الاخوان المسلمين 30

"الإخوان المسلمون" ... مئة وجه ووجه

الخليج الإماراتية

20/8/2012

عبدالله بن بجاد العتيبي

أحداث مهمة شهدتها مصر في الأسبوعين الماضيين حيث قام الرئيس محمد مرسي بما يسمّى في مصر بـ"ضربة معلّم" وذلك بإخراجه المجلس العسكري من المشهد السياسي بمصر بطريقةٍ سلسةٍ لم تتضح تفاصيلها بعد وذلك عكس ما كان يتصور الجميع، فجمع بذلك في يده مرةً واحدةً السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وصياغة الدستور واستتباع الجيش والاستحواذ على الصحافة القومية.

وليست هذه القرارات سوى حلقةٍ جديدةٍ فيما كانت تراه قلة قليلة قريباً وكانت الأكثرية داخل مصر وخارجها تراه بعيداً في سلسلة استحواذ الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الإخوان المسلمين" على كل أنواع السلطة بمصر واستكمال اختطاف احتجاجات الشباب الثائر وحصر كل ثمارها في سلة الجماعة.

على وقع ضربات جماعة "الإخوان" المتتابعة كان بعض هذه الأكثرية يستيقظون شيئاً فشيئاً ويعيدون قراءة المشهد من جديد ويعلمون أنّ ما كانوا يسمّونه "فزاعة الإخوان" هو خطر حقيقي داهم وليس مجرد فزّاعةٍ كما زيّنت لهم أفكارهم من قبل، والبعض استمرّ في المكابرة ولكن قناعاته السابقة تهتزّ بانتظار ضربةٍ أخرى توقظه أكثر وتجبره على الاعتراف بخطأ قراءته السابقة وضرورة مراجعة موقفه من جديد.

من ذلك ما عبّر عنه المرشّح الرئاسي السابق حمدين صباحي بعد لأي من أنّ "الأخونة" لا تقلّ خطراً عن حكم العسكر، وتبعه على ذلك بعض المتفانين السابقين في الدفاع عن الأخونة كالكاتب علاء الأسواني، وهذان مجرد نموذجين دالّين على شرائح متعددةٍ بدأت متأخرةً في الانتباه للخطر الأصولي الذي تشكّله جماعة الإخوان المسلمين على مصر وعلى بلدان الاحتجاجات العربية.

في خطاب الرئيس مرسي في ليلة القدر الكثير من الدلالات والمؤشرات على المرحلة القادمة لجماعة "الإخوان"، فمن ذلك أنّه تحدث كواعظٍ يمتلك ناصية البيان ويستحضر النصوص الشرعية والتاريخية لا كسياسي يقدّم رؤية متكاملة، وكقائد قادرٍ على البطش والتنكيل بمخالفيه من الإرهابيين أو الصحافيين، وفي دلالة ذات مغزى على طبيعة الدور الذي يطمح إليه ضمن رؤية "الإخوان" المسلمين لمستقبل مصر فقد خصّ بخطابه "أهل السنة والجماعة" وقال إن مصر تنتفض "لتقود الأمة".

وكان في إشارته إلى أنّ ثورة يناير قامت "بإرادةٍ حدّدها ربّها" دلالة مهمة كذلك، فهذا التوصيف لها لم يدر بخلد أحدٍ من الشباب الثائر حينذاك، فقد كانوا يعتقدون أنهم قاموا بثورةٍ مدنية بإرادة الشعب الذي كانوا يهتفون باسمه ضمن الشعار الأشهر "الشعب يريد"، ثم إنّه سمّى تلك الثورة بــ"الثورة البيضاء التي ظهرت فيها العمائم البيضاء" وعلى الرغم من أنّ هذه مغالطة تاريخية حيث لم تلتحق جماعة الإخوان بالثورة إلا بعد قيامها بأيام، إلا أنّ في رمزية "العمائم البيضاء" ما ينبّه على المقابلة مع "العمائم السوداء" التي كانت من رموز الثورة الإسلامية الشيعية بإيران، ولم ينس السيد الرئيس أن يهدّد وسائل الإعلام بأنه لن يسمح بـ"نشر بعض الأقوال التي تهزّ صورة الأوطان، لن نسمح بذلك مهما كانت التكاليف" وهو أمر بدأه بالفعل ولكن يبدو أنّه يشير لتصعيد أكبر في المرحلة المقبلة.

سيعفو مرسي للشباب الثائر عن سجنائهم الذين كان الإفراج عنهم واحدا من أهم أولوياتهم في المرحلة السابقة مع تحقيق بعض المطالب السطحية الأخرى لهم، وستتفرغ جماعة "الإخوان" للسيطرة على كافة المشهد بمصر، وستدخل مصر فيما قال عنه كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة في 9 مايو 2011 "ويبقى الثابت الأوضح هو صعود الأصوليات والدخول في الزمن الأصولي".

ستبدأ الثورة بمصر في أكل أبنائها كما هو التعبير الشهير للفرنسي كارنو، وستبدأ الصدامات بين الشباب الثائر والسلطة الإخوانية الجديدة بمصر وقد تنادى بعضهم لجمعة جديدة ومظاهرات ضد جماعة الإخوان في الرابع والعشرين من أغسطس أي الجمعة القادمة التي ستكون حلقة من حلقات مواجهات قادمة بين جماعة الإخوان المسلمين وكافة التيارات والمؤسسات بمصر، ولن تمنع الجماعة المظاهرات ولكنّها ستتلاعب بها وستخرج كوادرها في مظاهرات مناهضة، وهي قادرة كذلك على شق صفوف التيارات الداعمة لهذه المظاهرات.

لطالما لهثت جماعة الإخوان المسلمين خلف السلطة بكافة أشكالها والسياسية منها تحديداً وفعلت في سبيل ذلك كل الموبقات ودخلت في معارك وحروب كسرتها أحياناً، فكانت تلعق جراحها وتستمرّ في اللهاث خلف السلطة، وظفرت بها أحياناً ثم حرنت عليها ولم تفارقها، وها هي الجماعة الأمّ وقد فتّحت أمامها الأبواب الموصدة لكرسي الحكم عندما وصلت إليه تسعى بقضها وقضيضها للاستحواذ أكثر فأكثر على كل مفاصل السلطة وتفرعاتها، تدفعها أحلام ثمانين عاماً بعمر الزمن، وآيديولوجيةٍ جاهزة لتبرير كلّ شيءٍ بما فيه عنف الدولة وقمع التيارات وإلغاء الخصوم مع تنظيمٍ محكمٍ كان يعمل تحت أقسى الظروف وستستخدمه الجماعة اليوم وتدعمه بقوة السلطة السياسية لفرض خياراتها على كافة الفرقاء.

دخلت مصر الزمن الأصولي رسمياً عبر بوّابة جماعة الإخوان المسلمين، وستتلاعب بالتيارات والشعارات والمثقفين والرموز على طريقة العصا والجزرة، ومع استحواذها على كافة السلطات فلن تتخلى عن خطاب المظلومية والكربلائية بل ستبقيه للاستخدام في المزايدة على المعارضين، وسيخرج من غرقوا في أوهام الثورات الوردية يعضون أصابع الندم ولات ساعة مندم.

لا شيء في داخل مصر قادر في هذه اللحظة التاريخية على لجم جموح الجماعة الذي سيكون قاسياً في أحيانٍ ليست بالقليلة، وستحمي الجماعة إسرائيل بكل ما تملك وستعطي الغرب كل ما يريد، وستفعل كل ما كان يفعله الحزب الوطني السابق ولكنّها ستخرج المشهد هذه المرة برؤيتها وروايتها، غير أنّ حاجتها للدعم السياسي غربياً ستخفف من غلوائها وحاجتها للدعم الاقتصادي خليجياً ستقلل من عنفوانها وإن إلى حينٍ.

بقي للجماعة بمصر من المؤسسات المهمّة مؤسسة القضاء التي ستسعى لاختراقها واستتباعها بطرقٍ جديدةٍ وحيلٍ مبتكرةٍ، ومؤسسة الأزهر التي ستمنحها البعد الديني المؤسساتي لا الحركي، وستفترع طريقاً خاصاً بها يضمن لها قوة التأثير والنجاح في أي عمليةٍ انتخابية قادمة، وآليات الديموقراطية ملعب مفتوح لمن أراد التلاعب به.

لدى جماعة الإخوان مئة وجهٍ ووجه، وخطابٍ وخطاب، وستركب مئة شعارٍ وشعارٍ، ومفهومٍ ومفهومٍ، وستظل تتقلب بينها سنين عدداً حتى لا تغادر السلطة أبداً.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً