اقلام اسرائيلي 526
11/1/2014
في هــــــذا الملف
حلول عملية لمفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين!
بقلم:يوسي بيلين،عن اسرائيل اليوم
اتساع الفجوات بين تل أبيب وواشنطن
بقلم:ايلي بردنشتاين،عن معاريف
بالقرب من القرى الهادئة
بدأ الفلسطينيون يتعاطون بطريق ايجابية في مواجهة سكان البؤر الاستيطانية الذين يعتدون على اراضيهم
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
الجيش الاسرائيلي وحراسة الاضطراب
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
حفر يساوي الضم
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
حلول عملية لمفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين!
بقلم:يوسي بيلين،عن اسرائيل اليوم
إن تصميم وزير الخارجية الامريكي جون كيري يستحق التقدير. فما زال لم ينكسر بعد عشر جولات بيننا وبين الفلسطينيين وبقي التزامه بالمساعدة على احراز اتفاق سلام بين الطرفين متينا كما كان برغم الماء البارد الذي يصب عليه في اثناء الجولات وبينها. وينظر كيري الى الصراع ولا يفهم لماذا لا يمكن انهاؤه.
الحل معروف للجميع، وفي الطرفين اكثرية واضحة تؤيد تسوية الدولتين، واستعداد لانهاء الصراع بطريقة سياسية؛ وفي الطرفين زعيمان يلتزمان بالسلام علنا على الاقل والتكاليف التي تصاحب هذا السلام. ويغضبه ان الامر استمر هذا الزمن الكثير وهو يدرك تأثيرات الحل في الدول العربية وفي المنطقة كلها، وهو مؤمن بقدرته على التقريب بين الفروق في مواقف الطرفين. ولا يضعف ساعده وإن خاب أمله لهذا الموقف أو ذاك، وسيأتي في الاسبوع القادم ويحاول أن يجد حلا.
حاول كيري أن يفضي الى بدء تفاوض دون اتفاق مسبق على قاسم مشترك. وكان الشيء الوحيد الذي تم الاتفاق عليه مسبقا أن تفرج اسرائيل عن سجناء فلسطينيين قدماء وألا يتجه الفلسطينيون الى مؤسسات الامم المتحدة في خلال اشهر التفاوض التسعة المتوقعة، ولم يتم الاتفاق على أي شيء جوهري، وكان يأمل أن ينشأ في اثناء المحادثات قاسم مشترك يمكن أن يقوم عليه الحل المعلوم مسبقا لكن ذلك لم يحدث. كان مطلوب كيري من البداية التوصل الى تسوية دائمة في خلال الفترة التي حددت مسبقا. وتعجب الجميع لكن اذا كان وزير الخارجية الامريكي شديد التصميم فلن نجادله لأنه ربما يعلم شيئا لا نعلمه نحن. وربما توجد مع كل ذلك اتفاقات سبقت. رفض كيري كل فكرة تسوية تدريجية في الطريق الى تسوية دائمة. وقبل الطلب الفلسطيني وهو التوصل فورا الى تسوية دائمة خشية من أن كل تسوية ليست كهذه ستصبح هي نفسها تسوية دائمة والتفضيل الاسرائيلي القاطع الذي لا لبس فيه لاتفاق سلام كامل يشمل في جملة ما يشمل انهاء المطالب المتبادلة، وكان ذلك ادعاءا كبيرا جدا لأن حكومة نتنياهو غير مستعدة لدفع الثمن الذي يفترض أن تدفعه اسرائيل في الاتفاق المعلوم مسبقا. وأما م.ت.ف برئاسة عباس فلا تستطيع أن تأتي الى الطاولة بتسليم حماس للاتفاق. ولا تستطيع أن تشمل قطاع غزة في التسوية التي سيتم الاتفاق عليها.
حتى لو تم التوقيع على اتفاق دائم فلا يمكن أن يتحقق في هذه المرحلة إلا في الضفة الغربية. وحكومة نتنياهو غير متجهة الى تقسيم القدس الشرقية أو الى حل رمزي لمشكلة اللاجئين أو الى تخلي عن اريئيل. ولن يحدث هذا في جولة كيري الحادية عشرة ايضا كما يبدو. ويصعب أن نفهم لماذا اعتقد كيري أنه سيمكن التوصل الى ذلك في الظروف الحالية.
حينما أدرك وزير الخارجي الامريكي أن التفاوض في مستوى لفني عريقات قد انتقض، وعلق في مستوى نتنياهو عباس كيري عاد ليبحث عن القاسم المشترك الذي يُمكن من ادخال التفاوض في اطار يثمر نتائج. وهو يتحدث عن اتفاق اطار لأنه لا يريد الابتعاد عن هدفه الاول اتفاق كامل لكنه لا يتحدث في الحقيقة عن اتفاق اطار بل اتفاق بين بيغن والسادات في 1978؛ بل يتحدث عن خطوط متفق عليها لادارة التفاوض. ويحاول وزير الخارجية أن يفعل في كانون الثاني ما لم يتم فعله في تموز من العام الماضي حينما اعلن كيري عن بدء المحادثات: فهو يجلب معه المباديء التي ستكون الاساس لاستمرار التفاوض بين الطرفين في الاشهر القريبة آملا أن يوافقا على قبول اقتراحه وأن يوافقا على اجراء تفاوض طويل يتجاوز شهر نيسان، كما تم الاتفاق.
بيد أن كيري دُفع هنا الى تضارب مصالح: فبنيامين نتنياهو سيبارك استمرار التفاوض لأنه لا يسرع الى أي مكان، وكلما استمر التفاوض قل خطر التهديدات والقطيعات من قبل العالم. وانهاء التفاوض دون شيء ولا سيما اذا لم يوجد تفسير يبين أن الطرف الفلسطيني مذنب لذلك، سيجعل اسرائيل تواجه وضعا سياسيا شديد التعقيد. وانهاء المحادثات بمصالحات سيجعل نتنياهو يواجه ازمة في داخل حزبه، ويسعده في ظاهر الامر أن يؤجل لحظة الحقيقة هذه بقدر المستطاع.
وفي مقابل ذلك يجري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التفاوض في ظروف صعبة عليه لأنه ليس الحديث فقط عن حماس التي ترفض هذا التفاوض من البدء ولا عن منظمات الرفض الفلسطينية الاخرى؛ بل الحديث عن فتح وعن اقرب الناس اليه، فليس لعباس اكثرية في داخل اللجنة المركزية في فتح ولا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للاستمرار في اجراء التفاوض. وقد استقال المفاوضان منذ زمن، وتصدر عن الدكتور صائب عريقات في احيان متقاربة اقوال يأس تتعلق باحتمالات الاجراء.
إن الدعوى التي تسمع على عباس هي أنه يجري مسيرة سياسية جوفاء لا أمل منها ويمتنع بذلك عن التوجه الى مؤسسات الامم المتحدة والحصول منها على اعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو يبين أن عليه أن يضمن العلاقة الطيبة بين م.ت.ف والولايات المتحدة، وهو ينجح بواسطة حيل سياسية في الاستمرار في التفاوض.
يلتقي كيري زعيمين سياسيين ليس لأحدهما أكثرية في حزبه ليستطيع دفع ثمن السلام، وليس للآخر اكثرية في حزبه للاستمرار في التفاوض دون شق طريق مهم الآن. فليس الحل الاكثر عملية مثاليا لكنه افضل كثيرا من السير المعلوم الى فشل معروف مسبقا.
والحديث عن انشاء دولة فلسطينية فورا تستطيع أن تستوعب فورا اللاجئين الفلسطينيين الذين يهربون من سوريا منذ أكثر من سنتين.
ستكون حدود الدولة مؤقتة، لكنها سيادتها ستكون كاملة، وسيكون التفاوض في التسوية الدائمة على أساس مباديء يقترحها الامريكيون ويجري بين حكومة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ وبين حكومة اسرائيل في مدة زمنية متفق عليها مسبقا. اذا لم يكن يوجد أرانب في قبعة كيري فلا مناص سوى محاولة العمل بكامل الجهد في هذا الاتجاه بدل الحديث الفخم عن اتفاق دائم الآن ومواجهة دعامة مكسورة قُبيل نهاية الأجل الذي ضُرب مسبقا لاجراء التفاوض الحالي. ومن الحسن أن الازمة نشأت في كانون الثاني لا في نهاية شباط، ومن الحسن أن يُكشف عن الحقيقة الآن لا في اللحظة الاخيرة. فما زال من الممكن حرف المقود الى الاتجاه العملي الذي يمنع التحطم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اتساع الفجوات بين تل أبيب وواشنطن
بقلم:ايلي بردنشتاين،عن معاريف
الفجوات بين اسرائيل والفلسطينيين بالنسبة للمسائل الجوهرية معروفة، ولكن في الاسابيع الاخيرة انكشفت الفجوات العميقة بين اسرائيل والامريكيين من جهة، والفجوات بين الفلسطينيين والامريكيين من جهة اخرى.
ما هو واضح هو ان اتفاق الاطار لن يكون. ولا التوقيع ايضا، ويحتمل ألا يعلن عن ورقة الموقف الامريكي التي يعمل كيري عليها كون الفجوات بين القدس ورام الله وبين واشنطن عميقة واحتمال الوصول الى توافق متدن جدا. وبالتوازي، يعمل الامريكيون كي تكون تحفظات كل طرف على الصياغات عمومية بحيث لا تُسحب الارضية غير المستقرة للمحادثات.
‘الاحساس في القدس صعب، وقد وجد تعبيره في التوتر بين الشخصيتين المركزيتين، في الطرف الاسرائيلي وفي الطرف الامريكي، اللتين تعملان في المفاوضات: مبعوث نتنياهو، المحامي اسحق مولخو، والمبعوث الامريكي مارتن اينديك. في القدس′ لا يفهمون لماذا اختار كيري أن يعين بالذات اينديك والتوتر يواصل التعاظم. في القدس يشعرون بأن كيري يستخدم الاتحاد الاوروبي كمسدس موضوع على الطاولة في المعركة الاولى كي يلمح لنتنياهو بأنه اذا لم يلين، فسيتلقى مقاطعات مختلفة من حضارة العالم القديم.’
يضغط كيري على نتنياهو لقبول ترتيبات الامن ولا سيما في غور الاردن مع أن ثلاثة وزراء على الأقل في المجلس الوزاري السياسي الامني يعلون، شتاينيتس وأردان لا يقبلون هذه الترتيبات على المستوى العملي. وقال شتاينيتس لصوت الجيش أمس ان هذا اقتراح غير عملي، ولكن من غير المستبعد ان تكون الاعتراضات تعبر عن اليأس من أن يكون رئيس الوزراء قبل بلا خيار النهج الامريكي، وتعبر بقدر أقل عن المعارضة العملية.
كما أن كيري يضغط على نتنياهو لقبول صيغة تعترف بالقدس كعاصمة الدولتين وصيغة مخففة في مسألة اللاجئين تتيح تحقيقا محدودا لحق العودة. كما أن الصيغة التي ستظهر في الورقة الامريكية بالنسبة لخطوط 1967 هي سبب وجيه للجدال. فوزير الخارجية الامريكي إن كان يريد أن يعرض صيغة يكون واضحا منها ماذا سيتبقى في يد اسرائيل وماذا لا يتبقى. فمثلا، قبول خطوط 1967 مع تبادل الاراضي، بما في ذلك الكتل الاستيطانية. لا يمكن التقليل من أهمية هذه الصيغة وذلك لأن نتنياهو سيتنازل بعدها ظاهرا عن المستوطنات التي خارج الكتل وعمليا لن يتمكن من البناء فيها. ويحقق كيري بهذه الطريقة هدوءا حقيقيا في الساحة المتفجرة المتعلقة بالبناء في المستوطنات.
وافق نتنياهو في حزيران 2011 على الاقتراح الامريكي الذي رفع الى الرباعية في محاولة لتثبيت خطوط توجيه للمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. والسابقة الكبرى للاقتراح كانت ان رئيس الوزراء وافق على صيغة تقضي بأن تقوم المفاوضات على أساس حدود 1967 مع تبادل للاراضي، مع مراعاة التغييرات الديمغرافية على الارض. وعلى ذات الوزن تقرر أن يعترف الفلسطينيون باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. أما الامين العام للامم المتحدة، وزير الخارجية الروسي ووزيرة الخارجية الاوروبية فقد رفضوا باسم الفلسطينيين المسودة الامريكية.
كيري، الخبير في المسودة إياها، يسعى الى أن يقرر تواصلا مختلفا في ورقة عمله. الأعمدة الأساسية الثلاثة في الورقة هي: الحدود، الامن والقدس. وفي الغلاف فقط، وشريطة أن تتحقق توافقات حول هذه العناصر، يكون في اثناء التوقيع على التسوية الدائمة اعتراف متبادل بالدولتين القوميتين. ويشرح كيري لنتنياهو بأنه سينجح في اقناع الرئيس الفلسطيني أبو مازن بالاعتراف بدولة يهودية، ولكنه يريد مرونته في مسائل اخرى. أما نتنياهو فيصعب عليه تلبية طلبه.
من جهة اخرى كيري والاوروبيون مقتنعون بأن أبو مازن يضع العراقيل.’ وينبغي اقناعه. وينبغي تعزيزه، وكيري الذي يصطدم بالرفض الفلسطيني تقريبا في كل خطوة، يعدل مواقفه، غير مرة، في طالح اسرائيل. وأبو مازن يتركه يفهم بأن مزيدا من البادرات الطيبة ستساعده في أن يقول معا ويمدد المفاوضات.
يعرف نتنياهو بأن تفويض كيري محدود بسبب مستوى التزام البيت الابيض. وخلافا لاسلافه لم ترافقه كتائب من وزارة الخارجية ومؤخرا فقط شكل فريقا خاصا يساعده في جهوده. غير أنه في خلاف بارز مع مادلين اولبرايت، التي تولت المنصب تحت الرئيس بيل كلينتون، فان الرئيس اوباما لا يبذل جهودا بل ينظر من الجانب ويظهر بين الحين والآخر.
ومن المتوقع لكيري أن يعود الاسبوع القادم الى اسرائيل بعد أن يحاول ربط الجامعة العربية بجهوده. وفي هذه الاثناء يواصلون في اسرائيل التحذير من التواصل الاقليمي للجهاد الذي يترسخ على حدود اسرائيل. هذا هو الدليل، يقول من يقول، بأن حل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لن يؤدي الى استقرار المنطقة. وتضيف هذه المحافل: اذا ما رفض أبو مازن بدوره، فستكون هذه الفرصة الاخيرة، وحل النزاع مع الفلسطينيين سيتأجل لسنوات عديدة.
والى ذلك، ادعى عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، تيسير خالد، أمس في مؤتمر صحفي عقده في رام الله بأن كيري هدد بأنه اذا فشلت المحادثات الحالية فستتوقف المساعدات المالية للسلطة. واتهم خالد الولايات المتحدة بالابتزاز السياسي للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات. وحتى لو لم تكن تصريحات خالد تمثل الموقف الرسمي للسلطة، فانها تكشف الاعتراضات الداخلية في م.ت.ف على الاتفاق مع اسرائيل والمبادرة الامريكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
بالقرب من القرى الهادئة
بدأ الفلسطينيون يتعاطون بطريق ايجابية في مواجهة سكان البؤر الاستيطانية الذين يعتدون على اراضيهم
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
داعبت شمس طيبة مشرقة أول أمس حقول قرية قصرة وجاءت ريح باردة جافة من الغرب، من بيوت المستوطنة المجاورة ميغداليم. كانت الارض لينة هشة وبنية جدا تذكر بعاصفة الشتاء الكبيرة في الشهر الماضي. وكان فريق تلفاز ‘الجزيرة’ يركب جيب يبحث عن موقع تصوير مريح بين بيوت القرية والبؤرة الاستيطانية ايش كوديش، على الجبل. وانتظر فريق تلفاز فرنسي دوره. وكان رئيس مجلس القرية عبد العظيم ـ أبو بلال كما يسميه الجميع ـ يلبس بدلة عمل بنية ووشاحا ملائما لها يتنقل من مجري مقابلات الى آخر، فقد كان هذا صباحه.
كان يروي قصته وكان محقق ‘يوجد حكم’، وهي جمعية لحقوق الانسان، يترجم للعبرية. ‘أمس في العاشرة والنصف صباحا نزلت مجموعة مستوطنين من الجبل الى الاراضي هنا. كانوا ملثمين مسلحين بعصي. وكان انور عودة وأمه يعملان في قطعة ارضهما. فرموا بحجارة واقتلعوا اشجار كرمة. وبعد ذلك انتقلوا الى قطعة الارض المجاورة فاقتلعوا غراس زيتون. وكان جنود يراقبونهم متنحين جانبا. فاتصل بي عمال يبنون هنا بيتا وأعلنت ذلك بمكبر صوت المسجد أن المستوطنين يهاجمون، المستوطنين يهاجمون.
‘لم يكن الزمان صالحا للمستوطنين لأنه كان في يوم الثلاثاء الارثوذوكس، وهو يوم عطلة للجميع في مناطق السلطة الفلسطينية حتى لنا نحن المسلمين، فجاء عشرات وربما أكثر، وجاءت قوات حرس حدود وشرطة. واستمر المستوطنون في اقتلاع اشجار وأطلق رجال الشرطة علينا الغاز المسيل للدموع.
‘قال لي ضابط الارتباط الاسرائيلي سأبعد المستوطنين مئة متر الى الوراء وأبعد أنت المسافة نفسها وأعيدوا ما لكم فابتعدنا.
‘في ذلك الوقت خرج من ايش كوديش 16 مستوطنا مسلحين بعصي وبمطرقة وزنها 5كغم فالتفوا على الجنود من الجنوب ووصلوا الى اقصى جلود، القرية المجاورة. يوجد هناك حفار يعمل في اقتلاع الصخر فرموه بالحجارة وهرب السائق.
‘رأى الناس هنا المستوطنين من بعيد وبدأوا يجرون نحوهم فحاول المستوطنون الهرب غربا ووجدوا ملاذا في بيت عند اقصى القرية فأحطنا بهم.
‘وبدأ التراشق بالحجارة فرمونا ورميناهم، وجرح جرحى من الطرفين. وجاءت الى هناك مجموعة من أعيان القرية فانشأنا سلسلة منعت الجموع من اختراقها، وأصبت بحجر من أناسنا.
‘اتصلت بضابط الارتباط الفلسطيني الذي تحدث الى الضابط الاسرائيلي، والى أن جاء الجيش كانوا قد استسلموا ورفعوا أيديهم. وسلمناهم الى الجنود واحدا واحدا. أترى فؤاد، ذلك الشاب مع الضماد الكبير على رأسه؟ لقد حمى مستوطنا بجسمه. وحينما سلمه الى الجيش رماه المستوطن بحجر’.
كان أبو بلال يلعب بمجموعة مفاتيحه. وظهر منها خريطة فضية لارض اسرائيل الكاملة من الاردن الى البحر عليها علم فلسطين. قلت أنا اسكن هنا بالصدفة واشرت الى نقطة في مجموعة مفاتيحه، في السهل الساحلي. فشعر أبو بلال بالحرج وقال: ‘لكنك لا تصنع مشكلات كهؤلاء’ وأشار شرقا الى بيوت البؤرة الاستيطانية.
‘قال لي الضابط الاسرائيلي’، أضاف، ‘هؤلاء المستوطنون مجانين. فقبل أن يضروا بكم يضرون بنا.
‘لكن قل لي أنت من الذي يعطيهم كهرباء؟ ومن الذي يعطيهم ماءا؟ ومن يحرسهم؟’.
لماذا تبنون الآن بيوتا هنا على مبعدة مئات الامتار عن القرية، سألت أبو بلال.
‘بسبب المستوطنين’، قال معترفا. ‘فالبيوت تحمي اراضينا’.
وقفت على الجبل في الاعلى سيارة جيب عسكرية وفيها ثلاثة جنود وضابط اسمه ايتي، وسألت الضابط ما الذي حدث أمس فقال: ‘لا استطيع الكلام’، فقلت: أريد أن أعلم الحقائق فقط. فقال: ‘الحقائق هي كل القصة’.
ومن ورائه قامت بيوت البؤرة الاستيطانية وكان هناك الخليط المعتاد من الاسلاك الشائكة والكرفانات والمباني الثابتة. وعلى حسب نشرة للمجلس الاقليمي بنيامين تسكنها 13 عائلة تريد أن تستوعب غيرها. وتزعم منظمة ‘يوجد حكم’ أنه قدمت منذ صيف 2011، 21 شكوى من مخالفات عنف على سكان في قصرة ولم يحاكم أحد.
”’ الزعران للجيش الاسرائيلي
نشبت الحرب على اراضي الفلاحة شمال شرق مستوطنة شيلا وأنشئت على القمم ثلاث بؤر استيطانية هي: أحيها وكيدا وايش كوديش. وعند المنحدرات توجد كروم زيتون وعنب. وقد أخذ زيت الزيتون من أحيها يحظى مؤخرا بنجاح لا يستهان به في الحوانيت. ويزعم الفلسطينيون أنه كله أو بعضه يستخرج من الغراس التي سرقت منهم.
يُعرف غور شيلا بأنه من المنطقة ب حيث المسؤولية الامنية لاسرائيل والمدنية للفلسطينيين. وإن نحوا من نصف الاراضي فيها فلسطينية خاصة مسجلة بالطابو. والباقي فلحه فلسطينيون عشرات السنين. في 2000 نشبت الانتفاضة وأغلق الجيش الاسرائيلي المنطقة فدخلت الى الفراغ مؤسسات المستوطنين.
وكان اجتياحهم تدريجيا للاراضي التي تحاذي مستوطناتهم أولا وبعد ذلك الى دوائر آخذة في الاتساع. في 2005 قدمت تاليا ساسون تقريرها عن البؤر الاستيطانية الى رئيس الحكومة شارون، وعلى إثر التقرير سمح للفلسطينيين أن يعاودوا فلاحة جزء من الاراضي فهاجمهم مستوطنو البؤر الاستيطانية، وفشل الجيش الاسرائيلي في دفاعه عن السكان، فهو غير قادر على علاج مخالفي القانون اليهود.
رأت مراقبة الجيش الاسرائيلي مجموعة الملثمين التي خرجت من ايش كوديش الى الجنوب ولم يتعقبهم أحد. وكانت الحادثة التي تطورت حتى كادت تبلغ عملية تنكيل قد عرفها الجيش الاسرائيلي فقط بعد أن أبلغ أبو بلال السلطة الفلسطينية. ويرى الفلسطينيون أن هذا دليل آخر على اغماض الجيش الاسرائيلي عينيه حينما يكون الحديث عن عنف مستوطنين؛ ويرى المستوطنون أن الحديث عن تخل عنهم، ويسألون: لماذا لم يدافع الجيش عنا.
يتحدث الفلسطينيون الآن عن تغيير سياسة باعداد مجموعات في القرى ترد على الحرب بالحرب بدل أن يدعوا مخالفي شارة الثمن يضرون بالمساجد والسيارات والغراس. فحينما تصل مجموعة مستوطنين الى مكان ما يعلن مكبر الصوت من مئذنة المسجد عن مجيئهم فيخرج أناس القرية لمواجهتهم.
ويذكر هذا النموذج جدا بالطريقة التي استعدت بها منظمة الهاغاناة لحماية البلدات اليهودية في احداث 1936 1939. فقد صار عندهم من يتعلمون منه.
وقد يكون حدث التحول في قصرة في يوم الثلاثاء.
الى نقطة الصفر
إن الرسالة التي تحملها جون كيري تذكر بولد يخرج الى الحديقة مع طائرة ورقية. فالنية خير، والغرض مناسب؛ والدأب مدهش، لكن الريح تأبى أن ترفع الطائرة الورقية الى أعلى. أراد كيري أن يتوصل الى اتفاق اطار يدخل نتنياهو وأبو مازن في مسار لا يستطيعان الخروج منه، لكن هذا لم يحدث الى الآن.
ما زال الباعث موجود لكن الهدف أخذ يتقلص. اذا افترضنا أن نتنياهو يخبر وزراءه بالحقيقة فانه لن يطلب اليه أن يوقع على الورقة التي يصوغها كيري، لأن كل ما يطلبه كيري الآن من الاثنين أن يلتزما بألا يتحفظا علنا مما سيرد في الورقة وأن يقولا: ‘نحتفظ بتحفظنا للتفاوض’.
لن يستطيع الاثنان أن يحافظا على الصمت بازاء ورقة حقيقية لأن مواضيع جوهرية كحدود 1967 وتقسيم القدس وحق العودة والاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية ستوجب على قادة الدول أن يتحدثوا. قد أكون متشائما جدا لكن يبدو أن الورقة الامريكية ستشجع الاختلاف أكثر من الدفع بالاتفاق قدما، وسيعود الجميع في سعادة الى نقطة الصفر.
إن طوني بلير الذي نجح في ايرلندة وفشل هنا بين ليئير لبيد أنه لا توجد لحظة حسم واحدة. فالتقدم الى الاتفاق بطيء لا يكاد يُشعر به تقريبا، وستحين في وقت ما اللحظة التي لا عودة عنها. فاذا كان بلير صادقا فان نتنياهو اموره على ما يرام من جهة الائتلاف الحكومي لأن لبيد سيبقى وبينيت سيبقى، وربما يبقى كيري ايضا. والانطباع، وهذا صحيح الى الان، هو أن كيري جاء ليروض فخرج مروضا.
الدرع اليهودية
خصص نتنياهو في هذا الاسبوع ساعات لمحادثات مع بينيت وقد فعلت المحادثات فعلها. قال لي بينيت: ‘يعرف نتنياهو الاصغاء. وهو يدع الناس يشعرون بأنه معهم’.
يتعرض بينيت الان لهجوم شديد في حزبه. وقد نشرت في نهاية الاسبوع مناشير حذرته من التخلي السياسي. والتقى بعض اعضاء الكنيست من البيت اليهودي أول أمس اعضاءا من الجناح المتطرف من الليكود فسألهم الليكوديون: أين أنتم، فنحن حينما ننظر الى اليمين لا نراكم. وبعد قليل ستلتفون علينا من اليسار.
كان أحدهم هو يوني شتبون. ‘كان هناك خطأ كبير في خطبة بينيت السياسية’، قال لي. ‘فهو يتحدث معترضا على حدود 1967 وعلى تقسيم القدس، وليست هذه هي القضية. إن البيت اليهودي سيترك الحكومة بسبب اخلاء بيت واحد.
‘إن الرسائل التي أظهرتها خطبة بينيت تُمكن نتنياهو من أن يقوم باجراءات خطيرة جدا. فهو قد يوافق على اجراء مرحلي يكون مقرونا بتجميد بناء أو نقل السيادة على ارض. ويجب أن يترك البيت اليهودي الحكومة بسبب اجراء كهذا.
‘توجد غفوة في اليمين. فالجميع غطى على عيونهم الضباب الذي يلف المحادثات. وسيستيقظ الناس بعد ذلك لكن ذلك قد يكون متأخرا. فيصل نتنياهو الى الاتفاق مع هرتسوغ أو مع درعي ويتم المسار من غيرنا فيجب التهديد بالترك الآن’.
قلت: إن الليكوديين يستعملونكم مثل درع واقية.
قال شتبون: ‘هذا عملنا فنحن البيت اليهودي’.
يرفض بينيت الانتقاد وقال: ‘تعلمت درسا مما فعله نتنياهو بي في قضية الافراج عن السجناء. فقد قلت آنذاك لا أقصد التجميد وفسر ذلك كأنني قلت نعم موافقا على السجناء. وقلت في هذه المرة إنه لا يوجد شيك مفتوح، إعرض علينا كل شيء: ماذا يفعل كيري، وماذا تفعل أنت؛ وسأتخذ قرارا لكن ليس فورا. لا تفاجئني بمكالمة هاتفية قبل دخول السبت بساعة. ‘أنا كثير الشك على اساس ما سمعته منه حتى انهم لم يصلوا الى الورقة فأبو مازن غير مستعد. وحاول الامريكيون ولم ينجحوا وهم الآن يستعملون الضغط على الاسرائيليين.
‘إن موضوع الانفصال قد وسمنا جميعا. والامر في هذه المرة غير مشابه. إن هدف نتنيناهو هو أن يكسب سنة تفاوض اخرى وما لم ندفع ثمنا كبيرا فتلك مصلحة اسرائيل’.
ضيعة ليبرمان
إن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان شخص جدي ويعلم العالم كله أن كلمة ليبرمان هي كلمة وأن الكلمتين كلمتان بل ثلاث احيانا. بسط ليبرمان في بداية الاسبوع نظريته السياسية المحدثة. كان بعضها جديد وهو تأييد مبادرة السلام الامريكية؛ وكان بعضها مستعادا: فليبرمان يقترح في اطار تبادل الاراضي مع الفلسطينيين الحفاظ على المستوطنات واعطاءهم عوض ذلك وادي عارة والمنطقة شرقي الشارع 6 مع سكانها.
كان لليبرمان نصر مضاعف هنا من جهة شخصية: فهو أولا أفرح كيري. وقد وعده في لقائهما في واشنطن قبل شهر بأنه لن يشوش على التفاوض وبرهن له الآن بلسانه على أنه يفي بوعده؛ فمندوبو اسرائيل بيتنا الـ 11 الذين وقفوا من قبل عن يمين نتنياهو يقفون الآن عن يساره.
والشيء الاساسي أنه لم يخشر شيئا عند مؤيديه بل عاد وأعلم لهم العدو الذي علمهم كراهيته وهو عرب اسرائيل. وقد فعلت الهجمات التي صبت عليه من اعضاء كنيست عرب فعلها. وحظي ليبرمان بذلك الاجراء باطراء مفرط من الرئيس بيرس وتنديد شديد من احمد الطيبي. وسافر ليبرمان فرحا منشرح القلب الى أبعد حد ليقطف ثمرات نصره في عدد من العواصم الاوروبية.
وسافرت أنا الى الشريط الضيق الذي يفصل شارع 6 عن الخط الاخضر وهو الشريط الذي يقترحه ليبرمان على الفلسطينيين. بدأت من المنتصف من رأس العين التي هي لحم من لحم فلسطين. كانت رأس العين ذات مرة بلدة يمنية نائية وهي اليوم مدينة وأم. كان عدد سكانها 40 ألفا في آخر احصاء. وأنا أبحث بين السكان الذين سينقلون الى سيادة فلسطينية عن اسماء يعرفها الجمهور. فمن يبرز في المقدمة؟ ميري ريغف عضو كتلة ليبرمان وبالقرب منها ايتان كابل من حزب العمل؛ ورئيس هيئة الاركان بني غانتس وضباط كبار آخرون في الخدمة الدائمة والاحتياط. كلهم سينقل الى فلسطين.
واتجهت من هناك الى الشمال فوصلت الى كفر قاسم التي لم تعد منذ زمن قرية بل ضاحية زاهرة من ضواحي بيتح تكفا وغوش دان تتجه غربا الى قلب الدولة، فكيف تتجه الى الشرق الى فلسطين. ويوجد من كفر قاسم عضو كنيست اسمه عيساوي فريج وهو عضو عربي في الحزب الصهيوني ميرتس.
واتجهت من هناك شمالا الى كفر برا وهي من اغنى البلدات في الوسط العربي. كان عمال يغرسون اشجارا في الجادة الفخمة التي تفضي الى وسط القرية. ثم الى حورشيم وهي كيبوتس متواضع مخبوء في غابة، ومتان وهي بلدة جماهيرية كبيرة مملوءة من المسرحين من الجيش الاسرائيلي و’الشباك’. وتجاوزت قلقيلية التي هي لفلسطين منذ زمن وجئت الى إيال وهو كيبوتس قديم آخر. دفع اريئيل شارون قدما بخطة الكواكب وهي انشاء سلسلة بلدات فيلات بعضها في داخل الخط الاخضر وبعضها في داخل الضفة ليمحو الخط الاخضر بصورة نهائية. وتحققت الخطة تحققا جزئيا. فها هي ذي المستوطنات الفلسطينية الجديدة: كوخاف يئير، وتسور يغئال، وتسور نتان، وتسور يتسحاق وبات حيفر. إن شاؤول موفاز وعومر بارليف وكلاهما من كوخاف يئير سيجلسان في لجنة الخارجية والامن التابعة للمجلس التشريعي الفلسطيني. وسيمثلان شؤون آلاف الاسرائيليين الذين استقرت آراؤهم على الرهان على سكن رخيص في حريش كتسير، وأعالي وادي عارة، وسُلموا الى فلسطين.
لم تكن هذه الرحلة القصيرة في أنحاء اسرائيل ترمي إلا الى أن تقول إن ليبرمان أقل عنصرية مما اعتيد ان يُعتقد. فهو يأخذ العيش تحت السيادة الاسرائيلية من العرب ومن اليهود ايضا. وهو كأنما يأخذ لأنه لا سبيل للفصل ولا سبيل للأخذ ولا سبب. حينما تحدث ليبرمان اول مرة عن تبادل اراض كانت الفكرة منع البلقنة في المنطقة بين الاردن والبحر لتكون اسرائيل أكثر يهودية وتكون الضفة أكثر عربية. وبدا ذلك حسنا عند جمهور مصوتين محدد لكنه يعمل بصورة عكسية، فبدل الفصل بين الدولتين يخلط بينهما وبدل تقوية صلة عرب اسرائيل بالدولة يجعلونها رثة.
ماذا بقي؟ بقي الحرج الذي سُبب لعدد من اعضاء الكنيست العرب الذين يتوقون الى فلسطين مثل صهاينة أخيار في الغربة لكنهم يرفضون العيش فيها. إن الشماتة قصيرة ولا يستمتع بها إلا ليبرمان. لم تحدث في هذا الاسبوع مظاهرات احتجاج لا في كوخاف يئير ولا في باقة الغربية، ولا في مي عامي ولا في أم الفحم؛ فالسكان لم يتركوا بيوتهم الجميلة الملاصقة للارض؛ ولم تتغير اسعار العقارات. ويستطيع ليبرمان أن يعود ليتنفس الصعداء ولا أحد صدقه.
إبطال عمل القنبلة
حينما يمتلئ ميدان رابين بمتظاهرين من اليسار أو من اليمين تكون تلك مظاهرة قوة. وحينما يمتليء برجال شباب من اريتيريا والسودان هم ماكثون غير قانونيين يكون ذلك خطأ استراتيجيا. وبدل أن يقنعوا بمشكلتهم وانسانيتهم يصدون الرأي العام بحشدهم ومقدارهم وقتاليتهم.
كان التسلل الى اسرائيل مشكلة قومية ما استمر التدفق من سيناء. وفي اللحظة التي توقف فيها التدفق خفت المشكلة. يستطيع 8 ملايين اسرائيلي أن يستوعبوا 50 ألف اجنبي مستعدين للعمل في كل عمل، لكن المشكلة هي جنوب تل ابيب. فوجودهم هناك جريمة على السكان وعلى الافارقة فيجب ابطال عمل هذه القنبلة.
كان انشاء المنشأة عند اقصى النقب لا حاجة اليه، وهم يرفضون التعفن فيه بحق. ويستحسن التوجه الى تجفيف تدريجي بتنفيذ دقيق لقوانين العمل والسكن في تل ابيب وايلات؛ وبيد أقل انقباضا وأسرع في علاج طلبات مكانة لاجيء؛ وبدعم مالي بهدوء لمن يطلب العودة الى بلاده.
إن ما لا تعرف الحكومة فعله سيفعله المحامون. فكلما رفع عدد أكبر من الدعاوى القضائية لافارقة سلبوا أجورهم سيقل الباعث على استعمالهم في العمل. وفي مقابل كل رب عمل ذي رحمة وشفقة يوجد عشرة يحركهم الطمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الجيش الاسرائيلي وحراسة الاضطراب
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
في سلاح الجو دارجة تقاليد مهنية طويلة السنين يتعاطون فيها مع كل حالة تكون شبه حادثة جوية وكأنها حادثة جوية حقيقية. وهذا هو الشكل الذي تحقق فيه قوات الامن بالحادثة التي وقعت يوم الثلاثاء في قرية قصرة، شمالي رام الله. وحسب ضباط كبار في قيادة المنطقة الوسطى، كانت هنا مسألة دقائق: لو تأخرت قوات الجيش الاسرائيلي في الوصول الى القرية، ولولا المبادرة الاستثنائية والشجاعة التي اتخذها بعض النشطاء الفلسطينيون، الذين حموا باجسادهم زعران التلال الاسرائيليين الذين نزلوا الى القرية من بؤرة ايش كوديش الاستيطانية المجاورة، لكانت اسرائيل والسلطة تتصديان الآن لآثار مذبحة.
بداية كانت قد تقع عملية فتك فلسطينية لعشرة المستوطنين الشبان، بينهم طفل ابن 12. بعد ذلك قتل فلسطينيين على أيدي الجنود في محاولة لاقتحام هيكل المبنى الذي أمسك فيه السكان الشبان واحتجزوهم، فيما كان يتدفق المزيد فالمزيد من الفلسطينيين الغاضبين من قصرة والقرى المجاورة الى المكان. ولشدة الحظ، رغم أن المشاغبين الاسرائيليين ضربوا ضربا مبرحا، فقد فصلوا عن الجمهور. وفي نفس الوقت بدأ عمل نشط من اجهزة التنسيق الامني في الطرفين، دخلت في اطاره قوة بقيادة قائد كتيبة مدرعات الى القرية وبدأت تعالج مسألة اخراج المستوطنين. وكانت العملية المركية تحتاج الى ما لا يقل عن اربع سرايا من الجيش والشرطة بقيادة قائد لواء بنيامين (رام الله) العقيد يوسي بنتو. وفي ختامها أُخرج المستوطنون من القرية بجراحات طفيفة فقط.
بقيت عدة جوانب تكتيكية للحادثة يتعين على الجيش والمخابرات الاسرائيلية أن تدرسها. يبدو أنه مر غير قليل من الوقت بين الموعد الذي لاحظت فيه نقطة رقابة عسكرية مجموعة المستوطنين التي نزلت الى القرية وبين استخدام القوات. وسواء كان المستوطنون جاءوا في جولة لاستعراض التواجد والتنكيل بالفلسطينيين وتعثر حظهم فاصطدموا بهم أم جاءوا للقيام بعملية شارة ثمن مخطط لها هدفها احراق سيارات أو منزل، فقد كان عملهم متوقعا. ففي ذات اليوم في الصباح دمرت الادارة المدنية كرم زيتون غرسه اهالي ايش كوديش على ارض فلسطينية خاصة، وكان الثأر في الهواء.
فضلا عن ذلك لما كان يترأس المجموعة نشيطان على الاقل من اليمين المتطرف ممن تعرفهما المخابرات الاسرائيلية، كان يخيل أنه كانت حاجة الى متابعة مبكرة لهما. على الزعران المضروبين لم يرحم الضباط لحظة، فهذه هي الطبخة التي اعدوها، ولم يقبل أحد في الجيش والمخابرات الاسرائيلية العذر الهزيل في التنزه الذي نشره الناطقون بلسانهم. فرجال ايش كوديش لم يأتوا لاقتطاف الفطريات في قصرة ظهر يوم الثلاثاء.
ليس هناك حاجة لأن نشرح كيف كان يمكن لمثل هذا القتل الجماعي، لو وقع، أن يجرف الضفة الغربية نحو دائرة دموية جديدة. فمنذ ايلول سجل ارتفاع حاد في الاحداث في المناطق، كان في بعضها قتلى، ولكن هذه كانت احداث منفصلة أساسا، لم يكن لها بعد تأثير حسي كبير على الطرفين. أما للمواجهة في قصرة فقد كان يكمن ضرر مختلف تماما. القرية نفسها تعرضت لاحداث سابقة. ففي ايلول 2011، في يوم الخطاب التاريخي لرئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) في الجمعية العمومية للامم المتحدة، قتل هناك فتى في حادثة مع الجيش الاسرائيلي والمستوطنين. ومنذئذ تحدثوا في قصرة وفي قرى اخرى في المنطقة عن اقامة لجان دفاع شعبية تصطدم بالمستوطنين على الاراضي حول القرية.
حقيقة أن الحدث في قصرة انتهى فقط بشبه مصيبة لا تقلل من شدة الفشل في معالجة زعران اليمين المتطرف. والنجاح الاساس الذي سجل في صالح اللواء اليهودي في المخابرات في السنتين الاخيرتين، الى جانب حملات الاقناع وكبح الجماح في اوساط الحاخامين والمربين، هو في جمع ما يكفي من المعلومات الاستخبارية لاصدار أوامر ابعاد من الضفة ضد ثمانية من قادة النشطاء. أما الوصول الى أدلة قانونية تتيح الادانة فلم ينجحوا في الوصول وذلك ايضا بسبب الخوف من الكشف عن المصادر الاستخبارية في المداولات في المحاكم.
” لا يوجد أي وجه شبه بين التحقيق مع فلسطيني مشبوه بالارهاب والتحقيق مع يهودي. فبينما الاول يتعرض لمنع النوم، ضغوط نفسية وفي حالات عاجلة لضغط جسدي ايضا، فان الحد الاقصى الذي يواجهه الآخر هو تلاوة صفحة الثقافة والأدب في ‘هآرتس′ (مثلما شهد مشبوهون باعمال التنظيم السري اليهودي الثاني، قبل قرابة عقد). في مكافحة الارهاب اليهودي، لم تنجح المخابرات الاسرائيلية في اقتحام هذا الحصن. ففي بداية الانتفاضة الثانية قتل ما لا يقل عن سبعة فلسطينيين في الضفة في عمليات ارهابية قام بها يهود. ومع أن قائدي المخابرات آفي ديختر ويوفال ديسكن، قدرا بعد ذلك بأن منفذي العمليات كانوا بين اولئك الذين استدعوا للتحقيق، فان أحدا منهم لم يقدم الى المحاكمة ولم تجري ادانته باستثناء امور فرعية جانبية: التنظيم السري بات عاين الذي لم ينجح اعضاؤه في قتل فلسطينيين.
” الجيش والشرطة الاسرائيليين هما ايضا مشاركان في الفشل. فلواء شاي، رغم تعزيزه بالملكات والمقدرات في السنوات الاخيرة، بقي الابن غير الشرعي للشرطة. الجيش لا ينجح في التغلب على عائق بنيوي: التضامن الاساسي للجنود والضباط الشباب مع مهمتهم المركزية حماية الاسرائيليين في المناطق، أي أولا وقبل كل شيء السكان المستوطنين. وعندما تعمل الهوامش المتطرفة من هؤلاء السكان بعنف ضد الفلسطينيين، فان قلة من الجنود يستطيعون استيعاب ذلك وتغيير سلوكهم بما يتناسب مع ذلك. ومطلوب تدخل من كبار الضباط المجربين كي يتصرف الجيش كما هو متوقع منه.
قبل نحو سنة ونصف شاهدت مسلسل تعليمي وبعد ذلك مسلسل اعداد للخدمة في المناطق تجتازه سرية الناحل قبل أن ترسل الى الخليل. وقد شخصت هذه الاخفاقات بدقة منذ الاستعدادات التي تضمنت العاب ادوار يتبادلها الاشخاص. ولكن عندما وصل الجنود الى الميدان، وقعوا في كل الحفر التي حددت لهم مسبقا من مصاعب استخدام الصلاحيات تجاه المستوطنين المتطرفين وحتى التورط مع كاميرات منظمة ‘بتسيلم’.
هذه المنظمة نشرت هذا الاسبوع فيلم فيديو عرض النصف الثاني من الواقع كما انعكس في توثيق المصورين الفلسطينيين في قصرة. فقد صور الفيلم في قرية عوريف قرب نابلس يوم الاثنين الماضي. وظهر فيه مستوطنون ملثمون من يتسهار يرشقون الحجارة على سكان القرية. الجنود الذين رافقوا المستوطنين لم يتدخلوا فيما يجري. وفقط عندما رشق الفلسطينيون الحجارة رد الجنود باطلاق الغاز المسيل للدموع. وفي حالات عديدة (وعلى مدى السنين وكثير منها التقطت صورها حول يتسهار)، هذه هي الصورة: قوات صغيرة من الجيش الاسرائيلي تحرس مستوطنين يشاغبون في قرى فلسطينية، في خلاف تام مع السياسة المعلنة للجيش، كمن يفرض القانون والنظام في المناطق. واحيانا، عندما يأتي متطرفو المستوطنين وحدهم، فانهم يتورطون وعندها يحتاجون الى الجيش الاسرائيلي كي ينقذهم من الورطة، كما في قصرة.
لقد كان لفتيان التلال، كما كان متوقعا، استنتاج آخر من قضية قصرة. في معظم الحالات لا يخرجون الى الجولات في الميدان وهم يحملون السلاح. وذلك لأن معظم اعضاء هذه المجموعات معروفة للمخابرات، ولا يستحقون الحصول على تراخيص للسلاح. وفي بعض الصور من احداث في الماضي، ظهر فيها مستوطنون ينزلون الى القرى مع بنادق، كانت هذه بنادق وهمية من البلاستيك. أما هذا الاسبوع فالى جانب الوعود بالانتقام على اهانتهم في قصرة، تحدثوا في التلال عن الحصول على سلاح ناري. وما يبدأ بالاحاديث عن الدفاع عن النفس ينتهي بشكل اسوأ بكثير من ذلك.
الصورة المحلية، الصغيرة والبشعة لكراهية عالمية بين اليهود في البؤر الاستيطانية وجيرانهم في القرى الفلسطينية، لا يمكن فصلها عن الصورة الكبرى، السياسية. عندما حققت المخابرات والشرطة في احداث الارهاب اليهودي في الانتفاضة الثانية، توصلت الى استنتاج بأن العمليات وقعت لاعتبارين مركزيين. الرغبة في الانتقام والردع على خلفية العمليات التي قتل فيها سكان في البؤر الاستيطانية على يد فلسطينيين، والتخوف من اخلاء مستوطنات بسبب خطوة سياسية. وكلما تقدمت المبادرة السياسية لوزير الخارجية جون كيري وكثرت التقديرات بشأن تنازلات اسرائيل على الارض، سيشتد التوتر في الضفة وسيزداد الخطر من اعمال ارهاب ليهود، وليس فقط لحماس والجهاد الاسلامي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
حفر يساوي الضم
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
يسعى مستوطنو الخليل منذ زمن ما الى أن يطوروا لانفسهم حديقة اثرية. مثلما في حالات اخرى، استجابت الحكومة الى طلبهم في ظل منح دعم جارف. ويوم الاحد بدأ حفر كبير في قلب المدينة الفلسطينية بفضل تكاتف قوى اسرائيلي: ضابط قيادة الاثار في الادارة المدنية اصدر رخصة الحفر، سلطة الاثار تقدم باحثيها، جامعة اريئيل تمنح المحيط الاكاديمي، ووزارة الثقافة الميزانية، التي ستبلغ 7 مليون شيكل. ويعرض الناطقون بلسان الحاضرة اليهودية هذا الحفر بأنه بريء من كل علائم سياسية. ولكن مثل كل مشروع يخرج الى حيز التنفيذ في الخليل بشكل خاص وفي المناطق بشكل عام، فان هذا الحفر أولا وقبل كل شيء فعل سياسي. معناه هو توسيع السيطرة اليهودية في قلب المدينة الفلسطينية الاكثر تفجرا في الضفة، وهو يأتي كاستمرار لاعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه يعارض اخلاء المستوطنة اليهودية.
يكتشف مستوطنو الضفة في السنوات الاخيرة الفضائل الكامنة في الاثار. فهذا العلم البريء ظاهرا يسمح لهم ليس فقط بامتلاك الارض بل والرواية التاريخية لها، وتثبيت قصتها من زاوية النظر اليهودية في ظل تجاهل الشرائح والثقافات الاخرى. السلطات من سلطة الاثار عبر سلطة الطبيعة والحدائق من الجيش وحتى ديوان رئيس الوزراء تتعاون بسرور مع هذا الميل. في تل شيلو دشن في حزيران برج رقابة موضع خلاف أقيم، خلافا لما هو دارج، على البقايا الاثرية. كما أن اماكن يستخدمها السكان الفلسطينيون لسنوات عديدة تعلنها السلطات الاسرائيلية كمواقع أثرية.
إن الاستخدام السياسي للمكتشفات ليس غريبا على الاثار الاسرائيلية: فبقدر كبير يبنى هذا المجال على الحاجة الى ايجاد أدلة على حق الشعب اليهودي على البلاد. ولكن مع السنين، مع تعزز قوة الدولة، انقطع عن الاملاءات السياسية واصبح أكثر مهنية. أما الاستخدام الذي يسخر اليمين اليوم فيه علم الاثار فيهدد بالمس ليس فقط بمساعي جون كيري لبلورة اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين بل وبالمهنة نفسها ايضا، ويحولها من أداة علمية الى بوق دعاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس