لماذا ستفشل فلسطين في الانضمام إلى الأمم المتحدة
مقابلة صحفية أجراها راديو صوت روسيا مع سيرجي سيرجيفتش-محلل من معهد دراسات الشرق الأوسط
ترجمة مركز الإعلام
131 دولة، ثلثي دول العالم بما فيهم روسيا يعترفون بالاستقلال الفلسطيني، ولكن ما هي المشكلة لدى الأمم المتحدة والتي تحول دون ذلك؟
المشكلة ليست لدى الأمم المتحدة بقدر ما هي لدى فلسطين، فإن الاعتراف بفلسطين كدولة شئ واعتبارها دولة على أرض الواقع شئ آخر.
إن الاعتراف بالاستقلال الفلسطيني ممكن، ولكن المشاكل التي ستنهال على الفلسطينيين بعد ذلك ستحول وضعهم الحالي من المن والسلوى إلى وضع آخر فيما إذا تم الاعتراف بدولتهم.
أولاً: سوف تبدأ إسرائيل بضغوطات جديدة عليهم، ثانيا: ليس هناك اتصالات أو مفاوضات مع الإسرائيليين كما أن هناك انفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، فكيف سيتم التعامل مع حكومة حماس في غزة، فالأرجح أن تحدث حرب أهلية بين الفلسطينيين على من سيستلم كرسي الرئاسة في الدولة المنتظرة.
لقد أقدم محمود عباس على هذه الخطوة تحت ضغط الشارع العربي الذي كان يطالب السلطة الفلسطينية بتحقيق تقدم ما في القضية الفلسطينية.
كما أن حماس وبتحريرها لشاليط مقابل أكثر من ألف معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية كسبت عواطف الشارع الفلسطيني، مما لم يبق لعباس سوى التوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالحصول على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة (ملاحظة: يذكرأن السيد الرئيس توجة إلى الأمم المتحدة قبل إتمام صفقة شاليط وهذا يدل إما على جهل الكاتب بالأحداث أو رغبته في شن حملة إعلامية ضد السيد الرئيس في الشارع الروسي للتقليل من التأييد الشعبي الدولي للدولة الفلسطينية- قسم الترجمة).
وبالطبع إن فلسطين ستحصل يوماً ما على استقلالها ولكنني أعتقد أن الفلسطينيين ليسوا مهيؤون حالياً لذلك، كما أن العقلاء منهم يرون أن ذلك الطلب فيه بعض التناقض، ويرون أنه من صالح الفلسطينيين أن لا يعترف مجلس الأمن الدولي بدولتهم في الوقت الحالي لأن ذلك سيقلل من الأعباء التي سيتكبدها الفلسطينيون في حالة الاعتراف بدولتهم.
ما مدى تأثير الاعتراف بالاستقلال الفلسطيني على المواطنين الفلسطينيين البسطاء في قطاع غزة على سبيل المثال؟
من المؤكد أن هنالك تأثير من الناحية النظرية، فأولاً، سيتمكن الفلسطينيون من التقدم بالشكوى إلى الأمم المتحدة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، وسيتم النظر إلى الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أنه صراع بين دولتين، مما سيساعد الفلسطينيين أيضاً في التقدم بالشكوى ضد الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة باعتبار أن ذلك سيعتبر اعتداءً من قبل دولة عضو في الأمم المتحدة على دولة عضوة أخرى فيها، مما سيضيق الخناق على إسرائيل من الناحية القانونية في موضوع الأمن، ومن الممكن أن تضطر لاستخدام المادة 51 من قانون الأمم المتحدة لتحقيق أمنها ودفاعها عن نفسها، ولكن حتى هذا لن يبعدها عن الخضوع للمساءلة الدولية.
فالآن لدى إسرائيل ذريعة قانونية لمكافحة الإرهاب في قطاع غزة للحفاظ على أمنها، أما في حالة الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة فإن الفلسطينيين سيتقدمون فوراً إلى الأمم المتحدة لاعتبار حصار غزة أمر غير قانوني.
لكن إسرائيل ستطالب الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى الاستقلال، ومن ناحية فإن ذلك جيد ولكنه صعب من ناحية أخرى، فهنا سيبدأ التباين بين فتح وحماس الدبين الكبيرين في المخبأ الصغير، (فحماس أقوى من فتح من ناحية، كما أن الفساد في حماس أقل من الفساد في فتح)، لذلك فإن الاحتمال الأكبر أن يصل الإسلاميون إلى الحكم في حالة
الاعتراف بفلسطين، مما سيلزم حماس بالاستحقاقات الدولية، وهذا سيؤدي إلى نشوء أحزاب إسلامية أكثر راديكالية من حماس، والتي ستتهم حماس بالتنازل والتخلي عن الفكر الإسلامي كما فعلت ذلك فتح من قبل.
وكل ذلك سيؤدي إلى زيادة تعقيد الأمور على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة الفلسطينية.
كما أن الفلسطينيبن يتلقون الدعم والمساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة، ويحصلون على الموارد الكهربائية والخدمات والضرائب من إسرائيل، فكيف لهم أن يعلنو استقلالهم في هذه الحالة.
غالبية الفلسطينيين يعيشون خارج فلسطين، ومن الصعب أن يوافقوا على العودة إلى بلد لا يعرفون فيه شئ، كما ويعيش فيه مجتمع يختلف في عاداته عن تلك التي اكتسبوها في دول العالم، وإن وافقوا على العودة فهذه ستكون كارثة، فأين سيعيشون وكيف سيتمكنون من تعليم أبنائهم؟
الكثير من الفلسطينيين اعتادوا على استلام المساعدات الإنسانية وعدم التوجه إلى العمل، وحتى المتعلمين منهم كامهندسين مثلاً بدلاً من أن يتجهوا إلى العمل الذي يفيد مقومات دولتهم المستقبلية، كإنشاء محطات لتوليد الكهرباء مثلاً، فإنهم يقومون بتصنيع الصواريخ لمحاربة إسرائيل.
كما أن حماس تزداد شعبيتها شيئاً فشيأً مما قد يمكنها من الاستيلاء على الضفة الغربية كما حصل في غزة، وسيؤدي ذلك إلى حرب أهلية قد (تتدخل فيها إسرائيل لحماية فتح) مما سيجعل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في نظري كارثة ليس لإسرائيل بل للفلسطينيين أنفسهم.
تعلمون أن الولايات المتحدة أوقفت دعمها لليونيسكو بسبب تصويتها لصالح انضمام فلسطين إليها، فهل تعتقدون بأن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للأمم المتحدة فيما إذا تم الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية فيها؟
نعم، هذا أمر ممكن، ولكن الولايات المتحدة معنية في أن تبقى الأمم المتحدة منظمة قوية، فهم في كثير من الأحيان يمررون قرارات تخدم مصالحهم عن طريق هذه المنظمة كي لا يقعوا في إحراجات دولية، لذلك سوف يتصرفون بطريقة مخادعة، فمن الممكن أن يوقفوا دعمهم للأمم المتحدة في مشاريع معينة ويستمروا في دعمهم لمشاريع أخرى، فعلى سبيل المثال من الممكن أن توقف الولايات المتحدة دعمها للأمم المتحدة في الأموال التي تصل إلى الدولة الفلسطينية والدول التي ساندتها في الوصول إلى استقلالها فقط، وتستمر في تقديم الأموال التي تخصص لحلفائها وللدول التي تخضع لمطالبها.
ما هي الأمور التي ستترتب على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة مراقبة في الأمم المتحدة؟
كون فلسطين دولة مراقبة في الأمم المتحدة هذا لا يعطيها الحق في التصويت على أي قرار في الأمم المتحدة، ولكن ذلك سيلزم الأمم المتحدة بتقديم الاستحقاقات اللازمة لهذه الدولة والعمل على أن تصبح في المستقبل دولة كاملة العضوية، وأنا أرى أن هذا هو أنسب وأفضل حل بالنسبة للفلسطينيين في الوقت الحالي، لأن ذلك سيدفعهم إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، مما سيكون في صالح الطرفين الإسرائيلي الذي سيتجنب سقوط صواريخ القسام على جنوبه كما سيقي الفلسطينيين أيضاً من الدمار والمعاناة التي سيواجهونها من آلة الحرب الإسرائيلية.


رد مع اقتباس