اقلام واراء محلي 407
في هذا الملـــــف:
حديث القدس: الكرة في ملعب واشنطن !
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
بين القرايا والسرايا
بقلم: عطالله منصور عن جريدة القدس
الحكومة الجديدة.. وتعسُّر الولادة !!
بقلم: عبد الناصر النجار عن جريدة الأيام
بركاتك... يا انقسام
بقلم: صادق الشافعي عن جريدة الأيام
المعرفة قوة والمعرفة مسؤولية
بقلم: يحيى رباح عن الحياة الجديدة
حماس: الدولة وسيطا للرّب و"شبلونة" فتحي حماد
بقلم: جهاد حرب عن وكالة معا
ومضة: محمد عساف رئيساً للوزراء والفصائل تُستبدل بعمالقة الكرة
بقلم: صبري صيدم عن وكالة وفا
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
بقلم: ابراهيم ابراش عن وكالة سما
تطبيع يا محسنين
بقلم: عطا مناع عن وكالة سما
أيار النكبة... وأيار الانتصار
بقلم: معن بشور عن وكالـــpnnـــة
حديث القدس: الكرة في ملعب واشنطن !
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
التصريحات التي اطلقها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في ختام جولته بالمنطقة امس، واكد فيها على حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم ونيل استقلالهم واقامة دولتهم المستقلة على حدود العام ٦٧ وان استمرار الاستيطان في الاراضي الفلسطينية غير بناء ويجب ان يوقف وحق الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بالعيش بأمان وسلام، هذه التصريحات التي يرحب بها الجانب الفلسطيني بالتأكيد تشكل محاور رئيسية لأي حل للقضية الفلسطينية وتعتبر مهمة كموقف نظري معلن يطرحه الوزير الاميركي بعد محادثاته مع الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الا ان السؤال الاهم الذي يطرح بعد ان اكد كيري التزام واشنطن بدفع جهودالسلام قدما هو: ما الذي ستفعله الولايات المتحدة الاميركية من اجل الزام اسرائيل بوقف الاستيطان والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على حدود العام ١٩٦٧ ؟
ومما لا شك فيه ان وزير الخارجية الاميركي لمس خلال محادثاته مع الجانب الفلسطيني رغبة حقيقة في تحقيق السلام وموقفا واضحا يستند الى الشرعية الدولية التي لازالت اسرائيل ترفضها حتى الآن، وبالمقابل لم نسمع من نتنياهو اي تصريح او مؤشر يدل على استجابة اسرائيل للجهود المبذولة لاطلاق عملية السلام، فاسرائيل كما نشرت وسائل اعلامها امس، لازالت ترفض الحديث عن حدود التسوية وترفض وقف الاستيطان وترفض اطلاق سراح الاسرى... الخ من المواقف التي شكلت السبب الرئيس في جهود عملية السلام الى طريق مسدود.
ولهذا نقول ان الكرة في ملعب الولايات المتحدة الاميركية اذا ما ارادت فعلا ترجمة المواقف التي طرحها كيري الى واقع على الارض من خلال العمل الجاد على ازالة العقبات والمعوقات الاسرائيلية وافهام الحكومة الاسرائيلية ان الوقت قد حان لانهاء هذا الاحتلال غير المشروع وان من غير المعقول ابقاء الأمن والسلام في هذه المنطقة الحيوية من العالم رهينة لارادة اسرائيل واطماعها التوسعية.
ولذلك فاننا ننتظر من كيري والادارة الاميركية تحركا جادا نحو اسرائيل حتى يمكن فعلا تمهيد الطريق لاستئناف عملية سلام حقيقية تقود الى تحقيق السلام والامن للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وكافة شعوب المنطقة.
وحتى يكون هذا الجهد الاميركي اكثر فاعلية فلابد من اشراك المجتمع الدولي في هذا الجهد وتحديدا اللجنة الرباعية الدولية التي تقيم ممثلين من الامم المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي اضافة للولايات المتحدة الاميركية لأن صنع السلام والامن في هذه المنطقة لا يمكن ان يكون معزولا عن الشرعية الدولية وعن المجتمع الدولي الذي اعترف مؤخرا بفلسطين دولة تحت الاحتلال ومنحها صفة مراقب في المنظمة الدولية.
فالمطلوب من الولايات المتحدة الاميركية الآن هو اظهار كيفية اعتزامها ترجمة المواقف التي طرحها كيري والالتزام الاميركي بتحقيق السلام الى لغة واقعية لانجاح جهود السلام في الوقت الذي تتهدد فيه ممارسات اسرائيل شرعية ومواقفها المتشددة الأمن والسلام في المنطقة.
ومن المحصلة فأن صنع السلام والامن يتطلب ما هو اكثر من التصريحات واعلان النوايا، وباعتقادنا فان الولايات المتحدة الاميركية، القوة العظمى الأولى في العالم ونظرا لطبيعة علاقاتنا باسرائيل، تمتلك الكثير من الاوراق والقدرةعلى شق الطريق نحو السلام وتتويج جهودها بانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة اذا ما توفرت لديها الارادة السياسية لتحقيق ذلك، خاصة وان واشنطن نفسها تدرك ان ابقاء جهود السالم رهينة لموافقة اسرائيل او عدمها على اية خطوة اثبت انه يشكل وصفة لاطالة احد الصراع ومراكمة عوامل التوتر والاحباط.
بين القرايا والسرايا
بقلم: عطالله منصور عن جريدة القدس
تهددنا حكومة نتنياهوولبيد بانها تنوي تجنيد شبابنا العربي من الجليل وحتى المثلث والنقب في صفوف المؤسسات "الامنية الوطنية" ضمن سياستها الهادفة الى خلق نظام يضمن ( ويفرض) المساواة في " تحمل العبء"على الجميع. وبعض وزراء هذه الحكومة يبرر هذه "الثورة" بنوايا الحكومة في تحقيق المساواة بين كافة المواطنين وان هدفهم هو حض طائفة اليهود المتدينين «الحريديم» على الانتقال من مرحلة الصلاة والتضرع وترديد نصوص التوراة والتلمود الى مرحلة جديدة : يصلون يوم السبت ويعملون طيلة الاسبوع وترك الصلاة لرجال الدين طيلة الاسبوع .
لماذا تطالب الحكومة فئة «الحرديم» لتبديل اسلوب حياتها ؟ لانها تريدهم المساهمة في سوق العمل والانتاج ودفع الضرائب ومن جهة اخري, الكف عن حياة الفاقة والعيش عالة وعبئا على التامين الوطني والشؤون الاجتماعية - كما يريدونهم جنودا في صفوف الجيش !
وطبيعي ان يرفض «الحرديم» الانقياد وراء رغبات نتنياهو- لبيد لانهم يضاعفون حصتهم العددية من الجمهور اليهودي (على حساب الجمهورالصهيوني) ويكسبون المزيد من الفئات الاخرى وحصتهم من طلاب المدارس - وميزانية الدولة - تبشر بانهم قد يهددون السيطرة العلمانية-الصهيونية خلال عقدين من الزمن!.
وضمن الصراع المحتدم بين اليهود نسمع اصواتا تقول بان الحرديم مثل العرب لا يخدمون في صفوف الجيش ولا يساهمون في سوق العمل - ومن هنا جاءت " الدعوة " الى منح المواطنين العرب " المساواة مع اليهود !!
ولكن الظلم المتضمن في هذه المقارنة لا تدع مجالا للسكوت امام هذه السفاهة السخيفة حتى ولو صدرت من " السرايا" رغم انني من ابناء "القرايا". ومن امثالنا الشعبية ما تردده اوساط واسعة في مجال الدعوة للتميز بين الغث والسمين وبين الجد والمزاح وبين الاخبار والشائعات والقصد من هذا المثل الشعبي ان على المرء ان تتحرى مصادر المعلومات التي تصله : هل تعود هذه الامور الى مصادر جديرة بالثقة لانها جاءت من السرايا ( وهي القصر بلغة الاتراك ) اما اننا نسمع كلاما فارغا مصدره - قرانا المسكينة والتي كانت يومها تعيش في ظلام الجهل الدامس!.
اولا : كافة المواطنين العرب يبحثون على عمل كريم يضمن لهم العيش الكريم وان النسبة المتدنية بين النساء المسلمات (خاصة) وبين سكان بعض المناطق يعود الى عدم تمكنهم من الحصول على العمل لان الحكومة بميزانياتها العنصرية حرمتهم من المناطق الصناعية وحرمتهم من دعم المشاريع الاقتصادية الممنوحة لمشاريع الاستيطان في المستوطنات اليهودية التي انشات على اراضيهم المصادرة!
ثانيا: المرة الوحيدة التي فتحت فرصة التجنيد الالزامي للجيش امامهم كانت في1954 ( ضمن مخطط قصد به تحريضهم على الهرب من اسرائيل) ولكن العرب لم يعارضوا المخطط وبالعكس فقد امتثل له اكثر من 95% ممن دعاهم الجيش للخدمةالالزامية . وكيف استقبلت الحكومة انباء استجابة العرب لاوامر الجيش ؟ اهملت الموضوع كليا . ولم تفرض الخدمة العسكرية الا على ابناء الطائفة الدرزيةوعلى اقلية صغيرة من الشركس - حيث كانت نسبة جدية من المتطوعين للخدمة العسكرية,وتواجدت فئة من الوجهاء الذين طلبوا ذلك!
قد يصدم تصرف الشباب العرب قراء القدسعام 2013 ولكن من عاشوا مثلي تلك الايام يعرف ان قرار الجامعة العربية وكافة دولها "مقاطعة" كافة الفلسطينين الذين صمدوا في بلادهم وعلى ارضهم لم يخفف الالم الذي نتج عن نكبة عموم ابناء فلسطين في الوطن ومخيمات الذل في الدول العربية,بل ضاعفها.
ويخيل الى ان كافة ابناء شعب فلسطين ( وكثير من ابناء الدول العربية المجاورة) اعتقدوا يومها ان هزيمة العرب كانت بسبب "الخيانة" ( وكانت هوية الخونة موزعة!).
هل سيتجاوب شبابنا اليوم اذاطلبت ذلك منهم الحكومة ؟ اغلب الظن ان الحكومة لن تطلب ذلك لانها لا تثق بهم. هناك من يقول بان الحكومة قد تنظم مؤسسة لتجنيد العرب للقيام باعمال تطوعية وهناك اليوم مؤسسة كهذه ينتسب اليها من اقتنعوا بان " الخدمة التطوعية المدنية" قد تعبد طريقهم نحو وظيفة حكومية ( كالتعليم او الشرطة او التمريض) ولكن مؤسسة بالحجم الذي يتطلبه عددالشباب العربي سيكلف ميزانية الدولة مبالغ لن تصرفها حكومة اسرائيل - ومن هنا فالتلويح بالتجنيد غير جدي وليس فيه شيء جديد!
الحكومة الجديدة.. وتعسُّر الولادة !!
بقلم: عبد الناصر النجار عن جريدة الأيام
ستة أسابيع مضت على استقالة الحكومة، دون أن تلوح في الأفق ملامح أولية لتشكيل حكومة جديدة، وفيما يبدو فإن حكومة تسيير الأعمال سيطول عمرها أكثر مما هو متوقع... أزمة التشكيل هي أزمة مركّبة تعود في الأساس إلى مجموعة الأزمات الداخلية، وأهمها قضية المصالحة، واستئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، والتوافق داخل حركة "فتح" على اعتبار أنها الرافعة الأساسية للنظام السياسي الفلسطيني، إضافة إلى التطوّرات في المنطقة العربية.
تبدو القيادة الفلسطينية، بمعنى آخر، مشتّتة بين هذه القضايا، والرؤية لتشكيل حكومة قادرة على التأقلم مع الواقع على الأرض.. حكومة ترضي الفلسطينيين بالحدّ الأدنى، وترضي العرب، وترضي واشنطن وأوروبا، ترضي "فتح" و"حماس"، ترضي المرأة والمنظمات الأهلية.. وترضي، أيضاً، المتعطّلين عن العمل الذين يبحثون عن لقمة العيش إلى حدّ اعتبار أنه لو جاء فرعون، المهم هو الوظيفة أو فرصة العمل.
تبدو الخيارات أمام الرئيس محدودةً، وكلها أصعب من بعضها البعض، أول هذه الخيارات حكومة توافق وطني أو وحدة وطنية بمعنى آخر اتفاق أساسي بين أطراف المصالحة أي اللاعبين الأساسيين.. ولكن يبدو أن حركة "حماس" حتى الآن غير متحمّسة لهذه الفكرة.. وأنها تماطل أكثر مما يعتقد البعض.. درجة المماطلة قائمة على المناخ السياسي والتطورات على الأرض في دول الجوار التي تعتبرها "حماس" امتداداً لنظامها السياسي.
تنتظر "حماس" التطورات في مصر وتونس وسورية واليمن، وكلما كانت الرياح معاكسة لسير سفنها؛ اقتربت تكتيكياً إلى المصالحة، وتُظهر التصريحات الصادرة هنا وهناك أن الأمر متوقف على التوقيع.. ولكن سرعان ما تتعثّر الأمور وتعود إلى نقطة الصفر في حال تغير اتجاه الرياح.. إذن يبدو أننا ما زلنا في نقطة الصفر بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية أو حكومة إدارة الانقسام.
أما الخيار الثاني فهو أن يعود الجانب الفلسطيني إلى خيار المفاوضات السياسية، ربما ليس على قاعدة كل المطالب الفلسطينية، ولكن ضمن حلول وسط، في ظل ضغوط تمارس على القيادة الفلسطينية.
ولعلّ تصريحات وزير الخارجية البريطانية، أمس، تؤكد أن لغة الضغط بدأت تعود من جديد، وربما بشكل أشدّ على القيادة الفلسطينية.
في حال استئناف المفاوضات، فمن المؤكد أن شكل الحكومة سيكون مغايراً لحكومة الوحدة الوطنية، وستتخذ "حماس" من ذلك مبرّراً، أيضاً، لمهاجمة القيادة والسلطة والمنظمة. وستعود إلى لغة الماضي تحت ادعاء المقاومة وغيرها من المصطلحات التي تعرّت أمام المواطن الفلسطيني.
حكومة الخيار الثاني ستكون أقرب إلى مفهوم الكفاءات منها إلى التقاسم السياسي. بمعنى أنه ربما سترفض قوى وطنية الانضمام إلى هذه الحكومة كسابقاتها.
الخيار الثالث: حكومة إنقاذ وطني، وقد يبدو هذا المفهوم غريباً عند البعض، وهل نحن بحاجة إلى مثل هذه الحكومة.
نعم، في حال تعثُّر المصالحة واستمرار دورانها في الدائرة المغلقة نفسها منذ سنوات، وعدم وجود أي بادرة حقيقية لتقارب حقيقي وتنازل حزبي في سبيل المصلحة الوطنية، وإصرار حركة "حماس" على دولة أو إمارة غزة.. فإنه لا بديل عن ذلك، خاصة إذا لم يتحقق الحدّ الأدنى من المطالب الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بمعنى وقف الاستيطان كشرطٍ أساسيّ، وتحديد مرجعية واضحة حول الحدود (أي حدود العام 1967) وانفتاح حقيقي لبحث قضايا الحل النهائي.. فإن القيادة لن تغامر بالمطلق في الدخول إلى مفاوضات تستمر سنوات وتقوم على أساس التعارض لا الوصول إلى حلول.
في مثل هذا الوضع الذي ستغلق فيه كل الآفاق السياسية، وسيتواصل الضغط على القيادة بكافة أشكاله السياسي والاقتصادي و.. و.. فإن الحل الأفضل ربما تشكيل حكومة إنقاذ من جميع القوى والفئات الوطنية، والمنظمات الأهلية والقطاع الخاص ليتحمّل الجميع مسؤولياته في ظل أوضاع مصيرية.
ويبقى السؤال، هل وصلت المصالحة إلى طريق مسدود؟ وهل باتت منافذ المفاوضات مغلقة؟ أم أن الأيام القادمة ستحمل المفاجآت؟ وبناء على ذلك سنرى ميلاد حكومة جديدة تستطيع القيام بواجباتها في ظلّ متغيّرات سياسية.. حكومة تقدم الخدمات للمواطنين (حكومة خدمات)، فيما تظلّ القضايا السياسية من مفاوضات وغيرها فقط بيد رئاسة منظمة التحرير.
بركاتك... يا انقسام
بقلم: صادق الشافعي عن جريدة الأيام
بركات الانقسام كثيرة ويصعب حصرها، منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي تم فيه اللجوء الى السلاح لحسم الخلاف السياسي والذي صدر فيه تشريع بفتوى يحلل استباحة الدم الفلسطيني ويسمح لقابيل إقامة صلاة شكر على ذبح أخيه.
وكرت مسبحة بركات الانقسام لتدخل إلى حياة الناس وعاداتهم وعباداتهم تضييقاً وعسفاً وقهراً إن في ملبسهم أو في اختلاطهم، وإن في مدارسهم وجامعاتهم، وإن في ممارسة حقوقهم الديمقراطية والنقابية.
وأوصلتنا بركات الانقسام لأن يصبح لنا، ونحن لم ننجز بعد مرحلة تحررنا الوطني، كيانان سياسيان وحكومتان، ووزيران ووزارتان لكل مجال، ومنظومتان من أجهزة الأمن، وتشريعان في اكثر من مجال في حياة الناس.
وتتمدد بركات الانقسام لتطارد وحدة شرعية التمثيل السياسي مهددة بقسمتها، منسجمة مع ارتباطات معينة ومن تطلعات وأهداف ضيقة وحسابات ذاتية وأنانية.
كل هذه البركات، وغيرها، تفيض علينا ويتواصل تزايدها وتتكرس كحقائق أمر واقع ونحن نتلهى ونلهي ناسنا بتفاهمات واتفاقات مصالحة، ثم اتفاقات مصالحة جديدة، ثم اتفاقات لتطبيق الاتفاقات ثم...لا شيء : لا انقسام يزول ولا مصالحة تتحقق ولا وحدة وطنية تستعاد.
وكأن هذه البركات لا تكفي.
الآن يفيض علينا الانقسام ببركة جديدة من بركاته المرة.
انه ينقل الموقف من فلسطين والفلسطينيين من دائرة الإجماع الشعبي العربي، التي ظل مستقراً فيها، تأييداً ودعماً ومساهمة وانخراطاً، إلى دائرة الجدل الخلافي وربما القسمة.
بدأ الجدل الخلافي مع بداية الانقسام الفلسطيني نفسه ولكنه ظل محصوراً في شكل انحيازات الى تنظيمات وسياسات ومواقف، وبقي في إطار الالتزام بالقضية الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني والإجماع حولهما ودعمهما.
لكن مع الحدث السوري تطورت الأمور بشكل يلحق الضرر بالناس والقضيبة وينذر بضرر اكبر. فقد انحازت "حماس" الى جانب قوى المعارضة السورية، وضد النظام الذي شكل حاضنتها وداعمها الأساسي لسنوات طويلة. ولم يكن لهذا الموقف من ضرورة وطنية الا ضرورة انحياز "حماس" لصالح نظرائها في العقيدة الفكرية /السياسية.
وأهلنا في مخيمات سورية وخارجها هم من يدفعون ثمن هذا الانحياز.
الأمر يتكرر الآن مع مصر، على نفس قاعدة انحياز "حماس" الى نظراء العقيدة الفكرية / السياسية.
لقد تماهت "حماس" مع النظام الإخواني الجديد في مصر، بل واستقوت به، ووضعت نفسها في تصرفه، ومحت كل حدود وفواصل تفرضها طبيعة القضية الفلسطينية وضروراتها فدخلت بذلك، من موقع الانحياز للنظام وخدمته، طرفا في ما يدور في مصر من نضالات تخوضها المعارضة الشعبية الواسعة لمقاومة أهل النظام في سعيهم للاستحواذ على كل مقدرات البلد ومقوماتها ومفاصلها. وهذا ما أدى الى اتهام "حماس" من قبل قطاعات واسعة من الناس ومن أغلبية الإعلام المستقل بالضلوع العملي في العديد من القضايا الحساسة، او التي تمس الأمن الوطني المصري. بالذات تلك القضايا التي تتعلق بشبه جزيرة سيناء وحدودها مع الكيان الصهيوني ومع قطاع غزة، وما يدور فيها من اضطرابات وقلاقل خطرة، وأيضا في ما يدور حولها من لغط حول مشاريع مستقبلية تمس وحدة الوطن المصري، وسيادته وامنه الوطنيين.
النتيجة أن أهلنا في قطاع غزة يدفعون الثمن المباشر لهذا الانحياز لنظراء العقيدة الفكرية/ السياسية والتبعية لهم وخدمتهم، وذلك على شكل تضييقات على معيشتهم وحرية تنقلهم، خصوصا وان مصر هي الحبل السري الوحيد الذي يربط القطاع بالعالم والرئة التي لا يكون تنفسه الا بها.
وما شهده معبر رفح من إغلاق ومن تكدس أهل القطاع العائدين الى بيوتهم لعدة أيام في الأسبوع الماضي، سوى المثل الأحدث على ما نقول.
لا احد يطلب من "حماس" فك عرى علاقتها بحركة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم في مصر لكن يطلب منها المبادرة الى وضع الحدود والفواصل الضرورية بين الالتقاء الفكري/ السياسي والتنظيمي مع الجماعة الحاكمة وأهدافها وطرائق حكمها، لصالح الإبقاء على بوصلة العلاقة مع مصر متجهة بثبات، وكما ظلت دائماً، باتجاه أهل مصر وكافة قواها السياسية.
مطلوب من حركة حماس ان تبادر هي الى إزالة كل لبس ودفع كل اتهام بالدرجة القصوى من الإيجابية ومن الوضوح والشفافية وحتى لو تطلب ذلك إجراءات عملية بعينها.
هناك حديث كثير وعلى درجة عالية من الجدية ان حل مشكلة معبر رفح، (وبالارتباط معها قضية الإنفاق والمطالبة الملحة بإغلاقها)، وهو ما يخفف على الناس الكثير من الأعباء، لا يمكن ان يتم الا بتحقق المصالحة الفلسطينية. ذلك ان الطرف الفلسطيني الموقع على الاتفاق الدولي الذي ينظّم الحركة في المعبر هو السلطة الوطنية، وان أجهزتها هي التي يجب ان تشرف على المعبر والحركة فيه، كما يفرض ذلك الاتفاق.
اذا كان الأمر كذلك والحديث صحيحا، لماذا لا يتم الاتفاق على ترتيب يحل هذه المشكلة بين السلطة الوطنية و"حماس" وبحيث تكون السلطة هي فعلا المشرف رسميا على المعبر، ونريح بذلك ناسنا؟
لا يبدو الأمر على هذه الدرجة من التعقيد؟
ولماذا لا يكون مثل هذا الترتيب أول الثمار العملية لكل الخطابات الحماسية عن الإيمان بتجاوز الانقسام واستعادة الوحدة، بعد ان ظلت حتى الآن لا تطرح اي ثمر؟
المعرفة قوة والمعرفة مسؤولية
بقلم: يحيى رباح عن الحياة الجديدة
هناك ومضات خاطئة ولكنها واعدة الأمل في مسلسل الدمار الشامل المستمر في عالمنا العربي الذي بدأ منذ عامين ونصف العام تقريباً انطلاقاً من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا...الخ.
وأهم هذه الومضات أن الناس في بلادنا الذين لم يكن لهم الحق في الكلام أصبحوا يتكلمون بصراحة وبصوت مرتفع، وأنهم اكتشفوا ذاتهم من خلال هذا الكلام بأن لهم قدراً من المعرفة العملية من خلال تجاربهم القاسية، وأن هذه المعرفة تمدهم بقوة في مواجهة هياكل ضخمة لدوله، وأحزابهم، ومسلماتهم، ولكنها هياكل فارغة مقيتة لا تصلح شيئاً.
ما الذي انكشف وسط مسلسل الدمار الشامل؟
أولاً: حجم هذا القبح والصديد المجتمع عبر عقود طويلة في جسد هذه الأمة، والمتمثل في فصائل الإسلام السياسي, فقد اكتشفنا أن هذا المرض السرطاني في جسد الأمة أخطر بكثير من كل التوقعات، وأن هذا الإسلام السياسي الذي نراه الآن ليس منا، ليس من نسيجنا، وإنما هو لقاح كيميائي قادم من الخارج، اخترعه أعداؤنا، وسوقوه مثلما يسوقون الآف الأنواع من صناعاتهم وبضاعتهم التي يرسلونها إلينا!!! وأن هذا الإسلام السياسي كان دائماً جاهزاً للاستخدام دون مواقع، فهو لا يعترف بالدولة الوطنية ولا الدولة القومية، والهوية لديه شديدة الالتباس، وهو إسلام سياسي ذرائعي بمعنى أنه لا قيمة عنده لجدار القيم والأخلاق، فهو يحلل ويحرم ويعادي ويصالح دون معايير لأنه احتكر سلطة تفسير النص القرآني والنبوي، وسلم نفسه منذ اللحظة الأولى للفجوة الحضارية بيننا وبين الآخرين. ولعل فضيلة الاشتباك القائم الآن وسط هذا الاصطراع الشامل، أن الإسلام السياسي يعيش الآن تحت حالة غير مسبوقة من الانكشاف، فلم يعد لديه مظلومية ما يتستر بها، بل هو الظالم، وهو المتجبر، وهو الذي تنطبق عليه أبشع التهم التي وجهها للآخرين في العقود الماضية، وهل هناك بشاعة أكثر من طلب العون ممن كان يعتبرهم الأعداء مثل أميركا والغرب، فلايكف عن مناشدتهم أن يأتوا بجيوشهم ليساعدوه على التمكن من رقاب الأمة, وهل هناك انكشاف أكثر من أن يعتبر العدوان الإسرائيلي على بلاد المسلمين ? كما في سوريا ? مطلوبا ومبرراً ما دام يضعف خصومهم, وهل هناك فضيحة أكثر من أن يدير الإسلام السياسي ظهره للقدس وهي في أوج محنتها، فتحرم زيارتها، تحت مقولات إسرائيلية واضحة.
ثانياً: بسبب هذا الانكشاف المريع لفصائل الإسلام السياسي في ميدان التجارب المعيشة، وليس الجدل الفقهي، فإن المعرفة تتراكم حول تدخلات الدول الكبرى من خلال بوابات كثيرة، مما تجعلنا نعيد قراءة التاريخ، تاريخنا المعاصر على الأقل، بروية وعمق، وننتبه إلى كل ما يقال، ابتداء من نابليون ومدفعه ومطبعته المتلازمتين، وإعلان بعض ضباطه الإسلام، وزواج بعضهم من مسلمات، وصولاً إلى التنظير العالي المستوى، والمعرفة المتراكمة التي صاحبت المد الاستيطاني، والامبريالي بعد ذلك، ومخططات النفوذ الحالي، ويجب أن نعيد قراءة برتدراندر الفيلسوف الأنجليزي، يجب أن نعيد قراءة برنار لويس، وبيرجنسكي، وصمويل هنتيتون، وفرانسس فوكوياما، يجب أن يدخل ما يقوله هؤلاء في صلب مناهج التعليم النقدية لأبنائنا في المدارس والجامعات ومراكز البحث, يجب أن نعيد الوقائع التي تحدث الآن في الميدان أمام عيوننا إلى أصولها النظرية والبحثية، ونسأل، هل وضع صحراء سيناء موجود بوضوح في إنتاج مراكز الدراسات الإسرائيلية، في مؤتمر هرتسيليا أم لا؟ هل انسلاخ قطاع غزة، وصورته المشوهة الآن موجودة في انتاج مراكز الأبحاث الإسرائيلية منذ العام 1985 أم لا؟ ولماذا يحدث هذا النموذج الصارخ من شتات الشتات الفلسطيني، منذ مأساة الفلسطينيين في الكويت في بداية التسعينيات، ومثل اللاجئين في سوريا التي تشير الاحصاءات الدولية الى أن سبعين في المئة منهم أصبحوا لاجئين مبعثرين في شتات واسع جديد، لماذا؟ وهل الموضوع صدفة، أم أنه هدف كل ما يجري؟
هناك معرفة إجبارية تداهمنا الآن، تداهم هذا العقل العربي الراكد، تداهمه المعرفة الإجبارية رغم أنفه، بسبب ثورة تكنولوجيا الاتصال, وبسبب أن أجيالنا الراهنة ? رغم أن أرقام الأمة الكارثية غير مبررة ? أجيالنا ملتحقة عل نحو ما يعصره، وأصبحت المعرفة بالنسبة لها متدفقة بيسر، سهل لا تحتاج إلى عناء كبير، ولم يعد هناك شيء اليوم ينتمي إلى أسرار الآلهة.
بقي أن تقوم النخبة الثقافية والسياسية والفكرية بتجهيز هذه المعرفة في وعي المسؤولية الجمعية، لقد سقط زمن التدنيس والغش والخداع، وسقط زمن اختطاف الدين عنوة لكي تحقن به عقول الملايين!!! سقطت الحواجز والجدران، وحين تتحول المعرفة إلى مسؤولية فلن يعود أي شيء كما كان، لن يبقى أية حصانة لمن يدعون أنهم الملائكة، ولن يبقى أية رهينة لمن يدعون أنهم الشياطين.
المعرفة متاحة للجميع، في بعض الأحيان هي متاحة رغم الذين لا يريدونها أو الذين لا يسعون إليها، المهم أن تجتاز المعرفة هذه النقلة المانحة، أن تتحول إلى مسؤولية، إلى تفاصيل حياة يومية، إلى تراكم تصوري، إلى خلق نماذج وأنماط للحياة غير تلك التي اعتدنا عليها.
هل نحن على أبواب المرحلة؟
أشعر بتفاؤل شديد، لأن الأطارات القائمة جميعها لم تعد تتسع لتداعيات الموجة, ولذلك فإن الناس، الملايين، الأجيال المتلاحمة تتدخل بقوة لصنع نمط حياتها، ولا يجب أن ترتاع، فليس هناك قيامة إلا من الموت, وليس هناك تحليق إلا من قلت الرماد, لا تندبوا حظكم، فحظكم ومستقبلكم تصنعونه أنتم بأنفسكم من قلب هذا الانهيار العظيم.
حماس: الدولة وسيطا للرّب و"شبلونة" فتحي حماد
بقلم: جهاد حرب عن وكالة معا
(1) حماس: الدولة وسيطا للرب
بعث ربُ العالمين رسله للناس لإلغاء الوسيط المتخذ من قبلهم في العلاقة بينهما للتأكيد أن العلاقة بين العبد وربه هي علاقة خاصة؛ فأركان الايمان تشير بوضوح "الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" إلى خصوصية العلاقة أي "ضميرية" وهي لا تحتاج الى اعلان أو تصريح عنها. كما أن اركان الاسلام "الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة والحج" هي أيضا احكام تتعلق بعلاقة العباد بالله كأفراد على الرغم من الشكل الجماعي الذي يتخذه تنفيذها أو القيام بها من قبل المسلمين.
طبيعة العلاقة بين العبد وربه التي فرضها الله على العالمين هي علاقة مباشرة لا تحتاج إلى صنم كما كان يفعل العرب في الجاهلية أو حكومة كما ترغب بعض الحركات السياسية الدينية؛ ولو أراد الرّبُ وسيطا لحدد في الكتب السماوية ذلك بوضوح، وللتدليل على ثنائية العلاقة وخصوصيتها وعد الله من يسلك القواعد المحددة في الكتب السماوية يوم القيامة بالجنة لينعمون فيها، ومَنْ يُخالفها بجهنم يصلون نار حامية عما اقترفوا من ذنوب.
وهذه العلاقة المباشرة والخاصة التي تربطهما تأتي في اطار الحيز الخاص للفرد في تحديد اطر العلاقة بالرب، لكن العلاقة مع الدولة والحكومة ومع المواطنين تأتي في اطار الحيز العام؛ وهنا لم يحدد رّب العالمين وصيا عليها يمنح صكوك غُفران، كما لم يتحدث التاريخ الاسلامي عن الدولة الاسلامية أو شكلها وطبيعتها، حتى في زمن النبي مُحَمَدٍ عليه السلام كانت دولة المدينة دولة جميع مواطنيها على الرغم من الاغلبية الاسلامية فيها.
تقوم حركة حماس وحكومتها في قطاع غزة منذ العام 2007 بمجموعة من الاعمال التي تمثل انتهاكا للعلاقة ما بين الرب وعباده، باعتبارها وسيطا أو فرض الدولة لتنفيذ الوصاية الدينية على الشعب الفلسطيني، وفرض نمطا سلوكيا معينا ونمط حياة على المواطنين في قطاع غزة من وجهة نظر حزب سياسي يتبنى عقيدة محددة، على الرغم من أن أغلب الشعب يدين بها ولا يختلف في ممارسة الطقوس الدينية، لكنه يختلف مع هذا الحزب وأتباعه في انماط الحياة وسلوكهم البشري.
من هذه الممارسات التي جاءت عبر قوانين وإجراءات ادارية حكومية و/ أو حزبية؛ اصدار قانون الزكاة القاضي بإنشاء مؤسسة الزكاة التي تتولى التأكد من سلامة تطبيق فريضة الزكاة على المواطنين والتحقق من التزام المواطنين بذلك وجبايتها فعليا من البعض من خلال الخصم من رواتبهم مباشرة، واصدار قانون تعليم يتضمن فصل الأولاد عن البنات ممن هم في الصف الثالث ابتدائي ليشمل كل مراحل التعليم بما فيها الجامعية، وقبلها تأنيث مدارس البنات بمنع عمل الرجال في هذه المدارس أي بمعنى اخر منع الجنسين "المرأة والرجل" من العمل معا، وكذلك فرض لبس الحجاب على طالبات جامعة الازهر في قطاع غزة، وتأكد شرطة حماس "على غرار رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ممن يسيرون على شاطئ غزة أو يجلسون في سيارة من انهم على صلة قرابة أو مُحرم، ومنع النساء من تدخين النرجيلة "الارجيله" في المقاهي، ومنع أنواع من قص الشعر أو اطالته وإجبار الشباب على حلق شعر الرأس ممن لا يلتزمون بذلك بعد اهانتهم وضربهم في مراكز الشرطة التابعة لحكومة حماس وتحديد طريقة اللباس الخاص بالشباب، وقيام وزارة الأوقاف بحملة الفضيلة في القطاع.
وآخر هذه الأمور ما ورد في مشروع قانون العقوبات المدرج على جدول أعمال كتلة حماس البرلمانية في المجلس التشريعي بقطاع غزة التي تأخذ بمجموعة من العقوبات كقطع اليد والجلد تتنافى اليوم مع القيم الانسانية. ان قيام كتلة حماس بإدخال هذه العقوبات سواء كان ذلك تحت ضغط غلاة جناح الدعاة في حركة حماس أو في اطار المنافسة/ المزايدات مع مجموعات متطرفة ناشئة في قطاع غزة للحفاظ على جمهور من المؤيدين الذين يجنحون نحو ايجاد الدولة الدينية لتمنح صكوك غفران جديدة في العالم الاسلامي.
ان فرض نمط حياة على المواطنين يعكس في أحد اوجهه منع حرية الاختيار وكبت الحريات وتشويه الصورة البشرية وإنسانية الانسان، واغتصاب القيم الانسانية المتعلقة بالتنوع والتعدد. لكن هذا الامر يخرق بشكل كبير العلاقة الخاصة ما بين المؤمنين وربهم. ويبدو أن الحكومة في قطاع غزة وحماس لم تقرأ للعلامة محمد الغزالي قوله "الاكراه على الفضيلة لا يصنع الانسان الفاضل كما أن الاكراه على الايمان لا يصنع الانسان المؤمن فالحرية اساس الفضيلة"
(2) مستوى الرجولة و"شبلونة" فتحي حماد
أثار تصريح فتحي حماد وزير الداخلية في قطاع غزة حول فحص منسوب/ مستوى الرجولة لدى الفلسطينيين بطرافة، طبعا في قطاع غزة، مسألة أداة القياس التي سيستخدمها وزير الداخلية وأجهزته الأمنية في عملية الفحص؛ هل ستكون مقياس فحص الزلازل "رختر" لقياس مدى عنفوان الرجولة؟ أم دراسة اكتوارية للقياس المستقبلي للرجولة في الشخص المفحوص؟ أم على طريقة فحص العذرية الذي قد يؤدي الى خصي المفحوص وبالتالي لا يبقى ذكورا يمنحون الشعب الفلسطيني الخصوبة؟ أم المقياس يتعلق بحمل السلاح وهنا الوزير يقصد أن أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني لسوا ممن يتصفون بالرجولة؟ أم على مقياس الحائك وشبلونته لقص القماش وانتاج الملابس لخلق موديل من المواطنين المتشابهين لا نفرق بينهم في شيئ مما يعني أن وزير الداخلية فتحي حماد سيتحول الى "مصمم أزياء عفوا رجولة"؟ أم أن لدى الوزير مقياسا خاصا به لنوعية ومنسوب الرجالة.
ويبدو أن الوزير هنا قد اقتصر الرجولة على الذكور ولم ينظر الى نصف المجتمع "الاناث" الغائب في تفكيره في العمل العام والفعل العام، كما يبدو أنه غاب عن بال الوزير أن المفهوم الشعبي للرجولة هو من يذود عن الحق سواء كان صاحب الفعل رجلا أم امرأة.
ومضة: محمد عساف رئيساً للوزراء والفصائل تُستبدل بعمالقة الكرة
بقلم: صبري صيدم عن وكالة وفا
هكذا وبتجرد اقترح أحد المواطنين أمام جمعٍ من الناس هذه الصيغة التي تهكم فيها على الوضع السياسي الحالي في فلسطين نتيجة تأخر المصالحة وانصراف الناس عن متابعة شؤونها كونها لم تتم بغض النظر عن حلقات الوفاق والاتفاق التي تمت في القاهرة وفي الدوحة من قبل.
وما أن أنهى صاحبنا اقتراحه حتى انفجر الحضور بالضحك لما وجدوه في الفكرة من ظرافة المقترح وخفة الروح، لكن الحضور عاد وأبدى إعجابه بما قاله الرجل معتبراً أن الخروج عن المألوف سيشكل انفراجاً للوضع القائم.
ليسهب أحدهم بالقول إن شعبية المذكورين تتفوق على شعبية الفصائل رغم انقسام المجتمع في الولاء للفريقين المقصودين وهما ريال مدريد وبرشلونة، انقسام يقول فيه المتحدث إنه محبب ومثير وينطوي على بعدٍ رياضي واجتماعي مهم.
الحزين في الأمر هو هروب الجميع نحو الضحك للخروج من أزمة الحال وكأننا نعيش اليوم في عالم من الجنون. هروب من الواقع يسجله متابعة المطرب الشاب محمد عساف وإثارة مستجدة يراها الناس مع نجمي الكرة الإسبانية.
وعندما يأتي الموضوع على موقع رئيس الوزراء ورغم كونه قد حسم في عالم الوفاق فنجد الإعلام في كثير من الأحيان وحسب رأي المراقبين قد ضخّم هذا الموضوع ربما لما يضفيه من إثارة.
لا شك بأن طرفة هنا ونكتة هناك لا تحسم موقفاً شاملاً للشارع الفلسطيني، لكن هذا الإحلال المعنوي الملموس اليوم وإن تعاظم في حياة الناس فهو مؤشر خطير على بداية الابتعاد الفعلي عن عالمي الوفاق والحكومة، وهو بدء مرحلة النفور من الفصائل السياسية وظهور مواقف وتوجهات جديدة يحملها الشارع.
لا شك أن الفصائل على اختلافها ستكون الخاسر الأول في حال طال أمد النقاش في المصالحة، وعليه فإن جنون الأفكار سيسبق في وقعه أفكاراً كثيرة عن الجنون ذاته وعندها سيفتح الباب للمزيد من التهكم و مظاهر الاستخفاف.
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
بقلم: ابراهيم ابراش عن وكالة سما
تقول حركة حماس إن حكومتها وسلطتها القائمة في غزة شرعية جاءت عن طريق صناديق الانتخاب ،ونحن سنتجاوز كل الجدل الذي يدور حول مدى استمرارية شرعية صناديق الانتخابات بعد نهاية ولاية المجلس التشريعي وبعد مرور سنوات على الاستحقاقات الانتخابية ،ولن نحاجج في مدى شرعية حكومة حماس بعد انقلاب يونيو 2007 وانسلاخ غزة عن الضفة ، وسنتجاوز الجدل الذي يدور بين جماعات الإسلام السياسي – وحماس جزء منهم- ومناوئهم حول جدية هذه الجماعات في دخول الانتخابات وجدية خطابها حول الديمقراطية وأنها تريدها انتخابات لمرة واحدة لتسيطر على السلطة ثم تنقلب على كل استحقاقات الديمقراطية... سنتجاوز كل ذلك وسنذهب مع حركة حماس بأن حكومتها تحوز شرعية ديمقراطية مستمدة من صناديق الانتخابات.
ولكن ...،هل تدرك وتعقل أجهزة أمن حماس الحاكمة في قطاع غزة مفهوم الشرعية الدستورية و الديمقراطية ؟ وهل تدرك وتفهم أن الشرعية الديمقراطية ترتب حقوق والتزامات على طرفي المعادلة ،الشعب والحكومة ،السلطة والمعارضة ؟وهل هذه الأجهزة مستعدة لدفع الاستحقاق الديمقراطي من خلال السماح بحرية الرأي والتعبير لمن يخالفوهم الرأي؟ . وهل تفقه الأجهزة الأمنية لحركة حماس أن حكومة بدون معارضة حقيقية هي بالتأكيد حكومة استبدادية دكتاتورية ،فوجود معارضة فاعلة وقوية هو المحك الحقيقي على وجود نظام ديمقراطي.وجوهر الديمقراطية يقوم على التعددية السياسية وليس على أحادية الرأي.
إن القارئ المبتدئ في علم السياسة وكل متابع للحياة السياسية في الدول الديمقراطية التي تريد حكومة حماس نسبة نفسها لها ،يعرف أنه لا شرعية ديمقراطية بدون وجود معارضة وحرية رأي وتعبير،وأن الفيصل بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الدكتاتورية ليس شكل الحكومة ومؤسساتها وخطابها حيث كل الأنظمة اليوم بما فيها الأنظمة الدكتاتورية يوجد فيها برلمان ودستور وانتخابات وتقول بأنها أنظمة ديمقراطية ،بل الفيصل وجود معارضة تمارس حقها في إبداء الرأي بحرية،وكما قال السياسي البريطاني ونستون تشرشل لو لم تكن المعارضة لخلقناها،وإن كان هذا رأي (لنصراني) قد لا يؤخذ به فلنرجع للإسلام وسماحته التي وصلت لحد محاججة المسلمين للرسول والصحابة في الرأي دون أن يتم تكفيرهم أو زجرهم ،ولنرجع لمقولة الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما قال (رأيي صواب ويحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) وهي مقولة تدل على سماحة الإسلام ودرجة الحرية الفكرية والتعددية المسموح بها قبل أن تتم مصادرة الإسلام من جماعات إسلاموية شوهت الإسلام وأدلجت قيمه السامية لتحوله لأنظمة قمع واستبداد .
يبدو أن حركة حماس تقرأ بطريقة خاطئة أو انتقائية جزئية ما يجري في العالم العربي، ويبدو أنها لم تفهم أن الشباب و الجماهير التي خرجت في بداية الثورة ضد الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن لم تخرج لأن هذه الأنظمة لا تطبق الشريعة وبالتالي يريد شباب الثورة تطبيقها ،الشباب خرجوا ضد أنظمة دكتاتورية تقمع المعارضة وتمنع حرية الرأي والتعبير ،وكل نظام يقمع حرية الرأي والتعبير يفقد شرعيته ويهيئ شروط الثورة عليه ،لأنه عندما يتم الحد من حرية الرأي ويتم قمع الشعب ،فإن المقموعين سيفكرون بوسائل أخرى للدفاع عن حقوقهم وسيعملون بطرق سرية وغير قانونية لإسقاط النظام الذي يهين كرامتهم ويحد من حريتهم ،وستأتي لحظة لن تنفع لا الأجهزة الأمنية ولا الخطاب الديني في حماية النظام من غضبة الشعب ،ونحن رأينا كيف تساقطت كل الأجهزة الأمنية في بداية الثورة أمام غضبة الشعب وكيف بات الشعب يطارد رجالات هذه الأجهزة في كل مدينة وقرية وفي كل شارع وحارة ،لأن كل مواطن يريد أن يثأر لما تعرض له من إهانة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
قصتنا كفلسطينيين طويلة ومؤلمة مع كل أجهزة الأمن في العالم ،فكل فلسطيني يُسجل في سجلات الأجهزة الأمنية قبل أن يمنح أية صفة أخرى ،ولذا تعودنا – وخصوصا المثقفون والكتاب -على استدعاءات الأجهزة الأمنية وتحقيقاتها وكل صنوف الإهانة والتعذيب التي يتعرض لها الفلسطيني ،وهي سلوكيات كان فيها الفلسطيني يخرج أكثر قوة وأكثر ثقة بالنفس وأكثر إصرارا على التمسك بحقه في أن يعبر عن فلسطينيته ويدافع عنها. هذا ما كان وما زال يجري مع جهاز الأمن الإسرائيلي (الشين بيت) ،ومع المخابرات الأردنية ومع المخابرات اللبنانية (المكتب الثاني) وأمن الدولة المصري والمخابرات السورية الخ .ولكن أن يستدعي الأمن الداخلي لحكومة حماس الكتاب والمثقفين ويحقق معهم بطريقة مهينة لا لشيء إلا لأنهم ينتقدون سلوك الحكومة والسلطة في غزة أو ينتقدون أصدقاءها وحلفاءها فهذا ما يثير الغضب والألم ،يمكن أن نفهم أن إسرائيل والدول الأخرى تناصب الفلسطينيين وخصوصا المثقفين وأصحاب الرأي العداء ،ولكن أن تناصبهم العداء حكومة فلسطينية تمارس سلطتها في ظل الاحتلال والحصار الإسرائيلي، فهذه مصيبة .
قبل أكثر من عامين استدعاني الأمن الداخلي لحماس وطلب مني التوقيع على تعهد بعدم انتقاد حركة حماس وحكومتها ورفضت التوقيع بالرغم من التهديد بأنهم سيلجئون لوسائل أخرى ! إن لم أوقع ،ثم تدخلت شخصيات وطنية وقيادات من حماس لحل المشكل من خلال التعهد الشفوي بأن أكون موضوعيا في كتاباتي ،وقلت لهم آنذاك إنني دوما موضوعيا .والموضوعية في رأيي وكما هو متعارف عليه لا تعني السكوت عن الأخطاء ومهادنة السلطة القائمة والموضوعية لا تتعارض مع الحق في التعبير عن رأي معارض لنهج الحكومة والسلطة .
في يوم الخميس 23-5 استدعاني الأمن الداخلي لحماس وذهبت لهم حيث حجزوني من العاشرة صباحا حتى الرابعة مساء وخلال ذلك جاء محققان – وتكلم أحدهم بعدم احترام- ليعيدا نفس ما جرى قبل عامين من خلال الزعم بأنني متحامل على حماس والمقاومة ولكن هذه المرة كان التركيز على مقال لي انتقدت فيه نهج الشيخ القرضاوي وزيارته لغزة ،واعتبروا أن انتقادي القرضاوي يعتبر تطاولا على شخصية مقدسة ليس من حقي انتقادها، وطلبا مني كتابة اعتذار للقرضاوي ولحماس فرفضت بطبيعة الحال،لأن فلسطين أكبر من القرضاوي ومن يقف وراء القرضاوي وأكبر من كل الأحزاب،وأن من حقي أن يكون لي رأيي المخالف لسياسة حماس ولتحالفاتها ،وليس بالضرورة أن ما تعتبره حركة حماس عظيما أو مقدسا هو كذلك لمن هم من غير حماس .
وهكذا بعد حجز لست ساعات تم إطلاق سراحي على أن أعود يوم الأحد،وقد قررت ألا أعود وان أرادني جهاز الأمن الداخلي فليعتقلني وهو قادر على ذلك وأكثر من ذلك ،ولكن يجب أن تتوقف مهزلة الاستدعاءات غير القانونية للمواطنين وخصوصا للمثقفين وأصحاب الرأي ،وإن كانت هناك مخالفة قانونية فالاستدعاء يتم من خلال النيابة العامة وليس من أجهزة أمنية.
نحن نعترف بحكومة حماس كحكومة أمر واقع ولسنا في وارد محاربتها لأننا نؤمن بان أية مواجهة ساخنة مع حركة حماس وحكومته سيصب في صالح إسرائيل ،ولكن على حركة حماس أن تحدد قواعد اللعبة السياسية التي تريدنا أن نتعامل على أساسها،فإن كانت حركة مقاومة فلتطلق يد المقاومين والمجاهدين ليقوموا بحقهم بمحاربة إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة كما كانت تفعل قبل أن تتحول لحكومة وسلطة- مع التأكيد بأننا كنا وما زلنا معارضين للمقاومة الفصائلية بدون إستراتيجية وطنية شمولية للمقاومة-، ،وإن قالت إنها ملتزمة بهدنة مع إسرائيل وبالتالي ملزمة بوقف (الاعتداء) على إسرائيل،وأنها في مرحلة بناء الدولة اعتمادا على الشرعية الدستورية والديمقراطية فعليها الالتزام باستحقاقات الديمقراطية وخصوصا حق المعارضة بحرية الرأي والتعبير السياسي.لا يجوز لحركة حماس الكيل بمكيالين أو التحدث بخطابين،تارة تقول بأنها حركة مقاومة وشرعيتها مستمدة من المقاومة وبالتالي لا يجوز نقدها لأن نقدها يعتبر نقدا للمقاومة،وتارة أخرى ،وخصوصا عندما تخاطب العالم الخارجي،تقول بأنها حكومة وحركة ديمقراطية تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات.
تطبيع يا محسنين
بقلم: عطا مناع عن وكالة سما
هي ليست جولة جديدة من تعرية رواد التطبيع على اعتبار أن الضرب في الميت حرام، لكنها محاولة لإسقاط ورقة التوب التي تراكمت عليها القذارة جراء وقاحة الخطاب الذي تنطبق علية مقولة ان لم تستح فأفعل ما شئت، ولكن المتابع لثقافة التطبيع يرى أنها كما الفيروس يضرب في كل الاتجاهات بحيث لا يعد مجالاً لاستخدام المشرط.
شريحة لا بأس بها من الفلسطينيين والعرب ضد التطبيع مع دولة الاحتلال والمؤسسات الغربية التي تخدم مصالح هذا الكيان، وبالرغم من مصداقية الشعار المناهض للتطبيع إلا أنة أصبح عتيقاً وغير مجدي من حيث الأداء المتمترس خلف الثقافة الوطنية التاريخية التي تأثرت بالفيروس وانقسمت على نفسها لدرجة أن أصحاب التطبيع باتوا كما الرويبضة يخطبون في الناس الذين يعيشون حالة من الإرباك قانون السوق التطبيعي الثقافي والاقتصادي الذي وضع كل ما هو فلسطيني وعربي في ميزان الناتو ودولة الكيان.
دعونا نتفق أن الفيروس انتشر بشكل ملفت، فها هو القرضاوي يستعين بالناتو لضرب سوريا، وها هي فتاوى العهر تتساقط علينا تحلل الدعارة والفساد الأخلاقي باسم الدين، وما فتوى نكاح الجهاد إلا غيض من فيض للتوجه الجديد الذي يخطط له مفكروا الامبريالية العالمية وجهابذة الماسونية بهدف خلط الأوراق وحلال ثقافة القبور مكان الثقافة القومية والوطنية .
إن محاولة إحلال ثقافة القبور التي هي نتاج لغياب البعد الوطني والقومي لها تداعيات على الأداء الشعبي العربي الذي قبل لنفسه أن يجلس على المدرج ويتابع عملية"الذبح الحلال" في سوريا وفلسطين، ولذلك لن نستغرب حالة التراجع والهبوط في الأداء الميداني الذي يصل لحد الاختلاف والتناقض بخصوص أبجديات وطنية، فعلى سبيل المثال هل نحن مع ضرب دولة الكيان لسوريا؟؟؟؟؟ بمعزل عن ما تمخض عن القرضاوي فالشارع العربي منقسم على نفسه رغم أن الحقائق تتوضح يوماً بعد يوم، وهل قمع حركة حماس للوقفة التضامنية مع سوريا مجرد سحابة صيف أم هي نتاج صفقة حمساوية أمريكية قادها عراب الناتو أمير قطر مع خالد مشعل بحضور الدكتور عزمي بشارة.
إذا أدركنا أن ثقافة التطبيع المنطلقة من فلسطين اقتحمت البعد الوطني والسياسي لتخترق النخب العابرة للقارات كالصحفيين والكتاب وأصحاب المؤسسات حينها ندرك أن قضيتنا مستهدفة من الداخل، هذا الاستهداف يمس الطبقات الشعبية التي استغلت من قبل أشخاص كان لهم دوراً وطنياً ومكانة محترمة لدى الفصائل الفلسطينية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وبالتأكيد استغل هؤلاء "تاريخهم" في عملية استقطاب الشباب وخاصة أن المغريات كثيرة.
إن التكالب الواضح من السواد الأعظم من المؤسسات التي يسيطر عليها أنصاف المثقفين الذين فقدوا كونهم مثقفين وطنيين وباتوا ينادوا بثقافة مسطحة لا شأن لها بالواقع المعاش والتفاعل مع القضايا الوطنية كقضية الأسرى والإضرابات الفردية للأسير سامر العيساوي ورفاقه حيث اتضح بما لا يفتح المجال للشك أنهم أداروا الظهر وعن قصد للمزاج الشعبي المنحاز لقضية الأسرى في سجون الاحتلال.
إذن الاستهداف واضح، ألا وهي الثقافة الوطنية التي تعزز الانتماء والانحياز للمصالح الوطنية الكبرى بعيداً عن الحزبية والاستقطاب الذي بعبر عن نفسه فلسطينياً بالانقسام الفلسطيني وعربياً بالاستقطاب الأمريكي السافر لبعض النخب وبالتحديد مشايخ الأنظمة والأحزاب الإسلامية التي وضعت نصب عينيها هدف الوصول للسلطة بصرف النظر عن الاستحقاقات المترتبة على تحالفها الغير مقدس مع الغرب.
من المهم أن نعترف أننا وصلنا للقاع في الكثير من الجوانب الثقافية، ومن المهم أن نعترف أن جرذان التطبيع بات لهم أسنان هدفها امتصاص الوعي الوطني لدى الشباب، وإذا اقتنعنا بهذه الحقيقة نستطيع كمناهضين للتطبيع أن نواجهه هذا الخطر بعيداً عن التقليد والبرامج الموسمية التي تنتظر دعماً مالياً من هنا وهناك، وهذه مشكلة تواجه المناهضين للتطبيع الذي طغى على أدائهم العمل المكتبي البيروقراطي الذي عجز عن مراكمة الفعل الهادف الذي يعتمد البوصلة الحقيقية للوصول للهدف المطلوب.
في ظل أن الشعار السائد في هذه المرحلة" تطبيع يا محسنين" ، وفي ظل أن العمل المؤسسي التطبيعي والنصف تطبيعي يطبخ في الخارج لا بد من نهضة ثقافية حقيقية تعتمد الكيف باتجاه الكم، نهضة تعتمد ثقافة فضح المطبعين بالصوت والصورة والكلمة دون الخوف من النتائج، نهضة تعتمد الثقافة المنحازة لشعبنا الفلسطيني وقضيتنا تطرح الأسئلة المحرمة في هذه المرحلة التي تشكل سياج لهولاء.
السؤال: هل الظروف مواتية؟؟؟؟ نعم دائماً الظروف مواتية للإبقاء على النار المقدسة التي تحمي هويتنا الوطنية من هؤلاء، والظروف مواتية لفضحهم رغم أن بعضهم وصل لدرجة من الوقاحة للإعلان عن نفسه، لكن البعض الآخر لا زال يمارس سياسة الرقص على الحبال، وقد يكون من المهم الفرز لان الفرز الثقافي سيكون بالتأكيد لصالح الطبقات الشعبية التي لها وجهة نظر تتمثل في أنها تحتقر من يفرط ويبيع.
أيار النكبة... وأيار الانتصار
بقلم: معن بشور عن وكالـــpnnـــة
كان شهر أيار قبل عام 2000 شهراً ثقيلاً ومثقلاً بالخيبات والإحساس بالإحباط والهوان اللذين رافقا مشاعر الأمة كلها منذ نكبة فلسطين في 15 أيار 1948.
لكن تحرير أغلب الأرض اللبنانية المحتلة في 25 أيار 2000، وصور الجنود الصهاينة يهرولون جزعين مع عملائهم، وتدفق أبناء القرى الحدودية المحتلة إلى قراهم وقد حرموا منها أكثر من 22 سنة، حرك في الوجدان اللبناني والعربي والإسلامي والأممي أحساساً بالقوة وشعوراً بالاعتزاز، هما أكثر ما يخيف اليوم أعداء أمتنا فيسعون بمختلف الوسائل إلى الإجهاز عليهما، بل هما إحساس وشعور أطلقهما يوماً جمال عبد الناصر في الأمة والعالم فجن جنون أعدائنا وبقوا يطاردونه كقائد في حياته وكرمز في مماته.
لقد عرفت الأمة، دون شك، على مدى النصف الثاني من القرن الماضي انتصارات باهرة عدة، لكن العدو وحلفاءه كانوا في كل مرة ينجحون بالإجهاز السريع على هذه الانتصارات وتحويلها إلى نكسات أو حتى هزائم، ويحولون أفراحها إلى كوابيس ومآتم، مما كان يزيد الإحباط إحباطاً والهوان هواناً...
إلا في أيار 2000، فلقد أحس العدو بالعجز عن الثأر من هذا الانتصار، الذي قيل فيه الكثير، والذي هو في الأساس ثمرة تراكم طويل من المقاومة بكل مشاربها، والتضحيات بكل أنواعها.
حاول العدو أن يربك الساحة الداخلية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، والعدو الصهيوني أصلاً هو احد المتهمين المحتملين بتلك الجريمة النكراء، فأسقطت حكمة المقاومة وحلفاءها محاولاته تلك.
وحاول في حربه العدوانية عام 2006 أن يدمر المقاومة وبيئتها الحاضنة، فتحول العدوان إلى هزيمة جديدة للعدو، وتحولت المعركة إلى فرصة جديدة لتعزيز الثقة بالنفس وبإمكانية الانتصار وقد تجلًى ذلك بوضوح أيضاً عبر تنامي القدرة على انتصار المقاومة العراقية على الاحتلال الأمريكي، وانتصار المقاومة الفلسطينية في مواجهة الحربين على غزة.
ولاحظ العدو إن "عدوى" المقاومة تنتشر من بلد إلى آخر، فكانت أول ثمار التفاعل مع تحرير الجنوب اللبناني هو انتفاضة الأقصى المباركة بعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال في 28/9/2000، وبات ممكناً بعد ثلاث سنوات أن يمتد لهيب المقاومة إلى العراق بعد احتلاله... فما كان ممكناً تحقيقه في لبنان من دحر للاحتلال لماذا لا يمكن تحقيقه في العراق... وإذا كان ممكنا لرجال المقاومة في لبنان أن يعيدوا الاعتبار لموازين الإرادات في مواجهة موازين القوى، فلما لا يحقق رجال المقاومة العراقية البواسل الأهداف ذاتها، بل لماذا لا يحقق رجال المقاومة الفلسطينية، وهم الرواد في نهج المقاومة، الانتصار ذاته، في دحر الاحتلال عن غزة عام 2006، وفي مواجهة العدوان بعد ذلك.
وبقدر ما استشعر الصهاينة وحلفاؤهم خطورة انتشار "عدوى" المقاومة القادرة والمنتصرة إلى ساحات محتلة أخرى، شعرت أيضاً الأنظمة المحتلة الإرادة والقرار من مخاطر هذه "العدوى" إذا ما وصلت إلى شعوبهم فأسرعت تكسر حاجز الخوف من حكامها بعد أن تهاوى حاجز الخوف من عدو مدجج بأخطر أنواع الأسلحة على يد المقاومين العرب.
لذلك قام حلف بين كل الخائفين من كسر الشعوب حاجز الخوف من أنظمة القمع والاستبداد، وتعاون هؤلاء الخائفون داخل الأمة وخارجها على التناوب في النيل من المقاومة، فكراً ونهجاً وخياراً وسلاحاً ورجالاً وقادة وسعوا إلى تحطميها بشتى الوسائل المادية والمعنوية، السياسية والعسكرية، الإعلامية والاقتصادية.
لقد اسقط المقاومون تفوق القلعة الحامية لهم في فلسطين المحتلة، ومشاريع أسيادهم المتربصة بوحدة الأمة ومواردها وأمنها القومي، ولم يعد بيدهم حيلة إلاّ إشهار السلاح الأمضى والأفتك الذي طالما لوحوا باستخدامه وهو سلاح التحريض والتجييش الطائفي والمذهبي، الذي يحولونه اليوم إلى سلاح دمار شامل حقيقي.
طبعاً، علينا أن نعترف أن بعض أخطاء وخطايا رافقت الأداء السياسي وغير السياسي للمقاومة وحلفاءها قد سهل لهؤلاء محاولتهم الآثمة، لكن هذا لا يغيّر من حقيقة المشهد الأساسي وهو إن هناك عدواً يتراجع، وان هناك شعباً مقاوماً ومنتفضاًَ يتقدم.
وأي تحليل موضوعي أو منصف لا بد أن يعتبر أن ربيع العرب الحقيقي إنما بدأ مع الانتصار اللبناني في أيار 2000، ثم مع الانتفاضة الفلسطينية في أيلول 2000، ومع المقاومة العراقية في نيسان 2003، فلقد سقط جدار الخوف الأمنع، واهتزت قلعة الاغتصاب، كما ارتبك أساطين الاحتلال وارتجف من سار في مشروعهم من حكام المنطقة، فتخلّوا عن البعض منهم وقد بات عبئاً ثقيلاً، وانخرطوا مع البعض الآخر للثأر من الظاهرة التاريخية المعاصرة وهي ظاهرة المقاومة.
لن ننزلق في يوم تاريخي، كاليوم الذي نعيشه، إلى متاهات جدل دائر هذه الأيام، ومعزز بكل أسباب التوتر والتحريض، ولن نندفع إلى تجاهل مراجعة مطلوبة من كل قوى المقاومة في المنطقة، مراجعة تغلق كل الثغرات في بنانا وعلاقاتنا الداخلية من اجل مواجهة أفعل لكل المخططات الخارجية، بل سنقول في يوم انتصار المقاومة: أمتنا لن تضيع البوصلة حتى ولو غطى الطريق طبقات من الضباب.


رد مع اقتباس