في هذا الملف :
نضال الأمعاء الخاوية
جريدة البيان الامارتية / رأي البيان
الاضراب عن الطعام: الجوع من أجل الحرية
القدس العربي/سعيد الشهابي
مزحة سياسية
جريدة الغد الاردنية/محمد ابو رمان
هل الإيمان الديني عامل مؤسّس لثقافة العيش المشترك ؟
المستقبل اللبنانية/جيروم شاهين
على وقع الألحان العربية والفارسية والعبرية
جريدة النهار/اوكتافيا نصر
إسرائيل ستضرب إيران و"الحزب" معاً
جريدة النهار اللبنانية / سركيس نعوم
نضال الأمعاء الخاوية
جريدة البيان الامارتية/رأي البيان
في مواجهة ظلم واضطهاد وعربدة سجانيهم، لم يجد الأسرى الفلسطينيون سوى أمعائهم الخاوية ليتصدوا بها لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي أفشل تعنتها كل محاولات الوصول إلى تسوية تلبي عيش هؤلاء المناضلين في زنازين المحتل بكرامة وعزّة إلى أن يتنسموا عبير الحرية خارج معتقلاته.
وبعفوية تامة، رافقها قليل من التنسيق والتخطيط، وحّد الأسرى بمختلف فصائلهم وانتماءاتهم ساعة الصفر لمعركتهم مع المحتل في سجونه، ودشنوا أمس إضراباً مفتوحاً عن الطعام إلى حين تلبية مطالبهم المشروعة، والمتمثلة في إغلاق ملف العزل الانفرادي، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارة أبنائهم في سجون المحتل، وتحسين أوضاعهم المعيشية، ووضع حد لسياسة «الإهانة» والإذلال التي تقوم بها مصلحة السجون بحق الأسرى وذويهم داخل وخارج المعتقلات.
معركة العهد والوفاء، التي انطلقت أمس لتأكيد العهد لكل أسير فلسطيني باستعادة ما سُلب منه ونزع حقوقه من أنياب سجانه، وإثبات الوفاء لدماء شهداء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، رافقتها مهرجانات لإيقاد «شعلة الحرية» إيذانا ببدء فعاليات يوم الأسير الفلسطيني، الذي يصادف السابع عشر من إبريل من كل عام. كما أنها حملت شعار «سنحيا بكرامة»، لتعكس إصرار وثبات الأسرى على مبدأ «الموت.. ولا المذلة».
لكن المؤسف والمحزن أن نضال الأسرى أصبح اليوم من أجل تحسين شروط حياتهم في سجون الاحتلال، وليس من اجل المطالبة بالإفراج عنهم ونيل حريتهم. كما أن معركتهم لا تخلو من الخوف من انقضاض المحتل عليهم والاستفراد بهم وإفشال جهودهم وجهادهم من دون تحقيق أي نتائج، لاسيما في ظل الخلاف الفلسطيني الداخلي الذي خيّم لبعض الوقت على ترتيبات هذه المعركة، فضلا عن انعدام الأفق السياسي الذي يرافق الجمود والفتور في مفاوضات السلام وشروطها «التعجيزية»، فضلا عن تراجع مستوى المقاومة الشعبية «العسكرية» التي تشكّل ضغطا حقيقياً على المحتل، والتي كان نتاج أحد عملياتها تحرير أكثر من ألف أسير وأسيرة في ما بات يعرف بـ«صفقة شاليط».
إلا أن هذه المعركة الفلسطينية بحد ذاتها تستحق الانحناء أمامها، والتعبير عن تقديرنا لعظمة شأنها ورقي شكلها ومضمونها، ودعمنا لتضحيات الأسرى وصمودهم ونضالهم ضد إسرائيل، والذي يعززونه بمقاومة أجسادهم وأمعائهم الخاوية التي تقول للمحتل (لا)..
الاضراب عن الطعام: الجوع من أجل الحرية
القدس العربي/د.سعيد الشهابي
عندما قرر الناشط الحقوقي البحراني، عبد الهادي الخواجة، ذو النيف والخمسين عاما، بدء إضراب مفتوح عن الطعام، ربما كان من اكثر المضربين في العالم معرفة بمعنى ذلك، نتيجة نشاطه الحقوقي على مدى اكثر من ثلاثة عقود، فقد دافع هذا الناشط عن حقوق الانسان في كافة انحاء العالم، وحضر مؤتمرات كثيرة في بلدان شتى، وعمل في منظمات عديدة آخرها منظمة 'فرونت لاين' للدفاع عن نشطاء حقوق الانسان، التي تتخذ من العاصمة الايرلندية مقرا لها حتى استقال من منصبه بعد انطلاق ثورة البحرين في 14 شباط/فبراير من العام الماضي لينضم الى صفوفها.
وبالتالي كان قراره واعيا بمخاطر الدخول في إضراب مفتوح ومشروط. فتحت شعار 'الحرية او الشهادة' توقف الخواجة في الثامن من شهر شباط/فبراير الماضي عن تناول الطعام مطالبا بالافراج عنه وعن زملائه في المجموعة القيادية التي حكم افرادها بالسجن مددا تتراوح بين خمسة اعوام والمؤبد. وكان التقرير الذي اصدرته ما سمي 'اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق' التي شكلها النظام لتفادي فرض لجنة دولية مستقلة، قد احتوى على توصيات من بينها اعادة النظر في الاحكام التي صدرت بحق المعتقلين السياسيين خصوصا المجموعة القيادية.
واوضح احد اعضاء تلك اللجنة، السير نايجل رودلي، بان الفريق كان يهدف من وراء تلك التوصية لاطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم المجموعة القيادية التي ينتمي اليها عبد الهادي الخواجة. ويبدو ان الخواجة اعتقد ان اطلاق سراحه وبقية زملائه مطلب سوف تتعاطف معه واشنطن ولندن، اللاعبان الاساسيان في الشأن البحراني، وان اضرابه عن الطعام سوف يعطي دفعة لهما لاتخاذ قرار الافراج. والواضح انه في الوقت الذي تطالب المجموعات الحقوقية الدولية ومسؤولي الامم المتحدة، ومن بينهم بان كي مون، بذلك، فان واشنطن ولندن تصران على عدم الافراج.
وكان ذلك واضحا من تصريحات مسؤولي البلدين. وأكد البيان الاخير الصادر عن البيت الابيض ان واشنطن لا تسمح باطلاق سراح السجناء، بل تدعو لما اسمته 'حل انساني'، وهو مصطلح فضفاض لا يدعو بشكل واضح للافراج عن السجناء. وتجدر الاشارة الى ان الولايات المتحدة سبقت نظام الحكم في اتخاذ اجراءات بحق الرموز القيادية. فقبل ثلاثة اعوام الغت السفارة الامريكية في المنامة تأشيرات الدخول لعدد منهم من بينهم عبد الهادي الخواجة وحسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السكنيس، وهم جميعا معتقلون ومحكومون بالسجن المؤبد.
بغض النظر عما يحققه إضراب الخواجة على المستوى الشخصي، من افراج يحقق جانب 'الحرية' او استمرار اعتقال يؤدي الى 'الشهادة' وهما الهدفان اللذان اعلنهما الخواجة لاضرابه، فقد دفع ذلك الاضراب قضية الثورة البحرانية الى الواجهة، واعاد الاهتمام بها مجددا. وساهم في ذلك السجال المتواصل حول دورة سباق السيارات المزمع عقدها الاسبوع المقبل في البحرين.
وما يزال قرار اقامتها او الغائها مفتوحا، خصوصا بعد ان انتشر اللغط بشأنها واصبحت سمعة السباق الدولي مضطربة بارتباطها بنظام تشوهت سمعته بسبب انتهاكاته حقوق الانسان على نطاق واسع. وفجأة استيقظ العالم مجددا على الوضع في هذا البلد الخليجي المبتلى، وادرك ان هناك حراكا سياسيا لم يتوقف منذ اكثر من عام، وان المسيرات في ارجائه تتواصل يوميا.
وفي اجواء اللغط والسجال على المستويين السياسي والديني حول الاضراب عن الطعام، يمكن طرح العديد من الامور: اولها ان السجال الديني حول ذلك مستمر، وتكون الفتوى حول مدى جوازه او حرمته مرتبطة بالظروف المحيطة بمصدر الفتوى، ولا يمكن فصلها عن التوجه السياسي لدى الشخص او الجهة المعنية بالفتيا. فمن يؤمن بالثورة والتغيير يرى فيه تجسيدا للنضال والجهاد ويهدف لتحقق مصلحة اسمى، وانه لا يختلف عن الاحتجاج والتظاهر الذي قد يؤدي الى استشهاد المشارك. بينما ينظر اليه آخرون بانه نوع من الانتحار غير المشروع. والواضح ان ثمة اختلافا شاسعا بين التصرفين يجعل الاضراب ممارسة مختلفة تماما. فبينما يتمثل هدف الانتحار اساسا بالتخلص من الحياة، فان هدف الاضراب عن الطعام الترويج لقضية او موقف او مطالب، وليس الموت هو الهدف منه. وبالتالي فلا يمكن قياس الموقف الشرعي من الاضراب عن الطعام بالموقف من الانتحار. ثانيا: ان الاضراب عن الطعام ممارسة جديدة قديمة، مارسها المناضلون منذ قرون، واصبحت اليوم نوعا من الممارسة التي ينتهجها المعارضون والسلطويون على حد السواء كوسيلة ضغط فاعلة على نظام الحكم.
فهل يعتقد عبد الهادي الخواجة بان امتناعه عن الطعام الذي قد يؤدي الى وفاته سوف يغير موازين القوى لصالحه؟ الامر المؤكد ان الرجل كان مدركا لحقيقة واحدة: ان الولايات المتحدة هي التي تدير الملف البحراني، وانها وفرت دعما سياسيا للاجتياح السعودي للبحرين ويؤكد ذلك تصريحات هيلاري كلينتون مرارا بعد الاجتياح. كما ان واشنطن اتخذت اجراء ضد الخواجة بمنعه قبل ثلاث سنوات من دخول اراضيها وسحب تأشيرة الدخول للولايات المتحدة من جوازه.
ومن خلال عمله الحقوقي في مواقع عديدة اكتشف الخواجة، كما اكتشف غيره من النشطاء الحقوقيين، ان الولايات المتحدة تنطلق وفق ما تعتبره طريقا لتحقيق مصالحها، ولا تهتم بحقوق الانسان من قريب او بعيد. فقد مارست التعذيب بحق سجناء
غوانتنامو، وبشكل خاص طريقة 'الايهام بالغرق' التي اعتبرتها المنظمات الحقوقية كافة تعذيبا، بينما اعترف الرئيس السابق جورج بوش الابن بانه هو الذي اقرها، مبررا ذلك بانها ساهمت في منع اعتداءات محتملة على اهداف امريكية.
ان ملف الاضراب عن الطعام حافل ومتواصل خلال التاريخ النضالي للشعوب، وهو سلاح الضعيف الذي لا يجد وسيلة اخرى للتعبير عن ظلامته. هذا النمط من الاحتجاج كان واحدا من سمات مسيرة الزعيم الهندى 'المهاتما غاندي' المتحمس للسلام، الذي روج نهج بـ 'المقاومة السلمية'. لمقاومة الاستعمار البريطاني في الثلاثينات. وفي العام 1932 م قررالصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد الهنود المنبوذين، واستجاب الزعماء السياسيون والدينيون له بالتفاوض والتوصل إلى 'اتفاقية بونا' التي قضت بإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
ويؤكد غاندي بأن قيمة اللاعنف لا تقاس فقط بقدرته على تحقيق تغيير سياسي وإنما بكونه يسجل موقفا إيجابيا ضد الاستعمار والظلم.
ومارس نيلسون مانديلا في بعض مراحل نضاله الاضراب عن الطعام، خصوصا عندما كان سجينا بجزيرة روبين. فقد كان يزرع بحديقة السجن بعض وجباته الهزيلة.
قبل ثلاثة شهور توفي المعارض الكوبي، ويلمان فيلار، بعد اضراب عن الطعام استمر قرابة الشهرين، احتجاجا على اعتقاله وحكمه بالسجن اربع سنوات بسبب مشاركته في مسيرة سلمية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ويمارسه كذلك الناشطون الذين لا يملكون وسائل اخرى لتسليط الضوء على سياسات او مواقف سلطوية يعتبرونها مشينة، كالفساد مثلا. ففي شهر اب (اغسطس) الماضي بثت شاشات التلفزيون مشهد الرجل السبعيني، آنا هازاري، مضربا عن الطعام وهو جالس باحدى الحقائق العامة في الهند، احتجاجا على قانون جديد لمكافحة الفساد اعتبره الناشط 'النكتة السخيفة'، ووصف الكفاح ضد الفساد بأنه 'الحرب الثانية من اجل الاستقلال'.
وأظهر إحصاء أخير أن 'الفساد يكلف الهند مليارات الدولارات ويهدد بعرقلة نمو اقتصادها'. وأنهى هازاري اضرابه بعد ان أوصل رسالته للرأي العام مع علمه بان امكانات الدولة تحول دون انتشار الحقيقية.
ويمارس الاضراب عن الطعام بشكل اوسع من قبل المعتقلين السياسيين لجذب الانظار الى قضيتهم والضغط على السلطات. فما تزال المناضلة الفلسطينية هناء شلبي مستمرة في اضرابها عن الطعام احتجاجا على ما تسميه سلطات الاحتلال 'توقيفا اداريا' استمر اكثر من عامين حتى الآن. اختطفت هذه الفتاة من بين اهلها بمنطقة برقين احدى قرى جنين شمالى الضفة الغربية، لان نشاطها ومواقفها لا تتناسب مع مصالح الاحتلال الاسرائيلي.
وأضرب الاسير الفلسطيني، خضر عدنان عن الطعام لمدة 66 يوما مطالبا بضمان حقوق الاسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال الاسرائيلي. وقال في 11 فبراير الماضي: 'أؤكد على أن إضرابي عن الطعام، ليس من أجل قضيتي كفرد، إنما من أجل قضية أبناء شعبي، ومئات الأسرى الإداريين المحرومين من أبسط حقوقهم'.
وأنهى عدنان، البالغ من العمر 33 عاماً، الذي ينحدر من قرية 'عرابة' جنوب محافظة 'جنين' في الضفة الغربية، إضرابه بعدما تعهدت السلطات الإسرائيلية بالإفراج عنه في 17 نيسان/أبريل من العام الجاري.
وكانت زوجة وزير العدل التونسي قد اعلنت اضرابها عن الطعام تضامنا مع خضر عدنان. وفي الاسبوع الماضي بدأ الاسير بسجون الاحتلال الاسرائيلي، عبد الله البرغوثي، البالغ من العمر 41 عاما، وهو مسؤول الجناح العسكري بحركة حماس في الضفة والمعتقل منذ 2003 إضرابا عن الطعام مؤكدا انه لن يفك اضرابه تحت اي ظروف من الظروف الا بعد تحقيق مطالبه المتمثلة باخراجه من العزل الانفرادي والسماح لاهله في بزيارته.
وقال البرغوثي ان اضرابه مستمر، فإما تحقيق مطالبه او الشهادة. ومن الجدير ذكره أن الأسير محكوم 67 مؤبدا و5200 سنة، وهو صاحب أطول حكم عسكري في تاريخ الاحتلال، ومعزول انفراديا منذ اعتقاله.
ولا يقتصر الاضراب على المعارضين المسجونين، بل ان السياسيين قد يقومون به ايضا. فقبل شهرين راودت الفكرة نوابا بمجلس الشعب المصري منهم زياد العليمي وعمرو حمزاوي ومصطفى الجندي احتجاجا على الاوضاع حول وزارة الداخلية وضرب المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع وخراطيش الماء، وهي الحادثة التي فضحت اساليب القمع التي تمارسها قوات الامن المصرية بتوجيهات المجلس العسكري. وفي بنغلاديش اضربت في مايو 2008 قيادات حزب 'رابطة عوامي' عن الطعام، مطالبين باطلاق سراح الشيخة حسينة واجد، زعيمة حزبهم ورئيس الوزراء السابقة، ومعها 170 من السياسيين، واطلق سراحها لتخوض الانتخابات وتفوز برئاسة الوزاء للمرة الثانية، وانهاء حكم العسكر. كما ان الاضراب يشمل المرأة ايضا، كما فعلت هناء شلبي.
وقد دخلت المرأة في بداية القرن العشرين عالم الاحتجاج جوعا، عندما تكررت حالات الاحتجاج من قبل النساء في السجون البريطانية. وفي عام 1913 صدر القانون المعروف بقانون 'القط والفأر' الذي كان يسمح بالتسامح مع حالات الإضراب عن الطعام مع القيام بإطلاق سراحهن إذا ما ساءت حالتهن الصحية. وتتم اعادتهن للسجن عندما تتحسن صحتهن.
ولجأت الأمريكيات أيضا لهذه الطريقة، احتجاجا على عدم السماح لهن بممارسة حقوقهن السياسية. وقد نجحت تلك الوسيلة في الضغط على الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي أعلن تأييده للتعديل 19 في الدستور الأمريكي الذي منح المرأة حق التصويت.
وفي العصر الحديث كانت الحالة الاكثر درامية وفاة عشرة من اعضاء الجيش الجمهورية الايرلندي في العام 1981 نتيجة الاضراب عن الطعام. فبعد ان رفضت السلطات البريطانية اعتبارهم سجناء سياسيين وتحسين اوضاع اعتقالهم تبعا لذلك، بدأ بوبي ساندز اضرابه الذي استمر 63 يوما قبل ان يتوفى، ولحقه تسعة آخرون واصلوا الاضراب واحدا تلو الآخر حتى الموت. وقدمت السلطات البريطانية تنازلات جزئية لهم وتم فك الاضراب.
وقد ارتبط الاضراب عن الطعام بمفهوم قديم اطلق عليه 'فعل التدمير الذاتي' الذي كان محاولة لتعرية الظالم علنا الذي يسمح ببقاء انسان جائعا في كنفه. وفي 1917 مارس الجيش الجمهوري الايرلندي هذا الاسلوب من الاحتجاج من خلال المناضل توماس آش زعيم ثورة عيد الفصح في 1916 في دبلن. وقد توفي ذلك المناضل في السجن اثناء محاولة اطعامه بالقوة. وينسب اليه القول: 'من يعاني أكثر من غيره هو من ينتصر في النهاية'. وافرجت السلطات البريطانية لاحقا عن 89 من الناشطين الايرلنديين بعد اقل من ثلاثة اسابيع من اضرابهم عن الطعام لتجنب المزيد من الحرج.
الواضح ان اغلب قرارات الاضراب عن الطعام تحقق نتائج مرضية للقائمين بها. فحتى الاسرائيليون لم يستطيعوا تجاهلها، برغم ممارستهم ابشع اشكال ارهاب الدولة، لانها تخلق تعاطفا دوليا واسعا وتفتح الملفات السوداء للنظام المستهدف بالاضراب، وتحرج حلفاءه بشكل كبير. وفي الاسبوع الماضي بدأ مناضلان بحرانيان، علي مشيمع وموسى علي اضرابا عن الطعام عن الطعام امام السفارة الامريكية في لندن مطالبين بالافراج عن اثنين من قادة الثورة مهددان بالموت: عبد الهادي الخواجة المضرب عن الطعام منذ سبعين يوما تقريبا وحسن مشيمع الذي يعاني من السرطان. وواصلا اضرابهما بعد اقتحامهما سفارة بلدهما في لندن مطالبين بالافراج عن السجناء، وانتهى الامر باعتقالهما، كل ذلك لجذب الانظار الى قضية شعبهما وثورته.
وهكذا يتضح ان الاضراب عن الطعام وسيلة المناضلين السلميين الذين يمارسونه كمقاومة ذات طابع سلبي يتحاشى العنف ويهدف لجذب انظار الآخرين الى قضيته. ان الاضراب عن الطعام وسيلة مفيدة اذا اقترن بحراك سياسي ميداني، فحينئذ تتضافر جهود المناضلين والثوار لتقود مسيرة التغيير.
مزحة سياسية
جريدة الغد الاردنية/محمد ابو رمان
رﺑﻤﺎ ﻳﻘﺎل اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻧﻈﺮﻳﺎ ﻋﻦ إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب ﻟﻜﻠﻤﺔ "اﻟﺪﻳﻨﻲ" ﻓﻲ اﻟﻔﻘﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻋﺪم ﻗﺒﻮل ﺗﺄﺳﯿﺲ أﺣﺰاب ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻃﺎﺋﻔﻲ أو ﻋﺮﻗﻲ أو ﻓﺌﻮي. ﻟﻜﻦ اﻟﮫﺪف اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻣﻦ إﻗﺤﺎم ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ، وھﻮ ﻣﻨﺎﻛﻔﺔ اﻹﺧﻮان، أﻗﺮب إﻟﻰ "ﻣﺰﺣﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ" ﺧﻔﯿﻔﺔ اﻟﺪم، ﻓﻲ أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻﺗﮫﺎ، ﺑﻼ أي ﻣﺮدود واﻗﻌﻲ ﺣﻘﯿﻘﻲ ﻟها!
ﺣﺴﻨﺎ ﻓﻌﻞ اﻹﺧﻮان ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺎﻣﻠﻮا ﺑـ"ﺳﺨﺮﻳﺔ" ﻣﻊ دﻋﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮاب ﺑﺄ ّن اﻟﻤﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﺣﺰب ﺟﺒهة اﻟﻌﻤﻞاﻹﺳﻼﻣﻲ، إذ ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ ﺣﻤﺰة ﻣﻨﺼﻮر ﺑﺄ ّن ھﺬا ﻧﻘﺎش داﺧﻞ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب ﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺤﺰب، ﻓﯿﻤﺎ أﺿﺎف زﻣﯿﻠﻪ زﻛﻲ ﺑﻨﻲ ارﺷﯿﺪ إﻟﻰ ذﻟﻚ أ ّن اﻟﺤﺰب ھﻮ ﺣﺰب ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻳﻀﻢ ﻣﺴﯿﺤﯿﯿﻦ أو ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻮﺟﻮدھﻢ، وھﻮ ﻟﯿﺲ ﺣﺰﺑًﺎ دﻳﻨﯿًﺎﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺿﺪ اﻵﺧﺮ.ﻣﻊ ذﻟﻚ؛ ﻓﺈ ّن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺄﺳﯿﺲ ﺣﺰب ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس دﻳﻨﻲ، ﻧﻈﺮﻳًﺎ، ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻧﻘﺎش واﺳﻊ، وﻃﺮح ﺳﺆال ﺑﻨﯿﻮي: ﻣﺎ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻷﺳﺎس اﻟﺪﻳﻨﻲ؟ ھﻞ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ -ﻣﺜ ًﻼ- ﻣﻨﻊ ﺣﺰب ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻣﻦ اﺳﺘﻠﮫﺎم ﻣﺒﺎدئ وﻗﯿﻢ اﻟﺪﻳﻦ وأﺧﻼﻗﻪ؟ وﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ اﻷﺣﺰاب اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ اﻟﯿﻮم؟ أم اﻟﻤﻘﺼﻮد اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ وﺗﺪاول اﻟﺴﻠﻄﺔ؟ وإذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﺈ ّن اﻷﺣﺰاب اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻌﻠﻦ ﺟﻤﯿﻌها اﻟﯿﻮم ﻗﺒﻮﻟهاﺑﺬﻟﻚ!
اﻟﻄﺮﻳﻒ ﻓﻲ ھﺬه اﻹﺿﺎﻓﺔ أّﻧﮫﺎ ﺗﺴﺘﻠﮫﻢ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺒﺎﺋﺪة، ﻣﺜﻞ ﻣﺼﺮ وﺗﻮﻧﺲ وﺳﻮرﻳﺔ، ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺜﻮرات اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻈﺮ اﻷﺣﺰاب اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻷردن ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻤﻌﺪودة واﻟﻘﻠﯿﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﺘﺸﺎرك ﻓﻲ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت واﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ! اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪ أن ﺛﺒﺖ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻌﺮﻓﯿﺔ واﻷﻣﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺷﻠﺔ، وزادﺗﮫﻢ ﻗﻮة واﻟﺘﺤﺎﻣﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎرع وﺗﻌﺎﻃﻔﺎ ﻣﻌها، وﺑﻌﺪ أن أدرك اﻟﻐﺮب ﻧﻔﺴﻪ ﺧﻄﺄ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﻣﻦ اﻹﺳﻼﻣﯿﯿﻦ وﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎھﻠﮫﻢ ﺑﻮﺻﻔﮫﻢ اﻟﻘﻮى اﻟﺼﺎﻋﺪة، ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺒﻌﺾ أن ﻳﻠّﻮح ﺑﮫﺬا اﻟﺨﯿﺎر ﻓﻲ اﻷردن، ﻓﺄي دﻻﻟﺔ ذﻛﯿﺔ ﺗﻠﻚ! ﻻ أﺗﺤﺪث ھﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎﺋﺐ ﻣﻤﺪوح اﻟﻌﺒﺎدي اﻟﺬي اﻗﺘﺮح ھﺬه اﻟﻤﺎدة؛ ﻓﺄﻧﺎ أﻋﺮف أّﻧﮫﺎ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، وﻋّﺒﺮ ﻋﻨﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﻋﺪة. ﻟﻜﻨﻨﻲ أﺳﺘﻐﺮب ﻣﻦ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ واﻓﻘﺖ وﺟﺰء ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻨﮫﺎ ﻳﻈﻦ أّﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ ﺑﺬﻟﻚ -ﻓﻌﻼ- ﺣﻈﺮ ﺣﺰب ﻣﺜﻞ ﺟﺒهة اﻟﻌﻤﻞ اﻹﺳﻼﻣﻲ أو ﻣﻨﺎﻛﻔﺘﻪ أو ﺗﮫﺪﻳﺪه؛ ھﻨﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪا وﺟﻪ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ والهزﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع.
ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺪي أي أوھﺎم ﺑﺄ ّن وراء إﻗﺤﺎم ھﺬا اﻟﻨﺺ أﺟﻨﺪة رﺳﻤﯿﺔ أو رﺳﺎﻟﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻟﻺﺳﻼﻣﯿﯿﻦ. ﻓﺎﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺪرك ﺗﻤﺎﻣًﺎ أ ّن ھﺬا اﻟﺨﯿﺎر ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﻄﺮوﺣًﺎ اﻟﯿﻮم، وﻻ ﻳﻌﻜﺲ اﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺑﻪ أي ﺟﺪﻳﺔ ﻟﺪى اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺤﺰب اﻹﺳﻼﻣﻲ، وھﻮ ﺧﯿﺎر ﻟﻢ ﻳﻜﻦ واﻗﻌﯿﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻛﺎن ھﻮ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﺮﺑﯿﺎ، وﻣﻦ ﺑﺎب أوﻟﻰ أن ﺗﻨﺄى اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻨﻪ وﻧﺤﻦ ﻧﺸهد وﻻدة ﺣﻜﻮﻣﺎت إﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ دول ﻋﺮﺑﯿﺔ ﺷﻘﯿﻘﺔ. ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺗﻌﻜﺲ ھﺬه اﻟﻤﺎدة ﻋﻘﻠﯿﺔ ﻣﺎ ﺗﺰال ﺳﺎﺋﺪة ﻟﺪى ﻧﺨﺐ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ أردﻧﯿﺔ، ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻹﻗﺼﺎء
واﻟتهميش وﺗﻌﺘﻘﺪ أ ّن ھﺰﻳﻤﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﯿﻦ ﺳﯿﺎﺳﯿًﺎ وﺷﻌﺒﯿًﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ إﺧﺮاﺟﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، وھﻲ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﯿﻮم ﻋﺒﺌًﺎ ﺳﯿﺎﺳﯿًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮوع اﻟﺪوﻟﺔ وﻃﻤﻮﺣﻨﺎ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻟﺘﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻹﺻﻼح واﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ورﺑﻂ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣّﺮة أﺧﺮى!
هل الإيمان الديني عامل مؤسّس لثقافة العيش المشترك ؟
المستقبل اللبنانية/جيروم شاهين
كيف يمكن أن نعتبر أن الإيمان الديني هو عامل مؤسِّس لثقافة العيش المشترك لا بل الواحد ؟ نعتبر أن ذلك صحيح عندما ننظر إلى الدين على أنه عطيّة من الله، ورحمة منه، وهداية للبشر أجمعين. لذلك، لا يمكن أن يكون، في جوهره وغايته، إلاّ مصدر محبة وسلام وعدل وارتقاء لإنسانية الإنسان في توقها إلى الله المطلق الوحيد. إلاّ أنه، عندما يصادر الناس الدين
ويقطعون صلته بالوحي الإلهي، ويوظفونه في خدمة مصالحهم الفردية والفئوية الضيقة، مستخدمين إياه في تبرير سياسات الظلم والعدوان، إنما يصبح الوسيلة الأكثر فتكاً بالناس في كرامتهم وحقوقهم المشروعة. إنّ هذا الأمر يطرح مسألة التعددية الدينية، الطائفية والمذهبية، في شرعيتها ومقاصدها ونتائجها. إنّ التعددية الدينية والطائفية هي، من وجهة نظر لاهوتية، وفي الحكمة الإلهية ومقاصدها، تعدّدٌ في سبل الخلاص، استنساباً للزمان والمكان ولأوضاع البشر المختلفة. لذلك، فالتعددية تتناقض مع احتكار شكل التديّن ، والإستكبار، والإختزال، والإحتواء والإستتباع، بل هي دعوة إلى الحوار لمعرفة الآخر كما يعرف هو ذاته ويُعرّف هو عن ذاته، وصولاً إلى احترام متبادل ومشاركة فعّالة لبناء المدينة الأرضية كما يريدها الله وليس كما يخطط رصف مداميكها البناؤون. " فإن لم يبنِ الربُ البيت ، باطلاً يتعب البنّاؤون ".
أما على مستوى الأهداف المجتمعية الميدانية التي على التعددية الدينية الإيمانية أن تحدّدها، فهناك أكثر من هدف تنكشف لنا أهميته لا بل إلحاحيته لتحسين صحة العلاقات المتبادلة بين أفراد مجتمعاتنا وشرائحها. نذكر هنا بعضاً من تلك الأهداف:
أولاً، رصْد حالة العيش المشترك في كل من بلداننا، رصداً موضوعياً، علمياً، يخلو من كل أنواع الأفكار المسبقة، والأحكام القيميّة، والتصورات المتخيّلة الوهمية والمتوارثة في الذاكرة الجماعية، وجميع الإسقاطات المُغرضة التي نسجها الغرب، بمستشرقيه وسياسييه، وفرضها على مجتمعاتنا الشرقية بقوة هيمنته الإستعمارية.
ثانياً، تحديد مواقع التوترات والنزاعات التي تُستخدم فيها المشاعر الدينية وقوداً لإذكاء الصراعات بين فئات المجتمع الواحد، والدين الأصيل منها براء.
ولما كانت المصالح المادية القومية والفئوية هي التي تتحكّم في العلاقات ما بين الدول، فإن الدول المتطورة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لا تتوانى أبداً عن استخدام ضعف دول العالم الثالث من جهة، وتمسّك شعوبها بالدين من جهة ثانية، لتتدخّل باستمرار من خلال الاختلافات الدينية لدى تلك الشعوب، فتحوّل الاختلافات إلى صراعات. من هنا يأتي دور الحوار الإسلامي ـ المسيحي الذي يهدف إلى تعميق العيش الواحد في كشف تلك التدخلات الخارجية وفضحها وبالتالي منعها من زرع الفتن في مجتمعاتنا. إلاّ أن الحوار الإسلامي ـ المسيحي الحقيقي، وفيما هو يقوم بوظيفة صدّ التدخّلات الخارجية وتعطيلها، عليه بالوقت نفسه ألاّ يغفل عن التناقضات الفعلية في داخل كل مجتمع. وهكذا يصبح من مهمات الحوار تحصين الجبهات الداخلية والتصدّي للتدخّلات الخارجية في آنٍ واحد.
ثالثاً، استكشاف المساحات المشتركة، على صعيد الدين، والأخلاق، والقيم، والثقافة، وما يشكّل تحدّيات مشتركة تهدّد المصير الواحد. ومما يسوّغ مثل هذا الاستكشاف هو أن مساحات عديدة مشتركة وايجابية جداً غالباً ما تكون مطموسة، مغيّبة، محرَّفة، ومستلَبة. فالبحث عن القيم الروحية والإنسانية المشتركة في تراث الدينَين وفي سلوك أتباعه، وعن النماذج المشرقة لتجارب العيش المشترك والتضامن والتراحم والتوادّ، وإبراز تلك النماذج، إنما يشكّل تمهيدَ أرضيةٍ واسعة وموآتية لإنجاح أي مشروع لتعميق العيش الإسلامي ـ المسيحي الواحد.
يجب ألاّ نخشى على الأديان وألاّ نخشى من الأديان. لربما علينا أن نخشى ممن يستخدمون الأديان وقوداً في إذكاء الصراعات السياسية والاقتصادية.
لذلك، على الحريصين بأن تقوم الأديان بدور أنسنة الإنسان أكثر فأكثر وبإشاعة قيم السلام والمحبة والعدالة والمساواة، أن يحصّنوا المؤمنين بالله كي يبقى الدين واثقاً بنفسه دون انتصاريّة، متواضعاً دون انكسار، شجاعاً دون تهوّر.
إلاّ أنه، إذا ما تطلّعنا إلى ما يحصل راهناً في منطقة الشرق الأوسط، يجعلنا نُبدي خشية معلَّلة من استخدام التعدد الديني في بناء مشاريع سياسية واقتصادية وجيو ـ استراتيجية مشبوهة في اهدافها ونتائجها.
ما نخشى منه، على سبيل المثال، أن تُستخدَم الأديان والطوائف والمذاهب لإزالة صيغة الدولة / الأمّة الموحَّدة والموحِّدة واستبدالها بكيانات طائفية ومذهبية. وفي هذا المنظور، يتمّ، للأسف، تفتيت الانتماء بالمواطنة الواحدة على الرغم من تعدد الطوائف، لبناء كيانات طائفية ومذهبية.
إن ما نخشى وقوعه يجب ألاّ يؤدّي بنا إلى الإحباط او اليأس. بل، على العكس، يجب أن يحفّزنا لكي نجعل التعددية الدينية والطائفية غنى وثراء لوحدةٍ ضمن التنوّع.
إنّ هذه الوحدة المؤسَّسة على إزالة التوترات والنزاعات الدينية لا يمكن أن تتحقق إلاّ باعتماد المبدأ التالي: الدين لِمَن اعتنق الدين، والوطن للجميع، والناس متساوون في الإنسانية وفي المواطنة الواحدة.
على وقع الألحان العربية والفارسية والعبرية
جريدة النهار/اوكتافيا نصر
أمام العرب فرصة تاريخية كي يفحصوا ضمائرهم، ويعيدوا تقويم أهدافهم، ويضعوا خططاً جديدة للمستقبل الذي سيكون لإيران وإسرائيل حضور كبير فيه.
تدرك إسرائيل تماماً أنها لا تستطيع أن تستمرّ في الوجود دولة فاعلة من دون التوصّل إلى سلام مع معظم جيرانها، إن لم يكن جميعهم. كما أنها لا تستطيع مواجهة التهديد الإيراني بمفردها في المنطقة.
أما إيران، فقد أثبتت نفسها قوّة عظمى في الشرق الأوسط، وهي تستمرّ في السعي إلى تطبيق برنامجها النووي على رغم التهديدات والعقوبات والعزلة المفروضة عليها. وبصماتها واضحة في عدد كبير من الدول المهمّة من المغرب مروراً بالبحرين والسعودية وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان. ولها أيضاً ما يكفي من الحلفاء في المنطقة وخارجها كي تمعن في أسلوب التحدّي فترة طويلة. وهكذا فإن بلدان الخليج التي تستضيف على أراضيها أكبر القواعد الجوية ومنصّات الإطلاق العسكرية الأميركية التي تستخدمها الولايات المتحدة في حروبها، والتي تقع على مسافة قصيرة من الصواريخ الإيرانية، ترتعد من الغضب أو الخوف أو كليهما معاً.
ليست لدى العرب طموحات نووية على حد علمنا. وليس لهم نفوذ عسكري أو سياسي يستحق الذكر. يملك بعضهم النفط الذي لا يزال يشكّل ورقة مساومة مهمة جداً، لكنه لن يبقى كذلك لوقت طويل. لذلك حان الوقت لوضع خطة جديدة ورؤية خلاّقة واستراتيجية عصرية. يبدو أن الاستراتيجية التي يعتمدها بعض اللاعبين المهمّين، ولا سيما منهم السنّة في الخليج، تقوم على الانفتاح على إسرائيل، فهم يشقّون طريقهم بحذر شديد نحو التطبيع. ويواصل آخرون إطلاق المواقف المناهضة لإسرائيل فيما يتفاوضون تحت الطاولة. أما اللاعبون الأصغر فيراقبون بهدوء، وعلى الأرجح أنهم سيلحقون بالركب في الوقت المناسب.
يخيّم شبح التهديد الإسلامي بقوّة أشد فتكاً من السابق. صحيح أن الأنظمة الديكتاتورية نجحت في قمع أكثر النشاطات الأصولية طوال عقود، إلا أنها فشلت في اجتثاث التيارات الإسلامية. على النقيض من ذلك، انتشرت هذه التيارات وتحوّلت أخطبوطاً جامحاً تمتدّ أرجله بعيداً جداً، وقادراً على زرع الخراب والفوضى في كل مكان يصل إليه، من جنوب شرق آسيا وصولاً إلى القارة الأميركية وأوروبا، وبالتأكيد في أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. وكلما أحكمت هذه المجموعات الإسلامية
الإرهابية قبضتها على السلطة والنفوذ من خلال الآليات الديموقراطية، أظهرت تفانياً أكبر في نشر نسختها عن الإسلام في أنحاء العالم. وفيما تستمرّ في العمل من دون قيادة مركزية، ستخرج قريباً عن السيطرة تماماً.
في مواجهة هذه التحدّيات، يتعين على العرب أن يُقدِّموا أنفسهم بصورة جديدة، ويعيدوا تحديد مهمّتهم في الحياة على الصعيدَين الفردي والجماعي.
على رغم الانقسامات الداخلية، تقف إسرائيل صفاً واحداً ضد الجميع عندما يتعلّق الأمر بأمنها. وإذا وضعنا المعارضة جانباً، تقف إيران صفاً واحداً ضد جهات كثيرة. أما العرب فلا يتّحدون إطلاقاً.
قد تكون لكل بلد عربي رؤيته للنجاح والتكامل، لكن البلدان العربية مجتمعةً عاجزة عن الاتّحاد ودعم قضايا مشتركة. في انتظار أن ينتهي ذلك ويجمع هذه البلدان هدفٌ يُغيِّر واقعها، سوف تستمرّ نزعة التقارب التي نراها الآن بين بلدان عربية وإسرائيل، وبين عرب آخرين وإيران، بالنمط عينه إلى أن يبقى هناك معسكران فقط. وعندئذٍ لن يعود للعرب أي دور بل يصبحون مجرّد تكملة للعدد في هذا المعسكر أو ذاك.
إسرائيل ستضرب إيران و"الحزب" معاً
جريدة النهار/سركيس نعوم
عن إمكان انجرار اميركا الى الحرب مع ايران بسبب الضربة العسكرية التي قد توجهها اسرائيل الى الأخيرة، قال المسؤول الاميركي الكبير السابق نفسه المستمر في تعاطي الشأن العام: "جوابي عن هذا الموضوع، كما عن ردّ الفعل من عندك في لبنان على ضرب إسرائيل ايران هو ان إسرائيل ستضرب في وقت واحد ايران و"حزب الله"، وكل قدراته الصاروخية والعسكرية وتدمرهما تماماً". أما في ما يتعلق بأميركا فان عليها ان تقرّر ماذا تريد في الموضوع الايراني. علماً ان اميركا،
ايام بوش واولمرت (رئيس سابق لوزراء اسرائيل) لم يسمع اولمرت "الوديع" نصيحتها او موقفها رغم علاقته الجيدة ببوش عندما طلبت منه عدم توجيه ضربة عسكرية للمفاعل النووي السوري الذي كان يُقام في منطقة دير الزور. ضربه ولم يأبه للتحذير الاميركي. الآن علاقة اوباما ونتنياهو ليست جيدة أساساً. كيف سينعكس ذلك على المحادثات بينهما وعلى الموضوع الايراني، لا اعرف. ما أعرفه إن من مصلحة اميركا ضرب القدرة النووية لايران".
ماذا عن عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل؟ هل ماتت؟ سألت. أجاب: "لم تمُت. لكنها لا تتقدم لأسباب عدة. منها ان محمود عباس اشتغل جيداً في الضفة الغربية وحقق نتائج. إذ فيها ازدهار اقتصادي او تحسّن اقتصادي ملموس، فضلاً عن ان العمليات الارهابية بدأت تغيب عنها. طبعاً البحث في السلام مستمر". علّقت: لكن في غياب السلام سينتهي الموضوع. إذ في ظل الأوضاع في العالم العربي فإن أحداً لن يوقف نتنياهو او اي رئيس وزراء اسرائيلي آخر من متابعة الاستيطان في الضفة الغربية، الأمر الذي لا يبقي شيئاً يتفاوض عليه الفلسطينيون مع إسرائيل. ردّ: "أُنفِقَ على الاستيطان في الضفة اكثر من 20 مليار دولار اميركي منذ عام 1967. ورغم كل الاعلانات والدعاية لم تجذب حركة الاستيطان اكثر من خمسة في المئة من الاسرائيليين. فهم لا يريدون الضفة ولا العيش فيها. يوم يحين اوان الحلول فإن التوصل اليها لن يكون صعباً. علماً ان القدس هي موضع خلاف كبير بين الجانبين. إننا نفصلها عن الضفة، وهذا ما تفعله اسرائيل وتعتبرها موضوعاً مستقلاً لا تتساهل
فيه". سألتُ: "ماذا عن العراق في رأيك وخصوصاً في ضوء ما يقال عن ان منطقته السنّية ستصبح "هانوي" الثوار السوريين؟ اجاب: "لا أعرف. على كل ان سنّة العراق اقلية وهم قد يساعدون ثوار سوريا. لكن ماذا تفعل الـ60 في المئة او ربما الـ65 اي الغالبية الشيعية في العراق؟ ربما يساعدون نظام بشار الأسد. إلا أنني لا أرى حرباً اهلية او تجدّداً للحرب
الاهلية في العراق. ربما تحصل اغتيالات وعمليات انتحارية وتفجيرات لا أكثر. وهذا ما يجري الآن. قد يكون عراق المستقبل لامركزياً اي فيديرالياً وربما اقرب الى الكونفيديرالية. وعندها قد تصبح علاقات اكراد العراق وتركيا وثيقة جداً". ثم سأل: "هل يتلقى "حزب الله" اوامر من ايران؟ علماً ان امينه العام السيد حسن نصرالله أجاب عن هذا السؤال بـ لا في أحد خطبه". أجبتُ: قال ذلك نعم لكنني لا اعرف اذا كان سينتظر اوامر ايرانية ليطلق صواريخه على اسرائيل في حال ضربت
ايران. إسرائيل عنده اي مقاومتها هي سبب وجوده وقوته ودوره، علماً ان لايران تأثيراً قوياً فيه وعليه. طبعاً هناك شيء من الحكمة عند قيادته. فهي لا تريد مبدئياً التضحية بلبنان ولا بـ"الحزب" ولا بالشيعة في حرب يديرها الخارج. الجميع سيخسرون.
ماذا قال سوري اميركي معروف عمل باحثاً ولا يزال، ولكن كان له دور مباشر وأساسي في قيادة عملية تفاوض غير مباشر بين اسرائيل وسوريا أيام الراحل حافظ الاسد ثم ابنه بشار استمرت سنوات، وكاد ان ينجح في إقامة سلام بينهما لولا تسريب اسرائيلي متعمّد لها قبل قليل من نجاحها، ماذا يقول عن الذي يجري في وطن جذوره؟
قال: "أنا لا ازال على اتصال مع السفيرين السوريين العاملين خارج سوريا اللذين كانا يؤمِّنان دائماً الاتصال بيني وبين الشام إذا احتاجت الى شيء مني او إذا ارادت ابلاغي موقفاً ما. لقد اشتغلت على عملية السلام كما قلت لك في السنتين الماضيتين مع الراحل حافظ الاسد ثم مع بشار. ومع الاخير استمر التعاون من 2004 الى 2007. اما بالنسبة الى سوريا يجب ان يتم التوصل الى حل سياسي، إذا اخفق الجميع في ذلك فإن الحرب الاهلية وتحديداً المذهبية ستبدأ". بماذا أجاب؟
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس