أقلام وآراء ( 736)
عندما ترث حماس نظام مبارك! د. فايز أبو شمالة صوت الاقصى
هل يمكن أن يهدم الأقصى ؟! د. راغب السرجاني فلسطين الان
جماعة الإخوان ومنصب الرئيس في مصر وفلسطين د.عصام شاور فلسطين اون لاين
كلام الإعلام ويقين المرشد د. يوسف رزقة صوت الاقصى
بشائر المالكي د. فايز أبو شمالة صوت الاقصى
دعونا نُعطي "المصالحة" فُرصَتها د. محمود العجرمي فلسطين اون لاين
في ذكرى العدوان: قراءة قرآنية في معركة الفرقان د. محمد المدهون المركز الفلسطيني للاعلام
تأمّلات على هامش ذكرى الفرقان! لـــــــمى خــــــــــاطر المركز الفلسطيني للاعلام
حزبيون إن أقبلت ومستقلون إن أدبرت د.عصــــــــام شــــاور المركز الفلسطيني للاعلام
المقاومة الشعبية.. حب من طرف واحد م. كنعان سعيد عبيد الرسالــــــــــة نت
عندما ترث حماس نظام مبارك
!د. فايز أبو شمالة
هل كان المخلوع "حسني مبارك" على حق، وهو يطلق يد إسرائيل العسكرية لتدمير حركة حماس؟ هل كان يقرأ المستقبل، وهو يعقد التحالفات، ويحشد المتعاونين معه ليحارب حركة حماس بعنف؟ هل كان المخلوع واثقاً أن صمود حركة حماس في وجه إسرائيل تعني نهاية نظامه؟ هل كان المخلوع "حسني مبارك" يتخيل أن عدم تصفية حركة حماس في غزة، تعني تضييق الخناق على معسكره في المنطقة، بعد خلعه عن حكم مصر ذليلاً مخزياً؟
من وجهة نظر "حسني مبارك"؛ مثل التآمر على قطاع غزة الضمانة الإستراتيجية لبقاء نظامه، ونجاح مسعاه في إفساد روح المجتمع المصري، وتحطيم قلبه النابض، فكان لقائه العلني والوقح مع "تسفي لفني" وزيرة الخارجية الإسرائيلية قبل ثلاث سنوات، وهي تعلن الحرب على غزة من وسط القاهرة، وكان الهدف تصفية حركة حماس، بتغطية سياسية من المخلوع "حسني مبارك"، الذي وثق بقدرة الإسرائيليين، وآمن بأمريكا التي لا تقهر، فألقى بنفسه في أحضانهم، واستسلم لهم طائعاً، وظن نفسه آمناً خلف خط الدفاع الأول عن نظامه.
فمن كان يصدق قبل ثلاث سنوات، في مثل هذه الأيام، عندما كانت غزة تعيش ليلها ونهارها تحت قصف الطيران الإسرائيلي، وترتعد الأرض تحت هدير الدبابات؟ من كان يصدق قبل ثلاث سنوات، في ديسمبر 2008؛ أن الشيخ "إسماعيل هنية" سيستقبل في القاهرة في ديسمبر 2011، استقبال الأبطال؟ من كان يصدق أن الرجل الذي كان يتخفى عن عين الطيران الإسرائيلي سيتجول بعد ثلاث سنوات في شوارع مصر، ويحتضنه سكانها، ويلتقي مع قياداتها، وتغطي زيارته وسائل الإعلام المصرية، ويفتخر بوقع أقدامه على تراب مصر كل مواطن مصري؟. من كان يصدق قبل ثلاث سنوات أن حليف إسرائيل "حسني مبارك" سيقضي نهايته مخلوعاً في السجن، ويحاكم في قفص المذلة.
وإذ يفتخر الشيخ "إسماعيل هنية" بعمق الروابط التاريخية بين حركة حماس وحركة الإخوان المسلمين، وإذ يؤكد على أن حركة حماس هي الذراع الجهادي لحركة الإخوان المسلمين، وهي خط الدفاع الأول عن أمة العرب، فمعنى ذلك أنه يؤكد أن انتصار حركة حماس ورجال المقاومة في حربهم ضد إسرائيل هو انتصار للحركات الإسلامية في المنطقة!.
فسبحان مغير الأحوال؛ والمجيب على السؤال، سبحان الله الذي مكن حركة حماس من وراثة نظام حسني مبارك، وجعلها تفوز بالانتخابات البرلمانية في مصر مع فوز الأحزاب الإسلامية، وجعلها تفوز في تونس وفي المغرب وفي ليبيا وفي كل بلاد العرب، وهي تعلن الرفض المطلق للوجود الإسرائيلي، وتعزف لحن الحرية والعدالة على أوتار المقاومة.
هل يمكن أن يهدم الأقصى ؟!
د. راغب السرجاني
انشغل المسلمون في الأسابيع السابقة بقضية الأقصى، وثارت تساؤلات خطيرة بين أوساط عموم المسلمين، وكان من أهمها: هل من الممكن أن يُهدم الأقصى؟ ولماذا يُحْدِث اليهود هذه الضجة الإعلامية الكبيرة حول هدم الأقصى؛ إن كانوا بالفعل يريدون هدمه؟ وهل الوسيلة الفعالة لهدم الأقصى هي حفر الأنفاق تحته، أم إنه من المحتمل أن تُلقى عليه قنبلة أو يُقذف بدبابة؟ وما المتوقع أن يحدث إذا هُدم الأقصى بالفعل؟
إنها تساؤلات خطيرة وحرجة، ولعل الإجابة عليها تُبَصِّرنا بطبيعة المرحلة وطبيعة اليهود، وكذلك بطبيعة الجيل الذي يستحق أن يُحَرِّرَ الأقصى.
إن هدم الأقصى عمل له آثار هائلة وضخمة، وقد تكون سلبياته على اليهود أكثر من إيجابياته؛ ولذلك يسير اليهود وفق هذه الخطة الخبيثة التي تهدف إلى هدمه بأقل أضرار ممكنة.. فهم يُحْدِثون هذه الضجة الإعلامية، ويتكلمون بوضوح عن أنفاقهم، ويُسَرِّبون إلى الجرائد والفضائيات بعض الصور، التي تؤكد وجود الأنفاق بالقرب من الأقصى؛ كل هذا لتحقيق أهداف كثيرة؛ لعل من أهمها هدفين:
أما الهدف الأول: فهو تعويد المسلمين على مسألة هدم الأقصى، فكلما طرقت قضية هدم الأقصى مسامع المسلمين تعوَّدوا عليها، وصارت الكلمة مألوفة وغير مستهجنة، فإذا حدث الهدم الحقيقي للأقصى لم يُحَرِّك ذلك المسلمين بالصورة المطلوبة، وهذا يُشبه التطعيم الذي يقوم به الأطباء للوقاية من الأمراض، فنحن في التطعيم قد نقوم بحقن الإنسان بميكروب تم إضعافه في المعمل؛ حتى يتعوَّد الجسم عليه، ويتعرَّف على طبيعته، فإذا حدث يومًا ما أن هاجم الميكروب الحقيقي الجسم، لم يُحْدِث الآثار الخطيرة التي تنتج عادة من هجومه. فاليهود يقومون بتطعيم المسلمين بهذه الأخبار المتدرجة عن موضوع هدم الأقصى، فإذا تم الهدم بالفعل بعد عام أو عامين أو عشرة، لم ينزعج المسلمون الانزعاج المطلوب، ويمرُّ الأمر بسلام على اليهود..
هذا هدف..
أما الهدف الثاني: فهو قياس رد فعل المسلمين عند إثارة القضية؛ فاليهود يخشون من ردَّة فعل المسلمين، التي من الممكن أن تطيح بالوجود اليهودي في القدس، بل وفي فلسطين؛ ولذلك فهم يُسَرِّبون هذه الأنباء المتدرجة إلى وسائل الإعلام، ويقيسون ردود الأفعال الإسلامية في فلسطين والعالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، وهذا القياس يكون بصورة علمية مدروسة؛ يستطيعون بها توقُّع ردِّ فعل المسلمين إن هُدِم الأقصى بالفعل، فإن شعر اليهود أن الأمر سيكون خارج السيطرة أجَّلُوا الهدم، وإن رأوا أن ردَّ الفعل لن يكون خطيرًا قاموا بهدمه وهم آمنون.
ولذلك فإن المسلمين جميعًا مطالبون بإظهار ردِّ فعل قوي وبارز، بل ومبالغ فيه؛ حتى يرهب اليهود ويردعهم، ويُؤَجِّل خططهم أو يُفشِلها، وبغير هذا التفاعل فإن فكرة هدم الأقصى ستتزايد في أذهان اليهود، حتى تتحول إلى أمر واقعي نراه جميعًا.
ولعل سائلاً يسأل: ولماذا يريد اليهود هدم الأقصى تحديدًا؟ ولماذا يُهَيِّجُون عليهم أمة الإسلام؟ وهل لا يكفيهم احتلال فلسطين بكاملها، حتى يفكروا في هدم الأقصى كذلك؟!
إن الحجة المعلنة للعالم أنهم يبحثون عن هيكلهم تحت المسجد الأقصى، وانشغل العالم والمسلمون معهم بتوقع مكان الهيكل، وهل هو موجود فعلاً تحت المسجد الأقصى، أم إنه موجود تحت مسجد قبة الصخرة، أم إنه موجود على جبل الهيكل، أم غير ذلك من الأماكن التي يطرحها الباحثون والمحللون.
وواقع الأمر -الذي أقتنع به تمامًا- هو أنه ليس هناك هيكل من الأساس!! فليس هناك أي دليل علمي يُثبت وجود هذه الأسطورة اليهودية، وليست التوراة المحرفة بدليل؛ فاليهود يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً. كما إنه من المعلوم أن الأقصى قديم جدًّا، وأنه بُني بعد الكعبة بأربعين سنة؛ كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قال: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قال ثم أي؟ قال: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى". قال: كم بينهما؟ قال: "أَرْبَعُونَ سَنَةً"[1].
والعلماء يختلفون في بداية بناء الكعبة، ومن ثَمَّ الأقصى، ولكنه على كل حال قديم جدًّا، وقد يكون من بناء الملائكة، أو آدم عليه السلام، أو إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ولذا فالأقصى كان موجودًا حتمًا في زمن داود وسليمان -عليهما السلام- وهو دار عبادة للموحدين والمؤمنين، وليس من المعقول أن يترك داود أو سليمان -عليهما السلام- هذا المكان المقدس ليبنيا مكانًا خلافه لعبادة الله فيه.
وأما الحديث الذي رواه النسائي وأحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- وقال فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللهَ ثَلاثًا"[2]... إلى آخر الحديث، فإن هذا الحديث يتحدَّث عن تجديد سليمان -عليه السلام- لبناء الأقصى، الذي مرَّت سنوات عديدة وطويلة على بنائه، وهو تصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان بَنَى بيت المقدس ولم يَبْنِ هيكلاً خاصًّا.. وكلام رسولنا صلى الله عليه وسلم مُقَدَّم عندنا على التوراة المحرفة، ومع ذلك فنحن نعلم أن اليهود لن يُصَدِّقوا بهذا، ولو صدقوه لن يعلنوا هذا التصديق، وتبقى القوة هي العامل الوحيد الذي يحافظ على الحقوق، فنحن نقول: إنه مسجدنا. وهم يقولون: بل هو هيكلهم. ولا مجال هناك للوثائق التاريخية أو البحوث الأثرية، إنما الأمر في الأساس أمر عقائدي، وستنجح خطة الأقوى عقيدةً في هذا المجال.
ونعود للسؤال: لماذا يريد اليهود هدم الأقصى؛ إذا كانوا يعلمون في حقيقة الأمر أنه لا وجود للهيكل، لا في هذا المكان ولا في غيره؟!
والواقع أن اليهود يعلمون أن الأقصى بالنسبة للمسلمين كالراية بالنسبة للجيش؛ فالراية في الجيوش تُعْطَى لأشجع الشجعان، ولأقوى الأفراد والقبائل؛ لأن استمرار ارتفاع الراية فيه تحميس وتشجيع للجيش كله، أما سقوط الراية فهو يهزُّ الجيش كله، وليست القضية سقوط جندي من الجنود له بدائل كثيرة في الجيش، إنما القضية قضية رمز كبير وقع، وإن كان الجيش قَبِلَ بسقوط الراية فهو سيقبل بما هو بعد ذلك في غالب الأمر، وكذلك الأقصى؛ فلو سقط الأقصى يتوقع اليهود أن تنهار معنويات المسلمين، ومن ثَمَّ يمكن أن تسقط كل مقاومة في فلسطين، بل وتسقط مقاومة المسلمين للمشروع الصهيوني في كل أنحاء العالم الإسلامي. ولا ننسى أن احتلال المسجد الأقصى في بداية الحروب الصليبية أدى إلى انهيار معنويات المسلمين لعدة عشرات من السنين، وهذا ما يتوقع اليهود ويسعون في تحقيقه الآن.
والسؤال الذي سيتبادر إلى الذهن مباشرة هو: هل يمكن أن يُهدم الأقصى فعلاً؟
والإجابة الصادمة للكثيرين: إنه يمكن أن يُهدم فعلاً، بل إن هذا أمر وارد جدًّا! وليس هذا من قبيل التشاؤم والإحباط، ولكن من قبيل قراءة الأحداث واستقراء المستقبل، وكذلك لدراسة الوسائل التي تمنع من حدوث هذه الكارثة المهولة..
إننا -أيها الأخوة والأخوات- لسنا في زمان أبرهة.. لقد هاجم أبرهة الكعبة بجيشه؛ فأرسل الله -عز وجل- الطير الأبابيل لتحمي البيت الحرام، أما وضعنا بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمختلف؛ فالطير الأبابيل أو الجنود التي يُرسلها رب العالمين -أيًّا كانت هذه الجنود- لن تأتي إلا إذا قَدَّم المسلمون جهدًا وجهادًا، وبذلاً وعطاءً، ومالاً ونفسًا، وغاليًا ونفيسًا..
إن السُّنَّة الماضية الآن هي: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، وبغير هذا الشرط لن تتحقق النتائج. وإن تقاعسنا عن نصرة دين الله عز وجل، فإن الكوارث ستحلُّ علينا من كل جانب، وعندها يمكن أن يُهدم الأقصى، ويمكن أن يُطْرَد المسلمون من القدس بكاملها، ويمكن أن تُصبح القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ويمكن أن يطول الاحتلال ويستمر لعشرات سنين أخرى. ولقد هاجم القرامطة الملاحدة الكعبة بيت الله الحرام في عام 317هـ، ونجحوا في سرقة الحجر الأسود من الكعبة، وأرسلوه إلى عاصمتهم هجر (بالمنطقة الشرقية في السعودية الآن)، وظل الحجر الأسود مسروقًا لمدة 22 سنة كاملة، حتى سنة 339هـ!
إن تَقَاعُسَ المسلمين أدَّى إلى إصابتهم في سويداء قلوبهم، فدُمرت الكعبة، وسُرق الحجر الأسود، وعُطلت شريعة الحج عدة سنوات، وبعدها في أواخر القرن الخامس الهجري سقط الأقصى في براثن الصليبيين، وتحول إلى إسطبل للخيول، ثم إلى مخزن للغلال، وظل في هذا الأسر البغيض أكثر من تسعين سنة متصلة..
إذن وارد جدًّا أن يُهدم الأقصى..
نقولها بكل الألم.. بل إنني أقول: إنه لولا الجُبن الذي اشتهر به اليهود، لكان هدمه قد حدث منذ عدة سنوات.
إنني أعلم أن هذا الكلام سيؤلم الجميع، لكنني لا أحب التخدير الفارغ، كما لا أحب الرقود والاستكانة والذل والإحباط.. إنني أقول هذه الكلمات الصريحة؛ لأَخْلُص إلى بعض النقاط، التي أحسبها في غاية الأهمية للأمة في هذه المرحلة:
أما النقطة الأولى: فهي أنه ليس الفلسطينيون وحدهم هم المعنيون بقضية الأقصى؛ فالأقصى، بل والقدس، بل وفلسطين بكاملها، ليست كلها قيمة فلسطينية فقط، إنما قيمة إسلامية عالية جدًّا، ولا بُدَّ أن يعلم المسلمون جميعًا أن المساس بهذه المقدسات هو مساس بكرامة الأمة الإسلامية كلها، وأن الله عز وجل سيسأل الأمة بكاملها رجالاً ونساءً، حكامًا ومحكومين، فلسطينيين وغير فلسطينيين، عربًا وعجمًا.. سيسألهم جميعًا عن هذه القضية المحورية في حياة الأمة.
وأما النقطة الثانية: فإننا وإن كنا نعطي هذه القيمة الكبيرة للمسجد الأقصى، إلا أن هناك قيمة أعلى لا بُدَّ أن نثور للمساس بها، ولتكن ثورتنا هذه أعظم من ثورتنا للمسجد الأقصى، وهذه القيمة هي أرواح المسلمين التي تُزهق في فلسطين صباح مساء!
إن الدماء التي تسيل بغزارة في أرض فلسطين لهي أغلى عند الله وأثمن من المسجد الأقصى، بل ومن المسجد الحرام! وليس هذا كلامي إنما كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصحابة الكرام.. فقد روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: "مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا"[3]. ونفس الكلام نُقل من كلام عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نفسه[4].
فلا يجوز لنا إذًا أن نهتزَّ لحفر الأنفاق تحت الأقصى فقط، ولكن يجب أن يكون اهتزازنا أشدَّ وأقوى إذا رأينا أكثر من 360 مسلمًا يموتون في غزة من سنة 2007م إلى الآن من جرَّاء الحصار، والآلاف يموتون في قصف غزة في حربها الأخيرة، بل يجب أن يكون ردُّ فعلنا شديدًا ومهولاً إذا أُزهقت رُوح واحدة بريئة في أرض فلسطين، أو في غيرها من بقاع العالم. ولا أدري كيف يطيب لنا عيش، وكيف نستمتع بطعام وشراب، وكيف يغلبنا النعاس، ونحن نسمع ونشاهد ما يجري لإخواننا وأخواتنا وأبناء عقيدتنا، وهم يُطحنون بالآلة اليهودية المجرمة!!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[5].
فلا بُدَّ لنا أن نعي وزن الأمور بميزان الإسلام، وبمعايير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندها ستتضح لنا الرؤية، وتظهر لنا الحقائق.
والنقطة الثالثة: التي أودُّ الإشارة إليها، هي أنه مهما ساءت الأوضاع، وأظلمت الدنيا فإن العاقبة في النهاية للمتقين، وسيأتي زمان يعود فيه الأقصى حرًّا للمسلمين، بل ستعود فلسطين بكاملها بإذن الله.. لا نَشُكُّ في ذلك قيد أنملة، بل إننا نرى أن الشك في هذا الأمر خطيئة لا تغتفر، فالله عز وجل يقول في كتابه: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15]. إن الشك في نصر الله شكٌّ في قدرة الله، وهو خلل عقائدي غير مقبول من مؤمن، ولا نتوقعه من صالح.
أما النقطة الرابعة والأخيرة في هذا المقال: فهي أن الكرة في ملعب المسلمين، وليست أبدًا في ملعب اليهود؛ فالذي يؤثِّر في الأحداث ويُسَيِّرها ليس الجبروت اليهودي ولا القوة الصهيونية، إنما العامل الرئيس والأساس يعود إلى المسلمين أنفسهم، فنحن لا نُهزم بقوتهم ولكن بضعفنا، ولو عدنا إلى الله عز وجل عودة كاملة لنصرنا الله نصرًا مؤزَّرًا، ولرأينا أضعاف أضعاف ما نتمنى من انتصارات ونجاحات، ولانتهى الكابوس اليهودي، الذي أزعجنا في هذه السنوات السابقة.
ولست أعني بالعودة إلى الله عز وجل اللجوء إلى المساجد فقط، أو الاعتماد على الدعاء وكفى، أو حتى الجهاد بالمال ومقاطعة البضائع اليهودية والأمريكية، إنما أقصد عقيدة سليمة، وأخلاقًا حميدة، ونية صادقة، وعملاً صالحًا، وعلمًا نافعًا، وجهادًا مستمرًّا، ووحدة لا شقاق فيها، وأملاً لا يأس فيه.
إن الأقصى لا يُحَرَّر بقوم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، إنما يُحَرَّر بقوم باعوا دنياهم، واشتروا الجنة، وأعرضوا عن رضا الناس، وبحثوا عن رضا الله، وتركوا مباهج الدنيا، وتمسكوا بالقرآن والسُّنَّة، وهؤلاء لا يخلو منهم -بإذن الله- زمن من الأزمان، فأبشروا أيها المؤمنون؛ فإن نصر الله قريب، ودين الله غالب، ولو كره المشركون.
ونسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
جماعة الإخوان ومنصب الرئيس في مصر وفلسطين
د.عصام شاور
من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تعلمت من تجربة حماس في فلسطين وفي قطاع غزة تحديداً، حيث إن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومة حماس للاحتلال بثت روح التحدي في الجماعة مما دفعها إلى تهديد النظام البائد بالنزول إلى الشارع قبل شهر من انطلاق الثورة المصرية في 25 يناير.
وكذلك فإن الجماعة استشعرت الضغوط التي يمكن لمصر مواجهتها إن هي تسلمت الرئاسة في مصر إلى جانب سيطرتها على البرلمان المصري كما حدث من حصار عالمي لقطاع غزة، ولذلك فإنها لن تخوض سباق الرئاسة حتى تخفف من حدة الصدام مع الأحزاب المصرية الأخرى ولتفادي أي نوع من الضغوط الغربية على مصر حتى تنهض مصر وتصبح قادرة على الوقوف أمام التحديات الخارجية، وكذلك فعل حزب النهضة في تونس الذي اكتفى بالحكومة وترك منصب الرئاسة لحزب آخر أملاً في إصلاح الأوضاع الداخلية وعدم التأثير على علاقات تونس الخارجية.
قبل أيام قيل بأن حماس ربما تخوض سباق الرئاسة في فلسطين، أي أن حماس لا ترفض المشاركة من حيث المبدأ والاحتمالات قائمة، واعتقد أن عدم مشاركة حماس في انتخابات الرئاسة أفضل من مشاركتها، وكذلك أرى أنه من الضروري أن تعلن حماس عدم رغبتها في السعي لمنصب الرئيس حتى لا تزيد من الضغوط الخارجية القائمة حالياً في سبيل إفشال المصالحة الداخلية..
ولا شك أن المنافسة على منصب الرئاسة أو حتى الإعلان عنها سيثير حفيظة حركة فتح وباقي فصائل منظمة التحرير وبذلك تتعزز قوة التيار الداخلي الرافض للمصالحة مع حماس مما يتسبب في عرقلة المصالحة والتي ما زالت تتعثر بالتأجيل والتسويف وعدم التطبيق على أرض الواقع.
الخلافة الراشدة والحكم بما أنزل الله من أسمى وأهم غايات جماعة الإخوان المسلمين، ولكن للوصول إلى ذلك الهدف بأمان يجب بناء قواعد سليمة قادرة على حماية الدولة المدنية التي تحتكم لشرع الله عز وجل من التحديات الداخلية والخارجية، وذلك لا يكون إلا بالفهم الصحيح للإسلام واستعداد الأمة لتحمل تكاليف الدعوة ورفع راية الإسلام، ولذلك فإن المرحلة الحالية تستوجب من الإسلاميين التركيز على نشر الدعوة وإصلاح البلاد وخاصة من الناحية الاقتصادية من خلال البرلمانات والحكومات، أما الرئاسة فوقتها لم يحن بعد، وهذا ما يجب أن تتعلمه حماس من جماعة الإخوان في مصر وتونس.
كلام الإعلام ويقين المرشد
د. يوسف رزقة
الأعصاب مشدودة في ميدان التحرير بمصر، ولكنها ليست كذلك في المستويات الرسمية، وعند قادة الأحزاب والتكتلات. الإعلام يقوم بحملة تخويف غير مبررة، وهو الذي يزيد من لعبة الأعصاب المتوترة.. الإعلام لم يتكيف بعد مع المتغيرات الجديدة. لم يكن الإعلام في عهد نظام مبارك مع الشعب وطبقاته المسحوقة وإنما كان مع النظام نفسه، وهو الآن لم ينتقل بالثورة إلى الشعب أيضاً، فهو ينكر على الشعب تصويته للتيارات الإسلامية. ويذهب إلى الزعم بأن الفقراء و"الغلابة" والمساكين فقط هم الذين صوتوا للإخوان وللسلفيين. وفي الوقت نفسه لا يستطيعون تفسير فوز الإخوان في النقابات (المحامين، والأطباء والمهندسين، وأساتذة الجامعات) بالفقر أو الجهل، فهؤلاء هم الطبقات المثقفة التي تتمتع بمستوى معيشي مستقر وجيد.
الأعصاب المشدودة يثيرها الإعلام الذي يتبنى الاشتراكيين الثوريين، والليبراليين العلمانيين، وهم فئات قليلة، ربما ترى بأن إثارة الفوضى قد تسمح بإعادة ترتيب نظام الحكم بمعزل عن التيارات الإسلامية، على قاعدة (رايس) (الفوضى الخلاقة) لإضعاف بنية المجتمعات العربية من داخلها، والتمهيد لانتصار الأحزاب الموالية للفلسفة الغربية، وهم الذين يثيرون التخوفات من إفلاس مصر، وانهيار السياحة، ويزعمون أن التيارات الإسلامية لا تملك برامج عمل واضحة ومحددة.
فكرة احتكار السلطة في يد الليبراليين واليساريين مازالت تحرك المشاغبين ضد التيارات الإسلامية في مصر وفي غيرها، وكأنه يحرم على الإخوان والتيار الإسلامي بشكل أوسع المشاركة في السلطة والحكم حتى ولو كانوا خبراء ورجال دولة، ويحظون برضى الشعب عنهم.
حديث الإعلام عن الدولة المدنية هو حديث يستهدف تضليل الناخب المصري، وحشد طاقات المعارضين لفوز التيار الإسلامي لقطع الطريق مقدماً على تكليفه بتشكيل الحكومة، مع أن فكرة الدولة المدنية هي فكرة إسلامية، إذ لم يدعو الإخوان يومياً لإقامة حكومة دينية، لأنه لا يوجد في الإسلام رجال دين، أو كهنوت.
أيام قليلة على الجولة الثالثة والأخيرة للانتخابات البرلمانية، وعندها تسكن الأعصاب المشدودة. وتعود إلى طبيعتها عند أغلبية المشاركين في العملية الانتخابية، غير أن هذا السكون سيترجم نفسه بعراقيل، ومشكلات، ومطالبات فئوية، تستهدف إشغال الحكومة المنتخبة والبرلمان المنتخب عن قضايا مصر الكبرى، بغرض إفشال تجربة الإخوان في الحكم، ولا أحسب أن الإخوان بمعزل عن هذا التصور المؤسف، بل هم يتوقعون أكثر من ذلك، لذا فهم يوطنون أنفسهم على تحمل المعاناة، والصبر على الآخرين، وإن ذهبوا شططاً في مواقفهم وكيدهم، حتى تنجح التجربة، ويفيئوا إلى الحق والصدق مع الله ثم مع الشعب.
كان كلام المرشد العام للإخوان كلام الواثق بالمستقبل، وكلام من امتلأ قلبه بيقين التوكل والنجاح، فمن غالب الديكتاتورية والقمع والسجون، هو أقدر على مغالبة مسئوليات الحكم، ومغالبة المثبطين، فإذا قدّر لك والتقيته أو جلست إلى أعضاء مكتب الإرشاد فلا تسمع صخباً، ولا لغطاً، وإنما ثناء وشكر لله الذي أعطى الشعب في مصر أكثر مما يتوقع في اليوم الأول من خروجه إلى الميادين والتظاهرات في 25 يناير من العام المنصرم. وهم واثقون أن الله سيمنحهم القدرة على قيادة مصر إلى مستقبل أفضل بالشراكة مع الآخرين دون إقصاء لأحد، أو استصغار لحجم حزب أو جماعة.
ليس في أي من دول العالم الحر الديمقراطي حكم بلا معارضة، وأحياناً تكون المعارضة مشاغبة ومثيرة للقلق، ومع ذلك فالحكومات تتعامل مع المعارضة من خلال أنظمة وقوانين تحكم العملية الديمقراطية. وإنه بتقدم المسيرة الديمقراطية عاماً بعد عام ستسترد مصر عافيتها السياسية، وقرارها السياسي المستقل، وأصالتها البرلمانية الديمقراطية في الحكم بعد أن غابت عنها لعقود طويلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويذهب الإعلام ويبقى يقين المرشد في الناس، أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
بشائر المالكي
د. فايز أبو شمالة
ليس المقصود هنا "نوري المالكي" ابن العراق، الذي اغتصبت أمريكا وطنه لثماني سنوات، ومزقت أركانه، ودمرت مقدراته، وهتكت تاريخه، وغصبت شعبه على قبول حكومة من صنع أمريكا، يرأس وزراءها "نوري المالكي"، المقصود هنا "رياض المالكي" ابن فلسطين، الذي اغتصبت إسرائيل كل وطنه، واستوطنت أرضه، وطردت أهله، ولما تزل تغتصب كل حبة رمل، وتوافق على وجود سلطة فلسطينية لها حكومة، يعمل "المالكي" وزيراً لخارجيتها!. "رياض المالكي" يبشر الفلسطينيين بالفرح السعيد، ويكشف عن خطة أعدتها القيادة الفلسطينية بتوجيهات من السيد محمود عباس للعام الجديد، والتي هي مغايرة تماما عن العام المنصرم، وتنذر بمفاجآت جديدة، أبرزها؛ الاستمرار في التقدم إلى مجلس الأمن بطلب بالاعتراف بفلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة، تمهيدا للانضمام للمحاكم الدولية، لمحاكمة إسرائيل على جرائمها على مدار 44 عاما".
فما هو الجديد الذي يبشرنا فيه "المالكي" طالما سيستمر العمل الدبلوماسي بالأسلوب القديم، وسيستمر في الوقوف على أبواب مجلس الأمن، بهدف الانضمام إلى المحاكم الدولية، لمحاكمة إسرائيل على جرائمها على مدار 44 عاماً؟
وهل تم اختصار القضية الفلسطينية بالانضمام إلى المحاكم الدولية؟ وماذا بشأن جرائم إسرائيل قبل عام 67، مثل مجزرة دير ياسين، ومجزرة "إقرت" و "كفر برعم"؟ وهل معنى ذلك أن يتخلى الفلسطينيون عن أرضهم التي اغتصبها الصهاينة سنة 48؟ ألا يعني ما سبق، تبرئة إسرائيل من الجرائم التي اقترفتها بحق ملايين اللاجئين الذين ما زالوا مهجرين، وتطهير يد إسرائيل من الدم الفلسطيني الذي سال في يافا وحيفا وصفد والقدس، طالما أن جرائم إسرائيل التي ستلاحقها السلطة الفلسطينية تقف عند حدود سنة 67؟ وماذا نقول عن الدم العربي الذي سال على أرض فلسطين، وحارب العصابات اليهودية قبل قيام الكيان الصهيوني سنة 48؟ هل كان الشهيد المصري مصطفى حافظ إرهابياً؟ وهل كان الشهيد أحمد عبد العزيز قاتلاً؟ هل سنتوقف عن قراءة الفاتحة على روح الشهيد عبد القادر الحسيني؟
من مفارقات القدر، أن بعض المؤرخين اليهود أمثال "بني موريس" يعترفون بالمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين سنة 48، أي قبل ثلاثة وستين عاماً، ولا يقفون عند حدود أربعة وأربعين عاماً؛ زمن وزير خارجية السلطة الفلسطينية "رياض المالكي"، الذي يزف لنا بشائر التجديد، وهو يقود السياسة الفلسطينية من نصر إلى نصر، وإنها لسلطة حتى النصر.
دعونا نُعطي "المصالحة" فُرصَتها
د. محمود العجرمي
الجماهير في كل مكان، ترى أن الاختبار الحقيقي لصدق النوايا، يتمثل في إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين فوراً، وتجريم ذلك، وتوفير كل الأجواء لعمل اللجنة الفصائلية للقيام بهذه المهمة الوطنية النبيلة، في الوقت الذي يجب فيه تقديم الدعم الكافي لدور مصر الريادي لمراقبة ذلك، وللتدخل الحر والمفتوح لإنجازه. فلا معنى لأي عمل وطني فاعل، دون إطلاق حريات العمل السياسي التنظيمي والمؤسسي في ربوع الوطن المحتل، وكيف يمكن لعاقل أن يفهم الكيفية التي يمكن بها إنجاز انتخابات حرة، شفافة، ونزيهة، دون توحيد الأطر التمثيلية والأمنية التنفيذية، كالحكومة المؤقتة، وأجهزة الأمن.
وحين يلحظ الكل الوطني أن هناك تركيزاً لافتا للانتباه، ومثيراً لغبار التساؤلات حول أولوية إجراء انتخابات المجلس التشريعي، وَلِرَجْع ذكريات النكوص عن نتائجها والانقلاب عليها بداية عام 2006، يصبح من الضرورة – إذا حَسُنَتْ النوايا – التمسك بتزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
هذا هو المدخل الحقيقي والوحيد لاختبار صِدْقيّة احترام الشراكة، وقرار الشعب الديمقراطي، والعمل المؤسسي السيادي. ولابد من التنويه هنا، إلى أن الجبهات الوطنية التي قادت أعباء حركات التحرير لكل أمم الأرض، كانت ولم تزل – في الدول المستقلة – تتشكل من قوى، وأحزاب تحت مسميات متعددة، لكل منها استقلاليتها الخاصة برنامجياً وبنى داخلية، وأن العضوية في الإطار الوطني العريض تتصل حصراً في التوافق على برامج الحد الأدنى، مع احتفاظ كل طرف بحقه في العمل الميداني باستقلالية تكفلها الشرعية الثورية والقانونية، فلا حق بالوصاية لأحد.
الحديث عن المقاومة الشعبية، هو توجه حاد لتفعيل هذا النمط من الكفاح، فهو ضرورة لمواجهة انفلات سوائب المستوطنين الذين يعتدون على الأرض حرقاً والحيوانات قتلاً والجوامع حرقاً والمنازل سرقةً وتدميراً، كشكل من أشكال المقاومة الشعبية التي تحمل السلاح في اليد الأخرى كضرورة وطنية.
علينا ألا نضع شكل المقاومة السلمية في مواجهة المقاومة العنيفة والمسلحة فهما وجهان كفاحيان لنضال تتعدد نماذجه ما بقي الاحتلال.
وحول التهديدات التي يطلقها بعض قادة رام الله بحل السلطة، فهل يعتقد أولئك أن هناك سلطة وطنية فلسطينية فعلاً على الأرض، تمارس أياً من مهامها الوطنية السيادية، إذا استثنينا "التعاون الأمني"!
وهل محق، ذلك الذي يتساءل، إن كان وجود السلطة كله، مطلباً، وصناعة ومصلحة إسرائيلية؟!
إن ما يجب العمل من أجله، هو بناء سلطتنا الوطنية، سلطة الأمر الواقع لشعب له حق تقرير المصير الذي فرضه بدمه على الأرض كحق مشروع وأكدته الشرعية الدولية في عديد القرارات.
وإنه من الطبيعي، والمعقول، أن نقرأ ليس فقط تاريخ الشعوب التي انتصرت ولكن تاريخنا نحن، قديمه وحديثه، ومسلسل التنازلات الكارثي هذا ما يجب مراجعته وتجاوزه نحو برنامج وطني موحد يؤكد على الثوابت ويحفظها بكفاح يومي وعلى كل الصعد وفي جميع الميادين !!
هكذا كان الحال في كل مراحل النضال التي خاضتها الشعوب المناضلة، وهو نفسه الذي وَسَمَ العلاقات البينية للفصائل في إطار منظمة التحرير طوال عقود الكفاح التي مَرّت.
العالم معنا، وبعضنا هو الذي يغرد خارج السرب. ولماذا لا نقرأ جيداً المعاني العميقة لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة (167 دولة) لمشروع قرار الحق في "السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها شرق القدس، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية" بما يشمل الأرض والمياه وكذلك تبني المؤسسة الأممية الواسع لقرار "حق تقرير المصير (182 دولة).
إن إعطاء المصالحة فرصتها الكاملة، لا يعني فتح ماراثون جديد لشراء الوقت، واختبار مسارات كالتفاوض العبثي العقيم الذي استدام عقدين عجاف أو استمرار العمل مع العدو تحت أي مسميات، أو الخنوع لضغوطه، بل توحيد القوى، لمواجهة عدو خبرناه بالدم والنار، ويكفي للتدليل على كل ما تقدم، ما يقوله وزير حرب دولة العدو، الذي يُشيد "بالدور الكبير الذي تلعبه أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية، في حماية المستوطنين الإسرائيليين وتوفير درجات غير مسبوقة من الأمن" ويؤكد إيهود باراك "على ضرورة الاستمرار في ضخ الأموال، لأن ذلك يصب في تمويل الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالحنا"!
ويختم باراك، لكل من يريد أن يفهم خطورة ما يُحدِق بقدسية المصالحة وضروراتها: "هناك حالة من الأمن والاستقرار في الضفة الغربية، وهي ثمرة للتعاون بين الجيش وجهاز الشاباك وللجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية الفلسطينية" ؟!!!
تأجيل تشكيل الحكومة "المؤقتة" مؤشر على سوء النوايا، واستمرار الاستدعاءات بُعد آخر للقوى المتنفذة والمرتبطة التي تملك القرار السياسي في رام الله المحتلة.
الطريق طويلة، وهو غير معبدة بالتأكيد، وهي بحاجة إلى المزيد من المثابرة والجهد، لإعادة بناء منظمة التحرير البيت الوطني، لأن المشاركة في اجتماع هيئتها القيادية الانتقالية والمؤقتة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" "ولحركة الجهاد الإسلامي"، وفصائل أخرى لم تنضو بعد في إطارها لا يعني العضوية فيها، فهذا له إجراءاته ووسائله وفي المقدمة منها مرجعياته القانونية.
إن من سيُنجح ذلك كله، هو إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ليصبح بتشكيله الديمقراطي الجديد المُعبر الحقيقي عن الخارطة السياسية التمثيلية لكل الشعب الفلسطيني، في كل أماكن وجوده.
ولابد أن يتزامن ذلك، وبنفس معايير الشفافية والمصداقية مع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، فلم يعد ممكناً لقطار المصالحة أن يدخل محطة ويقفز عن أخرى. هذه هي المناطق التي إن أردنا للمصالحة أن تنجح وجب أن نبني عليها مداميك وحدتنا الوطنية، القادمة دون أدنى ريب، مهما حاول العدو تعطيلها، ومعه كل الذين يلعبون على حبال التسويف والمماطلة!
في ذكرى العدوان: قراءة قرآنية في معركة الفرقان
د. محمد المدهون
معركة الفرقان كانت فرقاناً بين الحق والباطل وامتداداً لهذه المعركة المستمرة حتى قيام الساعة حيث يمثل الشعب الفلسطيني رأس الحربة لمشروع الحق والخير(المشروع الإسلامي), في مواجهة العدوان البربري الصهيوني رأس الحربة لمشروع الباطل والشر (المشروع الغربي). قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم :13- 14]. والباطل يستقوى بالقوة المادية ظاناً أنها مصدر النصر (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : 15]. والله توعدهم (الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يُحشرون). ورغم ذلك الله يقطع على نفسه عهداً بنصر المؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) [النور : 55] ووراثة الأرض (الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف : 128]
معركة الفرقان حملت للفئة المؤمنة على طريق الحق معاني القران حين صرف الله عنها التهدئة فكانت ذات الشوكة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) [الأنفال : 7]. وتتحقق معية الله بالدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفرقان وكذا بملايين الأكف من المؤمنين في أرجاء المعمورة بألا تُهزم هذه الفئة. ويواسي الله تبارك وتعالى هذه الفئة بما قدمت من شهداء (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) [آل عمران : 140]. وأنه (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) [آل عمران : 111]. وبما أصابها من امتحان (و إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) [آل عمران: 140]. ولذلك رفعت غزة شعار رسول الله صلى الله يوم أحد (لسنا سواء قتلاكم في النار وشهداؤنا في الجنة). وحدثت الزلزلة التي يميز الله فيها الخبيث من الطيب ويتحقق بعدها نصر الله (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب :10-11]. وتجسد شاخصاً قول الله تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب : 22]
معركة الفرقان فرقانٌ بين الشعب الفلسطيني الذي أمده الله بصبر عجيب وسكب في قلبه رضا شديد بقضاء الله وتسليم مطلق لمشيئته فكانت الطمأنينة والسكينة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً) [الفتح : 4]. بينما قذف الرعب في قلوب العدوان رغم آلة الجبروت والدمار التي يقودها (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الأحزاب : 26]. وتجسد رعب المواجهة لدى جند الباطل في الميدان وكان حقاً (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) [الحشر : 13] وتجسد في أيام الفرقان معاني القرآن حول حقيقة يهود (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) [البقرة : 96]. حيث تجلى في كافة مواجهاتهم الحقيقية مع جند الله وهم يفرون من الموت ويصرخون متشبثين بالحياة وهم يقولون إيما إيما. فتجسد فيهم قوله تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر : 14]. فشتت الله شملهم ومزق صفهم وجعلهم (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53] بما اعتقدوا أنهم أنجزوه لمعركتهم الانتخابية.
معركة الفرقان فرقانٌ بين الإيمان والنفاق حين لام البعض على المقاومة معلناً انتهاء التهدئة وأن حماس وغزة جنت على نفسها وجلبت القتل والذبح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ) [آل عمران : 156]. فريق النفاق ردد ذات المقولة في التهديد والوعيد لفريق الإيمان بأن حماس وغزة انتهت وأن أيامها معدودة وأن عليها أن ترفع الراية البيضاء سريعاً قبل أن يستفحل فيها القتل (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب :12- 13] وحينما سُئل ذات الفريق لماذا لا تكونوا مع شعبكم في هذه المحرقة قالوا سنذبح حينئذ من الوريد إلى الوريد (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) [القصص : 57]. والناس في تقدير الموقف على فريقين (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ) [النساء : 88].
معركة الفرقان كانت فرقاناً بين أصحاب الإعلام و السياسة وأصحاب القلم والتحليل الذين وقف فريق منهم مع الحق. ولكن برز فريق النفاق الذين كرمتهم الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني كأصحاب قلم تنشر مقالاتهم وتحليلاتهم الخارجية الإسرائيلية باعتبارهم أصدقاء وهم بحق أصحاب (النفاق السياسي) (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) [النساء :108]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة :11]. أولئك الذين جسدوا قول الله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً [18] أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [19] [الأحزاب :18- 19].
معركة الفرقان أظهرت فريقاً من الناس عن قصد حسن يستهويهم نقل الأخبار وإشاعة الأنباء دون تحقق من صدقها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات : 6]. والبعض يسعى لذلك قاصداً إشاعة الفتنة (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : 83]، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة : 47]. هؤلاء وأولئك علينا الحذر منهم بالوعي والإيمان والحرب والاستئصال فهم الذين يقولون (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود : 91].
معركة الفرقان حسمت الخيارات السياسية ولكن هناك فريق ما زال يتلظى بنيران الحيرة، ولا يحسم خياراته.. وبقي معلقاً بين خيارات المقاطعة التي لا يؤمن بها وخيارات الشعب التي لا يستطيع الإقدام عليها وهؤلاء أبناء فتح الذين لا يؤمنون بقيادتهم ولا يملكون أمراً أمام سيف الراتب المسلط على رقابهم (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء : 143]. (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) [النساء : 91].
معركة الفرقان انجلى غبارها بثبات أسطوري وانتصار للدم على السيف وللكف على المخرز وبقوله تعالى (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) [آل عمران : 139]. وبدأت الحشود في العمل من أجل الإعداد لإعمار غزة بأموال عربية حتى يعيد الاحتلال تدميرها خرج ذات فريق النفاق ليقول أنه من المستحيل منح أموال الإعمار لحماس وحكومتها كي تقود عملية الإعمار لأن ذلك يشكل قوة لحماس وغزة (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) [المنافقون : 7].
معركة الفرقان بكل تجلياتها شكلت فرقاناً حقيقياً واصطفافا متجلياً وافتراقا بين مرحلتين سنأخذ منها لمستقبلنا المشرق بالعز والكرامة والتحرير.
تأمّلات على هامش ذكرى الفرقان!
لمى خاطر
الآن؛ بتنا ندرك جيداً كيف أن تسمية الحرب على غزة قبل ثلاث سنوات بالفرقان ما كانت عبثا، ولا مبالغة في إسقاط معاني غزوة بدر الكبرى على الحالة الغزية وهي تجابه آلة حرب مدمرة لا قبل لها بردّها وفق المقاييس المادية المجردة، لا سيما وأنها كانت محاصرة ومكبّلة ومحصورة في بقعة جغرافية صغيرة، بل كانت التسمية إلهاماً ربانياً للفئة المستضعفة التي حاربت بكل قوّتها حتى اللحظة الأخيرة وهي مدركة بأن الهدف كان رأسها وتحطيم وجودها، وبأنها إنما كانت تدفع ثمن مواقفها، وضريبة صلابتها وإصرارها على تقديم نموذج فلسطيني ممانع بالفعل لا بالكلام، وقادر على تحدّي كل ألوان الترغيب والترهيب التي تُبذَلُ لترويضه وتحويله عن أهدافه، وإبقائه تحت رحمة الاحتلال.
(فرقان غزة) الذي فرّق بين الحق الفلسطيني والباطل الصهيوني، لم يقف عند حدود الاكتفاء بدحر المحتل وردّه عاجزاً عن تحقيق أيّ من أهدافه، فلم يرهق الدم والدمار عزيمة الغزيين، بل كانت الحرب محطة المحنة الكبرى التي خلّفت وراءها دروساً وعبراً عديدة، وعتْها قيادة حماس، وظلّت تلهمها وهي تواصل مسيرتها بُعيد الحرب، فما نقص تمسكها بثوابتها ولا ألجأَها اشتداد الحصار إلى الانقلاب على المبادئ تحت ضغط الفاقة وانعدام النصير.
ولذلك، كان طبيعياً أن نرى بشائر الصمود تتوالى على غزة، ورغم أن صفقة (وفاء الأحرار) كانت المكافأة الأهم لغزة ولحماس ولأسرى الحرية، إلا أن ربيع غزة بدأ بالتشكل قبل عام من الآن، أي منذ انطلاق شرارة أول ثورة عربية، ثم تبرعمت زهوره عند سقوط نظام مبارك الذي كان شريكاً مباشراً للاحتلال في الانتقام من غزة، وفي ابتداع فنون حصارها سياسياً وجغرافيا واقتصاديا،


رد مع اقتباس