في هذا الملـــــف:
العقوبات الاسرائيلية الدائمة والعارضة
بقلم: حديث القدس – القدس
قراءة لما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس
بقلم: رائد دحبور – القدس
تحت رداء المصالحة..
بقلم: نبيل عمرو – القدس
"العمى في قلبك".. يا إسرائيل؟
بقلم: حسن البطل – الايام
العملية التفاوضية: كيري وسياسة "الندم" !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
الوطنية الفلسطينية وانقسامات نخبها القيادية
بقلم: علي جرادات – الايام
المعارضة التي تتغذى على أموال أوسلو
بقلم: بهاء رحال – الحياة
المصالحة مسلسل مكسيكي؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
ذكرى الاول من ايار وقفة عز واجلال
بقلم: الدكتور حنا عيسى - PNN
العقوبات الاسرائيلية الدائمة والعارضة
بقلم: حديث القدس – القدس
بدأت الحكومة الاسرائيلية في فرض عقوبات على الفلسطينيين خلال اليومين الماضيين، وكانت العقوبة الأولى، كالعادة هي وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية- وهي أموال تجبى على واردات السلع المستوردة للأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإن ما قامت به اسرائيل ليس إلا سرقة وسطو بالقوة على هذه الأموال، التي تشكل العمود الفقري لمدفوعات الرواتب لمستخدمي السلطة الفلسطينية، ومستحقات الشركات والقطاعات الخاصة والعامة التي تتعامل مع الحكومة الفلسطينية.
هذه العقوبة التي تستخدمها اسرائيل بشكل موسمي وعارض كلما أرادت ابتزاز الحكومة الفلسطينية أو الضغط عليها، حتى لا نقول معاقبتها، على قرارات سيادية تتخذها، تمس بشكل واسع بالشعب الفلسطيني كله، ومن هنا فهي عقوبة جماعية وجريمة ضد الإنسانية، لأن المتضرر من فرضها هم مئات الآلاف من أبناء شعبنا، بالإضافة لكونها عملية سلب وسطو بالقوة على أموال فلسطينية، والمفروض أن يتعامل معها المجتمع الدولي على هذا الأساس.
ولدى السلطات الاسرائيلية "بنك عقوبات" تفرضها على الشعب الفلسطيني وعلى السلطة الفلسطينية. غير أن العقوبات الدائمة التي يعانيها الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال عام 1967 يتصدرها الاحتلال نفسه. وهو احتلال شرس وإحلالي استيطاني هدفه تهويد الأراضي الفلسطينية، وتفريغها من أصحابها الشرعيين.
والاستيطان هو العقوبة الثانية حيث تقام على الأراضي المحتلة مستوطنات تتسع وتمتد لتبتلع أراضي الفلسطينيين، وتمنع التواصل الجغرافي بين مدنهم وقراهم. هذا في الوقت الذي توفر فيه الطرق الالتفافية، المقامة على أراض فلسطينية هي الأخرى، وسائل المواصلات للمستوطنين فيما بين مستوطناتهم من ناحية، واسرائيل داخل الخط الأخضر من الناحية الأخرى.
والعنف الاستيطاني ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وحرياتهم في زرع حقولهم وجني محاصيلها عقوبة دائمة ثالثة. وهناك هامش حرية لقطعان المستوطنين في ممارسة هذا العنف ويتمثل هذا الهامش في تساهل السلطات الاسرائيلية مع عنف المستوطنين، ووجود ازدواجية قانونية في الأراضي المحتلة بين قانون مدني متساهل للتعامل مع المستوطنين، وقانون عسكري متشدد آخر يلاحق الفلسطينيين دون هوادة وتصادر بموجبه الأراضي الفلسطينية بجرة قلم، وبقرارات عسكرية صارمة.
وهدم المنازل تحت ذريعة عدم الترخيص في القدس، وبحجة وقوع بعض المباني في المنطقة (ج) في الضفة الغربية عقوبة دائمة تفرضها اسرائيل بشكل روتيني. وقبل أيام جددت السلطات الاسرائيلية أوامر منع البناء في المنطقة (ج)، ومع أن هذا المنع كان مطبقا جزئيا قبل اتفاق المصالحة الفلسطينية، فإن تجديده قبل أيام يتساوق مع الضغوط الاسرائيلية لابتزاز السلطة الفلسطينية، وحفزها على التنصل من المصالحة، والعودة للمفاوضات العبثية الأبدية مع اسرائيل.
والتعامل مع العقوبات الاسرائيلية العارضة والدائمة يتطلب تفعيل التحرك الفلسطيني للانضمام إلى الهيئات القضائية الدولية، وهي التي تمتلك الآليات لوضع حد لهذه العقوبات، والضغط على اسرائيل لإنهاء الاحتلال، وكل ممارساته وعقوباته التي يعاني منها الفلسطينيون منذ سبعة وأربعين عاما.
قراءة لما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس
بقلم: رائد دحبور – القدس
في خطابه الأخير أمام المجلس المركزي، قدَّم الرئيس محمود عبَّاس تلخيصاً موجزاً لمسار التسوية والمفاوضات، وصولاً الى اللحظة الرّاهنة، وقد كان مُحِقاً فيما خَلُصَ إليه، فيما يتعلَّق بضرورة أن تتخذ إسرائيل قراراً واضحِاً وحاسماً، فيما يخُصُّ مسألة مُستًقبل احتلالها للضِّفة الغربية، وضرورة أن تُجيب عن السؤال الجوهري بهذا الخصوص، والسؤال هو: هل هي ما زالت تُصَنِّف نفسها كحكومة احتلال، بما يترتب على ذلك من مسؤوليات في نظر القانون الدَّولي، وحتَّى في نظر القانون الإسرائيلي ذاته؟.
وإذا كان الأمر كذلك فعليها أن تأتي لتملأ الفراغات، التي ستنشأ إذا استمرت في تجَنُّب دفع استحقاقات عملية التسوية الجارية، والتي من أهمَّها ضرورة حسم موضوعَيْ الإستيطان وترسيم الحدود، كمدخل ضروري للإنتهاء الى إبرام اتفاقية سلام تَحْسِمُ كل قضايا الوضع النهائي، وتستمد قوَّتها الشرعية عبر آلية الاستفتاء الشعبي.
وكان مُحِقَّاً كذلك عندما أشار الى أنَّهُ قال لوفد الصحافة الإسرائيلية الذي التقاهُ مؤخَّراً:" إنَّنا نعرفُ تاريخكم أكثر منكم ". وربما كان يُشيرُ هنا الى جملة العوامل التي حكمت منهج التفكير لدى الطَّبقة السياسية في إسرائيل تجاه مُستقبل المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وحتَّى الوقت الرَّاهن. والذي ميَّزه أمر أساسي هو تجنُّب اتخاذ القرار النِّهائي والصحيح في الوقت المناسب. فقد كان موضوع مستقبل المناطق المحتلة مطروحاً على جدول أعمال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ حكومة " ليفي أشكول " ومنذ الأيام الأولى لانتهاء حرب حزيران.
فعلى سبيل المثال، وفي 12 حزيران عام 1967، أي بعد انتهاء الحرب رسميَّاً بساعات ، تقدَّم وزير الدَّفاع آنذاك " موشيه ديَّان " وهو الذي قاد الحرب كوزير دفاع، باقتراحاته وبرؤيته لمستقبل المناطق المحتلة، والتي كان أساسها الجزم بعدم جدوى استمرار الإحتلال لفترة طويلة، وبضرورة استغلال نتائج الحرب في إبرام اتفاقيّأت سلام مع العرب وسكّان المناطق الفلسطينية المحتلة، وبما يضمن لإسرائيل الاستفادة من مزايا انتصارها بإحداثِ تغييرات على واقع الحدود
مقابل السلام، مع جيرانها العرب والفلسطينيين، وقد تجنَّب ليفي أشكول وقتها ونتيجة المنافسة الشخصيَّة مع ديَّان، كونه كان يُنْظَرُ إليه داخل المجتمع الإسرائيلي كصاحب الإنتصار الكاسح على العرب، طرح هذه المقترحات بجدِّية عل جدول أعمال الحكومة.
ثُمَّ تلى ذلك بأيَّام الوثيقة التي قدَّمتها دائرة الأبحاث في شعبة الإستخبارات العسكرية، وهي التي كانت مُكلَّفة ومنذ أن اتضحت نتائج الحرب في ساعاتها الأولى بتقديم رؤيتها لنتائج الواقع الجديد، وقد استندت تلك الوثيقة الى الرؤية التي تقضي بحتمية الإنفصال عن المناطق المحتلَّة في النِّهاية، ضمن تسوية سياسيَّة، بحيث أوصت هذه الوثيقة، حكومة " ليفي أشكول " بضرورة التفكير بالخطوات الضّرورية السياسية التالية، وبأهميَّة عدم إضاعة الوقت، وبعدم جدوى التخطيط للبقاء في الضفة الغربية وفي قطاع غزَّة لفترات طويلة.
ثمَّ تقدَّم " إيغال ألون " وكان وزيراً للعمل في حكومة " ليفي أشكول " في آب عام 1967 بمشروعه الشَّهير والذي كان أساسه ضرورة الإسراع بالإنفصال عن المناطق المحتلة، ولكن بعد إجراء جملة من التغييرات على الحدود في غور الأردن وبمحاذاة الخط الأخضر.
وليس غريباً أنّ أمر علاقة إسرائيل بالضفة الغربية وبقطاع غزَّة، وكذلك بمستقبلهما، كانت على الدَّوام ومنذ العام 1967 محوراً للإستقطابات السياسية، بين اليسار واليمين، ومحوراً للبرامج الإنتخابية والسياسية للأحزاب الإسرائيلية، فقد كان هذا الأمر، المُتَمَثِّلُ في مناقشة مستقبل المناطق المحتلة، وعلى سبيل المثال، سبباً من أسباب إقصاء القيادات التقليدية لحزب " ماباي " مع بداية السبعينات، ومنهم " ليفي أشكول " على يد " غولدا مئير " و " أبا إيبان " وكذلك كانت محوراً للخلاف والإنقسام الدائم في أوساط قيادات، أحزاب ماباي ورافي، وحزبي العمل، وإحيدوت هعافوداه، في مطلع وأواسط السبعينات من القرن الماضي، وهذه الأحزاب هي التي أنشأت وقادت إسرائيل بلا منازع على مدى تسعة عشر عاماً مروراً بعام 1967 ، واستمراراً ووصولاً الى عام 1975، حيث كانت تلك الإنقسامات والخلافات هي من أتاح الفرصة لصعود نجم الأحزاب اليمينية، التي كانت قائمة على أساس فكر الحركة الصهيونية الإصلاحيَّة، ومنظرها الأساسي " جابوتينسكي " والتي كانت تؤمن بمفهوم " أرض إسرائيل الكاملة " وأنَّ " يهودا والسَّامرة والقدس " هي في القلب من وجدان الشعب اليهودي وتاريخه وعقيدته. وجاء عام 1975 لتكرِّس هذه الأحزاب رؤيتها من خلال فوزها بأغلبية مقاعد الكنيست، في الإنتخابات التي جرت في ذلك العام ولتشكِّل الحكومة بقيادة تكتل الليكود، بزعامة مناحيم بيغن، وبرغم ذلك، وبرغم تعاظم حركة الإستيطان، وتغيير اسم المناطق المحتلة من " المناطق المدارة " حتَّى حينه، الى اسم " يهودا والسَّامرة " أو استخدام مُصطلح " يُشَع " وهو ما يرمز الى الضفة الغربية وقطاع غزَّة، في كل معاملات ووثائق الحكومة الإسرائيلية الرَّسميَّة..
وبرغم التيَّار الجارف داخل الحكومة الإسرائيلية في حينه والذي كان يدعو الى ضم المناطق المحتلة؛ إلاَّ انَّ حكومة " مناحيم بيغن " وبما توفَّر لها من دعم سياسي في الكنيست ومن دعمٍ كبير في أوساط حركات الإستيطان واللوبي الدَّاعم لها في الولايات المتحدة، مما قلَّ نظيره، لم تستطع ان تتخذ قراراً بضم الضفة الغربية وقطاع غزَّة، وكان من الأسهل عليها اتِّخاذ ذلك القرار في الجولان، حيث اقدمت على ذلك عام 1981، وهو ما يؤشِّر الى انَّ فكرة الضم كانت أحد أهداف برامجها السياسية، وانَّها لم تستطع تنفيذ ذلك في الضفة وغزَّة لأسبابٍ واقعيَّة وعملية وسياسية، أكثر منها بروتوكوليَّة، او برلمانيَّة.
وقد استقال وزير دفاع تلك الحكومة في حينه، وهو " عايزر وايزمن " من منصبه على خلفية احتجاجه على سياسات حكومة " مناحيم بيغن " تجاه المناطق المحتلة في الضفة الغربية وغزَّة، إذ رأى أنَّ سياسات الحكومة هناك تدفعُ باتِّجاه إنشاء الوقائع التي تجعل من المستحيل تحيق الإنفصال عنها، في الوقت الذي ليس فيه من الممكن ضمَّها فعلياً الى دولة إسرائيل، إذ انَّه كان قد اتَّضح ومنذ السنوات الأولى للإحتلال انَّ وتيرة النُّمو السَّكَّاني الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وغزة تتجاوز نسبة 25%، وانَّ حركة الإستيطان المكثَّفة لن تدفع الفلسطينيين للهجرة، وأنَّه لا يمكن نقل سكَّان قطاع غزَّة الى أماكن سكن اخرى في عمق سيناء، أو في القطاع الممتد بين العريش وغزَّة. وهو ما كان يجري التفكير فيه لدى بعض الأوساط اليمينيَّة في إسرائيل! سيَّما وأنَّ إسرائيل كانت تستعد لإخلاء سيناء بموجب المحادثات التي كانت تجري مع مصر. وهو ما تمّ فعلاً فيما بعد.
وعلى ضوء هذا يمكننا أن نستنتج أنَّه كان يتنازع منهج التفكير الإسرائيلي، وعلى الدَّوام، تجاه مستقبل المناطق المحتلة ومنذ الأشهر الأولى لاحتلال الضفة الغربية وغزَّة، فكرتان أساسيَّتان، هما:أولاً: ضرورة الإنفصال عن المناطق المحتلَّة، مع ضرورة فرض الرؤية الإسرائيلية لمفهوم الحدود الجديدة والتي ينبغي تعديلها بما يتناسب وضرورات إسرائيل الأمنية، وبما لا يُخِلُّ بتركيبة إسرائيل الديموغرافيَّة، وهذه الرُّؤية كانت قائمة على أساس اعتبار أنَّ حدود الرَّابع من حزيران هي حدود هدنة وليست حدودا دولية، وهذه الحدود قد تمّ تغييرها كنتيجة من نتائج انهيار الهدنة التي كانت قائمة منذ عام 1948 وبفعل نتائج حرب حزيران عام 1967، ومن هنا كان مفهوم الإستيطان لدى المؤمنين بهذه الفكرة يرتكز على تحقيق هدف الأمن، كأولويَّةٍ أساسيَّة، بمعزلٍ عن التركيز على المفاهيم والأحلام الدينية المتَّصلة بأرضِ إسرائيل التاريخية والتوراتية التي حكمت فكر الحركة الصهيونية الإصلاحية ومن وحي أفكار ورؤى " جابوتينسكي" والتي انبثقت عنها أحزاب اليمين الإسرائيلي فيما بعد قيام دولة إسرائيل..
وكان هذا المنهج في التفكير يرى أنَّ الأمن الإستراتيجي الشَّامل يتحقق من خلال الإستيطان في غور الأردن وفي قمم جبال الضِّفة الغربية المشرفة على السَّاحل الفلسطيني، وعلى القدس، وهذا كان جوهر مشروع "إيغال ألون" الذي قام اساساً على فكرة الإنفصال عن الضفة الغربية ولكن على أساس توفير حزام أمان لإسرائيل في الأغوار، بحيث يمتد هذا القطاع الإستيطاني من جنوب بيسان وحتَّى جنوب البحر الميت، بعرض يتراوح بين 10 الى 15 كلم، بالحد الأدنى من التواجد السكَّاني الفلسطيني، وكذلك على هضاب الضفة الغربية القريبة من الخط الأخضر، وبذلك يتم تحقيق غايتين ، هما تكريس الحدود مع شرق نهر الأردن كحدود دائمة لإسرائيل، وحماية العمق الإسرائيلي من خلال السيطرة على الهضاب والمناطق القريبة من الخط الأخضر، مع ضرورة عدم تواجد قوّاَت عسكرية عربية أو فلسطينية في الضفة الغربية، ويتم بلورة صيغ إدارة ذاتية لسكان الضفة الغربية وقطاع غزَّة، أو ضمن صيغ اتحاد كونفيدرالي ثنائي أو ثلاثي فلسطيني أردني إسرائيلي.
ثانياً: أمَّا الفكرة الثانية فقد ارتكزت على ضرورة إبقاء السيطرة الكاملة على المناطق المحتلة، وضَمَّها الى دولة إسرائيل في نهاية الأمر، تحقيقاً لمفهوم (أرض إسرائيل الكاملة)، وبما يحمل ذلك من أبعادٍ قانونية وحقائق ديموغرافيَّة يصعب التعامل معها موضوعيَّاً وواقِعيَّاً بسهولة من جانب إسرائيل، وهو ما أعاق تحقيق مشروع الضَّم، ولكنَّه في الوقت نفسه دفع باتِّجاه حركة استيطانيَّة محمومة، ابتدأت مع تولِّي اللِّيكود مقاليد السلطة في إسرائيل في عام 1977، على أمل أن يحدث ذلك تغييراً ديموغرافيَّاً حاسماً لصالح أغلبيَّة يهوديَّة في الضفة الغربية وقطاع غزَّة، مما يدفع الفلسطينيين الى التفكير بالهجرة.
ولكنَّ ذلك لم يتحقق، بفعلِ عدم استعداد الفلسطينيين للهجرة، وبفعل عدم قدرة إسرائيل على استجلاب موجات هجرة يهودية كبيرة من الولايات المتحدة وأوروبا، وخصوصاً أوروبا الشرقية، وإن تحقق جزء من ذلك بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، ولكنَّه ربما جاء بعد فوات الأوان، أو لم يشكِّل ما يكفي لإمضاء تلك البرامج، وإن أسهم ذلك الى حدٍّ ما في زيادة وتيرة الإستيطان بعد عام 1990.
وبحسب وجهات النظر الإسرائيلية المتباينة حتَّى الآن، قد يُمَثِّلُ الإستيطان، وكما تُعبِّرُ عن ذلك أوساطٌ عديدة في إسرائيل، مُعضلةً وغوصاً في الرِّمال، بمقدار ما يراهُ آخرون ميِّزةً إستراتيجيَّة، فمن جانب يبدو الإستيطان مُعْضِلَةً تُعيق إجراء الإنفصال عن المناطق المحتلة بسهولة، ويطرح إشكالية الإندماج، ويفرضُ ضرورات إسرائيلية للقيام بضم بعض المناطق، ويشكِّلُ تداخله مع الديموغرافيا الفلسطينية سبباً للقلق على مستقبل الصبغة الديموغرافية لإسرائيل، هذا من جانب، فيما يراهُ البعض الآخر أحد أهم الضَّمانات الأمنيَّة والإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وأحد أهم أسباب قوَّة الموقع التفاوضي لها في مستقبل أي حلول ممكنة في المستقبل، بما يتيح لها مزايا إستراتيجية وأمنيَّة واقتصاديَّة. هذا الموضوع لن يتم حسمه طالما استمر التَّعَمُّد في عدم اتخاذ قرار بشأنِه، وسيبقى مثاراً للمزايدات الحزبية ومحوراً للدعاية السياسية، وستزداد مفاعيله السلبية مع مرور الوقت، كعائقٍ أساسي في طريق التسوية النهائيَّة.
الذي يجري الآن في إسرائيل، وبرغم الإنقلاب الكبير الذي حدث عام 1993 بتوقيع إعلان المباديء، وما ترتب علي ذلك من نتائج على الأرض، حيث لم تستطع حكومة "نتنياهو " التي جاءت في أعقاب اغتيال " إسحق رابين " على خلفية توقيع ذلك الإتِّفاق، التحلل من مُقتضياته، حيث اضطرَّت الى التعامل معه كأمر واقع، إنَّ الذي يجري، هو ذات الذي كان يجري منذ عقود ومنذ عام 1967، وهو تجنُّب اتخاذ القرار الحاسم والنهائي والصريح فيما يخص مستقبل المناطق المحتلة، ومستقبل علاقة إسرائيل بهذه المناطق، لاعتباراتٍ متعددة، أبرزها هو انقسام المجتمع والطبقة السياسية في إسرائيل حول ذلك.
وما زالت قضايا الإنفصال، وفكرة أرض " إسرائيل الكاملة " وبرامج الضّم غير الواقعيَّة ، وكذلك الإستقطابات السياسية الحادَّة، فيما يتعلَّق برؤى السَّلام، وبثمن السَّلام الذي ينبغي على إسرائيل تقديمه، ترسم المشهد السياسي في إسرائيل، وتتحكّم في إمكانية اتخاذ القرار التاريخي من جانب إسرائيل، والذي يقتضي التراجع نهائياً عن فكرة الجمع بين التعايش والسلام وضرورة إعطاء الشعب الفلسطيني حقَّه في الإستقلال ضمن كيانٍ سياسي حقيقي من جهة، وبين الإحتلال والإستيطان، من جهة أخرى.
وعلى ما يبدو أنَّ القرار المُتَّخذ حتَّى الآن في إسرائيل هو عدم اتخاذ قرار فيما يتعلَّق بقضايا الوضع الدّائم، وعدم اتخاذ قرار يحسم أمر المفاوضات إمَّا الى فشلٍ نهائي أو الى نجاحٍ بحدوده المطلوبة والضرورية، بحيث تدفع إسرائيل بموجب كلا الإحتمالين ما عليها ان تدفعه من إستحقاقات.
هذا هو جوهر ما يمكن استخلاصه من خطاب الرَّئيس محمود عبَّاس الأخير، إنَّه يضع الجميع في صورة ما حدث وما يحدث وما يمكن أن يحدث، وبواقعيَّة وضمن معطيات الماضي والرَّاهن والمستقبل، في حال بقي القرار الإسرائيلي القائم فعلياً هو: عدم اتخاذ القرار بشأن مُسْتقبل الإحتلال والإستيطان والتسوية النهائية، وهو يؤشِّر بالدَّرجة الأساسية، الى مسألةٍ هامَّة وهي أنَّ لحظة الحقيقة باتت تقترب أكثر فأكثر وعلى الجميع في هذا العالم أن يتحمُّل مسؤوليَّاته، سيَّما على ضوء التعاطي الدولي الكبير مع مسألة كون أنَّ فلسطين أصبحت، وكدولة وليس كسلطة، او كمنظمة، عضواً مراقباً في الجمعية العامَّة للأمم المتحِدَة، وأنَّها وضمن هذا الإطار والفهم تُصنَّف على انَّها دولة تخضع أراضيها للإحتلال وفق القانون الدولي.
وممَّا قدَّمه خطاب الرئيس محمود عبَّاس وبقراءةٍ واقعيَّة، يمكننا القول أنَّه ليس أمام الفلسطينيين في الوقت الرَّاهن سوى الإهتمام بضرورة الإستمرار في مراكمةِ نتائج السِّياسة الواقعيَّة المتوازنة والحكيمة، والتي تأخذ في الإعتبار كل معطيات الماضي والرَّاهن والمُستَقبَل، وكل عوامل القوَّة والضَّعف في الموقف الفلسطيني، وتقوم على أساس المراجعة الشَّاملة، والجهد الدُّبلوماسي الدَّؤوب، والفاعليَّة الوطنيَّة في ظل التوافق والوحدة والإنسجام، والإجماع على سياسة عامَّة تحفظ حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، بعيداً عن الإغراق في الخلافات حول البرامج التفصيلية والجزئية، وبتقديري أنَّ ذلك ما تضمَّنه خطاب الرئيس محمود عبَّاس وأشَّرَ إليه بوضوح.
تحت رداء المصالحة..
بقلم: نبيل عمرو – القدس
لفت نظري اثناء اجتماعات المجلس المركزي الاخيرة، ذلك القدر من البرود والتحفظ الذي احاط بحدث اعلان المصالحة، مع ان الحدث كان طازجا واضواء الاحتفالات به لم تطفأ، تفهمت البرود والتحفظ على انه بمثابة خوف تلقائي، لأن يحدث مع اعلان مخيم الشاطئ ما حدث مع سابقيه.
واتفق هنا مع صديقي ابو مرزوق، الذي كان الاكثر دقة وموضوعية في وصف دوافع ما حدث، وخلاصة وصف ابو مرزوق تؤكد ان الاتفاق جاء نتيجة استفحال مأزق كل طرف، فحماس تواجه اغلاقا مصريا شديد القسوة ، وفتح تواجه مأزق انهيار المفاوضات ، وبالتالي ودون ان يقول ذلك صراحة فان بطل اتفاق مخيم الشاطئ هو المأزق وليس الارادة .
ما اعلن في مخيم الشاطئ، كان خاليا من ذكر المواضيع الاساسية التي كرسها الانشقاق ، ويبدو ان التواقين لنجاح استعراضي، فضلوا اسقاط هذه المواضيع من النقاش او الاشارة اليها في الخلاصات.
واذا كان لهذا الامر من تفسير منطقي وحيد فهو ان اعلان الشاطئ كان رداءً ضروريا لتغطية تواصل صراع الاجندات، والاختلاف على الامور الجوهرية ، وما غاب عن اعلان الشاطئ هو كلمة السر في اخفاق كل الاتفاقات السابقة ، لهذا سنواصل الاستماع الى قصائد المديح من طراز اننا استعدنا الوحدة وسيتواصل في الوقت ذاته الاختلاف على تفسير ما حدث وغاياته، وهنا استبعد تماما التهديدات الاسرائيلية التي اقترنت بعقوبات عاجلة من النوع الذي تعودنا عليه ، ولم نضعه يوما اساسا لمواقفنا وخطواتنا. كما استبعد شروط الرباعية ، لأن الرباعية ذاتها لم تعد على قيد الحياة ، الا انني لا استطيع استبعاد العامل الفلسطيني في انجاح الاتفاق او افشاله، ولقد بدأت مقدمات هذا النوع من الاختلاف بالظهور، من خلال فهم كل طرف للاتفاق ومغزاه ، واول ما يشار اليه في هذا الامر ان الرئيس عباس الذي حاول دعم الاتفاق ، بفرد رداء الاعتدال عليه ، له فهم مختلف عن فهم حماس .
الرئيس عباس اعلن اكثر من مرة بان الحكومة التي سيرأسها او يشكلها هي حكومته، وبديهي ان تعلن التزامها بسياسته، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف ، ومن المفترض ان يكون فهم الرئيس عباس لوضع حكومته هو الفهم الصحيح والمنطقي والعملي، فما معنى ان يفرد رداء الشرعية والاعتدال على حكومة تضم قوى تختلف جوهريا معه في امر السياسة التي هي سيدة الامور.
ان فهم حماس للحكومة العتيدة بدا مختلفا تماما ، حين اعلن ابو مرزوق بان الحكومة العتيدة لن تكون حكومة الرئيس، وبداهة ان يلتزم كل طرف من اطراف هذه الحكومة بموقف مرجعياته السياسية ، وفي هذه الحالة يجب ان لايقرأ الامر على انه مجرد اختلاف في الصيغ او في جزئية الحكومة فقط ، فهذا الاختلاف يؤشر بصورة اعمق الى استمرار الصراع الداخلي، وفق مبدأ كل طرف يسعى الى جذب الطرف الاخر لدائرته ، الرئيس عباس يريد حماس قوة رديفة لخطه السياسي المعتدل، ويريد اتحاده معها مُبَرراً امام دول القرار في العالم ، ويريد كذلك ان لا يواجه حيثما يمم وجهه بالقول، انت لا تمثل الكل الفلسطيني ، وفي هذا السياق فان عباس يحتاج الى حماس ليس من اجل مضاعفة الاعباء عليه وانما من اجل تخفيفها ، وحماس من جانبها لا تخفي انها تريد من عباس والسلطة ان يذهبا الى منطقتها، فهي تريد انهاء المفاوضات كنهج وليس كوقائع ، وتريد انهاء التنسيق الامني الذي هو عصب اوسلو او ما تبقى منها ، وتريد كذلك من فتح ان تكون جسرا مأمونا يوصلها الى مصر وغيرها اعتمادا على اعلان الشاطئ ولا اكثر.
الامور بهذه الصورة تجعل من مجرد الاتفاق على الانتخابات ، ليس اكثر من جزئية يمكن ان تقضي عليها المدة الزمنية الطويلة التي تقارب التسعة اشهر ، فعلى اهمية الانتخابات، والتي لا ضمانة في حل استمرار صراع الاجندات المتباينة باجرائها ، الا ان المواضيع الاخرى التي اغفلت من اجل انجاح الاحتفال قد يعيدنا واحد منها ان لم نقل جميعها الى المربعات الاولى.
انني اقول بموضوعية شديدة ، ان من يُنجح هذا الاتفاق او يفشله ليس اسرائيل او امريكا او العرب، وانما تُنجحه او تُفشله حركة حماس ومدى استعدادها للمرونة ، والاقتراب اكثر للاعتدال ليس على مقياس امريكا واسرائيل وانما على مقياس منظمة التحرير والتزاماتها.
اخيرا... آمل ان يفاجئنا الاخوة الذين نقدر لهم جهودهم في العمل ليل نهار من اجل انهاء الانقسام، بانهم تحوطوا للأمر ووضعوا الضمانات الاكيدة من اجل ان لا يكون مصير اعلان الشاطئ كمصير من سبقه.
"العمى في قلبك".. يا إسرائيل؟
بقلم: حسن البطل – الايام
استجاب رئيس السلطة الى التماس من الحاخام مارك شنير، وأصدر، في التوقيت العبري لـ "الهولوكوست"، بياناً رئاسياً غير مسبوق لا فلسطينياً ولا عربياً يصف فيه ما أنزله النازي بيهود ألمانيا وبعض أوروبا بأنه "الجريمة الأبشع التي عرفتها الإنسانية في العصر الحديث".
من قبل، كان رئيس السلطة أوعز لسفراء وممثلي فلسطين في الدول الأوروبية التي وقعت فيها المحرقة، بحضور احتفالات تكريم ذكرى ضحاياها.
لا يعرف الكثيرون أن نتنياهو، الذي فشل في استجابة الاستجابة لتصريح عباس، كان قد اعترض عام 1998 على مبادرة من أحد مستشاري كلينتون، بأن يقوم عرفات بزيارة "متحف الهولوكوست" في واشنطن.. لأسباب ليس من بينها أن عرفات يرتدي الزيّ العسكري والكوفية.
من قبل أن يصير رئيساً ثانياً للسلطة، وجدت إسرائيل في رسالة دكتوراه قدّمها أبو مازن لجامعة سوفياتية ما يبرّر لها اتهامه بأنه "ناكر المحرقة" لمجرّد أن جادل في رقم الستة ملايين ضحية يهودية وهو "الرقم المقدس" اليهودي.. هل كانوا أقلّ قليلاً، أو أكثر قليلاً؟ ومن منهم مات في المحارق أو ضحية الأوبئة والمجاعات، أو قتلوا كمدنيين في حرب هوجاء؟
بالاستعارة من عبارة بيغن عن مجزرة صبرا وشاتيلا: "غوييم قتلوا غوييم.. فما ذنب اليهود" قد نقول: نازيون قتلوا يهوداً فما ذنب الفلسطينيين؟
بلى؟ وجدت إسرائيل في استجابتها العجيبة لشجب رئاسي فلسطيني للمحرقة، ما يمكن له تأثيم الفلسطينيين.. وهو تحالف المفتي الحاج أمين الحسيني مع ألمانيا النازية.. في حربها ضد بريطانيا، التي أصدرت "وعد بلفور".
يقودنا هذا التحالف (عدوّ عدوّي صديقي) إلى طرفة جرت في مؤتمر يالطا الشهير، غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما طلب روزفلت أو تشرشل مشاركة الفاتيكان، فقال ستالين: كم فرقة للفاتيكان حاربت الجيوش النازية.
قبل كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي، أو زيارة السادات للكنيست والقدس، كان هناك من أدانه لميوله مع المحور ضد الحلفاء، وكذلك الحال إزاء تحالف ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق مع ألمانيا ضد بريطانيا التي تحتل العراق.
لو سألت فلسطينياً عن اليوم والسنة الهجرية للنكبة الفلسطينية، فلن يجيبك بغير 15 أيار (مايو) 1948، وهو يوم إعلان قيام دولة إسرائيل.
ما أغاظ نتنياهو وشلته ورهطه هو ربط الشجب الرئاسي الفلسطيني للمحرقة اليهودية، بالنكبة التي حصلت للشعب الفلسطيني.. أي نحن ضحية الضحايا.
تعرفون أن نتنياهو هو مخترع التبادلية العجيبة: إن أعطى الفلسطينيون أخذوا، وإن لم يعطوا لن يأخذوا.. لكن، من المستبعد أن يردوا على المبادرة الفلسطينية بمثلها، أي أن يعترفوا بقسط إسرائيل، وهو الأوفر، في النكبة الفلسطينية.
هناك مؤرّخون لما بعد الصهيونية (بوست ـ زيونيزم) تحدثوا عن ذلك، وهناك روايات إسرائيلية تطرقت إلى بعض جوانب المسؤولية الإسرائيلية في النكبة، وصحافيون، أيضاً..
.. وهناك مسؤولون يابانيون اعتذروا عمّا ألحقته اليابان الإمبراطورية بدول وشعوب آسيا، وأخيراً اعتذر أردوغان للأرمن عن المذبحة.. وبالطبع، دفعت ألمانيا ديّة كل ضحية يهودية أضعافاً مضاعفة.. من الاعتذار والتعويض المالي.. حتى لأحفاد الناجين من المحرقة.. لكن أميركا لم تعتذر عن قنبلة هيروشيما، ربما لأن المنتصر لا يعتذر، والمهزوم هو الذي يعتذر؟
إسرائيل لن تفكر في هذا الأيار، وما قبله وما يليه، بتقديم اعتذار لما حلّ بالشعب الفلسطيني من "نكبة"، وهي ترى حتى في مبدأ "حق العودة" نوعاً من "الإبادة السياسية". حسناً الفلسطينيون قاوموا النكبة أحسن مما قاوم اليهود المحرقة.. أليس كذلك؟
إضافة إلى تحميل الفلسطينيين قسطاً من جرّائر النازي، فهي تحملهم القسط الأكبر من هجرة يهودية عربية إلى إسرائيل.
يمكن احترام "العقل اليهودي" في العلوم والفلسفة والأدب، ولا يمكن احترام "القلب الإسرائيلي" في تعامله مع نكبة الشعب الفلسطيني.
هناك مسبّة وشتيمة عربية وفلسطينية تقول: "العمى في قلبك".. يا إسرائيل؟
كيف هذا ؟
تعقيبان على عمود الأمس، الثلاثاء 29 نيسان :
Ahmed Oksheiya : اسمحلي أستاذي الكريم، بحكم سني وخبرتي السياسية المتواضعة، أن أضيف لما تفضلت به: ان السبب الأهم للانقسام هو الفروق الاجتماعية والمادية بين من كان ابن سلطة وابن "فتح" وبين الناس الذين نظروا نظرة حقد لغيرهم من أبناء فتح. ليس غريباً أن تجد كثيراً من صغار المشايخ من خلفيات أسرية معدمة من أبناء العملاء المردوعين من تنظيم "فتح"، فولّد ذلك لديهم حقداً دفيناً على فتح والسلطة، وهؤلاء وجدوا مبغاهم في قوة عسكرية مناهضة لفتح (..).
Rana Bishara : قال سليمان الفيومي في تعقيبه على عمود أول من أمس، ان انشقاقات الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وجبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية والصاعقة وجبهة التحرير العربية فعل فلسطيني وبأموال فلسطينية فصائلية؟! كيف هذا الكلام؟! نبرئ أجهزة الأنظمة الاستبدادية الاستخبارية من ذلك، ونقوم بجلد أنفسنا؟! وهل كانت تلك الفصائل لتبقى لولا الجهات التي دعمتها وموّلتها؟!
العملية التفاوضية: كيري وسياسة "الندم" !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
قبل أيام، تداولت وسائل الإعلام العالمية، مؤتمراً صحافياً لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، لم يكن هذا المؤتمر بالغ الأهمية، مع ذلك، فإن ما تم تناقله يعكس صورة للسياسة الأميركية الراهنة، هناك كلب، وهناك مترجمة لغة الصم والبكم في هذا المؤتمر، كلاهما حاز على اهتمام المشاهدين والمتابعين لهذا المؤتمر، فقد اصطحب جون كيري كلبه المطيع إلى المؤتمر، بدون أن يفسر أحد أسباب ذلك، الكلب المطيع استشاط غضباً في إحدى اللحظات التي كان يدلي كيري بتصريحاته وقفز على المنصة أمام الميكروفون، ورغم إشارات كيري للكلب كي يهدأ، إلاّ أن ذلك لم يحدث، أما المترجمة للصم والبكم، فقد قامت بترجمة إشارات وكلمات كيري عندما حث الكلب على الهدوء أكثر من مرة.. التعليقات على هذا المشهد كثيرة، لكن جميعها أجمعت على أن كيري غير قادر على السيطرة على كلبه المطيع، فهل يقدر على السيطرة، أثناء ممارسة الولايات المتحدة لسياساتها، بما فيها تلك المتعلقة بملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟!
على الأغلب ـ وكما سنرى ـ أن كيري قد ندم على الذهاب إلى المؤتمر الصحافي برفقة كلبه، فقد تأكد للجميع أنه لم يحسن تربيته وان كلبه يتمرد عليه، لكن كيري أصبح مدمناً على "الندم" فطوال الفترة الأخيرة، فاقت تصريحات "الندم" غيرها من التصريحات، ونتذكر جميعاً، وفي الأسبوع الأول من نيسان الجاري، أنه ندم على تصريح أدلى به قبل ساعات من إعلان ندمه، عندما أشار إلى أن إسرائيل تتحمل مسؤولية إفشال المفاوضات مع الفلسطينيين عندما رفضت الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين لديها والإعلان عن بناء وحدات استيطانية في القدس الشرقية.. كلنا يتذكر الضجة التي افتعلتها إسرائيل وأعضاء في الكونغرس الأميركي اثر هذا التصريح، الذي سرعان ما ندم عليه وزير الخارجية الأميركي، وأثناء الإعراب عن ندمه على هذا التصريح، أشار إلى أن الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي يتحملان سوية فشل العملية التفاوضية، لكن هذه ليست المرة الأخيرة التي يضطر فيها كيري إلى عضّ أصابعه ندماً، ولحس تصريحاته فيما يتعلق بالمفاوضات على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
فأمس فقط، نشرت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية، ندماً مزدوجاً، أقدم عليهما جون كيري، إثر استخدامه لفظ ابارتهايد ـ نظام عنصري، عندما أشار إلى أن عدم تحقيق رؤية الدولتين لشعبين وفشل المساعي السلمية، من شأنه أن يحول إسرائيل إلى دولة ابارتهايد، وبعد أن شنت إسرائيل وأعضاء في الكونغرس واللوبي الصهيوني حملة شعواء، لم تستمر طويلا، قال كيري إنه لم يستخدم أو يقول هذه العبارات، ثم عاد للقول إنه بالفعل استخدمها، مشيراً إلى أنه أساء اختيار الكلمات والألفاظ ويتمنى لو عادت الأمور إلى الوراء، كي يستخدم عبارة أفضل وهي "ان الطريق الوحيد لإقامة دولة يهودية، يكمن في إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بأمن وسلام".
تصريحات يعقبها إبداء الندم وتصحيح واعتذار، هذا هو ملخص المشهد الذي تكرر مع كيري بعدما تبين أن رعايته للعملية التفاوضية قد فشلت، وهي انعكاس طبيعي لتراجع الولايات المتحدة سياسياً، في منطقة الشرق الأوسط، كما في كل الملفات الدولية، والإرباك الذي تشهده الولايات المتحدة سياسياً ما هو إلا انعكاس لتراجع هذا الدور، ومن هنا يمكن أن نلحظ أن العديد من مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية، أخذت تعنون دراساتها وأبحاثها تحت عناوين تتعلق بضرورة أن تراجع إدارة أوباما سياساتها، وقيل إن الجولة التي قام بها مؤخراً الرئيس أوباما إلى منطقة جنوب شرق آسيا، جاءت بعد أن أعربت دول تلك المنطقة عن خشيتها من تراجع التأثير الأميركي وانعكاس ذلك على مصالحها، ولتأكيد ذلك، فإن خطابات أوباما في العواصم التي زارها في تلك المنطقة، أكدت على حرص واشنطن على حماية مصالحها ومصالح حلفائها.
غير أن البعض قد يرى في هذا الارتباك "سياسة مقصودة" لإرسال رسائل لإثارة الضجيج واصلاح السياسات، غير أن هذه الرؤية تأتي في اطار التفسير المؤامراتي للسياسة الأميركية، وليس من صالح هذه السياسة ولا رئيسها أن يبدي الندم والاعتذار بعد كل تصريح له، صحيح أن هناك بعض المرات التي يمكن للسياسي أن يقدم على هذا الأمر، بناء على دراسة وافية والتعرف على ردود الفعل، غير أن ما أقدم عليه كيري، لا يخضع لهذه الشروط، بل يخضع لظروف الارباك والارتباك التي تسود السياسة الأميركية، من الملف السوري إلى الملف المصري، وكذلك الملف الاوكراني، وبالتأكيد الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تحاول واشنطن التمديد للعملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، غير أن هذا التأكيد لا يغلب عليه الحماس، بقدر ما تغلب عليه ضرورات الاستمرار في تأجيل إعلان فشل واشنطن على هذا الملف، إذ ان هناك قناعات باتت مدركة لدى البيت الأبيض، ان التمديد للمفاوضات هو تمديد للفشل، خاصة بعدما أكد الرئيس أبو مازن في اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني مؤخراً، على اشتراطات من شأنها في حال التمديد للمفاوضات أن تفضي إلى نجاح العملية التفاوضية، غير أن واشنطن تدرك، أيضاً، أن إسرائيل لن تقبل بهذه الشروط!!
الوطنية الفلسطينية وانقسامات نخبها القيادية
بقلم: علي جرادات – الايام
في معمعان مئة عام من صراع الشعب الفلسطيني بعمقه التحرري العربي والعالمي مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي بارتباطاته ووظائفه الاستعمارية، تبلورت الوطنية الفلسطينية، وتعمقت حتى تحولت إلى معين لا ينضب، ودافعية متجددة، لكفاح وطني مديد، يحركه حلم لا يموت، وتطلعات تحررية لا تنطفئ، لشعب هو، وإن لم يظفر بالنصر الحاسم بعد، لكنه لم يستسلم، وظل، جيلاً بعد جيل، متشبثاً بحقوقه الوطنية والتاريخية في الحرية والاستقلال والعودة.
ما يعني أن عمليات التشتيت القسري والتطهير العرقي المخطط وجرائم الحرب الموصوفة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، ولا تزال، فشلت في تذويب الوطنية الفلسطينية، أو حذفها من التاريخ والجغرافيا والسياسة، كما خطط، وعمل، قادة المشروع الصهيوني، وكل من رعاه أو تواطأ معه. بل أكثر، فقد جنت حروب قادة الحركة الصهيونية وجرائمهم وفظائعهم، خاصة بعد قيام إسرائيل، عكس ما توخت، حيث تعمقت الوطنية الفلسطينية وتجذرت أهداف تعبيراتها السياسية بإنهاء الطابع الصهيوني لإسرائيل التي لم يترك قادتها - بعدوانيتهم وتوسعيتهم وعنصريتهم - أي متسعٍ للتسوية السياسية أو الحلول الوسط للصراع.
وآية ذلك أن الشعب الفلسطيني ما انفك يجدد ثوراته وانتفاضاته، كمبادرات شعبية هجومية للدفاع عن النفس، ولتعديل ميزان القوى، ولفضح ما لحق به من ظلم قل نظيره في التاريخ المعاصر.
ليس غرض التمهيد أعلاه تقديم درسٍ في تاريخ الوطنية الفلسطينية، إنما التشديد على أن انقسامات النخب السياسية والفكرية القيادية الفلسطينية، لم تفضِ في الماضي، ولن تفضي في الحاضر أو المستقبل، إلى تفريغ المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية، إنما إلى إضعافه وتشويه صورته وضرب قيمه.
فالنخب القيادية للشعب الفلسطيني إما أن تعزز بوحدتها السياسية متانة وحدة هويته الوطنية أو تضعفها بانقساماتها.
وغني عن الشرح أن انتهاج هذه النخب للخيار الأول يعزز شرعيتها الشعبية التي تتآكل بانتهاج الخيار الثاني، تقدم الأمر أو تأخر. لماذا؟
يتفهم الشعب الفلسطيني خلافات نخبه القيادية واختلافاتها وتباين أولوياتها السياسية والفكرية، لكنه قط لا يتفهم، أو يسمح، أو يتسامح مع، تغليب هذه الخلافات والاختلافات وتباين الأولويات على الأولوية الوطنية العامة التي دفع بدمه وتضحياته الجسيمة ثمن استمرارها ناظماً لكل الأولويات. فالذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني مثقلة بهذه الدماء والتضحيات التي تم تقديمها دفاعاً عن الوطن طوعاً وعن طيب خاطر، سواء خلال انتفاضات عشرينيات القرن الماضي رداً على "وعد بلفور" الاستعماري، 1917، الذي كشف نوايا جلب المهاجرين اليهود لفلسطين، أو خلال ثورة الشهيد الجليل عز الدين القسام التي عززت الوعي الوطني بالترابط القائم بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي، أو خلال ثورة 36-39 الكبرى ضد مشروع لجنة "إيرل بيل"، 1937، القاضي بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تُقام على الأول "دولة لليهود"، ويُضم الثاني لإمارة شرق الأردن، أو خلال القتال الأسطوري الذي تجشم مصاعب ظرفه المجافي القائد الوطني الكبير عبد القادر الحسيني ضد قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، (1947)، توطئة لقيام دولة إسرائيل، ليرحل شهيداً، (في 8/4/1948)، خذلته جيوش عربية تتلقى أوامرها من بريطانيا الموشكة على إنهاء انتدابها على فلسطين لمصلحة قيام "وطن قومي لليهود" فيها، أو خلال القتال الذي تواصل، (رغم هول صدمة النكبة ونتائجها الكارثية)، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأسس لإطلاق الشرارات الأولى للثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة عشية هزيمة، 1967، التي لم تفضِ إلى انطفاء هذه الشرارات، بل حولتها إلى حريق شامل من العمل الفدائي انطلق لهيبه من خارج حدود فلسطين، وامتد بسرعة البرق إلى داخلها، ولم يفضِ ضرب ركيزته في الأردن، 1970، إلى خموده، بل إلى انتقال مركز ثقله إلى لبنان الذي لم يفضِ إبعاد قوات الثورة الفلسطينية، بعد صمود أسطوري، عنه، (1982)، إلى خمود الثورة الفلسطينية، بل إلى انتقال مركز ثقلها إلى الوطن بهبات جماهيرية مهدت لاندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987- 1993)، أو خلال "هبة النفق" المسلحة، 1996 التي مهدت، وهبات جماهيرية تلتها، لاندلاع انتفاضة الأقصى، (2000 - 2004)، التي قدم الفلسطينيون خلالها أكثر تضحياتهم البشرية والمادية، كماً ونوعاً، مقابل تكبيد إسرائيل أكثر خسائرها البشرية والاقتصادية في حروبها على الجبهة الفلسطينية، وصولاً إلى الهبات الجماهيرية الجارية في أوساط فلسطينيي الضفة، وفلسطينيي 48، دون أن ننسى صمود غزة الأسطوري في حربيْ 2008 و2012، أو أن نتجاهل صمود فلسطينيي مخيمات اللجوء وتشبثهم بحقهم في العودة والتعويض، رغم ما يتعرضون له من نكبة جديدة، جددت لديهم التشرد والقتل والحصار والحرمان، بل والموت جوعاً أيضاً. والسؤال: لماذا كل هذا الكلام الذي لا جديد فيه؟
إنها الحاجة إلى التأكيد على أن المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية، عدا تغلغل الثورة ثقافة وأشكالاً وأساليب وأدوات فعل في أوساط الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، هو، قبل أي عامل آخر، ما أفشل رهانات قادة إسرائيل على كل انقسامات النخب القيادية الفلسطينية السابقة.
لكن - من أسف - فإن هذا المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية لم يكن السبب الأساس في إجبار طرفيْ الانقسام الحالي على إصدار "إعلان غزة" كخارطة طريق لتنفيذ بنود اتفاقاتهما لتوحيد الإرادة والجهود والإمكانات والطاقات الوطنية، بل انتظرا سبع سنوات حتى ثبت أن لا حركة "فتح"، ولا حركة "حماس"، بما في داخل كل منهما من تيارات ومراكز قوى، تستطيع منفردة أن تشكل طريقاً للخلاص الوطني، علماً أن سنوات انقسامهما السبع لم تفضِ إلى إضعاف المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية وتشويه صورته وضرب قيمه، فحسب، بل أفضت أيضاً إلى إضعاف دور ومكانة وهيبة كل منهما، إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي، وبالذات على صعيد المجابهة مع الاحتلال وإدارة الصراع معه.
هنا ثمة درس وطني كبير على الجميع استيعابه، وهضم معانيه، وبناء السياسة، خطابا وممارسة، على أساسه، وهو درس من شقين:
الأول: ما كان ينبغي لقيادة "فتح" مواصلة الرهان على أن تجلب بالمفاوضات، إنجازاً وطنياً يعزز مكانتها ويعيدها إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات التشريعية والمحلية في العام 2006.
فهذا الرهان وصل إلى طريق مسدود منذ زمن بعيد، بل وتأكد فشله أكثر، وبما لا يقبل مجالاً للشك، بقدوم حكومة المستوطنين التي يقودها نتنياهو التي لا تستهدف غير تحقيق المزيد من الأهداف الصهيونية وفرض شروط جديدة كالاعتراف بإسرائيل "دولة لليهود" الذي يفتح باب استكمال مخطط التطهير العرقي لفلسطينيي 48، وشطب حق العودة، والتسليم بوقائع الاستيطان والتهويد في الضفة وقلبها القدس، وتأبيد فصل الأخيرة عن قطاع غزة.
ناهيك عن أن إدارة أوباما تراجعت عن دعوتها لتجميد الاستيطان، وأعلنت أن "إسرائيل دولة يهودية"، ولم تدع يوماً إلى انسحاب الاحتلال إلى حدود الرابع من حزيران 1967.
بل وأيدت، وإن بصيغ ملتوية، مطالب إسرائيل في إبقاء سيطرتها على الأغوار، وعلى القدس الشرقية، وعلى الأراضي التي التهمها جدار الفصل والتوسع.
أما الشق الثاني: ما كان ينبغي لقيادة "حماس" مواصلة الرهان على أن يعزز صعود حركات الإسلام السياسي عموما، ووصول جماعة "الإخوان" إلى السلطة في مصر، خصوصاً، مكانتها الوطنية والعربية والإقليمية والدولية.
فهذا أيضاً رهان فاشل من أساسه لأن ما حازته "حماس" من تأييد شعبي فلسطيني في صندوق الاقتراع لم يكن بسبب خيارها الأيديولوجي، بل كان بسبب أنها حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال.
وقد جاءت مجريات الموجة الثانية للثورة المصرية التي أطاحت سلطة "الإخوان"، لتبرهن على فشل هذا الرهان وعقمه، بل وأدخلت قيادة "حماس" في مأزق مستعصٍ.
فمصر في التحليل الأخير، والحالات كافة، هي أنبوبة الأكسجين التي يتنفس منها قطاع غزة المحاصر، ناهيك عن أن تحولات الموقف المصري من "حماس" فاقمت تداعيات خسارة الحركة لمحور إيران - سوريا - حزب الله، بفعل موقفها الأيديولوجي ذاته من الأزمة السورية.
المعارضة التي تتغذى على أموال أوسلو
بقلم: بهاء رحال – الحياة
في المكتب صباحاً، كعادتنا نلتقي على فنجان قهوة، وينطلق حديث الصباح كعادة كل الفلسطينيين بأبرز عناوين السياسة، وفي والأيام الأخيرة فان الشغل الشاغل لنا ولغيرنا الأجواء التي تعصف بنا حول قضايا المفاوضات والمصالحة واجتماعات المجلس المركزي الذي اختتم اعماله بالأمس بمفاجأة هي انسحاب اعضاء الجبهة الشعبية من الاجتماع احتجاجاً على بعض بنود البيان الختامي المتعلقة بالمفاوضات المشروطة، وهنا دار هرج ومرج كثير واختلفنا بين من دافع عن موقف خالدة جرار ورفاقها في المجلس وبين من اعتبر هذا الموقف لا مبرر له، وظهرت قضية خلاف قديمة جديدة وهي قضية محورية مهمة، مفادها ان الموقف الذي لا يترافق بخط استراتيجي واضح وحقيقي لا جدوى منه، وأن القبول بمحاسن اوسلو والتبرؤ من كل المساوئ فيها والقاء الاتهامات على الآخرين هي استغلال غير مبرر وغير مقبول لا وطنياً ولا اخلاقيا،ً وهنا تتجلى بعض الحقائق التي لا مفر منها، وهي أن المعارضة الفلسطينية بكل ألوانها دخلت الى انتخابات المجلس التشريعي وأخذت شرف عضوية هذا المجلس، منهم من حصل على نسب عالية ومنهم من كان حجمه مقعداً أو مقعدين أو ثلاثاً على الأكثر، وهنا نعيد ونذكر أن هذا المجلس تأسس بناء على اتفاقية أوسلو، وأن هذا المجلس هو برلمان السلطة الفلسطينية التي قامت بناء على اتفاق أوسلو، وأن الرواتب التي يتلقاها أعضاء المجلس على مختلف ألوانهم وانتماءاتهم من فتح وحماس والشعبية وغيرها هي من أموال الدعم الدولي المقبلة الى خزينة السلطة بناءً على اتفاق أوسلو، وأن السيارة التي يركبها عضو المجلس التشريعي هي جزء من أموال الدعم التي تأتي بناءً على اتفاق أوسلو، وأن ثمن فاتورة الهاتف التي تدفع لعضو المجلس التشريعي هي من أموال الدعم التي تأتي بناءً على اتفاق أوسلو. فلماذا نخطب في الناس بشعارات كاذبة؟ ولماذا نحاول التضليل ما استطعنا الى ذلك سبيلاً؟.
ان الاختلاف مهم، والمعارضة ضرورية في الحياة السياسية، وذلك من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي قوي، ولكن المعارضة يجب ألا تكون أداة حزبية ضيقة، والأهم هو ألا يمارس المعارضون سياسة التضليل على عامة الشعب، وأن يقولوا ما يتفق مع سلوكهم اليومي وقناعاتهم، وأن يدافعوا عنها بما استطاعوا من قوة ورباطة جأش، وألا يتأثروا ببعض المكاسب المادية هنا أو هناك حتى لا يقع في ازدواجية المواقف، ولا يضع نفسه أو الحزب الذي يمثلة في مواقف حرجة تفضي الى تراجع قوة هذا الحزب أو ذاك، وبالتالي يفقد خيطاً مهماً مع جماهيره وهو المصداقية.
المصالحة مسلسل مكسيكي؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
في إحدى التعليقات التي وردت على صفحات الإعلام الاجتماعي تنّدر أحدهم على المصالحة بقوله إنها كالمسلسلات المكسيكية طويلة ولا تنتهي.
جاء هذا التعليق وسط آلاف التعليقات التي شككت بصدقية المصالحة وقدرتها على الصمود وقدرة خصوم الأمس وأبناء الجلدة الواحدة على حمايتها وتنفيذها.
للوهلة الأولى تتولد القناعة لدى الجميع بأن هذه المواقف ما هي إلا نتاج تاريخٍ من الاتفاقات والاعلانات المشتركة التي ما لبثت أن انهارت فأفقدت الناس الأمل بالمصالحة وأهلها.
لكن البعض وبالمقابل يذهب إلى القول ان حال المصالحة اليوم ليس كحالها بالأمس وذلك لظروفٍ دولية وإقليمية معروفة للجميع، الأمر الذي يجعل حظوظها في النجاح أكبر من سابقاتها من محاولات الأمس.
لكن قناعة الناس ومهما سيق من مبررات لن تكتمل إلا مع بدء الخطوات العملية على الأرض والتي ستشكل مؤشراً واضحاً على أن الأمور قد دخلت في إطار الجدية الفعلية.
الخطير في الأمر هو توازي هذا التشكيك المعنوي وبصورة عفوية محضة مع تعالي الأصوات العنصرية القادمة من حكومة الاحتلال والتي عبرت في مجملها عن مصلحة واضحة في استمرار الانقسام واستخدامها لمبدأ مضحكٍ يقوم على "تخيير" أبو مازن ما بين مصالحة حماس والسلام المزعوم.
خطورة الأمر أيضاً تكمن في فقدان القيادة الفلسطينية للقاعدة الشعبية الداعمة للمصالحة مع تصاعد الشكوك الداخلية ومرور وقتٍ أطولٍ فاصلٍ ما بين إعلان غزة والبدء بالتطبيق الميداني لبنود المصالحة، ناهيكم عن مواجهة القيادة الفلسطينية لسلسلة الضغوط المتزايدة دولياً بفعل التحريض الاسرائيلي المستمر والمستميت والداعم باتجاه فرض عقوباتٍ على الفلسطينيين يعلن عنها تباعاً وفي كل يوم.
ومع كل هذا وذاك فإن أخطر الأمور على الإطلاق يكمن في تبنينا نحن لثقافة العدمية وشعورنا الدائم بالإحباط والعجز والإفراط في ثقافة التشكيك وتبني مبدأ التحبيط والحط من عزائم الناس واتخاذ المنحى السلبي للأمور والسير في اتجاه ارتجالي يتقاطع من حيث لا ندري مع رغبة المحتل في إفشال المصالحة والعودة إلى حيز الشرذمة والتفكك.
الاحتلال احتلال العقل والوجدان وتسميم مستديم لكل ما يجمعنا، لكن الشعب المحتل هو الإطار الأهم في مخاض التصالح والتلاقي.. الإطار الذي ورغم كل إحباطاته قادر على إعطاء الأمور فرصتها وتدعيمها وتقويتها وصولاً إلى النتائج المرجوة.
المطلوب حقيقة إرادة شعبية لا تعرف اليأس رغم إخفاقات الماضي وعزيمة لا تلين ومسلسلاً فلسطينياً سعيداً لا مكسيكياً طويلاً لا ينتهي.
ذكرى الاول من ايار وقفة عز واجلال
بقلم: الدكتور حنا عيسى - PNN
في الأول من أيار من كل عام تحتفل الطبقة العاملة وجميع الشغلية في العالم بعيد العمال العالمي. انه اليوم الذي تستعرض فيه الجماهير الكادحة قواها وتقيس الطريق الذي تم اجتيازها في النضال من اجل تحررها، وتكرم أولئك الإبطال الذين سقطوا من عمال شيكاغو وأعينهم تتطلع إلى المستقبل وتسعى إلى تقوية كفاحيتها وتأكيد تضامنها ووحدتها أمام أعدائها.
إن الطبقة العاملة الفلسطينية كان لها تاريخها المجيد ليس باحتفالها بالأول من أيار منذ بدايات العقد الثاني من القرن المنصرم وحسب، بل وبنضالاتها الطبقية والوطنية وتضحياتها في مقاومة الاحتلال لبلادنا والتي ما زالت مستمرة.
وقد ارتبط نضال الطبقة العاملة الفلسطينية بالنضال الطبقي والاجتماعي ، وكان أول أهدافها ومطالبها تشكيل النقابات والجمعيات الحرفية. يأتي الأول من أيار ولا يزال شعبنا الفلسطيني يتعرض لتصعيد عسكري إسرائيلي مستمر ويواجه الحصار و الإغلاق وسياسات القهر و التجويع .. ناهيك عن أوضاع الطبقة العاملة الفلسطينية التي تزداد بؤسا ومعاناة، وتتعرض لأبشع أنواع الحصار و التجويع و القتل، ووصلت إلى ذروتها لا سيما في قطاع غزة، وتستشري البطالة صفوفها.
وهناك نسبة كبيرة منهم يعيشون تحت خط الفقر وفي أوضاع مزرية يرثى لها ولا يمكن تحملها أو تخيلها، فيما لا يزال جنود الاحتلال ومستوطنيه يرتكبون جرائمهم ومجازرهم ضد عمالنا وهم في طريقهم لكسب رزق عائلاتهم وقوت أطفالهم.
ورغم معاناة الطبقة العاملة في فلسطين، إلا أن ذكرى الأول من أيار تبقى وقفة عز وإجلال وإكبار لشهدائنا الأبرار الذين جادوا بأرواحهم فأضاءوا لنا الدروب، ولا نستثنى أحدا ممن سلكوا دروب الكفاح و الاستشهاد.
إن الدماء التي أرخصوها هي خلاصة المحبة، الوعي، الإرادة الصادقة، الشجاعة وروح الاقتحام في هذا العيد نحمل راية الشهداء وبمشاعلهم نضيء قلوبنا ,ونسير على دروبهم النيرة.
وكل عام وطبقتنا العاملة بألف خير


رد مع اقتباس