الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية



الاستيطان في الفكر الصهيوني

إرتكزت الحركة الصهيونية منذ نشأتها كغيرها من الحركات الإستعمارية الأخرى على آليات لتنفيذ مشاريعها وتحقيق غايتها، وإعتمدت بشكل أساسي على الهجرة والإستيطان كونهما ينسجمان مع المنظومة الفكرية والعقائدية التي إستندت إليها في عملها، والتي تقوم على أساس نفي الأخر لا إستيعابه أو التعايش معه كما في غيرها من الحركات الإستعمارية رغم تشابه أدوات تنفيذها ، فالمشروع الإستعماري الإستيطاني الصهيوني إرتكز بشكل أساسي على أساطير وخرافات دينية توراتية توافقت مع الرؤية الإستعمارية الحديثة التي طرحها منظري الفكر الصهيوني حول حقيقة الكيان اليهودي وكيفية العودة إلى أرض الأباء والأجداد، وأستغلت القوى الرئيسية آنذاك بريطانيا وفرنسا وروسيا هذه القضية فربطت هذه الأفكار الدينية والإنسانية مع السياسة الواقعية القائمة على تقوية نفوذها في الشرق الأدنى، لتجعل منها قضية سياسية بإمتياز خلال القرن التاسع عشر، وتحديداً مع تدهور أوضاع الإمبراطورية العثمانية والتي كانت فلسطين جزءاً لا يتجزء منها في إطار ما يعرف "بالمسألة الشرقية .

إستغلت الحركة الصهيونية بدورها الظروف الدولية المواتية، وجلبت أعداداً كبيرة من المهاجرين اليهود من شتى أنحاء العالم بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وإنتهجت سياسة للإستيلاء على الأرض، وطرد السكان بشتى الوسائل بحجج ودعاوى دينية وتاريخية زائفة، كمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"

وشكل الإستيطان اليهودي في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر التطبيق العملي للصهيونية، حين قررت الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل الأول1897 التخلي عن الشكل غير المنظم للإستعمار الذي كان يدعمه بعض المتمولين اليهود، والإستعاضه عنه بمشروع قومي أكثر تنظيماً وذو أهداف سياسية واضحة لكسب التأييد الجماهيري، إذ تقرر في المؤتمر "إن هدف الصهيونية هو خلق وطن في فلسطين للشعب اليهودي، يضمنه القانون العام .

ومنذ ذلك الوقت، قامت الحركة الصهيونية بتوسيع قاعدة الإستيطان بإقامة عدد كبير من المستعمرات اليهودية والحضرية وزيادة عدد سكانها لتشكل مستقبلاً أساس تقسيم فلسطين الإنتدابية سنة 1947، وإقامة دولة إسرائيل سنة 1948 على حوالي 70% من مساحة فلسطين الإنتدابية، ولايزال الإستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة يستخدم الأساليب والآليات نفسها التي إستعملت قبل عام 1948، على الرغم من إختلاف الأوضاع ، وهي المخططات الصهيونية نفسها التي عبر عنها رعنان فايتس رئيس قسم الإستيطان في الوكالة اليهودية حين قال " إن مخططي الاستيطان الصهيوني عملوا خلال الستين عاماً المنصرمة على أساس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية، يجب أن يتعين من خلال أنظمة من المستوطنات، تبدأ كنقاط إستطانية، وتأخذ بالتوسع بأكبر مساحة ممكنة من الإدارة" .

ولضمان إستمرار هذا المشروع الإستيطاني وتطويره كان لزاماً على الصهاينة توفير الأمن له، وبالتالي إستعماله كآلية للأمن ونقاط إنطلاق للسيطرة على أراضي وموارد جديدة، وأيضاً للتأثير الأيدلوجي والإقتصادي والإجتماعي في الحيز المحيط، فالسياسة الصهيونية في مجال الإستيطان هي إذن وحدة متكاملة، يتشابك فيها الدين التوراتي بالسياسة بالإقتصاد ويعبأ في إطار أمني، وهي تشكل بالمحصلة النهائية القاسم المشترك لجميع الأحزاب الصهيونية في الساحة السياسية الصهيونية على إختلافها.

في ظل الحديث عن السلام لم تجر أي محاولة جدية لوقف سياسة التوسع والإستيطان في الأراضي المحتلة، بل إن عمليات الاستيطان كانت تجري بمباركة الدولة ومؤسساتها الأمنية عل نحو خاص، وكل هذه الإجراءات كانت بهدف سياسي واضح وهو إبقاء السيطرة على الأراضي المحتلة وتعميق تواجدها العسكري في قلب المناطق الفلسطينية، ولعب المستوطنين دوراً بارزاً في هذه العملية منذ البداية ولم تجرؤ أيٍ من الحكومات الإسرائيلية تجاهل هذا الدور، وقد تكون المرحلة الراهنة التي تواجه فيها الأراضي الفلسطينية أخطر الهجمات والمخططات الإستيطانية الصهيونية، تشكل فرصة مناسبة لطرح موضوع الإستيطان الصهيوني ومعرفة جذوره ومراحله والأفكار والأهداف الكامنة وراءه.

• جذور الإستيطان في الفكر الصهيوني:

الفكرة الصهيونية الداعية إلى إستيطان فلسطين كانت قد تبلورت من خلال إتجاهين رئيسيين الأول هو الإتجاه الفكري الديني، أما الثاني فهو الإتجاه الفكري العلماني والتي أخذت تنمو وتتفاعل بصورة واضحة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأما الصهيونية كحركة سياسية وأيدلوجية منظمة فقد تبلورت في أواخر القرن التاسع عشر وتحديداً في مؤتمر بازل عام 1897، والصهيونية كفكرة كانت قد سبقت الفكرة الصهيونية اليهودية الحديثة بحوالي ثلاثمائة عام، وتشكلت نتيجة تداخل روافد مختلفة من الثقافات الغربية الدينية والفكرية والسياسية عبر أربعة قرون، وفي طليعتها الرافد الديني كالأساطير والخرافات التوراتية، التي شكلت في النهاية المنطق الروحي للصهيونية اليهودية السياسية، كأساطير الشعب المختار والميثاق والمسيح المنتظر.

وكانت الجماهير الأوروبية آنذاك أكثر إستعداداً من غيرها لمد يد العون والمساعدة لليهود كي يستوطنوا في فلسطين وبخاصة في بريطانيا، فمنذ عام 1649 كانت مجموعة من البيوريتانيين الإنجليز قد قامت بتنظيم حركة تسعى لمساعدة اليهود على الإستيطان في فلسطين فقدموا عريضة إلى الحكومة الإنجليزية جاء فيها: "إن الأمة الانجليزية مع سكان الأراضي المنخفضة سيكونون أول الناس وأكثرهم إستعداداً لنقل أبناء إسرائيل وبناتها على سفنهم إلى الأرض الموعودة لأجدادهم إبراهيم وإسحق ويعقوب كي تصبح إرثاً دائماً لهم".

وأخذ المشروع الصهيوني يتبلور أكثر فأكثر وتحديداً مع قيام حركة الإصلاح الديني على يد مارثن لوثر الذي روج لفكرة أن اليهود أمة مختارة، وأكد على فكرة أرض الميعاد من خلال العقيدة البروتستانتية، فالنشاط الصهيوني لغير اليهود كان أسبق، فهؤلاء هم من رسموا المبادئ والشعارات كفكرة "الشعب اليهودي"، وفكرة "الإرتباط الوثيق بفلسطين، والعودة إليها والتي تبنتها الحركة الصهيونية في وقت لاحق، وأثبت البعض منهم عملياً هذا النشاط من أمثال اللورد بالمرستون 1784-1865، ومتفورد وجورج غولر ويليام هكلر 1845-1931، ولورانس أوليفانت 1829-1888، ويدجود وتشرشل وغيرهم.

فالديبلوماسي الإنجليزي اللورد أوليفانت أحد أبرز نشطاء الحركة الصهيونية، نشر كتاباً في عام 1880 بعنوان "أرض جلعاد" شجع فيه اليهود على إستعمار فلسطين والمناطق المجاورة لها، وإقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية تكون تحت السيادة العثمانية وتحظى بحماية بريطانية في شرقي الأردن وشمال البحر الميت، وشجع تقديم المساعدة للمستوطنات القائمة هناك أيضاً، أما بالمرستون فقد فكر بما يمكن أن تحققه بريطانيا من مكاسب سياسية فيما لو دعمت قضية الإستيطان، فسعى جاهداً لإقناع الدوائر السياسية الانجليزية بذلك.

ومنذ ذلك الوقت ظلت بريطانيا تسعى لتوطين اليهود في فلسطين، حتى نهاية عهد بالمرستون عام 1855، رغم عدم نجاحها في إثارة إهتمام اليهود للهجرة إلى فلسطين "للدولة اليهودية المقترحة"، بسبب رفض الدولة العثمانية الإستسلام للضغوط البريطانية للموافقة على منح فلسطين لليهود، وظل الحال هكذا إلى أن تغيرت الأوضاع في مراحل لاحقة وأصبح التغلغل الإستعماري البريطاني في المنطقة أكبر بسبب التنافس الاستعماري بين القوى الكبرى لتقوية نفوذها في المنطقة، ومع ظهور مؤشرات على بدء ضعف وتفكك الامبراطورية العثمانية أخذ الفكر الصهيوني يتبلور بين نخب المفكرين اليهود أمثال يهودا القلعي 1798-1878، والحاخام زفي هيرش كاليشر 1795-1874، وأخذ الفكر الديني اليهودي بالتبلور في إطار الفكر السياسي الأوروبي عن طريق أولئك الذين تأثروا بالفكر القومي الأوروبي أمثال موزس هس 1812-1875، وآخرون إتسموا بالتطرف فيما يتعلق بالمسألة اليهودية أمثال بيرتز سمولينسكن 1842-1885، و موشيه لايب ليلينباوم واليهودي الروسي الأصل ليو بنسكر 1821-1891.

أما الداعين للقيام بعمل روحي في إطار الحركة الصهيونية فهم آشر غينزبرغ (1856-1927) وأليعازر بن يهودا 1858-1923 وغيرهم ممن دعوا إلى ضرورة إقامة مركز يهودي في أرض إسرائيل والإستيطان فيها للحفاظ على الوجود اليهودي، وآخرون تبنوا "الاتجاه العلماني" لإقامة دولة يهودية على أساس سياسي، ودعوا لإستعمار فلسطين عن طريق تشجيع الهجرات إليها، وشراء الأراضي أمثال اليهودي الروسي غوردن (1856-1922) وإنتشرت تلك الأفكار بين الطوائف اليهودية بالتعاون مع القوى الإستعمارية الأوروبية، فجاءت الدعوات الأولى لإستيطان فلسطين على شكل حنين وشوق رومانسي للعودة إلى أرض الآباء والأجداد فربطت بعث الدولة اليهودية في فلسطين بحدوث معجزة إلهية يتمخض عنها مجئ المسيح المنتظر.

وكان الحاخام يهودا القلعي قد إستنبط معادلة جديدة للتغلب على الصعوبة التي تمثلها عقيدة المسيح المنتظر، فوضع "برنامج الخلاص الذاتي"، وكان القلعي أول من دعا إلى الإستيطان اليهودي في الأراضي المقدسة، فإقترح الدعوة إلى عقد جمعية كبرى في فلسطين، وصندوق قومي لشراء الأراضي في فلسطين، وفي عام (1857) دعا إلى تأسيس دولة يهودية، وكان قد هاجر إلى القدس وهو في سن متقدمة عام 1874.

أما زفي هيرش كالشر فقد رأى أن بعث صهيون لا يكون إلا من خلال عمل يقوم به الشعب اليهودي وأن المعجزة المسيحانية ستلي ذلك، وفي عام 1862 نشر كتاباً بعنوان "البحث عن صهيون" أبرز فيه أهمية العمل اليدوي وقدسيته، وأهمية الإستيطان في فلسطين، وهذه الأفكار تأثرت بها جماعة أحباء صهيون تأثراً كبيراً فيما بعد، كما دعا إلى عقد مؤتمر عام لزعماء اليهود بهدف تأسيس "جمعية إستيطان أرض إسرائيل" لتكون مهمتها "تشجيع الإستيطان اليهودي في فلسطين عن طريق شراء الأراضي وبناء المستوطنات" ولم ينحصر نشاط كاليشر في الأراء والنظريات فقط وإنما تعدى ذلك ليشمل نشاطاً عملياً في مجال الإستيطان، فساهم في تأسيس جمعية إستيطان يهودية في فرانكفورت عام 1860، وأخرى في عام 1864 في برلين عرفت بإسم "جمعية إستعمار أرض إسرائيل، ونجح في شراء قطعة أرض أقيمت عليها "مدرسة مكفية إسرائيل الزراعية" قامت "جمعية الأليانس الاسرائيلية العالمية" بتأسيسها عام 1870 في يافا لتكون بمثابة أول معهد زراعي، كما إقترح كالشر إنشاء جماعات حراسة لحراسة وحماية المستوطنات اليهودية إزاء الأخطار التي قد تتعرض لها، وهو نفس المنطق التي ما زالت إسرائيل تتذرع به لتبرير توسعها الإستيطاني.

فأظهر كل من القلعي وكالشر إن مهمة اليهود هي القيام بالخطوة الأولى ليسرعوا مجئ المسيح المخلّص.

كما نادى المفكر اليهودي "موشيه هس" في كتابه "روما والقدس" الصادر عام 1862 بفكرة إقامة دولة قومية "للشعب اليهودي" في فلسطين معتمداً في رؤيته هذه على ما كانت الحركات الوطنية القومية الأوروبية الأخرى قد حققته من نجاح مبرزاً الأهمية التاريخية الخاصة "للجنس اليهودي" التي لا يمكن أن يتحقق إلا "بإعادة ولادة إقليمية لإسرائيل" ومحاولاً إقناع التجمعات اليهودية عموماً، والمتواجدة في أوروبا الشرقية خصوصاً، بضرورة الهجرة إلى فلسطين، مستنداً في قوله على أنه ليس هناك مكان يصلح لإقامة الدولة القومية المنشودة لليهود غير فلسطين، ويعزي ذلك لسببين أولهما هو ما أشار به إلى نبوءات التوراة عن "أرض الميعاد" وأما ثانيهما فهو الموقع الإستراتيجي لفلسطين على طريق الهند، وهو ما يعكس رؤيته لضرورة ربط إقامة الدولة القومية لليهود بالمصالح الأوروبية، وهي الرؤية ذاتها التي تبناها هرتسل فيما بعد .

أما ليو بنسكر، كان قد إهتزت ثقته بمستقبل اليهود في روسيا، خاصةً بعد أحداث الشغب التي وقعت في أوديسا عام ،1871 والتي تم إخمادها بإرتكاب المذابح في عام 1881، فنشر كتاباً مجهول الإسم، حاول أن يثبت فيه أن هوس اللاسامية المتوارث والذي لا يمكن التعافي منه، وأن اليهود الذين لا يمتلكون وطناً سيظلون غرباء بلا شك، فدعاهم للفرار من ظرفهم الذين هم فيه والإستقرار في وطن خاص بهم، وقال أن الوقت قد حان كي يعقد مؤتمراً قومياً للنظر في مسألة شراء منطقة يستوطنها ملايين اليهود، وأن ذلك بلا شك سيحتاج إلى دعم القوى العظمى، ولأنه من غير الممكن أن تكون الأرض المقدسة الهدف المنشود، فيمكن لأرضنا الخاصة أن تكون في أي مكان، سواء في أمريكا الشمالية أم في تركيا الأسيوية.

أما الكاتب اليهودي النمساوي ناثان بيرنباوم 1864-1937، فحين أطلق مصطلح "صهيون" كان ليصف الإتجاه السياسي اليهودي الذي بدأ يتشكل على الساحة الأوروبية، وحوّل ما يسمى "بالمسألة اليهودية" والأفكار الدينية التقليدية اليهودية والبروتستانتية إلى برنامج عمل سياسي قام عليه المشروع الصهيوني على يد تيودور هرتسل، ومن ثم المشروع الصهيوني لإستعمار فلسطين وإستيطانها في مؤتمر بال عام 1897. ورغم أن العديد من العوامل كانت قد شجعت اليهود للترويج للإستيطان في فلسطين، كإغراءات التمثل، وبروز معاداة السامية، وظهور النظريات العنصرية في ألمانيا، والمذابح المدبرة في روسيا في العامين (1881– 1882) وغيرها، إلا أن تلك العوامل لم تكن وحدها الأسباب التي دفعت اليهود للتوجه إلى "صهيون"، إذ أن اليهود، كانوا قد هاجروا إلى بلاد أخرى، وليس إلى فلسطين، فراراً من الإضطهاد.

وكنتيجة لذلك كانت قد تشكلت جمعية "أحباء صهيون" في مدينة أوديسا التي رفعت شعارها "إلى فلسطين"، كما ظهرت حركة البيلو في روسيا وفتحت مكتبين لها في مدينتي أوديسا وإسطنبول والتي وجهت نداءها الشهير عام 1882، إفتتحته بالقول " إلى إخوتنا وأخواتنا في المنفى، السلام عليكم، إذا لم أعن نفسي فمن يعنّي" فنادت بإستيطان فلسطين وإنشاء دولة يهودية في إطار الدولة العثمانية ومن الجدير ذكره هنا أن تيودور هرتسل لم يكن أول من قام بالتخطيط لهجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ولم يكن أول من إقترح إنشاء دولة لليهود، إلا أنه الشخص الذي إستطاع الإرتقاء بالفكرة ووضعها موضع التطبيق .

• الأرض كعنصر من عناصر الفكر الصهيوني :

قامت الثقافات والسياسات الإسرائيلية على الأساطير التأسيسية التي تعبر عن نفسها من خلال ثلاث تعبيرات متشابكة داخل الرواية الصهيونية هي: نفي النفي، والعودة إلى أرض إسرائيل، العودة إلى التاريخ.. ففي التعبير الثاني، مجال بحثنا، نجد فيه أن المكان يشكل مكون أساسي لإسترجاع الشعب اليهودي لبيته، أي المكان المخصص لإعادة تحقيق "الخروج" الذي فصلته الثقافة المسيحية البروتستنتية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

ومن هذا المنطلق عرفت الأيدلوجيا الصهيونية الأرض على أنها "فارغة"، الأمر الذي يفسر تجاهل قادة الصهيونية من البداية لوجود السكان العرب لفلسطين، و"فارغة" يقصد بها بالمعنى الأعمق أنها أي "الأرض" حكم عليها بالنفي طالما لم تكون هناك سيادة يهودية عليها.

ومن هنا أصبحت الأرض "المكان" هدفاً أولياً للحركة الصهيونية، فاليهود لم يكن لهم أملاك في المدن والقرى الفلسطينية بإستثناء مدينة القدس، والخليل، وصفد، وطبريا، وبدأت عمليات شراء الأرض عملياً في عام 1855 من قبل "موشيه مونتيفوري" الثري اليهودي الذي قام بشراء بستان حمضيات مساحته (100) دونم، تلتها عمليات شراء أراضي في أماكن مختلفة من فلسطين، وعملت المنظمة الصهيونية على إيجاد مؤسسات مختصة كالوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي لتقوم بعمليات شراء الأراضي الفلسطينية وتسجيلها كملكية عامة.

كان قيام دولة قومية نتيجة منطقية لتطور الأفكار الصهيونية، فمنذ البدايات الأولى للصهيونية نظر هانرخ غريتس (1817-1891) إلى اليهود كأمة، وطبيعة هذه الأمة تطلبت تجلياً إقليمياً، ورأى غريتس أنه إذا كانت الشريعة هي روح اليهودية، والشعب اليهودي موضوعها التاريخي، فإن الأراضي المقدسة تشكل أساسها المادي، بحسب الثالوث المقدس: التوراة، أمة إسرائيل، الأراضي المقدسة، وأن هذا الثالوث تربطه علاقة روحانية موحدة غير مرئية ولا تنفصم.

أما راف كوك، إعتبر الشعب والأرض ذا مصدر سماوي حين قال "إن طبيعتنا الداخلية الراسخة، القلب والروح يظلان ثابتين عالقين بالأرض المقدسة، إن أرض إسرائيل تشكل أساساً لا يستغنى عنه من أجل تحقيق المهمة السماوية للشعب اليهودي، وحياة يهودية أصيلة لن تنمو وتزدهر خارج أرض إسرائيل، وعبقرية إسرائيل السماوية سوف تسطع وتضئ العالم حالما يعاد توحيد الأمة الكامل جسدياً وروحياً بالأرض، وقيام إسرائيل من جديد على أرض وطنها القومي مشروط بإكتمال الطهارة اليهودية المشتركة، إن إستملاك الصندوق القومي اليهودي الأرض من الأميين تنفيذ لأمر سماوي، فتح أرض إسرائيل".

فإستراتيجية الإستيلاء على أرض فلسطين أجمع عليها آباء ومؤسسي لحركة الصهيونية لبناء الوطن القومي لليهود، وعبر تيودور هرتسل عن ذلك بشكل جلي عندما كتب في مذكراته: "إن الحركة الصهيونية منذ نشأتها كحركة وضعت أمامها هدف الإستيلاء على الحد الأقصى من الأرض كحتمية لإقامة دولة يهودية كبيرة".

ومن هذا المنطلق عمل كل من التوسع الاستيطاني الدائم والطموح الإقليمي جنباً إلى جنب مع الأساطير والخرافات والملاحم التوراتية والتي يدعي الصهيونيين أنها تثبت حق يهود القرن العشرين في إقامة دولة يهودية عرقية في فلسطين ، وهذه الإستراتيجية ما هي إلا إمتداداً لتلك التي ربطوها بالثالوث المقدس (الأرض والهجرة اليهودية والإستيطان الاستعماري) كمرتكزات إستراتيجية في بناء مشروعهم الإستعماري الإستيطاني، وهو ما يؤكده قول جابوتنسكي الأب الروحي للمعسكر اليميني الإسرائيلي حينما إعتبر أن: هدف الصهيونية هو الدولة اليهودية، أما الأسلوب لتحقيقها فهو الإستعمار الجماعي، ولا حدود لمساحة هذه الدولة فظلت حدود الدولة لا تعريف لها، ولا توجد أية خريطة تاريخية أو حتى دينية لمجال "أرض إسرائيل"، ومع أنها إستخدمت مرة واحدة فقط في كتابات العهد القديم (صموئيل الأول: 13 : 19).

إلا أن علماء التوراه والدعاة الإسرائيليين عند البحث في تاريخ إسرائيل يبدأون بقسم عنوانه "أرض إسرائيل"، يحاولون فيه تصوير الأرض، وكأنها حتى وصول المستوطنين الأوروبيين إليها، كانت قاحلة، مهجورة وخالية، وأنها تنتظر "شعب الله المختار" لتصبح خصبة وآهلة بواسطة إسرائيل، وأن تفوقهم تحدده القوة، وهو ما حاول إسحاق شامير قوله في خطابه في مؤتمر مدريد للسلام حين إستشهد بكتاب مارك توين Innocent Abroad الذي كتبه حين زار فلسطين سنة 1868، والذي كان وصفه لسكانها مميزاً إما بالطعن والقدح وإما بالإزدراء، وما أراد شامير قوله هو أن فلسطين كانت أرضاً خالية، جدباء "لا يريدها أحد".

ولكن صهيونية هرتزل كانت قد ذهبت أبعد من ذلك الإزدراء تجاه السكان الأصليين لفلسطين، حين ذكر في يومياته لليوم الثاني عشر 1895، "سنسعى إلى طرد السكان الفقراء خارج الحدود دون أن يلحظ ذلك أحد، موفرين لهم العمل في البلدان التي سيرحلون إليها، لأننا نرفض توظيفهم في بلدنا" وأضاف " يجب أن تتم عمليتا نزع الملكية والطرد مباشرة وبحذر" فقد عرف هرتسل ما يحتاجه مشروعه من البداية، فطرد السكان الأصليين بدلاً عن مجرد إخضاعهم، سواء أكانوا ذوي حضارة أم لا، هو ما كان يحتاجه هرتسل بالفعل لإقامة دولة لليهود في أرض مأهولة بالسكان ، فمنذ بداية الإستيطان الصهيوني إذن، لم يكن الموضوع يدور حول المستوطنات فقط كمستوطنات، بل كان يدور حول ضمان المطالب الإقليمية لمصلحة اليهود .

 تطور الإستيطان في فلسطين ومراحله:

أصبحت فلسطين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر هدفاً للإستيطان اليهودي، فإعتمدت المحاولات الأولى للإستيطان بشكل أساسي على الدعم المالي المكثف من قبل أثرياء ورأسماليين يهود أوروبيين أمثال البارون روتشيلد الذي سعى إلى دفع اليهود العائدين بأعداد كبيرة إلى أوروبا إلى مناطق نائية، وظل هذا المشروع يتسم بالعشوائية إلى أن قامت الحركة الصهيونية بتأسيس منظمات مختصة بقيادة الاستيطان اليهودي في فلسطين والتي رفعت شعارات مثل "غزو الأرض" و "إحتكار العمل" ، وإستغلت كل الوسائل الممكنة لبناء مشروعها الإستيطاني في فلسطين، من دعاية وإعلام، ونفوذ سياسي وإقتصادي، وإتصالات مكثفة مع العديد من الفعاليات العالمية والأوروبية المتنفذة من أجل تحقيق الحلم الإستيطاني.

وما ميز هذا النشاط الاستيطاني في فلسطين أنه جاء على مراحل مختلقة، لكل منها طابعها المميز والمختلف عن سابقتها، ويمكن تقسيم الاستيطان الصهيوني في فلسطين إلى عدة مراحل:

• الاستيطان في مرحلة الدولة العثمانية حتى عام 1882

إعتمدت الحركة الصهيونية في سعيها لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين على مسألتين هامتين هما الهجرة والاستيطان، فعملت منذ البداية على ترسيخ مقوماته في حقلين هما الإستعمار الزراعي، والنشاط الإستيطاني.

ففي العهد العثماني لم تكن فلسطين خالية من اليهود، فقد كان يسكنها عدداً من اليهود (المستعربين) الذين هم بقايا اليهود القدامى التي إمتزجوا مع أهل البلاد، أو اليهود (السفارديم) الذين لجأوا إلى الإمبراطوربة العثمانية في أعقاب نهاية الحكم العربي في الأندلس، ولم يتعد عددهم العشرة آلاف نسمة حتى منتصف القرن التاسع عشر، جاءوا لفلسطين إما بدافع الحنين الديني والتقوى، أو مع هجرة الجماعة الدينية الأولى لفلسطين لليهود الحسيديم عام1777.

وإستفاد اليهود من القوانين الاصلاحية والإنفتاحية على أوروبا وفرنسا إبان سيطرة محمد علي على بلاد الشام، وإستغلوا عدائه للدولة العثمانية، فعملوا على إحياء فكرة العودة إلى الأراضي المقدسة والإستيطان فيها وكان من أبرز دعاتها: يهودا القلعي، الحاخام كاليشر، اللورد شافتسبوري، ومنتيفوري.

فالبدايات الأولى للنشاط الإستيطاني في فلسطين كانت تحديداً عقب مؤتمر لندن عام 1840، وهزيمة محمد علي، وإستمرت حتى عام 1882، إلا أن هذه المشاريع لم تلق النجاح المطلوب بسبب هجرة اليهود إلى الولايات المتحدة أو إندماجهم في المجتمعات الأوروبية التي عاشوا فيها، أو لعدم رغبتهم بالهجرة إلى فلسطين آنذاك، ومع ذلك كانت مجموعة من اليهود الأرثودكس المقدسيين قد حاولت منذ عام 1878/1979م إنشاء مستعمرة زراعية هي (بتاح تكفا) على مساحة ثلاثة آلاف دونم شمال شرق يافا، ومع أنها أخفقت، إلا أنها شجعت بعض المهاجرين من روسيا على الهجرة، ففي أعقاب المذابح الروسية في عام 1881م تزايدت هجرة اليهود إلى فلسطين، لتقام أول مستوطنة في آب 1882م على أرض مساحتها 3200 دونم شرق يافا (ريشون ليتسيون)، كما أنشأت في العام نفسه مستوطنتي (زيخرون يعقوب) قرب الساحل، جنوب حيفا، ومستوطنة (روش بينا) شرقي صفد، وشهدت تلك الفترة نشاطاً ملحوظاً في إنشاء المؤسسات، كالقنصليات في القدس، وصندوق إستكشاف فلسطين عام 1865، وجمعية إستكشاف فلسطين الأمريكية، 1970م، وجمعية الهيكل الألماني كريستوف هوفمان 1868م، والأليانس، لتشكل القاعدة الأساسية لإستيطان فلسطين، وما تم إنشاؤه في تلك الفترة لم يتعد الخمس مستوطنات، أما عدد المستوطنيين فيها فلم يزد على 15000 يهودي.

• الاستيطان من عام 1882 حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920

تميزت هذه المرحلة بالتوسع الإستيطاني، فمنذ عام 1878 وحتى الحرب العالمية الأولى كانت الأراضي في فلسطين تشترى عن طريق ثلاث جهات هي: الجمعيات التي أوجدها عشاق صهيون والأفراد اليهود، أو عن طريق البارون روتشيلد، وبعد عام 1900 عن طريق آي. س. أ، أو عن طريق شركة تطوير أراضي فلسطين والصندوق القومي اليهودي، ولغاية نهاية عام 1884م تم أقامة ثماني قرى يهودية جديدة بلغ عدد سكانها الإجمالي في عام 1890م حوالي 2415 نسمة.

ولعبت الهجرة إلى فلسطين دوراً هاماً في عملية الاستيطان، ففي الموجة الأولى للهجرة بين عامي (1882-1903) كانت نسبة اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين تقل بقليل عن ثلاثة بالمائة من إجمالي هجرة اليهود من أوروبا.

بينما إزداد عددهم في موجة الهجرة الثانية (1904– 1914)، وتراوح عددهم من 35-40 ألف مهاجر، وإقتصرت تقريباً على المهاجرين الروس ممن شكلوا طليعة الصهيونية الإشتراكية التي خرج من بين صفوفها رواد الصهاينة الأوائل الذين رفعوا شعار "العمل العبري"، وأصروا على إستعمال اللغة العبرية بين المستوطنين اليهود أمثال دافيد بن غوريون ويتسحاق بن زفي وليفي أشكول، أما أهم المستوطنات التي انشئت في تلك الفترة فهي: بيت جان، بئير يعقوب، بن شيمن، تل أبيب، ديغانيا، مغدال، روحامه، كفار ميلال، مرحيفاه، وخلال تلك الفترة إستحدث نوعين من المستوطنات الزراعية هما الكيبوتس (الملكية المشتركة للأرض) والموشاف (المزارع التعاونية)، وإقاموا المؤسسات الحزبية والثقافية والسياسية والإجتماعية والإستيطانية وحتى العسكرية الضرورية لتنفيذ مخططاتهم، ففي نظر حاييم وايزمان كان الكيبوتس بمثابة الجنين للدولة اليهودية المقبلة، أما آرثر روبين (مدير مكتب المكتب الفلسطيني في يافا) فكان يراه على أنه بديل عن العمالة الفلسطينية الرخيصة، لذلك حرص مكتب أرثر روبين على إنتقاء عناصر المستوطنين المرشحين للعمل في فلسطين والإستيطان فيها، كي يكونوا من أناس أعلى مرتبة، وكان بلوم قد كتب: "كانت أساليب روبين في العمل جزءاً من ثقافته التخطيطية الشاملة التي أقام بها في إطارها شبكة من مزارع التدريب والمستوطنات الزراعية، بهدف توفير حركة كماشة: السيطرة على الأراضي التي حصلت عليها الحركة الصهيونية، ثم العمل من خلال الإنتقاء الصارم للمادة البشرية على إيجاد المكون العنصري الرئيس للعنصر اليهودي القديم-الجديد، الذي أطلق عليه إسم "النمط المكابي"، وتأسست العديد من المنظمات العمالية في تلك المرحلة، كمنظمة "بوعلي تسيون" على يد "نحمان سيركين" و"بير بوركوف" اللذان ناديا بصهيونية إشتراكية، ومنظمة "هبوعيل هتسعير" على يد "غوردون"، ولما فشلوا في إيجاد فرص عمل لأعضائها الشباب، أسسوا منظمة جديدة بإسم "هاهلوتز" التي كانت تطالب بالعمل المجاني مقابل لقمة العيش، وإمتازت تلك المرحلة بأن الإستيطان اليهودي في فلسطين لم يكن يجابه بمعارضة عربية ظاهرة وبنظرة فاحصة للشكل التنظيمي الذي وضعته المجموعات الإستيطانية الأولى، نجد أنه كان يفتقر منذ البداية للتنظيم والمساعدات التقنية والمالية، ولكنه بدأ يأخذ شكله المنظم بعد أن تسلمته جمعية الاستيطان اليهودي التي إستطاعت خلق الأجهزة المطلوبة له، فأقامت مكتباً لشراء الأرض، وأسست شركة "أمناء الاستيطان اليهودي" سنة 1898، وأنشئت "الصندوق القومي اليهودي" في المؤتمر الصهيوني الخامس سنة 1901، وفي عام 1902 إفتتحت البنك الأنجلو- فلسطيني المختص بفتح الإعتمادات لتأسيس المزيد من المستوطنات، وبعد مرور خمس سنوات على تأسيس "المكتب الفلسطيني في يافا" الذي يخضع مباشرة للجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية، والتي كانت قد أسست "شركة تطوير الأرض في فلسطين" في العام نفسه، أصبح شراء الأرض أكثر تنظيماً، وبدأ الاستيطان يفلت من أيدي الشخصيات الغنية مثل روتشيلد وهيرش وغيرهما، حين تولت المنظمة الصهيونية بنفسها قيادة الاستيطان وبوتيرة متزايدة، فإرتفع عدد المستوطنات في عام 1908م ليصل إلى 32 مستوطنه، وإزداد العدد بخطوات متسارعة بسبب إضطهاد اليهود في أوروبا الشرقية وكنتيجة لنشاط الدعاية الصهيونية، ولكن هذا العدد سرعان ما تقلص إلى النصف تقريباً بعيد مغادرة اليهود لفلسطين لأسباب مختلفة كالمرض وسياسة الدولة العثمانية وموقفها من المستوطنيين، ولم يبق فيها إلا الراغبين في تحقيق تغيير في فلسطين وجعلها "دولة اليهود"، وهم في عرف هرتسل "الطلائع".

ولم يحقق الصهاينة سوى نجاحات ضئيلة في كسب الدعم الدولي لخلق دولة يهودية في فلسطين، أو توطين أعداد كبيرة من اليهود هناك قبل إندلاع الحرب العالمية الأولى.

إعتبرت الصهيونية جميع الأراضي التي يشتريها الصندوق الوطني اليهودي في فلسطين ملكاً للشعب اليهودي، وغير قابلة للنقل أبداً، ولا يستأجرها إلا اليهود، وهي بذلك تكون قد خطت خطوة هامة نحو أقلمة هذه الأرض وهو ما تم التأكيد عليه في المؤتمر السابع الذي عقدته المنظمة الزراعية في رحوبوت خلال 25-27/2/1918 حين أعلن المؤتمر "أن مركز الثقل في النشاط الصهيوني في الفترة القريبة هو العمل الفعال الواسع لتحرير الأرض وتأميمها، وخلق ظروف طبيعية إستيطانية وإقتصادية وثقافية تسمح بهجرة واسعة، كما أعلن أن الأراضي التي يتم إستملاكها في فلسطين، من قبل الصهيونيين، يجب أن توضع تحت تصرف شركة الكيرن كاييمت لتكون" ملكاً دائماً للأمة العبرية" وأن تخصص "لبناء ييشوف عامل وحر عليها".

• المرحلة الثالثة: الإستيطان في عهد الانتداب البريطاني

كانت الدول الإمبريالية في أوروبا الغربية قد أخذت بعين الإعتبار الرهان على إستيطان يهودي بناءاً على مصالحها في الشرق الأدنى، حتى قبل قيام "الصهيونية السياسية" بفترة طويلة، وتمت مناقشة ما يعرف "بالمسألة الشرقية" وإمكانية تقليص الإمبراطورية العثمانية وتأمين نفوذ لهم في المنطقة في برلماناتهم ، فبريطانيا التي وهبت اليهود وعد بلفور بذريعة أن "تلك الأرض لا سكان فيها" كانت قد شهدت من قبل تأسيس فرع لمنظمة الاتحاد الاسرائيلي العالمي (الاليانس) عام 1871، لمساعدة مضطهدي اليهود، فأقحمت بريطانيا رسمياً، و للمرة الأولى، في الدعوة الصهيونية لإنشاء "دولة يهودية" في فلسطين، وما ترتب عليه من تشجيع للإستيطان، ودعم مالي وحماية ديبلوماسية بريطانية فلا غرابة إذن أن يعتبر راف كوك أن الرب أتي بالخلاص من خلال "وعد بلفور" الموحى به من السماء ليشكل فجر الخلاص .

وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، شرع المنتصرون في الحرب بتقسيم الغنائم، وتم الإتفاق في مؤتمر سان ريمو 1920م على أن تكون فرنسا منتدبة على سوريا، وبريطانيا منتدبة على فلسطين، وعهدت عصبة الأمم إلى بريطانيا مسؤولية قيام الوطن القومي اليهودي، فقامت بريطانيا بإصدار مذكرة إلى يهود الولايات المتحدة في نيسان 1917م تضمنت موافقتها على المطالب الصهيونية بالحصول على إعتراف دولي بحق اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وفتح باب الهجرة إليها، وبعد مداولات بين الحكومة البريطانية والحكومة الأمريكية صدر وعد بلفور في تشرين الثاني عام 1917م، فكان كل من وعد بلفور ، وصك الإنتداب (1920) بمثابة الشرطين السياسي والقانوني لعملية بناء وطن قومي لليهود، فشرعت في خلق الظروف الملائمة للاستعمار الصهيوني، وبادرت إلى تعيين صهيوني يهودي كأول مندوب سام لها في فلسطين، وإعترفت بالمنظمة الصهيونية العالمية كبديل عن "الوكالة اليهودية"، وفتحت أبواب الهجرة لليهود، كما لعبت دوراً هاماً في نقل ملكية الأراضي الفلسطينية لليهود، ومع صدور قانون الإنتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، كانت الأراضي المسجلة بإسم الدولة العثمانية قد بيعت مساحات كبيرة منها لليهود، فإشتروا 500 ألف دونماً منها، إضافة إلى 200 ألف دونم حصلوا عليها دون مقابل، كما تمكن اليهود من شراء مساحة 625 ألف دونم من العرب غير الفلسطينيين الذين كان لهم أملاك في فلسطين.

وعملت الأجهزة الصهيونية منذ مطلع عهد الإنتداب على تكثيف الهجرة لتحقيق التوازن العددي بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، وإستملاك المزيد من الأراضي الزراعية، والإستيلاء على المرافق الحيوية لفلسطين ومقدراتها الإقتصادية، لقلب الوضع الاقتصادي، فحرص الانتداب البريطاني على توفير النصوص والشروط الكفيلة بذلك، كالفقرات الثانية والرابعة والسادسة من صك الانتداب، وتقاسمت كل من اللجنة التنفيذية الصهيونية، ورئيس المنظمة الصهيونية العالمي السلطة التنفيذية للجهاز الإداري الصهيوني، ولم تكن اللجنة التنفيذية سوى الوكالة اليهودية الرسمية، وطلب من الإدارة البريطانية أخذ مشورتها في كل الأمور المتعلقة بإقامة وطن قومي لليهود، فإرتفع عدد السكان اليهود في الفترة الواقعة بين عامي (1922م) و (1939م) من 10% إلى 30% من إجمالي سكان فلسطين البالغ 450000، و تأسست آنذاك اللجنة العربية العليا في نيسان 1936، بعد إستشعارها للخطر الصهيوني ودعت إلى إضراب عام يدوم حتى تتوقف الهجرة الصهيونية وشراء الأراضي وتحقيق الاستقلال لفلسطين، فإضطرت الحكومة البريطانية، وتحت تأثير العنف المتزايد، إلى إرسال لجنة بيل 1936 التي جاء في تقريرها أن الإنتداب البريطاني على فلسطين لا يصلح وغير عملي، وأوصت بتقسيم فلسطين.

إستقبل كل من بن غوريون ووايزمان مشروع التقسيم الذي أصدره بيل بفرحة غامرة، لأنه كان بمثابة الإعتراف الأول بأن الوطن القومي اليهودي ما هو إلا "دولة يهودية"، تقوم على 40% من مساحة فلسطين، إلا أن جابوتنسكي إعتبر ذلك خيانة للتصور الخاص بإسرائيل الكبرى على جانبي نهر الأردن، وبدأ الإهتمام الصهيوني بإقامة مستعمرات في صحراء النقب في أعقاب مشروع لجنة بيل لتقسيم فلسطين 1937م، وتوسعت الصهيونية في إقامة المستوطنات في تلك المنطقة في الفترة الواقعة بين الحرب العالمية الثانية وسنة 1948م، وإمتازات السياسة الاستيطانية للحركة الصهيونية خلال فترة الانتداب البريطاني بتوزيع المستوطنات توزيعاً إستراتيجياً على حدود الدول العربية المتاخمة لها، وإذا ما قورن شراء الأرض بالإستيطان، يتبين أن الأرض كانت تشترى لأكثر مما يمكن الاستيطان فوقها، ونظرة على المساحات التي تم شراؤها تفسر الاستراتيجية التي تتفق مع تصريحات مخططي الاستيطان الصهيوني، إتفاقاً تاماً، فشراء الأرض كان في خدمة مشروع التقسيم، كما عمل على تفسخ مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية وتطويقها، وهو ما صرح به أبراهام جرانوت (جرانوفسكي) بكل وضوح حين قال "لقد تمت صفقات شراء الأرض بصورة متعمدة في أقصى الحدود الشرقية والغربية كما جرى توسيع خط الحدود اليهودية في النقب بكل عزم وإصرار"، وجوبهت السياسات الصهيونية للإستيطان بمقاومة شديدة من قبل السكان الفلسطينيين، دفعت الحكومة البريطانية لإصدار ما يعرف "بالكتاب الأبيض" عام 1939، الذي تقرر فيه تحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

ردت المنظمة الصهيونية على السياسة البريطانية والكتاب الأبيض بإستنفار بن غوريون "للصهيونية العسكرية" وتنشيط الهجرة، وكان ذلك إيذاناً ببدء ممارسة المجموعات الصهيونية للإرهاب في فلسطين ضد المنشآت البريطانية، وعلى رأسهم قائد مجموعة "الأرجون" مناحيم بيغن، حيث إستخدم "الصهيونيين التصحيحيين" شعارات مثل تحرير فلسطين نهائياً من كل العرب والانجليز.

وهكذا، فإن التقدم في إقامة المستوطنات والزيادة السكانية اليهودية لم يكن وليد المصادفة، فقد أستثمر المال والفكر والتنظيم بموجب مخططات إستراتيجية صهيونية بهدف خلق "أرض إسرائيل" وهو ما أكد عليه آفي شلايم وغيره من الباحثين إذ رأوا أن أباء الصهيونية تجاهلوا وجود السكان الأصليين بصورة متعمدة وعن وعي كامل، إدراكاً منهم لما سيترتب على تنفيذ مشروعهم الصهيوني في فلسطين من جرائم نكراء بحق هؤلاء السكان، ولعل أدهاها التطهير العرقي حسب رأيهم.

وفي عام 1942 تبنى إجتماع المنظمات الصهيونية الأمريكية - بحضور كل من وايزمان وبن غوريون وناحوم غولدمان - القرار الذي يستند إلى إعلان بلفور وصك الانتداب، وفي أعقابه تبني المجلس العام للمنظمة الصهيونية برنامج بيلتمور، عبرت المنظمة الصهيونية في فلسطين عن خططها التوسعية الجديدة حيث حددت أهدافها كما يلي:

إنشاء دولة يهودية ذات سيادة تشمل فلسطين وربما شرقي الأردن، ونقل السكان الفلسطينيين إلى العراق في مرحلة لاحقة، وأن تكون هناك قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله في ميداني التنمية الاقتصادية والسيطرة الاقتصادية، ومنذ ذلك الوقت، برز في الحركة الصهيونية تياران آخران إضافة إلى التيار الأساسي الذي يمكن وصفه بأنه إمتداد للصهيونية السياسية، ودعا هذان التياران إلى إقامة إسرائيل الكبرى، ورفض تقسيم فلسطين، فالتيار التصحيحي بزعامة جابوتنسكي كان يرفض أي إقتراح بالتقسيم رفضاً مطلقاً.

وبينما رفض الفلسطينيون ومعهم الدول العربية مشروع التقسيم هذا من أساسه، إستقطب هذا القرار الموافقة المبدئية للقادة الصهيونييين لأنهم رأوا فيه "رؤيا" هرتسل عن دولة اليهود وقد تحققت، خاصة وأن حصتهم من أرض فلسطين قد إرتفعت من 7% إلى 56% ، ومع ذلك ظل حلم إحتلال فلسطين بكاملها يراود قادة المؤسسة الصهيونية.

ولكن الخلافات بين التيارات الصهيونية سرعان ما تلاشت، مع نشوب حرب عام 1948، حين أيدت التيارات والأحزاب كلها ذلك القرار، فقد كان واضحاً لبن غوريون من البداية "أن حدود الحرب هي التي ستتحول إلى حدود للبلد، وعليه، فإن ما سنستولي عليه في المعارك سيبقى في أيدينا، وأن المكان الذي لا نصل إليه سيكون سبباً في البكاء لأجيال" كما قال مخاطباً اللجنة التنفيذية الصهيونية "لنقرر ألا نكتفي بتكتيكات دفاعية، بل أن نهاجم في اللحظة المناسبة على طول الجبهة، وليس فقط ضمن حدود الدولة اليهودية وحدود فلسطين" وهو ما يفسر عدم رسم حدود لدولة إسرائيل عندما صاغوا "وثيقة الاستقلال".

ولجأوا إلى إحتلال مناطق واسعة كانت بحسب مشروع التقسيم ضمن نطاق الدولة العربية، ولعبت المستعمرات - كما خطط لها - دوراً كبيراً في إحتلال هذه المناطق، فعملت بمثابة "مواقع عسكرية" وكنقاط إنطلاق لإستعمار مناطق جديدة، وفي نهاية الحرب إستطاعت إسرائيل أن تسيطر على عموم فلسطين الواقعة تحت الإنتداب البريطاني بإستثناء الضفة الغربية وغزة، ونجحت في إخضاع حوالي 78% من فلسطين لسيطرتها.

• الإستيطان من عام 1948 حتى عام 1967

أتاحت حرب 1948 الفرصة لزعماء الصهيونية أن ينفذوا مخططاتهم الرامية إلى عمليات تفريغ وتدمير لم تشهد لها فلسطين مثيل من قبل، فقامت بتهجير نحو 800 ألف فلسطيني من الجليل والساحل والنقب وغيرها، حين أرغمتهم على ترك أراضيهم، لإقامة مستوطنات يهودية جديدة بكثافة كبيرة على أنقاضها، وهذه الإستراتيجية الصهيونية لم تتغير حتى في أعقاب قيام دولة إسرائيل عام 1948م، وإنما جددت أساليبها للاستيلاء على الجزء المتبقي منها، وظلت هذه الإستراتيجية كما وصفها "أوشسكين" عام 1904م حقيقة ثابتة تعمل الصهيونية دائما على تكريسها، كما حددها حين رسم الخطوط العريضة لهذه الإستراتيجية: "من أجل تأسيس حياة مستقلة للطائفة اليهودية أو على الأصح تأسيس دولة يهودية في فلسطين، من المحتم بالدرجة الأولى أن تكون جميع أراضي فلسطين أو معظمها ملكاً لشعب إسرائيل وبدون حق ملكية الأرض لا تكون فلسطين يهودية أبداً مهما يكن عدد اليهود في المدن والقرى" ، ففي الفترة الواقعة بين إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م وحرب السويس 1956م، إستولت إسرائيل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، وبدأت المؤسسة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بالتفكير والتخطيط "للقضية الإقليمية"، والإستيلاء على الضفة الغربية بشكل خاص وإبتلاع أراضيها، وهو ما عبر عنه موشيه دايان صراحة في رؤيته الإستراتيجية للتوسع الإقليمي في "أرض إسرائيل الكاملة" عن طريق الحرب والغزو بالدرجة الأولى، حين صرح في عام 1949 قائلاً " يجب أن تكون تخوم – حدود إسرائيل على نهر الأردن ... الحدود الحالية سخيفة من وجهات النظر كافة" وأضاف: أن إسرائيل راغبة في إبتلاع الضفة الغربية "مع السكان العرب، بمن فيهم اللاجئون" هذا التوسع سيكون "بالتدرج لا... بالقتال".

ومنذ ذلك الحين أخذت عمليات الاستيطان في فلسطين تأخذ منحى آخر، حيث إتجهت إسرائيل لإقامة مستوطنات إقتصادية وأمنية، وباشرت بتحقيق إلإستيطان في المناطق الريفية والزراعية لأكبر موجه من المهاجرين في تاريخ الهجرة اليهودية إلى فلسطين بعد إقامة الكيان الصهيوني مباشرة، ووسعت نطاق ما يسمى بالاستيطان القروي (الكيبوتس والموشاف) لملئ الفراغ الأمني في المناطق المتاخمة لحدود إسرائيل، وحدث تطور أساسي آخر فيما يتعلق بالإستيطان حين أعلن حزب العمل عن بداية عصر جديد للإستيطان في مرتفعات الجولان السورية وغور الأردن وحول مدينة القدس، ولكن التطور الأهم والأبرز دلالة فيما يتعلق بالإستعمار الإستيطاني، كان مع وصول حزب الليكود إلى سدة الحكم عام 1977م، والذي إستند بشكل أساسي على أيدلوجية "الحق التاريخي" أو "أرض إسرائيل الكبرى" لإستكمال الاستعمار الاستيطاني في فلسطين.

• الإستيطان بعد عام 1967 وحتى إتفاق أوسلو 1993

حرص الصهاينة على البدء بتنفيذ برامجهم ومشاريعهم الإستعمارية الإستيطانية كانوا قد بدأوا العمل بها قبل عام 1948، والتي تهدف لطرد العرب والاستيلاء على أراضيهم، وباشروا العمل بها عقب إنتهاء حرب عام 1967 ، وإعتبروا عملية الاستيطان في الأراضي المحتلة شرعية وإستندوا في إدعائهم هذا إلى أمرين الأول أنهم إعتبروا صك الإنتداب ما زال سارياً، أما الثاني فهو أن ما حصل عليه الكيان الصهيوني من أراضٍ من خلال حرب دفاعية يعطيهم الحق في الإحتفاظ بالأراضي المحتلة والإستيطان فيها، وطمحوا أن يقوم الاستيطان الجديد برسم حدود الكيان الصهيوني بطريقة يصبح من المستحيل العودة إلى حدود 1967، فعمدوا لبناء خط من المستوطنات من الجولان إلى شرم الشيخ مروراً بغور الأردن، وعشية حرب 1967، أصر وزير الدولة العبرية ييغال ألون على أن تضع إسرائيل نصب أعينها الأهداف المركزية في "الإنجاز الإقليمي لأرض إسرائيل"، وعندما حققت إسرائيل إنتصارها على العرب، قامت بالاستيلاء على الضفة الغربية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا وغزة وسيناء من مصر، كما أقدمت حينها السلطات الإسرائيلية على سن قانون لتوسيع حدود القدس الشرقية ضمت بموجبه العديد من القرى القريبة من بيت لحم في الجنوب ورام الله في الشمال، ورغم إدانة الأمم المتحدة لما قامت به إسرائيل، إلا أن إسرائيل أكدته عندما أعلن الكنيست بأن القدس بشطريها الشرقي والغربي يجب أن تكون "العاصمة الأبدية" لإسرائيل، وأضحت الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، أراضٍ يحق لليهود الإستيطان فيها متى شاؤوا وحسب رغبتهم، وإنقسمت الساحة الإسرائيلية بشأن السياسات الإستيطانية في المناطق المحتلة، فبرز على الساحة السياسية في إسرائيل تيارين سياسيين متعارضين بخصوص مستقبل المناطق المحتلة، وبالتالي مستقبل المشروع الإستيطاني في تلك المناطق: التيار الأول، يسعى لبناء "أرض إسرائيل الكبرى"، ويدعو إلى الإحتفاظ بالأرض وتكاملها لإستكمال المشروع الصهيوني، وأما بخصوص السكان الفلسطينيينن في الضفة الغربية وغزة، فرأى هذا التيار أنه يجب التخلص منهم بعد ضم تلك المناطق لإسرائيل، وهذا التيار يمثله حزب الليكود.

أما التيار الثاني، كان يدعو للحفاظ على "نقاء الدولة اليهودية"، وذلك بتخلي إسرائيل عن بعض الأجزاء للفلسطينيين وبشكل مؤقت في إطار ما يعرف بالحكم الذاتي، على أن يستكمل تهويد الأرض مستقبلاً، وهو ما يمثل وجهة نظر حزب العمل، الذي لم يتوان لحظة عن إقامة المستوطنات الإسرائيلية تحت ذريعة الوظيفة الأمنية للمستوطنات منذ عام 1967م، وبين هاتين الرؤيتيين برزت في الساحة الإسرائيلية إتجاهات هامشية أخرى، يرى بعضها ضرورة الإستيطان في القدس فقط، وبعضها الآخر يرى أنه له الحق في الاستيطان في أي بقعة أرض من أراضي فلسطين الانتدابية، وفي المحصلة النهائية شكل مبدأ الإحتفاظ بالأرض قاسماً مشتركاً بين كل تلك التيارات والإتجاهات الموجودة على الساحة الإسرائيلية.

إذن المتتبع للسياسة الإستيطانية الصهيونية يلاحظ أن عمليات الإستيلاء على الأرض وتهويدها تصاعدت وتيرتها مع وصول حكومات حزب الليكود اليمينية إلى السلطة بين الأعوام (1977-1984)، والتي كانت قد تبنت رؤية حركة "غوش إيمونيم" الإستيطانية التي تأسست في عام (1974م) ودعت لإستيطان كل أرض إسرائيل لمنع أي إشراف عربي على تلك المناطق مستقبلاً، وإعتبرت الحركة أن الاستيطان في أرض إسرائيل ما هو إلا الخطوة العملية لتحرك الشعب اليهودي، وعدم التنازل عن الأرض بأي ثمن، وهذه الأفكار إقتبست من رؤية الحاخام أبرهام يتسحاق كوهين كوك، وإبنه الحاخام تسفي يهودا كوك، والتي إعتمدت بشكل أساسي على الثالوث المقدس (أرض إسرائيل، توراة إسرائيل، شعب إسرائيل)، في دعوتها لإستيطان كل أرض إسرائيل، فرفعت غوش إيمونيم شعار "نقتل ولا نتنازل".

ولعل ما قاله ماتتياهو دروبلس الرئيس الثاني لقسم الإستيطان