اقلام واراء عربي 474
17/8/2013
في هذا الملــــف:
- موقف الداخل الإسرائيلي من المفاوضات
- علي بدوان – دار الحياة
- الغطرسة الإسرائيلية
- صالح لافي المعايطة – الرأي الأردنية
- القدس والمستوطنون
- موسـى الكـيـلاني – الرأي الأردنية
- عصـر اسـرائيل الذهبي ..!!
- رشيد حسن – الدستور الأردنية
- الأزمة المصرية وتداعياتها على حركة حماس !
- عادل محمد عايش الأسطل – محيط
- القاهرة الآن: ثلاث حقائق إيجابية جدا
- جهاد الزين – النهار اللبنانية
- هذا الغرب الغبى..!
- حسن المستكاوي – الشروق المصرية
- اختبار للغرب!
- محمد سلماوى – المصري اليوم
- مأساة أردوجان مع ٣٠ يونيو
- رفعت السعيد – المصري اليوم
- السيد الرئيس أوباما
- علي سالم – الشرق الأوسط
- خيبة واشنطن في مصر
- مصطفى زين – دار الحياة
- تهديد الإخوان للغرب بالعنف!
- عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
- عندما يُفرح الإخوان قلب تل أبيب!
- سوسن الأبطح – الشرق الأوسط
- النيل الأحمر ينزف: فشل «أخونة مصر»!
- عادل مالك – دار الحياة
- «الشرعية» في الديمقراطيات المكتملة
- عادل درويش – الشرق الأوسط
- خطاب الكراهية الإخواني والخطاب المضاد
- عمر كلاب – الدستور الأردنية
- لبنان يدخل المحظور الأمني ويمضي نحو "العرقنة" تفجير الرويس يزيد حزب الله تصلبا ويدفع نحو معركة "كسر عظم"
- سابين عويس – النهار اللبنانية
- عودوا إلى الدولة... عودوا إلى الرشد
- علي حماده – النهار اللبنانية
- لا حلَّ إلا بعودة الدولة!
- الياس الديري – النهار اللبنانية
- التطرف الأصولي في سوريا (2)
- ميشيل كيلو – السفير اللبنانية
- عمان يريدونها طريقاً إلى دمشق
- ماهر أبو طير – الدستور الأردنية
موقف الداخل الإسرائيلي من المفاوضات
علي بدوان – دار الحياة
لا يعني بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بعد الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة أن الحالة الإسرائيلية أصبحت في موقع أفضل بالنسبة إلى تقبل مطالب الفلسطينيين المحقة والمشروعة.
فقد بات الانقسام العام بين الجمهور اليهودي في إسرائيل بشأن عملية التسوية مع الفلسطينيين انقساماً مُستَحكِماً، وهو انقسام بين أكثرية واضحة تُمثّل وتتبنى الخطاب الصهيوني التقليدي المعروف من عملية التسوية مع الفلسطينيين وعموم العرب المعنيين، وأقلية موجودة في المجتمع الإسرائيلي لكنها ذات حضور وتأثير محدود لا يتعدى نطاق مجموعات أو فئات من المثقفين والمتنورين السياسيين، ومعهم مجموعات صغيرة من تيارات فكرية جديدة كانت قد أطلقت تقديراتها وتصوراتها منذ سنوات خلت، وعلى رأسها تيار مجموعة «ما بعد الصهيونية» ومجموعة «المؤرخون الجدد» الذين يعتقدون بانحسار الأيديولوجية الصهيونية ودخول التجمع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية عصر ما بعد الأيديولوجيات، وهم في حقيقتهم مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين الذين بدأ نبتهم منذ ثمانينات القرن الماضي، وهم يدعون لمراجعة الرواية الصهيونية للصراع ولنكبة فلسطين.
لقد بات المشهد الداخلي في إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمن ومنذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين على يد المتطرف اليهودي اليمني الأصل ييغال عامير يموج بالتباينات السياسية إزاء عملية التسوية وشروطها ومستوجباتها ومحدداتها، ويغرق في تناقضاته الإضافية الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية، حتى أصبح كالمرجل يغلي بشتى الانقسامات ومنها حتى الانقسامات الدينية والإثنية والأيديولوجية، في الوقت الذي تصدرت وتتصدر فيه قضايا التسوية مع الفلسطينيين ومع العرب موقعاً مركزياً في هذه المعمعة الداخلية من الخلاف والتباين، فدخول إسرائيل عملية التسوية، بصرف النظر عن الرؤى المختلفة، ترافق معه عدم استقرار سياسي واضح في الدولة العبرية.
وبالطبع، فإن الانسداد الواضح في أفق العملية السياسية، بالرغم من الجهود الأميركية (وهي جهود ناقصة مع غياب الضغط العملي والجدي على إسرائيل) والزيارات المتتالية لوزير الخارجية جون كيري للمنطقة، ووصول تلك العملية إلى الجدار المسدود على الأغلب، يُشكّل التجلي الواضح لسيطرة قوى اليمين في إسرائيل على القرار وسطوتها في إدارة دفة السياسة المعلنة للدولة العبرية بشأن العملية السياسية مع الفلسطينيين وشروط التسوية من الوجهة الإسرائيلية، فيما تعيش قوى ما يسمى «اليسار العمالي» (الوسط العلماني اليساري الذي يُمثله حزب العمل والأحزاب المحسوبة على اليسار كحزب ميريتس) حالة واضحة من فقدان الوزن وتراجع الدور، وتماهي غالبيتها مع قوى اليمين والخطاب الإسرائيلي التقليدي المتعلق بمسار الحلول السياسية ليس مع الفلسطينيين فقط بل مع جميع الأطراف العربية المعنية.
في هذا المجال، ولتزكية ما ذهبنا إليه، نقرأ نتائج استطلاع أخير للرأي أجرته مطبوعة «إسرائيل اليوم» و «هجال هحداش» حول توجهات الناس في إسرائيل بشأن عملية التسوية، وقد أعطت مؤشرات واضحة كان من أهمها أن الإسرائيليين يؤيدون استئناف عملية المفاوضات مع الطرف الفلسطيني بنسبة متواضعة تصل إلى 56,9 في المئة لكنهم في الوقت نفسه لا يؤمنون بإمكانية الوصول إلى السلام بذات النسبة تقريباً (55,4 في المئة) ويعارض 69,3 في المئة منهم القيام بمبادرات طيبة تجاه الفلسطينيين كتحرير سجناء وأسرى فلسطينيين معتقلين أو تسهيلات حركة أو ما أشبه، وهي نسبة عالية كما هو ملاحظ. وتعارض أكثرية 90,5 في المئة ما سموه «التنازل» عن أي جزء من القدس أو القبول بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو العودة عن أية منطقة أو تفكيك المستوطنات المقامة فوق مناطق القدس الشرقية وعلى محيطها وفي عموم الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1967.
وبتحليل تلك المعطيات، نجد أنفسنا أمام مجتمع يهودي على أرض فلسطين التاريخية يتمسك بخطاب صهيوني بامتياز، ويقول إن دخول إسرائيل عملية التسوية لا يعني خروجاً على الثوابت (اللاءات) الإسرائيلية المعروفة والتي يجمع عليها تقريباً المجتمع الإسرائيلي وهي: لا عودة إلى حدود 1967، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، لا انسحاب من القدس التي ستبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل إلى الأبد.
الغطرسة الإسرائيلية
صالح لافي المعايطة – الرأي الأردنية
لا يوجد بلد في العالم يمكن ان يتبجح بالدعوة الى احتلال بلدان اخرى غير اسرائيل. فالبلدان الغربية تغلف حروبها باسم حقوق الانسان والديمقراطية او بدعوى مخاطر انتشار اسلحة الدمار الشامل. القادة الاسرائيليون لا يحتاجون الى تجميل وتزيين حروبهم او الى التخفيف من ألفاظهم المتغطرسة. وعندما نستمع الى ليبرمان وزير خارجية اسرائيل السابق الذي اعلن انه لو كان رئيسا لحكومة اسرائيل لقام على الفور بإصدار اوامره باحتلال غزة والضفة الغربية، نجده ليس هو وحده من بين القيادات (الاسرائيلية) التي تُعلن بعجرفة وغطرسة بغيضة عن استعدادها للقيام بكل ما اصبحت بلدان استعمارية كثيرة تخجلُ من الاعلان عنه بهذه الطريقة الفاضحة.
فاحتلال البلدان الاخرى هو انتهاك للقانون الدولي وعدوان صريح على القيم الاخلاقية، اصبحت البلدان القوية تعمل ما باستطاعتها كي لا تبدو افعالها مُسيئة لها. الاستثناء الوحيد الذي يخرج على القوانين الدولية والقيم الانسانية هو اسرائيل التي لا تتردد في تهديد أية دولة عربية وتهاجم أي موقع في أي منطقة تحت مبرر أنها مُهددة، وان أمنها الداخلي في خطر.
وهذا الاستثناء الذي تعيُشه اسرائيل لم يأت ِ من فراغ, بل جاء نتيجة تواطؤ البلدان الغربية وصمت البلدان الاخرى، ودعم الولايات المتحدة لها. ولنتصور لو أن بلدا آخر يُعلن وليس يفعل ما تفعله إسرائيل ماذا ستكون ردود فعل البلدان الغربية بالتحديد.
حينئذ كُنا سنرى مزيدا من الاحتجاجات وربما التهديدات ضد مثل ذلك الاعلان تتعلق بمناسبته كما تتصل بجديته. اما مناسبته فليس من الصعب معرفتها فوزير خارجية اسرائيل السابق يفكر بصوت عال ٍ نيابة عن كثير من المسؤولين الاسرائيليين، كما أن الاقتتال داخل البلدان العربية وفي ما بينها أعطى فرصة كبيرة لإسرائيل لتمارس مزيدا من الغطرسة.
اسرائيل لا تعمل فحسب على تعميق التناقضات داخل المنطقة العربية وإنما تريد ايضا استغلال ما تقدمه لها من فرص. وهي فرص قد لا تتكرر. بعض البلدان العربية تتمزق وبعضها الاخر ينزف والفلسطينيون لا يستطيعون حتى الاتفاق على تقاسم السلطة التي ليس بيدها قرار يتجاوز القضايا الادارية. وضع يُغري كل طامع بالتقدم لاغتنام الفرصة فكيف من يرى ان الوجود الفلسطيني بحد ذاته خطر على استمرار وجوده ؟
تصريحات ليبرمان لا تعكس فقط حالة التفكير التي تُهمين على النقاش الداخلي بين القيادات الاسرائيلية، وإنما هي ايضا بالون اختبار لمعرفة كيف يتلقف الرأي العام الدولي مثل هذه التصريحات السياسية. قد تكون بعض التصريحات (الاسرائيلية) الاخرى مجرد تخويف او ترهيب لكن ما يتصل منها بالقضية الفلسطينية لا يمكن ان نحمله ألا على محمل الجد.
فهذه مسألة وجودية للإسرائيليين, حيث ترى اسرائيل أن كل ما يضعف القضية الفلسطينية يقوي اسرائيل وكل ما يقوي القضية الفلسطينية يضعف الكيان الاسرائيلي. فالاستخفاف بمثل هذه التصريحات من قبل العرب والمجتمع الدولي يقوي اندفاعية الكيان الاسرائيلي نحو مزيد من العدوان والغطرسة.
القدس والمستوطنون
موسـى الكـيـلاني – الرأي الأردنية
ما نشرته وكالة الانباء «رويتر» يوم 13/8/2013 يستحق إعادة استبطان محتوياته. فقد ذكرت الوكالة ان هذا العام قد شهد ازدياد عدد المستوطنين الاسرائيليين في القدس والضفة الغربية ليصل الى ستمائة الف، منهم ما يقارب ثلاثمائة الف في الضفة الغربية وحدها، وما يقارب ثلاثمائة الف في القدس، مما أدى الى تناقص نسبة السكان الفلسطينيين مقارنة مع الاسرائليين لتكون 28% من مجموع سكان القدس الذين بلغوا مليونا ومائة الف حتى نيسان 2013، وتوجد في بلدية القدس إدارة خاصة تترأسها سيدة مختصة في علم الاجتماع، وهي مسؤولة عن الحفاظ على نسبة 28% للفلسطينيين من خلال مراقبة نسبة الزيادة السنوية بين العرب وهي 2.8 مقارنة مع اليهود وهي 1.8 ويتحقق ذلك باللجوء الى التهجير او استقدام المستوطنين.
وكجزءٍ من الإطار الاستراتيجى لتفكير الحكومة الاسرائيلية، اعلنت اعتماد المخصصات لبناء 942 مسكناً جديداً في القدس لايواء خمسة آلاف من المستوطنين، وتقديم الاغراءات المالية والقروض بفائدة متدنية لهم، والاعلان عن الحوافز التأمينية والاجتماعية والاقتصادية لمن ينتقل الى القدس للمحافظة على «النسبة الديموغرافية» بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
ومن «الألغام الموقوتة» التي تزرعها الحكومة الاسرائيلية في طريق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ما اعلنت عنه وزارة المالية عن العزم على بناء 3100 مسكن جديد في المناطق المحتلة وخاصة في منطقة الغور، وتُبَرر تسيبي ليفني، مسؤولة المفاوضات الاسرائيلية، ان المساكن الجديدة ستقام داخل الكتل الاستيطانية التي لن تتأثر بتبادل الاراضي ضمن عمليات مفاوضات السلام والقضايا النهائية، نظراً لمواقعها الاستراتيجية في الغور والضفة والجولان.
ومنذ أن قامت اول مستوطنة يهودية في الجليل الاعلى عام 1882 وحتى الان، لم يتخلَ اليهود عن شبرٍ واحد من تلك المناطق التي احتالوا للسيطرة عليها بواسطة المال السخي الذي دفعوه لاصحابها من العائلات اللبنانية او السورية او بواسطة السلاح المتفوق المتقدم على نظيره من اسلحة العرب, او بواسطة المفاوضات غير المتكافئة كتلك التي جرت عام 1948 او تلك التي جرت في اوسلو، واستخلصت من المفاوض الفلسطيني هدنة زمنية طويلة كافية لشراء الوقت المناسب لبناء آلاف المساكن في المستوطنات، دونما تهديد من شباب الانتفاضة، او تفجيرات من شباب عز الدين القسام، وذلك بهدف تغيير الحقائق الديموغرافية على الارض، واستهبال المفاوض العربي باسم دعم إقامة الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات فقط من التوقيع على «اوسلو» عام 1994.
المستوطنات للإسرائيليين بمثابة الروح وحاجة الجسد لها، فقد نشأت اسرائيل في ظل مفهوم «المستوطنة» عندما اطلقوا كلمة «موشاف» عام 1880على أول مستعمرة تقوم على ارض فلسطين بدعم مالي من البارون روتشيلد، ثم تبعتها مجموعة «نحَّال» في جبال جرزيل، ثم الكيبوتزات على الاراضي الزراعية في يافا وحيفا وقاوون طولكرم وقرى الساحل الفلسطيني.
فهل يستطيع كبير المفاوضين الفلسطينيين حالياً ان ينجح ويغير الحكمة الفلسطينية «عادت حليمة الى عاداتها القديمة».
عصـر اسـرائيل الذهبي ..!!
رشيد حسن – الدستور الأردنية
ما دعا اليه بن غوريون مؤسس كيان العدو الصهيوني ب “العمل على تفتيت الدول العربية وخاصة المجاورة لاسرائيل باشعال الحروب الطائفية لضمان امنها “ يبدو انه على وشك التحقق، وهذا يقودنا الى تصريحات مفكري ومثقفي العدو في مؤتمر “هرتسيليا” خلال السنوات الاخيرة، اذ اعتبروا ان اسرائيل تعيش افضل أيامها ، بعد انتهاء التهديد العربي، اذ شطبت الدول العربية خيار الحرب في مؤتمر قمة بيروت 2002 ، بعد تبنيها مبادرة السلام ، وهذا الخياريتجسد في نهج القيادة الفلسطينية القائم على رفض المقاومة؛ ما جعل الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية احتلال “ديلوكس” على حد تعبير رئيس الشين بيت السابق، والاكتفاء فقط بالمفاوضات .. “ لا بديل عن المفاوضات الا المفاوضات” والذي تأكد بالعودة الى هذا الخيار الوحيد، رغم استمرار الاستيطان، ما يعتبر تفريطا بالثوابت الفلسطينية ، و” شرعنة “الاستيطان .
وبشيء من التفصيل فان المستجدات التي تعصف بالمنطقة، ونعني بالذات الحروب الاهلية والطائفية والمذهبية ، وحرب السيارات المفخخة، وقد زرعت الموت والرعب في كل ركن من اركان العراق وسوريا ولبنان وليبيا ..الخ كل هذا وأكثر منه.. يصب في مصلحة العدو الصهيوني ومصلحة أعداء الامة وهم كثر.
فالكيان الصهيوني الذي خطط مبكرا لتجزئة الوطن العربي، وبالذات الاقطار المحيطة به ، دعم الحرب الاهلية-الطائفية في لبنان، ودعم الانعزاليين وشجعهم على اقامة كيان مسيحي لهم ، وهو أول من دعم الاكراد في شمال العراق، وأمدهم بالسلاح، ودرب كوادرهم، وتعتبر محطة “الموساد” هناك من أكبر المحطات الاستخبارية في المنطقة، وهواول من دعم الانفصاليين في جنوب السودان ، ودرب قادتهم، وأمدهم بالسلاح الحديث ، وكان من اوائل الدول التي اعترفت بدولة جنوب السودان، والسفارة الاسرائيلية في جوبا هي السفارة الاكبر.
ولم يكتف بذلك بل عمل ويعمل على تدمير مصر، رغم توقيع “كامب ديفيد” من خلال شبكات التجسس، واغراق مصر بالمخدرات والمومسات، ودعم اثيوبيا في اقامة السدود على نهر النيل، ما يشكل خطرا بالغا على مصر ، لم تتعرض لمثله في تاريخها الطويل ، اذ يترتب على اقامة هذه السدود تراجع مياه النيل والطاقة الكهربائية الى الربع ، ما يترتب عليه الاضرار باكثر من اربعة ملايين فدان ، وحرمان اكثر من مليون مزارع من ارضهم الزراعية.
نعم العدو الصهيوني هو المستفيد من هذه الفوضى ، هو وحليفته أميركا ، فهما اليد الخفية التي تصب الزيت على نار هذه الفوضى ، لتحويل الربيع العربي الى خريف...
واجهاضه قبل الوصول الى دول الخليج العربي هذا اولا.
ثانيا: اعادة تقسيم المنطقة من جديد وفقا للاستراتجية الاميركية الجديدة لاحكام سيطرتها عليها لعقود طويلة ،وضمان تفرغها لادارة الصراع مع الصين ودول جنوب شرق اسيا كقوى اقتصادية عالمية صاعدة، واطلاق يد العدو الصهيوني فيها ، وقد اصبح القوة الفعلية الوحيدة، بعد تدمير سوريا والعراق ومصر .. وهذا هو الهدف الرئيس للعدو الصهيوني وحلفائه.
باختصار..... ما يحدث لصالح العدو، فهو المستفيد الوحيد من الحرب القذرة التي تدمر سوريا والعراق وليبيا، وها هي توشك ان تشتعل في مصر وتونس ، ليبقى العدو هو القوة الوحيدة الفاعلة في المنطقة، والممسكة بخيوطها، ما يتيح له تصفية القضية الفلسطينية، واعادة الشعوب الى بيت الطاعة الاميركي - الصهيوني.
انها لحظة الحقيقة ، واعادة الحسابات.. فهل من متعظ؟؟
الأزمة المصرية وتداعياتها على حركة حماس !
عادل محمد عايش الأسطل – محيط
معلومٌ أن علاقات تاريخية متأصلة ربطت بين القطر المصري بفلسطين شعباً وقضية، بحكم وحدة الدين والعروبة والمصير المشترك. وقد تجلّت تلك العلاقات في العديد من الصور المشرّفة، والمشاهد المعبّرة التي تغدق بالتآزر والإيثار.
فمن عصر الملكية المصرية ومروراً بعصر الثورة المصرية 1952، إلى ثورة 25 يناير 2011، كان الشعب الفلسطيني وقضيته في ماله وأرضه، تأخذ نصيباً فوق المتوقع في أجندة القيادات المصرية المتتالية، من حيث المدافعة بالرجال والعتاد ضد العدوان الأجنبي والإسرائيلي على فلسطين، وسياسياً بالنسبة للمواقف المساندة مباشرةً داخل أروقة الأمم المتحدة وبقية دول العالم الفاعلة الأخرى نصرةً للحقوق الفلسطينية المغتصبة.
منذ حالة الانقسام الفلسطينية في منتصف عام 2007، فقد عملت الإدارة المصرية في عهد الرئيس "حسني مبارك" جهدها، في تدارك الأحداث وإنهاء الانقسام، وساهم في فتح الحدود مع القطاع في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية في عرض البحر أواخر عام 2010، التي كانت متجهة إلى القطاع لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية أوائل عام 2006، وتجددت المحاولات المصرية في هذا الصدد بعد سقوط "مبارك"، حيث بادرت الإدارة المصرية بقيادة الجيش إلى مواصلة محاولاتها في إنهاء الأزمة، حيث تمكنت من تحقيق اتفاق تصالحي بين الأطراف الفلسطينية خاصةً بين حركتي (فتح - حماس) في أبريل/نيسان 2011. كما تجددت المحاولات المصرية بشأن التسوية الفلسطينية فور تشكيل الحكومة المصرية برئاسة "هشام قنديل" من خلال قيامها برعاية الاجتماعات الفلسطينية المباشرة وغير المباشرة ومساهمتها بجهودها المختلفة للخروج من الأزمة.
أيضاً فقد استقبلت الرئاسة المصرية الجديدة، الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" في أعقاب قيام الجيش المصري بعزل الرئيس "محمد مرسي" عن منصبه، حيث تم بحث تطورات القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي، وبالضرورة لمتابعة الشأن الفلسطيني للوصول إلى اتفاق ينهي الانقسام ويوحّد صفوف الفلسطينيين.
الصور الفائتة، لا تنفي بالضرورة وجود بعض المنغصات التي كانت ظللت العلاقات المصرية-الفلسطينية، بين الفينة والأخرى وبين مرحلة وأخرى، فقد كانت بمثابة الجرح الذي يعوق مسيرة العلاقات الثنائية نحو العلاقات المثلى، التي من المفروض أن يتم تكريسها على طول المدى.لقد شابت العلاقات المصرية الفلسطينية أحداث ومصاعب سياسية وأمنية مختلفة، كان لها تأثيرات مؤلمة خاصةً على الطرف الفلسطيني، كون الأضعف هو الذي يتحمل مسؤولية كل حادثة وإن لم يكن طرفاً مباشراً فيها.
منذ العهد الملكي المصري، واجهت العلاقات المصرية – الفلسطينية العديد من المشكلات منها ما يتصل باختلاف المواقف مع الحركات الوطنية الفلسطينية أنذاك، أو ما يتصل بالجماعات الإسلامية الأخرى بسبب ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين المصرية لاعتبارها حركة متمرّدة وغير مرغوبٌ فيها. أيضاً ومنذ نجاح ثورة 23 يوليو 1952، شهدت العلاقات المزيد من التوترات خلال فترات متقطعة كان من بينها، أن مصر لا تريد أن ترى منازعاً لها بين العرب، وخاصةً في شأن القضية الفلسطينية وتكره بالمقابل رؤية الفلسطينيين يتجهون إلى منابر أخرى للمساعدة في حل قضيتهم ومشكلاتهم الأخرى المختلفة، كما أن تنامي معاداة حكم الرئيس "جمال عبدالناصر" لحركة الإخوان المسلمين المتصاعدة، أدّت فعلاً إلى زيادة حِدة الفتور باتجاه الفلسطينيين، بسبب أن قسماً منهم يعتبر امتداداً ظاهراً لها، وإن ظلت المبادئ من الصراع العربي- الصهيوني والقضية الفلسطينية ثابتة ولم تخضع لأي تغيير.
منذ جنوح الرئيس المصري "أنور السادات" نحو السلام مع إسرائيل، وقيامه بالتوقيع على اتفاق السلام المصري الإسرائيلي في العام 1979، فقد اعترى العلاقات –على نحوٍ مفاجئ- علامات الغضب والسخط الشديدين، حيث سادت المرحلة التالية نضوباً غير متوقعاً، ساهم في ذلك جبهة الصمود والتصدي التي نتجت عن خطوة "السادات" بعيداً عن المنظومة العربية واعتبارها خروجاً من غير المألوف صدوره عن الدولة المصرية، حيث شكلت تلك الأزمة فصلاً سيئاً بدرجةٍ أعلى بكثير من سابقاتها، وزاد من حِدة الأزمة، اتهام فلسطينيين بمسؤوليتهم عن القيام بأعمال عدائية ضد مصر، ومنها، حادثة مقتل "يوسف السباعي" في العاصمة القبرصية في أواخر العام 1979، بسبب ما قيل بأنه من أبرز المؤيدين لتوقيع المعاهدة وقيامه بالسفر إلى إسرائيل والدعوة إلى التطبيع معها.
منذ أن تولى الرئيس "مبارك" في أعقاب مقتل "السادات" بقيت العلاقات الثنائية كما هي، نتيجة نيّتة مواصلة ذات النهج السلمي نحو تطبيق خطة السلام الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، إلى أن سقطت جبهة الصمود والتصدي تباعاً - لعدم صمودها- أمام الخلافات الصارمة فيما بينها، ومن ناحيةٍ أخرى الضغوطات الدولية والأمريكية عليها، حيث وجدت نفسها لا تعزل النظام المصري ذاته، بل هي التي وجدت نفسها أكثر عزلةً، وفي الجزء الأقصى من الزاوية.
حيث عادت منظمة التحرير- بعد تقديم العذر وإبداء الأسف- إلى الأحضان المصرية. وبالتدريج لُمست بعض التفاهمات بشأن تجديد العلاقات فيما بينهما، وكان على أثرها أن ساهمت مصر بقوة في إنجاح المؤتمرات السلمية الخاصة بالقضية الفلسطينية (مؤتمر مدريد 1991– اتقاق أوسلو 1993)، حيث نتج عنهما عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى إجزاء من الضفة الغربية والقطاع، وإنهاء الصراع الفلسطيني المسلح مع إسرائيل.
في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في بداية العام 2006، جابت أنحاء النظام في مصر هزّة عنيفة جعلتها تشق ثيابها، بسبب أنها الفرع الذي أثمر لصالح الإخوان المسلمين، وأن ذلك تشجيعاً صارخاً لهم، حيث بدا النكوص والإحجام المصريين، عن تأييد ما أسفرت عنها تلك الانتخابات، وكان ذلك كافياً لتوجيه اتهامات مباشرةً لهم ومشددة، من جانب حركة حماس، بأن القيادة المصرية تشارك في حملة المقاطعة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وبدرجة أقوى على الحركة نفسها فيما بعد، وخاصةً في الفترة التي سيطرت فيها على أنحاء القطاع في منتصف عام 2007، من حيث منع تدفق الأموال والمواد اللازمة للحياة، وذلك بأحكام الإغلاق لمعبر رفح على الحدود مع القطاع.
زاد من تفحّل الأزمة الفوز التالي لجماعة الإخوان المسلمين وعلى المستويين التشريعي والرئاسي في مصر، الأمر الذي أدى إلى استهجان واستغراب أدّيا في النهاية، إلى امتعاض شرائح مهمة داخلية وعلى رأسها مؤسسة الجيش، من ذلك الفوز باعتباره انبعاثاً لقوى إسلامية (إخوانية) من القبور، وبالتالي تولّد الخشية من بناء الدولة الإسلامية المرتقبة، بالتلاقي مع حركة حماس في أقصى الشرق.
لذلك فقد شنّ المناوئين على اختلافهم ضد الإخوان وامتداداتهم داخل القطاع المزيد من الحملات الشعواء ضد حركة حماس، وتحمّل الإعلام المصري (الرسمي) منذ البداية –عن رغبة وطيب خاطر- مهمة إقحام الحركة في كل المتاعب المصرية– سياسياً من حيث التلقين السياسي، وأمنياً حيث المساهمة في تقوية الإخوان عسكرياً رجالاً وعتاداً، ووصلت إلى حد المشاركة -على حد القول- في تنقيذ هجمات ضد المصريين والمحاولة أيضاً في إعداد مخططات عدوانية تهدف إلى زعزعة الأمن القومي للبلاد.
حيث أبلى الإعلام بلاءً كبيراً في التأثير على فئات مصرية ضد الحركة بشكلٍ عام.وبالرغم من أننا كنّا نتوقع إسدال الستار على تلك التقوّلات والمزاعم، وذلك في ضوء النفي المشدد من قِبل الحركة وبأنها تشُدّ ولا تهدّ بأي حال، إي إنجازٍ للشعب المصري، وأنها ليست طرفاً في أيّة متاعب أو أحداث. وأعلنت بالمقابل أنها معنية بالمساعدة من أجل الكشف عن الحقائق في الحوادث المدرجة.
لكن قيام الجيش المصري بإجراءاته ضد نظام "مرسي" أوائل الشهر الفائت، لم يقطع الطريق أمام نوايا الحركة الحسنة فقط، وإنما علت صيحات بإلقاء المزيد من اللوم والمسؤولية ضد الحركة، لتعاونها المسبق مع أفراد الإخوان المصريين في الداخل المصري. وكانت سلطات الجيش قد أمرت منذ فترة بتحطيم الأنفاق الواصلة بين جهتي الحدود التي يتم خلالها إدخال المواد الغذائية والبترولية وغيرها، وأعلنت عن إغلاق معبر رفح وإلى إشعارٍ آخر، بالتزامن من فض اعتصامات ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
على أيّة حال، فإن القيادة في مصر منذ الآن وخاصةً فيما إذا أخذت الأمور الأمنية بالتصاعد، في ضوء إصرار الإخوان ومؤيدو الرئيس المعزول بمواصلة سعيهم لاسترداد الشرعية، فإنها ستلجأ إلى تصديق مقولات، بأن في داخل القطاع قيادات إخوانية (مصرية)، مسؤولة عن إدارة عمليات عسكرية مكثفة داخل منطقة سيناء، فضلاً عن أن الجيش المصري استمع بكلتا أذنيه، لما يُقال بأنها تهديدات لسلفيين في القطاع ضد الجيش ومؤسسات مصرية عسكرية أخرى.
وفي حال تم الجري خلف مثل هذه المقولات، فإن الخشية آتية في الطريق (لا محالة) نحو تصعيد الأمور العسكرية، ليس ضد الحركة باعتبارها متهمة ومسؤولة عمن هم تحت سيطرتها فقط، وإنما لتطهير الدنيا من كل ما هو إخواني أو مؤيد أو متعاطف معهم.
ومن جهةٍ أخرى، فإن حركة حماس وتحت هذه الضغوط في هذه الأثناء معرّضة أكثر وبجديّة، لإجبارها على السير نحو إعادة صياغة أيديولوجيتها التي تفتقر إلى المنفعة العملية لهذه المرحلة من حيث تخليها عن الحركة الأم أولاً، ولأجل الضغط باتجاه ترك مبادئها وتحديد مواقف مختلفة تحوز على الرضى الإسرائيلي والإعجاب الدولي، وذلك باتجاه التهيئة لقبول نتائج لعملية سياسية محتملة مع إسرائيل، بالرغم من توسيع دائرة الاستيطان (برضىً) أمريكي، وعدم رغبة (أكثرية) إسرائيلية بالعودة إلى حدود عام 1967 ثانياً.
وقد لا يكون صدفةً قيام الرئيس الفلسطيني "أبومازن" بتكليف وفد من حركة فتح، لمقابلة حركة حماس من أجل انهاء الانقسام وإجراء الانتخابات.
القاهرة الآن: ثلاث حقائق إيجابية جدا
جهاد الزين – النهار اللبنانية
بعيداً عن اختلاط الحساسيات الديموقراطية البريئة وردود الفعل الخبيثة على أحداث العنف المصرية داخل العالم العربي وخارجه، وعكس الترويج السائد، يمكن القول إنه إذا كان لـ"الربيع العربي" الديموقراطي مستقبلٌ، رغم كل المخاطر، فقد وُلِد هذا المستقبل يوم الأربعاء المنصرم.
الذي اكتشفناه عبر موجات "الربيع العربي" بما هي موجات حريّات أن انفلات المجتمع من أسْر السلطات البوليسية والعسكرية قد يصبح أنفلاتا للبلد بكامله من عِقاله. و"العِقال" هنا هو انهيار الدولة.
لم يحصل الانهيار في تونس رغم دخول قوّة لا تملك تقاليدَ سلميةً في الصراع السياسي بل لا تملك تقاليد سياسية بالأساس هي السلفيّون. لكنه حصل، في سوريا وبنسبة أقل عنفاً في ليبيا.
مصر هي أملنا الكبير في الحصول على صيغة توازن لا بين الحريات وسلطة الدولة فحسب، بل إذا جاز القول، بين الماضي البوليسي والحاضر المتحرّر. وهو توازن كان الرهان دائما أن الثقافة السلمية العميقة للشعب المصري والنضج السياسي للنخبة، كفيلان بتحقيقه.
لهذا، ورغم رائحة الدم التي انتشرت في القاهرة وبضع مدن مصرية فإن ما شهدناه في الأيام الأخيرة بل الأسابيع الأخيرة في مصر هو انتصارٌ لهذا الرهان وليس "سورنةً" للوضع المصري.
الأخطاء الفادحة بل الانتهاكات التي حصلت في فضّ الاعتصامَيْن والتي يجب أن تخضع للمساءلة القانونية بما فيها من تحضيرات عنفية قام بها "الإخوان المسلمون" لجرِّ القوى الأمنية إلى هذا الوضع، لا تمنع أن يكون يوم الأربعاء 14 أغسطس(آب) هو يوم إثبات عدد من الحقائق في مصر:
الحقيقة الأولى أنه لا أحد بإمكانه أن يشعل حربا أهلية في مصر بمعنى انهيار الدولة وأن ما حاول أن يفعله "الإخوان المسلمون" من توتير أمني بل من ممارسات قمع هو خارج عن السياق المصري وعن ثقافة الشعب المصري وتكوين نخبه حتى لو كان "الإخوان" تنظيما ذا جمهور كبير.
الحقيقة الثانية هي أن القدرة الأمنية للدولة المصرية ثابتة من حيث أنها قادرة على "احتكار" قوة العنف وقد حسمت الموقف الخطير وغير المقبول في الشارع يوم الأربعاء المنصرم. علينا أن نسأل هنا أي حكومة من الحكومات الغربية كانت ستقبل لو أن متظاهرين استعملوا الأسلحة النارية ضد قوى الأمن؟
الحقيقة الثالثة هي أن مصر، تماما عكس الترويج المضاد حول أن "ربيعها" انتهى، هي اليوم تمنحنا فرصة ولادة جديدة لـ"ربيع" ديموقراطي في بلد عربي لا تنهار فيه مؤسّسات الدولة والمجتمع بسبب الحريات المستجدة. وهذا بالضبط جوهر الرهان على أهمية مصر كونها – ولأنها- الدولة العربية الكبرى القادرة على بناء تجربة ديموقراطية طبيعية.
جميعنا، رغم الضحايا البريئة التي لا يمكن تبرير عددها الكبير، مستفيدون من إثبات مصر أنها ليست بلاد حروب أهلية على الأنماط الليبي والسوري والعراقي وحتى الجزائري. وبهذا المعنى فإن الفرصة كبيرة بأن يثبت أن أحداث يوم الأربعاء 14 آب هي يوم ولادة لإمكان نظام ديموقراطي على المدى الأطول، بعيدا عن توهّمات عودة حكم عسكري لأنه لم يعد ممكنا في العمق وبعد ثورة 25 يناير أن يحكم العسكر بالشكل السابق. فسيطرة الجيش على الأمن المصري شيء ونظام حكم عسكري شيء آخر. والذي حدث يوم الأربعاء هو ما لا بد أن يحدث في أي دولة ديموقراطية أو غير ديموقراطية مستقرّة: سيطرة الجيش والقوى الأمنية على الأمن.
المعيارُ الذي يعطي لهذه الرؤية السلمية للعنف المصري قوّتَها هو التأييد الشعبي العارم، ليس لحكم الجيش، وإنما للسلم الأهلي كإطار للصراع الديموقراطي ولا صراعٌ ديموقراطيٌّ من دون هذا السلم الأهلي.
بعيدا عن اختلاط الحساسيات الديموقراطية البريئة وردود الفعل الخبيثة على أحداث العنف المصرية من نوع بدء قطع بعض الدول الغربية للمساعدات عن مصر وتجاهل الاعتداءات على الكنائس القبطية وعدم إثارة خطط "الإخوان" العنفية، يمكن القول أنه إذا كان لـ"الربيع العربي" الديموقراطي مستقبلٌ فقد وُلِد هذا المستقبل في القاهرة يوم الأربعاء المنصرم. فليس الضحايا الذين سقطوا سواء عبر الاستخدام الجلف للقوة العسكرية أو عبر الأفخاخ التي وضعتها "جماعة الإخوان المسلمين"، سوى شهداء هذه الولادة المصرية الجديدة:
هي ليست فقط ولادة في مخاض ديموقراطي عميق لم يعد ممكنا إيقافه، وليست فقط تصويبا في هذا المخاض ضد انحرافات خارجة عن تقاليد مصر، وبعضُها في زمن الجهادية العالمية مستوردٌ من الخارج ومشبوه، بل هي دفاع عن ما تبقى من استقرار مجتمعاتنا وقدرتها على بناء إطار لصراع سياسي سلمي.
بمعايير الكسب الشعبي والسياسي السهل - بناءُ علاقة مع "الإخوان المسلمين" كمرشّح مستقبلي للرئاسة يرضون به- ربما يكون محمد البرادعي قد استفاد من استقالته من نيابة الرئاسة، لكن بمعنى رجل الدولة الذي يريد مستقبلا ديموقراطيا ثابتا ومستقرا لمصر، فهو أخطأ البوصلة ولم يقف على الجهة المطلوبة لمشروع مستقبل آمن لمصر.
بتنا نعرف جيّدا أن سَنةً من حكم "الإخوان المسلمين" لم تُظهِر فشلَهم فحسب بل أظهرت ما هو أكثر أهميةً: عدم أهليّتهم للحكم. لكن أحد الأسئلة الكبيرة والضرورية الآن هو كيف يمكن إعادة دمجهمم في سياق التفكير بالمستقبل الديموقراطي. صحيح أن "الجماعة"، وهي جماعة كبيرة، خرجت على الثقافة السلمية العميقة للمجتمع المصري، وورّطت معها بالتالي جزءا من هذا المجتمع، إلا أن آفاق إعادة صياغة النظام السياسي المصري تتطلّب لا شك بذل كل الجهود لتحقيق عملية الاستيعاب السلمي لـ"الإخوان"، إلا إذا أصرت هذه "الجماعة" على سلوك طريق انتحاري بدأت به أصلاً.
ومن الأسئلة الكبيرة الأخرى هو كيف سيتمكّن هذا الزخَم الشعبي المدني الذي حمى السلم الأهلي وأظهر أن مصر مختلفة عن دول عربية هشة، كيف سيتمكّن من تكريس الديموقراطية في ظل وجود قوى داخلية وخارجية غير مؤمنة بأي ديموقراطية هي جزءٌ من التحالف الواسع جدا الذي أسقط حكم "الإخوان"؟
انتصرت المقوّمات الأصلية للدولة المصرية. بعد ذلك يجب وضع كل شيء، ماضياً وحاضراً تحت حكم القانون. ولأوّل مرة في تاريخ مصر المعاصر يبدو الجنرالات المصريّون قوة دفاع عن مستقبل مدني ديموقراطي وغير طائفي لمصر لأن التفويض الشعبي صريح وواضح: سلام وحريّات.
ولا حريّات بدون سلام.
هذا الغرب الغبى..!
حسن المستكاوي – الشروق المصرية
أبدأ بأن قوات الشرطة والعمليات الخاصة قامت بفض اعتصامى النهضة ورابعة باحتراف. وكانت الخسائر قياسا بحجم المعتصمين بنسبة معقولة. فيما تصاعد عدد الضحايا فى المحافظات بسبب رد الفعل على فض الاعتصام. الغرب يتاجر أحيانا برايات نبيلة، يتحدث عن ضحايا التظاهر السلمى. وهذا الغرب نفسه قال أحد قياداته يوما: «فلتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم مقابل الأمن القومى لبريطانيا».. لكن أى تظاهر سلمى هذا الذى يقطع طرقا ويمارس فيه المتظاهرون الصلاة فوق الكبارى ويضم بين أركانه عناصر مسلحة..؟!
•• من هذا الغرب محطة سى إن إن التى أجرت حوارا مع نجيب ساويرس عقب فض الاعتصام وكان ساويرس هادئا بينما كان المذيع متوترا، وحين حدثه مؤسس حزب المصريين الأحرار عن الاعتصام غير السلمى، رد المذيع بأن مرسى تحمل 6 أسابيع من المظاهرات ضده. ورد ساويرس بأن ملايين المصريين الذين خرجوا لم يشهر واحد منهم سلاحا واحدا.. وحين تحول ساويرس إلى الإشارة لكنائس حرقت عمدا، اعتبر المذيع الأمريكى أنها ليست قضيته. فيما كانت محطته سابقا تعتبر إصابة أصبع مواطن مسيحى أمرا عنصريا واضطهادا؟!
•• من هذا الغرب أيضا صحف بريطانية، التى لم تشاهد السلاح والحرائق والاعتداءات على الكنائس أو إلقاء سيارة من أعلى كوبرى بها جنود شرطة. لم تعرف بما جرى فى كرداسة بما فيه من تمثيل بجثث الضحايا من ضباط وجنود الشرطة فى مشهد متوحش. ومن أسف أن هذا الغرب لا يهتم بالإرهاب الذى يجرى فى سيناء وتمارس فيه عمليات الاغتيال ضد جنود وضباط.. ومن أسف أن هذا الغرب لا يرى هذا الربط المريب بين نظام حكم مصر وبين هذا الإرهاب.. كما أعلنها صراحة محمد البلتاجى.
•• من هذا الغرب أيضا أردوغان الذى دعا مجلس الأمن لعقد جلسة لمناقشة أحداث مصر.. إذن فإننا نطالب رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى بطلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمناقشة العنف المفرط الذى مارسته قوات الشرطة فى تركيا فى مظاهرات ميدان تقسيم.. وكذلك مناقشة تدمير تركيا ثلاثة آلاف قرية كردية، وتشريد ما يقرب من 380 ألف كردى أثناء حرب تركيا مع الأكراد. وإذا كان ذلك صفحة من الماضى، فليكن، نحن نطالب الأمين العام للأمم المتحدة أن يتدخل فى معركة تركيا الحالية ضد الأكراد وتقرير مدى احترام السيد أردوغان لحقوق الإنسان.. علما بأن قضية الأكراد تتعلق بأرضهم التى يرون أنها اغتصبت.
•• من هذا الغرب لسانه المعروف بـ«قناة الجزيرة».. التى أسرعت بإعلان سقوط 3000 قتيل، ثم تراجعت بعد قليل بأن عدد الضحايا 300.. وهناك ألف خطأ مهنى وقعت فيه الجزيرة منذ يناير 2011، إلا أن سؤالى هو لماذا مصر فى رأسكم؟ لماذا بينما رفض نظام مبارك إقامة قاعدة أمريكية طوال فترة حكمة بينما منحت قطر الأمريكان قطعة أرض فى منطقة مطار أبو نخلة وهى قاعدة العديد الجوية لتكون أكبر قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط، وتستوعب مائة طائرة مقاتلة وتوصف القاعدة بأنها مخزن السلاح الأمريكى الاستراتيجى الأكبر فى المنطقة.. هل يمكن للجزيرة أن تناقش مسألة هذه القاعدة؟!
•• أتحدى من يجيب بأنها فعلت أو ستفعل.. لذلك أرى أن موقف الغرب مريبا مما يجرى فى مصر.. هو موقف غبى أو عبيط فيه الكثير من الاستعباط؟!
اختبار للغرب!
محمد سلماوى – المصري اليوم
إن ما نشهده الآن من امتهان لإرادة الشعب المصرى بواسطة الغرب، قد يكون جديداً على الجيل الحالى، لكنه ليس بجديد على مصر، فقد تعايشنا معه فى عصر جمال عبدالناصر ولم تتحطم إرادتنا، فحين نالت مصر حريتها بعد ثورة ٢٣ يوليو وبدأت تمارس إرادتها الشعبية بعد سنوات من الخضوع، ناصبتها القوى الاستعمارية القديمة العداء، فتعرضنا للتهديدات ولقطع المعونات، بل لحظر الدواء أيضاً، وعرفنا الحصار الاقتصادى ووقف تمويل السد العالى، ووصل الأمر إلى حد شن الحرب علينا بواسطة إنجلترا وفرنسا اللتين طلبتا بالأمس عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن تسمح لهما بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، متحدين بذلك الإرادة الشعبية المصرية، ولقد خرجت مصر من تجربتها السابقة منتصرة مرفوعة الرأس.
إن المحاولات الأجنبية للتدخل فى اختيار حكام الشعوب مرفوضة بكل المقاييس، لأن ذلك يتحدى إرادة الجماهير التى أعلنت عن رأيها وحددت موقفها فأسقطت الحكم الذى يدافع عنه الغرب الآن، والتفت حول غيره، فما دخل الولايات المتحدة أو فرنسا أو إنجلترا بذلك؟!
لقد مارس الشعب المصرى حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان، وهو حق الشعوب فى اختيار حكامها والوقوف اليوم أمام اختيار الجماهير هو انتهاك صريح لحقوق الإنسان ولا يتصل بالديمقراطية من قريب أو بعيد.
كنت أتصور أن يكون تدخل القوى الديمقراطية فى جانب إرادة الجماهير وليس فى جانب الإرهاب الذى أفصح عن وجهه القبيح، حيث يقوم الآن بالتخريب والتدمير وحرق الكنائس والمنشآت العامة والتعدى على تراث البلاد الذى هو تراث ملك الإنسانية جمعاء.
إن علينا أن نأخذ من دروس التاريخ عبرة، فتاريخنا الحديث يؤكد أن النصر فى النهاية لا يكون إلا للشعب، أما من يقفون ضد الإرادة الشعبية فهم الخاسرون، وهاهم بانحيازهم لقوى الإرهاب يخسرون احترام الجماهير، وتلك بداية لخسارة مصالحهم ليس فى مصر وحدها وإنما فى المنطقة كلها كما حدث من قبل.
إن تلك فترة فاصلة فى تاريخنا تظهر العدو من الصديق، وهى فترة اختبار للغرب الذى لن يفيده كثيراً الاحتماء بمجلس الأمن بعد أن اتضح إلى أى جانب ينحاز.
مأساة أردوجان مع ٣٠ يونيو
رفعت السعيد – المصري اليوم
عندما أصدر داود أوغلو كتابه الشهير الذى حدد فيه استراتيجية تركيا تجاه الجيوغرافيا المحيطة محدداً الهدف «صفر مشاكل» [طبع ١٣ مرة فى الفترة ٢٠٠١- ٢٠٠٤] كان قد كرس سياسة تركية جديدة تخيل معها أردوجان إمكانية تحقيق شبكة من الأهداف منها: تكريس محاولات تكرار الخلافة العثمانية بصورة حديثة تستجمع الحزام السنى المحيط بالمتوسط على الأقل استعداداً للتمدد للمجال الأسيوى. ومنها ضمان مجال للنفوذ الاستراتيجى عبر ممرات الملاحة فى المتوسط ومسار خطوط أنابيب الغاز والبترول والوجود فى مفاصل التحكم مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، لكن هذا المخطط اصطدم بعده عقاب منها: اليونان فهى الأقرب إلى الاتحاد الأوروبى فى المنسوب الحضارى والدينى وهى التى تملك سواحل وجزرا تتحكم فى مفاصل الملاحة وأنابيب البترول والغاز بالمتوسط. وتمتلك وفق توقعات غرب احتياطى غاز يصل إلى تريليون قدم مكعب وبتمويل غربى يمكن لليونان أن تنهض خلال ١٠ سنوات فتصبح طرفاً عنيداً. وقبرص والقسم اليونانى فيها معاند وهى تتمتع بموقع جغرافى فريد فهى المنتصف تماماً بين شمال المتوسط وجنوبه وشرقه وغربه فتصبح وثيقة الصلة بمفاتيح المواصلات البحرية وأنابيب البترول والكابلات، وهى أيضاً موعودة برصيد هائل من الغاز وتمتلك عناداً بسبب قبرص التركية. وسوريا كانت دوماً رصيداً قريب المنال، لكنه معاند، وقبل ثلاث سنوات قال أوغلو إن العلاقة بها تشبه تمرينات المصارعة بين وزنى الثقيل والخفيف. وروسيا بتطلعاتها لمياه المتوسط وغازه وقاعدتها البحرية فى اللاذقية. ومصر.. كانت تمثل بالنسبة للأردوجانية عبئاً فهى الدولة الأهم وهى الأزهر ولا إمبراطورية عثمانية بدونها ومع الحكم الإخوانى تجددت المطامع فأجبرت على التخلى عن علاقات كانت حميمة مع اليونان وعن اتفاقية لتحديد حصص الغاز فى مياه المتوسط مع قبرص، وتراكمت العلاقات التجارية المشبوهة بين تركيا والإخوان. واقترب حلم أردوجان من التحقق. إمبراطورية عثمانية ونفوذ متوسطى وتحكم فى مفاصل المواصلات وأنابيب الغاز والبترول.
ولكن ٣٠ يونيو المصرى بدد أوهام أردوجان العثمانى فمصر غير الإخوانية ستستعيد علاقاتها اليونانية والقبرصية التاريخية ومن منطلق تشعله تصرفات أردوجان العدائية. وتتبدد أحلام أردوجان فى سوريا عبر تصرفات غشيمة ربما كانت بأوامر قطرية، فالأحباء الإخوان هناك يتوارون وتنشأ إمارات صغيرة يتحكم فيها إرهابيون متشددون كفروا خروج المرأة غير المحتشمة وحرموا أكل الكرواسون لأن شكله يعطى إيحاءات جنسية، فيكون هذا الجنون عنصر إدانة من جانب الأتراك العقلاء للأردوجانية الطائشة. وحماس الطفلة المدللة تتجه نحو إيران وحكم الغنوشى يرتجف والحليف السودانى يوشك على الانتهاء والمعارضة التركية تنهض لتضعه فى مأزق.
وهكذا فإن حلم داود أوغلو لم يلبث وتحت التصرفات البلهاء لأردوجان أن ينقلب وبدلاً من «صفر مشاكل» يصبح «صفر هدوء» فقد كان ٣٠ يونيو علامة فارقة، فالشعب المصرى مفرط الذكاء أدرك أن مرسى لا شىء. وأن تحالفاته العثمانلية هى تحالفات ملوثة بالمصالح الشخصية والفساد والإفساد وأن شركاءه فى التأسلم من الغنوشى والبشير وحتى أردوجان إلى زوال.
ولهذا فإنه إذا كان المعتاد أن يهتف المعارضون يسقط الحاكم فإن الشعب المصرى العظيم هتف يسقط الحكم.. يسقط حكم المرشد- الإخوان ملهومش أمان- الإخوان خرفان. فسقط الهيكل المتأسلم من أساسه. وإذا كان الإخوان قد تعرضوا لمحن كثيرة بسبب اكتشاف الحكام لجرائمهم فهذه المرة تكون أشد مرارة، فالهجوم يأتى من الشعب كله. وهم مع ذلك يعجزون عن فهم الحقيقة، فالغباء المتأسلم يصور لهم خيالات مريضة ومنها أن الملائكة ستهبط لتدافع عنهم ناسين الحديث الشريف الذى ينطبق على جميعهم فى مصر وتركيا وتونس والسودان وهو «لا يؤم رجل أناساً هم له كارهون. ويتميز أردوجان بمزيد من الكراهية إذ أحاط نفسه بسوء سياساته بحزام من الكراهية سواء فى امتداد الشرق الأوسط أو الخليج أو المتوسط. إنه فعلاً «صفر ذكاء».
السيد الرئيس أوباما
علي سالم – الشرق الأوسط
حدث أمر غريب في حياتي، غريب ومؤلم، أن أجد نفسي في المعسكر المواجه لك، أو بمعنى أكثر دقة، أن أجدك تقف في المعسكر المضاد لحرية المصريين. على الرغم من كل ما تحفل به بياناتك هذه الأيام من حرص على توازن الكلمات وليس المعاني، غير أنها جميعا لا تقنعني بأن أوباما الذي أعرفه هو نفسه أوباما الذي يحاول خدمة سيدين أو في أفضل الظروف تحول إلى مشجع لفريقين. وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن المعلومات الكافية عما يحدث في بلدي لم تصلك بعد من مصادرك في القاهرة. وأرى أنه كان يجب عليك أن تنتظر لأسبوعين قبل أن تنضم كأقوى رئيس على الأرض إلى جماعة الإخوان المصرية، وهو الموقف الذي فشلت كلمات بياناتك المتوازنة في إخفائه. أرجو أن أكون على خطأ، بل أبتهل إلى الله ألا تكون هذه هي الحقيقة، غير أني أزعم أنني صادق في شيء واحد، هو أن أعلن لك أن هذه هي فكرتي التي كونتها عن موقفك.
هناك حرب دائرة في مصر بين المصريين في ناحية وجماعة الإخوان في الناحية الأخرى، يدافع فيها المصريون عن حقهم بأن يعيشوا بغير حكام طغاة، وتهدف فيها جماعة الإخوان ليس للعودة إلى الحكم لأنهم يعرفون، وأنت تعرف، أن ذلك أمر مستحيل، ولكنهم يحاربون ما تعرفه الحروب باسم الأرض المحروقة، أي أن يشعلوا النار في كل شيء في مصر انتقاما من المصريين لأنهم تمكنوا من حرمانهم من الاستمرار في حكمهم بذلك القدر من الجهل والاستبداد الذي لم تعرفه مصر من قبل.
ماذا تريد أميركا؟ هل هي غيرة على الديمقراطية؟ أي أنكم اكتشفتم أن الديمقراطية أصيبت إصابة جسيمة في مصر فقررتم علاجها.. أم هي غيرة على الحرية وحقوق الإنسان؟ أم هي رغبة قوية لا نعرف سببا لها لمساعدة جماعة الإخوان؟ المشكلة أن الأمور اختلطت في عقول الكثيرين إلى الدرجة التي أنستهم أن هذه الجماعة ليست تنظيما سياسيا أصلا، تماما مثل تلك التنظيمات الشهيرة عندكم التي قادها الأب جيم جونز وديفيد قورش، غير أن المصريين سمحوا بوصولهم إلى الحكم بنسبة تصويت قليلة نتيجة لأن الديمقراطية ذاتها كانت جديدة علينا، وكانت عقولنا جميعا ملتهبة تفتقر إلى ذلك الهدوء اللازم للاختيار.. ترى ما هو المطلوب منا أكثر من الاعتذار، حسنا أيها العالم الديمقراطي، نعتذر لك كما نعتذر لأنفسنا؛ لقد أخطأنا عندما اخترناهم فاسمحوا لنا بتصحيح موقفنا.
نحن في طريقنا يا سيدي الرئيس إلى الحرية والديمقراطية، سيكون لدينا دستور حقيقي مستقر وأحزاب تعمل بالسياسة وتقف على الأرض ولا تزعم أنها قادمة من السماء. وسيكون الثمن المدفوع من دماء الضحايا كبيرا غير أن كل مصري لن ينسى ذلك، سيذكر في كل لحظة يستمتع فيها بالحرية، أن زملاء ومواطنين له قد دفعوا أرواحهم ثمنا لذلك.
سيدي الرئيس، أرجوك.. انتظر قليلا إلى أن تصلك المعلومات الموثقة من مصادر معلوماتك في القاهرة.. لا أريدك أن تكتشف فجأة أنك تساند جماعة من القتلة الذين يمثلون بجثث ضحاياهم.
خيبة واشنطن في مصر
مصطفى زين – دار الحياة
كانت الولايات المتحدة مطمئنة إلى تولي «الإخوان المسلمين» الحكم في مصر، وإلى مشروعهم. بدا لها لوهلة أن هذا المشروع يسير بخطى ثابتة ليكون أساس الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إلى بنائه. وليس أفضل من تولي الإسلاميين السلطة في دولة أساسية مثل مصر لتنفيذ هذا المشروع.
بنى الأميركيون استراتيجيتهم على أرضية اعتقدوا أنها صلبة، فالمنطقة إسلامية، والتوجهات الدينية والطائفية فيها تتصاعد منذ عشرات السنين. وقد أثبت إسلاميو تركيا أنهم حلفاء يعتمد عليهم في اللحظات الحرجة. خلافهم مع إسرائيل كان عابراً وظفوه للتقرب من الشعوب العربية، محافظين على التعاون العسكري والإستخباراتي مع الدولة العبرية. أما «إخوان» مصر فاجتازوا امتحانات كثيرة، قبل أن يصلوا إلى الحكم في القاهرة، من خلال لقاءات كثيرة عقدوها مع مسؤولين في البيت الأبيض. وبعد وصولهم إلى الحكم أكد رئيسهم محمد مرسي أنه كان يعمل خبيراً في وكالة الفضاء «ناسا» وكان فخوراً بذلك. ومعلوم أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تأتمن أحداً على أسرار الوكالة إلا إذا كانت متيقنة من ولائه مئة في المئة. وسواء صحت روايته أو كانت للتباهي يبقى هدفها إثبات وحدة الهدف مع الأميركيين.
واجتهد «الإخوان» خلال سنة من حكمهم على تعزيز ثقة واشنطن بهم، حافظوا على اتفاقات كامب ديفيد مع إسرائيل. واجتذبوا «حماس» إلى المحور المعادي لإيران وسورية. وأصبحوا، إضافة إلى حركة «النهضة» في تونس، ركيزة أساسية للتعاون الأميركي الإسلامي (بالمعنى السياسي للكلمة) في الشرق الأوسط.
لكن الأميركيين، بعد الأحداث الدموية في مصر، أدركوا أن رهانهم لم يكن في موقعه، فالشعب خرج بالملايين للإحتجاج على سياسة «الإخوان»، وعلى احتكارهم السلطة ومحاولاتهم فرض مفهومهم السياسي للإسلام وإخضاع كل مصري لامتحان يومي لإثبات ولائه لهم. أي أنهم حاولوا احتكار السلطة من خلال فهمهم للإسلام، وفرض هذا الفهم على الجميع، مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
الإنتكاسة الأميركية في مصر عبر عنها الرئيس باراك أوباما الذي قطع إجازته لينذر الجيش المصري إنذاراً اولياً فألغى مناورات «النجم الساطع» المشتركة، مبقياً على المساعدات المالية في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في القاهرة، فإذا حافظ الجيش المصري على سياسته المعهودة منذ السادات إلى عهد مبارك، أبقت واشنطن على هذه المساعدات، وربما زادتها، وإلا حجبتها واتخذت خطوات أخرى أكثر «عداء»، وقد بدأ الكونغرس والصحافة التمهيد لذلك بالضغط على البيت الأبيض.
لكن على رغم كل ما تتخذه أميركا من خطوات، مؤيدة أو معارضة للجيش، تبقى التطورات الداخلية هي الأساس. والمهم أن لا يتحول «الإخوان» إلى العنف والعمل السري لأن ذلك يستدعي تدخلاً أوسع للولايات المتحدة وغيرها ويحول مصر إلى سورية أخرى.
بين الجيش و «الإخوان» تختار واشنطن الأكثر التصاقاً بسياستها وليس الأكثر ديموقراطية.
تهديد الإخوان للغرب بالعنف!
عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
يكاد معظم التعليقات الغربية المحذرة من إقصاء الإخوان من الرئاسة في مصر تجمع على الشعور بان جماعة الإخوان في يدها مفتاح الإرهاب، هي من يشعله وهي من يطفئه!
ولا أفهم كيف استنتج الغرب أن جماعة الإخوان فعلا يديرون تنظيم القاعدة، أو يملكون مفاتيح الفتوى الدينية السياسية الموجهة للجماعات المسلحة، أو أن وجودهم في الحكم ضمانة الإرهاب في العالم!
الحقيقة ان هذا هراء، فلا الإخوان استطاعوا في زمن أسامة بن لابن، ونشاط «القاعدة» المنظم، فرض كلمتهم ولا نجحت علاقاتهم بوقف شيء من العنف، ولم ينجحوا قط في دعم القاعدة» في أي من عملياتها، وكان الإخوان يفاخرون بأنهم يمثلون النصف الآخر من الإسلاميين الحركيين.
العنف المستمر منذ التسعينات يقوم به جماعات إسلامية متطرفة تعبر عن نفسها، وأفكارها، وبرنامجها، ولها قياداتها، وأتباعها، ووسائل دعوتها ودعايتها. ولا يمكن الخلط بينها وبين الإخوان المسلمين في مصر، أو الجبهة القومية الإسلامية في السودان، أو حركة النهضة في تونس، أو غيرها من الجماعات السياسية المنخرطة في العمل الحركي. «القاعدة»، وبقية الجماعات الجهادية لا تعترف بالإخوان وأمثالها من الحركات السياسية، التي تعدّها متواطئة مع الأنظمة.
الجانب الآخر، لماذا يعتقد الغرب ان على العرب، والمسلمين، القبول بجماعات سياسية مهما ارتكبت من تجاوزات للحقوق وسعت للهيمنة على المؤسسات، ويجب السكوت عنها والتنازل لها، كما حدث في مصر، فقط لان الغرب يخاف إغضابها خشية الإرهاب الذي يمكن ان تحرض عليه؟ لماذا هذا الاستعداد للتنازل لهم نتيجة ابتزاز قياداتها للغرب؛ إما الاستجابة لمطالبها أو العنف ضدكم! وهذا ما حرصت قيادات تتحدث باسم جماعة الإخوان في مصر، سعت لتضخيم تهديداتها على القنوات الناطقة بالانجليزية لإسماع الجالسين في العواصم الغربية.
أعظم أخطار تنظيم الإرهاب يأتي من الجماعات المنتمية لـ«القاعدة» في سوريا اليوم، وهذه ليست مرتبطة لا بالجيش السوري الحر الذي يقاتل ضد نظام الأسد، ولا ترتبط بأي رابط مع الإخوان المسلمين سواء في سوريا أو مصر أو غيرها. ولا علاقة للجماعات الجهادية المسلحة في ليبيا والجزائر، هي الأخرى، بأي من الأحزاب الإسلامية في هذه الدول.
ان الغرب، عندما يساند الإخوان المسلمين في مصر اليوم، ويطلق التصريحات المتضامنة معهم، إضافة إلى نية الاتحاد الأوروبي عقد اجتماعه الأسبوع المقبل أيضاً لهذا الغرض، فإنه يتسبب في خلق مشكلتين؛ الأولى، انه يساند القيادات المتطرفة داخل الإخوان التي ورطت الجماعة بممارساتها التي لم تراع قواعد الحكم وكل همها كان الهيمنة على الدولة. وهناك قيادات كبيرة، مثل عبد المنعم أبو الفتوح، انشقت عن الإخوان بسبب تطرف قيادتها. في حين المتوقع ان يدعم العالم، لا الغرب وحده، دفع القوى الإخوانية نحو تأييد قيادات معتدلة شبابية وتاريخية، وليس مثل المرشد الحالي وخيرت الشاطر والبلتاجي وصفوت حجازي وبقية المتطرفين. والمشكلة الثانية، تخريب أي إمكانية للتصالح سياسيا، حيث يشعر المتطرفون أنهم قادرون على فرض حل على المصريين من الخارج.
أخيرا، ان الرضوخ لابتزاز الجماعات المتطرفة، لم ينجح في الماضي في تعديل سلوك هذه الجماعات، ولن يفلح اليوم، بل سيعزز أصوات الإرهاب التي ترى ان الغرب مستعد للتنازل لها في اكبر دولة عربية! هذه جماعات فاشية تريد إخضاع المنطقة لما هو أسوأ مما يظن الغرب انه يعرفه، فكيف سيكون الحال معها وهي تحكم مصر غداً، بشروطها؟!
عندما يُفرح الإخوان قلب تل أبيب!
سوسن الأبطح – الشرق الأوسط
كل المؤشرات بعد فض اعتصامي «النهضة» و«رابعة العدوية» تشير إلى أن مصر دخلت مرحلة صعبة ومعقدة. ما قبل إنهاء الاعتصامات ليس كما بعده. دماء أكثر من 400 قتيل وما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة جريح، ستزن ثقيلا على أم الدنيا.
يصر الإخوان على أنهم ماضون في الاعتصامات، وتدل أعمالهم على أنهم لن يتوقفوا عن إحراق الكنائس ومهاجمة جنود الجيش ورجال الشرطة، وحتى إضرام النيران في المؤسسات. موجة من العنف والتخريب قد تكون، على الأرجح، أسوأ مما شهدته مصر في عهد مبارك بين عامي 1992 - 1998، حين هاجم الإخوان رجال الأمن والأقباط ولم يسلم منهم السياح الأجانب ولا الكنائس. ورغم القبض على عشرات الآلاف من المنتمين لتنظيم الإخوان، في تلك الفترة، فإن إسكات العمليات التخريبية، استغرق ما يزيد على ست سنوات.
الوضع اليوم أكثر احتداما وتفجرا. المنطقة كلها تحترق. الديكتاتوريات تتهاوى واحدتها بعد الأخرى، وتحل مكانها الفوضى والاقتتال الأخوي المسلح. لا بد أن أوباما يعرف عما يتحدث حين يقول إن «مصر تسلك طريقا خطرا»، وتحذر الدول الغربية من مغبة العنف المتصاعد. دول لم تكن مواقفها، مما يحدث في مصر، عفيفة أو نظيفة، لكنها تقرأ جيدا، وتعي كم الفخاخ المنصوبة للشعب المصري.
الدماء تجر الدماء، والعنف لم يعد من طرف واحد. الهجوم على الجيش المصري في الصحف الغربية التي تضامنت مع حكوماتها، واتهامه بالعنف المفرط، لم يقابله أي استنكار لظهور أفراد من الإخوان بالرشاشات، واستخدامهم للرصاص الحي وقنابل المولوتوف لقتل أكثر من أربعين عسكريا وجرح ما فاق المائتين. ما دار بين قوات الأمن والإخوان في ساحات الاعتصام وحولها من معارك فعلية، أثبت أن زمن السلمية، في الثورة المصرية قد انتهى، والمرحلة المقبلة مسلحة ومن وراء الأقنعة.
أخطأ الإخوان، وهم غالبا ما ينحرهم تعنتهم، ويأخذون شعوبهم بجريرتهم، حينما قرروا أن مصر باتت ملكيتهم بمجرد أن فازوا بصناديق الاقتراع، وأخطأوا مرة ثانية حين لم يسمعوا الاحتجاجات الشعبية المتعاظمة ضدهم، وتركوا الوضع يذهب إلى الانفجار، وأخطأوا مرة ثالثة عندما ظنوا أن الجيش وعلى رأسه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي سيعجز عن لي ذراعهم وفض اعتصاماتهم، لمجرد أن وفود الدول الغربية تقاطرت لنجدتهم. ولم يفهموا خطورة ما يجرون إليه بلدهم حين رفضوا أي حل لا يعيد المخلوع محمد مرسي إلى سدة الرئاسة، ويعطيهم أكثر مما هو ممكن شعبيا.
سياسة الدماء المسفوكة، التي يحاول الإخوان تسلقها، واستعطاف الجماهير بها، لا تجرهم وحدهم إلى الجحيم، بل تجر من يناوئهم إلى تشدد وتعصب وتطرف مقابل، وهنا بيت الداء.
لم يعد خافيا أن جماعات الإسلام السياسي المتطرف، تمارس اللعبة نفسها بالأدوات عينها من ليبيا مرورا بمصر وسوريا ولبنان وصولا إلى العراق. الثورة المصرية، للأسف، لم تعد الاستثناء المضيء في الربيع العربي، الذي تغنى به أوباما حتى كاد يكتب شعرا.
المشهد المصري بإخوانه المسلحين المقنّعين، الذين يركبون الدراجات النارية، ويقطعون الطرقات بالإطارات المشتعلة أو الحواجز الإسمنتية، ويضرمون النيران في المباني، ويهاجمون من يخالفهم الفكر، ثم يستصرخون العالم لإنهاء مظلوميتهم، له ما يشبهه في دول عربية عدة. مقابل هذا النموذج ينمو رفض مقابل من أكثرية تستنكر احتكار الدين من فئة بعينها. الحملة ضد الإخوان في مصر خرجت عن موضوعيتها وجنحت. استخدام بعض التلفزيونات لألفاظ مثل «مجرمين» و«جزارين» و«سفاحين» لوصف فئة من المصريين، يجعل أي مصالحة وطنية شاملة ضربا من المستحيل على المدى المنظور.
قيادات الإخوان في السجون، هجوم أنصارهم المسلح على رموز الدولة ومؤسساتها لا يبدو أنه سيتوقف، الحملة ضدهم تتصاعد، الهوة بين المصريين باتت سحيقة، وحالة الطوارئ من المستبعد أن ترفع خلال شهر. الأوضاع كما هي اليوم، لا تنبئ بأن ما وعد به الفريق عبد الفتاح السيسي من خارطة طريق تعيد الديمقراطية إلى مصر، بمشاركة كل المصريين، في القريب العاجل، هو مما يمكن تنفيذه.
لا يمكن فصل ما يحدث في مصر عما يدور في كل المنطقة. الجيوش العربية وقوى الأمن، باتت أهدافا لمتشددين إسلاميين في أكثر من بلد عربي. كنا نظن أن حل الجيش الوطني بعد دخول الأميركيين إلى العراق، على يد بول بريمر، كان مجرد خطأ استراتيجي ارتكبه الاحتلال. اليوم يتبين أن التخلص من الجيوش أو على الأقل إنهاكها وتفتيتها هو من متطلبات المرحلة. ليس مهماً إن كان ضرب الجيوش العربية يأتي على يد تكفيريين أو جماعة الإخوان المسلمين، وربما مباشرة من قبل الاحتلال. وقد يقوم بالمهمة ديكتاتور طاغية كما هو الحال في سوريا.. فالأطراف العربية المستعدة للتبرع بالخراب، عن حسن أو سوء نية، صارت بين العرب أكثر من أن تحصى. وبينما يتساقط القتلى في بيروت ودمشق والقاهرة وطرابلس وبغداد، يوميا وبالمئات، وتتلقى الجيوش العربية الوطنية ضربات موجعة، تتراقص تل أبيب نشوة ويرتاح قلبها أمنا وطمأنينة لمائة سنة مقبلة.
النيل الأحمر ينزف: فشل «أخونة مصر»!
عادل مالك – دار الحياة
مرة جديدة تخطف مصر وأحداثها الضوء وتتقدم على كل ما عداها من تطورات المنطقة على أهميتها وخطورتها. فالنيل الاحمر ينزف بغزارة وكان لا بد للسلطات المصرية من اتخاذ موقف من اعتصام «الاخوان المسلمين» وأنصارهم في ساحتي «رابعة العدوية» و «النهضة»، فكانت المواجهات الدامية صبيحة الاربعاء الماضي. وتتضارب المعلومات حول من كان البادئ باستخدام الأسلحة لإنهاء الاعتصام.
اذ ان بعض المعلومات اتهمت السلطة بمبادرة اطلاق النار، في حين تؤكد مصادر اخرى ان القوات المسلحة من جيش وشرطة، طوقت ميدان «رابعة العدوية» عند السادسة صباحاً، حينها ادرك المقتحمون ان ساعة المواجهة دقت، فسارع بعض المرابطين في «رابعة» و «النهضة» الى اطلاق النار بمختلف انواع الاسلحة، وهذا ما يفسر سقوط عدد كبير من القوى الامنية بين قتيل وجريح. ثم تعاقبت بقية فصول الأحداث الدامـية. وفي ضوء ما تشهده مصر هذه الايام بعض الكلام الذي يجب ان يقال.
لقد اخطأ «الإخوان» اكثر من مرة بحق مصر وبحق أنفسهم. في المرة الاولى عندما وصلوا الى السلطة بعد انتظار تواصل على مدى اكثر من ثمانية عقود، ولم يتمكن محمد مرسي من تحقيق اي إنجاز يذكر لمصلحة جموع المصريين يمكن ان يسجله له التاريخ، بل على العكس هو سارع الى «تأميم» كل السلطات بشخصه في انانية مفرطة، كما عمد الى اختزال كل الصلاحيات، وكأنه عاد بنفسه وبمصر الى زمن الخلافة وعهد «أمير المؤمنين»!
لكنه تفرد في اتخاذ القرارات متجاوزاً الدستور والقوانين ولم يعثر مرسي على قاض واحد في جمهورية مصر العربية يؤيد قراراته. وسعى بشتى الوسائل الى تسليم أنصاره من «الإخوان» مناصب رئيسة، لكن ردود افعال الشعب المصري رفضت هذا المنطق منذ البداية، الامر الذي اكد صعوبة «اخونة مصر» بل استحالة ذلك.
كذلك اخطأ «الإخوان المسلمون» في اسلوب تعاملهم وتعاطيهم مع الملايين المصرية الهادرة والتي خرجت ضد مرسي وهي تصرخ «كفى»! وبعد مرور ما يقرب من الخمسين يوماً على اعتصام «الإخوان» في «رابعة العدوية» و «النهضة»، كان لا بد من القرار، بعد فشل كل المساعي التي بذلها اركان «الحكم الموقت» القائم في مصر، وفي طليعتهم الفريق اول عبدالفتاح السيسي لإنهاء الاعتصام بصورة سلمية تجنباً لمخاطر المواجهات المسلحة. لكن «الرئيس المخلوع محمد مرسي» رفض كل الصيغ والاقتراحات التي عرضت عليه، وهو في الاقامة الجبرية برعاية قوة من الجيش، وإصراره على ترداد عبارة «انا الشرعية» وكان في امكان محمد مرسي ان يجنب مصر كل ما حصل من نتائج كارثية لفض الاعتصام، اذ كان في امكانه ان يخاطب المصريين والعالم بالقول: احتراماً لرغبة الشعب المصري وحرصاً على حقن دماء هذا الشعب، ورضوخاً للإرادة الشعبية من للملايين، فإنني اعلن انتهاء حالة العصيان المدني ونمضي في المعارضة... وهذا على سبيل المثال، لأن مرسي لا يحتاج الى من يلقنه، بخاصة انه اعتاد على الظهور اليومي عبر اجهزة التلفزيون.
وكان ما كان صباح ذلك الاربعاء من الصراعات والمواجهات الدموية. لكن غرور الرجل ومبالغته في التمسك بكرسي الحكم، حالا دون تعبيره عن الزهد بالسلطة ولو لفترة معينة. والآن وبعد كل ما جرى، يطرح السؤال المحوري حول المستقبل: مصر الى اين؟
يرى بعض المتابعين للشأن المصري ان ما حدث حتى الآن وضع حداً لطموحات «الإخوان المسلمين» وتحركاتهم، لكن من يراجع مسيرة الإخوان ومسارهم العقدي والايديولوجي لا بد له من ان يخرج باستنتاج ان الاخوان لن يرضخوا بسهولة لمن كان وراء إخراجهم من السلطة، في تحرك شعبي غير مسبوق. اذ اعتدنا في العالم العربي وفي العالم الثالث بوجه الاجمال ان تكون الحركات الانقلابية بقيادة مجموعة من ضباط الجيش والقوات المسلحة. لكن ما حدث في مصر جديد في صيغة انقلابية، حيث قامت الجماهير الشعبية بالتظاهر ضد محمد مرسي و «إخوانه»، ثم طلبت من الجيش المحافظة على هذا «المكسب الانقلابي»، ومن هنا كانت حيرة المراجع المصرية والاقليمية والدولية في توصيف ما جرى:
هل هو انقلاب عسكري؟ ام هو ثورة شعبية؟ ام انتفاضة؟ وتعددت التوصيفات والنتيجة واحدة: سقوط حركة «الاخوان المسلمين» في «اخونة مصر» والعمل على إحداث تغييرات جذرية تتصل بحياة المصريين في شكل عام.
ومن المخلفات التي تركها محمد مرسي خلال فترة رئاسته لمصر والتي لم تتجاوز السنة الواحدة، وضع اقتصادي هش اضاف أعباء اضافية الى الاقتصاد المصري المتعب في الاساس. وقد لوحظت خطوات استدراكية لوقف النزيف الاقتصادي الهائل، اذ إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجّه بتحويل خمسة مليارات من الدولارات لتكون بتصرف الفريق الحاكم موقتاً بانتظار التمكن من إجراء انتخابات، كذلك فعلت الكويت (4 مليارات دولار) ودولة الامارات العربية المتحدة كذلك الامر. الآن وبعد ما حدث: ما هو التقويم العام لما ستؤول اليه التطورات في مصر؟
هناك حالة عدم رضى بصورة عامة عن استيلاء العسكر على السلطة، وفي المقابل، فإن الفريق اول عبدالفتاح السيسي يبدو في حال من التأييد والتماسك مع قادة القوات المصرية المسلحة، بخاصة ان ليس من بدائل جاهزة في امكانها ضبط الاوضاع العامة في مصر وفي طليعة الدول التي اربكتها أحداث مصر في الولايات المتحدة حيث اتضح بجلاء «أسف» واشنطن على رحيل الإخوان والرئيس محمد مرسي باعتبار ان اتفاقاً ضمنياً كان قائماً بين الادارة الاميركية في عهد الرئيس الحالي باراك اوباما، وحركة الاخوان المسلمين وذلك قبل سنتين من مجيء الاخوان الى السلطة، ولوحظ ان الممثل الاميركي (وليم بيرنز) زار القاهرة اكثر من مرة مستخدماً كل وسائل الضغط لتأمين الإفراج عن محمد مرسي، لكن محاولاته فشلت ولم تنجح تهديدات واشنطن بقطع المساعدات عن مصر في تبديل وجهات نظر الفريق اول عبدالفتاح السيسي والرئيس المصري الموقت عدلي منصور.
ان كل التحليلات والتنظيرات تفضي الى امر واضح ومحدد، هو ان مصر لن تنعم بالهدوء في الفترة المقبلة، حيث سيعمل «الاخوان» على القيام بأعمال ثأرية واسعة النطاق وعلى مستوى الجمهورية، ويخشى البعض لجوء الحركة الى استخدام لغة السلاح والعنف والتي بدأت قبل ايام وتمثلت بإحراق بعض المؤسسات سواء في القاهرة او في الاسكندرية او في سائر المحافظات المصرية واستهداف بعض الاماكن الدينية من كنائس ومساجد.
لكن «الفضيحة» الكبرى لم تأخذ حقها في التغطية الاعلامية حتى الآن ألا وهي ما يحدث في شبة جزيرة سيناء والمواجهات الدامية التى تحدث كل يوم بين قوات الجيش من جهة وأعداد كبيرة من الارهابيين الذين اقاموا لهم وجوداً دائماً في سائر أنحاء سيناء وسقط حتى الآن عدد كبير من الضحايا من القوات المصرية في سعي منها للدفاع عن الهجمات الارهابية.
اما الجانب الفضائحي منها، فهو ما ذكر عن التعاون الخفي بين «اخوان مرسي» وبعض افراد حركة «حماس»، او من زعم انهم كذلك (والعلاقة بين مرسي و «حماس» واحدة من التهم الموجهة الى مرسي والذي ستتم محاكمته على اساسها ضمن لائحه اتهامات طويلة).
وبعد...
اذا كان صحيحاً ان أحداث مصر خطفت كل الأضواء بأحداثها الدرامية، فهذا لا يلغي جراح العرب الاخرى من سورية الى تونس الى ليبيا الى اليمن الى... الى.
لكن انضمام مصر الى خريطة الأحزان العربية يزيد في الجراح الثخينة التي يرزح ضحية لها الواقع العربي العام حيث يصح القول، ولو بتصرف: لا فضل لعربي على عربي الا بمقدار حرصه على التهدئة الداخلية والوطنية في زمن جار فيه العرب على انفسهم، قبل ان يجور عليهم احد.
وفي السياق العام لمجرى الاحداث، نستطيع ان نورد التالي استناداً الى معلومات ومعطيات من جانب «المراجع الموثوقه والمطلعه» على شؤون المنطقة وشجونها.
اولاً: ان التصور العام لأوضاع المنطقة بدءاً بسورية والى سائر دول المشرق وألا يكون هناك طرف منتصر يقابله طرف مهزوم، بل المطلوب اقامة ما يمكن تسميته بـ «توازن الضعف»، وهذا يعني عملياً عدم سيطرة النظام السوري بقيادة بشار الاسد على كامل التراب السوري مقابل تزويد المعارضات السورية بما يضمن لها عدم الانهيار الكامل، وصولاً الى مرحلة «التفاوض» بين فريقين مهزومين، او بين فريقين غير منهزمين بالكامل.
ثانياً: لا تزال حالة الإرباك الشديد تخيم على الادارة الاميركية لتحديد موقفها مما يجري في المنطقة، اذ اكدت التجارب ان كل ما اعده الرئيس باراك اوباما بشأن منطقة الشرق الاوسط قد مُني بالفشل.
وسعى الرئيس الاميركي منذ «نشوب موجة الربيع العربي» ان يظهر وكأنه احد عوامل التغيير، ومع تقدم الزمن تأكد لواشنطن فشل رهاناتها فدفعت تهمة الفشل عنها بالقول: «ان ثورات الربيع العربي لم تأت بقيادات جديدة حكيمة»، بل بـ «وجوه غير ناضجة» على حد تعبير احد اعضاء مجلس الامن القومي الاميركي.
ثالثاً: ان تأجيل عقد القمة الاميركية-الروسية بين اوباما وبوتين، احد اسبابه الخلاف بين واشنطن وموسكو على اتخاذ موقف موحد من الوضع في سورية. وعلى رغم اتهام الرئيس الاميركي لزميله الروسي بأنه يعمل على اعادة فصول الحرب الباردة بين العملاقين، فإن موقف موسكو من احداث سورية قدم غطاء فعلياً لنظام الرئيس بشار الاسد، كما ضمن لروسيا موطئ قدم ظاهراً في المنطقة يؤسس لوجود روسي متزايد مع سباق المصالح القائم.
ويقول وزير خارجية روسيا وسورية، الى حد بعيد، مداعباً الرئيس الاميركي: «ان إلغاء اجتماع القمة الذي كان متوقعاً بين اوباما وبوتين قد تأجل ولم يلغ»، ويضيف: «لا بد لأي فريق يود العبور او المرور من سورية، لا بد له من الحصول على تأشيرة دخول روسية».
رابعاً: وفي العودة الى احداث مصر، فالامر المؤكد ان وجود حركة «الاخوان المسلمين» في السلطة انتهت بنتائج كارثية كذلك، فإن تحرك الاخوان لن يكون هامشياً وسيشكل عبئاً كبيراً على الحكم الآتي الى مصر، سواء خلال الفترة الانتقالية او ما تبع ذلك.
ولأن لموقع مصر الكثير من الأبعاد العربية والاقليمية والدولية، فسيكون هذا احد العوامل التي يجب اخذها في الحسبان في كل التحركات القائمة في المنطقة. ولعل في هذا السياق يمكن فهم طلب رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان عقد اجتماع عاجل لمجلس الامن لمعالجة الاوضاع في مصر.
احداث مصر هزت المنطقة وستهز الاقليم وما ابعد.
«الشرعية» في الديمقراطيات المكتملة
عادل درويش – الشرق الأوسط
تعليقات الإخوان، في «فيس بوك»، ومواقعهم ورسائلهم على مقالة الأسبوع الماضي تركزت على نقطتين؛ رفض أي مناقشة خارج شرطهم بعودة «الشرعية» برئاسة الدكتور محمد مرسي لأنه «منتخب».. والثانية تجاهل أسباب إصرار واشنطن - لندن - بروكسل على دعم حكومة إخوان إسلامية، أو - بعد ثورة 30 يونيو - إدخالهم في حكومة ائتلافية مصرية، باتهامي «بربط الإخوان بالغرب الاستعماري» من دون أدلة.
النقطة الأخيرة لم تكن رأيا أطرحه، بل جهد تجميع محاضرات، ومحاضر ورش عمل/ حوارات مغلقة off the record في معاهد استراتيجية وخزانات تفكير thinktanks.
الدراسات (التي تمول معاهدها مصالح تجارية ولوبيات سياسية) تضاعفت بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، تركزت على إقناع صناع القرار بتقسيم الإسلام السياسي إلى معسكر الاعتدال - متوقعين أن يسير في الطريق الديمقراطي (أي النموذج التركي)، ومعسكر الجهاديين مستصدري فتاوى تسمي الإرهاب «جهادا» وتكفر الخصوم. لم تقدم الدراسات دليلا واحدا قانونيا أو ماديا على أن جماعات كالإخوان أو تنظيمها الدولي نبذوا الإرهاب وراجعوا تاريخهم الدموي في بيان مسجل من دون لف ودوران واستثناءات (إذا كانت خصومتهم مع الجيش والداخلية وما يسمونه بالانقلاب، فلماذا هاجموا وأحرقوا 45 كنيسة بعضها تراث ثقافي عالمي في سجلات اليونسكو، وقتلوا وجرحوا مصريين مسيحيين)؟
الدراسات المحايدة (غير الممولة تجاريا أو حزبيا) اكتشفت أن «الاعتدال» و«التطرف العنيف» وجهان لعملة الإسلام السياسي نفسها، تكتيكان لاستراتيجية هدم الدولة القومية المدنية، وتفكيكها إلى إمارات إسلامية لدولة الخلافة، بمفهوم ولاية الفقيه لتنفيذ مشيئة الله على الأرض.
وتحت الدراسات نفسها تأتي مجموعتان؛ الأولى روجت دراستها أن القوى التي ستستولي على السلطة بسهولة، عقب ثورة أو بالانتخابات هي الإخوان المسلمون (تحت أسماء أخرى في ثقافات بلدان غير مصر)، واستخدمت في البداية من الساسة لدعم الدكتاتوريات خشية البديل، ثم العمل على دعم هذه الجماعات بعد انتفاضات 2011.
الثانية تركز على منع إيران من تصدير الإرهاب وتهديد السلام والاستقرار عبر جماعات تنشط لتحريك الشيعة، بحلف من حكومات إسلامية، إحياء لنظريات الحرب الباردة كالأحلاف والمحاور وسياسة الاحتواء (كالأطلسي NATO، ووارسو، وبغداد، وتحالف غرب أوروبا WEA، وتوازن إسرائيل عسكريا مع بلدان الحدود مجتمعة، والاحتواء المزدوج dual containment للعراق وإيران... إلخ).الباحثون معي جمعوا هذه الدراسات فخرجوا بملخص يطابق تطور القرار السياسي في واشنطن ولندن في إدارة أوباما: صفقات مع حكومات إسلامية «معتدلة» لاحتواء الجماعات الإرهابية و«القاعدة».
راجت شعبية فرنسا وبريطانيا بالمساعدة في الإطاحة بالكولونيل القذافي، لتكمل انتفاضات 2011 فرصة أوباما للخروج من مأزق تهمة ازدواجية المعايير بمحاضرات الديمقراطية بينما تؤيد الدكتاتوريات عمليا.
لكن أوباما، وتبعته لندن وباريس، قبل خرافة الوجه المعتدل للإسلام السياسي (راجع مقالات سابقة عن لقاءات تنسيق العمل بين السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون وزعماء الإخوان غير المنتخبين كالمرشد العام ومكتبه قبل أية لقاءات أجرتها مع نواب الإخوان المنتخبين للبرلمان المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011). في تقريرها صباح الخميس قالت مراسلة «بي بي سي» من واشنطن (ولها خبرة سنوات في عواصم المنطقة، وتتحدث العربية بطلاقة) إن تطبيق هذه النظرية (إسلام معتدل في الحكم يكبل أيدي الجهاديين) في باكستان أدى إلى فقدان الأميركيين نفوذهم في باكستان، وقد فقدوا معظمه الآن في مصر وتدهورت العلاقة، ولذا لم يستخدم أوباما كلمة «انقلاب» في كلمته يوم الخميس لإدانة العنف، حتى لا يمنح الكونغرس مبرر قطع الدعم العسكري لمصر، ويفقده آخر أمل في إصلاح العلاقة مع الحكومة المتوقع انتخابها في فبراير (شباط) المقبل.. (أدركت المراسلة مدى الاحترام الذي يتمتع به الجيش المصري كمؤسسة الدولة الباقية بلا أدلجة).
أما عن مسألة الشرعية والديمقراطية فلا حاجة للخوض في البديهية التاريخية بأن كل أدبيات الإخوان ترفض الديمقراطية بشكلها البرلماني كبدعة غربية تتناقض والشريعة (الإخوان يتجاهلون الانتخابات البرلمانية ويركزون فقط على شرعية انتخاب الرئيس الفرد - كالولي الفقيه أو زعيم الخلافة - أي أن الانتخابات مجرد وسيلة لتطبيق الشريعة بتطويرها لقوانين تفصل على مقاس آيديولوجيا الإخوان)؛ فقط أسوق أدلة تاريخية عملية لديمقراطية ناجحة ومستقرة. حسب العلوم السياسية لا يمكن لعاقل أن يختصر الديمقراطية كأسلوب حياة سياجتماعية، ونظام حكم إلى مجرد الانتخابات (وخطة الجماعة ومرسيهم أخونة مفصليات الدولة والمجتمع لتصبح كإيران فيستحيل على أي سياسي من خارج الاحتكار الإخواني الترشح عندما تحل الانتخابات القادمة بعد أربع سنوات، وهو ما يقصدونه بالشرعية).
ديمقراطية بريطانيا الأقدم والأكثر استقرارا في العالم، لم تكتمل بشكلها الحالي إلا في القرن الـ19 في Reform Act 1832 أو قانون الإصلاح السياسي (وانتظرت النساء قرابة 90 عاما أخرى ليحصلن على حق التصويت) وتعديلاته 1867 و1882، لكن سبقتها قرون من ثلاث مؤسسات كانت الدعائم التي اكتمل فوقها البنيان الديمقراطي البرلماني.
صحافة حرة، بسبب أنها إما فردية وملكية خاصة وليست للأحزاب أو الدولة، وموجودة في البرلمان قبلها بقرنين.
ثانيا: مؤسسة حكم القانون (بقضاء مستقل) منفصل عن الدولة والمؤسسة الدينية، بتراكمات أحكام قضائية تعود إلى العصر الساكسوني قبل 12 قرنا.
ثالثا: وثائق لها قوة الدستور لحماية حقوق الإنسان كفرد، وليس كهوية ثقافية ضمن جماعة أو عشيرة أو طائفة دينية أو عرقية، بل فرد له حقوق الملكية وحرية التعبير والفكر والاعتقاد وتغيير الدين. وثائق كالمجناكارتا 1215 (قبل قانون الإصلاح بألف عام) وقانون الحقوق المدنية 1699. أي تقاليد حماية حقوق الإنسان بالقانون. ولقرون قبل قانون الإصلاح، تجد شكل مجلسي العموم واللوردات يضع المقاعد في صفوف متقابلة، الحكومة على يمين منصة الرئيس speaker والمعارضة على يسارها.. فلا يمكن لحكومة مهما كان حجم أغلبيتها البرلمانية أن تتخذ قرارات صحيحة في مصلحة الأمة بلا معارضة قوية بحكومة ظل لديها مشاريع قوانين بديلة وميزانية بديلة.
غابت هذه التقاليد من مصر بعد انقلاب الضباط الأحرار، وأصبح البرلمان مثل قاعة محاضرات يلقي منه رئيس الدولة أو الحكومة الدروس، ليس نزال جدل بين حكومة ومعارضة.
ولذا فالحديث عن «شرعية» انتخاب مرسي كنهاية النشاط الديمقراطي إلى أن يحل موعد الانتخابات القادمة ليس حقا يراد به باطل بل مغالطة تاريخية.
خطاب الكراهية الإخواني والخطاب المضاد
عمر كلاب – الدستور الأردنية
استعارت الجماعة الاخوانية الاردنية حنجرة شقيقتها المصرية في هتافات الامس , بعد ان رحلت عيونها الى القاهرة منذ نهاية حزيران الماضي وأعادت نشر اعلامها في سماء المظاهرات , وكل ذلك يقول بوضوح “ الاخوان اولا “ و اوامر مكتب الارشاد تسبق اي أمر , مُواصلة الجماعة الاخوانية عجزها عن الاستفادة من اللحظة الراهنة لتصويب اخطاء المرحلة السابقة , بإرسال رسائل تطمين الى التيارات والقوى السياسية الاخرى التي تشاطرها –على الاقل - الموقف من فض الاعتصامات في رابعة والنهضة بالقوة ولا تطمئن لشكل الحكم الحالي في مصر وترى فيه اعتداءً سافرا على مخرجات صناديق الاقتراع التي اوصلت مرسي كمرشح للجماعة الى الحكم ولم توصل الجماعة الى الحكم والفارق شديد بين المنطقتين.
منذ فض الاعتصامات بالقوة في القاهرة استحضرت الجماعة خطاب العداء والكراهية في الرد على العنف الشُرطي في فض الاعتصامات , بل ان زكي بني ارشيد نائب المراقب العام للجماعة ربط مكانيا وزمانيا بين ارض غزوة أُحد وارض واعتصام رابعة نظرا لتقارب الحدثين زمانيا – فقد تشاركت احداث رابعة والنهضة مع ذكرى غزوة احد – , قائلا : “ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار “ , وهي نفس العبارة التاريخية التي اطلقها الفاروق عمر في الرد على تبجّح ابو سفيان بعد هزيمة المسلمين في احد , وبالقطع زكي ليس الفاروق ورابعة ليست احد , كما ان القتلى من الطرفين هم من خندق الاسلام الواحد وخسارة للجميع ودمهم حرام على الجميع.
الربط خطير في مضمون المحتوى العقلي لقيادات الاخوان التي ترى في نفسها وريثة الحكم الراشد في مرحلة الخلافة , وحاملة لواء صحيح الاسلام , وليست فصيلا سياسيا يلبس رداء الدين , اسوة بأحزاب اخرى وشخصيات سياسية كثيرة والاهم اشتراك الجميع في الاسلام اما كعقيدة دينية او كثقافة مجتمعية بالنسبة للمواطنين الاقباط في مصر والمواطنين المسيحيين في الاردن وعليه لا يجوز احتكار الدين او صحيحه , لأن ذلك اقلق كثيرين من وصول الجماعة او رموزها الى الحكم بحيث وفرت قوى سياسية وكتل بشرية دعما للانقلاب على مرسي ووفرت دعما لفضّ الاعتصامات بالقوة وما رافقها من دماء عزيزة ستبقى وصمة على جبين قاتلها , خوفا من انتشار وتمكين هذه الرؤية السياسية المحمولة طوعا وأمرا في اذهان اعضاء الجماعة وقيادتها .
الكراهية في الخطاب لم تعتمد مبدأ التورية او التُقيا بل ظهرت كهتاف واضح في مسيرة الجمعة بعد ان استبدل هتّافوا الجماعة اليهود بالتيار الليبرالي , قائلين : “ خيبر خيبر يا ليبرالي جيش محمد راجع تاني “ حسب تقرير الزميل محمد ابو حميد في وكالة عمون , وهو تكفير واضح لتيار عريض يقف الكثير منه على نفس المسافة مع الجماعة في رفضها لاحداث رابعة ومجزرتها في النهضة وهو ايضا تأليب وتهديد ضد التيار الليبرالي ووضعه في خانة العداء اسوة بالصهاينة الغاصبين , وتأكيد بأن ما قاله بني ارشيد تعبير عن واقع فكري وعقائدي عند الجماعة .
النقد لمواقف الجماعة وتصريحات قياداتها الخالية من الذكاء السياسي والبعيدة عن مفهوم السماحة والرشاد المألوفة من الجماعة في الاردن تحديدا , لا تعني بأي حال توفير ارضية لخطاب كراهية مضاد ضد الجماعة في الاردن اسوة لخطاب الكراهية المنتشر في مصر ولا تعني توفير واقع لاستقطاب سياسي حاد كما في مصر ايضا , بل هو نقد يستهدف دق جدران خزّان الوعي عند الجماعة من اجل اجراء مراجعة جادة لمنطقها السياسي وواقعها التنظيمي وتحديدا برنامجها التثقيفي والتوعوي لافرادها على كل المستويات .
الجماعة الاخوانية وحزبها جزء اصيل من نسيج المجتمع وتحظى بتأييد شعبي – صحيح انه بدأ يتراجع كثيرا لكنه ما زال حاضرا في الواقع السياسي والاجتماعي - , لذا وجب نقد خطابها المجتمعي والسياسي في محاولة لاعادتها الى الواقع السياسي الاردني بمداه العربي والاسلامي دون تطرف او احتكار للدين وصحيحه , ومن اجل توفير حاضنة سياسية واجتماعية تبقى تدافع عن حقها في المشاركة في الحياة السياسية لأن تعداد اعضاء اي حزب مهما ارتفع لا يصبح بديلا عن اطار الاصدقاء والمؤيدين , كما ان النقد لا يعني قبول العنف في مواجهة الاحزاب السياسية واعتصاماتها ونشاطاتها ولا يعني ابدا تأييد العنف وغسل يد القاتل من الدماء , سواء كان القاتل في السلطة او في المعارضة بل يجب محاسبة كل من تورط في الدم مهما علا منصبه وبلغت شعبيته.
لبنان يدخل المحظور الأمني ويمضي نحو "العرقنة" تفجير الرويس يزيد حزب الله تصلبا ويدفع نحو معركة "كسر عظم"
سابين عويس – النهار اللبنانية
"الوضع سيىء وخطير ولبنان دخل المحظور الامني الذي يأخذه إلى النموذج العراقي"، بهذه الكلمات وصف مرجع سياسي بارز الوضع العام في البلاد عقب التفجير الذي استهدف منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
عززت هذا الوصف كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التي سعى فيها إلى إحتواء الاحتقان الشعبي الناجم عن الاستهدافات المتكررة للحزب، من متفجرة بئر العبد وصولا الى تفجير الرويس، وقد وضع اصبعه على جرح الازمة النازف والعامل الابرز في حال المراوحة التي تعيشها البلاد: الانخراط أكثر في الازمة السورية مع التنبيه من أخطار الاستدراج نحو الفتنة السنية - الشيعية.
لم يتطرق السيد إلى المشهد السياسي الداخلي، حين كانت اوساط سياسية قريبة من رئيس الحكومة المكلف تمام سلام تعتقد أن التطورات الامنية المتسارعة يمكن أن تكون حافزا للقوى السياسية على تسهيل عملية تأليف الحكومة، خصوصا أن البلاد باتت في حاجة ملحة إلى سلطة سياسية قادرة على إتخاذ القرار والتعامل مع الازمات.
لكن المواقف التي أطلقها السيد نصرالله معطوفة على المناخ الامني المتفلت من أي ضوابط في ظل حكومة مستقيلة، ورئيس حكومة مكلف تشكيل حكومة وسط حقل من الالغام ترسم ملامح معادلة جديدة للمرحلة المقبلة:
- ان التفجير طوى أي كلام عن تشكيل حكومة في المدى القريب بقطع النظر عن شكلها او تركيبتها، ووضع الكرة في ملعب رئيسي الجمهورية والمكلف بعدما بات واضحا من كلام نصر الله أن الاجندة الاساسية لدى الحزب تتمثل في إتجاهين: الحرب في سوريا، وأخطار الفتنة المذهبية الداخلية.
- السقوط المروع لسياسة "النأي بالنفس" مع الاعلان المتقدم لنصر الله للانخراط أكثر في سوريا، على رغم عجز لبنان عن تحمل تبعات الحرب الدائرة فيها.
- استحالة البحث في أي تسوية محتملة يمكن أن يفيد منها لبنان لتجنبيه تداعيات النار السورية من جهة والصراع الاقليمي المتفجر بين المشروعين السعودي والايراني من جهة. وفي هذا المجال، تؤكد مراجع سياسية بارزة أن فرص أي تسوية محتملة سقطت. وبدا واضحا أن "حزب الله" لو كان يرغب في الدخول في هذه التسوية لما كان أطاح تسوية "السين سين" قبل ثلاثة أعوام. وفي رأي المراجع أن ما يشهده لبنان حاليا ليس سوى بداية مسلسل طويل ستكون التفجيرات مسرحه المتنقل، مبدية تخوفها أن تكون البلاد الواقعة بين المطرقة الخليجية والسندان الايراني ذاهبة نحو معركة "كسر عظم" على قاعدة غالب ومغلوب، ولا بد للبنان المشرذم وسط اصطفاف مذهبي وسياسي حاد الا ان يدفع ثمنها.
- إن "حزب الله" يتجه نحو المزيد من التصلب وليس العكس، خلافا لاعتقاد بعض الاوساط السياسية على اساس قراءة لها تقوم على قاعدة ان الحزب يواجه حالا من الارباك، وسيكون في مرحلة متقدمة في حاجة إلى مساحة للعودة إلى المشروع الداخلي والانخراط في المشروع الحكومي. وكل ما يحكى عن تصلب وشروط تعجيزية ليس الا رفعاً للسقوف في إنتظار توافر هذه المساحة.
- وتعرض المراجع السياسية البارزة قراءة مختلفة إذ ترى أن الاستهدافات المباشرة لحزب الله تدفعه إلى التمسك أكثر بمكاسبه وعدم الاستعداد للتفريط بها ومنها إمساكه بالسلطة ولو من خلال حكومة مستقيلة، فضلا عن التشبث أكثر بالمعادلة الذهبية بالنسبة اليه والمتمثلة بالجيش والشعب والمقاومة.
- لكن التشبث والتصلب لا يلغيان حقيقة أن الاستهدافات العسكرية الاخيرة للحزب أبرزت تراجعا في قدرته على الضبط ومنع الاختراق الامني لها. وهذا ما يفسر للمراجع الدعم المطلق للجيش والتنويه بعمليات الكشف عن مدبري تفجير بئر العبد والتحضير لعمليات تفجير اخرى تستهدف الضاحية الجنوبية ومناطق لبنانية اخرى، فضلا عن كشف خيوط قوية في قضية اطلاق الصاروخين على الضاحية قبل اكثر من شهرين. علما ان لدى الاجهزة الامنية معلومات باتت أكيدة عن ان حادثة خطف الطيار التركي ومساعده هي عملية فردية ولا علاقة للحزب بها بل ان الاوساط الرسمية تؤكد ان الاجهزة الامنية تنسق مع الحزب للكشف عن المرتكبين.
عودوا إلى الدولة... عودوا إلى الرشد
علي حماده – النهار اللبنانية
لا يختلف اثنان في لبنان على ان تفجير الضاحية في الرويس بالامس عمل ارهابي بامتياز، طاول مدنيين عزل لبنانيين سقطوا في لحظة انكشاف كبير للبنان. ولا يختلف اثنان في لبنان على ان الارهاب هو الارهاب كيفما أتى وأينما ضرب. بالامس كانت الضاحية، وقبلها بكثير كانت بيروت وقادة استقلاليين كبارا قضوا بالارهاب الذي لا لون له وهوية. قتل نفس بريئة عمل اجرامي ولا جدل في الامر ايا تكن الاسباب والموجبات والمبررات. لا تبرير للقتل ولا تبرير للارهاب ايا تكن الظروف والتحديات.
نقول هذا بكل صدق وامانة وبكل محبة لكل لبناني بصرف النظر عن أي خلاف في السياسة والخيارات الوطنية. ومع ان الخلاف مع "حزب الله" كبير وكبير جدا حول هوية لبنان، ووظيفة لبنان، وامن لبنان، ومستقبل لبنان، وكل الاساليب التي اعتمدت حتى الآن في مواجهة الاستقلال الثاني، ما من لبناني مهما ناصب "حزب الله" الخصومة، ومهما عانى منه، ومن اعماله، وارتكاباته مدى السنوات الماضية يقبل ان تصاب بيئة لبنانية بما اصيبت به بيئات لبنانية اخرى من ظلم وجور، ولا سيما من بين من عانوا الارهاب ووجع القتل المجرم منذ بدء مرحلة الاغتيالات حتى اليوم. وما حصل في الضاحية مساء الخميس من ظلم وجور واجرام لا نقبل به ولن نقبل به يوما.
نختلف مع "حزب الله" في الكثير من الامور، نعتبره عنصرا مهددا لامن اللبنانيين، ونعتبر انه بتورطه في دماء السوريين انما ارتكب خطيئة كبرى وقد توقعنا وتخوفنا كثيرا من ان يأتي يوم يمتد فيه الحريق السوري الى قلب لبنان. ومع ذلك ما تمنينا يوما ان يذوق لبناني نختلف معه حول الكثير طعم ما ذاقه لبنانيون مدنيون عزل في الرويس مساء الخميس.
و قد تمنينا ان تكون متفجرة الرويس مناسبة لكي نتمهل قليلا في التفكير، وننحو في اتجاه العقلنة في الداخل، ولكي نعيد جميعا حساباتنا صونا للبنان، ولكل لبناني. فالارهاب الذي اصاب اهل الضاحية، قد يصيب غيرهم ممن عانوا الامرين من "حزب الله"، وهؤلاء مدعوون الى التفكير بانسانية لا بالسياسة. من عانى ويعاني الظلم ولو من اهل القربى، لا يتمنى لاحد ان يعاني مهما صار. وليتنا سمعنا من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كلاما مختلفا متضمنا مبادرة وطنية حقيقية. ولكن ما حصل انه ذهب الى ابعد في مسألة التورط في سوريا بقوله انه مستعد هو شخصيا وكل الحزب للذهاب الى القتال هناك، وقد غابت عن خطابه اي مبادرة سياسية لانقاذ لبنان من حريق سوريا الآتي علينا. وقد اشتم الكثيرون لهجة تهديدية بشأن مصير لبنان.
قصارى القول ان استمرار تورط "حزب الله" الدموي في سوريا سيحرق لبنان، وبقاء السلاح غير الشرعي بيد مليشياته سيحول لبنان خراباً. عودوا الى الدولة... عودوا الى الرشد ! رحم الله شهداء لبنان في الرويس...
لا حلَّ إلا بعودة الدولة!
الياس الديري – النهار اللبنانية
جميع الذين تحدّثوا عن الانفجار الاجرامي الآثم الذي تعرضت له الضاحية الجنوبيّة، أجمعوا على الاستنكار الشديد لهذا العمل البربري. وأكّدوا وشدّدوا على التضامن مع هذه المنطقة، مع هذه الفلذة من قلب بيروت وقلب لبنان وقلوب كل الناس.
مرّة أخرى يبرهن اللبنانيّون أنهم يعودون الى وجدانهم وتقاليدهم وأصالتهم في الشدائد والمصائب.
وبعفويّة وصدق قالت مواقفهم ولهفتهم ان أيّة نقطة دم ينزفها أي لبناني، إنما ينزفها في الوقت نفسه لبنان بأسره. وكل تفجير يستهدف منطقة معيَّنة أو فئة محدَّدة، إنما يصيب كل المناطق والأراضي في هذه الجغرافيا المتواضعة الحجم.
وردود الفعل التي صبَّت من مختلف أفرقاء الصراع السياسي القديم، كما من مختلف المراجع والقيادات ركّزت بدورها على وجوب استدراك الأمر قبل استفحال التطورات. وقبل الانزلاق الى "رحاب" لعبة الامم. والعمل جدّياً لمعالجة مسبّبات الاحتقان الجامح والمنتشر، والسعي الى تحدي الفخاخ المعدّة للبلد، بوحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الكلمة.
لكن خطوة بهذا الحجم وهذا المعنى تتطلّب من رموز الأزمة اللبنانية، ومن عناوين المأزق اللبناني الكبير، العودة السريعة الى طاولة الحوار. وبنية صافية. ورغبة في التفاهم والمصالحة.
فجميع الأفرقاء والتيارات والتكتلات في مركب واحد، هم ولبنان. إن لم يكونوا في مِرجَل واحد، قد وُضع فوق نار حامية. إذاً، كم يكون رائعاً وفي وقته لو يتقدَّم أحدهم من الجميع هاتفاً بابتسامة جديدة: هذي يدي عن بني قومي تصافحكم، فصافحوها يصافح اللبنانيون بعضهم في أسرع من لمح البصر.
ولأن الوقت وقت مصارحة، فإن الماضي القريب كما الماضي البعيد كلاهما يحذّرنا من ان التداخلات العميقة مع الخارج لا تزال تفعل فعلها، ولا تزال تحول دون أي نأي بالنفس، أو اتفاق، أو مصالحة، أو حتى هدنة بين اللبنانيين.
لا شك في أنّ لبنان مستهدف. وبصورة شبه دائمة. أما الأسباب فلا تحصى. في رأس اللائحة النظام الديموقراطي، ولو معتلاً ومعتقلاً. ثم تعدّد الانتماءات والطوائف والأحزاب والثقافات، حتى العادات والأذواق والتقاليد.
أما السبب الأهم والأدق والأخطر في آن واحد، فهو صمود لبنان على مرّ الحروب والأزمات والكوارث والاصطدامات والجفاء والعداء والانقسامات، وبقاؤه واحداً... في الجغرافيا على الأقل، وفي "الانتماء الصوري" على الأكثر.
عدا ذلك، واضافة الى كل ما سبق له ان قيل، وما سيُقال لاحقاً، فإن من رابع المستحيلات تقسيم لبنان... أو السيطرة عليه وهيمنة من فريق واحد، أو طائفة واحدة، أو حزب واحد على مقدراته.
والأيام بيننا: لا حلّ إلا بعودة الدولة.
التطرف الأصولي في سوريا (2)
ميشيل كيلو – السفير اللبنانية
اندفع شباب حملوا راية السلمية خلال فترة التظاهر الاولى الى طلب السلاح من اي مصدر، بعد ان وجدوا انفسهم في قبضة موت لا يستثني احدا منهم، لمجرد انهم شباب. بما ان سلاح الاصولية كان هو الامضى والاكثر فاعلية وتطورا، وأموالها أكثر وفرة، فإن الشباب انضموا إليها حبا بالحياة ودفعا لأذى السلطة عن ذويهم ووطنهم لا حبا بآرائها، خاصة بعد ان مارست عنفا خارج المألوف يقلد عنف النظام، وبعد أن قال قادة عالميون إن المنظمات الأصولية صارت خطيرة على بلدانهم، التي كره السوريون مواقفها من مأساتهم، وتعمدوا الانضمام إلى خصومها بالذات لا سيما بعد إقناعهم بأن رسالتهم العنيفة ستكون نبيلة، وأنهم لن يقاتلوا فقط نظاما عميلا لاسرائيل واميركا، وإنما سيقاتلون أيضا من سمح له بسفك دمائهم وقتل احبائهم وتدمير وجودهم، فمهمتهم مزدوجة، وهم لن ينتقموا من النظام وحده، وإنما كذلك من الذين سمحوا له بممارسة إجرام لا يرحم ضد اهلهم وذويهم. هذا المزاج العام عززه اعلان بعض التنظيمات الأصولية انضمامها إلى حــركة عابــرة للدول هي منظمة «القاعدة»، التي رأوا في الانتماء إليها بعدا تحالفيا مقابلا ومعاكسا لما يسمونه التحالف السلطوي الصهيو ـ أميركي، المكمل للتحالف الروسي الإيراني مع النظام. هنا، ثمة فارق مهم يميز التنظيمات الأصولية عن «الجيش الحـر» وبقــية الأحـزاب السورية. ويتجلى ذلك في كون الأخــير يحــارب بمـفرده حلفا إقليميا دوليا متشابكا، في حين يستطيع حلف «القاعدة» العراقي السوري بما له من دعم مالي سلاحي، وتأييد شعبي اسلامي عابر للحدود تحسين شروط المواجهة مع الأعداء، علما بانه جــزء تكــويني من تنظيم عالمي أذاق الغرب ونظمه العميلة الأمرين، وصمد في صراعه مع هؤلاء وأعجزهم عن القضاء عليه، برغم أنه ينتشر ويقاتل في كل مكان من ارض العرب والمسلمين، ويجسد سندا قويـا للجــهاد السوري ضد النظام والغرب الصهيــوني، الــذي وقف مع النظام خلال المأسـاة الســورية ولم يفعــل شيئا ضده.
إضافة الى ذلك، هناك حجم التدمير والتشريد الذي قوض تماما حياة السوريات والسوريين الشخصية، ودمر مصادر رزقهم المادية ومواردهم، ورماهم في جوع لم يسبق لهم ان واجهوه، لأنهم لم يكونوا جياعا او مشردين في أي يوم من تاريخهم الحديث. استغل الاصوليون هذه الواقعة، وعاملوا الناس بطريقة من يهتم لمصيرهم، بعد أن وضعوا يدهم على جزء لا بأس به من موارد وثروات سوريا، اتاح لهم دخلا ثابتا وإنفاقا منظما مكنهم من إمداد مناطق سيطرتهم ببعض السلع الحيوية، الضرورية للعيش، ووضعهم في موقع أعلى من مواقع سواهم من خصوم النظام، وجعلهم يبدون كمنافسين له، بينما غرق الجيش الحر غرقا تعاظم باضطراد في نقص السلاح والمال وأخيرا في الفقر والجوع، وبدأ المنتمون إليه ينتقلون إلى هذا التنظم الأصولي أو ذاك، طلبا للسلاح الأفضل والذخائر الأوفر والطعام المتاح، علما بأن الانتقال إلى الموقع الجديد بدا وكأنه لا يعني الكثير على الصعيد الأيديــولوجي، في حين يبرز معناه واضحا على المستوى العملي: مستوى القتال ضد النظام. ولعله ليس سرا أن الفاعلية الميدانية للتنظيمات الأصولية كانت لفــترة طــويلة اعلى من فاعلية وحدات كثيرة في الجيش الحر، الذي لم يعـرف كثــيرون له قيــادة او قوامــا ثابتــا، بينما أدارت معارك وسياسات الأصوليات مراكز قيادية موحدة، تكفلت بالإشراف على معاركها وأمدتها بما احتاجت إليه من طعام وسلاح وذخيرة، حتى شاعت فكرة تقول: حيث يخفق «الجيش الحر» في تحقيق انجازات عسكرية، تصير الحاجة إلى قوات التنظيمات الأصولية جدية، ويكون من المحتم استدعاؤها والاستعانة بها.
ما مستقبل التطرف في سوريا وكيف يعالج؟ هذان سؤالان هامان يرتبط بالاجابة عليهما مستقبل ومصير وطننا، الذي يعاني من انفلات اصولي متطرف غريب عن تاريخه وثورته، شرع يفتك بقدراته المستنزفة بقوة، ويدمر قضيته العادلة ويحولها من ثورة تمثل خطوة على طريق الحرية إلى فوضى تهدد البشرية بأعظم المخاطر، يجبر الخوف منها الدول على أحد خيارين: الابتعاد عن مطالب وحقوق شعب سوريا اكثر مما هي بعيدة عنها، وربما معاداتها باعتبارها التربة التي ينمو فيها التطرف اليوم وستنطلق منها الأزمات والتحديات المسلحة غدا، وإلا فإكمال الانحياز إلى النظام ومساعدته على كسب صراعه ضد الشعب، الذي لن يقبل تحوله إلى داعم لأصولية يرفضها العقل ويحاربها أركان النظام الدولي، المختلفون اليوم على مستقبل سوريا والمتصارعون على ارضها، الذين شرعوا يؤمنون بارتباط اصوليته بنضالها اكثر مما يرونها مرتبطة بنظامها، على الرغم من علمهم بانه لطالما رباها ورعاها، وشكل منظمات لها ومنها ارسلها إلى بقية الدول العربية والاجنبية، أو احتفظ بها لساعات الشدة، ليستخدمها في تشويه سمعة خصومه باعتبارها جزءا منهم وليست تكوينا اشرف هو على ولادته، كما يفعل منذ بعض الوقت في اكثر من واحدة من عواصم العالم الغربي الكبرى، بنجاح نسبي لا يستهان به.
ليست الأصولية ابنة الحرية ومن المحال أن تكون وليدتها. إنها جزء بالغ السوء من عالم الاستبداد وصنيعة له. ولو كان العالم الغربي منصفا لتذكر أن من يصفهم اليوم بـ«الجهاديين» اتوا بعد العام 2003 من سوريا ليقاتلوا اميركا في العراق، وأن النظام درب الآلاف منهم وسلحهم واشرف على تسللهم إلى ميادين المعارك، وأن القسـم الأول منهــم رجــع من العراق بعد منتصف العـام 2012 الى ســوريا. سوريا التي كانت خالية بصورة تكاد تكون تامة منهم، وارتبطوا بظاهرة تفشي العنف كإفراز للسياسات الأسدية، ولم يرتبطوا بصرخة الحرية والمواطنة، التي انطلقت من المجتمع، معلنة تصميمه على طي صفحة الاستبداد إلى غير رجعة. علما بأن السوريين لم يمحضــوا الأصوليــة أي تأييــد جــدي إلـى اليــوم، بــدلالة التظاهرات الشعبية المعادية لها، التي انطلقت خلال الأشهر الأخيرة في كل مكان، وطالبتها بالخروج من ديارها وبرفع يدها عنها وعن ثورتــها. ويلاحــظ انها الى ازدياد يومي، وانها ترفض الأصــولية وتواجهها سلميا في الميادين والساحات التي عرفت مواجهاتها السابقة مع النظام الأسدي وأصولييه، مع ما في ذلك من دلالات هائلة الرمزية والأهمية، قد تخفى على كثير من الدول، لكنها لا تخفى على اي مراقب نزيه.
لم تنطلق الثورة السورية من فكر اصولي، ولم تبدأ على يد قوى أصولية، وكانت نتائج تسرب الأصولية إلى مجتمعها مضادة لرهاناته، لذلك نلاحـظ في كل مكان من سوريا اليوم صحوة مدنية عارمة، يحملها شباب راغب في استعادة مطلب السوريات والسوريين الرئيس: الحرية لمواطنات ومواطني شعب واحد موحد، يلاحظ انه يعزف أكثر فأكثر عن قبول أي طرف لا يجعلها مادة برامجه وموضوع نضالاته، ويتــظاهر ضده ويقاومه من دير الزور إلى حوران، من دون أن ينجح حتى الآن في إبطال الشروط الملائمة لتخلق الأصولية وتنظيماتها سواء في سياسات النظام أو في أوضاع الجيش الحر والسياسات العربية والاقليمية والدولية.
عمان يريدونها طريقاً إلى دمشق
ماهر أبو طير – الدستور الأردنية
تتسرب معلومات كثيرة حول تدفق السلاح من الأردن الى سورية، وتدريب مقاتلين سوريين في الاردن، والتجهيز لإطلاق جيش سوري جديد قوامه الفارون والمنشقون عن الجيش السوري، من اجل التدخل العسكري في سورية.
أيا كانت صحة هذه التقارير، وما يزاد عليها من وجود الفتى المدلل مناف طلاس في الأردن، لتزعم هذا الجيش الجديد، فإن التورط في الملف السوري ليس من مصلحة الأردن، حتى لو كان ذلك بديلا، عن تدخل الأردن المباشر، عبر مؤسساته وقواته.
سابقاً كان يتم الحديث عن تدخل اردني عسكري مباشر في سورية، ثم تم استبدال هذا السيناريو بسيناريو آخر يقوم على انشاء كتائب سورية مدربة عسكرياً، بحيث تتولى مهمة الدخول الى درعا في فترة من الفترات.
السيناريو البديل أخف وطأة على الأردنيين من تورطهم مباشرة لأنه لا تضحية هنا بدماء الأردنيين في المحرقة السورية، غير ان كلفة السيناريو البديل قد تؤدي الى الإضرار بحياة الاردنيين في المحصلة.
غير أنه لا فرق جوهريا، لأن التدخل هو التدخل، والأردن لا يأمن على نفسه من شرور الملف السوري، ونسمع كل يومين، عن خلية سورية تحاول تهريب الصواريخ الى الأردن، أو عن مجموعة بحوزتها أجهزة اتصالات، ومجموعات تحاول تهريب السلاح.
هذا غير الخلايا النائمة والكامنة التي تدفقت أصلا من سورية وإيران وتركيا ولبنان الى الأردن بجنسيات مختلفة، والقدرة على تفجير أي بلد من الداخل، واردة، وليس أدل على ذلك من العبث بالجوار السوري، كما في لبنان قبل يومين، أيا كان عنوان العبث.
معنى الكلام أن ارتداد أي توطئة اردنية للتدخل في سورية، ولو عبر قوات سورية، ارتداد خطير على الداخل الاردني، فلماذا نتورط اصلا بملفات الآخرين، وحرائقهم المشتعلة؟!.
ثم أن الله سلّم البلد، خلال اعوام الربيع العربي، من الفوضى والخراب، فلماذا نحسد أنفسنا على هذا الاستقرار ونقترب من فوهة البركان مصرين على اللعب بالنار، كرمى لخواطر الآخرين ومصالحهم؟!.
موقع الأردن في الازمة السورية، حساس، ما بين تداعيات اللجوء السوري، وضغوط عواصم عربية واجنبية لتحويل الأردن الى ممر للسلاح والمال والمقاتلين، وتهديدات النظام السوري، ثم مخاطر التنظيمات التي باتت تضغط على خاصرتنا الشمالية.
العقل الاستراتيجي للدولة يعتقد أن إطفاء أي نار مشتعلة حاليا، لابد أن يتم عبر نار اخرى، ومواجهة الفوضى السورية او مخاطر التنظيمات في جنوب سورية، باستحداث ردود فعل من بينها تأسيس كتائب سورية للتدخل اللاحق، امر مؤسف، لأن معالجة المرض لا تكون بمرض آخر، اقل مظاهره ان هؤلاء الفارين من جيشهم الاصلي، مرتزقة غير آمنين لبلادهم، فكيف لنا؟!.
الواضح ان عمان الرسمية خفضت منسوب حيادها الجزئي اساسا تجاه الأزمة السورية، وسر ذلك عائد الى الاعتقاد بقرب الحسم في سورية، وضرورة ان نكون شركاء في الحسم، للتحكم في نتائج مابعد الحسم، تخفيفاً من النتائج المفتوحة بلا سقوف تجاهنا.
هذه لعبة محفوفة بالمخاطر، وفاتورتها مكلفة جدا، لن تنفع معها تطمينات ووعود هذه العاصمة او تلك، والمتاجرة برموز سورية منشقة من مناف طلاس وصولا الى رياض حجاب، وغيرهما من رموز قديمة وجديدة، متاجرة بائسة، وخاسرة في نهاية المطاف.
هذه حرب ليست حربنا، وخوضها بالوكالة عن عواصم اخرى، خوض آثم ومرفوض، وحماية الأردن تكون بإغلاق الباب كليا في وجه أي مداخلات، بدلا من تكتيك الشراكة في المداخلات، وهو تكتيك انتحاري، مهما ظن اصحابه أنه استراتيجي وآمن.
الطريق إلى دمشق تمر عبر عمان، ما أوعر هذا الطريق وما أخطره؟!


رد مع اقتباس