[IMG]file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG]
في هــــــذا الملف:
عيون وآذان (حتى الولايات المتحدة تدين اسرائيل)
بقلم: بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
لماذا الانتفاضة الآن؟
بقلم: حيّان جابر عن العربي الجديد
أيُّ اعتدال في الإرهاب؟
بقلم: عبد الإله بلقزيز
رأي القدس: الاعتداءات الإسرائيلية متواصلة… والرد مازال مُنتظرا
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
راي الوطن: إسرائيل رأس الإرهاب
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
ثلاثة أعوام من مأساة مخيم اليرموك
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
أردوغان: 'المعارض المعاضد' لإسرائيل
بقلم: أمين بن مسعود عن العرب اللندنية
عيون وآذان (حتى الولايات المتحدة تدين اسرائيل)
بقلم: بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون مكانه أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، فأنا أجده إرهابياً ككل عضو في حكومة مجرم الحرب الآخر بنيامين نتانياهو، وإذا برّأته محكمة دولية أقبل حكمها.
هو وقح إلى درجة أن يهاجم جماعة «كسر جدار الصمت» الإسرائيلية التي تضم جنوداً سابقين يسجلون جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين، وقد مُنِع جنود الاحتلال والقتل والتدمير من الاتصال بأعضاء الجمعية وغيرها من جهات إسرائيلية ليبيرالية تنتصر للفلسطينيين.
في وقاحة يعالون، أو أوقح إذا كان هذا ممكناً، ما يُسمّى «الأهل المفجوعون» والمقصود أهالي جنود الاحتلال الذين قتِلوا في المواجهات مع الفلسطينيين. هل كانوا قتِلوا لولا أن حكومة مجرمة دفعتهم إلى مواجهة أصحاب الأرض بالسلاح؟ هل كانوا قتِلوا لو أنهم بقوا في روسيا وأوروبا الشرقية، أو لم يغادروا جبال القوقاز من حيث أتوا؟ هل كانوا قتِلوا لو وجِدَت دولة فلسطينية مستقلة في 22 في المئة فقط من أرض فلسطين؟
الاحتلال يقتل كل يوم فلسطينياً أو اثنين أو ثلاثة، وعادة ما يشمل القتل صغاراً، والنتيجة أن الفلسطينيين تحت الاحتلال فقدوا الأمل بدولة مستقلة، فقد أظهر استطلاع فلسطيني للرأي العام أن 45 في المئة فقط يؤيدون دولتين مستقلتين جنباً إلى جنب في حين أن 67 في المئة يؤيدون استمرار مقاومة الاحتلال بكل سلاح ممكن.
أهم مما سبق أن الرئيس باراك أوباما بلّغ «الرئيس» الإسرائيلي روفن ريفلين خلال زيارته الأخيرة واشنطن أن الإدارة الأميركية غير قادرة على الدفاع الديبلوماسي عن إسرائيل في المحافل الدولية مع غياب عملية السلام.
ولاحظ أوباما أن المواقف ضد إسرائيل في المنظمات الدولية ليست جديدة، وقد سعت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى الدفاع عن إسرائيل، غير أن إدارة أوباما تجد ذلك صعباً الآن في وجه تعنت حكومة نتانياهو.
في خبر أميركي مرافق ومماثل نشرت مجلة «نيويوركر» نبذة عن حياة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كتبها رئيس تحرير المجلة ديفيد ريمنيك الذي ينقل عن مسؤولين أميركيين قولهم أن نتانياهو «قصير النظر متشدد ليس أهلاً للثقة وعادة هو قليل الاحترام للرئيس مع تركيز على تكتيكات سياسية قصيرة الأمد لإبقاء قاعدته اليمينية متماسكة».
هذا كلام قوي وصريح إلا أنه لا يخلو من ديبلوماسية، وأترجمه إلى لغتي أو لغة القارئ فما يقول المسؤولون الأميركيون هو أن نتانياهو الذي يحكم بغالبية صوت واحد في الكنيست إرهابي لا يريد السلام.
ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، دعا إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات عملية في الضفة الغربية. وعندما قيل له إن نتانياهو فعل ذلك، ردَّ: لم يفعل ذلك. ببساطة، لم يفعل ذلك إطلاقاً.
ماذا فعل نتانياهو؟ في تصريح أخير له زعم أن الانتفاضة الفلسطينية الحالية ليس سببها رفض الفلسطينيين الاحتلال العسكري عبر عقود، وإنما الإسلام الراديكالي. إرهاب الجماعات من نوع «داعش» يناسب نتانياهو جداً لأنه يحوِّل أنظار العالم عن إرهاب إسرائيل اليومي ضد الفلسطينيين.
نتانياهو و «داعش» وجهان لعملة إرهابية واحدة. إسرائيل نتانياهو و«داعش» إرهاب ضد الإنسانية كلها.
لماذا الانتفاضة الآن؟
بقلم: حيّان جابر عن العربي الجديد
لطالما كانت الأسباب الكامنة وراء أي حدث سياسي أو ثوري العامل الأهم لفهم هذا الحدث واستقراء نتائجه، والانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة إحدى هذه الأحداث التي تستحق التدقيق والبحث لاستقراء الميول والرغبات والإرادة الشعبية المنضوية وراءها، ومن الجلي أن الإرادة الأهم هي تحرير الأراضي الفلسطينية من نير الاحتلال الصهيوني، على الرغم من الكلفة الباهظة. تتمثل هذه الإرادة باستعداد الشعب الفلسطيني للتضحية بالأثمن للدفاع عن ممتلكاته المقدسة وغير المقدسة من بيوت وأراض وحقوق وطنية مسلوبة.
غير أن الانتفاضة الفلسطينية الراهنة تأتي نتيجة أسباب أخرى، بالإضافة إلى السبب الأساسي، اقتضتها الظروف الحالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في جميع مناطق الداخل المحتل ومناطق السلطة الفلسطينية، ولا بد من أن تنال هذه الأسباب ما تستحق من طرح، لكي يوجد من يترجم هذه الانتفاضة إلى متطلبات واضحة، تأخذ طريقها إلى التطبيق. من هذه الأسباب:
التأكيد على وحدة القضية والأرض والشعب: وهي رسالة متكررة طالما دأبت الانتفاضات الفلسطينية على تجسيدها في الواقع بالممارسة العملية، بعيداً عن بيانات الزعماء والقوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية وخطاباتهم. لكن، اليوم ونتيجة لزيادة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، كان رد الفعل الشعبي على هذا الانقسام موجهاً ليس لقوى الاحتلال وحدها، بل وللقيادات الفلسطينية المكرّسة له أيضا، والتي تغلب مصالحها الشخصية والفصائلية، بالإضافة إلى مصالح القوى الدولية والإقليمية الداعمة لكل طرف من أطراف النزاع الفلسطيني على المصلحة الوطنية العليا، ما أدى إلى تعميق الصدع بدلاً من رأبه. بينما تؤكد الجماهير الشعبية على وحدة القضية والشعب، بالممارسة العملية، عبر المشاركة الواسعة في الانتفاضة ومن جميع المناطق، بدءاً بمدينة القدس وغيرها من الأراضي المحتلة وانتهاء بالضفة وغزة، وعبر مطالبة غالبية شهداء الانتفاضة الحالية برفع العلم الفلسطيني في أثناء تشييعهم، تعبيراً عن الحلم المشترك بوطن موحد ومحرّر، يقطنه أبناؤه بعيداً عن تجار القضية والانقسام.
غياب الممثل السياسي للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين عموماً: عبّرت الجماهير الفلسطينية سابقاً عن اختيارها القوى السياسية الممثلة لها عبر الاقتراع المباشر أحياناً، أو عبر المظاهرات المنددة بقوة سياسية معينة، والمشيدة بقوة أخرى، كفتح وحماس والجبهة الشعبية والشيوعيين والإسلاميين إلخ.. في حين نلمس، اليوم، رفض الفلسطينيين جميع القوى السياسية، سواء ذات الثقل السياسي والمادي، مثل فتح وحماس أو الفصائل الأخرى، من خلال تكرار تأكيد غالبية شهداء الانتفاضة، إن لم نقل جميعهم، على الطلب الصريح بعدم ربط أسمائهم بعد استشهادهم بأي فصيل، وإنما اعتبارهم شهداء الوطن، أي شهداء فلسطين، ليسحبوا بذلك البساط من الفصائل جميعها، لمنعها من المتاجرة بدماء الشهداء.
ولكن، لماذا هذا الإصرار على نبذ الانتماء لأي قوة سياسية؟ من جهة، نلحظ اكتشاف الفلسطينيين عدم جدية هذه الفصائل على المضي "نحو تحرير الأراضي الفلسطينية، كما تدعي وفقاً لبرامجها المعلنة، على الرغم من امتلاكها إمكانات عسكرية ومادية وبشرية قادرة على تغيير المعادلة القائمة اليوم، ولنا من تاريخ الكفاح الفلسطيني أمثلة عديدة، تعكس قدرة المقاتل الفلسطيني المؤمن بعدالة قضيته على صناعة أحداث أسطورية، وبأبسط الإمكانات من بيروت إلى جنين وغزة وغيرها.
لكن الغاية الحقيقية حالياً لجميع هذه الإمكانات الفصائلية هي الدفاع عن مصالح القوى الداعمة، والمصالح الشخصية والفصائلية، بغض النظر عن طموحات الشعب الفلسطيني وآماله. ومن جهة أخرى، نشهد بروز رفض شعبي لمشروعي الهدنة والاستسلام (السلام أو أوسلو) القائم على تكريس إمارة أو دولة وهمية لهذا الفصيل أو ذاك، بينما تتدافع باقي الفصائل، للتقرب من فتح أو حماس، على أمل المشاركة المستقبلية في إدارة هذا الوهم.
الإيمان بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحقيق الحلم الفلسطيني: ملاحظ، حتى اللحظة الحالية، عزوف الشباب الفلسطيني عن الاصطفاف ضمن طوابير الفصائل والكتائب المسلحة، بهدف القيام بعمليات استشهادية ضمن مناطق الاحتلال أو قواته، كما كان يحدث في أثناء الانتفاضة الثانية، نتيجة فقدان الثقة به، مع العلم أن هذا النوع من العمليات يتطلب توفر عوامل عديدة، مثل تأمين المواد المتفجرة وتدريب المتطوعين وتحديد المكان والزمان المناسبين، بالإضافة إلى كيفية نقل هذه المواد إلى أقرب نقطة ممكنة، ما يعني أنه يتطلب العمل الجماعي المنظم غير المتوفر حالياً، إلا من خلال هيكلية الفصائل، ما دفع الشباب الفلسطيني إلى التوجه نحو القيام بأعمال فردية، مثل الطعن والدهس، والتي لا تحتاج إلى أي جهد تنظيمي أو تدريبي، كما أنها تؤكد غلبة الكفاح المسلح على باقي الأشكال النضالية المتبعة، وخصوصا ما برز منها بعد الانتفاضة الثانية، كالاحتجاجات السلمية المحددة المطالب (معارضة بناء جدار الفصل العنصري ومعارضة التوسعات الاستيطانية وغيرها...)، فعلى الرغم من مشاركة الناشطين والمتضامنين الأوروبيين والأميركيين فيها، ومحاولة التركيز على أساليب القمع و المواجهة الوحشية من قوات الاحتلال، إلا أن استمرار سياسات الاحتلال قبل المظاهرات السلمية وبعدها أدت إلى إيمان الفلسطينيين بأن الكفاح المسلح هو الطريق الأنجع نحو التحرير.
وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأننا نشهد انتفاضة ضد الاحتلال، وثورة ضد من يدّعون تمثيل الشعب في آن، ونظراً لتشعب المهمات وضروراتها، قد نشهد مراحل هبوط وصعود في الحراك الجماهيري، غير أن مسيرة البناء لمرحلة ثورية جديدة قد بدأت، على الرغم من طبيعة المناخ الدولي المواجه والمجابه جميع التحركات الثورية العربية والعالمية، وبتقاسم أدوار واتفاق وتنسيق قلما نشاهده دولياً.
ستستمر هذه المسيرة، مدعومة بالتضامن الشعبي العالمي غير المنظم مع جميع الحركات الثورية البازغة اليوم أو غالبيتها، سواء الباحثة عن حريتها السياسية والاقتصادية، أو الباحثة عن التحرير من الاحتلال، وهو ما يبشر ببدايات تشكل مرحلة ثورية عالمية إجمالاً، وفلسطينية خصوصاً، مازالت تتلمس هويتها السياسية وأدواتها الثقافية والاجتماعية.
أيُّ اعتدال في الإرهاب؟
بقلم: عبد الإله بلقزيز عن الخليج الإماراتية
ليس من دولةٍ في العالم تَقْبل بالتفاوض مع جماعات إرهابية أو مسلّحة تحمل السلاح في وجهها. التفاوض معها تسليمٌ بشرعيتها وبحقّها في ممارسة التمرد بالقتل والذبح، والسطو على ممتلكات الدولة والشعب! والتفاوض معها طعنٌ في شرعية الدولة نفسِها، وتسليمٌ من الأخيرة بأنها ليست الكيان السياسي للشعب، وإنما مجرّد فريقٍ سياسي وميليشياوي في جملةِ فرقاء آخرين تتساوى حقوقُه مع حقوق المتمردين عليه، وتتكافأُ حظوظ شرعيته مع حظوظ شرعية الآخرين!
لا يمكن لدولةٍ تحترم نفسها، مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو روسيا أو الصين، أن تفعل ذلك وإلاّ غامرت بإسقاط شرعيتها.
الحالة الوحيدة التي قد تتفاوض فيها دولةٌ مع جماعة مسلّحة، هي الحالة التي تكون فيها تلك الجماعةُ المسلّحة حركةً قومية انفصالية تطالب بالاستقلال؛ حينها تتفاوض الدولة - باسم الشعب والأمّة - لمعالجة موضوع العلاقة بين الجماعة الوطنية (القومية) الكبرى والجماعات القومية الصغرى أو الفرعية، إما بغية ثنيها عن فكرة الانفصال من طريق تقديم التنازلات الضرورية التي تُطَمْئِنها على حقوقها الخاصة (مثل توسيع نظام اللامركزية أو تطوير نظامٍ اتحادي فيدرالي)، وإمّا من طريق تنظيم استفتاء تقرير المصير. فعلت ذلك بريطانيا مع إيرلندا (و«الجيش الجمهوري الإيرلندي»)، ومع اسكتلندا، مثلما فعلت ذلك إسبانيا مع منظمة «إيتا».
هذه الحالة لا تشبه غيرها من حالات التمرّد المسلّح، التي شهدتها المجتمعات الغربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهزّت استقرارها الأمني والسياسي؛ فحين نشأت ظاهرة «الإرهاب الثوري» وانتشرت في الغرب، انتشار النار في الهشيم، سنوات الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، لم تُفاوِضِ الدولةُ الإيطالية - بشيوعييها ومسيحييها الديمقراطيين المتناوبين على السلطة فيها - منظمة «الألوية الحمراء» المسلحة التي أرهقتها بضرباتها الأمنية، ولم تُفاوِض ألمانيا الغربية منظمة «بادر- ماينهوف» الثورية، ولا فاوضت فرنسا منظمة «العمل المباشر» كما لم تقبل الدولة اليابانية مفاوضَةَ «الجيش الأحمر الياباني».
وهذا عينُه ما حصل في بلدان أخرى في أمريكا اللاتينية («فرابوندو مارتي»، «الضوء المضيء»...) وآسيا («جبهة مورو»...) وأوراسيا (الحركات المسلّحة في الشيشان...). أما رفض التفاوض مع تلك المنظمات المسلّحة فمأتاهُ من أن مفاوضتها تُكرِّس في السياسة عُرفًا مناقضًا للقانون ولمنطق الدولة، هو الاعتراف بحق أيّ جماعة معارضة بممارسة الاعتراض عبر السلاح، والتمرّد المسلّح على الدولة. وفي هذا إنهاءٌ للسلم المدني والاستقرار، بل إنهاء للسياسة!
ولا يتعلق الأمرُ في رفض التفاوض مع الجماعات المسلَّحة-الإرهابية خاصةً- تلك التي تقع في الدائرة الوطنية؛ أي بتلك التي يُصنّفها الخطاب السياسي الرسمي بالجماعات المسلحة المتمردة على الدولة والمجتمع، بل يتعلق بالمنظمات المسلّحة، والإرهابية، العابرة للحدود، والمتخذةِ شكلَ شبكات تنظيمية مسلّحة دولية. فهذه، أيضًا، ترفض الدول-غربية وغير غربية- مفاوضَتَها: حتى على رهائنها المختطفين من قِبلها، لأن في التفاوض معها اعترافًا بها، وتسليمًا بشرعية أسلوبها في العمل. لو أخذنا تنظيم «القاعدة» مثالاً لهذه المنظمات، لوضعنا في حوزتنا فائضًا من الأدلة على ما ذهبنا إليه.
ضربت منظمة «القاعدة» مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام والخُبَر، ثم ضربت قلب أمريكا (نيويورك، واشنطن)، وأخيرًا في اليمن والعراق بعد غزوه واحتلاله. وضربت في قلب بريطانيا وإسبانيا، ثم في السعودية واليمن والمغرب العربي («تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»)، والصومال ومالي... الخ. لكنّ أيًّا من الدول، التي أصاب مصالحها ورعاياها ما أصابها من ضربات «القاعدة»، لم تَقْبل بالتفاوض مع «القاعدة»، أو بعقد هدنة معها، أو دفع ديّة، أو ما شاكل ذلك، وكان الجواب الأمني ردًّا على عملياتها يترافق مع تبريرٍ سياسي لم يفتأ يردّده الجميع: لا تفاوُضَ مع الإرهاب، أو لا يمكن مكافأة الإرهاب على جرائمه بالتنازل له.
وما أغنانا عن القول إن هذا الإجماع الدولي، الذي انعقد على فكرة تجريم الإرهاب، ومكافحته بالوسائل كافة، وعدم مفاوضة قواه وتنظيماته أو التنازل لها، أو الاعتراف بشرعية وجودها... تَرجَم نفسَه في نظام العلاقات الدولية في سلسلة من القوانين التي تجرّم الإرهاب، وفي سلسلة من القرارات التي تقضي بوجوب تجفيف منابعه المالية والثقافية والإعلامية، ومنع الدول الداعمة له من توفير ملاذات له، أو تقديم العون المادي واللوجيستي لقواه.
ولقد أصبحت هذه القوانين والقرارات، بقوةِ الأشياء وبمرجعية القانون الدولي وحاكميته، ملزِمةً لدول العالم كافة، ومدعاةً لتكييف الدول تلك قوانينَها الوطنية بحيث تتلاءَم منظوماتُها التشريعية والقانونية مع أحكام تلك القوانين والقرارات. ولم يكن مستغرباً أن يلجأ عددٌ كبير من دول العالم إلى إصدار قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب في ضوء القوانين والقرارات الدولية تلك، وانسجامًا مع أحكامها؛ ليس من باب الوفاء لالتزاماتها تجاه القانون الدولي، والمنظمة التي أصدرته فحسب، بل من باب الحاجة إلى قوانين من هذا الجنس تحميها وتحمي المجتمع والمواطنين من غائلة هذا الوحش الضاري.
وإذا كان من المشروع، تماماً، أن تنشأ مخافةٌ واسعةُ النطاق من أن يكون إصدارُ بعض الدول قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب توطئةً للتضييق على الحريات العامة وحقوق الإنسان، فإن من المشروع أيضاً أن يُنْظر إلى تلك القوانين بما هي حاجة، لدى تلك الدول، إلى حماية المجتمع والدولة من آفةٍ مُرعبة، على أن تشتد - في الوقتِ عينِه - الرقابة الشعبية الداخلية والرقابة الحقوقية الدولية على كيفيات تطبيق تلك القوانين وإنفاذ أحكامها، بما يؤمِّن سلامة ذينك التطبيق والإنفاذ.
ولعلّ المخافة تلك (من سوء تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على صعيد كلّ دولة) هي عينُها، اليوم، المخافة من سوء التطبيق على الصعيد الكوني (الدولي) للقوانين ذاتِها، ومن مبرّراتها وجود نيّةٍ مبيّتة في الخلط المقصود بين الإرهاب والمقاومة، بين عملٍ مسلّح أعمى وإجرامي لا قضية له سوى الفتك بأرواح الأبرياء، و(بين) عملٍ مسلّح لطرد المحتل الغاصب واسترداد الوطن، بين عملٍ تقوم به عصابات القتل الإجرامية وعملٍ تنهض به حركات التحرر الوطني، وأخيرًا- بين عملٍ تُجرّمه القوانين الدولية وتلاحق القائمين به وعليه، وعملٍ يجيزُهُ القانون الدولي للشعوب التي وقَع على أراضيها وأوطانها فعلُ الاحتلال العسكري. وغيرُ خافٍ أنه الخلطُ الذي سعت فيه - وما زالت تسعى - الدولةُ الصهيونية ورُعاتُها الغربيون.
على أنّ الأغرب من دعوةِ دولٍ بعينها إلى مفاوضة جماعاتها الإرهابية، بغية التوصل إلى «تسويةٍ سياسية» تُشرِك تلك الجماعات في السلطة، أن يُصار إلى التمييز الجهير بين جماعات إرهابية «معتدلة» وأخرى متطرفة، وأن يُبْنى على التمييز شرعنةٌ للأولى في الصيرورة شريكًا في التفاوض والتسوية! ليس في القَتَلة والمجرمين معتدل ومتطرف، وليس من ميزانٍ توزَن به الأشياء على هذا النحو الخارج عن أيّ معيارٍ عقلي! حين يكون بين القنافذ أملس، سيكون- حينها- بين الإرهابيين معتدل ومتطرف. لكن الأخطر من ذلك أن تبرئة الإرهاب، على هذا النحو من التمييز الخاطئ، سيصبح سابقةً خطرة سيوجَد من سيبني عليه غدًا ضدّ من يدافع، اليوم، عن هذا التمييز!
رأي القدس: الاعتداءات الإسرائيلية متواصلة… والرد مازال مُنتظرا
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
أقدمت القوات الاسرائيلية مساء امس الأول السبت على ارتكاب اعتداء جديد بشنها غارة على العاصمة السورية دمشق ما أدى لاغتيال الأسير اللبناني المحرر سمير القنطار ومساعده فرحان الشعلان وعدد من المواطنين السوريين.
وكان القنطار اعتقل عام 1979 عندما كان عمره 16 عاما، بعد عملية نفذتها جبهة التحرير الفلسطينية في مدينة نتانيا، وقضى بالسجن 30 عاما قبل الافراج عنه باطار صفقة تبادل للاسرى مع حزب الله عام 2008. وشغل القنطار خلال العامين الماضيين منصب قائد المقاومة السورية لتحرير الجولان، التي أسسها «حزب الله».
وبهذا العدوان الجديد على دمشق، تختتم اسرائيل هذا العام 2015 كما بدأته، حيث شنت في كانون الثاني/يناير الماضي غارة على منطقة القنيطرة جنوب سوريا قتلت خلالها ستة من عناصر حزب الله ومسؤولا عسكريا ايرانيا، ومن بين الضحايا كان جهاد مغنية نجل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، والذي كان ايضا احد ضحايا الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي السورية، حيث اغتيل في تفجير في دمشق عام 2008.
وكانت اسرائيل (التي اختتمت أيضا العام الماضي 2014 بقصف مناطق قرب مطار دمشق الدولي)، شنت خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من عشر غارات جوية في الاراضي السورية، وكعادتها لا تعلن مسؤوليتها عن هذه الاعتداءات. والمرة الاولى التي اعترفت بها اسرائيل بذلك، كان على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الاول من شهر كانون الاول/ديسمبر الجاري حيث صرح «ننفذ من وقت إلى آخر عمليات في سوريا بهدف تجنب ان يتحول هذا البلد إلى جبهة ضدنا، كما نقوم بكل ما هو مطلوب لتفادي نقل أسلحة فتاكة من سوريا إلى لبنان».
الجديد في الاعتداء الأخير، أنه تم تنفيذه بعد دخول لاعب جديد على المنطقة وهو القوة الكبرى روسيا، التي كانت نشرت الشهر الماضي بطاريات صواريخ 400 ـ S المضادة للطيران والتي تغطي المنطقة بكاملها، وبامكانها التصدي لاي طائرة.
عدم التدخل الروسي لا يعني سوى العلم المسبق، ان لم يكن التنسيق، خاصة ان تل أبيب أعلنت أن لديها تنسيقا كاملا مع القوات البرية والجوية الروسية، وان هناك خطا مفتوحا من الاتصالات بينهما على مدار الـ24 ساعة وطوال ايام الأسبوع، وهذا يعني انه مهما كانت العلاقة وطيدة بين موسكو ودمشق، إلا ان لا شيء يعلو على المصالح مع تل أبيب.
اسرائيل اليوم تستبيح الأراضي والاجواء السورية دون اي رادع، بعدما تأكدت من تجريد دمشق من كل قدراتها العسكرية الرادعة، خاصة الأسلحة الكيميائية، التي تم التخلص منها، والصواريخ الفتاكة التي فضل رأس النظام التمسك بالسلطة واستخدامها ضد شعبه.
وفي نفس السياق تراقب اسرائيل حزب الله بكل سعادة، وهو يوجه كل طاقته وقدرته للقتال في الاراضي السورية، وتتابع بكل ارتياح الجنازات المتتالية لمقاتلي الحزب في الضاحية الجنوبية، وكان من المفروض أن يكون هؤلاء القتلى، فدائيين ومشاريع شهداء في مواجهات تحرير الأراضي المحتلة.
لكن حين أمنت اسرائيل من أي رد حقيقي (وكما توقع أحد عسكرييها ان يسعى حزب الله إلى «انتقام صغير»، وهو ما تمثل مساء أمس بسقوط ثلاث قذائف صاروخية، في منطقة مفتوحة بالجليل الغربي) لم تتردد بانتهاك سيادة دولة، ما زالت تتوعد برد في الزمان والمكان المناسبين، واللذين لم يتحققا بعد.
راي الوطن: إسرائيل رأس الإرهاب
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
اذا سمي رأس الارهاب ومؤسسه تكون هي إسرائيل. فلقد اقيم هذا الكيان غلى قاعدته الإرهابية من شتيرن وارغون وغيرهما، منظمات ارعبت الشعب الفلسطيني قبل ان يكون لها كيان. ولهذا جعلت اسرائيل من مؤسستها الأساسية الموساد لاحقا أساس وجودها واستمرارها حتى وصلت ميزانيته مؤخرا مليارات الدولارات.
لم يكن مفاجئا اغتيالها للمجاهد القومي سمير القنطار في العرين السوري ـ رغم عدم إعلان مسؤوليتها حتى الآن ـ وان تقتل قبله ثلة من المجاهدين ايضا وعلى الأرض السورية، ومن ثم الأرض اللبنانية، وفي كل انحاء فلسطين. كل ظاهرة عروبية وتقدمية ووطنية، ان لم تقتلها اسرائيل، فقد ساهمت بقتلها ان تخطيطا أو تغطية لوجستية، أو معلومات.
اذا اردنا تفسير معنى الارهاب نقول على الفور اسرائيل، واذا قلنا عمن قتل ابناء فلسطين نقول بلا تردد اسرائيل. هي اكثر من في العالم غيظا من بقاء الدولة السورية وعلى رأسها بشار الاسد، علاقتها بالإرهاب في سوريا حاليا عضوية واساسية بالنسبة للطرفين. فهي من ترعاهم كما تفعل مع ” النصرة ” وتفرعاتها، والإرهابيون في الوقت نفسه يختفون تحت سقفها ايمانا منهم بأنها الأم الرحيمة لمراعاة ارهابهم.
هو تاريخ هذا الكيان الذي زرع في منطقتنا على اسس ارهابية مرتكبا المجازر بالجملة والمفرق. فهو في فلسطين صاحب خبرة في قتل قياداتها وشعبها وفي مقدمتهم ياسر عرفات وأحمد ياسين وابو علي مصطفى وقبلهم الكثير، وفي مصر ما زال المصريون ينوحون على شهدائهم. واذا ما ذكرنا الجولان فتلك حكاية لا تنتهي من مآسي ابناء هذا الجبل. وخلف البحار امتدت يد الاسرائيلي، الى قادة فلسطينيين تم تصفيتهم ان في تونس (ابو اياد وخليل الوزير) او في لبنان حدث ولا حرج من القادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدون وابو يوسف النجار الى غسان كنفاني وغيرهم بل كل شعب فلسطين في لبنان، وفي مالطا مؤسس الجهاد الاسلامي الشقاقي وكثيرون. يد إجرامية طويلة تساعدها كل اجهزة استخبارات العالم التي ساهمت في ولادة هذا الكيان وتواصل رعايته.
ومع حزب الله فقد لا يكون آخر من تغتاله سمير القنطار، لها تاريخ لا ينتهي من قتل قادته من عباس الموسوي الى راغب حرب الى عماد مغنية وأكثر من ذلك. يكاد الفرح الاسرائيلي بتصفية القنطار مثار فخر لها، وكما عبر مسؤولو هذا الكيان فهم فرحون جميعا بغياب القنطار، ليس لكونه مزعجا لهم وله باع في قيادة المرحلة المقبلة في الجولان فقط، بل لأن الارهاب ديدن الاسرائيلي وصورته في المرآة.
عندما حدثت مجزرة كفرقاسم في فلسطين، شوهد فتى فلسطيني وهو يهرب امام احد قادة اسرائيل لاحقا مناحيم بيجن الذي كان يحمل سكينا وهو يلاحق الفتى قائلا له لا تخف ان السكين حادة فلن تشعر بأي الم.
من المؤسف ان العالم يعرف على ماذا تقوم اسرائيل ومع ذلك تعيد تركيا علاقتها معها معتبرة ذلك مكسبا، كما يقوم البعض بمد اليد خفية اليها. فكيان بهذه المواصفات يوجب على البشرية جمعاء ان تتنصل من العلاقة معه، وان تحاصره، وان تنصر المظلومين من ابناء فلسطين، لكن الذي يحدث العكس حين يقف هؤلاء الى جانب هذا الكيان الارهابي متخليا عن كل اخلاق وقيم اتجاه اولئك المظلومين.
ثلاثة أعوام من مأساة مخيم اليرموك
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
قبل ثلاثة أعوام بالتمام والكمال، كانت مأساة مخيم اليرموك، وتَهجير غالبية مواطنيه من لاجئين فلسطينيين، ومن مواطنين سوريين، ليصبح اليرموك ومواطنوه نَسياً منسيا. فكل الجهود التي بُذلت خلال الفترات الأخيرة من قبل العديد من الأطراف، ومنها منظمة التحرير الفلسطينية لإنجاز الحل الكامل لمشكلة مخيم اليرموك وعموم التجمعات والمخيمات الفلسطينية في سوريا، وتحييدها عن مسار الصراع الداخلي في البلاد، وإنهاء معاناة اليرموك ومواطنية وعودة المُهجّرين إليه، انتهت إلى الجدار المسدود. ولم يتم حتى الآن حتى إحراز تقدم ولو محدود على صعيد حل مشاكل من تَبَقى من أهالي مخيم اليرموك داخل حدوده الإدارية، كما في حل مشاكل الجزء الكبر من مواطنيه الذين باتوا مُهجّرين في مناطق مُختلفة داخل مدينة دمشق وأريافها. عدا عن هجرة الأعداد الكبيرة منهم، وخاصة من قطاعات الشباب نحو أصقاع المعمورة الأربعة.
كانت الإرادة العامة لعموم سكان ومواطني مخيم اليرموك، قد استطاعت وباقتدار طوال الأشهر الأولى من عمر الأزمة الداخلية السورية من تحييد مخيم اليرموك، التجمع الأكبر للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وإبعاده عن مسار التجاذب والتنافر، وعن خط النار المُتصاعد في البلد. حيث لعبت الشخصيات الفاعلة ومعها قوى المجتمع المحلي وعموم فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية دوراً ملموساً في هذا الميدان، يُضاف إليه الوعي العميق الذي تشكّل عند الناس بخصوص أهمية إبقاء مخيم اليرموك كساحة خارج إطار العمل العنفي، وتكريسه كملاذ آمن لجميع المواطنين والسكان السوريين من المناطق والأحياء المحيطة به، الذين وجدوا في مخيم اليرموك حضناً دافئاً وأميناً، بعد أن فروا إليه من مناطق التوتر القريبة من اليرموك.
والآن يَعبُرُ سكان مخيم اليرموك ومواطنوه العام الرابع من مأساتهم، ومازال من تبقى من لاجئي فلسطين من مواطني اليرموك، ونحن منهم، مُتمسكين بوجودهم حيث هم الآن على محيط ومداخل مخيم اليرموك، على أمل العودة للمخيم الذي يُشكّل بدلالاته التاريخية والواقعية والرمزية بالنسبة لهم (فلسطين المُصغرة)، حيث ارتبط حق العودة وحلمهم الوطني المشروع وديمومته في دواخلهم بواقع الوجود المادي للمخيم، وبوجود أهله وسكانه، من ابناء حيفا ويافا وعكا وصفد واللد والرملة وعموم فلسطين.
إن الأمل، مازال يحدو بسطاء وأبناء مخيم اليرموك بعودتهم الى اليرموك وحل مأساتهم المُتفاقمة، ولكن الغائب الأكبر حتى الآن مازال يَتمثّل بالمرجعيات الفلسطينية الرسمية، وعموم الفصائل التي مازالت غارقة في سباتها وتقديراتها غير الصحيحة، بالرغم من تواجدها اليومي على الأرض، لكنها مازالت بعيدة عن المبادرة لتقديم الحد الأدنى المطلوب من المساعدة للناس.
وعليه، إن كل التقديرات، المُستقاة من أرض الواقع، ومن التجربة، تشي بان مسألة مخيم اليرموك، ومأساة مواطنيه من لاجئي فلسطين في نكبتهم الثانية، مازالت بعيدة عن الحل، بل وأصبحت مُرتبطة بالمشكلة الأساس وهي الأزمة السورية العامة، وأن حلها مُرتبط بحلول الأزمة عامة. وبالتالي فهناك مُبالغة في الحديث المتفائل عند قدوم أي وفد مركزي جديد من منظمة التحرير الفلسطينية لدمشق للمساعدة على الحل، حيث عَجِزت كل تلك الوفود التي زارت دمشق في إحداث أي اختراق جدي لإنهاء مأساة مخيم اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية التي طالتها نيران الأزمة السورية.
أردوغان: 'المعارض المعاضد' لإسرائيل
بقلم: أمين بن مسعود عن العرب اللندنية
يمثّل رجب طيب أردوغان ظاهرة سياسية يراد تعميمها على العالم العربي والإسلامي أكثر منها تجربة فرديّة وليدة للبيئة السياسية الثقافية التركيّة.
ينتمي أردوغان إلى مشروع ما بعد مقاومة إسرائيل الهادف إلى التطبيع الشامل والكامل مع تل أبيب ضمن منظومة خطابيّة واستراتيجية اتصالية معادية لإسرائيل وهو ما عمل الرئيس التركي على إقراره خلال الخمس سنوات الأخيرة على الأقل حيث كان الخطاب السياسي يعادي السياسات الإسرائيلية في ما كانت الاستراتيجيا الكبرى والخطوط العريضة تقبل إسرائيل لا كأمر واقع مثلما تروّج له بعض العواصم العربية القابلة ب”التسوية مع إسرائيل” وإنّما كدولة عادية وطبيعية تبرم معها اتفاقيات الغاز وتوقّع معها شراكات السياحة وتبادل الخبرات العسكريّة.
مغادرة النموذج الكلاسيكي لمقاومة إسرائيل قصد الوصول إلى مرحلة التطبيع الكامل مع تل أبيب ,عربيا وإسلاميّا لا يكون إلا بخلق قاطرة سياسيّة تعمل على تحقيق “التطبيع الناعم” لدى قطاعات كبرى من المشهد السياسي والرأي العام العربيين.
ذلك أنّ تحويل الصراع من صراع وجود إلى صراع حدود ينبني أساسا على تغيير التمثّل الثقافي والتاريخي وتبديل المنظومة المعرفيّة واستبدال الأولويات “الوطنية القومية” والأهم من كل ذلك نمذجة جديدة لصورة البطل المقاوم لإسرائيل.
كرّس اردوغان خلال سنوات أزمة أسطول الحرية “مرمرة” نموذجا “معارضا معاضدا” لإسرائيل عبر تركيزه على نقاط كبرى وهي الادعاء بمقاطعة إسرائيل ديبلوماسيا وسياسيا في حين أنّ العلاقات الثنائية لم تنقطع يوما، والزعم بدعم الفصائل المسلحة في فلسطين المحتلة في مقابل عدم تقديم أي دعم عسكري لأي من المجموعات الفلسطينية المقاتلة، والتنديد بالهجمات الإسرائيلية على غزّة في حين أنّ الشركات التموينية التركية كانت تغذي القوات البرية المتوغلة في القطاع، وإعلان تعليق التعاون الثنائي مع إسرائيل فيما كان ولا يزال خطّ “تل أبيب – أنقرة” من أكثر الخطوط الجوية نقلا للمسافرين والسياح.
وكما عملت واشنطن خلال سنوات احتلالها للعراق على خلق “معارضة” قريبة منها تقبل بالاحتلال وتتحفظ على بعض الممارسات قصد تسويق نموذج استباحة الأوطان وإسقاط العواصم، ووظفت تل أبيب جيدا أردوغان للترويج لمثال “التنديد” بإسرائيل دون تقويض لأسس كيانها ولإشاعة “التطبيع الناعم” القائم على معارضة “الهوامش” دون وصول إلى “مركز القضيّة” وجوهر الصراع.
وفي الوقت الذي كان فيه الصراع مع إسرائيل يتحوّل إلى شبه نضال بيانات وتقارير حقوقيّة كان الصراع مع الدول الوطنية وفي الدول القطرية يتقدّم ويستولي على أولويات التفكير والتدبير في الذهن العربيّ مفضيا إلى تغيير استراتيجي تمّ بمقتضاه استبدال بوصلة البندقية من العدو الأساسي الخارجي إلى العدو الافتراضي الداخلي وباتت إسرائيل واحدة من أكثر المستفيدين من حالة “الارتداد” الأخلاقي والسياسي والاستراتيجي والعسكريّ ومن حالة “صناعة النسيان” التي انكبت على تأصيلها قنوات البثّ المباشر من عواصم بعض العرب.
اليوم تنتهي وظيفية أردوغان بسقوط آخر خطوط الدفاع عن المبدئية الخاصة بمقايضة إغلاق ملف شهداء سفينة مرمرة التركية في ماي 2010 باتفاق مع إسرائيل يتم بمقتضاه تغذية تركيا بالغاز الطبيعي المسروق والمغتصب من السواحل الشرقية لفلسطين المحتلة والذي يعود للشعب الفلسطيني “وفق بيان هيئة الإغاثة التركية المنظمة لسفن كسر الحصار عن غزة في 2010”.
استفادت إسرائيل كثيرا من العديد من الشخصيات العربية الإسلامية خلال صراع “المعنى والمبنى والتمثّل” مع التاريخ والجغرافيا والوجدان في المنطقة، استفادت من عصام السرطاوي في منظمة التحرير الفلسطينية ومن أنطوان لحد في لبنان ومن غيرهما في مصر والأردن وسوريا وتونس، ولكنّ كل هؤلاء لم يقدروا على أن يكونوا قادة رأي في أوطانهم ونماذج سياسية في إقليمهم بل على العكس باتوا في وقت لاحق وصمة عار تطبيعية في مسار ومسيرة حركات التحرر.
على العكس من هؤلاء استطاع أردوغان بأداء ومسلكيّة نصف مقاوم نصف مساوم وفي سياق الانسحاب العربي من الصراع مع إسرائيل ان يستميل قوى سياسيّة وشرائح من الرأي العام العربي إلى مربّع رفض إسرائيل سياسا وقبولها استراتيجيّا.
مرة أخرى تذهب أمتنا ضحيّة لعدم اكتشاف المقنّعين بديباجات فلسطين والحرية والمقاومة، مرة أخرى تقتلنا أنصاف المواقف، ويقتلنا “المعارضون المعاضدون”…


رد مع اقتباس