نقاش حول المسألة الإيرانية
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم السبت نص نقاش بين وزير الخارجية البريطاني السابق مالكولم ريفكند وداعية سياسي إيراني هو عباس عدالات بشأن ما إذا كانت الحرب ضد إيران قد باتت أمرا لا مفر منه. ويعبر ريفكند في هذا النقاش عن خوفه من أن إيران تريد تطوير أسلحة نووية، بينما يرى عدالات أن الصقور الغربيين يريدون الحرب. وهنا نص ما أوردته الصحيفة عن هذا النقاش الذي أدارته سوزانا راستن:
"بينما تتصاعد التوترات بين إيران والغرب، ويدعو الساسة الأميركيون إلى تغيير النظام، تتحدث سوزانا راستن إلى وزير الخارجية السابق السير مالكولم ريفكند والأكاديمي الإيراني-البريطاني عباس عدالات، مؤسس الحملة ضد العقوبات والتدخل العسكري في إيران ضد برنامج إيران النووي واحتمالات الحرب.
مالكولم ريفكند: لست أدعو إلى هجوم عسكري على إيران، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن إيران لا تمتثل لمتطلبات الوكالة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ومن الصعب جداً على المجتمع الدولي أن يقول إن الأمر غير مهم. إذا كانت إيران تحاول تطوير قدرة (لإنتاج) أسلحة نووية، فان لذلك مضامين ضخمة.
عباس عدالات: قبل ستين سنة كانت الحكومة البريطانية تصف حكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطيا بالشيطان، وهي تفعل الشيء نفسه للجمهورية الإسلامية. وعندما فشلت العقوبات في ذلك الحين، نظمت مع الولايات المتحدة في 1953 انقلاباً وأعادت الشاه (إلى الحكم). وفي العراق استخدمت المزاعم التي لا أساس لها بشأن أسلحة دمار شامل، والتي نرى الآن بطلانها، لتبرير حرب غير قانونية. وتغذي مصادر الاستخبارات الغربية بأدلة مختلقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي كشفت ويكليكس أن رئيسها الجديد (يوكيا امانو) مؤيد متشدد للولايات المتحدة. لكن تقرير الوكالة الدولية الأخير (الشهر الماضي) مخيب للآمال بالنسبة للتحالف الغربي لأنه يقول إن إيران لم تحول موادها النووية المعلنة (نحو إنتاج أسلحة).
مالكولم ريفكند: كثيرون منا نحن الذين نعتقد أن الحرب على العراق كانت معيبة، نعتقد أيضا أن إيران تحاول تطوير أسلحة نووية. وإذا كانت تسعى لذلك، فان من المرجح أن تحذو المملكة العربية السعودية وربما مصر وتركيا، حذوها. وحتى روسيا والصين أيدتا الضغط على إيران. أنت مخطئ إذا اعتقدت أن إيران ليس عليها التعامل إلا مع الغرب.
عباس عدالات: قبل يومين قال رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة إن حكومته لا تعتقد بان إيران تقوم ببناء أسلحة نووية. أعتقد أن المجتمع الدولي قد شاهد الغزو الكارثي غير القانوني للعراق، ولا يريد أن يتكرر ذلك. وأنت لا تذكر انقلاب 1953 الذي لم تعتذر بريطانيا عنه قط. إن ما يحدث الآن هو تكرار. وقد قالت روسيا إن العقوبات الأخيرة على المصرف المركزي الإيراني غير قانونية. الغرب يلعب لعبة رياء وخداع. الرئيس اوباما كتب في السنة الماضية إلى رئيسي البرازيل وتركيا وحضهما على إقناع إيران بوضع 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب في تركيا. وبعد ثلاثة أسابيع على ذلك، توسطت البرازيل وتركيا في صفقة وفقاً لهذه الشروط بدقة. فهل رحب البيت الأبيض بهذا الاختراق؟ لا، لقد اقترح عقوبات جديدة من جانب الأمم المتحدة.
سوزانا راستن: هل كانت هناك أدلة توحي بأن مهاجمة السفارة البريطانية الأسبوع الماضي جرت بموافقة السلطات (الإيرانية)؟
مالكولم ريفكند: من غير المعقول أن تقوم مجموعات كبيرة بغزو سفارة أجنبية دون موافقة حكومتها.
عباس عدالات: ناقض نائب الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الادعاء حين قال إنه ليس هناك أية أدلة على أن القيادة الإيرانية قامت بتنظيم الهجوم. متى وقع الحادث؟ مباشرة بعد فرض المملكة المتحدة عقوبات على البنك المركزي في إيران.
مالكولم ريفكند: سيقول معظم المعتدلين أنه من حسن الحظ أن لدينا الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكنك تقول إن الولايات المتحدة تضغط عليها، وهذا بحد ذاته إهانة، إذ أن آخر تقرير لها أفاد بأن إيران تخطو في برنامجها النووي بما يؤكد أنها تتجه نحو هدف عسكري. ومع أننا نقر بأن أخطاء حدثت في الماضي - وأنت أشرت إلى قضية مصدق، فإنني لا أملك إلا أن أعرب عن وجهة نظري الخاصة. وفي ظني أنها كانت خطأ فادحا.
سوزانا راستن: هل يوجب ذلك على بريطانيا أن تعتذر؟
مالكولم ريفكند: لا أقر بمطالب تقديم الاعتذارات. والسؤال هو ما الذي يدعو إيران، ولديها من النفط والغاز ما يتجاوز ما لدى أية دولة أخرى تقريبا، لأن تكون بحاجة إلى التركيز بقوة على الطاقة النووية. وقد نقلت وكالة "ويكيليكس" عن العاهل السعودي الملك عبد الله دعوته إلى قطع رأس الأفعى – حسب تعبيره – بمعنى أنه يريد هجوما عسكريا على إيران.
عباس عدالات: ليس هناك ذرة من الأدلة على أن إيران تعمل على إنتاج أسلحة نووية. وهناك فتوى أصدرها المرشد الأعلى ضد أسلحة الدمار الشامل. آنت تنقل كلام الملك عبد الله، إلا أن الغالبية العظمى من العرب توافق على برنامج إيران النووي.
سوزانا راستن: هل الأدلة التي توصلت إليها لجنة أسلحة الدمار الشامل في العراق تجعل معالجة القضية الإيرانية أكثر صعوبة؟
مالكولم ريفكند: صعوبة كثيرة للغاية – فقد كانت الحكومة الإيرانية هي المستفيد الرئيس من حرب العراق. وكان العراق نوعا من منطقة عازلة، إلا أن ذلك تلاشى الآن بسبب السياسة الحمقاء للولايات المتحدة ولحكومة توني بلير.
سوزانا راستن: ماذا يدور في خلد الإيرانيين العاديين؟
عباس عدالات: إن العقوبات لن تؤدي إلا إلى توحيدهم. وتكاد كل الأدلة التي وردت في آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية قديمة العهد، وكان محمد البرادعي (المدير السابق للوكالة) يقول دوما أنه لا يثق في الاتهامات التي تصدر عن دوائر الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية. وفي عام 2004 أثارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية موجة من الشكوك حول مصدر الكومبيوتر المحمول الذي اقتبست منه هذه المستندات.
مالكولم ريفكند: إذن فإن كل الأطراف باستثناء إيران شريرة. إن كل قطعة من الأدلة توصف بأنها مفبركة. إنه أمر يدعو إلى اليأس الشديد. إيران دولة كبيرة ويفترض فيها أن تقوم بدور أكثر أهمية في العالم. ولكن بدلا من ذلك فإنها وضعت نفسها في بؤرة الخصومة. لعلها تحاول في الوقت الحاضر إنتاج اليورانيوم المخصب وتكنولوجيا الصواريخ التي تمكنها من التوقف لفترة، ثم تتجه إلى المرحلة النهائية خلال بضعة أشهر. لقد أغفلت إيران الفرصة عندما تولى اوباما الحكم. كان مستعدا لفتح الحوار الذي قد يؤدي إلى تطبيع العلاقات. لكن الحكومة الإيرانية رمت ذلك خلف ظهرها. فالنظام يحب الأعداء الخارجيين لأن ذلك يساعد في تجميع الدعم في الداخل.
عباس عدالات: لكنك يا سير مالكولم تدرك أنه يصعب التخلص من العادات القديمة.
مالكولم ريفكند: سواء كانت عاداتكم أو عاداتنا!
عباس عدالات: لكننا منذ 250 سنة لم نقم بغزو أي دولة أخرى. وعندما تعرضت إيران للهجوم بعملية غزو عراقية بدعم من الغرب، لم ترد بالمثل بأسلحة كيماوية. ففي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي قال السير جون سوارز، رئيس دائرة الاستخبارات الخارجية، علنا إن على الغرب أن يستخدم العمليات السرية لوقف برنامج إيران النووي. ومنذ ذلك الوقت اغتيل اثنان من العلماء الإيرانيين. لماذا تعتقد أن الإيرانيين يرون أن الاستخبارات البريطانية آو الـ"موساد" آو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) وراء ذلك؟
مالكولم ريفكند: أنا أرأس لجنة الاستخبارات والأمن، وأستطيع أن أقول بصورة قاطعة إن المملكة المتحدة لا تؤيد عمليات الاغتيال. الولايات المتحدة وافقت، في مناسبات معينة، على حدوث ذلك، كما فعل الإسرائيليون الشيء نفسه.
سوزانا راستن: هل كانت الولايات المتحدة آو إسرائيل وراء الاغتيالات؟
مالكولم ريفكند: لا أظن أن الأميركيين كانوا وراءها، وليس لدي أي فكرة عن الإسرائيليين.
سوزانا راستن: كيف تتصور أن يتطور الوضع؟
مالكولم ريفكند: يعتمد ذلك على الحكومة الإيرانية. فإذا توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أية مرحلة إلى أنه ليس هناك من سبب يدعو إلى القلق، فإنه لن يكون هناك من سبب لإجراء دولي.
عباس عدالات: لقد أفرزت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الكونغرس الأميركي مشروع قانون يحظر على اوباما إجراء أي حوار مع إيران للمرة الأولى في التاريخ. وسياسة الصقور الحالية للحكومات الغربية ستؤدي إلى صراع عسكري. وسيكون ذلك كارثيا".


رد مع اقتباس