اقلام واراء عربي 427
18/6/2013
في هذا الملف
- رأي القدس: حماس وايران وحزب الله
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
- الفلسطينيون بحاجة إلى حديث قوي من أوروبا
بقلم: ديفيد ماكوفسكي عن الشرق الأوسط
- عن محمد عساف الفتى الذي كسر الجرّة
بقلم: راسم المدهون عن الحياة اللندنية
- أمن واستقرار «عربي» بأدوات.. إسرائيلية!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
- في دفاتر ما بعد النكسة
بقلم: يوسف مكي عن الخليج الاماراتية
- اللوبي من أجل “أرض إسرائيل”
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
- مرشّح الإسلاميين!
بقلم: قادة بن عمار عن الشروق الجزائرية
- مفاجآت الانتخابات الإيرانية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
- تعاظم الدور الروسي في الشرق الأوسط يرغم إسرائيل على تنسيق المواقف مع موسكو
بقلم: رندى حيدر عن النهار البيروتية
- إسرائيل تحمي ظهر حزب الله والنظام السوري
بقلم: علي حسين باكير عن العرب القطرية
- أقنعة الديمقراطية التركية
بقلم: عدي حسن مزعل عن الصباح العراقية
- أيادي التدمير في العالم العربي!!
بقلم: سلطان عبد العزيز العنقري عن المدينة السعودية
رأي القدس: حماس وايران وحزب الله
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
تعيش حركة المقاومة الاسلامية ‘حماس′ مأزقا حرجا هذه الايام يفرض عليها ان تقدم على خيارات صعبة للغاية قد تخلق لها الكثير من المتاعب التي هي في غنى عنها في ظل حصار اسرائيلي خانق وازمة مالية متفاقمة.
الحرب السورية المتأججة منذ اكثر من عامين وشهرين هي سبب هذا المأزق، لان حركة ‘حماس′ كانت تعيش وضعا اقرب الى المثالية قبلها، حيث كانت تتمتع بوضع خاص في وسط محور الممانعة، وتستفيد من دعمه ومساندته ماليا وعسكريا وسياسيا، لكن انفجار الانتفاضة الشعبية المطالبة بالاصلاحات واحترام حقوق الانسان فرض على قيادة الحركة ان تختار احد معسكرين، فاما الوقوف في صف النظام، والبقاء تحت مظلته، واما الوقوف في خندق المعارضة ومن ثم الرحيل.
قيادة حركة حماس بزعامة السيد خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي فضلت الرحيل من دمشق، والانضمام الى المعسكر الاصولي السني، متماهية مع رموز هذه مثل الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار العلماء، وحركة الاخوان المسلمين.
كان واضحا ان هذه القيادة راهنت على احتمال سقوط النظام السوري في غضون اسابيع، او اشهر معدودة اسوة بما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، لكن صموده لاكثر من عامين فاجأها، مثلما فاجأ العديد من الانظمة العربية والغربية على حد سواء.
انحياز حماس الى ‘المعسكر السني’، الذي تقوده دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا ادى الى انهيار علاقاتها مع المحور السوري الايراني مصدر الدعم المالي والعسكري الاساسي لها على مدى السنوات العشرين الماضية على الاقل، وتدهور علاقاتها التحالفية الاستراتيجية مع ‘حزب الله’ الذي شكل مظلة اساسية لها في لبنان، بل داخل قطاع غزة، ووفر لها التدريب والسلاح.
معركة القصير الاخيرة التي انتصر فيها الجيش السوري بمساعدة اساسية من مقاتلين تابعين لحزب الله، جعل حركة ‘حماس′ تخرج عن صمتها ونهجها الدبلوماسي في عدم الاساءة لحلفائها القدامى، وانعكس ذلك بجلاء في البيان الذي اصدرته قيادتها يوم امس، وانتقدت فيه بشدة تدخل حزب الله في سورية، ومشاركته في القتال في مدينة القصير وطالبته بسحب قواته على الفور من الاراضي السورية.
ولعل النقطة الابرز في هذا البيان اعتبار حماس تدخل حزب الله في معركة القصير اسهاما في زيادة الاستقطاب الطائفي في المنطقة، وهي نقطة مثيرة للجدل علاوة على كونها ستزيد من غضب حلفائها القدامى الذين سيقولون انهم عندما احتضنوها، وهي السنّية البحتة لم ينطلقوا من منطلقات او اعتبارات طائفية.
اللافت ان بيان حركة ‘حماس′ الذي صيغ بعناية فائقة تزامن مع تزعم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار العلماء المسلمين اجتماعا انعقد في القاهرة، وضم مجموعة من العلماء السنة في مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي، وطالب في بيانه الختامي باعلان الجهاد في سورية لاسقاط النظام الحاكم. مثلما تزامن ايضا مع اعلان حركة الاخوان المسلمين في مصر دعم هذا الجهاد، واقدام الرئيس محمد مرسي على قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري واغلاق سفارته في القاهرة وسحب القائم بالاعمال المصري من دمشق.
من الواضح ان حركة حماس حسمت امرها بالكامل وقررت قطع كل علاقاتها مع حلفائها القدامى والانضمام الى معسكر ‘الاعتدال’ العربي، وهو معسكر قريب لامريكا، وكل محاولاتها لنفي اي تحالف مع امريكا ستقابل بالشكوك بالتالي حتى وان كان هذا النفي صحيحا. فاعداؤها كثيرون يتصيدون اخطاءها.
حركة حماس استمدت الكثير من مصادر قوتها وازدياد شعبيتها من كونها تقف في معسكر المقاومة والممانعة، بينما تقف السلطة الفلسطينية خصمها التقليدي في المعسكر الامريكي ويبدو ان هذا التمايز بدأ يتآكل حاليا، وبات طرفا المعادلة الفلسطينية في حضن معسكر الاعتدال العربي، الذي يحظى برعاية امريكا ودعمها.
الفلسطينيون بحاجة إلى حديث قوي من أوروبا
بقلم: ديفيد ماكوفسكي عن الشرق الأوسط
ما من شك في أن الإعلان النهائي الذي سيصدر عن اجتماع قمة مجموعة الثماني في آيرلندا الشمالية الذي سينعقد الأسبوع الحالي، سيتضمن الحديث عن قضية السلام في الشرق الأوسط، وربما يكون داعما لمساعي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لإحياء مفاوضات السلام. على أي حال، سوف يذهب أي تصريح طي النسيان بمجرد انتهاء القمة. لكن رغم ذلك، تستطيع أوروبا أن تساعد كيري في مساعيه.
يجدر بنا أن نتذكر أنه قبل انعقاد قمة مجموعة الثماني مباشرة قبل عامين، ألقى الرئيس الأميركي أوباما خطابا بارزا حول الشرق الأوسط، تضمن تعبيرا مهما وهو الحب القاسي. فقال رئيس الولايات المتحدة، الراعية التقليدية لإسرائيل، إن الأساس للمفاوضات المتعلقة بالأراضي يجب أن يتضمن تبادل أراض على أساس الحدود التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967 - الدعوة كررها وفد الجامعة العربية العام الحالي.
ونظرا لأن الخطاب حدد شروط تبادل الأراضي للوصول إلى اتفاق سلام، لذا لم يلقَ خطاب أوباما قبولا لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهو ذاته ما حدث في الولايات المتحدة، حيث وجه ميت رومني، أحد زعماء الحزب الجمهوري، اتهامات إلى أوباما بأنه «يحاول التضحية بإسرائيل»، وإلى جانب ذلك لم يلق الخطاب دعما من الديمقراطيين أيضا.
وقد حاز أوباما استحسانا أوليا من الأوروبيين، ثم أعقب ذلك فترة من الصمت. وللأسف، لم تدعم «اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط» - الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة - خطاب الرئيس الأميركي بشكل كاف. وبعد مسودات كثيرة في صيف 2011، ساعدت موسكو في منع إصدار أي تصريح من قبل «اللجنة الرباعية» لتوجيه الدعم للخطاب نظرا لبعض جوانبه التي شعرت بأنها لا تلقى القبول والاستحسان الكافيين من الفلسطينيين.
ولم يشهد موقف «اللجنة الرباعية» أي تحسن على الإطلاق. ولم تعد هذه اللجنة قوة دبلوماسية، رغم أن مبعوثها الخاص، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، قد شارك في إجراءات اقتصادية وحوكمة مواتية لدعم الفلسطينيين.
لقد آن الأوان لإصدار خطاب أوروبي موحد، يكون مضاهيا لخطاب أوباما. ولو قال الرئيس الأميركي للإسرائيليين أشياء لا يرغبون في سماعها، فعلى الاتحاد الأوروبي، الراعي التقليدي للفلسطينيين، أن يخبر الفلسطينيين بما يحتاجون إلى سماعه. ومن شأن هذا الخطاب أن يمنح كيري فرصة للنجاح، بيد أن ذلك لا يعد ضمانة له. كما أن خطابا كهذا سيعلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لا يملك شيكا على بياض من أوروبا، فلصبر الاتحاد الأوروبي مع الفلسطينيين حدوده. كما سيخبر الإسرائيليين بأن الباب ليس موصدا أمامهم على الساحة الدولية.
يصعب على الأوروبيين القول بأن الفلسطينيين استنفدوا خيارات التفاوض، نظرا لأن محمود عباس كان قد وافق على إجراء مباحثات لمدة ثلاثة أسابيع فقط خلال السنوات الأربع الماضية، ونظرا لأنه كان قد جرى تقديم عرض إسرائيلي في سبتمبر (أيلول) 2008 من قبل رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، إيهود أولمرت، ولكنه لم يتلق أي رد.
وبطبيعة الحال، فإن نتنياهو ليس بعيدا عن نطاق اللوم. فلننظر إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية. لكن مسار التفاوض لم يتعرض للاختبار خلال سنوات كثيرة، رغم الأسطورة التي تزعم عكس ذلك. وباستثناء عام 2008، كان الطرفان قد اتفقا على إجراء مباحثات حول الوضع النهائي أو القضايا الجوهرية مرة واحدة أخرى فقط - في عامي 1999 و2000، خلال السنوات الأخيرة لفترة رئاسة بيل كلينتون في البيت الأبيض.
ومن أجل منح مباحثات السلام في الشرق الأوسط فرصة جديدة، فيما يلي بعض النقاط التي ينبغي أن يتضمنها الخطاب الأوروبي:
* الطريق الوحيد لتحقيق إقامة دولة فلسطينية هو من خلال إجراء مباحثات مباشرة وغير مشروطة مع إسرائيل. وقد تضمن خطاب مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي الكثير من ذلك في إعلان دبلوماسي، لكن الخطاب لم ينقل إلى الفلسطينيين مباشرة. وسوف تؤيد الأمم المتحدة عن طيب خاطر إقامة دولة فلسطينية، إلا أن مجلس الأمن الدولي كان قد حال دون ذلك في الماضي، والانضمام إلى «اليونيسكو» لن يرفع السيطرة الإسرائيلية عن الضفة الغربية. يتعين على الفلسطينيين إعطاء فرصة لتجربة التفاوض. فالطريق إلى إقامة الدولة يمر عبر السلام.
* لكل من اليهود والعرب روابط تاريخية بالأرض، ومن ثم يجب مشاركتها بينهم.
* يستطيع أي لاجئ فلسطيني أن يذهب إلى دولة فلسطين الجديدة، ولكن ليس إلى فلسطين وإسرائيل.
* إسرائيل لا تخطئ بإصرارها على اتخاذ ترتيبات أمنية صارمة. إن الأمن ليس أمرا مساعدا لأي اتفاق. فمثلما يحتاج العالم إلى التعاطف مع محنة الفلسطينيين، ينبغي لنا كذلك أن ننظر إلى المسائل الأمنية من خلال أعين إسرائيل. فعلى الحدود بين مصر وغزة، يتم استخدام الأنفاق لتهريب الصواريخ إلى غزة التي أمطرت بها المدن الإسرائيلية بشكل متكرر ومن دون تمييز. وليس هناك شك في أن بعض جوانب قرار مجلس الأمن رقم 1701 التي تدعو إلى فرض حظر على إرسال الأسلحة إلى حزب الله بعد حرب لبنان عام 2006 لم تنفذ على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، لا يمكن لمراقبي حفظ السلام الدوليين أن يكونوا الأساس الوحيد للأمن - كما يتضح من القرار الذي اتخذته النمسا مؤخرا بالانسحاب من قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك المتمركزة بين القوات السورية والإسرائيلية.
وخلال المحادثات غير الرسمية، يتفق الكثير من الدبلوماسيين الأوروبيين على الكثير من هذه النقاط. لكن أيا من القادة الأوروبيين لم يظهر شجاعة أوباما في دعم تلك النقاط علانية. وربما يكون الوقت قد حان لكي يوقف الأوروبيون الشكوى بشأن غياب النجاح الأميركي في الشرق الأوسط. فهوية المرسل ليست بالأمر المهم، ما يهم هو ضرورة أن تكون هناك رسالة موحدة.
تستطيع أوروبا أن تحدث تأثيرا. لقد أخبر الرئيس أوباما الإسرائيليين بأنه يجب ألا يخالجهم أي شك بشأن الثمن الإقليمي الذي يتعين دفعه لإنهاء الصراع. وعلى الأوروبيين، وهم ليسوا أقل دعما للفلسطينيين من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، فعل الشيء ذاته مع الفلسطينيين. على الأوروبيين أن يخبروهم بأن دعم الاتحاد الأوروبي لن يكون من دون قيد أو شرط بعد اليوم.
إن القيادة ليست إخبار المرء أصدقاءه بما يرغبون في سماعه، بل فيما يحتاجون سماعه. وتحتاج أوروبا إلى الرد بالمثل على خطاب أوباما - أي خطاب آخر مشابه يأتي من جانبها.
عن محمد عساف الفتى الذي كسر الجرّة
بقلم: راسم المدهون عن الحياة اللندنية
تباين مواقف القوى السياسية ومعها النخبة من مشاركة وصعود الفنان الفلسطيني الشاب محمد عساف في برنامج المسابقات الغنائي «أراب آيدل» كان ولا يزال لافتاً، ولا نغالي حين نقول إنه تجاوز منطق المناكفات السياسية المعهودة خصوصاً بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس. مع محمد عساف، أعتقد أن المنطق والرؤى السياسية برمّتها قد وجدت ضالتها للتعبير عن اختلافها وتمايزها وإن في مساحة «ملتبسة»، أو لنقل إنها مساحة ليست سياسية «تماماً» كما جرت العادة.
في موروث ما بعد نكبة العام 1948، لا مكان لفن الغناء في الرزنامة الوطنية ولو طرب الشعب كشعب أو أفراده كأفراد، فالحال المأسوية التي عاشها الشعب منذ ذلك التاريخ فرضت على الجميع حالة من «الحداد» الجماعي، التي لا يليق بها أي انتهاك يقوم به مطرب ما في العلن، ونعني بالعلن هنا ظهور من يحترف فن الغناء بهويته الفلسطينية الواضحة والصريحة.
هو سياق اجتماعي يبدو اليوم انه، مع كل غرابته وخروجه عن المنطق، قد وجد فرصته الكبرى الأخيرة في بعث تمظهره على نحو بارز في صفوف المجتمع الفلسطيني ومنه النخبة السياسية والثقافية بدرجة أقل في الموقف من محمد عساف، الفتى القادم الى برنامج مسابقات غنائي من قطاع غزة بالذات، أي من «مملكة» الممنوعات والمحرّمات. فالسلطة الحاكمة هناك تأخذ على عاتقها ضبط حركة المجتمع أخلاقياً على نحو تبيح معه لنفسها أن تعتبر أن محمد عساف واستخدام الشباب لمعجون «الجل» لشعرهم وارتداء السروال الساحل بمثابة ثالوث بغيض تصفه تلك السلطة بأنه ساهم ويساهم في «تخفيض منسوب الرجولة» في المجتمع الفلسطيني، الذي لا تراه تلك السلطة مجتمعاً بالمعنى السوسيولوجي المتعارف عليه منذ ابن خلدون، ولكن كمجاميع من المقاومين حتى ولو لم تكن هناك مقاومة بالمعنى الواقعي للكلمة.
لا أظن أن محمد عساف موجة أو مجرّد ظاهرة. فهو بمشاركته اللافتة رفع الغطاء عن قدر كان ولا يزال يغلي بنار الموروث السياسي – الاجتماعي الذي يجد نفسه اليوم غير قادر على إعادة إنتاج فاعليته على النحو الذي عاشه منذ النكبة الكبرى.
ولكي تكتمل عناصر الاختلاف وأسبابه من حول الفنان الشاب، سيعود «أصحاب الأمر» إلى سيرة عساف، التي تسعفهم بمعلومة ليست قليلة المغزى. فالفتى الغزّي أطلق قبل سنوات، أي في مرحلة الدراسة الثانوية، أغنية لا تزال تبث على الشاشة الصغيرة من خلال تلفزيون فلسطين، عنوانها وكلماتها «علّي الكوفية علّي»، على ما في كلمات كهذه من تغنٍ واضح لا يخفى على أولئك وجمهورهم ونخبتهم أن يعرفوا ببساطة من هو صاحب الكوفية الأشهر في الساحة السياسية الفلسطينية.
هكذا اختزلت تجربة مشاركة الفنان الشاب في برنامج المسابقات الغنائي الأشهر صراعات وأيديولوجيات وخلافات سياسية ليست عابرة ولا ثانوية، وإن بدت تتموضع خارج حيزها المألوف الذي اعتادت أن تلعب على مسرحه: محمد عساف صوره تنتشر في الشوارع والسيارات، أي أنه بمعنى ما نجم اللحظة إن لم نقل نجم المرحلة، التي لم تعتد الساحة أن يكون نجومها من خارج صفوف المقاومين تحديداً، بغض النظر عن اختلاف مفاهيمنا للمقاومة معنىً وممارسةً، وبالطبع اختلاف أشكالها وممارساتها في الواقع، وهو ما استدعى أن تتحرك وزارة داخلية الحكومة المقالة لنزع الصور من السيارات وواجهات البيوت.
«الأنكى» من ذلك كلّه أن الفنان الشاب «كسر الجرّة» تماماً، فهو لم يكتف بالمشاركة والغناء في «أراب آيدول»، بل ذهب في ذلك بعيداً إذ تجاوز الغناء الوحيد المتخيل في أذهان البعض، أعني الغناء الوطني الذي يمكن «تسويغه» باعتباره نوعاً من «الأناشيد»، وغنى أغنيات عاطفية ذات طابع طربي خالص، أي أنه تعامل مع الأمر وكأنه ليس من بلاد محتلّة، بل قدّم هويته الفلسطينية في صورة طبيعية «تشبه» باقي الهويات العربية الأخرى من دون أن يرف له جفن!
لا أعرف محمد عساف ولا إبن من هو، وإن عرفت أنه جاء من خان يونس، مدينتي التي لجأت إليها عائلتي عام 1948 وعشت فيها قسطاً لا ينسى من عمري، والتي أعرف كم هي مزدحمة بالفقراء و «العاديين» من اللاجئين ومن غير اللاجئين، وكلُهم بشر لا يختلفون في إحساسهم بالطرب وشوقهم للتعبير عن مشاعرهم الإنسانية التي تحتجزها الأيديولوجيات المتنافضة عبثاً في حيز الماضي الضيق.
لا أجد في وصف الحالة التي خلقتها مشاركة عساف في البرنامج أبلغ من حالة الحرج التي واجهها أحد الناطقين الرسميين باسم حكومة حركة حماس في غزة عند سؤاله بهروبه من الأمر كله والاكتفاء بالقول: «إن محمد عساف من عائلة محترمة».
أمن واستقرار «عربي» بأدوات.. إسرائيلية!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
ليس في الامر مبالغة أو محاولة لترويج شائعات او غمز من قناة دول عربية لا يتردد قادتها وَمَنْ يدّعون السهر على امن البلاد والعباد، من التبجح واستخدام المصطلحات العنترية (فارغة المضمون في واقع الحال) عن السيادة والقرار الوطني المستقل وغيرها من المفردات المغسولة التي اظهرت وقائع العقود الماضية وعلى أكثر من صعيد انها دول هشة، لا تصمد أمام امتحان الحرب, ما بالك امام اسئلة الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والشفافية وتكافؤ الفرص واستغلال القضاء واحترام مبدأ المواطنة في تداول السلطة سلمياً..
أمْنُ بعض هذه الدول يتم بأدوات اسرائيلية ومنظومات حرب الكترونية وشاشات علوية لقمرة الطيار الذي يقود طائرة حربية, هذا ما كشف عنه تقرير بريطاني تم نشره على شبكة الانترنت ويصدر بشكل دوري عن (دائرة الاعمال, التجديد والاهلية) التابعة للحكومة البريطانية التي تشرف على الصادرات الأمنية وتُعَدِدُ «الاذونات» التي اعطيت أو رفضت لشراء اسلحة, سواء كانت اعتدة عسكرية أو مكونات مدنية، تخضع للرقابة لأنه بالوسع توجيهها للاستخدام العسكري..
النص موجود على شبكة الانترنت واسماء الدول – ومعظمها لا يقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل باستثناء مصر – في ضمن التقرير الذي سارعت صحيفة هآرتس الاسرائيلية الى نشر مضمونه والاضاءة عليه بل إن احد كُتّابها، كتب منتقداً تجارة السلاح الاسرائيلي غامزاً «.. بأن اسرائيل الصغيرة هي من اكبر مُصدّرات السلاح في العالم»..
ليست مؤامرة او محاولة من العدو (هل تعترف معظم الانظمة بأن اسرائيل دولة عدو؟).. لإحراج تلك الانظمة التي لا يزال بعضها (نقول بعضها) يرطن بالشعارات القومية ويهزج بها على المنابر وفي الاحتفالات «الموسيقية» الصاخبة، لكن على ارض الواقع ثمة «حرارة» آخذة في الارتفاع والسخونة ومنذ سنوات طويلة (بالمناسبة التقرير الذي نشرته هاآرتس يتحدث عن سنوات خمس تمتد بين الاعوام 2008-2012) على نحو لم يعد مفاجئا ان نلحظ تراجع اهتمام النظام العربي (ايام مبارك وغير مبارك خصوصاً ايام ما بعد الربيع العربي)، بالقضية الفلسطينية، وتمسك معظم هذه الانظمة بالشعار المزوّر بأن العرب «يقبلون بما يقبل به الفلسطينيون»، في الوقت الذي يمارسون فيه ضغطاً هائلاً على السلطة الفلسطينية التي هم رغم ذلك متساهلة ومتورطة حد التفريط، ومع ذلك ذهبوا الى واشنطن كي يقول لادارة باراك حسين اوباما في نسختها الثانية، وعبر رئيس دبلوماسيته الجديد جون كيري انهم «يقبلون» تبادلاً في «الاراضي» بين الفلسطينيين والاسرائيليين، أي انهم يطمسون على خريطة الطريق (ما غيرها) وبخاصة على الاساس الذي تنهض عليه ما توصف بمبادرة السلام العربية، وهي انسحاب اسرائيل «الكامل» الى حدود الرابع من حزيران 67، بما فيها القدس الشرقية (وهنا يكمن السر لمن لم يكتشفه بعد، وهو ان القدس زهرة المدائن وعروس العروبة، خاضعة للتفاوض والتبادل وهم «عرب اليوم» يدركون ان ما لم يهوّد من القدس بعد، هو شيء لا يذكر).
اين من هنا؟
دول عربية مغاربية واخرى شرقية على رأسها مصر، ابتاعت من اسرائيل انظمة حرب الكترونية، وانظمة رصد جوي وخوذات طيارين ومنظومات اتصال لطائرات عسكرية واعتدة توجيه عسكري ومكونات لطائرات من دون طيار، فهل يصدقن احد، ان هذه الدول «العربية» معنيّة بمحاربة اسرائيل، وهل الاخيرة التي تملك «سرّ سنمار» غافلة عن «هوية» من تُصدّر لهم هذه الانظمة كي «يطوروا» قدراتهم ويرفعوا من جهوزيتهم؟
ثم اذا كانت بريطانيا حريصة على ان لا تسمح لاسرائيل بتصدير أي اجهزة او أعتدة تدخل فيها مكونات بريطانية حفاظاً على اسرارها الحربية والعلمية، فضلاً عن رغبتها بالاطمئنان الى «هوية» من تُباع له هذه المنظومات والاعتدة (تماماً كما فعلت واشنطن في صفقة طائرات الفالكون الشهيرة للصين وحالت دون اتمامها ما اجبر تل ابيب على دفع 250 مليون دولار لبيجين جراء اخلالها بالشروط)؟ فهل يدرك أي عاقل عمق العلاقات التي باتت تربط اسرائيل بمعظم الدول العربية (ليس مهماً وجود السفارات من عدمه) والتي وجدت في الازمة السورية فرصة لحرف الانظار وتضليل الجمهور العربي وإبعاده عن مواصلة الدق على جدران انظمة الفساد والاستبداد والقمع والاضطهاد، التي لم تعد ترى في اسرائيل عدواً بل هي تبدي - ورهط وعاظ السلاطين ومن يوصفون بعلماء الدين – رغبة في تحويل الصراع الى حروب مذهبية وطائفية، على نحو يحيل فلسطين قضية وشعباً وهوية وارثاً حضارياً وتاريخياً الى اندلس جديدة، خصوصاً في عصر تيارات الاسلام السياسي يكون فيه اليهود اقل كفراً من الشيعة ما يستوجب اعلان الحرب عليهم واعلان الجهاد في سوريا ودائماً ليس قريباً من الجولان او حتى من حطين ان كانوا يتذكرونها بعد..
ومع ذلك يواصلون الرطانة على السيادة والامن والاستقرار واستقلال القرار الوطني، فيما اجهزتهم وادوات حفظ النظام لديهم، هي اسرائيلية الصنع لا تخفى فيها نجمة داود السداسية.
في دفاتر ما بعد النكسة
بقلم: يوسف مكي عن الخليج الاماراتية
ستة وأربعون عاماً، مرت على عدوان الكيان الصهيوني على الأمة العربية في الخامس من يونيو/حزيران عام 1967 . عدوان على مصر وسوريا والأردن، كانت نتائجه الأولية احتلال شبه جزيرة سيناء، من مصر ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية . لقد بدأت الحرب بشن الطيران “الإسرائيلي” هجمات مكثفة على المطارات المصرية وتمكن من تدميرها جميعاً، بما جعل القوات المصرية، المتواجدة في شرم الشيخ وبقية مناطق شبه جزيرة سيناء مكشوفة، أمام آلة الحرب الصهيونية . وقد دخل الأردن وسوريا الحرب، إلى جانب مصر، تنفيذاً لمعاهدة الدفاع المشترك، التي وقعها البلدان مع القيادة المصرية، قبل فترة وجيزة من إعلان الحرب .
ومنذ ذلك التاريخ، أصبح هذا اليوم المشؤوم ذكرى يستحضر فيها العرب الأسباب التي أدت إلى النكسة، على أمل أن يستلهموا من تلك التجربة الدروس والعبر . واقع الحال، أن تلك الحرب طوت صفحة من تاريخ الأمة وثقافتها، إلى مرحلة أخرى، اتسمت بالبراغماتية، وبما أطلق عليها مجازاً بالواقعية . وقد قضمت هذه الواقعية جل حقوقنا وكبريائنا وثوابتنا الوطنية والقومية، حتى لم يعد لدينا ما يمكن أن نتفاوض عليه .
لا يهدف هذا الحديث لمناقشة الذرائع المباشرة التي أدت إلى الهجوم “الإسرائيلي”، فتلك تفصيلات غدت متاحة، وما هو متاح من وثائق، يؤكد أن تدمير الجيوش العربية هو موقف استراتيجي صهيوني، وأن التخطيط لضرب القوة المصرية، وفقاً لمذكرات موسى شاريت رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، قد تم التخطيط له، مباشرة بعد العدوان الثلاثي عام 1956 . بل نناقش التحولات في الفكر السياسي العربي، تجاه الصراع العربي الصهيوني، التي حدثت بعد النكسة .
أدت نكسة الخامس من يونيو/حزيران إلى تغيرات كثيرة في الواقع العربي، لكن الأبرز بينها، هو احتلال الكيان الصهيوني لسيناء والقطاع والضفة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وتضخم المساحة التي يسيطر عليها إلى ثلاثة أضعاف المساحة، التي بحوزته حتى ما قبل الخامس من يونيو . ومعنى ذلك أن القيادات العربية التي فقدت أراضيها قد تغيرت نظرتها للصراع مع الصهاينة، من تعاطف مع أشقاء فلسطينيين، شردوا من أرضهم، واحتلت أوطانهم، وسلبت ممتلكاتهم، إلى حالة جديدة، أصبحت مهمتهم الرئيسة فيها هي استرجاع الأراضي التي احتلها الصهاينة، في يونيو . ذلك يعني بداهة، أن موقف دول المواجهة تحول من الحالة التضامنية، إلى الاستغراق الفعلي في الصراع . وما دامت الأرجحية هي لتحرير الأراضي العربية التي احتلت حديثاً، فإن ذلك يعني، في أحد نتائجه، تراجع الملف الفلسطيني إلى الخلف، لمصلحة إزالة آثار العدوان .
لكن اندلاع المقاومة الفلسطينية، بعد الحرب مباشرة، إثر سكوت المدافع العربية، أسهم في إبقاء جذوة القضية الفلسطينية حية، في ضمير الإنسان العربي . وجاءت معركة الكرامة في الأردن، لتضع قيادات المقاومة في مصاف صناع القرار العربي، ولتصبح منظمة التحرير الفلسطينية شريكاً أساسياً للقيادات العربية في المواضيع المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني .
مفهوم الشراكة هذا، يعني أن منظمة التحرير تمارس دور الدولة، مع غياب مفاهيم السيادة والاستقلال . وقد أسهم ذلك في ترصين الموقف الفلسطيني، ونقله من الحالة الثورية إلى حالة الشراكة السياسية مع القيادات العربية . واتضح ذلك بجلاء بعد قرار القمة العربية، في الرباط منتصف السبعينات، بمنح منظمة التحرير الفلسطينية وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج .
هذا يعني أن قيادة المنظمة غدت جزءاً من النظام العربي الرسمي، وتحديداً دول المواجهة . ولأن الأوراق التي بيدها ليست من القوة، بحيث تضاهي ما لدى القيادات في مصر وسوريا والأردن، فإن من غير المتوقع، أن تكون قادرة على وضع القضية الفلسطينية في قائمة أولويات القادة العرب، بينما هم يسعون لتحرير أراضيهم التي احتلها الصهاينة .
الحقيقة الأخرى، التحولات التي نتجت عن النكسة، هي خضوع أجزاء جديدة من الأراضي الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، هي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكانتا تابعتين للأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية . لم يكن للمقاومة الفلسطينية تواجد في هذه الأراضي قبل حرب يونيو . وبعد الحرب، التزمت مصر والأردن بقرار مجلس الأمن رقم ،242 الذي يقضي بعدم جواز احتلال الأراضي العربية بالقوة المسلحة، ويطالب بإعادتها من خلال التفاوض السلمي، والحل السياسي، بعيداً عن اللجوء للقوة .
عوّل الفلسطينيون في الأراضي المحتلة حديثاً على جهود الملك حسين والرئيس عبدالناصر، في استعادة أراضيهم، بالحلول السياسية، ولم يجدوا مبرراً في الانخراط في العمل المسلح الذي تقوده المقاومة الفلسطينية، وقد بقيت هذه النظرة سائدة، حتى تبني القمة العربية قراراً باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني . والإشارة هنا واضحة، وتخص الأردن وحده الذي كان حتى تلك اللحظة يعدّ الضفة الغربية جزءاً من أراضيه . وهنا فقط أصبح لمنظمة التحرير دور معترف به في الضفة والقطاع، عبرت عنه حالة النهوض التي برزت في الضفة ابتداء من عام 1974 . وقد خلقت هذه الحالة حقائق جديدة في الصراع، لا تقل أهمية عن سابقاتها .
ركزت فصائل المقاومة منذ تأسيسها على المخيمات الفلسطينية في الشتات، لكن الأزمات العاصفة المتتالية للمقاومة في دول الطوق، جعلتها تهتم بالداخل . ومع حالة النهوض انتقل مركز الجاذبية في الصراع الفلسطيني من المخيمات خارج فلسطين إلى الضفة والقطاع .
أسهم هذا الانتقال في تأكيد مفهوم الشراكة، بين القيادات العربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأكد الانتقال من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي . وقد عززت إرادة الفلسطينيين في الضفة والقطاع من هذه الاستراتيجية . فهؤلاء الفلسطينيون معنيون مباشرة، برفع نير الاحتلال عن كاهلهم، وليس تحرير فلسطين من النهر إلى البحر . وقد هيأ ذلك للقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت عام ،1967 وليس على كل فلسطين .
تلك هي السطور الأولى التي دونتها السياسات العربية والفلسطينية في دفاتر ما بعد النكسة، لكن هناك سطور أخرى لا تقل أهمية، ستسعفنا في وعي الحاضر، وستكون لنا معها محطة أخرى .
اللوبي من أجل “أرض إسرائيل”
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
في الوقت الذي يتصور فيه البعض من الفلسطينيين والعرب، إمكانية إيجاد تسوية عادلة مع “إسرائيل”، أطلق رئيس الائتلاف الحاكم في الكنيست ياريف لفين (من قيادة حزب الليكود) مجموعة ضغط برلمانية تحت اسم “اللوبي” من أجل “أرض إسرائيل” .
المهمة الرئيسة للوبي الجديد، الدعوة إلى فرض “السيادة التاريخية” على كل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر . يأتي ذلك وسط مساعٍ حثيثة لفرض قوانين تشريعية جديدة، تمنع أية حكومة “إسرائيلية” من إجراء تسوية نهائية مع الفلسطينيين .
الحل المتعلق بالفلسطينيين للوبي يتمثل في عيشهم في “كانتونات فلسطينية”، بمعنى الإقامة في “يهودا والسامرة” والتصويت السياسي في البرلمان الأردني .
هذه المحاولة ليست الأولى من نوعها،ففي الدورة ما قبل الأخيرة للكنيست، تم إطلاق دعوة شبيهة .
هذه المرة من يطلق الدعوة من جديد هو رئيس الائتلاف الحاكم في الكنيست، تشاركه في رئاسة هذا اللوبي النائبة المتطرفة كثيراً أوريت ستروك، وهي أيضاً أحد غلاة المستوطنين في الخليل، وأم لمستوطن متورط حتى أذنيه باقتراف جرائم إرهابية ضد الفلسطينيين .
لفين قال في رسالته إلى أعضاء الكنيست، إن الهدف من اللوبي هو، عدم المس بالتوطين (الاستيطان) وبأمن مناطق يهودا والسامرة وغور الأردن، والعمل على تشريع قوانين تعزز المكانة القضائية للشعب اليهودي في كل “أرض إسرائيل” .
هذا يعني (من وجهة نظر اللوبي)، السيادة “الإسرائيلية” على كامل فلسطين التاريخية، إضافة إلى أهداف أخرى من بينها: زيادة ميزانية المستوطنات والاستيطان بشكل عام من الخزينة العامة . أيضاً يقوم لفين على إعداد مشروع قانون يطلق عليه اسم “الدولة القومية” يتضمن نصوصاً تخدم أهداف هذا اللوبي، ما ينعكس سلباً على فلسطينيي 48 كأهل للبلاد يقيمون في وطنهم ويتمسكون بهويتهم ولغتهم، فهو يدعو الى إجراء “الترانسفير” بحقهم . ما كان رئيس الائتلاف الحاكم، ليقيم مثل هذا اللوبي، ويتقدم بمشروعات قرارات إلى الكنيست من دون أخذ الضوء الأخضر من نتنياهو وليبرمان، وهما الأساس في الائتلاف، بمعنى أن ما يطلقه نتنياهو من تصريحات “سلامية” هو عملياً ديماغوجيا هدفها، الاستهلاك، وإعطاء حلول تخديرية ليس إلا .هناك بالطبع إمكانية واقعية لأن تصبح هذه المشاريع، قوانين أساسية في الكنيست وستصبح والحالة هذه ملزمة لكل الحكومات “الإسرائيلية” .
الأردن بالنسبة للوبي هو المكان الملائم لإقامة الفلسطينيين دولتهم فيه . معروف أن هذا الطرح، قدمه نواب “إسرائيليون” من الأحزاب الفاشية كمشروع لإقراره بالقراءات الثلاث، أي أن يصبح قانوناً . على ماذا يدل ما سبق:
أولاً: على أن حلم دولة “إسرائيل الكبرى” من “النيل إلى الفرات” مازال يراود أحلام أغلبية “الإسرائيليين” .
ليس لدى “إسرائيل” حالياً من أعداد يهود (قوة ديموغرافية) للسيطرة على كل هذه المناطق،كما أن الوضع الدولي الحالي لا يسمح بتوسع جغرافي “إسرائيلي”، ولا إجراء “تراتسفير” لأهالي منطقة ،48 وإلا لفعلت “إسرائيل” ذلك منذ زمن طويل .
لكل ذلك طرحت “إسرائيل” وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، الشرق الأوسط الجديد أو الكبير من أجل الهيمنة الاقتصادية ومن ثم السياسية على المنطقة . هذا يجعل من “إسرائيل” مكوناً أساسياً (إن لم يكن المكون الأساسي) من مكوناتها .
لذا من الخطأ الاتكاء الفلسطيني والعربي على أن: “إسرائيل” اكتفت وستكتفي بأرض فلسطين التاريخية فقط، فوفقاً للمفهوم الصهيوني المبني زوراً وبهتاناً على أسس توارتية وتلمودية، فإن “أرض إسرائيل” هي الأرض الواقعة بين نهري النيل في مصر، والفرات في العراق . المخططات الصهيونية كانت دوماً وستظل مخططات طويلة الأمد، ففي عام 1897 وفي مدينة بال السويسرية، إبّان انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، وعد هرتزل أنه “وبعد خمسين عاماً سنقيم الوطن القومي لليهود في أرض “إسرائيل”” عملياً الوعد لم يتأخر سوى سنة واحدة .
ثانياً: إن من الاستحالة بمكان حل الدولتين، فلا تقبل “إسرائيل” ولن تقبل مستقبلاً، بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة مثل كل الدول الأخرى، على أي جزء من الأرض الفلسطينية .
الحل “الإسرائيلي” يتمثل في الحكم الذاتي للفلسطينيين (حتى لو قاموا بتسميته دولة) على القضايا الحياتية للسكان من دون الأرض، والسيطرة على المعابر والبحر . أيضاً من دون توقف الاستيطان،الذي تعتبره كل الحكومات “الإسرائيلية” حقاً طبيعياً ل”إسرائيل”، “لأنها تتوسع على أرضها” . بالمعنى الفعلي والواقعي وبسبب من الاستيطان الذي لا ولن يتوقف والجدار العازل، انعدمت الفرصة لإقامة دولة فلسطينية .
ثالثاً: عملياً ومن خلال حرص “إسرائيل” بكل ألوان الطيف السياسي فيها على أن تكون “دولة يهودية” أي “دولة فقط لليهود” فإن هذه يقوّض الأساس الفعلي لكل الحلول المطروحة الأخرى “الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة” كذلك “الدولة ثنائية القومية” وأيضاً “الدولة لكل مواطنيها” .
رابعاً: إن الفلسطينيين والعرب مطالبون بمزيد من الفهم لطبيعة العدو الصهوني ولأحلامه ولمخططاته وللمتغيرات الفعلية الجارية في شارعه، وبالتالي: التحولات في المتغيرات السياسية، انسجاماً بالطبع مع تلك المتغيرات، هذا يقتضي التأكيد على جملة من الحقائق، أن الخطر الصهيوني لا يقتصر على فلسطين والفلسطينيين فحسب، وإنما على الأمة العربية والأقطار العربية من دون استثناء . لذا فإن استراتيجية السلام والمفاوضات مع “إسرائيل” هي استراتيجية لا يمكن أن تؤدي إلى اعتراف “إسرائيلي” بأية حقوق فلسطينية أو عربية .
المطلوب، بناء استراتيجية جديدة مجابهة للمخططات “الإسرائيلية” المبنية على الأطروحات السياسية الجديدة القائمة على تلك المتغيرات .
خامساً: إن الولايات المتحدة لن تكون وسيطاً نزيهاً في الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني، بل هي كانت وستظل المردد والمسوّق للأطروحات التسووية والسياسية “الإسرائيلية” .
بعد ذلك هل من الممكن أن تجنح “إسرائيل” إلى السلام؟
مرشّح الإسلاميين!
بقلم: قادة بن عمار عن الشروق الجزائرية
نحتاج إلى أكثر من النية السليمة حتى نصدّق كلام شيخ النهضة التونسية راشد الغنوشي حين يقول أنه لا يتمنى تكرار سيناريو الثورة في الجزائر، لأن كل بلد له خصوصياته وظروفه.. والجزائر ليست تونس، كما أن بوتفليقة ليس بن علي!
الواقع أن نهضة تونس مثل إخوان مصر، لا يتوانون ولا يتركون أي فرصة تمر، سواء كانت ملتقى أو تجمّع أو حتى مسيرة لدعم فلسطين وسوريا من أجل تقديم النصح والإرشاد لإخوانهم في الجزائر عن الطرق السريعة لتحقيق ثورة توصلهم لسدة السلطة.. وذلك حقهم الطبيعي، فهم ليسوا مجرد جمعيات خيرية، بل أصحاب مشروع حقيقي، حتى ولو كان مستوردا!
لكن هل نظر الإسلاميون عندنا إلى أنفسهم في مرآة عاكسة؟ هل واقعهم السيء سيتغير وإفلاسهم الشعبي سيعود بمجرد امتلاك زعيم حمس الجديد لنية صافية من أجل البناء بدلا من الهدم والتقارب بدلا من التباعد والوحدة بدلا عن الفرقة؟!
الواقع أننا نحتاج إلى معجزة كبيرة حتى نصدّق أن رجلا يعشق الزعامة ولا تهمه غير صناعة مجده الشخصي وتضخيم "الأنا" لديه، مثل عبد الله جاب الله يمكنه أن يتفاوض مع زعامات إسلامية ووطنية أخرى حتى يدخلوا الرئاسيات المقبلة بمرشح إجماع واحد، يكون شخصا آخر سواه!
جاب الله لا يرى غير نفسه زعيما، ليس على الإسلاميين وحدهم، بل على الجزائر ككل، لذلك لم يكن سهلا تصديق عبد الرزاق مقري حين ينقل عنه التصريح التالي: "امضوا في الوحدة وسأكون لكم من التابعين"!
من يقرأ النتائج التي تمخض عنها استفتاء مجلة "جون أفريك" عن الرئيس المقبل للجزائريين سيصاب بالدهشة "العابرة"، ليس لأن علي بن فليس تمكن من الحصول على المرتبة الأولى، ولكن لأن عبد الرزاق مقري جاء ثانيا وبأصوات مزورة!!
وبالنيابة عن خليفة أبو جرة سلطاني، أقول بأن الأمر يتعلق بمؤامرة "كونية رخيصة" تهدف لتشويه مسار مقري وتلويث سمعته والقول أن الإخوان ورموز التيار الإسلامي لا يمكنهم الوصول إلى سدة السلطة إلا عبر الترهيب أو الترغيب أو التزوير!!
النتائج التي نشرتها مجلة جون أفريك عن الرئيس المحتمل للجزائريين العام المقبل، تأتي مباشرة عقب التصريحات التي أطلقها مدير أحد المواقع الفرنسية التي تخصصت في أخبار الجزائر خلال السنوات الأخيرة واشتهرت أكثر بالحديث عن مرض الرئيس ونهايته السياسية في الأيام التي رافقت علاجه بباريس!
هذا الصحفي الفرنسي قال بأن الصور التي تم نشرها للرئيس بوتفليقة وهو يستقبل قائد الأركان بمعية الوزير الأول عبد المالك سلال تأتي في سياق تبرير الغياب وأيضا التحضير للمرحلة الانتقالية التي تُمكِّن الممسكين بزمام السلطة الفعلية لتحضير مرشح جديد، لا يشكّل تهديدا بالنسبة لمصالح هؤلاء ولا صداع رأس مزمن للبقية.. فهل تلقى الإسلاميون مؤشرات ضمنية أو نزل عليهم وحي خاص يطالبهم بالتوحد لإعطاء مرشح يوافق عليه "الممسكون بالسلطة الفعلية"، ولا يشكل تهديدا لتوازن بعض المؤسسات، كما أنه يجنّب الجزائر الوقوع في سيناريو ثوري كالذي تعيشه بعض البلدان الشقيقة؟.. ربما، الواقع أن هذا السيناريو يبدو جديا وواقعيا أكثر عندما نشاهد عمار غول يجلس في الصفوف الأولى مع إخوة الأمس وفرقاء اليوم!
مفاجآت الانتخابات الإيرانية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
الانتخابات الرئاسية الإيرانية قدمت لنا حزمة من المفاجآت لم تخطر على بال أحد. فالسكوت الذى ران على الساحة السياسية طوال الأشهر الماضية تحول إلى صخب عالى الصوت فى الأسبوع الأخير.
والتقديرات التى تحدثت عن عزوف البعض عن التصويت بسبب غياب الأسماء الكبيرة عن المرشحين، خصوصا بعد استبعاد الشيخ هاشم رفسنجانى ــ كذبها الإقبال الجماهيرى الكبير على مراكز الاقتراع الذى تجاوز 80٪ فى المتوسط.
والتأكيدات التى تحدثت عن حتمية الإعادة بين اثنين من المرشحين، بعدما بدا أن فرص الفوز متقاربة بين أربعة منهم على الأقل تراجعت بعد إعلان النتائج الأولية للفرز، حيث تبين أن الشيخ حسن روحانى متقدم بفارق كبير عن بقية المنافسين، الأمر الذى رجح احتمال فوزه فى السباق من الجولة الأولى. على الأقل حتى كتابة هذه السطور ظهر أمس.
والتقديرات التى سبق أن تحدثت عن ترجيح كفة الدكتور على ولايتى باعتباره من القيادات التاريخية للثورة ووزير خارجية الإمام الخمينى إلى جانب أنه مؤيد من جانب علماء قم، وتلك التى راهنت على تأييد حرس الثورة لقائده السابق محسن رضائى، أو راهنت على مساندة الباسيج (قوات التعبئة) للدكتور سعيد جليلى باعتباره رجل المرشد الذى اشترك فى القتال وفقد ساقه فى إحدى المعارك، هذه المراهنات كلها لم تصمد أمام الإقبال الشعبى الجارف الذى رجح كفة حسن روحانى رجل الدين الوحيد بين المرشحين.
وفى حين تواترت فى أوساط الباحثين مقولة ادعت أن السيد محمد خاتمى سيكون آخر رئيس معمم فى الجمهورية الإسلامية فإن الانتخابات نسخت هذه الفكرة وقدمت لنا نموذجا لرئيس معمم ولكن من طراز آخر، لأن الشيخ روحانى الذى يجيد 4 لغات درس العلوم الإسلامية فى حوزة قم ثم درس القانون فى طهران وحصل على الدكتوراه فى القانون من جامعة جلاسجو فى ايرلندا.
ما الذى حدث حتى غير من التوقعات إلى تلك الدرجة؟ إذا حاولنا الإجابة على السؤال فستظهر لنا عدة عوامل هى:
إن المحافظين توزعت أصواتهم على ثلاثة مرشحين مما أدى إلى إضعافهم جميعا. الثلاثة هم الدكتور على ولايتى والدكتور سعيد جليلى ومحسن رضائى. أما الإصلاحيون فإنهم اصطفوا وراء مرشح واحد هو الشيخ حسن روحانى، بعدما تنازل له المرشح الإصلاحى الآخر محمد رضا عارف، الذى كان مساعدا للرئيس السابق محمد خاتمى.
ــ إن الرأى العام الإيرانى الذى صدم لاستبعاد الشيخ هاشم رفسنجانى من بين المرشحين الأمر الذى فتح الباب للحديث عن شيوع السخط وقدر البعض أنه سيكون سببا فى ضعف الإقبال على التصويت، هذه الشرائح جرى استنفارها وسارعت إلى التصويت حين أعلن الرئيسان السابقان رفسنجانى وخاتمى تأييدهما لروحانى. وهو الإعلان الذى تم فى الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية وأسهم فى انقلاب المعادلات والحسابات.
ــ إن الذين صوتوا لصالح روحانى قوة تصويتية وسطية ظهرت وتبلورت بعد مضى 34 سنة على الثورة. الأمر الذى تجاوز تأثير قواعد حرس الثورة والباسيج. وتجاوز أيضا دور مدينة قم فى الحياة السياسية. وهى القوى التقليدية التى ظلت الأقوى تأثيرا بعد قيام الثورة.
أحد الأسئلة التى يثيرها تقدم أو انتخاب روحانى ينصب على تأثير ذلك على السياسة الإيرانية. وللإجابة على السؤال ينبغى أن نلاحظ أن رئيس الجمهورية فى إيران ليس من يرسم السياسة الخارجية التى هى مع الأمن من الملفات التابعة لمؤسسة المرشد. لكن ذلك لا يلغى تماما دور رئيس الجمهورية الذى يظل دوره حاسما فى الشأن الداخلى ونسبيا فى الشأن الخارجى.
فى هذا الصدد لابد أن تستوقفنا التركيبة الوسطية فى شخصية ومشروع الدكتور روحانى الذى هو ابن الحوزة الدينية وفى قُم، وفى الوقت نفسه، ابن جامعة جلاسجو فى ايرلندا (التى حصل منها على الدكتوراه فى القانون) وهو العضو المؤسس فى منظمة الروحانيين المناضلين (المحافظة) كما أنه محسوب على الإصلاحيين ومؤيد من جانبهم.
وهو مندوب المرشد فى مجلس الأمن القومى رغم ميوله الإصلاحية جنبا إلى جنب مع الدكتور سعيد جليلى المحافظ الذى يمثل المرشد أيضا فى المجلس. وهو ابن الجمهورية الإسلامية الحريص على نظامها، لكن له تحفظاته على سياساتها الخارجية. حيث يدعو إلى مرونة أكبر فى التعامل مع الغرب، وقد رفع عدد من أنصاره أثناء حملته لافتات دعت إلى التركيز على إيران بدلا من غزة ولبنان. وهى رسالة تثير علامة استفهام حول حقيقة موقفه إزاء السياسة الخارجية خصوصا ما تعلق منها بالتدخل الإيرانى فى سوريا وموقف حزب الله فى إيران.
صحيح أنه من المبكر الإجابة على السؤال الآن. إلا أن المقدمات تستدعيه إلى الواجهة بعدما غيبته ممارسات السنوات الثمانى الأخيرة. مع ذلك فإننى أتوقع أن يتبنى الرئيس المنتخب خطابا جديدا عند الحد الأدنى، حتى إذا لم يستطع أن ينتهج سياسة جديدة.
تعاظم الدور الروسي في الشرق الأوسط يرغم إسرائيل على تنسيق المواقف مع موسكو
بقلم: رندى حيدر عن النهار البيروتية
شهدت العلاقات الروسية – الاسرائيلية الشهر الماضي توتراً ملحوظاً اثر الغارتين اللتين شنتهما إسرائيل على مخازن للسلاح قرب دمشق، وإعلان موسكو عزمها على تزويد سوريا صواريخ روسية متطورة رأت إسرائيل أنها تلحق الأذى بمصالحها الأمنية وتشكل خطراً مباشراً عليها، مما دفعها الى التهديد بأنها لن تقبل بدخول أسلحة روسية متطورة يمكن أن تنتقل لاحقاً إلى أيدي "حزب الله" وأنها ستتصدى لذلك بالقوة. وقد شكل التوتر والتضارب في المصالح الروسية – الإسرائيلية السبب للزيارة العاجلة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو منتصف الشهر الماضي للتفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين على صفقة السلاح المعلن عنها، ولتنسيق المواقف من الأزمة السورية وتطوراتها.
روسيا لاعب أساسي
لم يكن في وسع إسرائيل أن تتجاهل تعاظم الدور الروسي في المنطقة منذ بداية الثورة السورية وإعلان موسكو صراحة وقوفها الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضتها أي تدخل عسكري اجنبي في سوريا، وتمسكها ببقاء الأسد في السلطة، وطرحها رؤيتها الديبلوماسية لحل الأزمة السورية بالدعوة الى مؤتمر دولي يجمع أطراف النزاع، ورعايتها فكرة التفاهم على المرحلة الانتقالية في سوريا.
وما دام الموقف الاسرائيلي الرسمي من الحرب الدائرة في سوريا هو عدم التدخل الى جانب أي طرف من الأطراف، لم يحصل أي تضارب في المصالح بينها وبين روسيا. ولكن لم يكن خافياً على الإسرائيليين أن التراجع المتواصل لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ترك المجال حراً أمام صعود النفوذ الروسي. ولاحظ الإسرائيليون استغلال الروس دورهم في الأزمة في سوريا من أجل الضغط على الأطراف الدوليين والإقليميين لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي. ففي رأي الباحث تسفي ميغن من معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل أن سعي موسكو الى إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية ومحاولاتها إقناع الدول الغربية بهذه الحلول تهدف قبل كل شيء الى خدمة مصالحها في المنطقة من خلال الدفاع عن "صمود المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسوريا وحزب الله". وخلص أكثر من معلّق إسرائيلي الى أن الذي ساهم في تقوية الموقف الروسي ليس فقط الموقف السلبي للإدارة الأميركية وتردد دول الغرب في دعم الثوار، وإنما أيضاً صمود نظام بشار الأسد، وتشرذم المعارضة السورية، وبروز المنظمات المسلحة الجهادية في صفوف الثوار، وتصاعد مسار الأسلمة للثورة السورية. لكن صعود مكانة روسيا لم تكن تتضارب مع مصالح إسرائيل التي استقبلت مطلع هذه السنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة وصفت بأنها كانت ناجحة.
أزمة الصواريخ
وكشفت الأزمة التي أثارتها إسرائيل في شأن اعلان روسيا تزويد سوريا صواريخ متطورة من طراز "أس – 300" البعيدة المدى التي من شأنها تقيد حرية عمل سلاح الجو الاسرائيلي، وجود خلل في التنسيق بين موسكو وتل أبيب. وبدا لوهلة أن إسرائيل على وشك أن تدخل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب المواقف من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا ومواصلة الإدارة الأميركية المطالبة برحيل بشار الأسد.
ويبدو أن الغارتين اللتين شنتهما إسرائيل داخل الأراضي السورية مطلع الشهر الماضي، فسرهما الروس بأنهما تمهيد للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا. من هنا ارتفاع حرارة التوتر بين البلدين.
وكان واضحاً منذ الوهلة الأولى بالنسبة الى إسرائيل أنه ليس من مصلحتها دخول مواجهة مع روسيا في المنطقة، وضرورة تفاهم البلدين على سبل المحافظة على مصالحهما المتقاطعة أحياناً والمتضاربة أحياناً أخرى. ولم يكن هذا بالامر الصعب نظراً الى أن إسرائيل لم تتخذ موقفاً قاطعاً ضد بشار الأسد، وما يهمها في الدرحة الأولى ليس رحيل الأسد بقدر ما يهمها استمرار الهدوء على حدودها في الجولان، ومنع قوع هذه المنطقة في قبضة الثوار الجهاديين القريبين من "القاعدة".
ويتقاطع هذا الموقف تماما مع الموقف الروسي الذي يدعي ان بقاء الاسد يضمن استمرار الهدوء على الحدود، وان سقوطه سيؤدي الى وقوع سوريا في قبضة الاسلام الراديكالي.
لكن ما يختلف فيه الاسرائيليون عن الروس هو موضوع تدفق الاسلحة المتطورة الى سوريا وانتقالها الى "حزب الله"، فهذا بمثابة "خط احمر" لن تقبل اسرائيل بتجاوزه، وقد سبق لزعمائها ان هددوا بالتصدي لذلك بالقوة.
اما التسوية السياسية التي تعمل عليها روسيا، او "الصفقة" التي يبدو ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف توصلا اليها الشهر الماضي والتي على اثرها اعلنا عن الدعوة الى عقد مؤتمر جنيف – 2، فلا موقف اسرائيليا واضحا منها. لكن ثمة تقديرات اسرائيلية متشائمة للنتائج التي يمكن ان يتوصل اليها هذا المؤتمر في حال انعقاده.
ففي رأي الخبير في مركز بيغن – السادات موردخاي كيدر ان الروس لا يزالون متمسكين ببشار الاسد، وهم سيحاولون ابقاءه في الحكم اطول فترة ممكنة كي يضمنوا ان تكون الجهة التي ستحل محله موالية لمحور روسيا – ايران – العراق – حزب الله. ويقول كيدر ان اقتراح الروس ارسال قواتهم للحلول محل القوات النمسوية التي انسحبت من مراقبي الامم المتحدة لفك الاشتباك في هضبة الجولان يصب في مصحلة اسرائيل، لانهم سيشكلون حاجزا يمنع تسلل الاسلاميين الراديكاليين الى منطقة الجولان. وفي المحصلة، اذا كان هناك توافق روسي – اميركي – غربي على الحل الديبلوماسي في سوريا، فان اسرائيل لن تقف ضده على الارجح او تعرقله نظرا الى ان نقاط الالتقاء في المصالح بينها وبين روسيا اكثر من نقاط الاختلاف.
لذا يمكن القول ان الخلاف الفعلي بين اسرائيل وروسيا ليس على المستقبل السياسي لسوريا او على مصير الاسد، ولا على المكانة الجديدة لروسيا في المنطقة، بقدر ما هو على ضرورة اخذ الروس في اعتبارهم المصالح الاسرائيلية لدى تزويدهم نظام بشار الاسد السلاح المتطور.
إسرائيل تحمي ظهر حزب الله والنظام السوري
بقلم: علي حسين باكير عن العرب القطرية
كشفت الثورة السورية من بين ما كشفته عن محور «الممانعة» الطائفي, أنّ الحامي الحقيقي لظهر كل من حزب الله والنظام السوري هو النظام الإسرائيلي نفسه, الذي يدّعون «مقاومته», والذي يبررون باسم «ممانعته» ارتكاب كل الموبقات والجرائم التي يرتكبونها منذ عقود, وآخرها الجرائم بحق الشعب السوري والتدمير الممنهج للدولة السورية.
عندما نقول إنّ إسرائيل تحمي ظهر حزب الله والنظام السوري، فهذا ليس ادّعاءً أو تهكّما, وإنما حقيقة مدعومة بالوقائع. ففي شهر فبراير الماضي، قام النظام السوري بسحب عدد كبير من قواته المنتشرة على تخوم الجولان المحتلة, ونقلها إلى العاصمة دمشق لمواجهة تقدّم المعارضة على الأرض، وقد قام باستكمال سحب ما تبقى أيضا من قواته في تلك المنطقة في شهر أبريل، فهو لا مشكلة لديه في ترك «ظهره» و «مؤخرته» مكشوفتين للـ «عدو» الإسرائيلي! لأن المعارضة السورية أخطر عليه من الصهاينة، وهو محق في ذلك.
فبدلا من أن يثير وجود جيش «الممانعة» على الحدود مع إسرائيل مخاوف الصهاينة ويقض مضاجعهم، قام المسؤولون الإسرائيليون بالتعبير صراحة عن مخاوفهم من انسحاب الجيش «العلوي» السوري من منطقة الجولان, بشكل قد يتيح لمقاتلي المعارضة ملء الفراغ على الحدود مع إسرائيل! وفعلا هذا ما حصل.
ففي شهر يونيو وفي حدث تاريخي ولأول مرّة منذ أربعة عقود، تدخل دبابات الجيش «العلوي» السوري المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين سوريا وإسرائيل في الجولان, عند خط وقف إطلاق النار، ولكن ليس لمقاتلة الصهاينة وإنما لمقاتلة الجيش الحر! وإن كان الخبر مهما لهذه الجهة فإن الأكثر أهميّة هو ما كشفت عنه إسرائيل من تسلّمها طلباً رسمياً من النظام السوري يطلب فيه عدم التعرّض لدباباته لأنّها لن تستهدف الجيش الإسرائيلي, وإنما قوات الجيش الحر. ونِعمَ «المقاومة والممانعة» هذه!
فقد سيطر الجيش الحر على معبر القنيطرة ولم يكن من طريقة لاسترجاع المعبر سوى الالتفاف عليه من ناحية إسرائيل، وما لم يتوقعه مقاتلو المعارضة حصل. فقد قام النظام السوري بالتواصل مع الإسرائيليين للالتفاف على قوات المعارضة عبر التوغل في المنطقة الفاصلة والانقضاض من الخلف على قوات الجيش الحر المتمركزة على المعبر.
ليس هذا فقط، بل إن القوات الإسرائيلية دخلت بدورها إلى المنطقة العازلة, ولكن ليس للاشتباك مع قوات الأسد وإنما لتأمين ظهره ومؤخرته أثناء تلك المناورة! وبالفعل نجح التعاون بين النظام السوري والنظام الصهيوني في السيطرة على معبر القنيطرة من جديد، وعاد الأمن والسلام للطرفين «العدوين» هناك! وبالمناسبة هذه الأحداث جاءت بعد الخطابات «الناريّة» لحزب الله وأمينه العام حول مدى جدّية محور «الممانعة» في فتح جبهة الجولان!
حزب الله الذي أتحفنا أمينه العام بنظرياته التبريرية لغزو «قوات الولي الفقيه- فرع لبنان» للأراضي السورية, ومنها نظرية أن هذا الغزو هو لحماية ظهر «المقاومة»، تبين أيضا أن من يحمي «ظهره ومؤخرته» الآن هو إسرائيل نفسها!
أثناء المرحلة الثالثة من الهجوم على القصير خلال شهر مايو، أفادت معلومات عن سحب حزب الله لنخبته المقاتلة من الأماكن الاستراتيجية التي تنتشر فيها داخل لبنان, والدفع بها إلى جبهة القصير في إثر الخسائر الجسيمة التي مني بها مقاتلو النخبة من الجيل الجديد, الذين تمّ تجنيدهم بعد عام 2006.
وعندما نقل حزب الله لفوهة مدفعيته وبندقيته وراجماته وصواريخه من جبهة إسرائيل المفترضة ليزج بها باتجاه مواجهة الشعب السوري, الذي احتضن شيعته عام 2006، كشف ظهره لإسرائيل. وبدلا من أن يفترض المنطق قيام العدو الإسرائيلي باستغلال اللحظة التاريخية لتوجيه ضربة للحزب (العدو) أثناء انكشاف ظهره تقضي عليه، تلقى ثناءً ومباركة إسرائيلية على هذا العمل!
ولأن حزب الله ليس نظاماً فإنه لم يكن يستطيع إرسال رسالة رسمية إلى إسرائيل كما فعل النظام السوري أعلاه، ولكنه لم يعدم الوسيلة، فأرسل رسالة عبر الإعلام لكي تضمن إسرائيل حماية «ظهره» و «مؤخرته» أثناء هجومه على الشعب السوري. فقد أرسل الأمين العام حسن نصر الله رسالة إلى إسرائيل في خطابه الأخير أثناء الهجوم على القصير, مفادها «أننا نحارب التكفيريين هناك». هدفنا هم، أي أعداؤكم أيضاً, وليس أنتم!
المعلق الإسرائيلي «جاكي كوخي» كتب تقريرًا في صحيفة «معاريف» في 31/5/2013 أثناء هجوم حزب الله على القصير يقول فيه صراحة إن هناك التقاء مصالح غير معلن بين إسرائيل وحزب الله بشأن الموقف من نظام الأسد. ويقول ما نصّه: «ليس سرا أن إسرائيل تريد أن يبقى بشار الأسد، لكنها لا تستطيع الإعلان عن ذلك صراحة, لأن ذلك من شأنه أن يظهر أن هناك حلفا واحدا وتعاونا مع النظام السوري، وهذا سيضر به! التطور الأهم أن حزب الله يقاتل جنبا إلى جانب مع النظام السوري ضد الميليشيات السنيّة, التي هي جزء من المنظمات الجهاديّة... إنها لحظة نادرة لتطابق المصالح بين الحكومة الإسرائيلية والموقف العلني للتنظيم الشيعي في لبنان حول مستقبل النظام».
وقال مدير كليّة الإنسانيات في جامعة تل أبيب والباحث في مركز موشي دايان «إيال زيسر»: «عندما قام بوتن بزيارة لإسرائيل قبل بضعة أشهر قال للقيادة الإسرائيلية بصورة واضحة إنه يدافع عن بشار الأسد من أجلكم، يعني من مصلحة إسرائيل أن يبقى بشار الأسد في الحكم». وأضاف تعليقا على التهديدات التي تصدر بفتح جبهة الجولان والتهديدات ضد إسرائيل: «كل هذه التهديدات التي نسمعها من دمشق لا معنى لها، نحن نعرف أن بشار الأسد ملتزم التزاماً كاملاً بالحماية والهدوء على امتداد الحدود مع إسرائيل، وإذا حصل تصعيد فبإمكان إسرائيل إسقاط هذا النظام وهو يعرف ذلك تماماً». ونحن نعلم الآن من يحمي ظهر من بالضبط!
أقنعة الديمقراطية التركية
بقلم: عدي حسن مزعل عن الصباح العراقية
عندما كانت تندلع شرارة التظاهرات في أي بلد عربي، كان العالم الغربي وغير الغربي يقف متفرجاً، وحينما يدرك أن ما يحدث أكثر من تظاهرة وأقرب إلى ثورة عارمة على نظام استبدادي أصبح قريباً من السقوط، تبدأ التعليقات والمواقف المؤيدة لحق الشعوب في الحرية والديمقراطية بالظهور. ورغم التفاوت في المواقف بين البلدان، بين من يؤيد التغيير وبين من يقف ضده وبين من اختار السكوت، إلا أن هناك حكومة اتخذت موقفاً واضحاً وصارماً تجاه ما يحصل، تلك هي الحكومة التركية، التي علا صوتها في المنطقة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، ذلك الحزب الذي عمل وبقوة على انتهاج سياسة في المنطقة ترمي إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي حكمت العالم العربي لمدة تقارب الـ (أربعة قرون). ولم يحصل أن شهد العالم العربي خلال فترة حكم الدولة العثمانية تطوراً وتقدماً، بل أن هذه الدولة أغرقته في التخلف والتأخر الذي انعكس على كافة مظاهر الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى دينياً، حينما عززت هذه الدولة التعصب الديني والانقسام الطائفي في العالم الإسلامي، الذي ظهر بأشكال كثيرة، كان أسوأها المجازر التي ارتكبت بحق بعض الطوائف الإسلامية وغير الإسلامية ممن لم تكن تدين بدين أو مذهب الدولة الراعية للإسلام. وعندما بدأ المرض يدب في مفاصل هذه الدولة العتيدة في قهر شعبها وشعوب من خضعوا لسيطرتها انكفأت تلك الدولة على نفسها وعادت إلى حدودها، عندها تحرر العالم العربي من سطوتها، ولكنه ما لبث أن عاد فعاش تحت احتلال جديد تمثل هذه المرة في الاستعمار الأوروبي. واخطر فصول ذلك الاحتلال العثماني، كان الصراع الطائفي الذي غرسته هذه الدولة في العالم العربي، والذي لا نزال نعيش تداعياته وأزماته إلى اليوم. وها هي الحكومة التركية اليوم تُعيد ما عفا عنه الزمن عبر الشحن الطائفي وتدخلها في شؤون بعض البلدان العربية كـ (سوريا والعراق)، اللذين اشتكيا المرة تلو المرة من سياسة هذه الحكومة التي يمكن تلخيصها بأنها ترمي إلى اضعاف هذين البلدين عبر تمزيقهما إلى دويلات وطوائف متناحرة.
تصرح الحكومة التركية مراراً وتكراراً بأنها دولة ديمقراطية. وذلك صحيح، فالحزب الحاكم اليوم، وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. لكن ما يحصل في تركيا اليوم كشف عن مدى هشاشة الشعارات العريضة واليافطات الأخلاقية التي ما لبثنا نسمعها ليل نهار حول: حقوق الإنسان وكرامة المواطن وحق التظاهر، وغيرها من الشعارات التي صدرتها الحكومة التركية بقوة في إعلامها لشعبها وللشعوب الأخرى، بل أكثر من ذلك، حينما دعت إلى فرض الديمقراطية في سوريا بالقوة، إذ عملت كل ما في وسعها لتحقيق تلك الديمقراطية، ولكن بوسائل لم تكن ديمقراطية بالمرة. وما حصل في تركيا مؤخراً يهون لو أن القائمين على تلك السياسة من دعاة تلك الشعارات لم يسلكوا هذا الطريق، طريق تصدير الديمقراطية والدفاع عن حقوق الشعوب المنتفضة. فما حدث كشف عن كذبة كبرى ووجه آخر، هو نسخة من الأنظمة الاستبدادية، كالأنظمة العربية التي طالما حرضت وتدخلت ودعمت تظاهرات بعض الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية .... فكيف سنوفق إذاً بين هذا وذاك .... بين المطالبة بالديمقراطية والحرية للشعوب المنتفضة - وتركيا إحدى هذه الشعوب - وبين قمع تلك الحكومات لشعوبها حينما ترفع تلك الشعارات ؟
في الأنظمة الاستبدادية دائماً هناك تبرير لكل ما يحصل، ولكنه ولا مرة يكون حقيقياً، وهذا المعنى ينطبق على سياسة الحكومة التركية تجاه التظاهرات حيث التبرير حاضر دوماً، وهو كالتالي:"الاحتجاجات غير ديمقراطية"، إنها "مؤامرة داخلية وخارجية"، "عناصر متطرفة تقود التظاهرات"، "حفنة من المخربين"، "بضعة لصوص"، "فوضويين"، "غوغاء"، - المفردة الأخيرة تذكرنا بوصف صدام للانتفاضة الشعبانية في عام 1991- "عناصر تابعة لاحدى المنظمات الإرهابية يشاركون في التظاهرات"، "اعتقال سبعة من الأجانب لهم علاقة بالتظاهرات"، مواقع التواصل الاجتماعي "آفة" يستخدمها المحتجون "لنشر الأكاذيب"، هذا هو موقف رئيس الحكومة التركية من التظاهرات الجارية في بلده. ولو حذفنا هوية صاحب هذه التصريحات، وقلنا لأي قارئ عربي برأيك لمن تعود هذه التصريحات، لأجابنا واثقاً: أنها تعود لأحد الحكام العرب.... ولن يكون مخطئاً أبداً إذا ما اختار أي حاكم، لكنها ليست كذلك، انها لا تعود لأي حاكم عربي، بل تعود لداعية الديمقراطية والحرية للشعوب العربية خاصة (رجب طيب اوردغان). وموقفه هذا هو ذات الموقف وذات التفسير الذي سمعناه من رؤساء الأنظمة الاستبدادية .... لكنه كان أكثر حدة في الموقف والتفسير من بعض رؤساء تلك الأنظمة، كالرئيس المصري المخلوع (حسني مبارك) الذي لم يتحدث بهكذا منطق أثناء التظاهرات التي جرت في بلده، ولم يقم بدعوة مؤيديه إلى النزول إلى الشارع كما يهدد اردوغان الآن، وهو تهديد ينم عن ضعف لا عن قوة، يعتقد صاحبه أن سبيل تجاوز أزمته يكمن في التحصن بمؤيديه، عندها يعزز قناعاته القلقة بشرعية ممارساته، ويُظهر للمجتمع الدولي أن هناك من يؤيد حكومته ويدعمها، وهي مرة أخرى سياسة اتبعها بعض الرؤساء الجّدد في البلدان العربية، فهل أصبح بعض الرؤساء العرب في مقام من يعلم الآخرين دروساً في السياسة ؟ وإذا ما حصل وطبق اردوغان فعلاً تهديده هذا، فان مرحلة جديدة من تاريخ تركيا ستبدأ، وهي مرحلة لا تقف خلفها تلك الدعوة فقط، بل جملة السياسة التركية في المنطقة، ولا سيما الموقف من سوريا الذي نقرأ فيه ابتداء إشعالا للمنطقة برمتها، عندها ستكون تركيا أكبر الخاسرين من تلك السياسة.
إن قراءة أولية لهذه التصريحات تكشف أننا أمام إقصاء لا هوادة فيه للرأي الآخر، ذلك الإقصاء الذي يعني في مقاييس ديمقراطية الدولة من عدمها أننا أمام استبداد، وحينما نكون أمام استبداد فان النتيجة هي: غياب الديمقراطية. ولا غرابة في ذلك، فاستعمال القوة المفرطة في قمع التظاهرات السلمية التي خرجت في بدايتها للحيلولة دون إزالة متنزه (جيزي) في ساحة تقسيم، دليل على عدم رسوخ الديمقراطية.
فما معنى قمع التظاهرات السلمية بالقوة سوى أننا أمام تغييب لحرية التعبير؟، ذلك التغييب الذي يعني في النهاية افراغ الديمقراطية من مضمونها وجعلها شعار لا أكثر. إن هذا السلوك مع المتظاهرين يجعلنا نتساءل: يا ترى كيف ستتعامل هذه الحكومة لو أن التظاهرات قد خرجت أول الامر مستهدفة شخص الحكومة التركية وليس الاحتجاج على إزالة متنزه (جيزي) ؟ اعتقد أن ما أشيع في وسائل الإعلام عن عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، سيكون بالضرورة مضروباً في مئة.
يُفسر البعض ما يحصل في تركيا اليوم على انه صراع بين العلمانية والإسلام، بين حكومة اردوغان الإسلامية وبين المعارضة العلمانية، وذلك صحيح، ولكنه ليس كل التفسير، لأن تفاقم التظاهرات واتساعها وكثرة أعداد المشاركين فيها والتي لا تقاس لحجمها بكل التظاهرات التي خرجت في بلدان الربيع العربي، تفسره التراكمات الكثيرة التي كان لا بد لها أن تبرز إلى السطح، وابرز تلك التراكمات هو استبداد تلك الحكومة الذي ظهر بأبشع أشكاله في التعاطي مع المتظاهرين، فضلاً عن سياستها الداخلية والخارجية ..... مع التأكيد على أن الاستبداد ليس حكراً على البلدان التي يقودها إسلاميون - وهي قلة جداً - كما يصور الأمر البعض، أو البلدان التي يقودها علمانيون كما يصور البعض الآخر. أن الاستبداد حاضر في هذه وتلك. ولو استعرضنا التاريخ الحديث لرأينا أن الاستبداد كان دوماً من نصيب البلدان التي قادتها أحزاب علمانية، والحربان العالميتان خير دليل على ذلك، فقد حدثتا في أوج تاريخ ازدهار العلمانية في أوروبا، حدثتا بفعل أنظمة علمانية صرفة، وكذلك الحرب الباردة، وغيرها كثير من الحروب والاستبداد والاضطهاد الذي راح ضحيته الملايين من البشر.... ما معنى ذلك سوى أن الاستبداد لا يعرف هوية محددة: إسلامية كانت أم مسيحية أم علمانية ؟ ولكن في الحالة التركية يبدو الاستبداد مضاعفاً، لأنه يحدث في بلد يُكثر القائمون عليه اليوم من نصح الآخرين في تطبيق الديمقراطية. ولولا الضغط الذي تعرضت له الحكومة التركية من بعض الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، لما خففت هذه الحكومة من حدة الصدام مع المتظاهرين، لعلمها أن القوة المفرطة تفقدها شرعيتها وتزيد الأمور تعقيداً، وتقود إلى طريق لا رجعة فيه. فيا لقلة خبرتنا عندما صدق البعض منا تلك الشعارات وراح يُنظر ويهلهل للنموذج الإسلامي التركي في الحكم، بوصفه نموذجاً يستحق أن يُحذى حذوه، وان يطبق في البلدان العربية التي لا زالت تعيش أزمة حكم لم يورثها سوى التخلف والتدهور ! وها هو النموذج يفصح عن بعض مساوئه، فكيف سيكون الامر لو أفصح عن كل مساوئه ؟ ذلك امر لابد أن يكشف عنه المستقبل، فالدول تختبر بالتجارب كما يختبر الإنسان.
وما يعنينا نحن من هذه التجربة ليس الشماتة ولا التشفي، بل الدرس والعبرة. والاهم أن لا نقنع أنفسنا بأن الديمقراطية كذبة وان دعاتها متلونون يستخدمونها لمصالحهم فقط، فهي طريق نجاة والدليل عليه ما جرى في تركيا. فلو كان هذا البلد ديمقراطياً حقاً لما رأينا تلك المشاهد المروعة ولما سمعنا تلك التصريحات الاستبدادية. وإذا كانت الديمقراطية قناعاً لدى البعض، فهذا شيء يصب في صالحنا لا ضدنا، في صالحنا، حينما نتعلم درساً لطالما غاب عن ثقافتنا، درساً مفاده: أن الآخر طريقنا لمعرفة الذات. فإذا كنا ندين هذا الآخر ونمارس النقد بحقه، فان أولى مسؤوليتنا أن نسلك خلاف ما نقدناه .... أن نعرف من نحن وماذا نريد، وذلك درس يبدو أن العبرة فيه قليلة في زمن قل فيه من يعتبر.
أيادي التدمير في العالم العربي!!
بقلم: سلطان عبد العزيز العنقري عن المدينة السعودية
مشكلتنا في العالم العربي أننا أبتلينا بفتن وقلاقل ومحن من صنع بعض الأنظمة العربية التي لو استعرضناها لوجدنا أنها تواطأت بل أعطت الضوء الأخضر للتدخلات الخارجية، سواء من قبل البعض من دول الغرب أو البعض من دول الشرق كروسيا والصين أو من إسرائيل أو من إيران.
حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، والتي فتحت أبواب الويلات والشر على العرب والمسلمين، وجعلت شهية البعض من دول الغرب والشرق تجعل من العالم العربي كعكة لا بد من تقاسمها، وكل له حصته ودوره ومصالحه المتفاهم عليها مما جعل المنطقة العربية منشغلة عن تنمية مجتمعاتها واللحاق بركب التقدم والتحضر.بالطبع الأدوات المنفذة،منذ البداية، لتلك الحرب هما عربي من العراق هو صدام حسين، وفارسي من إيران هو آية الله الخميني.ثم انتهت تلك الحرب بخسائر مادية وبشرية لا يمكن أن يتخيلها العقل في تلك الحقبة؟!واستنزاف كامل لثروات المنطقة العربية، وتدمير لقدراتها العسكرية ومقدراتها ومكتسباتها وبالمثل إيران المسلمة التي كان من المفترض أن تكون عامل استقرار في المنطقة وليس محوراً من محاور الشر من قبل زعماء لها لا يعرفون أبجديات السياسة أو كيفية التعامل مع دول الجوار بالاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تخدم كافة شعوب المنطقة العربية والإسلامية.فهؤلاء الملالي والآيات مثل غيرهم من العملاء أتوا إلى الحكم بالمؤامرات والدسائس وعلى ظهور الدبابات.
ثم أتت حرب الخليج الثانية باحتلال الكويت والأداة المنفذة بامتياز هو صدام حسين، الذي تم التخلص منه بعد أن أدى المهمة واعتبر ورقة محترقة،وبذلك استنزف ما تبقى من ثروات العرب.ثم حرب الخليج الثالثة باحتلال العراق وتدميره وإرجاع حضارة وادي الرافدين عشرات السنين إلى الوراء بمساهمة وبمشاركة فاعلة من قبل إيران التي تلعب لعبتها بمفاعلاتها النووية المزعومة لتشتيت الانتباه لما تحيكه من دسائس ومؤمرات ضد عالمينا العربي والإسلامي؟! لكي تغطي على احتلال العراق وتنصب حاكمه نوري المالكي، والي إيران على العراق، وبالتالي سلمت العراق وحضارته لحكومة طائفية مرتمية بأحضان الآيات والملالي في طهران.
اما مصر ومن خلال إتفاقية كامب ديفيد تم تحييدها بالكامل عن النزاع العربي الإسرائيلي، بل إن مصر لا تملك السيادة على بعض أراضيها المحاذية لفلسطين المحتلة مما أدى إلى تشكيل جماعات إرهابية مسلحة تتخذ من تلك المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة قواعد تنطلق منها لزعزعة أمن واستقرار مصر، وهذه المرة الأداة المنفذة هو الرئيس الراحل أنور السادات، وبعد أداء المهمة اعتبر ورقة محترقة وتم التخلص منه.
ثم الرئيس الراحل ، غير المأسوف عليه،معمر القذافي الذي أرجع ليبيا إلى الوراء عشرات السنين بل بعثر ثروات شعبه من دخل البترول لإسقاط الطائرات المدنية، ودعم الجماعات المسلحة في إيرلندا وغيرها من المناطق،والتهكم والسخرية على الزعماء العرب في المؤتمرات العربية وغيرها بين الفينة والأخرى، بتصريحاته التي تنم عن سقم في العقل، وتم التخلص منه. ثم الآن بشار الأسد وعصاباته وحزب بعثه الطائفي العفن يمارس العمالة مع روسيا والصين وإيران وإسرائيل من أجل تدمير وطنه وذبح شعبه لكي يستمر حاكما لجماجم تحت الأرض ومدن أشباح فوق الأرض ولاجئين بالملايين في دول الجوار يتعرضون للجوع والإهانات لكرامتهم فهذا ليس مهماً عنده المهم أن يبقى حاكماً أبدياً؟!وهو بدون أدنى شك سوف يلقى مصيره مثل صدام عندما تجد روسيا والصين وإسرائيل أنه أتم المهمة بنجاح، وجعل المنطقة على شفا حرب أهلية، فإنه سوف يتم التخلص منه لكي تعم في سوريا ولبنان والشرق الأوسط الفوضى والفلتان الأمني كما هو حاصل الآن في العراق.ثم نأتي لمحور الشر الذي هو أم المشاكل في المنطقة ألا وهي إيران كحكومة متطرفة تريد تشتيت الانتباه عما تفعله من تصدير للثورات المزيفة والمحن والمآسي بمساعدة من نوري المالكي ومقتدى الصدر اللذين يمدان النظام السوري بالأسلحة والأموال والوقود والمعلومات الاستخبارية وشبيحة مقتدى الصدر والحرس الثوري الإيراني من خلال المرور من الأجواء والأراضي العراقية وتضييق الخناق على اللاجئين السوريين،الهاربين من جحيم بشار وزبانيته بل وتسليمهم لعصابات وشبيحة النظام السوري ليتم إعدامهم.
أما المدير التنفيذي لمحور الشر الإيراني فهو حزب الله العميل الرئيس لإيران والموكل من قبل إيران لإدارة حرب خفية ومعلنة في سوريا ولبنان وجعل المنطقة تسودها الفوضى وقانون الغاب الذي على الأحزاب اللبنانية مسلمين ومسيحيين ودروز وغيرهم أن تقف متحدة للجم هذا الحزب الشيطاني وإيقافه عند حده. نخلص إلى القول إن بعض الأيادي العربية العميلة والمدسوسة دمرت عالمنا العربي وسوف تستمر إذا لم تجد من يردعها ويوقفها عند حدها.


رد مع اقتباس