هل هي حكومة توافق فصائلي أم دولي؟
عصام شاور/فلسطين اون لاين
في بيانها الصحفي الأخير هددت حكومة د.رامي الحمد الله "التوافق سابقا" بأنها ستعطي مهلة مدة أربعة أسابيع للموظفين السابقين للعودة إلى عملهم وكل من لا يعود إلى عمله بانتهاء المهلة ستعتبره مستنكفا وفاقدا لوظيفته، أي أن حكومة الحمد الله هي فقط من تقرر إن كان الموظف مستنكفا أم لا، ولا يحق لنا أن نعتبرهم مستنكفين وقد تغيبوا عن عملهم سبع سنوات، هذه الجزئية وحدها تكفي لإثبات أن المصالحة فشلت فشلا ذريعا وأنها غير قائمة فعليا وأن الحكومة ليست حكومة توافق ولا يجوز لنا بعد الذي سمعناه تسميتها كذلك.
البيان الوزاري يشير إلى أن الحكومة تعمل وفقا لبرنامجها وخططها الوقتية والسنوية، وأنها لا تتبع للفصائل وإنما هي حكومة رئيس الدولة تقوم بعملها وفقا لتوجيهات سيادة الرئيس واستنادا لصلاحياتها في القانون الأساسي، وهذا أيضا دليل على انها ليست حكومة توافقية بل هي تعتبر نفسها حكومة عادية رغم عدم نيلها لثقة المجلس التشريعي ورغم أنها جاءت نتيجة توافق وعليها القيام بمهامها حسب اتفاقية الدوحة وإعلان الشاطئ ولا يجب أن يكون لها برنامجها الخاص أو خطط سنوية، وإذا أرادت أن تستند في صلاحياتها إلى القانون الأساسي فعليها أن تتشكل حسب القانون الذي ينص على ضرورة نيلها ثقة المجلس التشريعي كما أسلفنا، ولا يجوز لها أن تتشكل بطريقة توافقية فصائلية ثم تضرب عرض الحائط كل ما تم الاتفاق عليه مع تلك الفصائل.
الحكومة وضعت شروطا لاستلام مهامها في قطاع غزة ومنها إقصاء جميع موظفي حماس وتعويضهم بطرق معينة ذكرها البيان وإخلاء المعابر بشكل تام تلبية لرغبة المجتمع الدولي والدول المانحة، ونحن نقول إذا كانت الحكومة معينة من قبل الدول المانحة وأصبحت أداة من أدوات المجتمع الدولي فإننا لا نريدها، إما إذا كانت حكومة توافقية جاءت برغبة من حماس ومن فتح فعليها أن تلتزم بما تتفق الحركتان عليه، وحماس وكذلك المقاومة الفلسطينية لا تقبل بأن يفرض المجتمع الدولي شروطه علينا بعد الهزيمة التي لحقت بالعدو الإسرائيلي، أي أن المطلوب من الحكومة أن تمارس مهماتها المتفق عليها بروح المنتصر على إسرائيل وعلى رغبات المجتمع الدولي المتآمر وإلا فإن الأوضاع ستسوء، ونحن نعلم انه اذا حدث انفجار جديد في وجه المحتل فلن يكون هناك صوت غير صوت المقاومة.
حذو النعل بالنعل
يوسف رزقة/ المركز الفلسطيني للاعلام
مرت ثمانية أشهر على ما يسمى حكومة التوافق برئاسة الحمد الله. في الأشهر الثمانية تعاظمت معاناة الموظفين أضعافا مضاعفة عما كانت قبل حكومة التوافق. لا أحد في فلسطين أو في العالم يجهل حجم هذه المعاناة ( المادية والمعنوية)، حتى بات الموظف لا يستطيع شراء حليب مولوده الجديد، فضلا عن شراء طعام أبنائه وزوجته. لا أود الاستفاضة في عدّ وحصر مظاهر المعاناة التي نتجت عن عدم دفع رواتب الموظفين في هذه الفترة الطويلة، لأن المعاناة المعنوية كانت وما زالت أشدّ من المعاناة المادية، إذ ما زالت حكومة ما يسمى بالتوافق تلعب في مصيرهم. مشكلة المصير أبعث على القلق من مشكلة الحاجة اليومية.
حكومة ما يسمى بالتوافق تتصرف من خلال مرجعية الرئيس، وقد ورد في بيان الحكومة الأخير أن الحكومة ليست حكومة فصائل، وإنما هي حكومة الرئيس، وهي تنفذ توجيهات الرئيس ؟! وبناء على ذلك التصريح المكتوب، لا يصح بعد اليوم تسمية الحكومة بحكومة توافق، أو حكومة مصالحة وطنية، إذ لا توافق، ولا مصالحة حقيقية، والرئيس انقلب على كل التفاهمات، والحكومة تسير في ركابه (حذو النعل بالنعل)؟!
الحكومة تريد أن تعيد المستنكفين إلى وظائفهم، وتلقي بالموظفين بعد ١٤/٦/٢٠٠٧م إلى قارعة الطريق، وفي أحسن الأحوال تعيد توظيفهم من جديد في الشواغر المتبقية نتيجة الوفاة، والتقاعد، وتطور الحاجة؟! إنها باختصار لا تريد أن تعترف بشرعية الموظفين الذين حملوا عبء الخدمة المدنية والأمنية في غزة على مدى سبع سنوات من الانقسام؟! إنه تريد أن تمحو سبع سنوات من حياتهم الوظيفية؟!
حكومة الحمد الله عاجزة عن حلّ أي من المشاكل ، وهي في الوقت نفسه لا تقوم بالمهام التي من أجلها تشكلت، ومن أجلها تخلت حماس عن حكومتها في غزة، وأعني بالمهام المصالحة المجتمعية، ودمج الموظفين والإدارات، والانتخابات.
اليوم لم يعد الرئيس يتحدث عن انتخابات، فلقد أخذ ما يريد وانتهى الأمر. لقد أخذ ورقة (الشرعية) من حكومة حماس وانتهى الأمر. الرئيس كان يعرف ما يريد، وكان يعرف الخطوة التالية، ولكن حماس كانت تجهل ما في ضمير الرئيس، وكانت لا تعرف الخطوة التالية إذا ما نكث الرئيس بجوهر الاتفاق ؟!
بيان الحكومة الأخير لا يمثل خطوة في طريق الحل، بل يمثل انقلابا على الحل؟! ، وانقلابا على الأمل؟!، وهو خطوة تُعقّد الأمور ، وتعود بها إلى الوراء، مع علم حكومة الحمد الله أن الموظفين لن يتركوا أماكن عملهم البتة، ولن يسمحوا لأي من المستنكفين بالعودة إلى العمل قبل أن يتم دمجهم في رواتب الموظفين، وقبل أن يحصلوا على المساواة التي هي حقهم بالقانون، وبالعرف، وبالتوافق، وقبل أن يتلقوا راتبهم مع غيرهم من الموظفين بدون تمييز.
ليس أمام الحمد الله إلا الاستقالة أمام حالة العجز التي باتت لا تطاق، وليس أمام رئيس السلطة إلا أن يعلن تخليه عن المصالحة وعن التوافق بصراحة وشجاعة بدلا من المناورات السياسية والإعلامية، التي باتت مكشوفة، وليس أمام الفصائل في غزة إلا أن تدير الأمر في غزة بنفسها، والعمل المشترك لتحمل المسئولية.
وقبل هذا وذاك لا بد من بيان صريح ومشترك بتوقيع الجميع يدين الرئيس وحكومة التوافق للعجز والفشل في إدارة المصالحة، وفي إدارة حاجات المواطنين، والعمل من خلال رقابة المجلس التشريعي، وتهيئة المجتمع لانتخابات تجدد الشرعيات، باعتبارها المدخل الباقي للحل، وللمصالحة.
غزة 2015.. تجاذبات الصمود والمحن
عمر قاروط/ فلسطين الان
مسكينة غزة تنتصر في المعارك مع الأعداء لكنها تكسر وتذل مع الأشقاء، بالأمس في مثل هذا اليوم أعلنت الحكومة هنا عن ميزانيتها السنوية التي أقرها المجلس التشريعي في غزة والتي بلغت 784 مليون دولار، بإيرادات متوقعة 195 مليون دولار، وعجز قدر بـ 589 مليون دولار، واليوم غزة بلا حكومة، ولا ميزانية، ما يعني ...، بالأمس كانت غزة تقاتل على خطوط التماس، واليوم تقاتل على خط الكهرباء، وخط المعبر، وخط الرواتب، وخط الصيد، وخط المستشفيات، وخط المدارس، وخط شركات النظافة، وخطوط لا حصر لها، وللأسف تقاتل على هذه الخطوط بلا أسلحة ولا تجهيزات.
مسكينة غزة كانت تعتقد أن عدوها "الاحتلال الإسرائيلي" الذي تحاربه باقتدار، وتحقق المكاسب في مواجهته، لكنها اليوم لا تعرف من هم أعداؤها؟! أهم من تقاتلهم أم هم من تسالمهم، لا تعرف من أبوها ومن أمها؟، لا تعرف حاضرها من مستقبلها، لا تعرف ابنها من ابن ضرتها، لا تعرف زمانها من زمن غيرها، لا تعرف جدها من مماطلاتها، لا تعرف ..، أهي نكرة أم علم؟، أهي موجودة أم غائبة؟، حاضرة أم مستبعدة؟.
مسكينة غزة، لا تعرف الصمت لكن لا ترى أثرا للعمل، تسمع كثيرا عن المغيثين لكن الآهات تحاصرك في كل مكان، تفرح من التطلعات الواعدة، لكن تتقطع من الآلام الموجعة، كل شيء حولك ينبئك بأن هذه البلد مأسورة، وشعبها حزين، وحالها صعب. هذا يخرج يتسول ليحصل على أجرة الطريق ليصل لمكان عمله على أمل أن تلحقه صدقة الراتب أو كوبونة الحياة، وذاك ينام على حافة الطريق يترقب أنباء فتح المعبر ليكون في الباص الأول لعله ينعم بنصيب في اجتياز الحدود لعمل ينتظره أو علاج يصيبه، وتلك امرأة مسكينة تضع يدها على خدها تترقب قدوم الكهرباء لغسيل الملابس أو كيها لعلها تصيب قسطا من رضا زوجها الذي تترقب عودته، وذاك يركض يريد أن "يصرف الكوبونة" قبل أن يفقد نصيبه فهي فكة الأسرة مما هي فيه من ضيق العيش، وذاك يدور في فلك غزة الواسع يبحث عن فرصة عمل ليأكل منها كونه لم تصله نعمة الكوبونة، وذاك وذاك..، هي غزة حياة محزنة وقاسية، لا يشعر بها إلا أهلها، بينما المتفرجون يظنونها تمرح!!
مسكينة غزة، مكعب حجبت من حوله الأرض والمخلوقات، وكأنها تعيش في فضاء، لها بحر لا يحق لها ولوجه، ولها حدود لا يحق لها الاقتراب منها، ولها سماء لكن لا يحق لها أن تطير أو تصعد فيها، لها موارد لكن لا يحق لها أن تتنعم بها، لها باطن لكن لا يحق لها أن تعرف ما فيه، إنها كوب خاص، وعالم خاص.
مسكينة غزة، بالأمس كانت حديث الألسن واليوم يتنكرون لها، ألا يكفي ذلك الظلم؟! لكنها غزة، تظل عزيزة، تتسع لكل أبنائها مهما عقوها، وتحن لكل من عرفها حتى لو خاصمها، إنها تدرك معنى الاصطفاء، فبرغم كل ما ألم بها تظل كبيرة، وتمسك دمعة الحزن والألم.
لما غزة؟
إنها حكاية للتاريخ!
غزة اختارت أن تكون خصيمة اليهود، وحامية العهود، ووريثة للمرسلين، وعنوانا للأوفياء.
غزة اختارت أن تكسر الغزاة، وتلاحق المارقين، وتسترد حقوق المظلومين والمقهورين.
فيك يا غزة عجبي، وفيك كبريائي، وفيك مصيري، وفيك خصومي وأحبابي.
السلطة الفلسطينية ومجلس الأمن
عبد الستار قاسم/ المركز الفلسطيني للاعام
جريا على عادة الأنظمة العربية، تكثر السلطة الفلسطينية من الهرولة إلى الأمم المتحدة على أمل أن يتوفر شعاع يؤدي إلى تسوية القضية الفلسطينية. ومثل العرب، تخرج السلطة الفلسطينية من سعيها بالخذلان والإحباط إما لأن الأمم المتحدة لا تتخذ القرار المرجو، أو لأنها عاجزة عن التنفيذ إن هي اتخذت قرارا لصالح الفلسطينيين.
وكما هو متداول في أروقة الأمم المتحدة، جعل العرب والسلطة الفلسطينية أنفسهم موضوع تندر واستهزاء أمام الأمم على اعتبار أن العرب يعدون مئات الملايين وينتشرون على مساحة جغرافية واسعة، ولا حيلة لديهم لمواجة إسرائيل إلا عبر الشكاوى والبكاء والعويل.
تشكل الشكاوى العربية وشؤون العرب عموما نسبة عالية من حجم تشغيل الأمم المتحدة، ولولا تذمرهم المستمر لوجد العديد من الموظفين في الأمم المتحدة أنفسهم في الشارع بدون وظائف. وقد تجسدت أخرى الشكاوى بطرح مشروع السلطة الفلسطينية على مجلس الأمن لتحديد موعد لإنهاء الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن المشروع فشل في الحصول على الأصوات اللازمة لطرحه على المجلس.
ارتجالية الخطوة الفلسطينية
كان أمام السلطة الفلسطينية ثلاث عقبات لا بد من تجاوزها لكي تحصل على مبتغاها، وهي:
1- تتمثل الأولى في تجاوز حاجز الأصوات التسعة الضرورية لكي يطرح المشروع الفلسطيني على مجلس الأمن، وكان معروفا أن هذه الأصوات غير مؤكدة، خاصة أن الولايات المتحدة تقف بالمرصاد، وتلجأ إلى الضغط على الدول الأعضاء في المجلس لثنيها عن التصويت لصالح المشروع، وقد نجحت في ذلك.
2- أما العقبة الثانية فتجسدت في النقض الأميركي (الفيتو) في حال حظي المشروع بالمرور إلى المجلس، وقد أبلغت أميركا السلطة الفلسطينية في أكثر من مناسبة بأنها ستنقض المشروع. لكن الولايات المتحدة تجنبت النقض بالضغط على الدول المعنية لتحجب أصواتها.
3- شكلت إسرائيل العقبة الثالثة لأنه من غير المتوقع أن تلتزم إذا صدر قرار لصالح السلطة، ولا توجد مرجعية تنفيذية دولية ترغم إسرائيل على التنفيذ، ومن المحتمل أن تقوم دول عظمى بتحريض إسرائيل على عدم التنفيذ.
السلطة الفلسطينية كانت على وعي تام بهذه الأمور، لكنها لم تفسر للشعب الفلسطيني لماذا ذهبت إلى الأمم المتحدة وهي ترى الفشل أمام عينيها؟
"عبر عشرين عاما ونيف، أثبتت السلطة الفلسطينية فشلها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والتعليمية والاقتصادية والأخلاقية والأمنية، وعجزت تماما عن المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني"
مجلس الأمن غطاء لعورات السلطة
عبر عشرين عاما ونيف، أثبتت السلطة الفلسطينية فشلها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والتعليمية والاقتصادية والأخلاقية والأمنية، وعجزت تماما عن المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني، وخربت النسيجين الاجتماعي والأخلاقي، وأبقت لقمة خبز الشعب بأيدي الأعداء الذين سلبوا شعب فلسطين إرادته الحرة وحولوه إلى مجرد أدوات بأيدي الآخرين.
ويبدو أن القائمين على السلطة لا يفهمون حجم التخريب الذي أحدثوه في جسد الشعب الفلسطيني وفي القضية الفلسطينية، ولا يدركون أن عليهم ليّ رقبة الحصان ليغير اتجاهه نحو رؤية جديدة لمعالجة الانهيارات الداخلية الفلسطينية. وواضح أن من يسمون أنفسهم بقيادات هذا الشعب لا توجد لديهم المعارف الضرورية لإدراك مدى التراجع الذي مُني به شعب فلسطين، وهم لا يستطيعون معالجة الأمور على الرغم من مكابرتهم أحيانا، ورسم صور وردية لأوضاع قبيحة.
وبسبب عجز قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية عن الانتقال تصاعديا بالشعب الفلسطيني، تلجأ السلطة إلى الهروب خارج الأرض المحتلة (1967) لتطرح هموما فلسطينية لا علاج لها إلا في الداخل الفلسطيني.
السلطة تهرب إلى الخارج لأنها ليست معنية وغير قادرة على وضع الحلول المناسبة للهموم الداخلية، وتحاول بذلك أن تقول للشعب إنها تجوب العالم وتنتقل من مطار إلى مطار باحثة عن تأييد وعن دول تضغط على إسرائيل عسى ذلك يأتي بحل للقضية. وفي كل مرة تعود السلطة خالية الوفاض وفاشلة. لقد ألهت الشعب على مدى سنتين بالسعي لدى الأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة غير عضو وحصلت عليها، لكنها فشلت في ترجمة القرار في واقع الشعب الفلسطيني بحيث لم يشعر الفلسطيني أن أوضاعه قد تغيرت بسبب هذا القرار.
المؤسسات الدولية مؤسسات استعمارية
الدول الاستعمارية الكبرى -وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- هي التي أقامت المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وهي موجودة لخدمة مصالح هذه الدول. لقد شاركت دول مثل روسيا والصين في صياغة أهداف وبرامج هذه المؤسسات، لكنها ليست هي المؤثرة كثيرا في الساحة الدولية، وعندما تتحدث الدول الاستعمارية عن المجتمع الدولي فإنها تقصد نفسها دون الآخرين، وتبقى روسيا والصين والهند خارج مفهوم المجتمع الدولي الذي تقصده.
ولهذا على العرب وبالأخص الفلسطينيين أن يكونوا حذرين في التعامل مع هذه المؤسسات. وليس القصد هنا رفض التعامل مع المؤسسات الدولية، بل يجب أن نبقى هناك في هذه المؤسسات، وعلينا كعرب ألا نتركها مرتعا لإسرائيل، لكن يجب ألا نعول عليها كثيرا، وهي بالتأكيد لن تحرر لنا فلسطين.
من المعروف أن الأمم المتحدة هي سبب كارثة فلسطين لأنها كانت مجرد أداة بيد بريطانيا وأميركا، وهي التي أقامت إسرائيل وشردت الشعب الفلسطيني. الأمم المتحدة صوتت جمعيتها العامة عام 1948 لصالح عودة اللاجئين الفلسطينيين، لكنها لم تفعل شيئا منذ ذلك الحين لإعادة اللاجئين إلى وطنهم. وهناك قرارات كثيرة صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين، لكن التنفيذ غائب ولا يوجد من يدفع باتجاهه.
وبما أن المؤسسات الدولية وليدة جهود الدول الاستعمارية -التي ما زالت حتى الآن ذات النفوذ الأكبر على الساحة الدولية- فإنها تشكل أدوات للاستعمار. وإذا كان لهذه المؤسسات أن تتخذ قرارات لا تصب في صالح هذه الدول فإن إمكانية التنفيذ ضئيلة جدا، وتعمل الدول الاستعمارية غالبا على التسويف والمماطلة والضغوط حتى لا يصدر قرار فيسبب لها فضائح وإحراجات، مثلما فعلت أميركا بالضغط على أعضاء مجلس الأمن حتى تتجنب استعمال النقض (الفيتو).
النشاط في المؤسسات الدولية مهم، لكن يجب ألا نقتصر عليه. وحتى يتمكن العرب من البناء على هذا النشاط عليهم أن يعملوا على مراكمة القوة لتكون لهم كلمة على الساحة الدولية. الساحة الدولية ملعب للأقويا، أما الضعفاء فلا حول لهم إلا التفرج إن سُمح لهم بذلك. والمشكلة أن العرب مصممون على ضعفهم ولا يبحثون عن القوة، ويفضلون البقاء حملا وديعا في غابة تسيطر عليها الذئاب.
أخطاء فلسطينية إستراتيجية
ذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة بأخطاء إستراتيجية كبيرة لا يمكن الحصول معها على ما يبتغون. وهنا أشير إلى النقاط التالية:
1- أسقطت السلطة الفلسطينية حق العودة على الرغم من أنه من الصعب على أية دولة -بما فيها الدول الاستعمارية- أن تجادل في هذا الحق، لأنها ورطت نفسها بمواثيق وعهود دولية تنص صراحة على عودة اللاجئ إلى وطنه. وقضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية، وليست مسألة إقامة الدولة الفلسطينية، فإقامة الدولة تشكل الخطوة الثانية بعد العودة، وهي جزء من حق تقرير المصير المعترف به من قبل أغلب دول العالم.
جريمة السلطة الفلسطينية -ومن قبلها منظمة التحرير- أنهما تبحثان عن دولة فلسطينية بدون الشعب الفلسطيني، وهذا بحث غير مجدٍ ولا يمكن أن يؤدي إلى حل القضية الفلسطينية. والأولى أن يوجد الشعب الذي يريد إقامة دولة، والشعب الفلسطيني في أغلبه موجود في لبنان وسوريا والأردن، وإنه لمن العقم الفكري والسياسي أن نبحث عن دولة شعبها ليس ضمن حدودها.
تركت السلطة القضية الجوهرية التي يمكن أن تنشط بها على الساحات الشعبية الدولية لصالح فكرة الدولة ذات المنشأ الاستعماري الذي هدف إلى تمييع القضية الفلسطينية. لقد ضحت منظمة التحرير الفلسطينية -ومن بعدها السلطة الفلسطينية- بورقتين فلسطينيتين في غاية الأهمية، وهما: حق العودة ورفض الاعتراف بإسرائيل، مقابل أن يصبح الفلسطينيون خداما لأمن إسرائيل.
2- تخرج السلطة الفلسطينية إلى العالم والشعب الفلسطيني منقسم على نفسه وغير قادر على تحقيق وحدة وطنية، وتسود أوساطه المنابزات والمشاحنات والضغائن والأحقاد. الوضع الفلسطيني الداخلي لا يعطي انطباعا جيدا للعالم الخارجي، وعندما تدرك الدول هذا الأمر فإنها ستتردد كثيرا في الاستجابة للمطالب الفلسطينية.
وإذا أضفنا إلى هذا الأمر أن قيادتيْ السلطة والمنظمة غير شرعيتين فإن الشعب الفلسطيني يخسر احترام العالم. رئيس السلطة الفلسطينية غير شرعي لأن مدة انتدابه الشعبية انتهت عام 2009، وهو ما زال يتمسك بموقعه ويفرض نفسه فرضا على الشعب الفلسطيني. أما قيادات منظمة التحرير فغير شرعية أيضا لأن كل مجالس المنظمة تخالف لوائحها الداخلية. إن فقدان الاحترام لا يجلب التعاطف والتضامن، بل ينتهي إلى الاستهزاء بالشعب الفلسطيني وقياداته، ولا يشجع الدول على تأييد فاشلين.
3- قيادة السلطة الفلسطينية مستبدة وطاغوتية، ولا تـُشرِك في اتخاذ القرار إلا قلة قليلة من الحاشية، أما الفصائل الفلسطينية وجمهور الناس فلا مجال أمامهم للمشاركة، وعليهم أن ينتظروا قرارات رئيس السلطة تنزل صواعق على رؤوسهم، فقرار الذهاب إلى الأمم المتحدة وقف عليه أربعة أشخاص من حوالي اثني عشر مليون فلسطيني. القيادة المستبدة قيادة فاشلة حكما وبالتعريف، وهي عاجزة عن حشد طاقات الناس وتصر على تغييبهم. وإذا كانت القيادة فاشلة داخليا فهي بالتأكيد فاشلة خارجيا.
4- ذهبت السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة تعاند وتتحدى من يطعمونها ويقدمون لها رغيف الخبز، فعلى مدى أكثر من عشرين عاما لم تقم السلطة الفلسطينية بترتيب اقتصاد الضفة الغربية وغزة بطريقة تؤدي إلى تحرير الشعب الفلسطيني -ولو جزئيا- من استعباد إسرائيل وأميركا الغذائي، وفضلت أن تبقى عالة على الآخرين مادة يدها للتسول.
جدليا، كيف يمكن للسلطة أن تنجح في تحديها لأرباب نعمتها؟ لقد اختارت ألا تقوم بعملية التنمية الاقتصادية وبرمجة الثقافة الاستهلاكية، وأبقت نفسها في دائرة الاستبداد الغذائي الغربي والإسرائيلي، وحاربت الذين ضغطوا من أجل البحث عن سبل الاعتماد على الذات.
مع هذه الأخطاء الإستراتيجية، كيف لمفاوض أو دبلوماسي أن ينجح؟ لقد جمعت السلطة الفلسطينية والمفاوضون بالنيابة عنها أسباب الفشل، وعملت باستمرار على إضعاف نفسها أمام إسرائيل وأمام العالم ككل؛ فهل جاء هذا بالصدفة أو لسوء الأقدار؟ طبعا لا.
السياسات الداخلية للسلطة الفلسطينية كانت وما زالت حريصة على إضعاف الناس وتمزيق المجتمع، وضرب المنظومة الأخلاقية، والانحطاط بالتعليم على مستوى المدارس ومستوى الجامعات، والإبقاء على الفقر والجهل. وما دام الحال هكذا، فإن أمام الشعب الفلسطيني مسؤوليات مزدوجة، وهي التحرر الداخلي من نير الاستبداد والظلم والقهر، والتحرر من الاحتلال الصهيوني.


رد مع اقتباس