في هذا الملف
الشعب ليس غبيا
بقلم: عميره هاس - هآرتس
المخرب الانتحاري
بقلم: عكيفا الدار- هآرتس
حرروا غزة
بقلم: تسفي برئيل - هآرتس
لعبة مباعة
بقلم: عوفر شيلح - معاريف
منشار موت نتنياهو
بقلم: سافي رخلفسكي - هآرتس
الحد الاقصى لاوباما
بقلم: اليكس فيشمان- يديعوت
الشعب ليس غبيا
بقلم: عميره هاس - هآرتس
ليس الشعب غبيا، فحتى لو لم يوقف الاحتجاج الاجتماعي في السنة الماضية وباء عدم المساواة فانه برهن على ان كثيرا من الناس ليسوا غوغائيين وأن عندهم ذكاءا جماعيا وشخصيا. ان الذكاء النقدي والتمردي لم يفنَ، ولم يفنَ ايضا ادراك ان اجهزة القوة والربح تستنسخ نفسها على حساب المجموع وفي مواجهته. ليس الشعب غبيا، لكن رؤساء الاتحادات الكبرى وأصحاب المصارف ومديريها، ورُعاتهم في الكنيست وفي الحكومات وفي مراكز الاحزاب ومعاهد البحث أقوى وأكثر تجربة ودهاء. ان السنة هي مدة قصيرة ولا داعي لاعلان إفلاس الاحتجاج وطي الخيام، فسنعود بعد ونتمتع بتجدد الاحتجاج وبعدد من ثمراته ايضا.
في زمن الاحتجاج وبعده أظهر الجمهور المفكر ايضا ظمأ كبيرا للمعرفة، وبرهن على أنه يعرف كيف ينال تلك المعرفة المعطيات والابحاث والتحليلات التي فسرت المشاعر الغريزية تفسيرا جيدا. ان تدهور العلاج الطبي العام ليس قضاءا وقدرا، وصعوبة نيل شقة لا تنبع من فوضى شخصية، وهناك شخص ما يربح من قوة عملك ومن أجرتك المنخفضة.
وتبين شيء آخر جيدا زمن الاحتجاج الاجتماعي في اسرائيل وهو ان اجهزة النظام والضبط لا تستطيع، وبرغم ارادتها، ان تسمح لنفسها بقمعه بقسوة. فهذه آخر الامر ديمقراطية لليهود. ان النقد والتظاهر والانتظام لا تكلفنا حياتنا ولا تجعل الأكثرية الغالبة منا تخسر وظائفها وحريتها ايضا.
يمكن إحداث اشياء رائعة بهذا الذكاء وبمعرفة كيف تُنال المعلومات ومع الحرية في المعارضة. ولهذا من المنطقي جدا ان نتوقع عودة الاحتجاج وتحسينه.
ولهذا فكل واحد وواحدة منا شريك/ ة نشيط/ ة في النظام الديمودكتاتوري، والتغلبي، الذي يُنمى هنا بين البحر والنهر: من الغربيين والشيوخ، والشرقيين والنساء، والرجال، والمدنيين وأبناء القرى الزراعية، والمتدينين والعلمانيين، والمستوطنين وسكان متسبيه هيله وكريات شمونة ورمات أفيف. قد يوجد هنا فرق في المقابل فهنا ايضا يوجد مُفَضلون ومظلومون لكننا جميعا مديرون كبار في هذا الاتحاد اليهودي المدين بثروته ورفاهيته لاستغلال وإفقار متواصل محتال متكبر للشعب الآخر وموارده الروحية والمادية والنفسية.
ان الخبرة بقنوات المعلومات الكثيرة والقرب الجغرافي من ميادين الجريمة يمحوان من الذهن حجة 'لم نعلم'. أهناك ناس يعيشون بلا ماء جار أو بلا ماء ملائم للشرب؟ ندخل للبحث في غوغل ونجد مواقع 'عدالة' على الانترنت ووكالة الامم المتحدة للاجئين وبتسيلم'. للخط الاخضر ضفتان وفي كل ضفة طرق لضمان الماء لليهود ومنع الماء عن الفلسطينيين، والشيطان لم يوجد هذا التمييز الذي يثير الاشمئزاز.
ان حريات المواطن التي نتمتع بها لن تُمكّننا من ان نقول ما يمكن ان يقوله بحق مواطنون في تركيا وروسيا البيضاء، وما يستطيعون قوله في المانيا الشرقية وفي روديسيا خفنا، وأبناؤنا وعملنا والجيران والتعذيب. ان المستقبل الاكاديمي لطلبة الجامعات والمحاضرين الاسرائيليين مضمون حتى لو حاصروا الكرياه وبيت وزير الدفاع طالبين الغاء منطقة النار 918 في جنوب جبل الخليل، وحينما تُلغى يتم الاضراب بسبب سلسلة طويلة من مظالم اخرى تُفرق بين دم ودم.
برهن الشعب الذي يسكن اسرائيل في السنة الماضية على انه ليس جاهلا: ما هو الظلم. ولهذا يتحمل كل واحد وواحدة من الجمع المفكر مسؤولية مباشرة عن الكوارث التي ستحل بهذا المكان لأن الظلم المتراكم نهايته الانفجار.
المخرب الانتحاري
بقلم: عكيفا الدار- هآرتس
ربما بفضل الثمن الفضائحي الذي دفعه دافع الضرائب الاسرائيلي لغزاة ميغرون، كي يتفضلوا بالانتقال الى سكن عام جديد، فان المجرمين الشبان الذين يسمون 'فتيان التلال' عفوا عن الجيران الفلسطينيين. حتى كتابة هذه الاسطر لم يبلغ عن أعمال 'شارة ثمن' في المنطقة. ولكن في الاشهر الاخيرة كان عدد الاعمال الارهابية للمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية أكبر من عدد الاعمال الارهابية للفلسطينيين ضد الاسرائيليين. ففي تموز سجل في الضفة وفي القدس 34 حالة القاء زجاجات حارقة وعبوتين جانبيتين (معطيات المخابرات). ولم يبلغ عن اصابات.
حسب التقرير الاخيرة لمكتب الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة (اوتشا)، فان 114 فلسطينيا اصيبوا هذه السنة على ايدي المستوطنين، مقابل 26 مستوطنا اصيبوا في احداث مع الفلسطينيين. كل ذلك اضافة الى 2.066 فلسطيني اصيبوا على ايدي قوات الامن الاسرائيلية (بالمتوسط الاسبوعي 61 مصابا، مقابل 28 في العام الماضي). وبين صفحات التقرير يختبىء تقرير جاف عن هدم خمسة آبار مياه، تعود الى ثلاث عائلات فلسطينية (تعد 23 نفسا) في قريتي بيت قاد ودير ابو ضعيف في منطقة جنين.
هدم الآبار وغيرها من المنشآت الحيوية التي توجد في المنطقة ج اصبحت قصة الكلب الذي عض الانسان. ولكن القريتين توجدان في المنطقة ب. هناك، كما هو معروف، ليس للادارة المدنية صلاحيات في مجال التخطيط والبناء. تعقيب الناطق بلسان منسق الاعمال في المناطق: 'هذه آبار يؤكد (اوتشا) نفسه بانه بنيت دون ترخيص من لجنة المياه الاسرائيلية الفلسطينية التي تضم رئيس مصلحة المياه الفلسطينية بنفسه'. المشكلة هي أن اللجنة لم تجتمع منذ أكثر من عشر سنوات، منذ حملة السور الواقي. اما على سؤال حول صلاحية الادارة المدنية في العمل في المنطقة ب فلم يأتِ تعقيب.
هدم الآبار يمس بمصدر معيشة نحو 130 عائلة تعيش على الزراعة. فالاف الكلمات كتبت عن التوزيع المشوه للمياه بين الفلسطينيين والمستوطنين. وحاليا تملأ السلطة الفلسطينية فمها بالماء وتحرص أجهزتها الامنية على أمننا. وخلافا للعمليات الانتحارية، فطبيعة الاحوال يحظى غياب اعمال الاحتجاج على الاحتلال بالانتباه عندنا. فقد اعتدنا على أن ليس للاحتلال شارة ثمن. ولعله لا يمكن الحصول على السلام دون اعطاء الاراضي، ولكن اذا كان هناك أمن فمن يحتاج الى السلام؟
ليس هكذا تفكر رئيسة ميرتس، زهافا غلئون. ففي رسالة بعثت بها الاسبوع الماضي الى وزير الدفاع ايهود باراك، طلبت غلئون الاستيضاح اذا كان لديه معطيات عن تأثير نظام الاحتلال على دافعية المخربين وعلى التطرف الديني في الضفة. وأرفقت غلئون بالرسالة تحليلا ليريف موهير من منظمة حاخامين من أجل حقوق الانسان، يستند الى بحث اجراه قبل بضع سنوات بروفيسور علم النفس شاؤول كمحي وضابط الاستخبارات الكبير المتقاعد د. شموئيل ايفن. نتائج البحث الصادرة عن معهد بحوث الامن القومي يبين ان ارهاب الانتحاريين يرتبط بعوامل عديدة. وتحليل نموذج المخرب الانتحاري الذي فشل في مهمته يبين، ضمن أمور اخرى، رغبة على الانتقام لموت أو اصابة شديدة لابن من العائلة او قريب آخر، إهانة شخصية أو شهادة على اهانة تعرض لها أحد أفراد العائلة او حدث قاس جسدي أو نفسي يتعلق بالنزاع. ويفترض الباحثان بان التقدم نحو حل سياسي وتقليص الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين (الحواجز، حظر التجول، اغلاق المحاور وما شابه) سيؤدي في المدى البعيد الى تقليص عدد المرشحين للانتحار من نموذج المنتقم. ويقترح الباحثان التخطيط لخطوات لتقليص الدعم الجماهيري والمالي للانتحاريين.
ولكن كي تؤدي هذه الخطوات الى تقليص كبير في العمليات الانتحارية، يوصي الباحثان بعرض الشروط التي تعطي الفلسطينيين أملا بحل سياسي في المستقبل. هذه الحقيقة البسيطة يعرفها ايضا مواصلو درب باروخ غولدشتاين. فالمذبحة التي ارتكبها بحق المصلين في الحرم الابراهيمي في بداية العام 1994 لم تترك أملا كبيرا بحل سياسي. فقد وضع قتل 29 مصلٍ حدا للجدال 'الفقهي' في قيادة حماس في مسألة العمليات الانتحارية وسحق التأييد الجماهيري الاسرائيلي لمسيرة اوسلو.
كيف يترجم الى العربية التعبير المغسول 'شارة ثمن' حين يقرر 'فتيان التلال' لديهم الانتقام من نزلاء المقاهي في تل أبيب على الاصابة الشديدة لمسافرين السيارة العمومية الفلسطينية قرب بات عاين، على اطلاق النار على الرعاة في جبل الخليل، على سلسلة التنكيلات بالعرب في القدس، والتي كانت ذروتها في عملية الفتك في مركز المدينة، على حرق المساجد واقتلاع أشجار الزيتون في السامرة وهدم الآبار قرب جنين؟
اصلاح خطأ
في الاسبوع الماضي أثنيت على افيغدور ليبرمان لكونه وزير الخارجية الاول الذي يعين اسرائيلي درزي سفيرا. لشدة الخجل، اكتفيت باقتباس عن موقع 'اسرائيل بيتنا' عن المناسبة التي جرت في قرية المغار بمناسبة تعيين ابن المكان، البروفيسور نعيم عرايدي، سفيرا في النرويج. فقد قيل هناك ان عرايدي هو 'ابن الطائفة الدرزية الاول في تاريخ دولة اسرائيل يتم اختياره لهذا المنصب الرفيع'. وقيل هناك ايضا ان 'عرايدي شكر الوزير بقوله 'يخيل لي انه في تاريخ شعب اسرائيل لم يكن تعيينا كهذا في الطائفة الدرزية، في منصب رفيع بهذا القدر. الطائفة الدرزية ستعرف كيف ترد لك الجميل على ذلك''.
بعض القراء لفتوا انتباهي الى أن ما لا يقل عن ثلاثة من ابناء الطائفة الدرزية حصلوا على لقب سفير. رضا منصور عين في العام 2000 سفيرا في الاكوادور، وليد منصور شغل قبل اكثر من عقد منصب السفير في بيرو، ليبرمان نفسه عين قبل أقل من سنة بهيج منصور سفيرا في نيجيريا. فليزدادوا.
حرروا غزة
بقلم: تسفي برئيل - هآرتس
حان الوقت لتحرير غزة ولرفع الحصار وتطبيع العلاقات بقيادة حماس وبسكان غزة. وحان وقت السماح باستثمارات مباشرة للدول الاوروبية والولايات المتحدة في القطاع وأن يُسمح للاقتصاد الغزي بأن يتطور كمثيله في الضفة الغربية. وحان الوقت ايضا لتحطيم الخدعة التي تقول ان الحصار يعاقب حماس ويمنع اطلاق القذائف الصاروخية أو يخدم أمن اسرائيل. فحلم اسرائيل بـ 'هدم البنية التحتية للارهاب'، أي القضاء على قيادة حماس، قد تحطم مرة بعد اخرى ويجدر التخلي عن هذا الوهم.
ان بذل الجهد لاحداث تنمية في الضفة وفقر في غزة للبرهان على ان من يتعاون مع اسرائيل يتمتع في مقابل المعاناة التي تصيب من يُضر بها، لم يُحدث الرد المتسلسل المأمول. فلم يخرج مواطنو غزة في مظاهرات جماعية على حكومة حماس ولا يشعر سكان الضفة في أكثرهم في الحقيقة بالرفاهية السياسية والاقتصادية. ان الحقيقة هي ان الحصار الاقتصادي لغزة مثقوب جدا لا بسبب شارع الأنفاق السريع فقط. فمئات الشاحنات تسير بين اسرائيل وغزة عن طريق معبر كرم سالم ويُسمح لعدد كبير من تجار غزة بنقل سلعهم الى الاردن أو الى اسرائيل. والمسؤول عن ذلك الضغط الدولي الذي استُعمل على اسرائيل ولا سيما بعد قضية القافلة البحرية التركية، أكثر من طيبة قلبها.
ان الصلة التي تقيمها اسرائيل بين حصار اقتصادي والأمن داحضة هي ايضا. ان حماس تملك في الحقيقة مخزونا عظيما من القذائف الصاروخية والصواريخ لكن المنظمات التي تنافسها خصوصا هي التي تطلق على اسرائيل. ان العملية في سيناء التي قُتل فيها 16 ضابطا وجنديا مصريا اضطرت حماس الى ان تخرج عن طورها كي 'تبرهن' على أنها لم تشترك في ذلك. وبصورة تناقضية كان تعلقها المطلق بمصر التي يحكمها الاخوان المسلمون هو الذي اضطرها الى التماهي علنا مع المصلحة القومية المصرية وتندد باطلاق النار وتُعرفه بأنه جريمة وتؤيد العملية العسكرية المصرية على المنظمات الارهابية في سيناء، بل ان تنشر أنها التزمت بمساعدة مصر في محاربتها للارهاب في سيناء.
بل انه في الاسبوع الماضي زار وفد 'عسكري' من حماس مصر، وهو وفد شارك فيه بين من شاركوا احمد الجعبري، رئيس الذراع العسكري، لتنسيق عمليات مشتركة تفضي الى تطهير سيناء من الارهاب. وليس واضحا تماما نوع التعاون أو ما الذي تستطيع حماس فعله في مواجهة منظمات متطرفة تعمل على مواجهة حكومة مصر، لكن الموافقة على هذا التعاون قد تضع حماس في مسار صدام مع منظمات موازية في غزة تعتمد على مساعدة من منظمات في سيناء. ليس المصريون ساذجين ومن المؤكد أنهم لا يؤمنون بأنه هكذا ستنتهي مكافحة الارهاب، لكنهم بخلاف الحال في اسرائيل يدركون ان هناك ضرورة لمنح حماس منزلة شريكة من اجل احراز تعاون أمني.
ان اسرائيل المشغولة كثيرا بتجنيد شريكات في نضالها الدولي لايران، من المؤكد ان يُفرحها سماع ان قيادة حماس رفضت اقتراح محمود احمدي نجاد عقد قمة فلسطينية في طهران تشارك فيها فتح وحماس في محاولة للمصالحة بينهما. وأعلن ممثلو حماس علنا مرة اخرى ان مصر لا ايران هي التي 'تتولى ملف المصالحة'. ونقول بالمناسبة انه ليس من الفضول ان نذكر ان محمود عباس خصوصا الذي جهد دائما في اتهام حماس بالاستعباد لايران قد حضر مؤتمر دول عدم الانحياز الذي عُقد في طهران.
لا يُطلب الى اسرائيل ان تعترف بحماس كي تتعاون معها، لكن وبسبب حقيقة ان العلاقات بين اسرائيل ومصر تقوم الآن على دعائم أمنية، تستطيع اسرائيل ان تُعمق هذه العلاقة بتفضل على غزة. وقد تأتي زيادة اخرى مهمة من رفع الحصار وهي ان علاقات اسرائيل مع تركيا قد تسير آخر الامر في مسار مصالحة اذا دعت اسرائيل تركيا الى ان تكون إشبينة رفع الحصار، واذا أضافت الى ذلك اعتذارا متأخرا ايضا. ان الحكمة والانسانية والمنطق والفائدة توجب القيام بهذه الخطوة، لكن يبدو أنها جميعا ما تزال تحت حصار ضربته عليها حكومة اسرائيل.
لعبة مباعة
بقلم: عوفر شيلح - معاريف
لاشهر ونحن نسمع عما سيحصل اذا ما اخليت ميغرون حقا. البلاد ستهتز، المواجهة بين المستوطنين والشرطة ستكون الآخرة، الحكومة ستسقط. وشرح سياسيون مجربون بالاشارات والنماذج بان هذه الصدمة لن يتمكن نتنياهو وحكومته من اجتيازها بسلام. تماما مثلما سمعنا عن تل الاولبانه، ومع سنسمعه على نحو شبه مؤكد في الاخلاءات التالية.
بعد ذلك جاء الاخلاء نفسه: هادىء، منظم، بمقاومة طفيفة، معظمها إن لم يكن كلها من اناس من خارج البلدة. أم البؤر الاستيطانية، رمز الرموز، لم تعد وبعد يومين من ذلك لم يعد هذا حتى عنوان رئيس في الصحيفة. ولم يتحرك أي حجر في الائتلاف من مكانه، ولم يمزق أحد ثيابه بل ولم يكلف احد نفسه عناء التشهير بالمحكمة العليا، التي ردت بشكل قاطع كل الالتماسات ضد الاخلاء. وبرامج الحوار لم تكلف نفسها عناء حتى دعوة المتجادلين الدائمين الذين يصرخان بحماسة عن 'سلطة القانون' مقابل 'قدسية البلاد'.
ماذا يوجد هنا؟ يمكن الافتراض بانه يوجد قليل من كل شيء. قبل الاخلاء تهتم كل الاطراف برفع النبرة، وكأن ما يوجد على كفة الميزان هو مصيري حقا. بالنسبة لليمين فان هذه دعوة الى المعركة، فرصة لرفع الاعلام القديمة للكفاح العادل. وبالنسبة لقوافل اليسار كما أسلفنا: فانهم يشعرون بان ها هم، مرة اخرى مطالبون بان يدافعوا عن الديمقراطية ضد أسياد البلاد. أما عمليا فالطرفان يعرفان بان اللعبة مباعة. اخلاء ميغرون ليس سوى مسرحية، من يعيش واقع الامس هو وحده من يـتأثر بها.
فهي مباعة لان الصراع حسم. امام ناظرينا خيار الدولتين تحول من حل متفق عليه مبدئيا، لا يخرج الى حيز التنفيذ أساسا لان كل طرف لا يثق حقا بنظيره، الى هذيان هو من نصيب الاقلية. فالمستوطنون والفلسطينيون، الذين يعرفون الواقع على الارض، يعرفون بان ما يحصل فيه يبعد كل يوم الامكانية العملية لتقسيم البلاد. في الساحة السياسية تعد الدعوة الى هذا الحل مخلولة جدا، غير عملية جدا بحيث أن الجميع يمكن أن يتمسك بها. فلا يوجد اليوم أي فارق بين نتنياهو، باراك، موفاز أو يحيموفتش: كلهم يتحدثون عن شيء ما ليس لهم اي نية في تحقيقه عمليا. كلهم يتظاهرون بانه يوجد بينهم جدال، ولا سيما من أجل الحفاظ على الاحساس القبلي الذي يسمح لهم بالارتباط في القاسم المشترك الادنى بينهم.
اللعبة مباعة لانه ليس لليمين السياسي حكومة أفضل من هذه، وليس له بديل أفضل حتى لو كانت انتخابات. ليبرمان أو الاحزاب الدينية القومية لا يريدون حقا سلطة اخرى. وهم يلعبون مع نتنياهو اللعبة: هو يحمي ظاهرا سلطة القانون، ولكن عن كل بيت يخلى، يقوم اثنان أو ثلاثة. عمليا، الاستيطان في المناطق يزدهر أكثر من أي وقت مضى. مخلو ميغرون يوجدون في الطريق الى بلدة جديدة، أكبر من السابقة. إذن فعلى ماذا سيخوضون حربا؟
وعليه، مخطئون اولئك الذين يرون في اخلاء ميغرون انتصارا لسلطة القانون وسيادة المملكة. من انتصر هنا انتصارا واضحا، حاسما وذا آثار تاريخية هم المستوطنون. فهم لم يعودوا يحتاجون الى فرض ارادتهم على الحكومة، المناورة عليها أو سرقة الجياد مع بعض من اعضائها. فبينهم وبين السلطة الحالية بل وأكثر من ذلك، بينهم وبين الاغلبية المتبلورة في الرأي العام انطلاقا من الايديولوجيا او من اليأس، ماذا يهم نشأ حلف: مرة كل بضعة أوقات نجري هنا مسرحية صراع، بل وربما مسرحية خضوع. اما عمليا فالجميع يعرف الحقيقة.
منشار موت نتنياهو
بقلم: سافي رخلفسكي - هآرتس
قبل شهر شبهت هنا خطة بنيامين نتنياهو لحرب ايران قبل الانتخابات في امريكا بلحظة بـ 'العمل المخزي'. وكنت مخطئا. لأن حالة نتنياهو اسوأ كثيرا. فآنذاك لم يوجهوا بصورة مكشوفة وبالصوت موشيه شريت الذي لم يعلم وبنحاس لافون الى أنهم ينوون تفجير أهداف امريكية في القاهرة لجر امريكا الى محاربة عبد الناصر.
والآن يندب صاحب المؤامرة ويسأل لماذا توجه امريكا سهامها عليه لا على ايران. لم تتدفق على مكتب احمدي نجاد سلسلة من الموجَهين لتسمعه يُبين في صلف هستيري كيف سيجر امريكا الى حرب تخالف ارادتها وكيف سيُسقط رئيسا امريكيا.
في 'الخاتم السابع' لانغمار بيرغمان ينشر الموت جذع الشجرة تحت ممثل يطلب الحياة. والآن لا ينقطع ضجيج منشار نتنياهو. بنى ملايين من جذعين في شجاعة وألم وتفكير ودم، بنوا قوة اسرائيل. الجذع الاول هو الناس الذين اختاروا بسبب أهوال المطاردة العنصرية الفظيعة ان يبنوا مجتمعا نموذجيا مليئا بالحياة. والثاني هو نجاحهم الذي هو ثمرة شجاعة وتقدير عقلاني مستنير. وكما هي الحال في مؤتمر حزب امريكي فان الامور التي تثير موالاة الجميع هي قصص النجاح التي تأتي من الصعاب، لكن نتنياهو ينشر جذعي عظمتنا.
ان الحاخام عوفاديا يوسف الذي قال انه تنبغي إبادة الايرانيين جميعا قد قال في رأيه كلاما معتدلا. ففي الحقيقة أنه لم يوجد زعيم ايراني لا متدين ولا سياسي صدر عنه كلام مشابه عن إبادة اليهود جميعا أو الاسرائيليين فهم يتحدثون عن إزالة النظام والكيان الصهيوني؛ ويستطيع اليهود البقاء مع الاسلام المتطرف مواطنين في ظروف أفضل من ظروف الفلسطينيين في المناطق. لكن يوسف عبر عن طلبه الذي يثير القشعريرة من الله بديلا عن معارضته في هذه الاثناء ارسال الجيش الاسرائيلي الى ايران. بيد ان أكثر الطلاب في الصفوف الاولى ممن يُصنفون على أنهم يهود وترسلهم اسرائيل لتلقي تربية دينية وحريدية على شاكلة ما عند يوسف لا يرون شيئا من الغضاضة في العنصرية.
وليسوا هم فقط. ان صورة اسرائيل التي تُرسم الآن في الغرب تثير الرعب. من السهل على نتنياهو ان يجد اسبابا للشك في براك اوباما لكن اصدقاءا واضحين لاسرائيل مثل انجيلا ميركل يشعرون بنفس الزعزعة والاشمئزاز والامتعاض من اسرائيل نتنياهو.
يوما بعد يوم تطارد الأنباء عن اعمال تنكيل في ميدان صهيون وفي المناطق؛ وعن حاخام دولة يحرض على عدم بيع العرب وايجارهم شققا يُجعل رئيسا للجنة الروحية لنجمة داود الحمراء؛ وعن إقصاء النساء ومطاردة الاجانب وخنق منهجي للصحف وسن قوانين معادية للديمقراطية. وكما هي الحال في رواية فرانس كافكا 'التناسخ': يحل صرصور محل الدولة التي قامت كمعجزة بسبب المطاردات.
يُظهر نتنياهو الآن صورة اسرائيلية تشبه صورة كوريا الشمالية لكن مزدوجة، فنحو الخارج محاولة ابتزاز تصريحات بالتهديد بأن يجر منطقة حساسة الى ما يشبه يوم القيامة؛ ونحو الداخل دولة دينية واحدة وصحيفة واحدة وزعيم واحد.
لا سبيل للمبالغة في معنى نشر الجذع الثاني. فحتى لو كان اتفاق ضعيف مع امريكا سيؤخر الحرب فلن تختفي نتائج جنون الاسابيع الاخيرة. بُنيت قوة اسرائيل بعمل لا يمكن تصوره وبالأظفار وكان ذلك بقدر كبير بفضل الحلف مع الغرب. ان كلام رئيس الاركان الامريكي الموجه على اسرائيل والتنسيق الامريكي مع ايران على اسرائيل اللذين جاءا من جنون نتنياهو لن يتبخرا.
يجدر ان يسمع كل اسرائيلي واهود باراك بيقين الصوت في شريط الياهو فينوغراد المسجل؛ ان من جلس في الغرفة الصغيرة جدا لآبا كوفنر أو تسفياه لبتكين سيعرف الصوت. ان التضحية بناس الفولاذ والروح الذين عرفوا كيف يقسون على أنفسهم في الأساس في ايجاد اسرائيل ينشرها شخص صغير مطارد.
في حكاية عربية قديمة يفر الخائف من الموت وينطلق بحصانه الى مكان ما وحينما يبلغ الى هناك يبتسم له الموت قائلا: 'حسن أن جئت فهنا انتظرتك دائما'. ان نتنياهو ينطلق باسرائيل الى الهاوية بخوفه من المحرقة كي يلاقيها هناك فقط.
يوجد شيء أخطر من قنبلة ذرية ايرانية وهو ان يكون هجوم اسرائيلي غير منسق قريبا فقط. هذا هو الجذع الذي ينشره نتنياهو فقد انقضى الامر. ان انطلاق نتنياهو المذعور ومنشاره سيقفان الآن. يجب أولا ان يصدر اعلان بأنه لن تكون حرب مؤامرة قبل الانتخابات الامريكية. ونرى آنذاك ما الذي بقي من الشجرة الاسرائيلية بعد النشر.
الحد الاقصى لاوباما
بقلم: اليكس فيشمان- يديعوت
تعول الادارة الامريكية على ان تشنف اسرائيل آذانها لسماع خطاب الرئيس اوباما في مؤتمر الديمقراطيين في صباح يوم الجمعة (حسب التوقيت الاسرائيلي).
وحرص اوباما حتى على ان تنشر 'نيويورك تايمز' نبأ بشر أول أمس بان الرئيس يعتزم طرح خطوط حمراء لايران ومنح اسرائيل مساعدة عسكرية حيوية اضافية. ظاهرا، بعد هذا الخطاب يفترض باسرائيل أن تشعر بارتياح شديد؛ فضغوط نتنياهو على إدارة اوباما أعطت أُكلها. فقد اقتنع الرئيس وسيعلن على الملأ بان لديه 'خطوط حمراء' اذا اجتازتها ايران فانها ستتلقى الضربة من الولايات المتحدة. غير أنه بانتظار اسرائيل، على أي حال، خيبة أمل.
فمنذ بضعة أسابيع ومكتب رئيس الوزراء يلمح علنا بان لاسرائيل قائمة من الشروط إذا ما تحققت، فان هذا سيسمح لها بان تتخلى عن خيار الهجوم الذاتي ضد ايران. وللدقة، يلمح رئيس الوزراء: 'انا مستعد لان ترتبوا لي سلم خطوط حمراء، وعندها سأنزل عن شجرة الحرب التي تسلقتها.
مثل هذه الاشارة وردت، مثلا، في مقال نشره قبل نحو اسبوعين اللواء احتياط عوزي ديان في صحيفة 'امريكية'. أعطونا خطوطا حمراء، كتب ديان، ولن نهاجم. ديان لم يخترع هذه الفكرة: فقد سمعها في حديث أجراه مع رئيس الوزراء. الخطوط الحمراء الذي يبدي نتنياهو اهتماما بان يطرحها الامريكيون على ايران هي أولا وقبل كل شيء موضوعا اسرائيليا، سياسيا داخليا. فرئيس الوزراء يخطط لحجة غيبة تشرح كيف حصل أنه قرع على مدى اشهر كل طبول الحرب وفجأة امكانية أن تهاجم اسرائيل بنفسها ايران تشطب عن جدول الاعمال.
غير أن في هذه الاثناء لا يطرح تعبير الخطوط الحمراء في المحادثات بين اسرائيل والولايات المتحدة. فاسرائيل تجتهد الا توفر معلومات ملموسة وتفصل خطوطها الحمراء وجداولها الزمنية لعملية عسكرية محتملة. كلما عرفتم أقل، هكذا تعلل اسرائيل للولايات المتحدة، فان هذا سيلزمكم أقل. اسرائيل تخشى من أن تعتبر في نظر الجمهور الامريكي كمن جرت امريكا الى حرب مع ايران تماما مثلما اتهمت في حينه في أنها جرت إدارة بوش الى الورطة في العراق.
والامريكيون ايضا لا يتطوعون بالخطوط الحمراء. لا يمكن ولا يرغب أي رئيس في أن يقيد نفسه بالتزام (وبالتأكيد ليس علنيا) الخروج الى حرب لارضاء دولة اخرى، مهما كانت صديقة.
في الاتصالات السرية يسمح الامريكيون لاسرائيل بان تفهم بانه عندما يقرر الزعيم الروحي الايراني، آية الله خمينئي اصدار تعليماته لعلمائه بانتاج القنبلة فعندها كفيلة الادارة باستخدام القوة. هذا هو الاقرب الى الخطوط الحمراء الذي سمعه الاسرائيليون من الامريكيين؛ الحد الاقصى الذي يبدي أوباما استعداده للوعد به.
يحاول الامريكيون اقناع إسرائيل بانهم سيعرفون ليس فقط متى سيقرر الايرانيون انتاج القنبلة، بل وأيضا متى سيجتازون الحافة التي تسمح لهم بعمل ذلك. أما في اسرائيل فلا يصدقونهم.
التقارير الاخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية والاستخبارات القومية الامريكية وكذا المادة الاستخبارية الموضوعة على طاولة زعماء بريطانيا، فرنسا والمانيا تشير الى أن الايرانيين توصلوا الى قدرات في المجال النووي، تتجاوز ما ينشر علنا.
هكذا بحيث أنه مشكوك جدا إذا كان الغرب، ولا سيما الاستخبارات الامريكية، سيعرف كيف يشير الى النقطة التي تقرر فيها اسرائيل انتاج القنبلة. فضلا عن ذلك، في اسرائيل يقدرون بان حتى أمريكا الكبرى ستصل الى النقطة التي يكون لها فيها قيد عسكري لتنفيذ هجوم ناجع، مع تأثير بعيد المدى، على المنشآت النووية الامريكية. وعليه، فان الخلاف بين اسرائيل والولايات المتحدة سيبقى أيضا بعد خطاب اوباما في المؤتمر الديمقراطي.
وفضلا عن ذلك، فان الرئيس الامريكي لا يعتزم اضاعة دقائق البث الاغلى التي لديه بث حي من الشاطيء الى الشاطيء، أمام أكثر من 50 مليون مشاهد على موضوع اقل إثارة لاهتمام جمهور الناخبين. فالانشغال باسرائيل وايران لا يمكنه أن يحتل مكانا محترما ومفصلا في خطابه. اوباما سيصل الى شيء ما لطيف قد يسمح لنتنياهو التمسك به ليعرضه كتغيير هام في الموقف تعبر عنه الولايات المتحدة علنا. وربما، الى جانب تكرار الالتزام الامريكي بامن اسرائيل ومعارضتها القاطعة لتحول ايران الى قوة عظمى نووية، فان الرئيس سيقول ايضا ان الولايات المتحدة لن تمتنع عن استخدام القوة. ولعله حتى سيذكر الخيار العسكري بالكلمات الصريحة.
ولكن هل سيكون في هذا تحول في الموقف الامريكي؟ هل سيطرحون على الايرانيين، علنا، خطوطا حمراء محددة؟ الجواب هو لا.
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس