اقلام واراء اسرائيلي 422
24/8/2013
في هــــــذا الملف
‘نحن في حرب وأنتم ـ الاسرائيليين ـ لستم في بالنا الآن حقا’
حال مصر بعد الانقلاب العسكري وتوقعات رجال ونساء من المعسكرين الخصمين العلمانيين والاسلاميين لمستقبلها
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
سورية وتحدي اسرائيل
بقلم:أمنون لورد،عن معاريف
وزير الخارجية الفرنسي شد الحبل العسكري في سورية حتى منتهاه
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
نهاية العالم في دمشق
بقلم:آري شبيط،عن هآرتس
‘نحن في حرب وأنتم ـ الاسرائيليين ـ لستم في بالنا الآن حقا’
حال مصر بعد الانقلاب العسكري وتوقعات رجال ونساء من المعسكرين الخصمين العلمانيين والاسلاميين لمستقبلها
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
بعد ثورتين داميتين، ورئيسين معزولين وسنة حكم اسلامي، أصبحت نهى تعرف كيف تُدبر حياتها اليومية في فوضى القاهرة، ‘اليوم حينما لا وجود تقريبا لرجال الشرطة في الشوارع أخرج من البيت للعمل في ساعات الصباح متأخرة فقط’ تقول. ‘أسوق سيارة ‘لادا’ قديمة وهي صناعة روسية وألبس الحجاب. وأنا أكره هذا الزي التنكري لكن لا مناص لي. وحينما يوقفونني عند حاجز الجيش وأنا محجبة أقول للجنود: ‘دعوني، فأنا في جانبكم’. وأُبين لهم انني علمانية أبغض الاسلاميين’.
وهي امرأة اعمال ناجحة ومطلقة بلا أولاد وتسكن حيا جديدا للأغنياء فقط في ‘الدائرة الخامسة’، الذي تعيش فيه ايضا عائلة الرئيس المعزول محمد مرسي. وتوجد مكاتبها على مبعدة 25 دقيقة سفر عن البيت، اذا لم يوجد زحام مروري أو حواجز أمنية، وقد تقع في الطريق الى العمل في كمين لواحدة من العصابات التي تُغرق الدولة المنقسمة. يصادرون سيارتها في أحسن الحالات ويخطفونها في اسوئها من اجل الحصول على فدية. وهي تستطيع ان تُبيح لنفسها في النهار ان تسافر وحدها، لكن الامر في المساء مختلف، تقول لي. ‘أدعو السائق واستأجر حارسين احيانا. وقد تكون شقتي ايضا خطيرة باعتبار أنني امرأة أعيش وحدي وأبقى في احيان كثيرة لأنام عند اصدقاء أو أقرباء استأجروا لأنفسهم فرقا من شركات حراسة خاصة يقومون بدوريات على مدار الساعة في الأحياء الغنية.
‘خرجت ذات مساء من البيت. وكانت الشمس توشك أن تغيب، وعلمت أنه تحت جنح الظلام والشارع خال تقريبا قد يخطفونني. ولاحظ سائقي فجأة سيارة تتعقبنا. فطلبت اليه أن يستمر في السير واتصلت بالهاتف الى عنوان ما في الاجهزة الامنية. ومن حسن حظي أن لي صلات بالمواقع الصحيحة، فأخرجوا سيارة في الاتجاه المعاكس وفاجأوا المتعقبين في السيارة التي كانت تلاصقنا وحدثت معركة اطلاق نار، فقد كان المتعقبون مسلحين. وتبين من تقرير تحقيق الحادثة أنه كان لي حظ كبير’. ويعرف عماد، وهو رجل اعمال ذو تأثير كبير في مصر، هذا الواقع جيدا. وهذا هو السبب الذي يجعله لا يسافر تقريبا من مكاتبه في القاهرة الى مصنعه في الاسكندرية. ‘في الساعتين ونصف الساعة من السفر في الشارع الصحراوي قد تقع في كمين البلطجية، الذين يخطفونك ويطلبون فدية’، يُبين. ‘وحينما لا يوجد مناص استأجر حراسا مسلحين من شركة خاصة أو أسير ملاصقا لقافلة مسؤول رفيع في الاجهزة الامنية. لكن هذا ايضا لا يضمن أن أعود الى البيت سالما’.
بعد أن تولى الاخوان المسلمون الحكم أرسل عماد زوجته وابنتيهما الى كندا. وقد وجد مئات المصريين الذين يستطيعون أن يُبيحوا لأنفسهم ذلك من جهة اقتصادية، ملاذا في مونتريال ومدن اخرى في كندا. وهم يحافظون على اتصال بالوطن البعيد بواسطة السكايب ويطلعون على آخر الاخبار. ‘أبلغتني البنتان أن وضعهما حسن في كندا’، يقول عماد.
وغادر كثيرون ايضا من اصدقاء نهى ومعارفها مصر في السنة الاخيرة لكنها أصرت على البقاء. ‘رفضت الهرب الى كندا كما فعل عشرات من اصدقائي في السنة السوداء التي مرت بنا تحت حكم مرسي’، تقول نهى.
العدو الجديد
يُعد عماد من اولئك الذين يشيرون على السلطة الجديدة كيف تخرج من الازمة الاقتصادية، ومن أزمات البطالة ومن الفقر الذي أخذ يزداد سوءا؛ وكيف يتم اقناع مستثمرين اجانب وسياح بأن مصر بدأت تسير في الطريق الصحيح. وهذه مهمة غير سهلة، فقد نُشر في هذا الاسبوع في القاهرة تقرير يشير الى انهيار فرع السياحة، وهو أحد مصادر الدخل المركزية في مصر. ويقول التقرير إنه قد سُجل انخفاض بنسبة 37 في المئة للايرادات من السياحة قياسا بالسنة الماضية التي لم تكن هي ايضا سهلة. ومعنى ذلك: فنادق فارغة ومواقع سياحية خالية ومئات آلاف العاطلين الجدد الذين نبذتهم سوق العمل.
‘أنتم الاسرائيليين لستم في بالنا الآن حقا’، يقول عماد. ‘استقرت العلاقات بيننا في مجال التنسيق الامني، وأنا أمنح نتنياهو الذي أغلق أفواه وزراء الحكومة عندكم درجة عالية. فسكوتكم جيد. ويدرك نتنياهو ان كل كلمة تُقال عندكم سيصبح لها صدى سلبي عندنا ولن يكون هذا من مصلحتكم. وأنا راض جدا ايضا عن ان الاسرائيليين يمتنعون عن المجيء الى مصر، لأن هذا صداع لقواتنا الامنية لا حاجة اليه. فليأت فقط من يوجد له ما يفعله ويسهم به حقا’.
ويزعم أن تسريب الاخبار عن زيارة مبعوث اسرائيلي في منتصف الاسبوع للقاهرة، وعن اللقاءات التي تمت في مقر المخابرات العام، قد جاء من أعلى النوافذ في الجانب المصري. ‘نحن مهتمون بأن ننقل رسالة الى الارهابيين في سيناء عن تنسيق وثيق مع أعلى الجهات الامنية عندكم، في اسرائيل’، يُبين عماد. ‘ليعلموا أننا نعمل معا للقضاء عليهم، وأن التنسيق أعمق كثيرا مما يظنون.
أعلنا حربا في سيناء ولا ننوي أن نضعف وذلك بأكثر الطرق عنفا ايضا’. ويقول: الآن بعد المذبحة الرهيبة التي وقعت على افراد الشرطة الـ25 الذين أُطلقت النار على رؤوسهم من مدى صفر في الطريق بين رفح والعريش، أصبحت قوات الامن المصرية التي تعمل في سيناء مشحونة بشعور الانتقام والرغبة في تصفية الحساب.
ألم تعد اسرائيل هي ‘العدو’؟
يضحك عماد. ‘إن تركيا هي العدو الجديد. لا أحد يصدق قصص اردوغان عن المؤامرة الاسرائيلية وتدخل الموساد في الانقلاب في مصر. يؤمن رئيس وزراء تركيا بأن الأجندة الاسلامية ستُقوي منزلته في بلده. لكنه يتجاهل الواقع وهو غير مستعد للتسليم بالوضع الجديد. انتبهي الى أنهم ما عادوا يذكرون اسم اسرائيل في الميادين عندنا. فحينما تكون مصر غارقة في حرب داخلية، يمكن أن يحاول مجنون متطرف فقط مثل اردوغان ان يُدخلكم بالقوة لاتهام اسرائيل ولتهييج النفوس. لكنهم في المعسكرين ـ العلماني والاسلامي ـ لا يمكن تمرير دعاية اردوغان الجوفاء عليهم.
‘يمكن وضع أوراق اللعب على الطاولة: إننا الآن في مسار محو الاسلاميين. إن القيادة العليا أصبحت في السجون وسيُعتقل قريبا من ليسوا هناك الى الآن. وقد نزل الصف الثاني من قادتهم تحت الارض، خشية أن يعتقلوهم، ويوجد الآن في مناطق تظاهر الاخوان الناشطين من المستوى الثالث والمستوى الرابع من الحركة ممن يحاولون تهييج الجماهير’.
ويُبين عماد ان السلطة العلمانية لا تدخر جهدا كي تتعرف الى اختلافات في الرأي في المعسكر الاسلامي لتزيدها عمقا بطريقة ‘فرّق تسد’. ويتلقى مؤيدو الاخوان المسلمين مقترحات عمل وفرصا اقتصادية لجعلهم يُغيرون جهة انتمائهم. ‘اعتمدي على العقل المصري ليجد اختراعات لكسر الاخوان وإنزالهم للعمل السري في ظروف مخزية’.
ألا يمكن ان يؤدي هذا الى النتيجة العكسية بأن يجعل الصراع أكثر عنفا؟
‘من المؤكد ان اجهزة الامن مستعدة لسيناريو عمليات ارهابية في شوارع مصر’، يقول عماد. ‘نحن نعرف سلوك حركات سرية اسلامية في مصر. في تسعينيات القرن الماضي نفذوا اغتيالات ووضعوا شحنات ناسفة وفجروا مؤسسات حكومية. وعندنا يأخذون هذا في الحسبان. لم نبلغ بعد الى هذه المرحلة لأن المواجهات والمظاهرات لم تنته’.
إن أحد اولئك المتظاهرين المصممين هو ظاهر، وهو مؤيد للاخوان المسلمين، مصر على الاستمرار في زيارة مسيرات الاحتجاج في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، حصن الاسلاميين. وهو يعلم أنني اسرائيلية وصحافية وليست عنده مشكلة في التحدث إلي رغم تقواه المتطرفة.
‘ ‘لكنني في نظركم أنتمي الى ‘العدو الصهيوني’
‘ ‘ليس هذا ذا صلة الآن’، يقول ظاهر ويبدأ بتحليل صورة الوضع داخل مصر، ‘إن الجيش ولا سيما الفريق السيسي الذي خان الرئيس مرسي (يُصر ظاهر على ألا يسمي مرسي ‘الرئيس المعزول’ أو ‘الرئيس السابق’) أحرز انتصارا مؤقتا بسبب السلوك العنيف.
وقد استقر رأي السيسي على التخلص من مرسي، وأخرج من القصر رئيسا انتُخب انتخابا ديمقراطيا. وأخذوه الى ‘موقع استضافة’، وقطعوه عن العالم وعن أبناء عائلته ايضا، ويجلس الآن المدعي العام ويُلفق لمرسي لوائح اتهام’. ويقول بشعور بالمرارة: ‘الفريق السيسي لا يعرف الله، فهو على يقين من ان كل شيء جائز له’.
‘ هل تؤمن بأنكم ستعودون للحكم أو أضعتم فرصة حياتكم؟
‘ ‘أريد أن أقول لك إننا سنعود بكل ثمن، لكن لا يبدو لي أننا سننجح في السيطرة على الحكم من جديد بلا انتخابات. فما كان لن يعود. إن وسائل الاعلام المجندة تخدم دعاية النظام العلماني، وهي تعرضنا على أننا اختطفنا السلطة ولم ننجح في الحفاظ عليها بسبب عجز الرئيس مرسي. وأخشى أنه اذا تمت انتخابات من أن يهتم النظام الجديد بالطرق التقليدية بألا نحصل على أكثرية’.
ويقترح مصطفى، وهو استاذ جامعة في واحدة من مؤسسات الدراسات العليا الجليلة في القاهرة، ألا يعتمد على ملايين الفلاحين وأبناء الطبقات المعدمة ممن منحوا مرسي الفوز الساحق في الانتخابات وخابت آمالهم. ‘من المهم أن نفهم ان الأكثرية السلبية في مصر من اولئك الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم يُجلون الجيش’، يُبين. ‘وهم يُجلون الفريق السيسي وأصبح هو العنوان الآن بالنسبة اليهم. ولا يجوز أن ننسى ان الجيش المصري مؤلف من جنود جاءوا من الطبقات المعدمة. ويحظون في الخدمة الالزامية بتحسين كبير لمستوى عيشهم. فهم يهتمون بطعامهم وملابسهم وبظروف خدمة أفضل مما كان لكل واحد منهم في البيت. ويحلم كل واحد منهم بأن يقبلوه للخدمة الدائمة ليضمن بذلك مستقبله الاقتصادي ولتحظى عائلته بالانعام الذي تعد به امبراطورية الجيش: التربية والسكن والصحة والمنتوجات الأساسية بسعر رخيص’.
ومن يبحث عن رمزية فانه يستطيع ان يجدها ايضا في تقارب الاحداث بين اعتقال الدكتور محمد بديع، الزعيم الروحي للاخوان المسلمين، وبين قرار المحكمة على تبرئة الرئيس السابق مبارك وتخلية سبيله.
وقد تحدثت الصور من تلقاء نفسها: فقد دخل الزعيم الروحي بجلباب فاتح اللون بلا مقاومة الى الزنزانة الزرقاء لاجهزة امن الدولة. وردت البورصة في القاهرة فورا بارتفاع اسعار. وقد صنع الفريق السيسي تاريخا، فهذه أول مرة في سني وجود حركة الاخوان المسلمين الثمانين في مصر تطرح فيها السلطة العسكرية العلمانية الزعيم الروحي المكلف في السجن. ويعرف بديع وهو مختص بالطب البيطري السجون في مصر منذ سنة 1965، حينما أدخله الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك السجن تسعة اشهر. ومنذ ذلك الحين جلس في السجن عشر مرات على الأقل في مدتي حكم الرئيسين السادات ومبارك. بيد أنه لم يكن في تلك الايام قد أصبح الزعيم الروحي للحركة.
‘إن اعتقال الدكتور بديع هو البرهنة على ان السلطة قد يئست من جهود المصالحة مع الاخوان’، يزعم رجل الاعمال عماد.
‘بحسب علمي رفض بديع في الايام الاخيرة اربع مبادرات مصالحة. وهدد بدل ذلك بزيادة حدة المواجهات، وأعلن قائلا: ‘سنحرق سيناء إن لم تُفرجوا عن مرسي’. وهم الآن يُعدون له لائحة اتهام بسبب التحريض على التمرد والمسؤولية عن موت مواطنين’.
وفي الوقت الذي يُعد فيه المدعي العام المصري لائحة اتهام لبديع، تتلاشى اتهامات مبارك. يريد مصطفى ان يرى الرئيس السابق يغادر الدولة. ‘اذا بقي في مصر فسيبقى تذكيرا بالثورة التي لم تنجح، وبمدة الاسلاميين الخاطفة وبالدكتاتورية والقبضة الحديدية التي استعملها مبارك لادارة الدولة عشرات السنين. إن مبارك هو في نظري حاجز وعائق لتقدم مصر.. كان مبارك يحب ان يحيط به أتباعه المتملقون ولم يُجر دماً جديدا. وأصبح هؤلاء المقربون مراكز قوة وحصلوا على رشوات عن كل اجراء وكل قرار، مبارك ذكرى غير طيبة’.
وتقوم في الخلف مسألة استمرار المساعدة الامريكية لمصر التي لم تُحسم الى الآن. ويتطوع صديقي القديم عصمت، وهو مستشار سري لقادة السلطة في القاهرة، ليُبين موقف الجانب المصري في هذه القضية. ‘إن الفريق السيسي أكثر دهاءً وحنكة مما يعتقدون’، يقول عصمت. ‘ففي التمهيد لعزل مرسي اجرت معه إيلي فيموث من صحيفة ‘واشنطن بوست’ مقابلة، وطلب السيسي نقل رسالة مباشرة وشديدة اللهجة ومعلنة الى البيت الابيض ووكالات الاستخبارات في واشنطن. وكانت كل كلمة قالها في تلك المقابلة الصحافية موزونة إذ قال: إن اوباما يتجاهلني، ويُشاجر مستشاروه بين المعسكرين في مصر، والسياسة الامريكية الفاشلة تضغط لتأييد الاخوان المسلمين على حساب المعسكر العلماني.
‘كان السيسي يستطيع ان يُخمن ألا يسكت اوباما ومستشاروه عن هذه الاتهامات، لكنه استمر في تحدي الادارة في واشنطن. إنهم في المعسكر العلماني الليبرالي شديدو الغضب على السفارة الامريكية في القاهرة التي أصبحت ‘ناديا للاسلاميين’: فقد دعتهم الى لقاءات وساومتهم وأرسلتهم في نزهات الى واشنطن تحت غطاء زيارات عمل وأظهرت تفضيلهم بصورة لا لبس فيها على حساب الليبراليين العلمانيين.
‘كانت المواجهة بين واشنطن والقاهرة غير ممتنعة. وقد تم تبديل السفيرة الامريكية آن بترسون، وألغى اوباما تدريبا عسكريا مشتركا وهددوا في واشنطن بتعليق المساعدة العسكرية لمصر أو تقليصها أو الغائها. لكن السعودية ودول الخليج، وفي مقدمتها قطر، التزمت بتعويض مصر عن كل دولار يُمحى من المساعدة الامريكية.
وفي مقابل ذلك عملت السعودية واسرائيل من وراء الستار على بيان معاني المس بالمساعدة الامريكية، واعتدل سلوك الادارة في نهاية الامر. فمصر بعد كل شيء كنز مهم لامريكا وهم في واشنطن يدركون هذا جيدا’.
رغم الزعم ان اوباما وقف الى جانب الاخوان المسلمين، الا ان الاسلامي لا يصدق الرئيس الامريكي. ‘في زيارته للقاهرة (قبل اربع سنوات) توقعنا منه الكثير لكنه لم يقدم شيئا. أنا أعلم ان الاسرائيليين تحفظوا منه وسموه ‘المسلم’. وهو في الحقيقة أعطى عزل مبارك دفعة لكنه أصر على الحصول على ديمقراطية في مصر. وهو لا يدرك ان الشريعة والديمقراطية لا تسيران معا’.
يقول عماد: ‘ ستجري على مصر زعزعات اخرى الى ان يستقر وضعها. وأنا أُقدر أن يصر الاخوان المسلمون على تصفية حسابات. ستوجد محاولات اغتيال ناس في السلطة ووضع شحنات ناسفة. وأنا اؤمن ايضا بأن قادة الاجهزة عندنا من أمن الدولة والجيش سيبذلون جهودا كبيرة لاحباط عمليات. لكنني لست على يقين من ان النجاح كامل. إن أهم شيء عندي أن يغلب الاستقرار آخر الامر بعد ثلاث سنوات زعزعات. يجب ان نعيد الى مصر المستثمرين الاجانب والسياح. فهذا هو مصدر عيشنا’.
‘نحن الآن في ذروة مسار تشكيل الوجه السليم والعلماني لمصر الجديدة. ونلعق الجراح التي خلفها الرئيس مرسي وراءه. إنني غير مستريح بالطبع للقتل، لكن يجب ان نأخذ في الحسبان ايضا سلوك الاسلاميين: ففي الميدانين اللذين تظاهروا فيهما في ميدان رابعة وفي ميدان النهضة كانوا يهتفون ‘سلمية سلمية’، لكنهم في اثناء المظاهرات أشهروا سلاحا خبأوه داخل المساجد وأطلقوا النار على الجنود وقتلوا متظاهرين من المعسكر الثاني’.
كرفانات مرسي
في يوم الاربعاء من هذا الاسبوع اجتمعت لجنة شؤون مكانة المرأة في مصر لتعرض على الصحافيين تقريرا يُبين انهيار دور ومكانة النساء في فترة حكم مرسي: فرض علاقات جنسية في اماكن العمل، وتحرشات جنسية، ومنع النساء من الخروج من البيوت وحدهن، وعودة ظاهرة زواج رجل واحد بثلاث نساء أو أربع ايضا لاظهار القوة.
وتعرض نادية ش. وهي تعمل في جامعة في القاهرة، معلومة تثير القشعريرة لا تظهر في التقرير. ويتبين ان مرسي قبل انتخابات الرئاسة استقر رأيه على الانعام على ناخبيه المحتملين، فأرسل الى المناطق القروية أسطول كرفانات حولت الى مركبات طبية متنقلة وعرضت ‘ختانا بالمجان’ لبنات بين الثالثة والتاسعة من أعمارهن.
أُخرجت هذه ‘العملية الجراحية’ خارج القانون في عهد مبارك وحظيت بالتنديد بها. ونزلت ‘الدايات’ (وهن القابلات المحليات) مع أمواس الحلاقة للعمل السري. وكان خوف النساء المحليات اللاتي لم يُهيأن لذلك من ان يُعتقلن قد ابطأ ايقاع ‘علاج’ البنات الصغيرات الى حد أنه زال. لكن مرسي جاء آنذاك وجند فقيها قديما أعلن أن ‘من لا يجرِ عليها التطهير’ فستُعد نصف مؤمنة بالاسلام وشبه كافرة وستؤول احتمالات ان تجد عروسا (عريسا) الى صفر.
وقد أظهر مرسي بعد ان تولى الحكم ‘انفتاحا’ وعيّن نائبة رئيس ومستشارة شخصية هي الدكتورة أميمة كامل. وقد بدأت أميمة، وهي طبيبة نساء في اختصاصها، ادارة حملة دعائية لأجل ‘هذه العملية الجراحية’ ولتعطف النفوس إليها في القرى والأحياء الفقيرة. وبيّنت أن ‘العملية الجراحية هي صحية ونافعة للعائلة وتُجنب البنات الصغيرات أضرار البيئة.
ونجحت الحملة الدعائية. وتقول لي نادية إنه في فترة حكم مرسي قُدمت بلاغات عن عشرات آلاف البنات اللاتي ‘جرى عليهن بنجاح’ ذلك الفعل وعن مئات ايضا عولجن في المستشفيات بسبب تلوث. وشاعت العادة القديمة الجديدة في دول مسلمة اخرى وهم اليوم يُجرون ‘العملية الجراحية’ في تونس وافغانستان والعراق وكردستان ايضا. والآن بعد عزل مرسي، تخرج ناشطات بارزات من المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الانسان في حملة اعلامية ترمي الى صد ظاهرة ختان البنات. وهن لا ينوين أن يخسرن هذه المعركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
سورية وتحدي اسرائيل
بقلم:أمنون لورد،عن معاريف
وزير الدفاع موشيه (بوغي) يعلون قرر: ‘في سورية جرى استخدام للسلاح الكيميائي من قبل النظام، وليس لاول مرة’. أما الوزير اسرائيل كاتس فقال امس، ان استخدام الغاز ضد المواطنين يضع تحديا اخلاقيا امام اسرائيل، فهي لا يمكنها أن تسكت.
لقد طرحت علامات استفهام على الهجوم الذي حدث قبل يومين، والذي مات فيه اكثر من 1000 مواطن في ضواحي دمشق، على مسافة قصيرة من مقر مراقبي الامم المتحدة. ولكن يمكن القول ان مصدر علامات الاستفهام هو في أن للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مصلحة في خلق شكوك بشأن صحة التقارير من سورية. هكذا فعل اوباما عندما صدر، اثناء زيارته الى اسرائيل في اذار/مارس من هذا العام، تقرير عن استخدام السلاح الكيميائي. فقد ادعى بانه لا توجد براهين على ذلك، وفي نهاية المطاف زالت الشكوك. لا يوجد شك اليوم في أن نظام الاسد استخدم السلاح الكيميائي ضد مواطنيه.
من كل أساليب النفي، واكثرها هزالا هو ذاك الذي يدعي بانه لا توجد نجاعة عسكرية للسلاح الكيميائي، وانه لا معنى من أن يكون من أصل 100 ألف قتيل، بضع مئات أو الاف ماتوا بسلاح كيميائي. ولكن يوجد فرق مبدئي، هذا سلاح للابادة الجماعية، ولا يهم لماذا عرف على هذا النحو. فمن يستخدم سلاح الابادة الجماعية يفعل ذلك لاغراض الردع وفرض الارهاب، كما أنه يعلن عن نواياه لارتكاب قتل شعب.
حقيقة ان مثل هذا الفعل يتم على رؤوس الاشهاد، هي اشارة تحذير لا يمكن لاسرائيل، وكذا للانسانية المحبة لحقوق الانسان ان تتجاهلها. والقوى التي كان يمكنها حتى اليوم ان تكبح قليلا جماح الحرب في سورية لم تعد قائمة، بالنسبة للاسد او اي حاكم شرق اوسطي آخر. هذا تدهور يرفع احتمالات الانتقال من حرب اهلية داخلية الى صدام اسلامي مع اسرائيل. ومن شأن الزعماء من محور سورية ايران حزب الله ان يفكروا أكثر فأكثر بان السبيل لاحداث النظام في المعسكر هو الهجوم على اسرائيل.
يمكن تفسير استخدام السلاح الكيميائي كاستفزاز ضد الولايات المتحدة وضد اسرائيل: حددتم خطوطا حمراء، ماذا ستفعلون لنا الان؟ مع أن اسرائيل وقفت حتى اليوم بمصداقية خلف خطوطها الحمراء وحافظت على الردع، فانه يتعين عليها أن تنظر في ما اذا كانت كل الاقوال في الماضي عن اسلحة الدمار الشامل لا تلزمها بالعمل. من الافضل ان يخرج الامريكيون الى خطوة عسكرية، غير انه يمكن المراهنة على ان اوباما لن يأمر قواته بالعمل. ولما كان هكذا، فانه يطرح السؤال هل يمكن لاسرائيل أن تعمل بنفسها ايضا كي تطلق بالافعال اعلانا اخلاقيا.
اسرائيل لا يمكنها أن تأخذ على نفسها مهمة كفرض حظر طيران فوق سورية، ولكن الهجوم على منشآت الانتاج او مخزونات السلاح الكيميائي هو امر في اطار امكانياتها. في أعقاب الهجوم الكيميائي الاخير طرحت مرة اخرى المقارنة بين حرب سورية والحرب الاهلية في اسبانيا بين اعوام 1936 و1939. نموذج فرنسا ذو صلة لانه كانت هناك تجربة لادوات الحرب العالمية الثانية، هناك انكشف ضعف الديمقراطيات التي لم تكن مستعدة لاعطاء اسناد وتقديم المساعدة الحقيقية للقوات الجمهورية المنقسمة. وبالمقابل، فان المانيا النازية وايطاليا الفاشية منحتا كامل المساعدة لفرانكو. واليوم تؤدي هذا الدور ايران وروسيا. اليوم، حين بات التهديد اكبر فان الردع الاسرائيلي ايضا يجب أن يرتفع درجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
وزير الخارجية الفرنسي شد الحبل العسكري في سورية حتى منتهاه
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
المأساة الرهيبة التي قتل فيها مئات المواطنين، معظمهم اطفال ونساء، وضعت الدول الغربية في معضلة. لا تريد اي دولة في هذا الوقت الشروع في معركة عسكرية، جوية او برية ضد سورية، ولكن كل واحدة من الدول تفهم انه يجب عمل شيء، ولكنها لا تقترح صيغة العمل. ومع أن وزير الخارجية الفرنسي شد الحبل العسكري حتى منتهاه، حين صرح بانه يجب المس بالاسد، ولكن من الواضح انه من دون موافقة وتنسيق امريكي، فان الاقتراح سيبقى معلقا في الهواء، ولا سيما في ضوء رسالة رئيس الاركان الامريكي، الجنرال مارتين دمبس التي جاء فيها، انه ‘مع ان الولايات المتحدة يمكنها أن تبيد سلاح الجو السوري، ولكن هجوما كهذا سيتصاعد وسيفرض تدخلا امريكيا اكبر في الازمة، الوضع في سورية الان لا يفرض خيارا بين طرفين، بل خيارا لطرف واحد من بين اطراف كثيرة’. بؤرة المشكلة إذن، ليست انقاذ مواطنين سوريين، او ما هو الطابع المفضل للعملية العسكرية، بل بماذا سيخدم مصالح الغرب بشكل عام، ومصالح الولايات المتحدة بشكل خاص، انهيار نظام الاسد. وماذا عن الخط الاحمر الذي وضعه الرئيس اوباما؟ يبدو ان هذا الخط لم يعد قائما حتى بعد الهجوم الكيميائي الاخير. وبدلا منه يأخذ في التشكل خط الانسحاب عن الخط الاحمر.
للمفارقة، فان النظام السوري والمقاتلين في المعارضة السورية على حد سواء يقدمون للغرب ذريعة مريحة للامتناع عن عملية عسكرية. فمع أن سورية وافقت على زيارة وفد من مراقبي الامم المتحدة، الا انهم لا يزالون لا يمكنهم أن يفحصوا كل المواقع المشبوهة بضربات السلاح الكيميائي.
ومع ان سورية تؤكد بذلك الاشتباه ضدها، ولكنها تمنع الامم المتحدة من الحصول على الادلة التي تحتاجها، كي تحاول على الاقل تحقيق موافقة دولية على اعمال عقاب ومنع. وبالمقابل، فان موقعا للمعارضة السورية، اثبت في الماضي مصداقيته، حين بلغ عن هجمات الجيش الاسرائيلي في سورية، يدعي ان الهجوم الكيميائي الاخير لم ينفذه النظام. ففي تقرير تحليلي طويل يتساءل موقع ‘الحقيقة’ كيف يحتمل ان يكون كل الاطفال المصابين تجمعوا في مكان واحد، حين لا يكون هناك حاليا وقت دراسة والمناطق التي اصيبت هي مناطق قتالية يتجه فيها المواطنون نحو الملاجئ. فضلا عن ذلك، رغم ان الجيش السوري قصف واطلق النار في هذه المناطق لم تظهر على جثث المصابين علامات اطلاق النار.
كما ان فحصا لحركة الرياح في يوم القصف يفيد ايضا بان حركة الريح كانت بسرعة 20 25 كيلومترا في الساعة، و’معروف أنه في مثل هذه السرعة خطير استخدام السلاح الكيميائي، لان الغازات قد تصيب مناطق اخرى بل ووحدات من الجيش’. كما تساءل الموقع عن أن أعضاء فرق المساعدة لم يرتدوا ملابس وقائية ضد المواد الكيميائية رغم انه معروف ان غاز السارين يبقى على الملابس لعدة ساعات. لمن، ان لم يكن للنظام، توجد قدرة ودافعية لتنفيذ هجوم كيميائي كهذا؟ الموقع، الذي يعتمد على مصادر موثوقة، يدعي ان جماعات من المقاتلين التركمانيين الذين يعملون في محافظة اللاذقية، ويشكلون جزءا من الجيش الحر، حصلوا على مواد القتال الكيميائي بهدف احداث استفزاز دولي.
ومع ان هذه الاقوال تبدو محاولة لابعاد التهمة عن النظام او فرضها على مجموعة من داخل الجيش السوري الحر، ولكن في ضوء حقيقة ان الموقع نفسه نشر في 14 آب/اغسطس تقريرا عن تهريب مواد كيماوية للجيش الحر من الاراضي التركية، وعن النية لتنفيذ عملية كيميائية، ليس بعيدا عن البيان الفحص والتحقيق في هذه الامكانية أيضا، ولا سيما عندما تشكك الولايات المتحدة أيضا في ان يكون الهجوم نفذه النظام. من دون برهان قاطع على أن النظام هو الذي نفذ الهجوم، لا يمكن للدول الغربية ان تقنع روسيا والصين بالموافقة على المس بالنظام في اطار توافق يتحقق في الامم المتحدة.
واضح تماما انه اذا تبين ان مقاتلين في الجيش السوري الحر هم الذين استخدموا السلاح الكيميائي فستكون النهاية لهذا الجيش وللمعارضة السورية بشكل عام. ولكن مجرد التشكيك بهوية المهاجمين بالذات من جانب موقع معارض، يشير ايضا الى الخلافات الشديدة القائمة بين فصائل المعارضة، ولا ينطبق الامر فقط على الشرخ بين الكتائب الاسلامية مثل جبهة النصرة، وبين التيارات العلمانية، او بين المعارضة الكردية وتلك العربية. الخصومة توجد ايضا بين التنظيم السري التركماني ووحدات الجيش الحر، ولا سيما في منطقة اللاجئين في شمال سورية، حيث دارت رحى معارك شديدة في الايام الاخيرة، قتل فيها مئات الاشخاص. ان العداء بين الطائفتين، العربية والتركمانية، أدى الى أن تكون حتى مخيمات اللاجئين التي اقيمت للمواطنين السوريين في بلدة يالداي في اقليم التاي، تفصل بشكل تام بين اللاجئين التركمانيين والعرب. وحسب تقرير في موقع معارض، وقعت معارك في بلدة الرقة بين منظمة ‘احفاد النبي’ ومنظمة ‘دولة العراق والشام الاسلامية’ المتفرعة عن القاعدة. هاتان هما منظمتان متطرفتان تتنافسان على السيطرة في البلدة، وتخوضان اساس معاركهما الواحدة ضد الاخرى وليس بالذات ضد النظام.
ان الخصومة الفئوية والشخصية بين رؤساء الجيش السوري الحر والمعارضة المدنية التي نقلت مركزها من مصر الى تركيا، هي عائق كبير آخر في وجه توحيد الصفوف وخلق قيادة متفق عليها.
أمس أعلن لؤي المقداد، الناطق بلسان الجيش السوري الحر ومندوبه في الائتلاف الوطني الجسم المعارض الاكبر والمعترف به من الاسرة الدولية عن استقالته من الائتلاف.
وقد علل ذلك بانه تبين له بان الائتلاف غير راض عن ادائه، وان في نيته مواصلة العمل في اطار الجيش الحر. وفي نفس الوقت أعلن ايضا محمد الشعار، ممثل منطقة خرستا في الائتلاف عن انسحابه بسبب ‘عجز الائتلاف الذي لم ينجح في أن يحقق حتى ولا في المستوى الادنى أمل الشعب السوري’.
انسحاب ممثلين للجيش السوري الحر من جسم المعارضة المركزي يدل كم هو بعيد الاحتمال في هذه اللحظة بتحقيق توافق داخلي بين اجسام المعارضة، ويؤكد أقوال الجنرال دمبسي عن الحاجة الى اختيار طرف واحد من اصل عدة اطراف.
حين يكون الخيار الوحيد الذي تقف امامه في هذه اللحظة الدول الغربية، فان القرار هو عدم القرار والانتظار الى أن يتبين من ينتصر، حتى ان استغرقت المعركة سنوات اخرى. ويساعد هذا الموقف جدا المنظمات الراديكالية والجيش السوري الحر، والذين يثبتون لانفسهم مناطق سيطرة ذات حكم ذاتي ستجعل من الصعب اكثر وجود أي حل سياسي حين يحين وقته. مناطق السيطرة المحلية هذه ليست ساكنة، وهي تثير معارك داخلية ليس بينها وبين اسقاط النظام شيء، وقد باتت تصدر الى خارج سورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
نهاية العالم في دمشق
بقلم:آري شبيط،عن هآرتس
هل يمكن أن يقع هذا؟ في القرن الواحد والعشرين؟ وعلى مبعدة بضع مئات الكيلومترات عن المكان الذي أكتب فيه هذه المقالة؟ هل يمكن أن يكون طاغية جارٌ لا يردعه شيء قد استعمل قبل بضع ساعات سلاحا كيميائيا موجها على أبناء شعبه، الذين انتفضوا في ريف عاصمته على استبداده؟ وهل يمكن في هذا الصيف الرائع ان يكون مستبد عربي قد قتل نساءً واولادا عربا بالغاز؟ ترفض العين أن تُصدق الصور التي يبثها الآيبود. ولا يستوعب العقل التقارير الاخبارية التي ينقلها الآيفون. فبعد أن كُسر حظر استعمال المدافع على المدنيين، وبعد ان كُسر حظر استعمال المروحيات على المدنيين، وبعد ان كُسر حظر اطلاق الصواريخ على المدنيين كُسر كما يبدو ايضا حظر استعمال السلاح غير التقليدي.
على حسب ما تنقل التقارير، يقتل العربُ العربَ بسلاح كيميائي غير بعيد منا، في دمشق تلك التي أردنا صنع سلام معها.
صحيح أنه قد قُتل في سورية أكثر من 100 ألف انسان. وتنزف جارتنا الشمالية منذ سنتين، كما لم ينزف الاسرائيليون والفلسطينيون في مدة 100 سنة صراع. وقد وقعت حادثة كيميائية في الماضي لم يشأ العالم ان يعلم بها في الحقيقة. ووقعت كما يبدو حوادث كيميائية اخرى لم يشأ العالم أن يعلم بها ايضا. لكن من المحتمل كثيرا الآن أن تكون حادثة كيميائية مخيفة لم يسبق لها مثيل قد حدثت شرق دمشق.
اذا كان ذلك قد حدث حقا فان بشار الاسد قد تجاوز الخط الاسود، واذا كان ذلك حقا فان الربيع العربي قد تجاوز الخط الاسود. وقد تحولت الانتفاضة العربية المجيدة، التي حملها الغرب على راحتيه الى واقعة من أحداث آخر الزمان تُحدث واقعا من أحداث آخر الزمان.
لم يعد الانسان النزيه يستطيع ان يتجاهل ما يحدث، ولا يستطيع عالم يُفترض ان يكون عالما متنورا ان يصم اذنيه. ومن يوم الى آخر يصير للحرب الأهلية في سورية ذاك المعنى المثير للقشعريرة الذي كان للحرب الأهلية في اسبانيا. فهي تبشر بنهاية عصر، وهي ترسم خطوط صورة العصر الجديد الذي سيحل محله.
لا يؤتى بضحايا أبرياء فقط ليُدفنوا في دمشق، بل يؤتى ايضا بمصطلح القومية العربية المتنورة ليُدفن. ولا يُدفن اليوم في دمشق الأبرياء فقط، بل الأمل في وجود غرب ذي ضمير. ويُدفن في دمشق اليوم اولاد يبدو أنهم أُميتوا بغاز، ونساء يبدو أنهن أُمتن بغاز، وفكرة مجتمع دولي ووهم قانون دولي.
اذا كان يمكن قتل مواطنين بغاز في سنة 2013 فهذه نهاية العالم. إنها نهاية العالم الذي ادعى أنه أخلاقي، ونهاية العالم الذي ادعى أنه مستنير ونهاية العالم الذي طمح الى انشاء نظام دولي يقبله العقل ويكون الشرق الاوسط جزءً منه. إن كثيرين في الغرب وكثيرين في اسرائيل يحتقرون بنيامين نتنياهو، ولكن ما يجري في سورية في هذه الايام يبرهن على نفاذ تحذير نتنياهو من أن أكبر خطر يتعرض له سلام العالم في القرن الواحد والعشرين يكمن في الجمع بين سلاح غير تقليدي ونظم حكم غير تقليدية.
إن المجانين مجانين حقا. والبرابرة برابرة حقا. والمغول مغول حقا. وهكذا فان من يعفو عن المغول يتحمل مسؤولية مباشرة عن ان سلاحا ذريا يُبنى اليوم في ايران، وسلاحا كيميائيا يُستعمل اليوم في سورية، وسلاح يوم القيامة يهدد مستقبل الشرق الاوسط.
والذي يستخف بالخطر الذي ينطوي عليه المغول يتحمل مسؤولية مباشرة عن موت ضحايا الحاضر العرب وضحايا المستقبل الاسرائيليين والاوروبيين والامريكيين. وحان الوقت للتحرر من النسبية الاخلاقية والنفاق الحضاري العام والسلامة السياسية التي تمنعنا من أن نرى حيّنا السيئ كما هو.
إن صافرة استيقاظ فظيعة تُسمع الآن في دمشق. فهل سنسمعها؟ وهل يسمع العالم؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس