أقلام وآراء

(31)

حديث القدس: العراقيل الخارجية في طريق المصالحة الفلسطينية

بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتوصل فيها قيادتا حركتي فتح وحماس إلى توقيع اتفاق للمصالحة، وليست المرة الأولى بالتأكيد التي تقف فيها اسرائيل والقوى المتحيزة لها ضد هذا الاتفاق. وتصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن على الرئيس عباس "أن يختار بين السلام مع اسرائيل أو السلام مع حركة حماس"- علـى حد قوله، هو نسخة جديدة طبق الأصل لتصريحاته في مناسبتين أو أكثر وقعت الحركتان فيهما اتفاقا للمصالحة، ووضعت الجهات نفسها العراقيل أمام تنفيذه.

والتناقض في تصريح نتنياهو الأخير، مثل التصريحات المماثلة السابقة، هو أن "السلام مع اسرائيل" لم يتم التوصل إليه، وليس من المتوقع أن يتم الوصول إليه، لاسيما مع حكومة يمينية استيطانية مثل حكومته، وبالتالي فهذا التصريح خال من أي معنى بالمنطق الاسرائيلي نفسه، إلا إذا كان يقصد اللجوء للإجراءات التي سبق أن لجأ إليها، والتي استنكرها المجتمع الدولي، مثل وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية. علما بأن اسرائيل لا تقدم أي مساعدات مباشرة أو غير مباشرة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإنها تتصرف خارج نطاق القانون الدولي، ومن منطلق المحافظة على حالة الانقسام الفلسطيني الراهنة، خدمة لمصلحتها، وسعيا وراء تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان.

والواضح أن الحكومة الاسرائيلية تتخذ من موضوع المصالحة موقفين متناقضين حسب أهوائها، وما يخدم استراتيجيتها :فمن ناحية تتهم حماس بالإرهاب وبأن وجودها يعطل التقدم في عملية السلام- وكأن السلام يسير على قدم وساق، ومن الناحية الأخرى، تدعي أن أي اتفاق للسلام يتطلب مرجعية فلسطينية واحدة تمثل كل الفلسطينيين، وأن أي اتفاق لا يمكن الوصول إليه بشأن الحل النهائي، ما دامت غزة خارج نطاق سيطرة السلطة الفلسطينية- وفقا لهذا الإدعاء الاسرائيلي.

وبعد أن أثبتت حماس حرصها على استمرار التهدئة، وقبلت قيادتها دولة فلسطينية في حدود ١٩٦٧من جهة، وأعلنت الحركتان في اتفاق الدوحة أن الرئيس محمود عباس- وهو الشريك المقبول دوليا في محادثات السلام- هو الذي سيرأس الحكومة الانتقالية الفلسطينية من الجهة الثانية، فما هو المبرر الذي يمكن أن تقدمه اسرائيل لاعتراضها على المصالحة الوطنية الفلسطينية؟.

هنا لا بد أن تكشف اسرائيل عن دوافعها الحقيقية :وهي أنها المستفيدة من حالة الانقسام التي تتيح لها الاستمرار في سياساتها الاحتلالية والاستيطانية، وتوفر لها مبررا زائفا للتهرب من العملية السلمية، إن كانت أصلا بحاجة إلى مبرر كهذا. فقد انكشفت أطماعها في الأرض الفلسطينية كلها، من خلال المستوطنات التي لا تتقف يوما واحدا عن بنائها أو توسيعها في كافة الأراضي المحتلة، وخصوصا في القدس الشرقية.

والمطلوب أن يتنبه المجتمع الدولي إلى الموقف الاسرائيلي المناوىء للمصالحة الفلسطينية، وأن يدرك أسباب هذا الموقف الحقيقية، وأن لا ينساق وراء الدعاية الاسرائيلية المغرضة بهذا الخصوص. وعلى العالم أن يتعامل مع هذا الحدث باعتباره تمهيدا حقيقيا لعملية سلام فعالة وذات مصداقية، وتحركا فلسطينيا لإنهاء حالة الجمود السياسي التي فرضتها حكومة نتنياهو، ويبذل المجتمع الدولي أيضا في هذه الأيام قصارى جهوده لوضع حد لها.

في تجديد معنى المشروع الوطني الفلسطيني

بقلم: ماجد كيالي عن جريدة القدس

لا جديد لدى الجانب الفلسطيني بعد 26 كانون الثاني ، أي بعد انتهاء المهلة المحدّدة لاستكشاف موقف إسرائيل التفاوضي، فما بعده هو كما قبله، تماماً مثلما حصل في مواعيد واستحقاقات عديدة سابقة!

وفي الواقع فإنّ مشكلة الجانب الفلسطيني أيضاً، لا تكمن في مجرّد ضعف إمكاناته إزاء إسرائيل، وإنما في حصر خياراته في العملية التفاوضية، برغم أنها عملية مجحفة وجزئيّة .

إن تصحيح هذا الوضع يفترض تجديد الفلسطينيين لمعنى مشروعهم الوطني، بما يطابق بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين والحركة الوطنية الفلسطينية، وهو تطابق قد يجد تمثّلاته في مشروع الدولة الواحدة (الديموقراطية العلمانية)، الذي يمكن أن يشكّل حلاً نهائياً وشاملاً وعادلاً (ولو نسبياً) لمجمل تجلّيات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أكثر من غيره من الحلول.

معلوم أن هذا الخيار لم يلقَ الاهتمام المناسب في الثقافة السياسية الفصائلية المهيمنة، لضعف الاجتهاد السياسي فيها، وبحكم هيمنة خيار الدولة المستقلة، بل إن هذا الخيار تعرض لنوع من الحصار والإزاحة، بادعاءات سطحية، ضمنها أنه يستمدّ مشروعيته فقط من فشل خيار الاستقلال في دولة في الضفة والقطاع، وأنه يطرح كبديل عن خيار الدولة المستقلّة، وأن إسرائيل لا يمكن أن تسلّم به.

بداية، لا شكّ في أن تعثّر خيار الدولة المستقلة، المطروح منذ أربعة عقود (1974)، وتعثّّر اتفاق الحلّ الانتقالي (أوسلو 1993)، يضفيان المشروعية على خيارات أخرى. مع ذلك فإن خيار الدولة الواحدة يستمد مشروعيته من كونه الخيار الوحيد، وربما الأمثل، الذي يجاوب على مختلف مشكلات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (مصير اللاجئين والقدس والحدود والترتيبات الأمنية).

هكذا فإن طرح هذا الخيار ليست له صلة بنجاح أو عدم نجاح خيار الدولة المستقلة، فحتى لو أقيمت دولة كهذه، واعتبر ذلك بمثابة حل نهائي للصراع، فماذا بشأن حقوق اللاجئين؟

وماذا بشأن تعيين مفهوم الشعب؟ وماذا عن فلسطينيي 1948 واللاجئين والفلسطينيين المواطنين في الأردن؟ فهل سيبقى كل هؤلاء في إطار الشعب الفلسطيني؟ أم أن الواقع الناشئ مع الدولة سيؤدّي إلى تقويض وحدة هذا الشعب، بعد أن أدّى إلى تقويض كل من مفهومي الأرض والقضية الفلسطينيين؟

كذلك فإن خيار الدولة الواحدة الديموقراطية ـ العلمانية هو المشروع الوحيد الذي يخاطب الإسرائيليين ويتمثّل مشكلتهم، وفق رؤية إنسانية وديموقراطية وعلمانية، ما قد يفتح على تفاعلات فلسطينية ـ إسرائيلية، وبين الإسرائيليين المنقسمين على ذاتهم بين علمانيين ومتديّنين، وشرقيين وغربيين ويسار ويمين.

وما ينبغي الانتباه إليه جيداً هو أن خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية بات في هذه المرحلة يستمد مشروعيته أيضاً من صعود دور المجتمعات المدنية على الصعيد الدولي وانتشار قيم الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، ومن إمكان قيام دولة مواطنين في البلدان العربية، المحمولة على رياح الثورات الشعبية، والتي يتوقّّع أن تحرم إسرائيل مكانتها التي كانت تزعمها باعتبارها الديموقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، وإظهارها على حقيقتها باعتبارها دولة استعمارية ودينية.

أيضاً لا ينبغي اعتبار خيار الدولة الواحدة بديلاً لخيار الدولة المستقلة، ولا نقيضاً له، لأنه بطبيعته خيار مستقبلي، ويحتاج إلى تطوّرات عند المجتمعين المعنيّين، وإلى توفّر المعطيات الدولية والعربية الملائمة. وتنبثق عن ذلك ثلاثة مسائل، الأولى، وتتعلّق بضرورة فتح أفق الحلول والخيارات الفلسطينية، وعدم إغلاقها إزاء التطورات المستقبلية. والثانية، وتتعلّق في عدم الانحصار في إطار خيار واحد ووحيد. والثالثة، تتعلّق بضرورة ربط كل الخيارات برؤية مستقبلية للحل النهائي، الذي يتأسس على الحقيقة والعدالة ومصالح المستقبل.

يستنتج من ذلك أن أصحاب خيار «الدولة المستقلة» معنيون بوضع حدّ للرهان على خيار واحد له من العمر قرابة أربعة عقود، ومطالبون برؤية التكامل بين إمكان قيام دولة مستقلة وإمكان استمرار النضال بالوسائل المناسبة، لفتح أفق لوحدة الأرض والشعب الفلسطينيين.

أما في شأن اعتبار خيار الدولة الواحدة مستحيلاً، سواء جاء على شكل دولة مواطنين أو دولة ثنائية القومية أو دولة فدرالية، بالنظر إلى أن إسرائيل سترفضه، لا سيما إنها رفضت مجرّد وقف جزئي للاستيطان، ودولة على 22 بالمئة من ارض فلسطين، وبإصرارها على الاعتراف بها كدولة يهودية، فهذا كلام بديهي. والردّ على ذلك يكمن ببساطة في أن هذا الخيار لا يطرح للتفاوض، وهو ليس للتطبيق دفعة واحدة، وإنما هو كناية عن رؤية سياسية ـ مستقبلية يمكن أن تنبثق من التطورات التي يمكن أن تحصل في المشرق العربي، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومثلاً، فمن الذي قال إن الكيانات السياسية في هذه المنطقة هي كيانات نهائية؟ أو أن إسرائيل ستظلّ تعاند مسارات العولمة والاندماج (أو حتى التفكّك) في منطقة الشرق الأوسط إلى الأبد؟ ثم هل يمكن توقّع استمرار الدولة الإسرائيلية أو المجتمع الإسرائيلي على شكل جزيرة معزولة أو في «غيتو» في المنطقة، وكذا وجود مجرد دولة للفلسطينيين في الضفة والقطاع؟ وبالمقارنة هل ثمة كيانات سياسية أبدية؟ أليس ثمة عبرة من مآلات يوغوسلافيا والإمبراطورية السوفياتية ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؟

على ذلك فإن خيار الدولة الواحدة (الديموقراطية ـ العلمانية) هو حلّ مستقبلي أو بمثابة مسار قد يأتي، على الأرجح، على شكل سلسلة متواصلة ومتدرّجة من الحلول، والصراعات والمفاوضات، لحلّ مختلف مظاهر الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

هكذا ففي إطار هذه الرؤية فقط، أي الرؤية المتعلّقة بالدولة الواحدة، يمكن تجديد معنى المشروع الوطني الفلسطيني، باعتباره لا يختصر القضية في مجرّد الصراع على جزء من أرض، وإنما باعتباره مشروعاً تحرّرياً وديموقراطياً، يستهدف البشر، ويسير مع حركة التاريخ، باعتباره المشروع النقيض لإسرائيل الاستعمارية والدينية.

هذا هو المشروع الذي ينبغي البناء عليه للمطابقة بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، والذي يفترض استعادة الحركة الوطنية لطابعها كحركة تحرّر وطني، باعتبارهما شرطين لاستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية.

هذا بالطبع يفترض، أساساً، القطع مع الثقافة السياسية والسلوكيات وأشكال العمل السابقة، وضمنها العملية التفاوضية العبثية ..

خيارات القيادة أم خيارات الشعب أوسع

بقلم : جهاد حرب عن جريدة الايام

أقرت القيادة الفلسطينية بفشل المفاوضات أو اللقاءات الاستكشافية التي جرت في العاصمة الأردنية بسبب التعنت الإسرائيلي وعدم تقديمه ما يؤهل للاستمرار في اللقاءات الاستكشافية أو ما يمنح الجانب الفلسطيني أملاً لتقدم محتمل في حال الاستمرار في المفاوضات. ومع التفهم للأسباب التي دفعت الجانب الفلسطيني للذهاب لهذه اللقاءات على الرغم من القناعة لدى الجميع بفشلها مسبقاً. وهذا الفشل يطرح من جديد الخيارات والبدائل أمام القيادة الفلسطينية.

تشير التجارب العالمية إلى التكامل ما بين خيارات القيادة وخيارات شعوبها -كأن القيادة تقرأ وتسمع شعوبها- وهي "القيادة الطليعية" عاكسة لطموح شعوبها والمسيّرة لنضاله والمحددة لخياراته وأشكال نضاله.

كما تتمتع القيادة عادة بالبصيرة والقدرة على التحليل واتخاذ القرارات بناء على الدراسة المستفيضة والتمحيص والتحليل، وهي تختار من بين الخيارات التي تعكس بالضرورة خيارات الشعب وفي الوقت نفسه قدرته على تحقيقها.

تعرض هذه المقالة ثلاث نقاط محورية لنقاش خيارات القيادة والشعب الفلسطيني هي: أسس الإستراتيجية السياسية، والظروف الإقليمية والدولية الآنية، والخيارات الفلسطينية. لا ندعي أن هذه المداخلة تجيب أو تقدم حلولاً أو تفضل خياراً على الآخر، انما هي توسع التفكير في خيارات قد ينسى البعض أو يتناسى طرحها.

(1) أسس الاستراتيجية الفلسطينية

ما أعلنه د. واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية عن وجود خمس خطوات وبدائل مطروحة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تتمثل أربع منها بالعمل من داخل هيئة الأمم المتحدة والخامسة بدعوة الأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف يبقى منقوصاً ما لم تكن ضمن خطة إستراتيجية تقوم القيادة الفلسطينية بتبنيها وفق جداول زمنية محددة. ترتكز هذه الاستراتيجية على ثلاثة محاور أساسية:

• الاتفاق على الهدف من النضال الفلسطيني والمشروع السياسي المتمثل باقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وهنا يجب الخروج من الخطابات الحزبية التعبوية إلى الوضوح السياسي لكافة الاحزاب دون خوف من جمهورها وضياع الوقت على الشعب الفلسطيني للوصول الى نفس القناعات من جديد.

• الاتفاق على أشكال النضال "المقاومة" الفلسطيني وفقاً لمجموعة ضوابط متفق عليها من ضمنها مواءمة الأسلوب النضالي "المقاومة" مع المرحلة التاريخية ومتطلبات المرحلة النضالية وظروفها واحتياجاتها وخضوعه لمبدأ الفائدة والجدوى من هذا الأسلوب أو ذاك باعتباره وسيلة لخدمة البرنامج السياسي وانسجامه مع المواثيق الدولية التي تمنح الحق بمقاومة الاحتلال بالأشكال المختلفة، وقدرته على تعزيز الصمود.

• توحيد آليات مخاطبة العالم؛ فالعمل السياسي يحتاج إلى تناغم البرامج السياسية مع القرارات الدولية للولوج الى الساحة السياسية الدولية لمن يرغب بأن يكون فاعلاً على الساحة الدولية. وهذا يتطلب فهم متطلبات استخدام الأدوات والآليات الدولية التي تحتاج الى قراءة في موازين القوى الدولية والقدرة الذاتية من جهة، والقدرة على استخدامها بطرق ووسائل يجعل منها قوة داعمة تضاف لتحسين قوة الدفع الذاتي.

(2) الظروف الإقليمية والدولية

تشير كل المعطيات إلى أن هذا العام عام الفراغ السياسي. ويمكن تسميته بعام التفرغ الداخلي إذا أحسن فهم المتغيرات الإقليمية والدولية، وأحسن استغلال عامل الزمن وذلك باستعادة الوحدة واعادة بناء المؤسسات الفلسطينية والاتفاق على استراتيجية فلسطينية لمواجهة الاستحقاقات في انتظار التحقق من توجهات الادارة الأميركية بعد الانتخابات في تشرين الثاني القادم.

يبدو واضحا أن الحكومة الإسرائيلية لن تقدم أي جديد في المفاوضات وبالتحديد فيما يتعلق بمسألتي الحدود والأمن لأسباب متعددة منها ما هو داخلي كتركيبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية وامتلاكها أغلبية مريحة داخل الكنيست بالإضافة الى ضعف التيارات والحركات المنادية بالتوجه نحو السلام وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة الى أن الاستيطان وتهويد القدس والإجراءات القمعية لسلطات الاحتلال هي جزء من أدوات أقطاب الحكومة الإسرائيلية في حملتهم الانتخابية القادمة بداية عام 2013.

كما أن الإدارة الأميركية لن تكون متفرغة للسياسة الخارجية وبالتحديد للقضية الفلسطينية خلال هذا العام لانشغالها في الانتخابات الرئاسية؛ فضمن حسابات الحملة الانتخابية والحصول على الدعم المالي والاعلامي بالاضافة الى أصوات الناخبين اليهود لن تمارس أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية. بل أن الضغط الأميركي سيزيد على الفلسطينيين للانخراط في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية لأغراض داخلية؛ فالادارة الأميركية ترغب باستخدام دعمها لإسرائيل في العملية الانتخابية الأميركية خاصة أن المرشحين للانتخابات الرئاسية يتسابقون في تقديم "واجب" الولاء لإسرائيل؛ وما تصريحات نيوت غينغريتش المرشح للفوز بترشيح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأميركية إلا مثال على هذا التسابق.

في حين، تنشغل دول الربيع العربي "مصر بشكل خاص" في اعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وإجراء الانتخابات وتشكيل حكوماتها وإعادة عجلة الاقتصاد الذي تضرر خلال الثورة بالاضافة الى معالجة الاختلالات البنيوية للنظام الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة إلى إعادة صياغة النظام السياسي في بلدانهم، ما يفقدهم جانبا من حضورهم الاقليمي وتأثيرهم الى حد ما ولفترة زمنية غير محددة قد تطول أو تقصر وفقا للأوضاع الداخلية وسرعة اعادة ترتيب هذه الأوضاع.

(3) هل خيارات القيادة محدودة!

توجد على الأقل أمام الشعب الفلسطيني وقيادته الآن ثمانية خيارات يمكن أن تتخذها القيادة الفلسطينية بعد القراءة المتأنية وتحليل مزاياها وعيوبها والقدرة الفلسطينية على تحمل نتائجها، سواء كان ذلك على المدى القريب أو البعيد، وقراءة مواقف الدول والجماعات الدولية المؤثرة في القضية الفلسطينية أو ذات المصلحة، وهي تتمثل بـ (1) بتفعيل العمل من خلال الأمم المتحدة بإعادة تفعيل طلب العضوية وإعادة النظر في طبيعة الطلب، وتقديم طلب عضوية في وكالات هيئة الأمم المتحدة، ومتابعة مشروع القرار حول الاستيطان في مجلس الأمن، ومتابعة فتوى لاهاي بخصوص الجدار، وصولا إلى استخدام قرار الجمعية العامة رقم 377 المعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام. و(2) طلب عقد اجتماع للأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف. و(3) تفعيل أشكال المقاومة (من الفعاليات الشعبية السلمية وصولا الى الكفاح المسلح) لمناهضة الاحتلال الاسرائيلي وفقا للظروف والمرحلة التاريخية وطبيعتها. و(4) دعم الملاحقة القانونية لأعضاء الحكومة الاسرائيلية وقادة جيش الاحتلال أمام المحاكم المحلية للدول التي يتيح نظامها القانوني ذلك. و(5) تفعيل الدعم الشعبي العربي والاسلامي وأيضا الدولي من خلال المتضامنين الأجانب، وعدم الاقتصار على العلاقة مع الحكومات وذلك للتأثير على قرارات البرلمانات والحكومات في بلدانهم. و(6) وقف التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في المجالات المختلفة سواء كان ذلك بالتدرج أو دفعة واحدة وحسب قوة تأثيره على الجانب الإسرائيلي. و(7) اللجوء الى حل السلطة الفلسطينية. و(8) الإقرار بإنهاء حل الدولتين والمطالبة بدولة ثنائية القومية.

هذه الخيارات أو الخطوات بحاجة أولا لدراسة متأنية وتحديد الأولويات والوقوف على الايجابيات لكل خيار وكذلك مخاطره وسلبياته من جهة والمرحلة التاريخية اللازمة لأي من هذه الخيارات من جهة ثانية. كما أن بعض هذه الخيارات يمكن العمل به بشكل متواز "في آن" أو بشكل متوال بحيث يتم استكمال الخطوة أو المرحلة للبدء ببديل أو خيار آخر. كما أن كل خيار لديه تدرج في الخطوات التي يحتويها.

هذا الأمر يتطلب أيضا عدم احتكار الفصائل الفلسطينية البتّ فيه وحدها بل ينبغي توسيع المشاركة الوطنية عبر قطاعات المجتمع الفلسطيني المختلفة في اتخاذ القرار وإنهاء حالة التفرد الفصائلي بقرارات ومصير الشعب الفلسطيني.

تصالــــــــــــ ــــــح

بقلم: حافظ البرغوثي عن الحياة الجديدة

ما حدث في الدوحة عمليا لم يكن اتفاقا جديدا، بل هو جهد قطري اضافي لدفع عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس وعلى هامشه جرى تصالح بين التيارات الثلاثة المتنافسة داخل حركة حماس، حيث دعمت قطر خط خالد مشعل السياسي وتريد تكريسه رئيسا للمكتب السياسي للحركة لأنه ينتهج خطا سياسيا براغماتيا معتدلا يستطيع بواسطته مخاطبة العالم. فما حدث فعلا هو ان قطر عراب الربيع الشعبي العربي رعت ربيعا داخل حركة حماس ولكن في قمة الهرم القيادي لحماس وليس في قواعدها، اذ كانت هناك ثلاثة تيارات، الاول، يقوده محمود الزهار الذي يرى في نفسه الوريث الشرعي للزعيم المؤسس احمد ياسين ويراوده حلم تزعم الحركة، والثاني، تيار يقوده اسماعيل هنية الذي رأى في نفسه زعيما لحركة حماس بعد سنوات من ترؤسه لحكومتها. ولعل جولتيه الاخيرتين في الخارج، كانتا لترويج نفسه دوليا بعد ان ظل في عيون بعض رفاقه في غزة مجرد خطيب مسجد. والتيار الثالث، هو تيار خالد مشعل الأكثر احتكاكا بالعالم الخارجي والأكثر قدرة على قراءة التطورات السياسية.

ولعل قطر التي رعت حماس وانقلابها منذ البدء أكثر دراية بأن شعارات الزهار وهنية عن التمسك بالمقاومة مجرد كلام، لأنهم عمليا لم يقاوموا مثلهم مثل النظام الاسدي .. وبالتالي، فان معارضة مشعل تحت شعار التمسك بالمقاومة قد تنطلي على العامة والسذج لكنها لا تنطلي على قطر التي تعرف «الفرقان» وما حوله من تجارة السلاح والأنفاق والامتيازات وصراع الملايين بين أمراء الحرب. ولهذا استخدمت الترغيب والترهيب لاسكات الأصوات المعارضة للمصالحة ولخالد مشعل شخصيا .. وقبض من قبض .. وارادت من وجود الرئيس ابو مازن تأكيد جهودها في دفع المصالحة ولم يتضمن اعلان الدوحة جديدا باستثناء ان الرئيس ابو مازن سيتولى تشكيل حكومة المستقلين وهو أمر كان الرئيس يريد الابقاء عليه سرا كحل أخير في حالة عدم التوافق على تسمية رئيس وزراء.

عمليا، نجحت قطر في فرض تصالح داخل حماس برعاية «كافكو» وهي وقد تجشمت هذا العناء، لا بد لها من مراقبة التنفيذ على الأرض لأن مراكز القوى المتعددة التي نمت في بطن حماس ليست في وارد المصالحة او التنازل عن الامتيازات والانفاق والمكوس الطيار وآن الأوان لكي تلتفت قطر الى السلطة الفلسطينية ككل وتدعمها ماليا. وعلى أية حال، شكرا لقطر على تحركها هذا الذي يضمن لها اعادة مصداقيتها في الشارع الفلسطيني.

ليس دفاعاً عن ابو مازن

بقلم: عادل عبد الرحمن عن الحياة الجديدة

بعد اتفاق الرئيس محمود عباس مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على تفعيل المصالحة برعاية امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، والذي تضمن تشكيل حكومة برئاسة ابو مازن، برزت ردود فعل على تسلّم رئيس منظمة التحرير رئاسة الحكومة لاعتبارات مختلفة بعضها مشروع من حيث المبدأ، وبعضها لاهداف واغراض شخصية وتعطيلية للمصالحة.

وحرصاً على إبراز الحقيقة دون مبالغة او تطير، وايضا دون مغمغة او انتقاص في قراءة الموقف، تستدعي الضرورة ملاحظة الآتي:

وقبل عرض النقاط ذات الصلة بالموضوع، تملي الضرورة الاشارة الى مسألة مركزية، وهي، ان حصر رئاسة الاطر الوطنية الاساسية (منظمة التحرير ، السلطة الوطنية، رئاسة الحكومة، قيادة حركة فتح، والقائد العام للقوات الوطنية) في يد الرئيس محمود عباس، امر غير مرغوب به، ولا ينم عن حالة صحية في الساحة. ولكن لماذا حصل ذلك؟ هل يتعلق الامر بوجود “نزعة دكتاتورية” عند رئيس حركة فتح؟ ام ان واقع الحال البائس مهد الارضية لذلك؟ وهل القائد العام مع خرق القانون الاساسي، الذي عمل ، هو شخصيا على تثبيته عشية تسلمه رئاسة الحكومة الثامنة عام 2003؟ وما هي العوامل والاسباب الموضوعية والذاتية، التي ادت الى ذلك؟

اولا: الرئيس عباس كما يعلم الجميع زاهد في موضوع السلطة، ولا يريد الترشح لدورة رئاسية جديدة، واعلن عن ذلك عشرات المرات. ولم يكن إعلانه شكلا من اشكال الدلال والبغددة، وحتى يسترضيه الآخرون، وانما هي قناعة ثابتة لديه.

ثانيا: تسلم الرئيس رئاسة منظمة التحرير كونه رئيس حركة فتح، التي منحته الثقة في المؤتمر العام السادس، حيث وقف المؤتمرون جميعا بالتصفيق تأكيدا على ثقتهم بشخصه. ولو لم يكن رئيسا لحركة فتح، ما كان يمكن له ان يكون رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية. لاسيما وان هناك علاقة تبادلية بين المسؤوليتين. ووفق ذات القاعدة، وكما ثبت العرف الفتحاوي واللوائح الداخلية، ان رئيس الحركة، هو ، بشكل طبيعي القائد العام. وهذا الامر كان موجودا زمن قيادة الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات. وحتى عندما جرى التداول في اوساط فتح للفصل بين رئاسة الحركة ومنصب القائد العام للقوات، ارتأت اوساط الحركة بالمحصلة إبقاء الدمج بين المسؤوليتين.

ثالثا: معروف ان الرئيس محمود عباس، هو شخصيا من قاد معركة فصل رئاسة الحكومة عن رئاسة السلطة عام 2003. ودارت معركة شرسة آنذاك بين ابو مازن ومن معه، وبين الرئيس ابو عمار ومن معه، وتحقق الفصل في النهاية بدعم القوى العربية والدولية. وبالتالي، الرئيس لا يمكن ان يكون يوما مع الفصل بين المسؤوليات المركزية ويوما آخر حين تكون الامور لصالحه مع دمجها، خاصة وانه لا يريد التجديد، وهو ايضا وفق ما يعلم العبد الفقير ، وكما يشيع الرئيس نفسه ذلك، زاهد في الحكم ولا يريد اي مسؤولية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إذن يوافق الرئيس على تولي رئاسة الحكومة القادمة؟ كما يعلم ايضا الجميع قوى وشخصيات مستقلة واعلاميون، ان الرئيس عباس طرح على رئيس المكتب السياسي عدداً من الاسماء لتولي رئاسة الحكومة القادمة، لكن قيادة حماس، لنقل كان لها تحفظات على الشخصيات المذكورة، وعرضت على ابو مازن تولي رئاسة الحكومة، خاصة وان ولاية الحكومة القادمة، ستكون محدودة ومؤقتة، ومحصورة المهام، إضافة الى ذلك مطلوب شخصية إجماع ، وايضا شخصية مقبولة من المجتمع الدولي، لذا تم التوافق على ان يكون الرئيس محمود عباس، رئيسا للحكومة القادمة.

وهذا لا يعني بحال من الاحوال انتقاصا او نقضا للتشريع ولا للقانون الاساسي، ولا يعني بتاتا ان الشعب الفلسطيني عاقر، وفقير في الكفاءات. اضافة لذلك في اللحظة الراهنة، لا يعني حصر المهام الرئيسية في يد الرئيس ابو مازن غيابا للديمقراطية وترسيخا للدكتاتورية، انما هي ضرورات اللحظة السياسية.

ولمن يعلم او لا يعلم فان الرئيس ابو مازن، هو صاحب مقولة كررها في اكثر من مقابلة، كما يعيدها في مجالسه الخاصة، لا يوجد شخص لا يمكن الاستغناء عنه. ولا يوجد شخص استثنائي، بغيابه تضيع الامور. كل شخص مهما كانت درجة عبقريته يمكن ايجاد بدائل عنه. والشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الارض قاطبة ، شعب ولاد للكفاءات، وهو شعب غير عاقر.

مرة اخرى، حصر المسؤوليات بيد شخص واحد، امر غير حميد، ومرفوض ولا يجوز تكريسه في الواقع الوطني، وبالتالي يجب العمل على توزيع المسؤوليات على الكفاءات المختلفة استنادا الى النظام الانتخابي الديمقراطي.

انتصار جديد للتوافق الوطني وهزيمة جديدة للانقسام !

بقلم: يحيى رباح عن الحياة الجديدة

أعداء المصالحة وعبيد الانقسام بدأوا منذ شهور يتحولون إلى فلول، مجرد فلول، يسكنهم الخوف والقلق على المصير، لأن الانقسام الذي رتبوا أنفسهم على هيكلياته وتداعياته، فقد كل منطق، وفقد كل مبرر، وأصبح يتهاوى دون أن يتمكن أي طرف من إنقاذه حتى نتنياهو، وائتلاف نتنياهو الحاكم في إسرائيل، الذي استغل هذا الانقسام ببشاعة قصوى في السنوات الأخيرة، لم يعد المنطق الذي يتحدث به دفاعا عن الانقسام يقنع أحدا, بل أصبح يثير السخرية .

الحقيقة أن المنهج الذي قام عليه سقوط الانقسام هو المنهج الأقوى والأذكى فلسطينيا، الذي كرسه الأخ الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو منهج يقوم على تكريس وتصليب التوافق الوطني، فهذا التوافق القائم في قرارات شجاعة وصريحة للواقع من حولنا، ولنوع الصعوبات والتحديات، وحجم المسؤوليات يصلح لما هو أبعد من المصالحة، إنه قاعدة انطلاق لمشاركة واعية وواسعة وفعالة في صياغة ديناميات النظام السياسي الجديد، وعدم الوقوف بعجز أمام المشكلات، أو أمام اختراع حلول عملية وشجاعة وغير نمطية ولا تقف عند حدود الشعارات الشكلية، لأن هذه القرارات المتبادلة للرجلين جعلتهما يكتشفان أن الخيارات الفلسطينية مهما كانت هي خيارات صعبة، لأن قواعد اللعبة في المنطقة في حالة تغير مستمر، ولأن الأولويات، لا تستقر على حال، لأن التشبث بالشكليات لا يفيد في النهوض بعبء المسؤولية . منهج التوافق الوطني الذي بدأ في الرابع من مايو أيار العام الماضي، ترسخ أكثر، ونجح في كل الاختبارات التي تعرض لها، وصمد أمام الضغوط والتهديدات، فهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها نتنياهو تهديداته المعلنة وتهديداته المبطنة !!! وهذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها هذا الوجوم الرهيب يسيطر على أعداء المصالحة عبيد الانقسام، الذين يحولون العوائق الصغيرة إلى جبال ضخمة لكي يختبئوا وراءها، فيجيء التوافق الوطني، عبر قطبيه الرئيسيين، الرئيس أبو مازن وخالد مشعل، لكي يذيب هذه العوائق الضخمة، ويعيدها إلى حجمها الحقيقي، بأن هناك صعوبات نعم، ولكنها صغيرة وقابلة للتجاوز .

هذا التوافق بدأ بالسيطرة على مناطق الظلال والتداخل السياسية التي كان عبيد الانقسام ينصبون فيها كمائنهم القاتلة، فجاء التوافق لكي يلغي مناطق الظلال والتداخل، نعم لدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967، ونعم للمفاوضات إذا تحققت مرجعياتها الفلسطينية، ونعم للمقاومة الشعبية السلمية منهجا رئيسيا في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي !!!

ثم بدأ هذا التوافق الوطني يتقدم باتجاه التفاصيل التي يسكن فيها الشيطان، حل مشكلة الحكومة، وعدم التسليم بأن هناك مشكلة مستعصية، سنسمع بالطبع أن هناك من يرفع راية القانون والدستور، ولكن هذا صراخ لا طائل من ورائه !!! ثم عبر التوافق الوطني، عبر مزيد من الوعي والجدية، أن قرارات انتخابات المجلس الوطني لها ظروفها التي تختلف عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأن التبسيط هنا غير مفيد على الإطلاق، وبالتالي فإن الانتخابات لها عناصرها الموضوعية المرتبطة بها .

بعد لقاء الدوحة الذي كان ناجحا على أكثر من صعيد، والذي أحاط بقدر كبير من التشاور، والحقائق، والمعطيات، ستصبح الأمور أكثر وضوحا، فهناك نتنياهو الذي لا يريد المصالحة، وسنعرف من مع نتنياهو من أعداء المصالحة في الداخل ؟؟؟ لم يعد هناك سواتر من أي نوع !!! وكلما كان اللعب على المكشوف فإن الأمور تكون أكثر وضوحا رغم كل الصعوبات .

بطبيعة الحال، أنا لا أوافق مطلقا على هذه اللغة التي تتحدث بها بعض الفصائل، حين تصف كل نجاح يتحقق بأنه محاصصة، وهو نفس المصطلح الذي سحقناه بعد لقاء الدوحة، هذا كلام غير مقنع، وغير حقيقي، ويجعل هذه الفصائل تحجم عن المشاركة بعقل مفتوح، وتترك للتوجسات التي لا معنى لها فرصة للتشويش، وهذا غير مفيد، فالمعارضة الجادة لا تعني أن تقول لا على الفاضي والمليان، بل المعارضة الوطنية هي الإقرار بالمصلحة الوطنية العليا، وعلينا فلسطينيا أن نؤهل انفسنا لخوض غمار مرحلة جديدة، مرحلة ذات أعباء كبرى، فالمنطقة كلها محقونة بالتوقعات غير العادية، وعناصر الانفجار، ولا يحق لأي طرف فلسطيني أن يختار السلامة الفردية، أو أن يختار الأسهل لكي يخرج نفسه من عبء هذا الصراع المحتدم، فالتوافق الوطني معناه أن نكون معا، وأن نقدح زناد وحدتنا لنكون معا، وأن نخترع الصيغ المبتكرة لنكون معا، فبدون أن نكون معا كيف يمكن لأي منا أن يكون على صواب .

اتفاق الدوحة ؟؟

بقلم: أسامة ابو عواد عن وكالة معا

خطوة في المسار الصحيح للخروج من الأزمة الفلسطينية ، وبداية جيدة لتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ودمج كافة الفصائل والأحزاب ، وجهود حثيثة لتفعيل خطوات المصالحة لخدمة أبناء المجتمع الفلسطيني، وإعادة اللحمة بين الأشقاء ، وذلك برعاية امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان .

لا نريد أن نستبق الأحداث بعد هذا الانجاز الذي ينتظره الشعب الفلسطيني على أحر من الجمر ، لذلك سننتظر تطبيقها على أرض الواقع وأن يكون هناك شيء ملموس وأن يتم تنفيذها بسرعة كما تم الاتفاق عليها بين الحركتين ، وأن نبتعد عن التشهير الإعلامي والمصالح الشخصية والحزبية والافراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين من كلا الطرفين وتطبيق القانون في غزة والضفة .

بقاء الرئيس محمود عباس على رأس "حكومة التوافق " الوطني تعتبر خطوة جريئة وذات مصداقية لتحقيق هذا الانجاز والذي لاقى ذلك ترحيباً من قبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل وبعض السياسيين ، وتأكيدهم على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة في الضفة وغزة معاً ، بحيث تتمتع الحكومة المقبلة بشعبية وأن يتم قبولها لدى المجتمع الدولي

لذلك يسعى الرئيس عباس إلى الخروج من الأزمة التي لاحقته مؤخراً في ظل التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي في عمان وعدم جدوى تلك المفاوضات التي لم تجلب للشعب الفلسطيني أي إنجاز يُذكر ، لعدم موافقة إدارة نتنياهو اعطاء الشعب الفلسطيني دولة على حدود 67 وتجميد الاستيطان وحق العودة للاجئين ، بالإضافة إلى القدس عاصمة للفلسطينيين ، والسبب الاّخر انحياز إدارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل وفشلها بتحقيق السلام بين الجانبين .

موافقة الرئيس محمود عباس تولي رئاسة الحكومة من شخصيات وكفاءات مهنية مستقلة ستخفف الأزمة الفلسطينية التي تزيد يوماً عن يوم وأدت إلى خروج مسيرات واحتجاجات تطالب بإلغاء التنسيق الأمني بين الجانبين وعدم التفاوض مع الاحتلال ، وأخرى تقرع الطناجر لرفض قرارات التخمين التي يسعى رئيس الحكومة الحالية د .سلام فياض لفرضها على الشعب .

لعل الحكومة الحالية لم تدرك الظروف القاسية التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتقزم معدل الراتب الذي لا يكفي لسد حاجات الاسرة، بالإضافة إلى تلك الحزمة من الضرائب التي تثقل كاهل المواطن الذي يعيش تحت الاحتلال .

اعلان الدوحة خطوة جيدة في تحقيق مراد وتطلعات الشعب الفلسطيني نحو الأفضل وتخفيف جزء من تلك المعاناة ، وقد تكون تلك المحاولة هي إلغاء قانون الضرائب الذي سبب بوجود بلبلة داخل المجتمع والمطالبة برحيل د. سلام فياض.

اعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية

بقلم: عباس الجمعة عن وكالة معا

لم نتفاجأ بالكثير من القضايا وخاصة ان المصالحة التي تعاني من ازمة ثقة اصبحت متنقلة بين العواصم العربية ، هل فعلا هناك مصالحة فلسطينية حقيقية ، ام هناك قضايا لارضاء هذا الشريك الاقليمي او ذاك ، فمصر لعبت دورا هاما في اتفاقات المصالحة ولانها اصبحت عدة اتفاقات ، يجب ان نبقي نقطة الامل موجودة وذلك من اجل تغليب الخلافات الداخلية، واحتلالها مكاناً أكبر في العمل الفلسطيني وتكريس الجهد البناء في مواجهة الاحتلال ومخططاته وممارساته الإجرامية على الأرض الفلسطينية، وخاصة ان هذا الخلاف شكل على مدار سنوات الجزء الأكبر على المستوى السياسي والإعلامي والميداني ، مما شكل خللاً كبيراً في التوجهات الوطنية واستهدافاتها لمواجهة الاحتلال ومخططاته التدميرية والإقصائية للهدف الفلسطيني المرتجى من إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67.

لقد شكل الانقسام وتداعياته على الأرض مصدر قلق وإضعاف حقيقي للجهود الوطنية على المستويين الشعبي والوطني نضالياً، وسياسياً، وجماهيرياً، ودبلوماسياً، وكفاحياً، وأعطى للأسف ، الاحتلال فرصة أكبر للاستفراد بالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ومناطق 48، حيث ازدادت وتيرة الاعتداءات الصهيونية على المواطنين بأشكال وصور مختلفة ومتنوعة، وجرى تهويد مزيد من الأراضي، مع توغل حقيقي للإجراءات الصهيونية ضد الحجر والشجر والإنسان الفلسطيني.

ان القوى المعادية استغلت محاولة التأثير على حجم ومستوى التأييد والمساندة الدولية لنضالنا وكفاحنا المشروع، وقد تأثر مستوى الدعم واستغلت الأمر بعض الأطراف العربية للتنصل من مسؤولياتها الأخوية والأخلاقية في دعم ومساندة النضال الوطني، وساهمت أحياناً في مشاركة المجتمع الدولي من خلال محاولة الضغط على القيادة الفلسطينية للعودة الى مفاوضات اقل ما يقال فيها ان الهدف من استمرارها تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، واعطاء حكومة الاحتلال فرصة ذهبية لاستمرار استيطانها والعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني، و(مواصلة بناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس، وسرقة المياه والحصار الاقتصادي والاجتماعي ، هذه الممارسات كانت وما تزال تستهدف جعل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة هدفاً غير ممكناً بفعل الانتهاكات والواقع المعاش على الأرض.

ما جرى في الدوحة يكشف حقيقة وطبيعة التفاهمات الفلسطينية ومآلاتها النهائية في ظل عدم تعافي الحالة الوطنية واستمرار أزمة الثقة بين الفرقاء الرئيسيين، حيث ما زلنا نلمس ،وبكل أسف استمرار، الاعتماد على صياغات تحتمل التأويل الملتبس، بما يسمح للفرقاء التنصل من الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم لتنفيذ تلك التفاهمات، ولا بد من استثمارها لمصلحة مواصلة الضغط الشعبي والفصائلي لتنفيذ وتطوير ما تم التوصل إليه في محادثات القاهرة بين 20-23 كانون أول من 2011.

ان تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس محمود عباس من كفاءات وطنية (تكنوقراطية) باعتبارها حكومة مؤقتة معنية بتهيئة الأجواء والمناخات الإيجابية لإجراء انتخابات شفافة وديمقراطية نزيهة وتحديد الآليات وموعد تشكيلها ودورها ،والتقدم في هذا الملف مرهون بما ستسفر عنه محاولات التفاهم بين فتح وحماس.

وامام كل ذلك نرى ان المطلوب اليوم بعد تفاهم الدوحة العمل وبشكل سريع الى عقد اجتماع الإطار القيادي في م.ت.ف وخاصة ان اتفاق المصالحة بحاجة الى مزيدا من الجهد والمتابعة والنقاش والحوار الوطني البناء لضخ دماء جديدة في عروق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلة حقيقية لطموحاتهم وحقوقهم وأهدافهم الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف.

ان اتفاق الدوحة يشكل خطوة مهمة على طريق تنفيذ التفاهمات الوطنية للتقدم بخطوات للأمام نحو تفعيل المشاركة الوطنية والشعبية في التصدي لمحاولات الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية لاستنزاف شعبنا وثورتنا وسرقة أرضنا ومقدساتنا.

فالفرصة سانحة في ظل تلك الأجواء للكل الوطني (فصائل، وشخصيات، وأعضاء قوى، وأحزاب، ومؤسسات) لالتقاط الفرصة التاريخية لمصلحة تعزيز الوحدة وإنجاز تفاهمات وطنية للأشكال النضالية المناسبة الملائمة، لمواصلة مشوار الكفاح الوطني الفلسطيني المؤهل لمزيد من الانتصارات السياسية والدبلوماسية والأخلاقية على عدو عنصري فاشي إرهابي يمارس كل صنوف البربرية والعدوان على الشعب الفلسطيني في ظل غياب رادع حقيقي وقوى، دولي، وإنساني لوضع حد لهذه العجرفة والغطرسة الصهيونية، ويعطي القضية مزيداً من الأبعاد والقدرات في كافة المنتديات والمؤسسات والمنظمات والتجمعات الدولية.

إننا بحاجة إلى بلورة إستراتيجية فلسطينية موحدة، فنحن ندرك أننا أمام عدو من طراز خاص، يتمتع بكل عناصر القوة، ليس بفعل قواه الذاتية فحسب، بل بسبب الدعم غير المحدود من حليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة ، والدور المناط بإسرائيل في الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي صراعها الوجودي الاستيطاني الإحتلالي مع الفلسطينيين ما زال على حاله، بل بات اليوم أكثر تعقيداً مع حلول الربيع العربي، وتوق الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة والاستقلال، والتخلّص من الأنظمة الاستبدادية التي تشاركت مع الغرب الاستعماري في نهب وإذلال لشعوبها.

إن تبنى استراتيجية وطنية وخلق إجماع وطني فلسطيني حولها هو الوسيلة الأمثل للانطلاق نحو المستقبل، المطلوب الآن فكر فلسطيني جديد ومفهوم فلسطيني جديد لكيفية إدارة الصراع تستند إلى الثوابت الوطنية وتوفر صمام أمان لها .

وغني عن القول نؤكد ان اعادة بناء رؤيتنا ودورنا المستقبلي، انطلاقاً من قناعاتنا ان في تثبيت وجود الشعب الفلسطيني على مسرح التاريخ كشعب حي وفاعل يمتلك هوية وطنية وقادر على البقاء والاستمرار كبقية شعوب الأرض ، لا بد أن ينتزع استقلاله ويقيم دولته المستقلة لكي تمثله وتمثل هويته وحيويته وكينونته في مختلف بقاع الأرض، وهو يتطلع اليوم الى الإقرار بقبول فلسطين كدولة عاملة كاملة العضوية في الأمم المتحدة لان بذلك يكرس نقلة في غاية الأهمية لمنظمة التحرير الفلسطينية كوعاء يجسد مشروعية الشعب الفلسطيني ولا يلغي الحقوق الأخرى وخاصة حق العودة.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً