مسار حماس إلى الرياض
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
المضمونحماس ليس فقط تنظيم فلسطيني او موضوع مصري داخلي فهي تحولت الى كرت مساومة سياسية ساخنة بين السعودية وايران،وهي الآن تشبه المركب التي تفرد اشرعتها بإنتظار هبوب الريح المناسب لها)
قرار المحكمة المصرية للامور المستعجلة، والتي اعتبرت ان حماس هي منظمة إرهابية، تقريبا احدث ازمة في العلاقات بين سلمان ملك السعودية ورئيس مصر، عبد الفتاح السيسي. بعد ايام معدودة من قرار الحكم بدأت تخرج من العربية السعودية تقارير تفيد بأن الملك يعتزم دعوة خالد مشعل إلى زيارة رسمية للرياض. وعلى الرغم من انهم في حماس لم يؤكدوا ان مثل هذه الدعوة قد وصلت بالفعل او انها من المتوقع ان تصل، الا ان هذه الرسالة السعودية غبر المباشرة كانت كافية من اجل ان تتخذ الحكومة المصرية خطوة غير مسبوقة.
ففي يوم الاربعاء الماضي تقدمت الحكومة المصرية بإستئناف على قرار المحكمة، وان النقاش حول الموضوع من المتوقع ان يتم في 28 من الشهر الجاري. ولم يتم ارفاق اي تفسيرات قضائية بالقرار، المتوقع ان يؤدي إلى إلغاء قرار المحكمة. التفسير الممكن الوحيد هو سياسي. وحماس ليس فقط تنظيم فلسطيني او موضوع مصري داخلي. فهي قد تحولت إلى كرت مساومة سياسية ساخنة بين السعودية وإيران.
على الرغم من السعودية تعتبر حركة الاخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، الا انه فيما يتعلق بحماس يبدو ان سياستها تختلف عن مصر. الملك السعودي، الذي يتطلع لتكوين محور سني يقلص تأثير إيران في الشرق الاوسط، لا يمكنه الاكتفاء بمحور دول، بل انه يحتاج لان يمنح بطاقة تأهيل ايضا لمنظمات سنية، مثل منظمة حماس. التي ما زالت تجد صعوبة في التقرير بشكل نهائي فيما كانت ستعود إلى محور إيران او تتهرب منها وتنضم إلى الدائرة العربية. وفي نفس الوقت فإن إيران نفسها ما زالت لم تقرر فيما اذا كانت ستبذل جهدا من اجل تقريب حماس مجددا اليها، او الاستمرار بالقطيعة السياسية والاقتصادية مع المنظمة التي انفصلت عن سوريا.
وحماس الآن تشبه المركبة التي تفرد اشرعتها بإنتظار مسار الريح المناسب لها. وعلى ضوء ذلك، فإن القرار في اي اتجاه هي مشكلة الاغنياء. فإيران كما هي السعودية بحاجة إلى حماس من اجل ان تحقق افضلية سياسية في المنطقة التي تدور بينهما فيها لعبة المحصلة صفر، والذي يفسر فيها كل مكسب إيراني هو خسارة سعودية، وبالعكس. ولكن الحيرة شديدة: فإذا قررت حماس الالتحاق بمحور إيران، فهي ستكون مضطرة للتراجع عن انتقادتها الشديدة لنظام بشار الاسد والتعاون مع حزب الله، وعندها ستفقد نهائيا اي احتمال لاعادة إعمار قطاع غزة: ومعبر رفح سيظل مغلقا ـ حيث بدون دخول جديد لقوات الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة فإن مصر لن توافق مجددا على فتح المعبر ـ وفي غياب تعبير «الكبير مسؤول»، وايضا اموال المساعدة لا يمكن ان تصل إلى القطاع.
وفي المقابل، فإذا قررت حماس الانضمام إلى المحور السعودي ـ المصري فهي ستكون مطالبة بتنفيذ خطة المصالحة بين فتح وحماس، والتي تعني انهيار كبير لسلطتها في القطاع، ويكون خاضعا لقرار مصر بالطبع ـ وان عليها ان تثبت بأنها لم تعد مرتبطة بحركة الاخوان المسلمين.
فكل قرار من حماس ستدفع ثمنا ايديولجيا وسياسيا باهظا له. وهي ما زالت لا تعلم ماذا ستنال مقابل ذلك، حيث لم تضع لا السعودية ولا إيران لغاية الآن امامها تفصيلا للتعويض الاقتصادي الذي ستكسبه اذا قررت الانضمام لاحداهما.
صمود حماس الاقتصادي، الذي يحتاج تقريبا لمليار دولار في السنة من اجل دفع رواتب اعضائها، ومليارات اخرى إضافية من اجل اعمار غزة، هو المحور الذي يتمركز حوله النقاش الداخلي داخل صفوف الحركة. فالسعودية اثبتت لحماس ان بإمكانها ان تعمل لحماس ما لم تستطع إيران فعله لها إطلاقا ـ وهو ان تجعل حكومة مصر تستأنف على قرار محكمتها. كما ان السعودية تعتزم ان تعرض امام فتح وحماس مبادرة جديدة للمصالحة ـ التي سيخصص اليها كيس سخية من الاموال ـ وهي الوحيدة التي يمكنها ان تجعل مصر تفتح بوابات غزة، مقابل ان منحت في نهاية الاسبوع الماضي للقاهرة مساعدة بمبلغ اربع مليارات دولار.
في المحور السني الذي تعتزم السعودية إقامته فإن حماس ستكون لاعبا هامشيا. والهدف هو ضم تركيا ايضا، ولتعزيز العلاقة بين السعودية وباكستان وبين السعودية ولربط بعض الدول، التي تحتفظ بعلاقات متينة مع إيران.
وترى اسرائيل بنفسها شريكا سريا في هذا الحلف، ولكن من شأنها ان تفقد هذه التطورات اذا نظرت للعلاقات التي تتراكم بين السعودية وحماس بأنها تشكيل جديد لـ «محور الشر»، الذي يفكك منظومة العلاقات التي تم تحديدها في عهد الملك عبد الله ـ منظومة كانت على علم من هم فيها الجيدون ومن هم السيئون، ومن ضمنها حماس، الاخوان المسلمين وإيران كانوا الخصوم المعلنين.
التغييرات في موازين القوى والاضطرابات في العلاقات العربية ـ العربية فاجأت اسرائيل، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بإحصاء عدد الصواريخ الموجهة اليها وإقامة تحالفات جديدة قد توفر لها الفرصة السياسية من نوع ما. فإذا اصبحت قريبا حماس جزء من تحالف سعودي ـ مصري ـ اردني، فإنه لن يعود لاسرائيل اي احتكار على السيطرة على غزة، وايضا مصر(سوية مع السعودية) هي التي تقرر ماذا يدخل وماذا يخرج من القطاع.
هذا هو السيناريو الذي من الممكن ان ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة هنا في اسرائيل بعد الانتخابات. وفي حال تحقق، من شأنه ان يجعل من اسرائيل غير ذي صلة، على الاقل في كل ما يتعلق بمستقبل غزة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
العنصرية الجوهرية لليسار
التعايش مع العرب أمر ممكن والانفصال عنهم ليس حلا مرغوبا فيه
بقلم:مناحيم بن،عن هآرتس
المضمونيتناول الكاتب بعض الشعرات التي رفعها اليسار في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة،حيث يقول ان هناك يافطات تحذر من أن فوز نتنياهو يبقي المجتمع الاسرائيلي "عالق" مع الفلسطينين،ويقول الكاتب ان مثل هذه الشعارات تمثل قمة العنصرية،حيث أن الاعلان يصور العرب والفلسطينيين وكأنهم ادنى مرتبة من اليهود)
اعلان ضخم يواجه المسافرين في خط أيلون القادمين من شارع «هلخاه» حتى جسر صحيفة «معاريف»: مع بيبي – بينيت سنبقى عالقين مع الفلسطينيين إلى الأبد. ليس هناك صيغة تصور بشكل أفضل العنصرية الجوهرية والخطأ الاساسي لليسار ـ نفس اليسار ـ الذي يريد «التخلص من الفلسطينيين» وفي الاساس «عدم البقاء عالقين معهم».
ماذا يقول هذا الاعلان في الحقيقة، وعن أي مشاعر واحاسيس يريد أن يتحدث؟ بداية الاعلان يريد تفصيل احتقار العرب بصورة عامة. «الفلسطينيون» في هذا السياق هو الاسم السري المغسول للعرب بشكل عام. وأكثر من ذلك: جزء كبير من عرب اسرائيل (ليس لوسي أهريش المدهشة وفخر دولة اسرائيل) يعتبرون أنفسهم فلسطينيين في دولة اسرائيل. هل وجهت اللافتة لهم ايضا، بيقين نعم، في اطار الكذب العام، وكأن بالامكان التخلص من الفلسطينيين ـ الامر الذي سنوضح إلى أي درجة هو عكس ما يبدو: السلام مع الفلسطينيين يعني عدد أكبر من الفلسطينيين في اسرائيل وليس عدد أقل، كما تتعهد ظاهرا اللافتة الغبية والمثيرة للاشمئزاز.
لكن الاهانة في كل الحالات واضحة: ما الذي يشعر به عربي مواطن في دولة اسرائيل، الذي يعتبر نفسه فلسطينيا عندما تعرض عليه لافتة ضخمة من قبل معسكر اليسار عالما لا يوجد فيه فلسطينيون. أو أنهم بعيدون خارج الحدود، هناك بعيدا عن العين. عالما ليس فيه بتاتا أمر كهذا، هو شيء آخر ألطف وأكثر تعقيدا. لا للافتات قبل الانتخابات، أي أن هذه اللافتة تستهدف قبل أي شيء آخر كارهي العرب على أنواعهم، على الأقل من يكرهونهم من اعماق قلوبهم. اولئك الذين يريدون «نحن هنا» و»هم هناك». صوّت «إيميت» أو ميرتس وعندها سيختفي العرب عن الأعين، لن تراهم على شاطيء البحر، في البرك، في الحدائق العامة وفي المستشفيات. فقط مع بيبي ـ بينيت «نحن عالقون مع الفلسطينيين إلى الأبد». من غيرهما سيختفوا من أمام أعيننا. مسكين من يصدق ذلك.
وهنا إسمحوا لي أن أقطع للحظة السياق، قبل أن نواصل إلى مسألة ماذا سيحدث بالفعل اذا حاولنا حقا الانفصال في حدود كهذه أو تلك عن الفلسطينيين، في شارع 6، لنفرض (اشارة: سنكون عالقين معهم أكثر).
قبل ذلك أرغب في التحدث قليلا عن تجربتي في الاربع سنوات ونصف الاخيرة كمستوطن في المناطق، في مستوطنة نوفيم، على بعد ربع ساعة من اريئيل باتجاه كدوميم بين التلال. توجد لي في الحقيقة علاقة بالحد الادنى مع السكان الفلسطينيين الذين يسكنون في القرى المجاورة، ولكن في نقاط الاحتكاك القليلة بيننا كل شيء جيد، وأكثر من جيد. أنا أشتري من بعض البقالات العربية الرخيصة لدى الدخول إلى اريئيل وفي الطريق إلى برقان. أنا آكل الحمص العربي الفاخر. أنا، أو أكثر دقة زوجتي، تستعين بالعمال العرب في كل الاعمال، وأندهش من أهليتهم العمالية، ومن حين إلى آخر أرى عربيا على حماره يتمايل ببطء في الطرق المحيطة بنا، أو أرى شبابا يقطعون الشارع مع قطعان أغنامهم وقلبي يذوب من المحبة ليس فقط لأن المشهد ساحر بل ايضا لأنه يحافظ على مشاهد التوراة المحببة لنفسي، وعلى الوعد المسيحاني: «فقيرا ومُخلصا هو فقيرا يركب على حمار». وأيضا أحب أن أسمع المؤذن في الفجر من القرى المجاورة يقول «الله أكبر». صحيح إن الله كبير ايضا في عيني.
من غير هذه المشاهد ماذا كنا سنكون؟ هل كنا سنكون ساكني ناطحات سحاب لا يشاهدون الحمار إلا في حديقة الحيوانات؟ يأكلون طعاما صناعيا ـ بامبا وبيسلي الخ ـ والذين علاقتهم مع الخضار والفواكه آخذة في التناقص؟ هنا الفواكه والخضار والخبز العربي والحمص العربي (ليس «أحلى» ولا «تسبار») هي الأساس.
من حين إلى آخر أسافر مع الفلسطينيين في الحافلات الاشكالية لشركة اوفكيم. عمال مستقيمون يقومون بعملهم الجسماني الشاق باخلاص يثير الانفعال ويعودون مغبري العيون من كثرة العمل. أنا أحب العرب، ليس المخربين من بينهم، كما هو مفهوم (خلافا لليبرمان أنا مع الاعدام لكل قاتل عمدا وليس فقط للمخربين)، بل المثقفين الذين يسعون إلى السلام والفريدين من نوع سري نسيبة الرائع، أين هو.
لو كنا جميعا لطيفين مثله، اسرائيليين وفلسطينيين، لكان بالامكان فتح كل الحدود. فهو عرض ذلك في حينه وعارض تقسيم البلاد.
وهكذا أنا بالتأكيد أعزو جزء من الاحتكاك بين الاسرائيليين والفلسطينيين في المناطق إلى التعالي المقيت لجزء من المستوطنين على العرب، لا أريد الحديث عن مجانين كهانا على أنواعهم، أو «شارة الثمن»، فهم والمخربون في نظري سواء.
لكن أن نعيش مع الفلسطينيين، ونتعلم قدرتهم على العيش، ونتمتع من القدرة على العمل، وأن نحب تدينهم المستقيم والطبيعي (ليس الرعب الإسلامي) وأن نرى سلوك نسائهم المتواضعات والجميلات والتأثر من الجمال الكامن في البساطة والتواضع ـ هو أمر موصى به بالتأكيد. مع هؤلاء الفلسطينيين أريد أن أبقى عالقة إلى الأبد، وليس مع أي شخص أو غيتو اشكنازي ـ شرقي ـ يهودي. ما هي تل ابيب مثلا من غير يافا؟ مكان أقل سحرا بكثير، أليس كذلك؟.
لن أدخل الآن إلى كل اقتراحاتي السياسية التي أساسها كلنا معا وكل بمفرده (اذا كان هذا ممكنا في القدس حسب اقتراح كل الاطراف، فلماذا لا يكون ذلك في كل هذه الارض الصغيرة؟). لكن من الجدير أن نفهم ـ واليسار لا يفهم ذلك مثله مثل اليمين الذي يصم أذنيه ـ أن كل وضع من الانفصال من اجل السلام الآن كما يبدو بيننا وبين الفلسطينيين سيجلب لنا ليس فقط الكثير من الحروب ولكن ايضا الكثير من الفلسطينيين إلى داخل دولة اسرائيل نفسها. طالما أنا اؤيد أن يكون الفلسطينيون في اماكن سكنهم (الى جانب المستوطنين) فانني بالتأكيد ضد اغراق دولة اسرائيل نفسها بالفلسطينيين تماما مثل أن أي قرية فلسطينية وبشكل عام ايضا أي قرية عربية اسرائيلية لا تريد اسرائيليين أكثر من اللازم داخلها، إلا اذا جاءوا للشراء والذهاب.
لكن ليس هناك شك: في ظروف السلام سيكون هنا الكثير جدا من الفلسطينيين. يكفي أن نفكر مثلا في اتفاق التهدئة الذي نتحدث عنه (كلنا معه) بيننا وبين حماس في غزة، حيث أن معناه الفوري هو الكثير من العمال من غزة الذين سيسمح لهم العمل في اسرائيل تماما مثل أن كل «سلام الآن» بيننا وبين الفلسطينيين في يهودا والسامرة معناه مرونة اكثر لدخول الفلسطينيين إلى اسرائيل، ولا نريد الحديث عن مرور حر للفلسطينيين بين الضفة وغزة. تماما مثل أن اتفاق السلام مع الاردن جلب الكثير من العمال الاردنيين إلى اسرائيل الذين بقي عدد منهم كماكثين غير شرعيين في القرى العربية. أي، كل من تعهد لنا بأنه عن طريق التصويت لليسار سنحصل على عدد أقل من الفلسطينيين الذين سيكون مكان سكنهم خلف الخط الاخضر، داخل دولة اسرائيل ـ لا يعرف عما يتحدث (أو يعرف ويكذب). سنحصل على عدد أكبر كثيرا. حتى أن موجة السياحة العربية في ظل السلام (تخيلوا أن اسرائيل فتحت السياحة أمام مئات الملايين من العرب المحيطين بنا) يمكنها أن تهدد الهوية الاسرائيلية. الوقت غير ناضج هنا لحدود مفتوحة على صيغة اوروبا. في الوقت الحاضر علينا الحفاظ على تأشيرة مراقبة وسلام مراقب. لقد سبق وكان هنا بعد 1967 حدود مفتوحة على صيغة موشيه ديان، وقد انتهى ذلك في الانتفاضة. ايضا الآن سينتهي ذلك بصورة سيئة.
لهذا علينا الذهاب رويدا رويدا وأن نرى الجيد ايضا في الحدود الحالية الفاصلة بيننا وبين الفلسطينيين وكذلك في الحياة معهم معا، بما في ذلك السيادة الفلسطينية المعينة، التي بفضلها لسنا في الحقيقة عالقين مع الفلسطينيين كما كنا قبل اتفاق اوسلو واقامة السلطة الفلسطينية. كل ذلك تحسينا متواصلا لشروط الحياة: لماذا على سبيل المثال علينا أن نفتح فقط معبرا واحدا يكتظ فيه آلاف الفلسطينيين لبضع ساعات في طريقهم إلى العمل في اسرائيل بدلا من فتح عشرة معابر أمنية؟ أليس ذلك مفضلا للطرفين، كم يكلف ذلك بالمقارنة مع المرارة التي يوفرها؟.
اذا ماذا اقترح في السطر الاخير؟ في الاساس أن نرى في التواجد المشترك لنا مع الفلسطينيين ومع عرب اسرائيل ـ حيث أن هذه الارض اصبحت مرقطة بالقرى العربية والعبرية، وليس هناك أي تواصل جغرافي من العرب أو العبريين ـ سواء كان ذلك نعمة أو نقمة، وأن نتقاسم معهم الارض على صيغة سلام القدس، لكن بالتأكيد ألا نقسمها. وفي الاساس أن نتصرف بعقلانية، بحذر وبمحبة. وألا نطرد، لا سمح الله، أي شخص من بيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
نتنياهو… نعم أم لا؟
في هذه الانتخابات وصل الحال إلى النقطة التي تصبح فيها الحسابات الشخصية هي الأساس
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
المضمونيصور الكاتب حال الاحزاب الكبيرة في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة وكأنها سفينة يخشى ربانها من الغرق؛لذلك بدأ نتنياهو بتوزيع الحقائب الوزارية مثلما يبدأ ربنا السفينة بافراغها خوفاً عليها من الغرق)
ذات مرة، حين كانت السفن تعلق في عاصفة في بحر، درج القبطان على أن يلقي قبل كل شيء بالاثاث. فلعل السفينة تستقر فوق الامواج وليس تحتها ولعل أرباب البحر ترضى. وعشية الانتخابات في 2015 درج قادة القائمتين الكبريين، بنيامين نتنياهو واسحق هرتسوغ على التصرف مثل ذاك القبطان. فقد باع نتنياهو كل ما وجده على الرفوف: المالية لكحلون، الدفاع لبينيت، خطاب بار ايلان لمصوتي اليمين. وسار هرتسوغ امس في اعقابه، في بيان اللحظة الاخيرة عن الغاء اتفاق التداول مع تسيبي لفني.
هناك الكثير من القواسم المشتركة في سلوك الرجلين. بداية وقبل كل شيء، الهلع. ولعل الفزع هي الكلمة الادق. وثانيا، الاحبولة. كل من يشارك في السياسة يعرف بانه لا يوجد أي معنى للوعود التي قطعها نتنياهو: فهي مكتوبة على الجليد في يوم قائظ. كل من يشارك في السياسة، بمن فيهم لفني نفسها، يعرف بان ليس لاتفاق التداول بين هرتسوغ ولفني أي فرصة لان يطبق عمليا. وفي افضل الاحوال كان مجرد امنية، خيال.
في الايام الاخيرة مورست على هرتسوغ ولفني ضغوط هائلة. وكانت الحجة هي ان الغاء التداول سيضيف للعمل مقعدين ـ ثلاثة مقاعد، ويخلق الفجوة التي يتمناها رجاله. كما طرحت ادعاءات مضادة. اما أمس فأخذوا في المعسكر الصهيوني الانطباع بان الفجوة تقلصت. وافاد مدير حملة المعسكر الصهيوني روبين ادلر هرتسوغ ولفني بالمعطيات. وامتنع عن الاعراب عن الرأي ولكن المسدس كان على الطاولة.
رفع هرتسوغ الهاتف للفني. وكررت على مسمعه جملة قالتها في مقابلة في كفار ساسا: لن تضع اتفاق التداول عائقا امام المفاوضات الائتلافية. فنقل النبأ إلى الإعلام، وفهمت القناة 2 ما فهمت، وخرجت الامور عن السيطرة. وما ان بث النبأ حتى كان هرتسوغ ملزما بان يقف خلفه، سواء شاء أم أبى، وكذا لفني، بتأخير ساعة.
تستشرف موافقة لفني المستقبل. فاذا وصل حزب العمل اليوم إلى انجاز مفاجيء في صندوق الاقتراع، فيمكنها ان تتشرف بمساهمتها في الانجاز. واذا كانت النتيجة مخيبة للامال فأحد لن يلقي عليها باللوم. هكذا في الليكود ايضا: السلوك الطائع للوزراء يفسر فقط بالخوف من ان يتهموا بالهزيمة. ما يفكرون به عن الحملة لن نعرفه الا بعد احصاء الاصوات.
احدى القواعد الحديدية في الحملات السياسية هي انه محظور اجراء التفافات حادة. فالحراكات في اللحظة الاخيرة تفسر بانها فزع. وفيها خطر. أما نتنياهو وهرتسوغ فتصرفا هذه المرة بشكل مختلف. والان كل واحد منهما يتهم الاخر بالفزع، ولعلهما الاثنين محقان.
في كل حال، ليست دراما أمس سوى قنبلة دخان وليس قنبلة ذرية. بعض المترددين الذين رأوا في التغيير فعل ضعف كفيلون بان يخرجوا. آخرون، ممن مالوا للتصويت بسبب عدائهم للفني، كفيلون بالتسلل إلى الداخل. وبقوة، عندما سيقف الناخب خلف الستار سيجد بطاقة «أ م ت» التي سجل اسم لفني عليها. ومشكوك أن يؤثر الغاء التداول على اختياره.
تصل هذه الانتخابات إلى لحظة الحسم في وضع من انعدام اليقين. فالناخب لا يعرف ماذا سيفعل بصوته، هل سيكون جزءا من المادة التي ستبنى منها حكومة وحدة، هل سيساهم في اقامة حكومة ضيقة، هل سيستثمر صوته في المعارضة ام ربما سيضيع هباء على حزب لن يجتاز نسبة الحسم. في كل تصويت يوجد هذه المرة عنصر من المراهنة. ظاهرتان هما اللتان ولدتا انعدام اليقين هذه المرة: رفع نسبة الحسم والمكان المركزي الذي احتله نتنياهو في حملة الانتخابات.
لقد حطم رفع نسبة الحسم مسلمات في الخريطة السياسية. اسرائيل بيتنا، الذي تعرض لضربة شديدة بسبب التحقيقات وبسبب هرب الجيل الثاني من مهاجري روسيا، يقف قليلا فوق نسبة الحسم. في مثل هذا الحزب توجد أهمية كبيرة ليوم الانتخابات. على احد ما أن ينقل المهاجرين العجائز إلى صناديق الاقتراع، على احد ما أن يحرص على أن يصوتوا. من أدار الحزب بنجاح كبير في الماضي كانت باينا كيرشنباوم والمدير عام دافيد غودوبسكي. وقد تعطلا الاثنان بسبب التحقيق. ولشدة المفارقة، فان نسبة التصويت العالية لدى العرب، والتي سترفع عدد الاصوات اللازمة للحصول على مقعد، كفيلة بان تكون الضربة القاضية لحزب ليبرمان.
ميرتس هو الاخر ليس بعيدا عن الخط الاحمر. هذا ما يحصل لهذا الحزب بشكل عام عندما يأتي العمل، الحزب الشقيق الاكبر إلى الانتخابات من المعارضة. وحملة الصرخة التي ادارها ميرتس في الاسابيع الاخيرة لم تكن مختلفة في طبيعتها عن حملة نتنياهو في الايام الاخيرة. فقد اعادت له على ما يبدو الناخبين الذين تساقطوا من المعسكر الصهيوني. والسؤال هو هل هذا سيكفي وهل في نسبة حسم كهذه سيتمكن ميرتس من الوجود في المستقبل.
القائمة الثالثة القريبة من نسبة الحسم هي ياحد بقيادة ايلي يشاي، تحالف الكهنيين والاصوليين القوميين من البيت اليهودي. وعلى فرض أن تجتاز نسبة الحسم السؤال هو هل ستتفكك غداة الانتخابات. سؤال مشابه يحوم فوق القائمة المشتركة للاحزاب العربية. معظم جمهورها يريدها ان تبقى موحدة، وفي اطار دائرة التأثير. اما الرواسب الشخصية والايديولوجية فتشد في الاتجاهات الاخرى.
لقد سبق أن قيل ان هذه الانتخابات دارت حول شخص واحد: نتنياهو. فقد خرج الليكود إلى حملة كلها نتنياهو. المعسكر الصهيوني هو الاخر خرج إلى حملة كلها نتنياهو. فمع هرتسوغ ولفني وحدهما ما كانوا سيصلون بعيدا. لبيد هاجمه كل يوم. بينيت بنى حملته على عدم ثقة ناخبيه بنتنياهو، وبعد ذلك تبنى نتنياه وأمس هاجمه مرة اخرى. جمعيات قامت كي تدعو لاستبدال نتنياهو. تبرعات ضخت، من اسرائيل ولشدة الاسف من الخارج ايضا. والارتباط الاستثنائي بين تسيبي وحزب العمل قام فقط بسبب شدة المشاعر تجاه نتنياهو. والتنازل عن التداول اتيح هو ايضا لان الانتصار على نتنياهو كان أهم من كل نزعة شخصية. نادر أن يكون رئيس وزراء يثير مشاعر الضغينة بمثل هذه الحجوم.
يمكن القول ان نتنياهو كسب هذه الضغينة باستقامة. كانت هنا على ما يبدو، جملة من الاسباب، لا تستقر على محور اليمين ـ اليسار. فقد اعتبر نتنياهو كمن يعيش في فقاعة. حياته الحقيقية ليست حياتنا الحقيقية. وكل اسرائيلي اجرى حساب النفس الشخصي لديه. نتنياه يقول اننا نبني عشرات الاف الشقق: فاين شقتي، نتنياهو يقول اننا انتصرنا على حماس في الجرف الصامد: وأنا ارى حماس من نافذة بيتي في ناحل عوز. نتنياهو يقول انه ضحية مؤامرة عالمية: فأين هذه المؤامرة.
أنا ايضا استمع لما يقوله نتنياهو عن مهنتي، عن مكان عملي، لا يمكنني الا أن استخلص شيئا ما غير طيب حصل في العلاقة بينه وبين الواقع. ومثل بعض من سابقيه، وصل إلى النقطة التي تصبح فيها الحسابات الشخصية، الكراهيات، المخاوف هي الاساس. هذا لا يبشر بالخير قبيل ولاية اخرى. اذا كان هذا هو ما سيملي نتائج الانتخابات.
هذه المرة، كما يبدو، الانتخاب هو شخصي. نتنياهو، نعم أم لا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
حماس لم تعد عمليا تشكل خطرا في ضوء الخطط المصرية.. أين بالضبط انتصرت على اسرائيل؟
بقلم: نوح كليغر،عن يديعوت
المضمونينتقد الكاتب آراء رجال الامن في الانتخابات الاخيرة،والذين هددوا وحذروا من قوة حماس،والذين انتقدوا نتنياهو بسبب ما اسموها هزيمته في غزة، ولا يرى الكاتب أي هزيمة،فلا الحصار رفع،ولا احد من العالم ناقش حماس في آلية رفع الحصار،ولا مطالبها الاخرى)
ليست هذه هي المرة الاولى التي أتعاطى فيها مع كل اولئك الامنيين الكبار الذين فجأة، قبل الانتخابات بالذات، يروون لنا عن المشاكل في اثناء خدمتهم، حين كانوا قلقين جدا من سياسة المسؤولين عنهم، كرئيس الوزراء أو وزير الدفاع.
واضح أنهم لا يمكنهم ان يكشفوا بالضبط عما يدور الحديث، وذلك لانهم يأتون من أجهزة سرية للغاية – بالضبط مثلما لا يمكننا أن نعرف اذا كانوا نجحوا حقا في اداء مهام منصبهم. ومع ذلك، مسموح ايضا للموطن العادي ان يعرب عن الرأي في سلوك “ما بعد المنصب” لاولئك فرسان الامن عندنا. مثلا عن هذه التصريحات أو تلك، مثلما سبق أن كتبت، ليست لدينا أي امكانية لان نفحص لا مصادرها ولا مدى صحتها ودقتها.
مسموح لنا ايضا أن ننتقد اولئك الذين يظهرون في فيلم الدعاية المناهضة لاسرائيل بوضوح والضارة للغاية. ومسموح لي ايضا ألا اتفق مع احدهم، رئيس المخابرات المتقاعد، الذي يعلن مؤخرا من تحت كل شجرة خضراء وامام كل ميكروفون بان في حملة “الجرف الصامد” خسرت اسرائيل ضد حماس في غزة.
ولما كنت غبيا تماما في كل ما يتعلق بشؤون التجسس (رغم اني “اموت” على الكتب والافلام في هذا الموضوع) فلا مفر عندي غير قبول الصورة عن الوضع من قراءة الصحف ولا سيما مما يجري في الميدان.
وعليه، فبعد نحو نصف سنة من انتهاء تلك الحملة، يبدو بوضوح أن “في الميدان” لم يجرِ عمليا أي شيء على الاطلاق في كل ما يتعلق بعصابة حماس في غزة. وبكلمات اخرى، باستثناء الاحاديث العابرة في الاسبوعين الاولين بعد “الجرف الصامد”، ولا سيما من خلال المصريين، لم تكن أي لقاءات ومحادثات، لا مباشرة ولا بوساطة ما، مع تلك العصابة.
بمعنى ان احدا لم يتحدث معهم عن المطالب والشروط التي طرحوها لاجل انهاء المعارك. لا الاوروبيين، لا الامريكيين ولا الدول العربية على انواعها تحدثت عن انهاء الحصار – وبالتأكيد ليس مصر، التي اعلنت عنهم كمنظمة ارهاب ينبغي تصفيتها.
وبالتالي فاي “انتصار” لحماس بالضبط يتحدث عنه رئيس المخابرات المتقاعد؟ ربما يقصد حقيقة أن قطر لم تعد سخية جدا على مستوى تبرعاتها، أو ان في غزة عمليا لم يجرِ اعمار شيء؟
كما أن ثمة اعتقاد بان حماس نجحت في انتاج صواريخ محسنة. ولكن مع ذلك يمكن بالتأكيد القول ان هذه العصابة لم تعد عمليا تشكل خطرا، وبالتأكيد ليست عاملا ذا اهمية. في ضوء الخطط المصرية، ليس حماس ايضا أي مستقبل. وبالتالي أين بالضبط انتصرت على اسرائيل؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
الاحتفال بالديمقراطية أقرب إلى الاحتفال بالقمامات
بقلم: عكيفا الدار،عن المونيتور العبري
المضمونيقول الكاتب ان نجاح نتنياهو ونجاح هرتسوغ في الانتخابات بما يتعلق بنظرتهم للقضية الفلسطينية واحد،فمشهد التوقيع على اتفاقية بين السيد الرئيس محمود عباس وهرتسوغ، اقرب الى مشهد خروج ليبرمان من حفلة راقصة مع حنين الزعبي)
أعضاء "معسكر السلام" الإسرائيلي الفلسطيني ليسوا بحاجة ليبذلوا جهد حبس أنفاسهم لحين انتهاء جرد أصوات الجنود، حتى وإن كانت يدا "المعسكر الصهيوني" هي العليا، وحتى إن وقع البالغ من "الليكود" موشيه كحلون اسمه على اتفاق ائتلافي إلى جانب اسم زهافا غالؤون من "ميرتس"؛ فإن صورة يتسحاق هرتسوغ ومحمود عباس (أبو مازن) وهما يوقعان على اتفاق لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لا تزال تبدو واقعية تماماً مثل صورة أفيغدور ليبرمان وهو يخرج في رقصة مع حنين زعبي.
تجارب الماضي تعلمنا ان حكومة هجينة كهذه أو حكومة وحدة بين "الليكود" و"المعسكر الصهيوني" تفكك مستوطنة يهودية في الخليل وتخلي 120 ألف مستوطن وتتنازل عن الأحياء العربية في القدس؛ الاحتمال الأقرب على ما يبدو أن يعلن عباس أمام البرلمان الفلسطيني أن إسرائيل كانت وما زالت دولة الشعب اليهودي فقط لا غير، كما ذكرت هنا في الشهر الماضي فإن حكومات مثل هذه هي وصفة للشلل السياسي.
الكثيرون من المواطنين الإسرائيليين، إن لم يكن معظمهم، لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع لكي يصوتوا لصالح حزب يتأملون منه حقاً أن يأتي بالسلام والقضاء على حماس ومنع إطلاق الصواريخ مرة أخرى على بئر السبع أو وقف برنامج إيران النووي، تشير الاستطلاعات إلى أن تكاليف الحياة والرفاه الشخصي يتصدران اهتمامات غالبية الإسرائيليين، وإلى ذلك فإن الأزواج الشابة، والذين أبدوا في معظمهم في العام 2011، شبعوا من الوعود التي لا رصيد لها بتخفيض أسعار السكن، ولذلك فإن انتخابات 2015 ستسجل في التاريخ القصير، ولكن كثير الحكومات الإسرائيلية (متوسط عمر الحكومة في إسرائيل هو عامين – 33 حكومة خلال 66 عام) ان الانتخابات التي تركزت في السؤال "من تريد/ ين أن يكون في السلطة؟"، وبناءً عليه فإن الشعارات الرائدة في الدعاية الانتخابية كانت مثل "إلا بيبي" وعلى النقيض "إما نحن أو هم".
هناك من سيصوتون ضد هذا الذي خيب أملهم واستفز الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو لمجرد أنهم ضاقوا به ذرعاً، وآخرون سيصوتون ضد من سيسلم المناطق للعرب ويتملقون أوباما أو لمجرد أنهم لا يعجبونهم، العشرون مقعداً او يزيد التي ستسقط على ما يبدو في بعضها لبيد وكحلون – الأشخاص الذين هم أحزاب – ستأتي في غالبها من منتخبين يصعب عليهم أن يقرروا من الذي لا يريدونه في السلطة "بيبي أم بوغي"، الكثير من المقترعين من القائمة المشتركة، ومن بينهم القوميين والشيوعيين والإسلاميين وغيرهم، سيذهبون على ما يبدو إلى صناديق الاقتراع لكي لا يصوتوا لصالح حزب له علاقة بالصهيونية، العامل المشترك الأوسع في هذه الانتخابات يمكن تلخيصه في كلمتين "بغض الآخر".
نتنياهو ربح بغضه بنزاهة أو بشكل أدق بعدم نزاهته، لقد خرق تعهده بتقديم حل الدولتين وثقب الصحن مع حكومة أوباما وأدار ظهره للطبقات الضعيفة وبذر أموال الجمهور في أمور كمالية، وأخطر من هذا كله جر بيبي إسرائيل إلى حرب زائدة وفاشلة مع حماس، حصدت أرواح 72 إسرائيلياً وشلت الدولة على مدار أسابيع طويلة، ومع ذلك فقد كان لليمين زعيم تسبب لدولة بضرر ليس أقل ثقلاً، إن لم يكن أثقل، ورغم ذلك كله فقد تحول إلى عزيز إسرائيل، بمن فيهم جزء معتبر من اليسار.
أريئيل شارون، سلف نتنياهو في قيادة "الليكود"، كان الإسرائيلي المسئول المباشر عن حرب لبنان التي كلفتنا حياة 1206 من جنود الجيش الإسرائيلي، وشريك غير مباشر في مذبحة صبرا وشاتيلا، لقد طور صناعة المستوطنات وأضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، رغم انه أمضى حياته كلها في خدمة الجمهور؛ فقد نجح شارون أن يقيم لنفسه مزرعة على أرض تساوي عشرات الملايين، حتى تسيبي ليفني التي أيدت بشغف خطة الانفصال قالت لي ان قرار شارون بتنفيذها بشكل آحادي بدلاً من تسليم غزة لعباس كجزء من عملية سياسية كانت من باب "رمي مفاتيح غزة في الشارع، ولم يكن أمام حماس سوى التقاطه"، الانفصال إذن منح شارون إمكانية التنصل من التقديم بخارطة الطريق، والتي أريد لها أن تجمد توسيع الاستيطان بهدف إنقاذ اتفاقية أوسلو.
في المعركة الانتخابية الحالية؛ قُدم "المعسكر الصهيوني" على انه مجموعة من المتعاونين مع العدو العربي، وفي المقابل قام اليسار بمحاولة نزع الشرعية عن رئيس الحكومة، تذكر بنزع الشرعية التي فعلها رئيس حزب "الليكود" نتنياهو قبل عشرين عاماً برئيس الحكومة اسحاق رابين وبقية "مجرمي أوسلو" في السنوات التي تلت توقيع الاتفاق، في إطار الحملة الآنية ضد بيبي علقت في شوارع البلاد يافطات عملاقة عنصرية تبقينا عالقين مع الفلسطينيين للأبد.
الشوق (في أوساط المعسكرين) إلى طرد نتنياهو بلغت حد تحويل التجمع الإنساني إلى مصدر إزعاج قومي، وكما هو معروف فإن الكثيرين من المواطنين الإسرائيليين العرب يعتبرون أنفسهم "فلسطينيين مواطنين في اسرائيل"، وعندما شبه نفتالي بينيت المشكلة الفلسطينية بالشوكة في الإلية سمع صراخ اليسار في جميع أنحاء البلاد، ولكن يبدو هذه المرة أن كل شيء مسموح، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يصف أيمن عودة، وهو واحد من قادة القائمة العربية المشتركة، وهو الحزب الذي يمثل جماهير كبيرة؛ بأنه "طابور خامس"، رئيس جهاز الدعوة في القائمة المشتركة رجاء الزعاترة يقارن الحركة الصهيونية بالتنظيم المعروف بقطع الرؤوس، ارييه درعي وايلي يشاي وهما رئيسا حزبين متدينين "شاس" و"ياحد" يلعبان بالحاخام الميت عوفاديا يوسيف كما لو كان كرة من الخرق البالية، الأديب المحترم يائير غربوز يتحدث بنفس واحد عن المغتصبين واللصوص وعن جمهور واسع من الناس الأسوياء الذين يؤمنون بقوة السحر.
وسائل إعلام مركزية أيضاً تأثرت من الجو العام في المعركة الانتخابية، وبدلاً من تزويد الجمهور بوصف معقول منطقي، ومن اليمين ما أمكن الواقع لكي يمكنه من اتخاذ القرار المتزن في صناديق الاقتراع؛ فإن الصحيفتين الكبريين "يديعوت احرونوت" و"إسرائيل اليوم" انشغلتا أكثر فأكثر بفرض حمأة من الآراء السياسية، في "إسرائيل اليوم" هاجموا بلا تردد صحيفة "يديعوت" ومديرها نوني موزيس، وفي المقابل المحلل الكبير في "يديعوت" ناحوم برنياع نزل بمستواه وزعم أن رئيس الحكومة مصاب بجنون العظمة وانه بحاجة إلى دخول المستشفى.
اكلاشيه "الاحتفال الديمقراطي" الذي ترأس الرسوم البيانية في الأيام التي سبقت الانتخابات اختفت هذه المرة، وكأنها لم تكن في الحوار الجماهيري، المعركة الانتخابية ستنتهي ولكن مثل أكوام القمامة في الحدائق العامة والمحميات الطبيعية، صبيحة الاحتفالات بيوم الاستقلال ستخلف وراءها طبقة سميكة من علائق الخردة، ان لم نعرف كيف ننظفها سنغرق جميعاً في أكوامها اليمين واليسار واليهود والعرب والمتدينون والعلمانيون.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


رد مع اقتباس