصفية الظاهرة الاستيطانية، واجتثاثها من جذورها.
فهل تسمع القوى الدولية إياها هذا الجرس الذي ينذر بإنهاء المفاوضات، وما يسمى بعملية السلام، أم إن صمت القبور سيسود، كما ظل سائدا حتى الآن؟.
الأخطر من وعد بلفور...
فايز رشيد /صحيفة القدس
في الثاني من تشرين الثاني كل عام تتجدد ذكرى وعد بلفور الذي جرى اطلاقه في عام 1917 . ستة وتسعون عاماً مرّت على هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود ظلماً بما يمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني -غربي لقرار المؤتمر اليهودي الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897 والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد .
قرار الحركة الصهيونية، وبريطانيا، مثّلا ولا يزالان التقاء المصالح الاسرائيلية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي والقاضية بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربي في آسيا والأخرى في إفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسرٍ للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، كما أنيطت بها مهمة منع الأقطار العربية من الوحدة لأن وحدتها تجعل منها قوة مؤثرة على الساحة الدولية،تم رسم هذا المخطط في مؤتمر كامبل- بنرمان في عام 1908 بين الدول الاستعمارية, تتويجاً لقرار المؤتمر الاسرائيلي, وتمهيداً لوعد بلفور فيما بعد.
وبالفعل جرت الأحداث الفعلية بقوة السلاح الاستعماري الانتدابي البريطاني وفقاً لهذا المخطط،إذ سهّلت بريطانيا(الدولة المنتدبة على فلسطين) وكافة الدول الاستعمارية الأخرى (بما في ذلك ألمانيا) هجرة اليهود إلى فلسطين تحت سمع وبصر سلطات الانتداب البريطاني، وسلّحتهم بالأسلحة الحديثة التي كانت في ذلك الوقت لينشئوا في ما بعد منظماتهم التي كانت نواة الجيش الإسرائيلي حينما تم الإعلان عن قيام اسرائيل.
كذلك في الرابع من تموز 1917 تلقت قيادة اسرائيل رسالة من وزير الخارجية الفرنسي: جول كمبون ورد يقول فيها: “سيكون من العدل ورفع مظالم الماضي أن نساعد بحماية قوات من الحلف على إحياء القومية اليهودية في الأرض التي أجلي عنها عنوة شعب إسرائيل، قبل مئات كثيرة جداً من السنين” . في 19 أيلول 1917 تسلمت القيادة الاسرائيلية رسالة من رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، وموقّعة من وزارة الخارجية البريطانية، جاء فيها: “إن أرض إسرائيل يجب أن تنشأ من جديد لتكون الوطن القومي للشعب اليهودي” .
لقد حرصت قيادة الحركة الصهيونية على كسب اعتراف عالمي بربط فلسطين بالتاريخ اليهودي، أي أن فلسطين ليست منّة من أحد وانما “كانت وطناً قومياً للشعب اليهودي” .
لقد استحصلت الحركة الصهيونية في عام 1905 على وثيقة شعارها “لأجل وطن يهودي” صاغها بالتنسيق معها رجل دين بروتستانتي معروف من شيكاغو هو الكاهن بلاك ستون جاء فيها “لقد أجلي الشعب اليهودي عن وطنه بالقوة وإن عودة اليهود الى وطنهم فكرة جيدة وتحظى بقبول كل المؤسسات الرسمية والأهلية الأمريكية” . في عام 1920 وفي مؤتمر سان ريمو في إيطاليا عام 1920 تم ادخال وعد بلفور في نطاق الاتفاق الدولي . بعد ذلك وفي عام 1922 تبنت عصبة الأمم ال 51 وثيقة كتاب الانتداب على أرض إسرائيل الذي شمل وعد بلفور وجعلوه التزاماً دولياً .
لا نكتب عن وعد بلفور وما جرى قبله وبعده بهدف التباكي عليه، لكن من أجل توضيح حجم المؤامرة على فلسطين وعلى الأمة العربية بأسرها من الدولة الاعظم وحليفاتها آنذاك واستهدافها عموم المنطقة . جاءت ولادة اسرائيل في عام 1948 ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن 2013 لم يتوقف التآمر لا على شعبنا ولا على أمتنا . كل الذي حصل بعد ما يزيد على الستة عقود، أن إسرائيل أصبحت أكثر تطرفا عاماً بعد عام .
من جانب آخر ازداد التآمر الاستعماري على الوطن العربي وهو ما يؤكد حقيقة المؤامرة التي صيغت خيوطها في أوائل القرن الماضي .
الآن نشهد فصولاً جديدة من المؤامرة عنوانها: تفتيت الدول القطرية العربية وتحويلها الى كيانات هزيلة ومتناحرة ومتحاربة . أفضل مثال على صحة ما نقول هو جنوب السودان الذي تم اقتطاعه من جسد الوطن الأم ليمثل إسرائيل جديدة يتم زرعها في الخاصرة الأخرى للوطن العربي .
حتى الآن لم نستفد من دروس الماضي، العرب ما زالوا مفككين والقطرية تتمازج مع العصبوية لتشكل ما يشبه الظاهرة في العالم العربي على حساب شعارات الوحدة والتكامل والتنسيق البيني العربي . الحال الفلسطيني ليس بأفضل، فالانقسام بات حقيقة واقعة في عامه السادس على التوالي . المشروع الوطني الفلسطيني يعاني تراجعاً كبيراً رغم وضوح كافة خيوط المؤامرة .
في ذكرى وعد بلفور من الواضح أن الخطر الاسرائيلي لا يقتصر على الفلسطينيين بل يتعداهم إلى كل العرب . من أجل هذا لا بد من تعزيز التلاحم بين الخاص الوطني والعام القومي . إسرائيل لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب تريد استسلامهم الكامل لها ولتسوياتها .
لكل ذلك لا بد من بناء استراتيجية فلسطينية وعربية جديدة في كيفية التعامل مع هذا الجانب وأطماعه في الوطن العربي . استراتيجية تقوم على مجابهة إسرائيل وكافة المؤامرات التي تحاك ضد العرب ولعموم المنطقة . ولتتعزز شعارات التضامن والتكامل العربي على طريق الوحدة العربية . بالطبع هذا ليس حلماً وإنما ضرورات واقعية ومتطلبات مرحلة وضمانة لبقاء الأمة العربية وإلا سنكون أمام حلقات تآمرية جديدة هي نسخ كربونية عن وعود بلفور عديدة واتفاقيات سايكس بيكو جديدة .
مجلس الأمن والفشل في إدارة العالم
سليم نصار/صحيفة القدس
كان جو التوتر والترقب مهيمناً على منزل رئيس مجلس إدارة مصرف «سيتي بنك» في نيويورك. وكان أكثر الحاضرين اهتماماً بما يجري داخل الجمعية العامة مساء ذلك اليوم الموافق 29 تشرين الثاني 1947... هو المحتفى به كميل شمعون، رئيس وفد لبنان إلى الأمم المتحدة.
وبعد طول انتظار، قطعت مرحلة الترقب مكالمة هاتفية من سكرتير الوفد اللبناني، أخبر فيها شمعون بأن قرار تقسيم فلسطين الرقم 181 قد صدر، وأن ضغوط واشنطن مع حلفائها قد قلبت التوازنات في الجمعية العامة.
وعلى الفور، اتصل مندوب وكالة «أسوشييتد برس» بكميل شمعون ليستصرحه حول ذلك التطور السياسي المفاجئ. وكان تعليقه منسجماً مع الأجواء القاتمة التي طغت على تجمعات المندوبين العرب. أي أنه اختصر في حينه تداعيات ذلك القرار المجحف، محذراً من عواقبه الوخيمة بالقول: «إذا كانت الأمم المتحدة قد أنشئت بهدف إنهاء الحروب بين الشعوب... وبغرض تطبيق ميثاق حفظ السلام الذي صدر عن مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945، فإن القرار الجائر بحق شعب فلسطين سيفتح باب الحروب على مصراعيه... ويعبد طريق الاقتتال في منطقة الشرق الأوسط.»
وهذا ما أكده من قبله الدكتور شارل مالك الذي ساهم في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد نشط في صيف 1947 لإقناع الدول الكبرى بعدم التكفير عن جريمة مرتكبة ضد الشعب اليهودي في أوروبا بارتكاب جريمة أفظع ضد الشعب الفلسطيني البريء.
والملفت في حينه أن الحكومة اللبنانية كانت قد فوضت كميل شمعون بترؤس الوفد الديبلوماسي، بعد تعيين شارل مالك عضواً مساعداً لشمعون بصورة مؤقتة. وقد سارع مالك إلى إعلان انسحابه لأسباب لا مجال لذكرها في هذا الموضوع.
المهم، أن مظاهر الفشل التي توقعها كميل شمعون من الأمم المتحدة لم تنتظر وقتاً طويلاً كي تظهر في مواقع مختلفة من العالم.
ففي عام 1956 حدث الاعتداء الثلاثي على السويس، الأمر الذي فرض تدخل الرئيس الأميركي آيزنهاور وإجبار الغزاة على الانسحاب. وكان من نتيجة الوساطة الديبلوماسية التي قام بها الأمين العام داغ همرشولد، أن وافقت مصر على نشر قوات حفظ السلام فوق أراضيها.
عام 1960 انضمت إلى المنظمة العالمية 16 دولة أفريقية مستقلة حديثاً. ولكن انضمامها لم يمنع انفجار الحرب في الكونغو. ولقد استغل الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف تلك الحرب الضروس ليهاجم بقسوة دور الأمم المتحدة ويطالب باستقالة أمينها العام همرشولد. وبدلاً من أن يكتفي بإلقاء خطابه الناري في الجمعية العامة، سارع إلى خلع حذائه وراح يضرب به على الطاولة، متهماً المنظمة بالخضوع لمشيئة الولايات المتحدة.
في منتصف أيلول من عام 1961، قُتِلَ همرشولد بعدما أسقط المقاتلون طائرته لينسفوا مهمته، ويمنعوه من التدخل لوقف الحرب في الكونغو.
في خريف 1962 نصب الاتحاد السوفياتي صواريخه في كوبا، الأمر الذي استدعى تدخل الأمين العام يوثانت بهدف منع الولايات المتحدة من استخدام سلاح الردع النووي.
وبعد مرور سنتين على الأزمة الكوبية - أي عام 1964 - بدأ النزاع المسلح بين الجاليتين اليونانية والتركية في قبرص. ولما ازدادت الصدامات، أرسل مجلس الأمن قوات حفظ السلام للفصل بين المتقاتلين. ولكن هذه القوات المحدودة العدد لم تتمكن من منع الجيش التركي عام 1974 من النزول في المنطقة الشمالية، الأمر الذي أدى إلى شطر الجزيرة.
وفي عام 1967 شنت إسرائيل هجوماً واسعاً استمر ستة أيام على ثلاث جبهات، كانت حصيلته احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وصحراء سيناء ومرتفعات الجولان.
ومع أن مجلس الأمن أصدر قراره الشهير الرقم 242 الذي يجيز للمنظمة اتخاذ الإجراءات كافة الضرورية لتنفيذه، إلا أن إسرائيل تجاهلت المجلس وقبلت فقط بمبدأ التفاوض. ولولا الزيارة التي قام بها أنور السادات لإسرائيل، لما استردت مصر صحراء سيناء مقابل توقيع اتفاق «كامب ديفيد».
في آذار 1978 اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان لتقيم عازلاً جغرافياً بحجة حماية أمن الجليل من صواريخ الفدائيين الفلسطينيين. ثم كرر شارون عملية الاجتياح عام 1982 بهدف تغيير النظام في لبنان وإقامة نظام حليف يدور في فلك بلاده.
مرة أخرى أثبتت الأمم المتحدة أنها منظمة عاجزة عن منع الاحتلال بقوة السلاح. علماً أن البند الثاني من ميثاقها يحرص على التذكير بأنها وجدت لمنع الحروب، ومقاومة كل إجراء لا ينسجم مع الدعوة إلى نشر السلام.
وفي هذا السياق تبرز حرب فيتنام التي خسرت فيها الولايات المتحدة أكثر من خمسين ألف جندي، كشهادة على العجز الفاضح الذي تعانيه الأمم المتحدة.
ومن معركة «ديان بيان فو» ضد الاحتلال الفرنسي عام 1954 حتى حملة «هوشي منه» عام 1975 ضد التدخل الأميركي، ظل العالم مشغولاً بأهم حرب آسيوية في القرن العشرين، تماماً مثلما شغلته حرب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 حيث قتل أكثر من ثمانمئة ألف شخص في نزاع قبَلي بين قبيلتي التوتسي والهوتو.
هذه النماذج المسجلة في قائمة الفشل الذي منيت به الأمم المتحدة، ليست أكثر من أدلة دامغة على خيبة أمل الرأي العام من أداء مجلس الأمن، خصوصاً أنه يملك القدرة على منح الشرعية للتدخل الخارجي.
ومثل هذه المسؤولية حددها القانون الدولي بأربع حالات: قتل شعب، وتطهير عرقي، واقتراف جرائم حرب، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة التدخل في حال فشلت الدولة في حماية مواطنيها من الفظائع الجماعية... أو في حال فشلت المساعي السلمية لإجبارها على ذلك. عندئذ تبرز مسؤولية الأسرة الدولية للتدخل عبر العقوبات الاقتصادية، أولاً... أو عبر التدخل العسكري ثانياً. ويقتضي التدخل العسكري استخدام مجلس الأمن لإصدار قرار على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية لمنع أعمال تضر بمسيرة السلام.
عند الحديث عن تدخل عسكري من خارج المنطقة في نزاعات تشغل دولاً عربية كسورية، يتبادر إلى الأذهان الدور الذي يقوم به الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. وقد اقترحت التطورات دوراً مركزياً للولايات المتحدة. ويبدو أن الرئيس باراك أوباما متردد في اتخاذ موقف جديد قد يورط بلاده في حرب فاشلة مثلما حدث في العراق وأفغانستان. وهناك شكوك لدى أعضاء إدارته تمنعها من مساندة المعارضة السورية التي منعتها الخلافات من إحراز النصر.
وفي واشنطن يتذكرون جيداً أن نجاح «المجاهدين» الذين لاقوا كل دعم سياسي ومساندة عسكرية في أفغانستان شكل الأساس لتحول العناصر المتطرفة فيهم إلى جماعات جهادية من «القاعدة» وفروعها بحيث أصبحت الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً هدفاً سهلاً لهجماتها.
أما بالنسبة لدور الصين وروسيا، فان استخدامهما الفيتو ثلاث مرات لمصلحة النظام السوري كان بمثابة موقف ثابت لتحقيق هدفين: الأول، منع سقوط نظام حليف في منطقة بالغة الأهمية.
وثانياً، الحؤول دون تعزيز مكانة القوى الغربية المنافسة كنتيجة لتغيير النظام. ومعنى هذا أنه لا توجد إمكانية لنيل شرعية دولية تسمح بالتدخل العسكري، مثلما حدث مع نظام معمر القذافي. ومثل هذا الوضع المحرج يعزز مخاوف الدول من أن يؤدي إسقاط النظام إلى خلق واقع تسوده الفوضى، بحيث تنفجر حرب الجميع ضد الجميع. ومع ظهور الفلتان الأمني، ستضطر الدول المعنية إلى إرسال قوات برية عبر الأردن أو تركيا بهدف الفصل بين المتقاتلين ومنع استمرار المذابح. علماً أن تركيا تتحفظ عن ممارسة أي تدخل في الشأن السوري، خوفاً على وحدة جبهتها الداخلية من التصدع والتفكك.
الحملة السياسية التي شنها ضد مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلمي لم تكن أكثر من تذكير بأن التدخل لأسباب إنسانية يجب أن يحظى باهتمام الدول المعنية، خصوصاً أن أرقام القتلى في سورية قفزت على المئة والعشرين ألف نسمة، بينما أعداد المشردين والنازحين تعدت الأربعة ملايين.
وفي حال استمر النزاع على الشكل الانتحاري المتواصل، فإن النتيجة لن تكون في مصلحة الشعب السوري، بل في مصلحة الدول التي تستعمله للحفاظ على مصالحها.
تقول مصادر الأمم المتحدة إن التدخل العسكري في سورية بقي طوال السنة الماضية على جدول أعمال مجلس الأمن. وهذا ما دعا الحليفة موسكو إلى الإعراب عن قلقها من خيار لا تستطيع تجاهله بعد مرور أكثر من سنتين على الحرب الأهلية. وقد تميزت هذه الحرب باستخدام العنف ضد المدنيين، الأمر الذي أجبر المعارضة على تقليد «شبيحة» النظام. وهي مرشحة للتصعيد قبل نهاية السنة بسبب التركيبة الطائفية للمجتمع السوري، وهذا ما يجعل الصراع مع النظام صراعاً بين الطوائف.
صحيح أن الاحتجاجات التي انفجرت في درعا وحمص وحماة كانت تعبر عن ثورة سياسية - اجتماعية تشمل كل الطوائف... ولكن الصحيح أيضاً أن المواجهات العنيفة بين الطرفين سرعان ما حولت الثورة إلى مجموعات مذهبية وعرقية تقاتل من أجل بقائها. هكذا، اتهمت المعارضة النظام بالحفاظ على الطابع الطائفي لأنه يجبر الأقليات على دعمه، حتى إن كان فيها مَنْ يتحفظ عن طابعه الديكتاتوري المتسلط. ذلك أن الأقليات تخاف من تنامي حكم الغالبية السنّية، وتعرف جيداً أنه في حال سقوط النظام ستسقط معه.
في ظل الوضع الراهن يدور البحث حالياً على إقامة منطقة فصل داخل الأراضي السورية على مقربة من الحدود مع تركيا بحيث تستخدم كمنطقة لجوء للنازحين والمشردين.
والثابت أن النظام يراهن على حدوث انقسامات وانشقاقات داخل صفوف المعارضة، خصوصاً أنه يعتمد في تحركاته الخارجية على روسيا والصين، الدولتين اللتين أمنتا له نيل شرعية دولية، كما يعتمد أيضاً على إيران، الحليفة التي أنجدته بقوات برية دخلت إلى سورية عبر العراق. إضافة إلى تعويض كل نقص اقتصادي ناتج عن العقوبات والمقاطعة.
وفي مطلق الأحوال، فإن بشار الأسد يراهن مجدداً على ضمان تأييد الولايات المتحدة لنظامه، شرط أن يساعدها التحول الإيراني على تنفيذ ذلك وإنما بمقدار يطمئن إسرائيل. وربما يستغل أوباما هذا التحول ليعقد اتفاقاً مع طهران، تماماً كالاتفاق الذي عقدته الإدارات الأميركية السابقة مع موسكو!
أبو مازن : نصف المفاجأة .. والمفاجأة ؟
حسن البطل/الأيام
ثلاثة من كبار الفلسطينيين لعبوا دوراً تأسيسياً رئيسياً في حقبة ما بعد أوسلو : الرئيس عرفات المؤسس للسلطة (ومن قبل للمنظمة والثورة) ووزير المالية ـ رئيس الوزراء سلام فياض لعب دوراً تأسيسياً للإدارة والمؤسسة السلطوية الفلسطينية .. والرئيس أبو مازن وله دور رئيسي في نقل السلطة إلى الدولة.
لا يعني دور عرفات في تأسيس السلطة إغماط دوره في تأسيس المؤتمر الإسلامي، أو لجنة القدس.. والذين يتذكرون صوره الغابرة والطوق الطبي حول عنقه، قد لا يتذكرون أن ذلك نتيجة مشقة السفر البري الطويل والمتكرر لإطفاء نيران الحرب العراقية ـ الإيرانية.
كان عرفات كثير الأسفار، وشاعت نكتة تقول إنه "يزور بلاده" بين سفرة وأخرى، وعندما "لدغته" مستذكراً قصة "الهولندي الطائر" احتج بأنه "الفلسطيني الطيار" رحمه الله.
أبو مازن كثير الأسفار، أيضاً، وهو الرئيس المتمم لعرفات (إسرائيل تقول : هو عرفات ثان.. ولكن ببدلة وربطة عنق"!
بين سفرتين، ترأس أبو مازن المجلس الاستشاري لحركة "فتح" وقدّم عرضاً بانورامياً للوضع، وتضمن العرض "نصف مفاجأة" وهي دوره ودور السلطة في صنع اتفاقية تبادل المخطوفين اللبنانيين والأتراك، والإفراج عن عدد من المعتقلات السوريات في سجون النظام، وقد نسب الفضل لغير أهله، إلى أن نشرت "الأيام" على صفحتها الأولى يوم 28 تشرين الأول القصة الكاملة لنجاح دبلوماسي ـ سياسي فلسطيني، وكانت فلسطين هي "الفاعل" لا نائبه ولا "فاعل خير".
أوضح أبو مازن أمام "الاستشاري" أن تفاعل قضية المخطوفين كان من شأنه تفجير وضع طوائفي في لبنان، ما يؤذي دور الحياد الفلسطيني في مشاكله، خاصة مع مأساة اللاجئين الفلسطينيين في سورية المتفاقمة!
هذه نصف مفاجأة، وأمّا المفاجأة فهي أن السلطة لعبت دوراً في صياغة ورقة عمل لعقد "مؤتمر جنيف ـ 2" حول سورية، وأن الدولتين الكبيرتين اتفقتا على ذلك، من ثم فإن التعريضات بلقاء عباس زكي بالرئيس بشار الأسد مغرضة و"طفولية"، أيضاً، ولا علاقة لها سوى بالشعار والمواقف المبدئية وليس بالسياسة المتحركة!
يعرف الفلسطينيون أن النظام السوري كان موئلاً لانطلاقة الثورة.. ولكن، أيضاً، صاحب الدور العربي الأكبر في التدخل بالشأن الداخلي الفصائلي الفلسطيني، وتغذية الانشقاقات الفصائلية، وحتى الحروب الفلسطينية الفصائلية.
في المحنة السورية الجارية، لم ترد السلطة والمنظمة على الإساءة بمثلها، ولم تفعل هذا إزاء التدخل العراقي أو الليبي في الشأن الفلسطيني، علماً أن "القيادة العامة ـ جبريل" لعبت دور مخلب القط لصالح سياسة النظام السوري، ولاحقاً أساءت للفلسطينيين في دعم النظام إزاء معارضيه، كما أن حركة "حماس" تلقت دعماً كبيراً سورياً لشق الصف الفلسطيني باسم "المقاومة" وضد "المساومة"!
لا يمكن مقارنة دور حركة "فتح" في الائتلافات والخلافات الفصائلية بدور النظام السوري، ولا وحدة فصائل م.ت.ف بدور حزب "البعث" السوري وعلاقته بشعبه أو بـ "الجبهة التقدمية الوطنية" المؤيدة له التي كانت ذيلاً له.
دور السلطة المسؤول في "صفقة إعزاز" الثلاثية قد يفسّرها حرصها على إبعاد النيران ما أمكن عن الفلسطينيين في سورية ولبنان، لكن دورها في صياغة ورقة "مؤتمر جنيف ـ 2" يفسره حرصها على وحدة الشعب والدولة السورية من مخاطر الاقتتال الأهلي التي تغذيه دول عربية أخرى وإبعاد شبح تقسيم سورية البلد.
هذا وذاك يعني أن "القرار المستقل" الفلسطيني لم يكن مناوئاً لسورية، فقد سبق وأثار خلافاً مبكراً بين عرفات وآية الله الخميني في عزّ مجده، فقد أصرّ عرفات أن الثورة الفلسطينية هي حركة تحرير وطنية، وليست حركة إسلامية مجاهدة كما اقترح عليه الإمام الخميني.
السلطة الفلسطينية تمارس "سياسة دولة" مسؤولة، ورغم أن جامعة الدول العربية كانت قد صوتت مع الحرب ضد العراق ثم ضد النظام السوري ولمصلحة المعارضة، فإن السلطة لم توافق، كما لم توافق في تصويت في الأمم المتحدة على احتمال التدخل العسكري ضد سورية.
الآن، تبنّت الدولتان الكبيرتان فكرة "مؤتمر جنيف ـ 2" وتبعتها الجامعة العربية، ومن شأن "سياسة دولة" للسلطة أن ترفع أسهمها السياسية عربياً وعالمياً، بما يعزّز موقفها من "المساومة التفاوضية" الجارية مع إسرائيل، بدليل موقف أوروبي إيجابي من فلسطين وضد الاستيطان اليهودي عقب جولة أبو مازن.
قال أبو مازن إن "صفقة إعزاز" هي ردّ بعض الدَّيْن اللبناني، بعد أن كان الوجود الفلسطيني هناك سبباً أو ذريعة من أسباب وذرائع الحرب الأهلية، وليس مهماً أن يعقد مؤتمر جنيف أو يتأخر انعقاده، لكن المهم هو "سياسة دولة" تتبعها فلسطين قبل أن تصير دولة.. ربما يساعد على صيرورتها دولة.
... حتى لو وصف إسرائيليون سياسة السلطة بقيادة أبو مازن بأنها "ارهاب دبلوماسي".
سيلتقي الرئيس الفلسطيني في بيت لحم اليوم بالسيد جون كيري.. ثم يسافر إلى مصر لبحث مسألة غزة، والسعودية لبحث "الملف السوري".
"كيري" من جديد .. وماذا بعد ؟!
هاني حبيب/صحيفة الأيام
ككل مرة يصل فيها وزير الخارجية الاميركية جون كيري الى فلسطين واسرائيل، يثار جدل حول ما يحمله من جديد من مبادرات ووعود، تطمينات وضغوط، وككل مرة يتبين ان لا جديد من الناحية الواقعية سوى حث الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي على تجاوز الخلافات بهدف التوصل الى توافقات ولو على بعض الملفات، كما يتبين ان العملية التفاوضية تكاد تكون مكشوفة تماماً، اذ ان اطرافها تدرك ان هذه العملية مجرد حراك نشط احياناً، وادراك الاطراف ان الامر سيظل كذلك.
ومع ان هناك تفاهمات بحيث تظل تداولات هذه المفاوضات سرية، الا ان إسرائيل تنجح دائماً في تسريب معلومات او شائعات متعمدة حول مجرى هذه العملية، بهدف إرباك الساحة الفلسطينية حيناً، او بهدف جس نبض الشارع، سواء في إسرائيل او في فلسطين حول بعض القضايا المتعلقة بالملفات الرئيسية.
هذه المرة، فان زيارة كيري لا تختلف كثيراً عن جولاته السابقة، فقد استقبلته اسرائيل بالاعلان عن موجة جديدة كبيرة من الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، ولعل الاختلاف في هذه المرة عن سابقاتها، ان اسرائيل سربت العديد من المعلومات حول مجرى العملية التفاوضية المستمرة منذ اربعة اشهر تخللتها خمسة عشر لقاءً ثنائياً، حضر معظمها المبعوث الأميركي للمفاوضات مارتن انديك، أشارت إسرائيل من خلال هذه التسريبات الى ان ملف القدس قد تم فتحه، لكن لا جديد حوله، اذ ان الدولة العبرية ما تزال تصر على ان مدينة السلام ستظل "موحدة" كعاصمة لإسرائيل، مع خلافات بين رئيسة الملف التفاوضي الإسرائيلي تسيبي ليفني والمحامي يتسحاق مولخو المبعوث الخاص لرئيس الوزراء نتنياهو، حول مدى حرية الحركة للفلسطينيين في القدس الشرقية.
الاهم في هذه التسريبات الاسرائيلية يتعلق بملف الحدود، اذ ان إسرائيل تنطلق باعتبار ما تسميه السياج الأمني الفاصل في الضفة الغربية، هو خط الحدود بين الدولتين، إسرائيل وفلسطين وليس حدود الرابع من حزيران كما يطالب الجانب الفلسطيني، وهذه المرة لا تكتفي إسرائيل بالأبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى تحت حدود سيادتها، بل مطالبتها بضم مستوطنات إضافية كـ "بيت إيل" و"بساغوت" في محيط مدينة رام الله الى هذه السيادة، مع الاحتفاظ بغور الاردن ومصادر المياه تحت السيادة الإسرائيلية، مع امكانية تأجير بعض منابع المياه للفلسطينيين.
إسرائيل رسمياً لم تعلق على هذه التسريبات بذريعة سرية المفاوضات، لكن تناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية، المكتوبة والمسموعة والمرئية، نفس هذه التسريبات في وقت واحد، إشارة الى ان جهة ما، متصلة بالمفاوضات، قد سربت هذه الأخبار بشكل متعمد قبيل وصول وزير الخارجية الأميركية، في اشارة واضحة الى ان كيري اذا لم يحمل جديداً، فان اسرائيل لديها الجديد الذي تطرحه كأمر واقع وعلى الطرفين الأميركي والفلسطيني التعامل مع هذا الجديد.
الجانب الفلسطيني، المتمسك بسرية المفاوضات بشكل مريب، ما زال ينتظر جديد كيري، معتمدا على وعد هذا الأخير للرئيس محمود عباس عند اجتماعهما قبل عشرة أيام في لندن بتدخل أميركي فاعل في العملية التفاوضية اذا ما استمرت هذه العملية دون تقدم ملموس، لكن وزير الخارجية الأميركي وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي أثناء زيارته للرياض، قال ان الدور الأميركي يقتصر على تشجيع الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي على التقدم في العملية التفاوضية من دون أي تدخل أميركي!! بينما قالت مصادر إسرائيلية ان المبعوث الأميركي الى المفاوضات مارتن انديك، لم يشارك سوى مرة واحدة في اللقاءات التي عقدتها ليفني مع صائب عريقات، كدليل على ان الجانب الأميركي، رغم كل ذلك غير مرحب به إسرائيلياً في هذه المفاوضات، الا اذا ظل شاهداً على العقبات التي تضعها إسرائيل أمام تقديم العملية التفاوضية، واقتصار الدور الأميركي على إقناع الجانب الفلسطيني، تحت الضغط، بان التقدم في العملية التفاوضية يتطلب تنازلات فلسطينية، ذلك ان اية تنازلات اسرائيلية تعني سقوط حكومة نتنياهو، وهو امر لا يمكن قبوله.
ابو مازن في تصريح له مؤخراً بعد اجتماعه مع قيادات في حركة فتح، اشار الى تعثر العملية التفاوضية، وكان يمكن ان يقول ان هذه العملية قد وصلت الى طريق مسدود، واذا كان الأمر كذلك، فان الخيار الوطني الفلسطيني يجب ان ينبثق من إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، كخيار لا بد منه من اجل تقوية وتصليب الموقف الفلسطيني.
ان الجهد الوطني الفلسطيني نحو إنهاء حالة الانقسام، هو ربح صاف لفلسطين، بصرف النظر عن ربح او خسارة العملية التفاوضية، من هنا، فان تكثيف الجهد بهذا الاتجاه بات مطلوباً اكثر من أي وقت مضى!!
المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية: الحاجة إلى تحكيم دولي
أشرف العجرمي/صحيفة الأيام
من يستمع إلى تعليقات ومواقف الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يصاب بإحباط شديد من سير العملية التفاوضية على الرغم من أنه لا يزال هناك متسع من الوقت قبل الحكم على نتيجة هذه العملية وما يمكن أن تقود إليه، فالتصريحات والمواقف جميعها تتفق على وجود فجوة جوهرية بين موقفي الطرفين، ويبدو أن هذه الفجوة غير قابلة للجسر نتيجة لتباعد أهداف الجانبين من جولة المفاوضات هذه.
فالجانب الفلسطيني يريد حلاً دائماً يفضي إلى إنهاء الصراع وتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة دولته السيادية على الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل كل القضايا المرتبطة بالصراع مثل اللاجئين والمياه والأمن والأسرى والعلاقات المستقبلية.
بيمنا يريد الإسرائيليون الحصول على حل انتقالي جزئي يضمن لهم السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتأجيل البت في مصير القدس والحدود في وقت يتنازل الفلسطينيون فيه طواعية عن حق العودة ويقبلون بمفهوم الدولة اليهودية التي تشكل وطناً قومياً لليهود.
وعلى الرغم من تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي قال فيها إنه يبحث عن تسوية نهائية حتى تنتهي مطالب الفلسطينيين، إلا أن السلوك الإسرائيلي المدعوم بتصريحات أخرى لأركان حكومة نتنياهو تقول إن وجهة إسرائيل هي البحث عن حل انتقالي.
وهو ما يرفضه الفلسطينيون قطعياً، لأننا في مرحلة انتقالية كان يجب أن تنتهي بعد خمسة أعوام وهي لا تزال ممتدة منذ العام 1993 ويعلم الله متى تصل إلى نهايتها ، وإذا ما تمت الموافقة على فكرة حل انتقالي جديد فالمعنى الحتمي لها هو القبول ببقاء الصراع قائماً إلى ما لا نهاية على الأقل في المدى الزمني المنظور.
قيل الكثير عن المفاوضات ولكن على ما يبدو كانت حتى الآن أشبه بحوار بلا معنى حتى لو كان الجانب الفلسطيني فيه جدياً إلى ابعد الحدود وقدم تصوراً كاملاً للحل من وجهة نظره.
وهذا يستند إلى حقيقة أن الجانب الإسرائيلي لم يقدم موقفاً حقيقاً بعد، وكان يطرح الاسئلة ومواضيع كثيرة مشتتة لا تهدف إلى الوصول إلى اي قاسم مشترك.
وهذا في الجانب الرسمي الواضح للمفاوضات بين الطرفين ومن خلال الوفدين، بينما هناك قناة أخرى بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري وكل من الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي قناة لا أحد يعلم ماذا يدور فيها.
هناك تسريبات عديدة تقول إن الإدارة الأميركية ستنتظر حتى بداية العام القادم، وإذا لم يحصل تقدم في المفاوضات المباشرة بين الجانبين ستتقدم بصيغة حل من قبلها وهي عبارة عن اتفاق مبادئ جديد يستند إلى معايير كلينتون المعروفة واتفاق يقوم على مراحل لتنفيذ البنود وربما التفاوض حول التفاصيل في مدة زمنية قد تطول، وهي بهذا تستجيب للطلب الفلسطيني بالتوصل إلى حل دائم وللطلب الإسرائيلي بالحلول الانتقالية أو المرحلية، من خلال الدمج بين الإثنين.
غير أن ما صدر عن نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف يؤكد عكس ذلك إذ تقول إن دور الولايات المتحدة ينصب على تسهيل عملية المفاوضات وإنها لن تقوم بدور الحكم أو الشريك.
وإذا أخذنا هذا بحسن نية فربما يكون هذا من باب تشجيع الطرفين على التوصل إلى حل دون انتظار التدخل الأميركي، أما إذا كان هذا هو الموقف الأميركي الحقيقي فالنتيجة ستكون معروفة منذ الآن وهي الفشل التام للعملية التفاوضية التي لا تنفك إسرائيل عن وضع العقبات في طريقها بإجراءاتها الاحتلالية اليومية وفي مقدمتها السياسة الاستيطانية.
لا توجد إمكانية في الواقع للتوصل إلى حل لقضايا الصراع استناداً إلى موقف الطرفين.
ولابد من تدخل طرف ثالث، وإلا ستنتهي الجولة الحالية المقرر انتهاؤها في شهر آذار القادم إلى احتدام الصراع من جديد، فالقيادة الفلسطينية تؤكد ليل نهار أنها ستذهب إلى الامم المتحدة بعد انقضاء مدة الشهور التسعة المقررة للمفاوضات في حال الفشل.
وهذا ما تخشاه إسرائيل وستحاول منعه بكل الوسائل وهو ما سيدفعها لاتخاذ اجراءات وخطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية.
القيادة الإسرائيلية باتت تدرك الآن أن ما بعد المفاوضات لا يشبه ما قبلها، وليس أدل على ذلك مما قاله رئيس مجلس الأمن القومي يعقوب عميدرور الذي حذر الحكومة من مغبة فشل المفاوضات وتحدث عن الموقف الأوروبي القادم الذي سيكون أكثر حزماً من مجرد اتخاذ موقف ضد بضائع المستوطنات والشركات العاملة فيها، وتحدث كذلك عن العزلة الدولية التي ستطبق الخناق على إسرائيل وسيكون لها ثمن كبير على المستويين السياسي والاقتصادي.
وهو ينسجم مع موقف بعض العقلاء في إسرائيل الذين يقولون إن هذه المفاوضات هي الفرصة الأخيرة لإسرائيل لتحقيق التسوية بشروط مقبولة عليها، وإنها إذا ضاعت فسيفرض حل على إسرائيل بشروط فلسطينية لا تستطيع أن تغيرها أو تمنعها، على اعتبار أن الموقف الدولي يكاد يتطابق مع الموقف الفلسطيني وهو أقرب إليه بكل تأكيد وهو بعيد كثيراً عن موقف إسرائيل أو ما يمكن أن تقبله.
ربما ولتفادي وضع انفجار الصراع على كل المستويات هناك حاجة للتحكيم الدولي من خلال لجنة يتفق عليها الطرفان وبالمناسبة هذا منصوص عليه في اتفاق "أوسلو" ولكن فيما يخص قضايا الحل الانتقالي، ومن باب أولى أن يكون ذلك هو الفيصل في قضايا الحل النهائي.
وإذا كانت إسرائيل لا تقبل فكرة الوجود الدولي في أية عملية سياسية فعلى الأقل لابد من وجود تحكيم أميركي أي أن تلعب الإدارة الأميركية دور الحكم المقرر في كل القضايا الخلافية عندما لا ينجح الطرفان في التوصل إلى حلول بشأنها وهما لن ينجحا في ذلك في معظم القضايا.
ومن المهم هنا أن يستند التحكيم إلى المرجعيات الدولية للعملية التفاوضية ولا يترك الأمر للاعتبارات الأميركية وحدها.
وهذا ما يجب التأكيد عليه الآن وكان يجب اشتراطه قبل بدء المفاوضات، لمنع الانفجار والدخول في أتون المواجهات من جديد.
ستبقى السّياسة الدّولية عالقة في أوحال الشّرق الأوسط
رائد دحبور/صحيفة الأيام
في محاولة لمعرفة مكانة منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثير الصّراعات الجارية فيها على مجريات السياسة الدولية؛ لا بدّ لنا من محاولة تحديد مفهومَي السياسة والسياسة الدّولية أوّلاً.
ثمّة تعريفات كثيرة للسّياسة كعلم ومفهوم ومصطلح وممارسة، وربّما يبدو، ومن وجهة نظري على الأقل، أن السّياسة هي: علم ومهارة وفن إدارة النّاس على المستوى الشّامل لجوانب الحياة، وهي كذلك مهارة تتعلق بمحاولة معرفة أهداف ونوايا ومصالح وأدوات وأساليب صنّاع القرار، والقوى والمجموعات المؤثّرة في تقرير مجريات الأمور والأحداث، وطبيعة العلاقة القائمة بين مجمل هذه القوى، من حيث التّوافق أو التّحالف أو المصالح المشتركة، أو من حيث الاختلاف أو التّناقض والتّصارع، وذلك على مستوى الأهداف والمصالح التي تخص كل طرف من تلك الأهداف. وهذا التّعريف يشمل السّياسة على المستويات المحليّة، والإقليميّة والدّولية، على حدّ سواء.
من هنا فإن العوامل المؤثّرة في السّياسة الدّولية هي: مجمل السّياسات المحليّة والإقليمية للدّول ذات الأهميّة على المستوى الجغرافي والدّيمغرافي والاقتصادي والمدعومة بالقوّة العسكريّة الإستراتيجيّة، والّتي لها مصالح إستراتيجية خارج حدودها الإقليميّة، وعلاقة تلك الدّول بغيرها من القوى والدّول الّتي توازيها في الأهميّة، أو تقل عنها في تلك الأهميّة بشكل قليل أو كبير، ومقدار تأثير تلك القوى والدّول في تحديد وتقرير مجريات الأحداث على المستويات الإقليميّة أو العالميّة.
وعلى ضوء ذلك، فإننا نحاول ومن خلال هذا المقال أن نتبيّن اتّجاهات السّياسة الدّولية فيما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط، ومدى تأثير تلك المنطقة في تقرير السياسات الدّوليّة.
تبدو منطقة الشرق الأوسط وكما كان عهدها منذ عقود من الزمن وكأنّها مجموعة من المستنقعات التي تعلق السياسة الدولية في أوحالها؛ وذلك بفعل التعقيدات الجيو سياسية التي أفرزتها وما زالت تفرزها جملة من العوامل المتعلّقة بطبيعة تركيب هذه المنطقة من حيث التكوينات العرقية والإثنية والدينية متشابكة مع عوامل التّاريخ والجغرافيا، والموقع الفريد المتميّز إستراتيجيّاً على خريطة العالم، إضافة الى ما أفرزه الصراع العربي الإسرائيلي من عوامل ووقائع وحقائق.
إنّ ضرورة وجود القوى الدّولية في منطقتنا الممتدّة من وسط آسيا شرقاً وحتّى أقاصي إفريقيا في الغرب، بما فيها، وبشكل أساسي، بحرها المتوسّط، وبحرها الأحمر، وخليجها العربي، وكذلك بحر العرب، والسواحل الجنوبيّة لعمان واليمن، وصولاً الى السّاحل الجنوبي الغربي لإيران، يعد ذا أهميّة كبيرة في فرض القوى الدّولية لوجودها الفعلي على خارطة السّياسة الدّولية وذلك للأسباب التالية:
أولاً: يتوسّط البحر "الأبيض المتوسّط" ثلاثةً من قارّات العالم هي آسيا، متمثّلاً ذلك في ساحله الشّرقي، وإفريقيا في ساحله الجنوبي، وأوروبا في ساحله الشّمالي، كما يربط العالم بثلاثة ممرّات ومنافذ بحريّة مهمّة هي: قناة السّويس ومضيق البوسفور في جنوب تركيا، ومضيق جبل طارق في الغرب، كما أن الإبحار فيه، والوجود بالقرب من سواحله؛ بالنسبة للقطع العسكرية الإستراتيجية التابعة للقوى الكبرى، من حاملات طائرات وغوّاصات نووية، يعد ذا أهميّة بالغة.
فعلى سبيل المثال تستطيع هذه القطع وخصوصاً "الغوّاصات النّووية" أن تصيب أي هدف في العالم بواسطة الصّواريخ العابرة، انطلاقاً من البحر المتوسّط، في شعاع مقداره ثلاثة عشر ألف كيلومتر دون الحاجة للانتقال منه الى بحر آخر للتّموضع، وهو ما لا يوفرّه أي بحر من بحار العالم من حيث الموقع، ضمن الحسابات العسكرية الإستراتيجية تحديداً...وقد كان يقال في الإستراتيجيا العالميّة "إن من يسيطر على البحر المتوسط يسيطر على العالم"!! يضاف الى ذلك ما تم الكشف عنه مؤخّراً من احتواء السّاحل الشرقي "للمتوسط" على كميّات كبيرة من الغاز والنّفط قبالة السّاحل الشمالي لفلسطين وكذلك السّاحلين اللبناني والسّوري، ما قد يوفر احتياطيّات كبيرة وإستراتيجية من مصادر الطّاقة على مستوى العالم في المدى المنظور، وكذلك في المدى الإستراتيجي!!. إضافة الى الأهميّة المتزايدة للمرافئ والموانئ البحرية الواقعة على ساحله الغربي في سورية ولبنان وفلسطين، وضرورة تأمينها لنقل النفط والغاز القادم من منطقة الخليج العربي وإيران وجنوب روسيا الى باقي أنحاء العالم عبر أنابيب تمتد عبر عمق الأراضي العراقية والسّورية واللبنانيّة.
ولا بد من الإشارة هنا الى أن جزءاً أساسيّاً من أسباب الصّراع الجاري في سورية وعلى سورية حاليّاً له صلة وثيقة بهذه المسألة بالذّات؛ وهي مسألة تمديد وتمرير وتأمين أنابيب الغاز، تحديداً، عبر الأراضي السّوريّة وصولاً الى مرافئ المتوسّط، وهذا ما يفسّر جزءاً من الاهتمام الدّولي بالأزمة في سورية، إضافة لأسباب أُخرى ذات أهميّة، تتعلق بموقع سورية "الجيوسياسي" وبأهميّتها على صعيد الصّراع العربي الإسرائيلي.
ثانياً: يستحوذ البحر الأحمر على جزء أساسي جدّاً من الملاحة الدّولية بفعل منفذه الجنوبي المتمثّل في مضيق باب المندب، وكذلك منفذه الشّمالي، المتمثّل بقناة السّويس.
ثالثاً: وغني عن الذّكر الأهميّة الكبيرة لمياه "الخليج العربي" وأهميّة المنطقة المشرفة عليه وما تحتويه على أكثر من 25% من مصادر الطّاقة في العالم، ما يعطي كذلك أهميّة بالغة للسّواحل التي تطوّق تلك المنطقة من الجنوب، وهي سواحل اليمن وعمان وإيران.
رابعاً: الصّراع العربي الإسرائيلي، مع ما لهذا الصّراع من أهميّة تمس مصالح وتفضيلات واهتمامات القوى الدّوليّة؛ إذ وفّر هذا الصّراع وعلى مدى أكثر من ثمانية عقود مضت، أي منذ عشرينيّات القرن الماضي، وتحديداً مع بداية مرحلة الانتداب في المنطقة ومن ثمّ قيام دولة "إسرائيل" وحتّى الآن، مدخلاً وسبباً مباشراً لاستمرار التّدخل في المنطقة، وفرصة دائمة وثابتة لمحاولة الوجود على خارطة السّياسة الدّولية بالنّسبة لكثير من القوى الفاعلة على مستوى العالم أجمع.
قد يبدو في الظّاهر أن الصراع العربي الإسرائيلي هو جوهر المشكلة بشكل مطلق ولكن الحقيقة أن هذا الصّراع، ومنذ بدأ، كان وما يزال أحد مظاهر الصراع والتجاذب بين القوى الدولية، والدليل على ذلك أن الاهتمام بالمنطقة بدأ حتّى قبل بداية تبلور الحركة الصهيونية وإطلاقها لمشروعها القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد مؤتمر بازل في سويسرا العام 1897، إذ بدأ اهتمام القوى الأوروبية بالمنطقة بشكل إستراتيجي مع بداية نشوء القوى والدّول الأوروبية على أساس قومي "شوفيني" مع ما حمله ذلك من نظرة استعلائية للشعوب القاطنة خارج أوروبا، وخصوصاً شعوب آسيا وإفريقيا، وكذلك نشوء تلك المجتمعات على أساس صناعي رأسمالي، ما دفع بحركة الاستعمار الحديث نحو المنطقة طمعاً بثرواتها، وكونها ستمثل سوقاً استهلاكية لمنتجاتها، وهذا ما حصل فعلاً.
لجملة الأسباب التي ذكرنا والتي ما زالت وستظل قائمة في المدى البعيد، ستبقى منطقة الشرق الأوسط محور الاهتمام الأساسي للقوى الدولية، وستبقى تحتل مكاناً كبيراً واسعاً على مساحتها، وستظل الصراعات القائمة فيها وبغض النظر عن دوافع أطرافها وأهدافهم تتخذ طابعاً دوليّاً تخص كثيراً من القوى الفاعلة على الساحة الدولية، وستبقى شعوبها تدفع فاتورة التنافس بين تلك الدول من مستقبل شعوبها على مستويات الحريّة الحقيقية والاستقلال الحقيقي، كما على مستوى التنمية الشاملة الضرورية لبقاء أمم وشعوب المنطقة على خارطة العالم، وستبقى القوى الدّولية عالقة في مستنقعات المنطقة، منفعلةً في صراعاتها الشاملة والجزئية على حد سواء.
كيف نصنع الأمل؟
يحيى رباح/الحياة الجديدة
شاركت في أعمال الدورة السادسة للمجلس الاستشاري لحركة فتح التي عقدت يومي الثالث والرابع من هذا الشهر في رام الله بحضور موسع من كافة مواقع الوطن والشتات، حيث بلغ عدد الحضور خمسة وسبعين عضواً مع غياب زاد عن الثلاثين عضواً لأسباب متعددة.
وبداية، فإن المجلس الاستشاري كان أحد الثمار القليلة للمؤتمر السادس الذي عقدته الحركة في مدينة بيت لحم في العام 2009، بل يكاد يكون أهم شيء تمخض عنه ذلك المؤتمر الذي لم يكن كبير الإنجاز، والمفروض أن هذا المجلس الاستشاري المكون من كفاءات فتحوية متعددة عاصرت الحركة منذ البدايات الأولى لانطلاقتها، مكلف بإنتاج الأفكار والرؤى الجديدة لمواجهة الاحتمالات والتحديات الكبرى التي تعترض طريق مشروعنا الوطني، مشروع الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، في ظل المزيد من التعنت الإسرائيلي المندفع بجنون نحو مزيد من الاستيطان والعربدة، استغلال لأوضاع طارئة في المحيط العربي من حولنا، وقلق كبير في نمط العلاقات الدولية في العالم.
كان النقاش في يومي انعقاد المجلس الاستشاري مفتوحاً وصريحاً قدم إضاءات قوية على مجمل الأوضاع في العالم وتأثيرها الإيجابي أو السلبي علينا، وضرورة تحسين الأداء الذاتي الفلسطيني، واستغلال كافة الهوامش الممكنة، لأن حضور وفعالية الذات الوطنية الفلسطينية هو العامل الحاسم في استثمار الفرص المتاحة والتقليل من تأثير العوامل السلبية، وأن وحدة الوطن، ووحدة الشعب، ووحدة القضية والمشروع الوطني هي الركيزة الأساسية لنضالنا، وأنه يجب علينا أن نواصل صناعة الإنجاز مهما كان صغيراً، لأن الانجاز هو القاعدة التي ينبثق منها الأمل، الإنجاز على أرض الواقع، بغض النظر عن حجم الأحداث الكبرى العارضة من حولنا والتي تجعل العالم كله منشغلاً بها بالكامل، وتجعل من عمقنا العربي منهكاً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه في فوران هذه الأحداث الصاخبة، ولكننا نمتلك هدفنا المقدس، وقضيتنا العادلة، وشعبنا المناضل الصبور، بما يستحق أن نحافظ على وجودنا في حالة حضور، وأن نتشبث بمزيد من الثقة بأنفسنا، وأننا ضروروة ملحة لأمن وسلام هذه المنطقة، رغم ما يتعرض له الوجود الفلسطيني في المنطقة من صعوبات، ورغم بشاعة العراقيل التي يفجرها الاحتلال الإسرائيلي في وجوهنا على مدار اليوم والساعة والدقيقة.
واستحوذ واقعنا الفلسطيني وتوجهاتنا للمستقبل على الجانب الأكبر من الحوارات المعمقة، كيف نعيد صياغة ذاتنا الفتحاوية من أجل أن ننجح في مهمتنا الرئيسية وهي إعادة صياغة الواقع الفلسطيني كله، تفعيل إطاراتنا الفتحوية لنمتلك القدرة على تفعيل إطاراتنا الوطنية، إسقاط الانقسام وإنهائه، حماية الحالة الفلسطينية من الإحباط والتآكل، تجديد شرعياتنا، إعادة تفعيل وإحياء إنجازنا الأول الذي حققناه وهو منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية تمثيلها لشعبنا، البناء على مكاسبنا التي منحناها من المجتمع الدولي، فلسطين بعاصمتها القدس دولة تحت الاحتلال، وكيف ننطلق من ذلك إلى دولة كاملة العضوية بلا احتلال، الخروج من تحت سقف الضرورات الإسرائيلية، وكيف نبذل جهداً حقيقياً لإنقاذ حماس من دورها السلبي المأزوم حالياً، بصفتها اختراقاً معادياً للكينونة الفلسطينية كما أرادها الإسرائيليون وخلفاؤهم، وإعادتها إلى أن تكون جزءاً إيجابياً منسجماً في الكيانية الفلسطينية، بإنقاذها من غربتها وتيهها في مشاريع ورهانات الوهم وإعادتها إلى الحقيقة الفلسطينية!
اعترف بأنه خلال يومين من الحوار العميق تحت مظلة المجلس الاستشاري الفتحوي، قد ازددت ثراء في الأفكار، وازددت يقينية بالأمل، لأن الأمل يصنعه الرجال بإيمانهم ووجدانهم المتراكم.
تساؤلات متشعبّة....أزمات هنا وهناك: إلى متى؟
صادق الخضور/وكالة معا
وسط منهجية اعتبار نزول الرواتب في موعدها إنجازا، تتواصل الحكاية، وما بين هذا وذاك أزمات، فجائية أحيانا وكثيرة في معظم الأحايين، فقد أطلّت أزمة الوقود، وما دام الحلّ كان موجودا، فلماذا نشأت الأزمة أصلا؟ تساؤل يثير أسئلة متعددة عن صعوبة العيش بمعزل عن الأزمات، فهل باتت الأزمة جزءا أصيلا من المعادلة؟
أزمات النقابات، إذ لا يكاد يخلو أسبوع دون أزمة مع نقابة من النقابات، والخلل نابع من كون المعالجات تتم في معظم الحالات لترحيل الأزمات لا لحلّها، وإذا كانت الحكومة السابقة نهجت هذا المنحى أملا في توريث العبء للحكومة التي تليها، فإن الحكومة الحالية مطالبة بحل المشكلات القائمة فعليها أن تتعاطى مع القضية وكأنها تعيش أبدا" وأعني الحكومة"، والتقليل من نغمة التسويف، صحيح أن المطالب كثيرة، لكن جزءا منها وقد يكون يسيرا قابل للتلبية، أما أن تبقى الأمور دون حلول عملية فهذا مناف للعلمية.
رئيس الوزراء مقل في خطاباته، لكنه مطالب بالحديث للإعلام من حين لآخر، وبعض الأزمات انتهت مرحليا، لكنها ستعود حتما للظهور، فهل سيتم الانتظار لحين عودتها؟ ومثال ذلك أزمات الجامعات موسمية الطابع، كارثية الوقائع، وتناسي الأزمة رغم أنها لم تحل سيكون سببا في عودتها من جديد لاحقا، فهل يتم العمل حاليا على معالجة إشكايات الجامعات أم أن علينا انتظار أزمة جديدة لنتذكر أن هناك أزمة؟ ورئيس الوزراء يحاول إيجاد التوليفة المناسبة لعلاج الكثير من المشكلات، لكن الحكومة بدأت بعجز كبير في الموازنة، أي بدأت من تحت الصفر، كما أن الإبقاء على الشخصيات ذاتها للحوار مع النقابات جعل الحوارات مكرورة ومحكومة بتسويف مبالغ فيه، والنمطية ذاتها طاغية على المشهد، فهلاّ كان هناك تغيير في طبيعة الشخوص الممثلين للحكومة في الحوارات مع النقابات لتزيد الثقة بين النفوس؟
أزمات...أزمات، ولا جديد في المعالجات أو في طبيعة الاحتياطات، وما اعتدنا عليه مزيد من الوعود بأن القادم أفضل، وثمّة ما يدعو للتساؤل: هل تقتصر أزماتنا على العجز المالي؟ أم تطال الخلل في معالجة الأزمات؟ فشمولية المتطلبات من ديون على قطاعات الكهرباء والماء والصحة والوقود تدفع للمطالبة بوجود إستراتيجيات عمل بعيدة المدى، وتجاوز آلية التعاطي بحلول ترقيعية مفعولها مفعول المهدئات إذ تتوارى الأزمات حينا ثم تعود للظهور بشكل أقوى في قادم المناسبات.
إن كثرة الأزمات وتعدّد جوانبها يشير إلى وجود أزمة حقيقية تستدعي مضاعفة الجهود، وتقديم حلول عمليّة تنبري لعلاج المشكلة في حدّ ذاتها، فتفعيل التحصيل الضريبي مثلا مقتصر على فرض قيود إضافية على الملتزمين، ولا يفرد أيّ حيز للسيطرة على غير الملتزمين، وبالإمكان مثلا توزيع المتابعة الشرطية على امتداد المدن لمتابعة المخالفات المروية بدلا من تركيزها على مراكز المدن لتحصيل المزيد من الدخل، وبالإمكان فرض رسوم على السيارات المشطوبة لحصرها أولا، ولتسهيل المتابعة لها إن لم يكن بالإمكان القضاء عليها نهائيا.
لقد حان الوقت لإعادة النظر في الكثير من المنهجيات، وتفعيل واقع الآليات الكفيلة بتقديم حلول ناجعة للعديد من المشكلات، ورغم التقدير للجهد المبذول إلا أن بروز الأزمات بشكل متكرّر غير مقبول، ومطلوب توجهّات عمليّة لا تنظيرا مبالغا فيه.
حتى الحديث عن مؤتمرات الاستثمار صار ضربا من التكرار، إذ لا جديد، مؤتمرات تعقد، وفي المحصلّة لا استثمار، ولا حوافز، والقصّة برمتهّا باتت تقليدا سنويا، وبانتظار أن تكون هناك نتائج فعلية على أرض الواقع، تخفّف من حجم البطالة، ولا أريد الإطالة.
تفهمٌ إسرائيلي لمخاوفٍ فلسطينية ...
د. مصطفى يوسف اللداوي/وكالة سما
يبرر بعض الإسرائيليين عدم توصلهم لاتفاقٍ نهائي مع السلطة الفلسطينية، بأنهم يحرصون على انجازات السلطة، ويخافون على رئيسها من حركة حماس، ذلك أن أي اتفاقٍ نهائي مع السلطة الفلسطينية، فإنه يعني تكرار ما حدث في غزة، وسيؤدي إلى سيطرة حركة حماس على السلطة في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يقلق الإسرائيليين، ويخيف السلطة الفلسطينية ورئيسها.
فقد اعتبر الجنرال "عوديد تيرة" أن المعطيات الأمنية والسياسية لا تدعم التوصل لإتفاق نهائي بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وإذا تم التوقيع على الإتفاق رغم عوامل الفشل المرتبطة به، فسيعد ذلك خطأً قاتلاً لهما، ذلك أنّ "محمود عباس" غير معني بإتفاقٍ حالياً، لأنه إذا تم فسيغادر الجيش الإسرائيلي مناطق الضفة الغربية، وهو بذلك سيخسر الحكم سواء عبر الإنتخابات الدستورية، أو نتيجة القوة العسكرية لحركة حماس، فمن المعروف أنها باتت تشكل غالبية في مناطق الضفة، ولن يتمكن الجيش من البقاء هناك لمساعدته في أعقاب ضغط داخلي ودولي، مع أنه ليس الوحيد الخائف من هذه اللحظة.
وأوضح " تيرة" أنّ "إسرائيل" أيضاً غير معنية بالإتفاق حالياً، لأنها تعرف أن "عباس" و"فتح" لا يمثلان الفلسطينيين حتى في مناطق الضفة، لأن معنى أي اتفاق نهائي مع أي طرف، هو ضمان قدرته على فرضه على سكان الضفة وغزة، وهو ما من شأنه أن يغير وجه المنطقة، ولذلك ما الذي يجبرنا على التخلي عما وصفها بـ"الكنوز الجغرافية والأمنية" في الضفة الغربية بدون مقابل.
وأشار إلى أن ذلك سيعد حماقة لـ"إسرائيل"، وسيؤدي الإتفاق فعلياً لسيطرة حماس على الضفة، مما سيحول "تل أبيب" والساحل لمناطق مواجهة كالمدن القريبة من غزة، ولو افترضنا الموافقة على تنازلات لا مسؤولة، فالجانب الفلسطيني لا يمكنه رفض هذا الإتفاق، وتحديداً عقب الضغط الأمريكي، ومع ذلك فلن يكون الإتفاق لأمد بعيد لأن بإنتظار رئيس السلطة مفترق من الأزمات، ومن كل الإتجاهات.
وتعزز أوساط أمنية صهيونية هذه الرؤية، وترى أنّ "عباس" إذا قرر احترام الإتفاق مع "إسرائيل"، فسيؤدي هذا للإطاحة به في وقت قصير، وإن قرر عدم احترامه تحت ضغط من حماس والمجتمع الفلسطيني، فسيؤدي لعودة "إسرائيل" للمناطق، وقد يؤدي لإستقالته، وفي نفس الوقت فإن "إسرائيل" لا تريد الوصول لهذا الوضع، لأنها تعرف أن حماس ستسقط "عباس"، وعلى ضوء فقدانها لمناطق جغرافية هامة، وعمق استراتيجي كبير، نتيجة الإتفاق، فلن تكتفي حماس بالتهديد، بل ستطلق الصواريخ على السهل الساحلي في "إسرائيل".
وأضافت الأوساط الأمنية الإسرائيلية أنّه إذا أرادت حماس مواصلة عملياتها العسكرية، فإنها ستوجه صواريخها بإتجاه العاصمة الإستراتيجية لـ"إسرائيل"، وسيؤدي قصر مسافة الإطلاق بين الضفة و"إسرائيل" لجعل مهمة اعتراض الصواريخ من قبل نظام "القبة الحديدية" ليست بالسهلة، وهو ما يخشى أن يصل إليه كل مواطني "إسرائيل".
لهذا يرى الإسرائيليون أنهم يتفهمون حالة القلق الفلسطينية، ولا يضغطون على السلطة الفلسطينية تقديراً لتخوفاتهم، وحرصاً على منجزاتهم وأهدافهم، فلا يستعجلون التوصل لإتفاقٍ نهائي، قد يضر بمصالح الطرفين معاً، في الوقت الذي يرون فيه أن هذا التأخير يصب في صالحهم، ويحقق أهدافهم، ويمكنهم من خلق وقائع على الأرض جديدة، يصعب على الطرفين تجاوزهما وإن أرادا ذلك.


رد مع اقتباس