أقلام وآراء
ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الاسرائيليون: اين الدول العربية؟
بقلم: أسرة التحرير عن يديعوت احرنوت
أغرقت الجماهير جادة روتشيلد يهودا وعربا وكبارا وشبابا. 'الشعب يريد العدل'، صرخوا ورفعوا لافتات ضخمة. فبعد سنين طويلة من الرقاد رفع اليسار الاسرائيلي رأسه في فخر وأخرج عشرات آلاف المؤيدين الى الشوارع. ونقلت الحافلات شبابا بملابس الحركة الى ميدان رابين حيث خُطط لمسيرة النهاية. وبدت شولاميت ألوني مبتهجة الى جانب نعومي حزان. وصاحبهما احمد الطيبي السيد المهذب في بطء واهتمام. وتحركت عدسات التصوير ورفع احمد يديه الى أعلى.
نهض الشعب فجأة واستقر رأيه على التظاهر من اجل المُثل والقيم وحقوق الانسان التي هي مصطلح بسيط جدا لكنه يحتاج الى الكثير جدا. وسار عشرون من اعضاء جماعة 'الأدباء' الذين يلتقون في كل يوم جمعة في الجادة للتوقيع على عرائض والاحتجاج على ليبرمان والمستوطنين، في مقدمة السائرين. بل بدا رجال الشرطة الذين يُظهرون في الايام العادية التجهم لمتظاهري اليسار المتطرف، بدوا مشجعين ومُصغين. ومر شابان ذوا قبعتين كبيرتين للمتدينين قرب رجال الشرطة وقالا صائحين 'كل الاحترام' لثلاث شقراوات من النرويج جئن ليكن نشيطات سلام. وأضاع اليمين الفرصة فكان العرض كله للاحزاب العربية وشريكاتها الطبيعية من اليسار المتطرف ومن منظمات حقوق الانسان.
وانتظر على المنصة عميره هاس وحنين الزعبي وجدعون ليفي، وقال كل واحد منهم حينما حانت نوبته لا يمكن التسليم بعد لهذا الظلم ولهذه القسوة وصفق الجمهور لهم. ونحن الذين جربنا في الماضي ما تعنيه الجرائم على الانسانية لن نستطيع الصمت بعد. 'يجب الضغط على العالم والضغط على حكومة اسرائيل. يجب الضغط. ويجب ان نكتب ونقول هذه الحقيقة وإن لم تكن سهلة الهضم. ان الأحداث كلها تصبح قزما حينما يتم الكشف عن هذه المشاهد ولا يجوز ان ندع هذا يستمر'، صاحت الزعبي ورفعت صورة والد يحمل جثة ابنته وذرفت احدى الشرطيات دمعة.
كان نشيد النهاية مؤثرا تأثيرا خاصا. وكان محمد بركة الى جانب رائد صلاح ويوسي سريد ونوعم تشومسكي الذي جاء في رحلة جوية خاصة الى البلاد للمشاركة في المسيرة. فهذه الليلة كلنا اسرائيليون وكلنا بشر، وكلنا متألمون وكلنا نطلب العمل. ويكفي صمتا. وظهرت على الشاشة المقسومة صورتا أبو مازن وسلام فياض. إننا جميعا في هذه الليلة أبناء الشرق الاوسط وأبناء ابراهيم، قالوا معا تقريبا بلغة انجليزية فصيحة.
وتم خفت الأضواء حينما غنت حافا البرشتاين اغنية ثنائية مع أفيف غيفن. وأصبح لكلمات 'جندي أسود يضرب جنديا ابيض' معنى مميز حينما بُثت على الشاشات الصور القاسية من مذبحة حمص. وصاح بعضهم من بين الجمهور 'الأمم المتحدة جوفاء'، وانضم الآخرون اليه. وصاح متظاهر من أم الفحم: 'أين الدول العربية؟'.
نُقل هذا المساء ببث حي في القنوات الثلاث واشتغل المحللون في واحدة منها بتوقيت المسيرة. 'ماذا توقعتم؟'، قال المحلل السياسي متكتفا. 'ليس كل شيء خدعا ومصالح. اذا كان يمكن ضبط النفس في البدء فانه منذ اللحظة التي ظهرت فيها الصور من المذبحة في سوريا أصبح من الطبيعي ألا يصمت اليسار في اسرائيل ومنظمات حقوق الانسان، فنحن في عالم العولمة. ولا يستطيع الاسد ان يفعل ما شاء. ويوجد ناس يهمهم العدل لا في اوروبا فقط بل في اسرائيل ايضا'.
'إسمح لي أن أُضيف'، قال محلل آخر متهكما تهكما خاصا. 'هذا برهان آخر على ان اليمين يهتم ببيوت الاولبانه وبالتلال وبالهدم أو بعدم الهدم في الوقت الذي تجري فيه قرب البيت في سوريا مذبحة شعب. ومذبحة اولاد. فاذا لم يكن هذا برهانا على ان الاحتلال يُفسدنا فلست أعلم ماذا أقول'. وانتهى البث بالاحتفال.
لكن ربما لا يكون هذا وقع قط.
الى ان يوجد طاغية آخر
هآرتس / بقلم :اسحق ليئور
مثل النكتة عن شجار أزعرين يقول أحدهما للآخر إضرب يهوديي وأضرِب يهوديك تنشب الحرب الدامية على ارض سوريا بين ايران والسعودية وقطر، وتؤثر فينا المشاهد تأثيرا شديدا (لكن يبدو أنها جزئية لأن وسائل الاعلام العربية التي هي المصدر الرئيسي للصور الفظيعة لا تُظهر اعمال الذبح في المناطق العلوية). اذا خسرت السعودية وقطر أو اذا استمرت وسائل الاعلام في اظهار المذابح فقد يتدخل الغرب برغم انه من الواضح انه لا يريد ان يبلغ الى ذلك. وليس لسوريا، بخلاف العراق وليبيا، كميات ضخمة من النفط. وليست هي ايضا هدفا استراتيجيا كالعراق الذي كان إسفينا بين السعودية وايران، والمهاجرون الافارقة لا يتدفقون من سواحلها على اوروبا كما تدفقوا من ليبيا. فنزفها يضر بالغرب أقل من إضرار انحلالها به.
في الأمد البعيد تضاف الأحداث في سوريا الى قصة النجاح الاسرائيلية وتتغير هذه المنطقة سريعا. ان غرق مصر في صراع بين العلمانيين والاصوليين يبدو خلاصة قصة النجاح هذه. فالأمم العربية الحديثة تغرق في الدين والقبلية واليأس، وقد أرادت اسرائيل سنين طويلة ان تبرهن للغرب على أنها قلعة الغرب ومُخلصه الوحيد في المنطقة، التي يتلاشى كل صلب فيها في الهواء، وعلى أن لها دورا حتى بعد سقوط الشيوعية. ولهذا ينبغي ألا يؤخذ الجولان منها (لو أمكن اعادة عجلة التاريخ الى الوراء يقول بيقين بعض خبراء الاستراتيجية لأمكن الابقاء على سيناء معنا ايضا). وفيما يتعلق بالمناطق المحتلة فان ما خططت له سياسة اوسلو، أعني التقسيم الى كانتونات، يتحقق في واقع الامر في 'الربيع العربي'. ان الاستعمار الاسرائيلي الذي اعتمد سنين على افتراض ان الغرب سيربح في نهاية الامر من قوة اسرائيل يُهزم هزيمته الكبرى. ان بيبي لا يظهر على الصفحة الاولى من مجلة 'تايم' بسبب موهبة ما، بل هو يشبه بايدوين، ملك القدس الصليبي في مشهد الشرق الاوسط الجديد.
لكن الأمد البعيد هو أمد البعيدين من هنا، من أصحاب الاستراتيجيات واليوتوبيات: فواشنطن بعيدة جدا لن يصيبها أي صاروخ من داخل بعض أجزاء سوريا المنحلة. وموالاة 'ايباك' والانجليكانيين لاسرائيل هي خطة عمل بعيدة. والمستوطنون في بيت إيل أو في يتسهار ينتظرون مسيح عدلنا ويبدو لهم كل نزف أنه جزء من عذاب الخلاص ويصبح برهانا على ما ادعته المصادر العبرية من أن الحرب الهائلة هي بدء الخلاص. بيد أن زماننا الحقيقي هو زمان غربي، زمان حاضر، فالاستثمارات الاجنبية والسياحة والمجمعات التجارية ومبيعات نهاية الموسم وأبراج السكن والرحلات الجوية الى الخارج ومنه؛ هذه الحياة الحلوة هي شرط بقاء سياسي للسلطة من اليسار أو من اليمين. والأمد القصير هو أمد الحياة في البيت، والبيت الذي يُقصف زمنا طويلا يُهجر.
من المنطقي ان نفترض ان تهديم سوريا مثل العراق لن يفضي فقط الى هدم الفسيفساء القديمة من الأديان والطوائف والثقافات، ولن تُحرق المتاحف فقط بل سيفضي الى وجود عصابات مسلحة متوحشة كما في العراق تماما. بيد ان اولئك لم تبلغ مدافعهم الى المصانع البتروكيماوية في خليج حيفا. على منْ سترد اسرائيل بالضبط اذا انطلقت الصواريخ من سوريا؟ هل على من يزرعون القنابل في أحياء دمشق؟ أم أنها ستُوسع حدودها مرة اخرى 'لابعاد المدافع'؟ اذا دمرت سوريا فستتغير حياتنا في الأمد القصير بالطبع، ولهذا لا تسارع الولايات المتحدة الى التدخل، فهي لا يهمها المستقبل السوري، ولا التلون الاوروبي القديم بل الخوف على مصير القلعة الاسرائيلية. وهم يبحثون عن استبداد ناجع لا عن 'ديمقراطية عراقية' اخرى، لكن لينزفوا في اثناء ذلك.
قبل زيارة الرئيس بوتين لاسرائيل: روسيا تعيد التموضع في الشرق الاوسط
روسيا تعيد تنظيم تحالفاتها في الشرق الاوسط بحيث تقيم محورا جديدا مع اسرائيل واليونان وقبرص
نظرة عليا/ بقلم : تسفي مغين
الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى اسرائيل، والتي تثير التساؤل في أسرة الخبراء حول اهدافها، ستتم على خلفية التغييرات السياسية الجارية في منظومة العلاقات الخارجية الروسية وتعكس بقدر كبير الصور التي ترتسم مؤخرا في الساحة الدولة. وبالفعل، نشاط روسيا مكثف جدا في الساحة الدولية منذ تسلم بوتين منصبه كرئيس لروسيا، يخلق بالتدريج الانطباع بان موسكو تعنى باعادة تصميم سياستها. والى ذلك، يلوح أنه للشرق الاوسط، بشكل عام، ولاسرائيل، بشكل خاص، معد في هذا الاطار دور محدد. هذه المواضيع ستتضح بالتأكيد في اثناء الزيارة المزمع عقدها.
يبدو أن ساحة المساعي السياسية لروسيا الان ليست اسرائيل ولا الشرق الاوسط بعمومه، بل الغرب، حيث تحولت جملة العلاقات الروسية الامريكية الى ساحة مواجهة مركزية. يتبين أن جملة الخطوات غير المتماثلة الاخيرة لروسيا بالنسبة للولايات المتحدة تذكر بشيء ما بالاحداث التي سبقت الانعطافة في علاقات الدولتين في العام 2009، والتي تعرف باسم 'اعادة البدء'. هذه المرة ايضا يمكن أن نلاحظ تطورات مشابهة. الازمة الحالية تطورت حول مسألة خطة الدفاع ضد الصواريخ الباليستية (BMD) للناتو، والتي بدأت في أعقاب اللقاء الفاشل بين الناتو وروسيا في موسكو. يتبين ان اللقاء الذي عقد، لسبب ما، في موعد تسلم بوتين منصبه وانتهى، كما كان متوقعا، بعدم تحقيق تفاهم بين الطرفين، استغله الروس لاحداث أزمة. في هذا النطاق الغيت المشاركة المخطط لها لبوتين في مؤتمر الـ G-8 الولايات المتحدة، بما في ذلك لقاؤه مع الرئيس اوباما. بالمقابل، بدأت اتصالات روسية مكثفة مع حلفائها الاقليميين (روسيا البيضاء، كازخستان والصين)، والتي ترمز الى بداية تحريك عملية اقامة الاتحاد الاوروبي الاسيوي الذي أعلن عنه بوتين في الاشهر التي سبقت انتخابه رئيسا. في خلفية اجتماع الناتو في شيكاغو، في تلك الايام، انطلقت ايضا اصوات حربية من خلال تجربة صاروخ باليستي روسي جديد. ولكن بالتوازي اطلقت رسائل حول رغبة روسيا في الانضمام، في هذه الطريقة أو تلك، الى الناتو (وبالتالي لعله ممكنا ربط القرار الجديد بزيارة بوتين الى المانيا وفرنسا). اضافة الى ذلك، انضمت روسيا بنشاط الى اعمال القوى العظمى الستة (5 + 1)، حيث تبدي سلوكا نشطا في موضوع البرنامج النووي الايراني. من غير المستبعد أن تكون روسيا تحث الى الامام خطوة دفع ايران الى تقديم تنازلات للاسرة الدولية، احساس يتعزز في ضوء القرار لعقد اللقاء التالي لـ 'الستة' مع الايرانيين، في موسكو في 18 حزيران من هذا العام.
من كل هذا يبرز الاستنتاج المحتمل في ان روسيا تنسج خطوة جديدة ترمي الى تحقيق تسوية مع الولايات المتحدة ومع الناتو . في هذا السياق، مقابل تنازلات معينة في موضوع الـ BMD وربما ايضا بالنسبة للتفاهم مع الناتو حول التعاون، سيجد تعبيره بعملة شرق أوسطية، أي، في الموضوع الايراني والسوري (ويمكن منذ الان ملاحظة تغييرات في نبرة الموقف الروسي من سوريا). تتبين بالتالي خطوة متداخلة تشبه جدا 'اعادة البدء' المعروفة من العام 2009، والتي من المتوقع أن تتحقق حول اللقاء المرتقب في موسكو في 18 حزيران. وتجدر الاشارة ايضا في هذا السياق الى أنه في هذه الاثناء اتفق على لقاء بوتين واوباما في اطار مؤتمر الـ G-20 القريب القادم.
والى ذلك تتجسد العلاقة الشرق اوسطية بالخطوات الروسية في الساحة الدولية. مكانة روسيا في هذه المنطقة تضعضعت في أعقاب احداث 'الربيع العربي'، مع فقدانها لمعظم مواقعها التي انكبت على بنائها لسنوات طويلة. والان تجد روسيا نفسها امام تحدي صعود قوة الاسلام ومعزولة في العالم العربي. عمليا، دحرت الى الدفاع عن المعسكر الشيعي في ضوء الضغط السني المتعاظم، المسنود، حسب الفهم الروسي، من الغرب. اضافة الى ذلك، يتواصل الميل الخطير في نظر موسكو، والذي يسمى 'انتشار الناتو شرقا'. هذه المرة يؤدي الامر الى تفاقم وضع روسيا الاستراتيجي في منطقة حدودها الجنوبية، في القوقاز، والذي يتحداه محور مناهض لروسيا ومناهض لايران يضم دول المنطقة جورجيا واذربيجان باسناد امريكا وتركيا. هذه الاخيرة تنشط ضد المصالح الروسية، اضافة الى جنوب القوقاز في الشرق الاوسط ايضا، مثلما في منطقة البحر المتوسط، حيال اليونان وقبرص، حيث يتبلور جهد استراتيجي روسي آخر. الموضوع الاقتصادي هو الاخر لا يغيب عن هذه القائمة، على خلفية الخلاف مع تركيا حول انتاج الغاز في البحر المتوسط ومسارات تسيير مصادر الطاقة الى اوروبا.
في هذا الواقع الجديد، يبدو ان لروسيا مصلحة في تغيير سياستها في الشرق الاوسط ايضا حين يطرح الموضوع في نقاش روسي داخلي مشحون. من المسائل على جدول الاعمال الحاجة الى بديل عن المحور الراديكالي في الشرق الاوسط، المدعوم من روسيا والذي يتفكك امام ناظريها، وكذا ايضا اقامة روافع تأثير جديدة في هذه المنطقة الحيوية بدلا من تلك التي فقدتها.
كيف يندرج الموضوع الاسرائيلي في التطورات المطروحة؟ يبدو أن روسيا تلاحظ انه في هذا الواقع الجديد توجد هي مع اسرائيل في قارب واحد، الامر الذي يسمح لها بان ترى في اسرائيل شريكا مرغوبا فيه في المنطقة. الاساس لذلك، اضافة الى لقاء المصالح السياسية المحتمل، يدعمه هامش علاقات قريبة وطاقة كامنة ايجابية في جملة مجالات حيوية لروسيا: الاقتصاد (مع التشديد على انتاج الغاز)، التكنولوجيا والامن. كل هذه، بوسعها أن تساهم في توسيع التعاون السياسي.
الى ذلك يلوح ايضا ان مصلحة روسيا في تقدم تعاون استراتيجي مع اسرائيل وبذلك اقامة محور سياسي اقليمي جديد، يحتمل بمشاركة دول اخرى. المرشحون الذين يذكرون هم اليونان وقبرص وربما ايضا بعض من دول البلقان. مثل هذا المحور، اذا ما تجسد، سيسمح لروسيا بان تقيم روافع نفوذ جديدة بوسعها أن تؤدي الى رفع مستوى مكانتها في الشرق الاوسط وفي الحوض الشرقي من البحر المتوسط، في ظل خلق تحدٍ لتركيا وفي ظل التقدم بجملة من المصالح، بما فيها الاقتصادية، المرتبطة بمصادر الطاقة. وبالطبع، هذا المحور لا يلغي التعاون الروسي القائم مع ايران وسوريا، والتي ستستمر العلاقات الطيبة معهما. فضلا عن ذلك، فان تمترس روسي موازٍ على هذه المحورين سيدفع الى الامام مكانتها في المنطقة ويخدم تطلعها للوصول الى مكانة متساوية لمكانة الولايات المتحدة.
بالطبع، لموقف الولايات المتحدة من كل ما وصف اعلاه وزن حيوي بل وربما حاسم. في هذه الموضوع يوجد في روسيا من يعتقد بانه طرأ برود ما في علاقات اسرائيل الولايات المتحدة وانه سيكون من مصلحة اسرائيل تطوير تعاون مستقل مع لاعبين اضافيين وبذلك التأثير على ميزان القوى في صالحها.
وختاما، في الفترة المنظورة، يمكن توقع تطورات اخرى بالنسبة لاعادة تصميم السياسة الخارجية الروسية سواء على المستوى العالمي ام في منطقة الشرق الاوسط، بما في ذلك في الساحة الاسرائيلية. معقول ان يكون على الاقل جزء من المواضيع التي بحثت هنا ضمن جدول أعمال زيارة الرئيس بوتين الى اسرائيل.
حق السكن وحق العودة
يديعوت احرنوت / بقلم : سيفر بلوتسكر
قبل بضع سنين اشترت بضع عشرات عائلات اسرائيلية شققا مدعومة في محل سكن جديد في طرف حي قائم. وتبين في المدة الاخيرة ان مقاول البناء استعمل مواد بناء خطيرة ولهذا وجب هدم المسكن. وعُرض على أصحاب الشقق التي تم تأجير بعضها بايجار شقة حسن، عُرضت عليهم شقق جديدة واسعة ومؤثثة تأثيثا خاصا تُبنى لهم في قطعة ارض اخرى في الحي، لكنهم رفضوا الاقتراح بشدة قائلين لن نُخلي شققنا ولن نتخلى عن حقوقنا، وقالوا ان شققنا الحالية مغروسة في قلوبنا عميقا، فهذه ارضنا ولهذا فاننا مصممون على عدم الانتقال الى شقق جديدة حتى لو كانت على مبعدة 500 متر من الشقق القديمة.
لا يبدو هذا منطقيا، أليس كذلك؟ ولا يبدو معقولا، أليس كذلك؟ لكن هذه هي خلاصة القضية المعروفة باسم بيوت الاولبانه مع فرقين، الاول ان بيوت الاولبانه مرشحة للهدم لا بسبب خلل هندسي بل بسبب حكم من المحكمة العليا الاسرائيلية يعارض البناء على ارض عربية خاصة. والثاني أنها في المناطق. ولما كانت في المناطق ولما كان الحديث عن ارض عربية تحول شأن تقني بسيط الى عاصفة وطنية.
نشأ حول قضية بيوت الاولبانه نتيجة هياج الغرائز طائفة من الدعاوى التي لا تحتاج الى ان تثبت لامتحان التحقيق، وهي تصدر عن ناس مشحونين بالايمان ولهذا فانهم معفيون من الحاجة الى البرهان على صحتها ومن الحاجة الى مواجهة آثارها؛ واليكم عددا من الأمثلة.
تقول الدعوى: 'لو أن حالة تشبه بيوت الاولبانه وقعت في كفار سابا لما طلب أحد هدم البيوت ولأعطوا صاحب الارض تعويضا فحسب'. ويقول الواقع انه ما كانت لتقع حالة تشبه بيوت الاولبانه في كفار سابا لأن بناء مساكن في هذه المدينة أو في كل مكان آخر داخل دولة اسرائيل مشروط بالبرهان على ملكية الارض المخصصة للبناء أو استئجارها. وما كان أي بنك ليعطي مشروعا كهذا القرض المالي المطلوب بحسب القانون بغير فحص دقيق عن ترتيبات الارض ومن غير نظر لقرارات ملائمة عن لجان التخطيط والبناء. وان عدم وجود كوابح بيروقراطية مكتبية لزخم الاستيطان في اراضي يهودا والسامرة مهد الطريق لقضية بيوت الاولبانه.
وتقول الدعوى: 'ما كان أحد ليتجرأ على هدم بيوت في قرية عربية بُنيت على ارض خاصة يهودية؛ وكان العرب يصرخون فورا لأن اليهود يصادرون منهم ارضا مقدسة'.
ويقول الواقع انه يحدث ان يستولي عرب اسرائيل ولا سيما البدو على اراضي الدولة لا على ارض يهودية خاصة ويبقون فيها، لكن هذه الحال المعتادة تعاكس قضية بيوت الاولبانه لأن اليهود يصادرون اراضي كانت مملوكة لعرب اسرائيليين وعرب فلسطينيين ويسكنونها مع موافقة سلفا من جهة حكومية اسرائيلية وبغير موافقة. وبرغم ذلك لم يُهدم الى الآن بيت يهودي واحد بُني على ارض عربية بغير مقتضى القانون حتى من غير استيضاح ما هو القانون. وهُدم فقط (القليل جدا) من مباني القرصنة على ارض عامة.
وتقول الدعوى: 'ان الشقق كانت ملكنا بضع سنين ولهذا نملك حقا فيها فلنا حق السكن واذا اضطررنا الى مغادرتها سنصبح لاجئين'.
ويقول الواقع ان 'استعمال حق السكن' تسويغا لعدم اخلاء بيوت الاولبانه يعطي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة قوة جديدة وتعزيزا. لأنه اذا كان ينشأ ليهودي من اسرائيل حق في سكن دائم أبدي في ارض عربية خاصة استولى عليها قبل ثماني سنين أو تسع كان للاجيء عربي من ارض اسرائيل الانتدابية حق أقوى في العودة الى اماكن سكنتها عائلته عشرات السنين أو مئات السنين. واستعمال كلمة 'لاجيء' لنعت حال مستوطن يهودي يُطلب اليه ان ينتقل الى شقة على مبعدة نصف كيلومتر هو تزوير اخلاقي (ويشمل هذا الاخلاق اليهودية) وإهانة للاجئين مهما كانوا.
ان من يقدس حق اليهود في السكن في ارض خاصة فلسطينية يقدس ايضا بفعل المنطق البسيط حق عودة اللاجئين الى اراضيهم في اسرائيل اليهودية. صحيح انه حينما يتحدث الايمان يسكت المنطق، لكن أصح من ذلك انه حينما تنام الحكمة تستيقظ الغيلان.
تجار الخوف
معاريف/ بقلم :عوفر شيلح
لا توجد حلول بسيطة في المسألة المعقدة لمهاجري العمل في اسرائيل. صرخة سكان عراد أو حي هتكفا تعبر عن ضائقة حقيقية، ولكن من يتحدث عن الطرد يفترض أن يعرف بانه لا يمكن طرد معظمهم. كل الضجيج حول مهاجري العمل من جنوب السودان لا يتناول حتى ألف من اصل خمسين الف مهاجر غير قانوني في اسرائيل. الآخرون لن يكون ممكنا اعادتهم الى دولهم. الجهاز الذي يعالج في هذه اللحظة هذا الشأن صغير، إذ أنه لكل السياسيين يوجد حل على الورق، ولكن ليس لدى أحد ميزانية في الجيب. كل ما سيحصل اذا ما استمرت حملات الاعتقال المغطاة اعلاميا وتصل الى أكثر من بضع عشرات هو أن المعتقلات ستحشر، وعندها الكثيرون منهم سيفرج عنهم ليعودوا الى الشارع.
الحل هو على ما يبدو خليط من الكثير من الامور: استكمال سد الحدود، الامر الذي يعمل عليه الجيش الاسرائيلي في هذه اللحظة بنشاط؛ الاعادة الطوعية (أو غير الطوعية) لاولئك الذين يمكن طردهم؛ وبداية ترتيب بالنسبة لاولئك الذين لا يمكن. إذ بينما تنشغل اليد اليمنى بتردد في وقف الهجرة غير القانونية، تواصل اليد اليسرى جلب عشرات الاف العمال الاجانب الى اسرائيل في كل سنة، بعضهم في فروع يمكن للمهاجرين من السودان أو ارتيريا العمل فيها.
لا يقل عن هذه المشكلة الحقيقية، خطاب الزعماء يدل على الضعف. الهجرة هي مسألة عالمية، تتحدى الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لدول عديدة. ولكن القيادات في هذه الدول تتعاطى معها كأمر عملي، يجب التصدي له بوسائل مختلفة دون هستيريا. اما في اسرائيل فالمعالجة العملية المخلولة تترافق وكلمات تثبت فقط لنا مرة اخرى كم هو ضيق عالم من يدعون قيادتنا أو كم هم يعتقدون بان عالمنا ضيق. ولا، أنا لا أتحدث عن النائبة ميري 'سرطان' ريغف.
رئيس الوزراء جند لهذا الموضوع، وكيف لا، التهديد على طبيعة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. مشوق أن نرى كم من المخاوف يعبر عنها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاول الذي ولد في اسرائيل المستقلة. لا شيء عنده ليس موضوعا لمعالجة بسيطة ولازمة، بل فقط تهديد وجودي على مستوى تاريخي. نتنياهو حتى ليس حساسا للنبرة التي نشأت حين يقول رئيس دولة عن جمهور من الناس فروا من وطنهم انهم يهددون الطابع العرقي لدولته. واحد من اثنين: إما انه متهكم مقتنع وربما عن حق بان التخويف بالتهديد الوجودي يجند اجماعا لكل فعل حكومي؛ أم أنه حقا رجل مصاب بالمخاوف، باستثناء أنه مع قوة عظمى في ايد وحكومة مع 94 نائبا. من الصعب أن نعرف اي تفكير أكثر تشويها.
وزير الداخلية تحدث عن نهاية 'الحلم الصهيوني'. غير قليل من الناس في اسرائيل يرون في أفعال وايديولوجيا شاس تهديدا على الحلم الصهيوني. اعتقد أنهم مخطئون، ولكن من الصعب التعاطي بجدية مع التحذيرات عن نهاية الحلم من جانب من يدافع بحماسة عن حق الناس في عدم الخدمة في الجيش وعدم العمل.
الكلام ليس أمرا فارغا. فهو يقرر الاجواء والصورة، التي تصبح حقائق ملموس، أهم بكثير من الاقتحام الجريء من رجال سلطة الهجرة لمنازل المهاجرين من جنوب السودان. وهو هام ليس فقط لانه في العالم بدأوا ينظرون الينا كدولة عنصرية، بل قبل كل شيء تجاه الداخل فهو يملي الطريقة التي نفهم فيها أنفسنا، موقفنا من الحكم والدولة. أفترض أن في نهاية المطاف ستوجد رزمة حلول توازن الوضع في ما يتعلق بطالبي العمل. ليس واضحا متى يوجد الحل للاتجار الدائم بالخوف، والذي يشكل في اسرائيل بديلا للقيادة.
قتل ثقافي
معاريف / بقلم : بن ـ درور يميني
عقدت أول أمس مظاهرة فريدة من نوعها: نساء، رجال وأئمة الرملة تظاهروا معا ضد قتل النساء العربيات على خلفية ما يسمى بشرف العائلة. مثل هذه المظاهرات جديرة بكل ثناء. فها هي نساء، وليس فقط نساء، من داخل الوسط، يخرجن أيضا ضد الوسط نفسه.
حصل هذا في أعقاب الموت المعروف مسبقا لنسرين مسريتي، ابنة 26، ام لطفلين، كانت في السنتين الاخيرتين في ملجأ للنساء المضروبات. لحظة قصيرة خرجت فيها من الملجأ كانت كافية للقاتل الذي كمن لها.
وانضمت الى قائمة طويلة من 30 امرأة من منطقة الرملة واللد قتلن في السنوات الستة الاخيرة. مقتولات الرملة ينضمن الى قائمة أطول بكثير، تقدر حسب محافل الامم المتحدة نحو 5 الاف امرأة في السنة يقتلن على ذات الخلفية. الاغلبية المطلقة في المجتمعات الاسلامية. الدول المتصدرة هي الباكستان، العراق، مصر، الاردن، تركيا والسلطة الفلسطينية. غير أن قسما هاما من أعمال القتل لا يبلغ عنها، وتقديرات مختلفة تشير الى نحو 20 الف امرأة في السنة في أرجاء العالم. وعندما يلقى القبض على القتلة فانهم يحظون بعقوبات خفيفة، كما يجدر بمن يطبق القيم الثقافية المناسبة. المادة 340 من قانون العقوبات الاردني، مثلا، يتضمن اعطاء اعفاء او تخفيف لرجل يقتل زوجته الخائنة. العقاب المتوسط هو بشكل عام بضعة اشهر فقط. وتحت حكم حماس أيضا متوسط العقاب هو بين ثلاثة وستة أشهر فقط. في اوروبا ايضا كانت في الماضي تخفيفات من هذا النوع الا انها الغيت. القانون يعبر عن الارادة الجماعية في معاقبة المرأة التي يشتبه بانتهاكها الرمز الاخلاقي الثقافي.
وكم في اسرائيل؟ هنا ايضا لا يوجد جواب موحد. حسب المعطيات العلنية، يدور الحديث عن نحو 8 حتى 13 حالة قتل في السنة.
وحسب احدى منظمات النساء، يدور الحديث عن 40 في السنة. في اسرائيل لا يوجد اي تسهيل في العقوبات على القتلى، ولكن يخيل أن هذا لا يردع حقا. الظاهرة بعيدة عن الاختفاء. لا يدور الحديث فقط عن المسلمين، بل وعن مهاجرين جدد ايضا.
وحسب التقديرات الاكثر حذرا، ففي كل يوم تقتل 14 امرأة. هذا ليس قتلا على خلفية تدنيس شرف العائلة. هذا قتل على خلفية تدنيس شرف الانسان؛ هذا قتل على خلفية جريمة ثقافية؛ هذا قتل بكل معنى الكلمة وموضوع يحظى 'بالتفهم'. بالضبط مثل قتل اليهود لانه مجرد كونهم يهودا هو جريمة، او قتل العرب على ايدي واحد مثل باروخ غولدشتاين، الذي يحظى هو يضا بالتفهم والعطف من الجهاديين اليهود.
قصة 'تدنيس شرف العائلة' هي في الاساس ذريعة. في الاغلبية الساحق من تلك الحالات التي يتم فيها القتل يكون هذا عنفا لغرض العنف. عنف الرجال ضد النساء. قصص الخيانة الزوجية هي مجرد ذريعة. اسطورة اخرى تربط بين هذا العنف وبين 'الاحتلال'. دوما يجب ان يظهر هذا في الخلفية.
هذا ايضا هراء دائم من مدرسة اليسار غريب الاطوار. وحتى النائب دوف حنين، الرجل السوي بشكل عام، طرح حجة كهذه. غير أنه مثلما هو الحال دوما، لا توجد اي صلة بين الادعاءات والحقائق. لان أعمال القتل في الدول او في المجتمعات الاسلامية، التي لا تعيش تحت الاحتلال، تجري على نطاق هائل رغم أن الجنود الصهاينة لا يوجدون في المحيط. ولكن 'الاحتلال' يسير مع كل شيء. حتى مع الاحتباس الحراري.
المخرجة ابتسام مراعنة كتبت مؤخرا امورا شجاعة تنديدا للعنف ضد النساء في المجتمع العربي. واضافت تقول: 'فقط لا تقولوا الاحتلال'. ما تفهمه، يجد صعوبة في فهمه رفاق في 'القوى التقدمية'. الربيع العربي لن يبدأ والتخلف العربي سيستمر طالما لم يكن هناك تحرير للمرأة. من يقمع نصف أبناء مجتمعه، لا يجب أن يشكو من التمييز والقمع. الذنب يكمن فيه وفي ثقافته.
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس