أقلام وآراء
ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بين العربية السعودية وايران: الاحتجاج العربي المنسي
بقلم: يوئيل جوجنسكي، عن نظرة عليا
الاقليم الشرقي في العربية السعودية الذي تتجمع فيه الاقلية الشيعية في المملكة، شهد مؤخرا، مرة اخرى احداثا عنيفة.
فقد أدت محاولة اعتقال 'مطلوبين'، في نهاية ايلول، الى اشتباكات بالنار، قتلى وجرحى. موجة المظاهرات التي بدأت في العوامية، بلدة شيعية متطرفة، قبل بضعة اشهر وقعت على خلفية اعتقال واصابة رجل دين شيعي شعبي، نمر النمر.
اعتقال النمر لم يأتِ في مفاجأة تامة، وذلك لانه أصبح شخصية مركزية في حركة الاحتجاج في الاقليم، وكان معروفا في تصريحاته الحادة ضد العائلة المالكة. النمر، الشعبي بشكل خاص في اوساط الشباب، دعا في الماضي الى اسقاط عائلة سعود، استقلال الاقليم الشرقي واغلب الظن أمر مؤيديه بالاحتفال بعد موت ولي العهد، نايف، في حزيران 2012.
وكانت العربية السعودية اتهمت غير مرة ايران بتأييد الاقلية الشيعية في نطاقها. بين 1979 1981 وقعت في هذه المنطقة، لاول مرة في تاريخ المملكة السعودية الحديث، اضطرابات في أوساط الاقلية الشيعية. حتى ذلك الحين، ولم يتلقَ احساس الظلم لدى الشيعة، الذين رأوا في أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية، تعبيرا عمليا. فالثورة الاسلامية في ايران بدت كبديل للقمع الذي شعر به الشيعة من جانب المؤسسة الوهابية. وقد ضعفت المواجهة مع وفاة الخميني، حين خفت حماسة الثورة في ايران. ناهيك عن أن الشيعة اعترفوا بقوة المؤسسة الوهابية وسعوا بالتدريج الى التسويات مع السلطة، لتحسين وضعهم. ويشكك التيار الوهابي في الاسلام بصلاحية اسلام الشيعة بل وباصولهم العربية، الامر الذي حمل العربية السعودية الى فرض قيود خطيرة على الشيعة في نطاقها انطلاقا من التطلع الى عزلهم ومنع اي تعبير سياسي لهم او حرية عبادة.
في نظر السعوديين، فان التهديد الايراني خطير ليس فقط لاثاره على ميزان القوة في الخليج، بل وايضا بسبب الاثار الجوهرية التي له على استقرارها: اذا كانت يد ايران هي العليا، فمن شأن الشيعة ان يتحدوا شرعية الاسرة المالكة. وبقي الشيعة مشكلة امنية للعربية السعودية ليس فقط بسبب قربهم الجغرافي والفكري من ايران، بل وايضا، وربما اساسا، في ضوء وجودهم بجوار مخزونات النفط الكبرى في العالم. وحين كان وليا للعهد، اتخذ الملك عبدالله سلسلة خطوات لتخفيف حدة التوترات مع الاقلية الشيعية، بما في ذلك الاعلان عن 'حوار وطني' بل وسمح بدخول عدد من الشيعة الى مجلس الشورى، الهيئة الاعتبارية ولكن عديمة الصلاحيات الحقيقية.
ولكن أسرة سعود لم تمض بعيدا حتى الاعتراف بالشيعة كتيار مركزي في الاسلام وامتنعت عن منح الشيعة مكانة مواطنين متساوي الحقوق. وبقي الظلم الاساس للسكان الشيعة في المملكة على حاله وبين الحين والاخر كان يطفو على السطح. وقد عارضت شخصيات مركزية في الاسرة المالكة، وعلى رأسهم ولي العهد ووزير الداخلية السابق نايف، عارضوا بشدة النهج 'المصالح' في نظرهم للملك عبدالله. فهم يرون في الشيعة منفذي أوامر ايران ويؤيدوا سياسة 'صفر تسامح' تجاههم. بل ان نايف أغلب الظن، دفع باتجاه دخول القوات السعودية الى البحرين أيضا، 'لمعالجة' الاحتجاج الشيعي. وكان تخوف فوري وملموس من ان ينتقل الاحتجاج الى الاحساء والطائف.
منحت أحداث 'الربيع العربي' ريح اسناد للشيعة وبالفعل نجد أن الاقليم الشرقي يعج بالحركة في السنة والنصف الاخيرتين. وذلك رغم محاولات المملكة، من خلال استخدام القوة، ولكن ايضا من خلال اغراءات اقتصادية، تهدئة الوضع. وقد بدأ الهياج في شباط 2011 في أعقاب حادث عنف في المدينة بين حجاج شيعة والشرطة الدينية السعودية وتفاقم مع دخول القوات السعودية الى البحرين بعد شهر من ذلك. حركة الاحتجاج، التي تتشكل في معظمها إن لم يكن كلها من الشباب قامت بمظاهرات جماهيرية قتل في اثنائها حتى الان 15 شخصا، واعتقل وحبس الكثيرون، معظمهم دون محاكمة. وتحولت جنازات القتلى الى مظاهرات عنيفة لم يشهد لها مثيل في الاقليم منذ الثورة الاسلامية. وفضلا عن ذلك، بدأ الشيعة، حسب وزارة الداخلية السعودية، بالاستخدام المتزايد للسلاح الناري ضد قوات الامن.
يمكن ايجاد تفسيرات داخلية لموجة الاعتقالات، منها تسلم وزير الداخلية الجديد مهام منصبه، احمد، ومحاولته تثبيت مكانته الداخلية وبث خط متشدد تجاه كل تهديد على استقرار المملكة. ولكن يحتمل أن يكون توقيت الاعتقالات مرتبط بمحاولة الاسرة المالكة السعودية اتخاذ خطوات مسبقة قبل كل مواجهة محتملة مع ايران.
ويتعاظم التوتر على جانبي الخليج وكانت تقارير عن حالات تأهب بل وتعزيز للقوات في أوساط قوات الامن السعودية.
وكل مواجهة مع ايران من شأنها أن تشعل النار في الاقليم الشرقي، وبالتالي لماذا يتم الابقاء على عود الثقاب في شكل محرض ديني كاريزماتي ومتطرف مثل نمر؟ وادعى الناطق بلسان الداخلية السعودية بان قوات الامن لن تحتمل المحرضين 'ممن يستخدون كأدوات في أيدي اعداء الامة'، وهي رسالة واضحة الى ايران.
الشيعة في العربية السعودية، الذين يبلغ عددهم نحو 2 مليون نسمة (10 في المائة من السكان في السعودية) لم يكونوا أبدا قريبين من التهديد لاستقرار المملكة. فمعظمهم بعيدون فكريا عن المؤسسة الدينية الايرانية. ولكن استمرار الهياج قد يؤدي الى نمط عمل فاعل وأكثر عنفا من جانب الاحتجاج، على الاقل في اوساط قسم من الجيل الشاب الشيعي الذي بدا أنه ملّ قيادته التقليدية، التي تدعو من جانبها كل الوقت الى الهدوء. اضافة الى ذلك، فان تعاظم العنف سيوفر فرصة لايران لاستغلال الاضطرابات لصالحها.
الاحتجاج الشيعي الذي تلقى ريح اسناد من احداث الربيع العربي يرتبط من زاوية نظر الرياض بالنشاط الايراني لاثارة الشيعة، الاقلية الكافرة وغير المرغوب فيها في نظرها، إثارة ترمي الى الاشارة الى الثمن الذي يدفع لقاء المس بالمصالح الايرانية في الخليج، او بعيدا من هناك ـ في سوريا.
اذا ما احتدمت الاحداث بحيث تتفاقم المعضلة في العربية السعودية: فكيف يمكن تبرير التضامن مع الجماهير السورية التي خرجت الى الشوارع استمرارا على القمع المتواصل، ولكن الحفاظ على النظام السياسي القامع في الداخل. في نظر الاسرة المالكة الشائحة لا تضارب طالما كان هذا في صالح صد ايران.
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
يريد سلاما آمنا
بقلم: عاموس جلبوع، عن معاريف
عندما أعلن بنيامين نتنياهو عن تقديم موعد الانتخابات كنت في ميدان معركة فاردان، في شمال شرقي فرنسا، حيث وقعت في 1916 معركة مضرجة بالدماء بين أكثر من مليون جندي فرنسي والماني.
ارواح اولئك الجنود ممن لم يؤمنوا بالرب كانوا يتشجعون هناك بشعار: 'لا تقلقوا'، بل وشرحوا لماذا: 'انتم يمكنكم ان تتواجدوا في مكان آمن أو خطير. اذا كنتم في مكان آمن، فليس لكم ما تقلقوا به. واذا كنتم في مكان خطير، فيحتمل أن تكون امكانيتان إما ان تصابوا أو لا. اذا لم تصابوا، فليس لكم ما تقلقوا به. اذا اصبتم، فان الاصابة يمكن أن تكون سهلة أو خطيرة. اذا كانت سهلة، ليس لكم ما تقلقوا به. اذا كانت خطيرة، توجد امكانيتان الاولى، أن تنتعشوا، والثانية أن لا. اذا انتعشتم فليس لكم ما تقلقوا به. أما اذا متم، فعندها بالتأكيد لن يكون بوسعكم أن تقلقوا'.
هذا هو النموذج المجرب للتشويه المقصود للواقع بالطريقة المنطقية ظاهرا للعقل السليم. هذا بالضبط ما واجهته عند وصولي الى البلاد يوم الجمعة، عندما رأيت الصفحة الاولى لـ 'يديعوت احرونوت'. فالعنوان الرئيس كان يصرخ: 'نتنياهو وافق على النزول من الجولان'. في الخبر نفسه قيل، استنادا الى وثائق امريكية، ان نتنياهو سار شوطا أبعد من أي من أسلافه في رئاسة الوزراء وكان مستعدا للنزول من كل هضبة الجولان، حتى خط مياه بحيرة طبريا. هذا مقابل السلام الكامل، الذي يتضمن ايضا توقعا اسرائيليا دون التزام صريح من الاسد، بقطع العلاقات الخاصة بين سوريا وايران.
لقد أديرت المفاوضات غير المباشرة من خلال الامريكيين ابتداء من نهاية 2009 وانقطعت في اذار 2011، مع اندلاع الاضطرابات في سوريا. عدد شركاء السر في اسرائيل كان ضيقا للغاية. وقد ارفقت بالخبر تصريحات لنتنياهو في الماضي ضد النزول من هضبة الجولان (تحت عنوان 'الاقوال على حده') وكذا خريطة والى جانبها تفصيل قصير لخطوط الانسحاب التي وافق اسلاف نتنياهو عليها.
ما الذي ينبغي للمواطن المعقول أن يفهمه، الذي لا يؤمن بالرب، من العنوان في الصحيفة ومن الخبر؟ ماذا يتبقى له في الرأس؟ شيء مركزي واحد: نتنياهو كذاب، مضلل، سبق أن باع للسوريين كل هضبة الجولان حتى آخر ملم، ولا ينبغي تصديق أي كلمة له. وعليه، الويل لكم اذا ما صوتم له.
أنا أدعي بان من يشوه هنا بشكل مغرض الواقع ويقدم عرضا عابثا هو الصحيفة. صحيح أنه اديرت مفاوضات أولية غير مباشرة مع السوريين من قبل نتنياهو بواسطة الامريكيين، ولكن في هذه المفاوضات الاولية غير المباشرة لم يعلن نتنياهو عن اي موافقة للنزول من هضبة الجولان، وبالتأكيد ليس الى بحيرة طبريا.
ما كان في المفاوضات هو التالي: السوريون عادوا وكرروا العودة على الشروط الاساس المسبقة لهم من كل رؤساء وزراء اسرائيل. قبل كل شيء التزام بالانسحاب الى خطوط 4 حزيران 67. نتنياهو رفض وعرض على السوريين سلسلة مطالب على المستوى الاستراتيجي (فك ارتباط عن ايران، حزب الله ومنظمات ارهابية اخرى). الحد الاقصى الذي وصل اليه كان: أيها الاسد، اذا تعهدت بفك الارتباط، وهذا أرضانا، فسنكون مستعدين للنظر في بحث مطالبك الاقليمية في هضبة الجولان.
برأيي، يجب ان نرفع القبعة أما نتنياهو على إدارته المفاوضات الاولية. أولا، أبقيت بالسر ولم تتسرب للصحافة.
ثانيا، خلافا للماضي، لم تسارع اسرائيل الى التحلل من ذخائرها حتى قبل أن تبدأ المفاوضات، فقد قلبت هنا ترتيب البحث: أولا فحص المسائل الاستراتيجية ولا يتم البدء باي حال بالنقاش العابث عن خطوط 4 حزيران 67.
ثالثا، نتنياهو أظهر بانه مع ذلك لا يقعد في صفر فعل سياسي. على الاقل حاول أن يفحص امكانية قطع سوريا عن 'محور الشر'
ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
الربيع العربي قتل السلام
بقلم: آري شبيط ، عن هآرتس
تستحق 'يديعوت احرونوت' وشمعون شيفر كل مدح على الخبر الصحفي المدوي الذي نشراه في يوم الجمعة وهو ان اسرائيل وسوريا أجرتا تفاوضا في السلام في السنتين 2010 و2011. لكن صورة عرض الخبر في بعض وسائل الاعلام في الايام الاخيرة لم تكن نزيهة. فقد فُهم منها ضمنا انتقاد ان نتنياهو بخلاف مواقفه وتصريحاته وافق على التنازل عن الجولان الى خط الماء في بحيرة طبرية. وليست الامور كذلك.
الحقيقة هي ان نتنياهو أتم قبل سنتين مع بشار الاسد مسارا سياسيا معقدا بحكمة وشجاعة وإبداع. بل انه توصل الى انجازات لم يتوصل اليها أحد من رؤساء الحكومة الذين سبقوه. ولولا الربيع العربي لكان من المحتمل جدا ان يكون نتنياهو هو الذي يوقع على اتفاق السلام المأمول بين اسرائيل وسوريا.
اليكم القصة: في مطلع 2009 استقر رأي رئيس الولايات المتحدة براك اوباما ورئيس الوزراء نتنياهو على التقدم الى السلام في القناة الفلسطينية والقناة السورية ايضا، وكانت الأولية للقناة الفلسطينية، فكانت خطبة بار ايلان، وتجميد البناء في المستوطنات، وقمة السلام في واشنطن. لكن تبين في ايلول 2010 ان محمود عباس يضلل نتنياهو وانهارت المسيرة الفلسطينية. ولذلك بدأ اوباما ونتنياهو يعملان بصورة مشتركة على احراز خرق طريق سياسي مع السوريين.
كان دنيس روس مهندس المسار من الجانب الامريكي، وكان مايك هرتسوغ مهندس في الجانب الاسرائيلي. وكان فيرد هوف هو المورد والمُصدِر الامريكي، وكان اسحق مولخو هو المورد والمُصدِر الاسرائيلي. وأسهم اهود باراك وعوزي أراد ورون دريمر ويعقوب عميدرور ايضا اسهامات مهمة من قبلهم. لكن رئيس الوزراء نتنياهو كان هو الذي وجه الامور بصورة شخصية في نهاية الامر. وقاد مسار سلام مدهشا في الاشهر الاخيرة من 2010 والاشهر الاولى من 2011.
اختلف مسار نتنياهو عن مسارات سلام سابقة بعدد من المعاني: فقد كان سريا تماما؛ وتم بناؤه بصفة عملية امريكية اسرائيلية مشتركة؛ ولم يكن قائما على اقتراح اسرائيلي أو اقتراح سوري بل على كتابة تدريجية لوثيقة سلام مشتركة. ولما كان الامر كذلك فقد نجح نتنياهو في التوصل الى نتائج لم ينجح أسلافه في التوصل اليها.
لم يتم اعطاء السوريين في هذه المرة وديعة اسرائيلية من طرف واحد (كما كانت الحال مع اسحق رابين)، ولم يكن جر للأقدام (كما كانت الحال مع شمعون بيرس وباراك). ولم يكن في هذه المرة ايضا التزام اسرائيلي مسبق لانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967 (كما كانت الحال مع اهود اولمرت). ونجح التعاون الخصب الوثيق بين ادارة اوباما وادارة نتنياهو في ان يصوغ مسارا سياسيا أفضى بالسوريين الى طلاق استراتيجي مع ايران وحزب الله قبل ان يحصلوا على التزام صريح بانسحاب اسرائيلي كامل من الجولان.
حينما أصبح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء، طلبت هذه الصحيفة وهذا الكاتب منه ان يُجرب السلام. وانتقدت هذه الصحيفة وهذا الكاتب في السنين الاخيرة نتنياهو انتقادا قاتلا بدعوى انه لم يجرب السلام. وتتغير الآن صورة الواقع من نقيض الى نقيض. ان نتنياهو لم يبذل ما يكفي في الحقيقة مع الفلسطينيين لكنه فعل فعلا حقيقيا مع السوريين وكذلك اوباما ايضا. ويبرهن المسار السياسي في 2010 2011 على ان رئيس الوزراء الاسرائيلي والرئيس الامريكي ايضا عملا معا بصورة صادقة حكيمة لاحلال السلام هنا.
لن ينشأ السلام مع سوريا في العقد القريب لأن الربيع العربي قد قتله. وكما كُتب هنا قبل بضعة اشهر: لا يتضح ألبتة أكان لفكرة السلام مع سوريا أساس. لكن القضية السياسية التي كشفت عنها 'يديعوت احرونوت' في يوم الجمعة تلقي ضوءا جديدا على كل ما حدث هنا في السنين الثلاث الاخيرة. وتلقي ضوءا جديدا على بنيامين نتنياهو. فرئيس وزراء اسرائيل المندد به يستحق المدح في الشأن السياسي خصوصا.
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
لا تنسوا الاردن بعد الاضطرابات
بقلم: رون برايمر ، عن اسرائيل اليوم
ان اضطرابات السنة الاخيرة في العالم العربي عامة والدول الجارة لاسرائيل خاصة ستنشيء شرق اوسط جديدا ـ لا ذاك الحالم الذي روج له مؤيدو اوسلو بالطبع بل هو واقعي ومهدد. ولهذا لا ينبغي لاسرائيل ان تفاجئها التطورات التي تنتظرنا بعد.
يجب على اسرائيل ان تتابع الواقع في صيرورته على الحدود الجنوبية حيث النقل المعزز لوسائل قتال الى قطاع غزة، وتسهيل طريق المتسللين ('اللاجئين') الى اسرائيل لاضعافها والاخلال الذي يزداد بتجريد سيناء من السلاح (وهو الثمرة الوحيدة الباقية من اتفاق السلام). وعليها ان تأخذ في حسابها واقعا مختلفا ايضا على الحدود الشمالية حيث لا هدوء بسبب انتقاض عُرى النظام السوري أو ربما انتقاض عُرى سوريا نفسها ومحاولة اللاجئين الدخول الى الجولان. وسيضطر من دعا الى تسليم الجولان الى سوريا مقابل خروجها من محور الشر الى التحرر من التصور الخطأ حينما يسقط نظام الطاغية من دمشق 'الملوح بالسلام'.
اذا كان إضرار عدم الهدوء في المنطقة شديدا بنظم قوية كنظام مبارك والاسد، فكيف يكون بسلطة الملك عبد الله في الاردن. ترى اسرائيل الرسمية ذلك خطرا لكن لما كانت غير قادرة على منع انتقال الاضطرابات من مصر وسوريا الى الاردن، فانها تفضل ان تكون متفاجئة حينما تبدو عمان كالقاهرة أو دمشق. ويجدر كي لا يحدث هذا تحديث التصور العام الرائج الذي يسيطر على اسرائيل في عدة نقاط.
يجب على من يرى خطرا بوجود قوات تؤيدها ايران 'على الجدار'، وراء النهر ان يزن مرة اخرى الخطر بوجود هذه القوات على جدار 'الأمن'، في قلب ارض اسرائيل الغربية، اذا نشأت لا سمح الله هنا دولة للعدو في اطار 'مسيرة السلام'.
لا يستطيع من تخلى عن السلام لكنه يؤيد دولة للفلسطينيين الذين ليست لهم دولة، ان يستمر في الزعم الكاذب بعد ان تسيطر الأكثرية الفلسطينية على عمان عاصمة الاردن/ فلسطين.
ومن فتح عينيه ورأى ان حلمه تحقق وانه أصبحت توجد دولة فلسطينية، فسيضطر الى ان يزن من جديد حماقة 'حل الدولتين' غربي الاردن ويطلب حق الانتخاب لعرب ارض اسرائيل الغربية لمجلس النواب الفلسطيني شرقي النهر.
ومن تخلى عن السلام وتضاءلت رغبته كلها الى طرد اليهود عن بيوتهم في بلدهم لكونهم يهودا فقط، فسيضطر الى التخلي عن حلم الترحيل، لأن الدولة الفلسطينية ستكون قائمة. أنا أرفض طرد أي انسان ـ كان يهوديا أو عربيا ـ من بيته حتى في مقابل هذا السلام أو ذاك.
وفي النهاية، فان من دعا الى انشاء دولة للعدو غربي الاردن كي ينشأ تحالف للدول العربية 'المعتدلة' على ايران، فسيضطر الى الكف عن الضلال في أوهامه، ومنهم الرئيس اوباما.
الشرق الاوسط منطقة خطيرة، لكن يمكن العيش في ظروف خطر ايضا اذا تعرفنا على الأخطار مسبقا وقدرنا معانيها تقديرا صحيحا واستقر رأينا مسبقا على الوسائل الصحيحة لمضاءلتها.
ــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
بين كوبا وطهران
بقلم: ايتان غلبوع ، عن يديعوت
ستكون قد انقضت من الغد خمسون سنة على نشوب ازمة الصواريخ في كوبا. كانت تلك أخطر الازمات في التاريخ الحديث لأنها كادت تسبب حربا ذرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي للقضاء على العالم. وفي هذه الازمة عدد من نقاط الموازاة للازمة الذرية الايرانية وعدد من الدروس ذات الصلة.
نشبت الازمة حينما بدأ الاتحاد السوفييتي ينصب صواريخ ذرية على ارض كوبا التي كان قد أصبح يحكمها فيدل كاسترو. ان البُعد بين كوبا وشواطيء فلوريدا 145 كم فقط، ورأت الولايات المتحدة الاجراء السوفييتي تهديدا مباشرة لمدن مركزية في ساحلها الشرقي ومحاولة لبناء قاعدة لثورات شيوعية في امريكا اللاتينية. في تشرين الاول 1962 تمت معركة انتخابية عاصفة في مجلس النواب الامريكي واتهم الجمهوريون الرئيس جون كنيدي بادارة سياسة خارجية مهادنة ليّنة مع الاتحاد السوفييتي وكاسترو. وكان كنيدي مضطرا لوقف نصب الصواريخ في كوبا. ان الاتحاد السوفييتي مثل ايران اليوم كذب وضلل العالم كله حينما أنكر كل نية لنصب سلاح ذري في كوبا. ونشبت الازمة حينما صورت طائرات تجسس امريكية مواقع صواريخ في كوبا. وأحرج الامريكيون السوفييت في الامم المتحدة حينما كشفوا عن الصور المُجرمة. وانشأ كنيدي لجنة خاصة لاتخاذ القرارات جعل رئيسها أخاه روبرت كنيدي الذي كان وزير العدل آنذاك.
واشتملت اللجنة على رجال من الادارة وموظفين كبار سابقين ذوي تجربة كبيرة. وكانت المشكلة هي ضغط الوقت كما هي الحال اليوم في القضية الايرانية. وأبحرت سفن سوفييتية محملة بالصواريخ والمعدات الى كوبا وبُنيت قواعد اطلاق صواريخ في ايقاع سريع. وفي غضون زمن قصير كانت الصواريخ ستصبح عملياتية وتصبح عملية مضادة لها غير ممكنة.
تباحثت اللجنة في عدد من الاختيارات لمواجهة الازمة وانحصر رأيها في نهاية الامر في اثنين هما الهجوم على مواقع الصواريخ وحصار بحري. ووزنت اللجنة في حرص جميع المزايا والنقائص لكل اختيار، واستقر رأيها آخر الامر على حصار بحري. وطلب كنيدي من الاتحاد السوفييتي ان يعيد السفن الى الوراء ويبعد جميع قواعد الاطلاق والصواريخ التي قد وصلت الى كوبا. ووضع خط احمر حول كوبا ووضع فيه سفنا حربية امريكية وأعلن ان كل سفينة سوفييتية تحاول اجتيازه سيتم وقفها. وبعد بضعة ايام متوترة عصبية وتفاوض سري في قناة غير مباشرة، تراجع السوفييت وأبعدوا صواريخهم عن كوبا مقابل تنازلات امريكية كُشف عنها بعد ذلك كانت في الأساس التزام الامتناع عن اسقاط نظام كاسترو بالقوة.
تدل الازمة وصورة انهائها على عدة دروس. من المهم الحصول على 'مسدس مدخن'. وقد حظيت الولايات المتحدة بتأييد عالمي بعد ان كشفت في الامم المتحدة عن اكاذيب الاتحاد السوفييتي. وكان اتخاذ القرارات حذرا ومحسوبا. ومن المعلوم اليوم ان هجوما عسكريا امريكيا على مواقع الصواريخ لو تم لسبب حربا ذرية. ورسم الحصار البحري خطا احمر ونقل الكرة الى الطرف الثاني وخشي السوفييت اجتيازه.
يُعد اتخاذ القرارات في ازمة كوبا الى اليوم نموذجا لمسار منظم محكم، وقد أظهرت الولايات المتحدة الثقة والتصميم وعزز كنيدي تصريحاته بأنه لن يُمكّن السوفييت من نصب صواريخ في كوبا بأعمال على الارض. ومنع تفاوض سري حربا ذرية وأنهى الازمة باتفاق واستطاعت الاطراف كلها تبنيه. ان تطبيق هذه الدروس قد يساعد على وقف المشروع الذري الايراني.
ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
مواجهة ثانية: اختبار زعامة اوباما
بقلم: ابراهام بن تسفي ، عن اسرائيل اليوم
تقول احدى القواعد الراسخة في السياسة الامريكية ان المنافسة على الرئاسة تُحسم على أساس تقديرات اقتصادية تتعلق مباشرة برفاهة المواطن ومستوى حياته، وبمقدار ثقته بسياسة الادارة في هذا الصعيد ايضا. فالرئيس جيمي كارتر الذي خسر في 1980 والرئيس جورج بوش الأب الذي هُزم في 1992 عُزلا بسبب ازمة اقتصادية شديدة كان يصاحبها شعور عميق من الجمهور بعدم الثقة بقدرة واشنطن على توجيه الاقتصاد الى شاطيء الأمان.
لكن برغم هذا الاعتقاد الأساسي قد تكون المواجهة الثانية في التلفاز بين الرئيس براك اوباما والمنافس في المنصب رومني محصورة في قضايا الخارجية والامن خاصة.
وسبب ان هذه المواجهة تثير اهتماما جماهيريا كبيرا جدا لا يكمن فقط في حقيقة ان ظهور رومني الجمهوري المؤثر في المواجهة الاولى (في مقابل أداء الرئيس غير المكترث والمقطوع عن الواقع) غير تغييرا حادا وجهة المنافسة كلها وجعله يقف في موقف انطلاق واعد، بل في ان رومني جعل الجدل في هذا السياق ايضا استفتاءا للشعب في زعامة الرئيس اوباما.
دُفع الرئيس الآن الى موقف دفاعي في الحلبة التي يتمتع بها البيت الابيض بميزة مهمة مستمرة في استطلاعات الرأي خصوصا وذلك لأن اوباما قد اضطر ولا سيما على أثر الهجوم الارهابي في بنغازي الى ان يُسوغ ويُفسر الآن اجراءاته في الصعيدين الاستراتيجي والدبلوماسي التي تشهد في ظاهر الامر على التهاوي السريع لعصر الهيمنة الامريكية تحت صولجان ادارته.
ان الزخم الكبير الذي يتمتع به الآن حاكم ماساشوسيتس السابق عقب نجاحه المفاجيء في دنفر قد تسرب وتغلغل اذا الى الجبهة السياسية والامنية ايضا. وهكذا بعد اسابيع طويلة من المفاسد والاخفاقات، استطاع رومني ان يستعمل سلاح الديمقراطيين مع عرض مواقف معتدلة ومتفق عليها جدا في المجالين الاجتماعي والاقتصادي (بعيدة سنوات ضوئية عن المواقف العقائدية غير المهادنة لليمين المحافظ)، ومع التأليف بين الخطاب ومسائل سياسية وأمنية محددة في سياق واسع في مركزها مسائل صائبة تتعلق بمبلغ قدرة الرئيس الـ 44 على قيادة الأمة الامريكية والنظام الدولي كله.
تحولت قضية سلوك الادارة في المحيط الخارجي من وجهة النظر العامة من مركز تأييد داخلي واسع الى نقطة ضعف اخرى في البيت الابيض. وتحول النقد اللاذع للاخفاقات الاستخبارية والاستعدادات المختلة عشية الهجوم الارهابي في بنغازي سريعا الى لبنة واحدة فقط في مجموع أوسع من علامات السؤال المقلقة المتصلة بصورة الاستراتيجية الامريكية ونوعها في تعلقها بافغانستان والعراق وايران بالطبع. وفي هذا السياق أسهمت المواجهة بين النائبين في تعظيم معضلة الزعامة الرئاسية. وبرغم ان مجالات تخصص المرشح الجمهوري بول ريان راسخة كلها في الواقع الاقتصادي بعامة وفي صعيد الميزانية بخاصة، فقد نجح في ان يُظهر في خلال المواجهة خبرة مدهشة بطائفة واسعة متنوعة من الشؤون السياسية والامنية. وتلاشت جميع جهود خصمه جو بايدن ليطرح عن جدول العمل مسألة الخفوت السريع في ظاهر الامر للعصر الذهبي الامريكي.
أصبحت المواجهة من الغد نافذة الفرص الاخيرة لاوباما ليعيد بناء مكانته باعتباره زعيما بازاء وضعه الصعب في استطلاعات الرأي. سيطمح الرئيس الى محو أثر المواجهة الاولى، لكن كل محاولة منه للانتقال الى اظهار صرامة وحزم أكبر قد تُرى غير صادقة وانتهازية وتعبيرا عن الضعف خاصة
ــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس