غزة فوبيا
إياد القرا/ فلسطين اون لاين
صورتان لغزة تشكلتا خلال السنوات الأخيرة وبرزتا خلال الأشهر الماضية، الأولى أن غزة بلد العزة وتحقيق الانتصارات ويمكن بمسميات أخرى هزيمة الاحتلال، والثانية رمز جغرافي للصراع مع الاحتلال.
هذه الرؤية لغزة يدعمها ويناصرها جمهور عربي وإسلامي واسع، وتحولت إلى موضع اعتزاز وفخر، ومحور الصراع العربي الصهيوني.
أعادت غزة للأمة العربية رمزية القضية الفلسطينية لأسباب كثيرة، بينها: خوضها ثلاث حروب مع الاحتلال خلال 7سنوات وصمدت خلالها وبقوة وانتقلت من الدفاع إلى الردع، بل تجرأت وقصفت عاصمة الاحتلال تل أبيب بشكل متتابع.
فلسطينيًّا أصبحت غزة رأس الحربة وعنوان المقاومة في مواجهة الاحتلال، وتصدرت المشروع الوطني في عمليات المقاومة مع الإقرار بأن الضفة الغربية هي ميدان المواجهة الحقيقية والأكثر تأثيرًا جيوسياسيا.
كل ذلك قوبل بظهور عداء من نوع خاص تجاه غزة اجتمع في الاحتلال الإسرائيلي مع الأنظمة العربية ما قبل الثورات، وكذلك رئاسة السلطة ولاحقًا بعض الأنظمة التي عادت للحكم بعد الثورات العربية.
هذا العداء ترجم بأشكال مختلفة منها شيطنة غزة كما فعل الإعلام المصري وتم تطبيقه بتبرير قتل الفلسطيني في غزة وحصاره وإغلاق معبر رفح، بل دعوته الاحتلال لضرب غزة.
قد يكون طبيعيا أن تتم عملية التضليل من قبل تلك الأطراف، لكن السلطة وتحديدا الرئيس محمود عباس أصيب بهذا الداء الذي يمكن تسميته "غزة فوبيا" والوقائع على الأرض وسلوك وزراء حكومة التوافق وبعض قيادات السلطة بذلك.
ونقلا عمن التقى عباس خلال الأشهر الأخيرة، أنه خرج بقناعة أن عباس يكره غزة لأبعد مدى ولم تعد تعنيه شيئاً وأنه يرى في قيادة حركة فتح في غزة ليست موضع احترام.
ينطلق موقفه من أن غزة قد أنهت حلمه في إتمام مشروع التسوية، بل أصبحت عنوانا سرق منه الأضواء وتسببت له في هزائم متواصلة وأفشلت كافة خططه في حكم السلطة كما يجب.
عقاب غزة بأشكال مختلفة جزء من تصفية الحساب مع غزة.
مفهوم "غزة فوبيا" يعشعش في فكر بعض الحركات والأشخاص حول ضرورة تحييد غزة عن المواجهة ,وأن تكتفي بتحسين وضعها الاقتصادي والخروج من عنق الزجاجة, مقابل استغنائها عن دورها المحوري في المقاومة , وهو ما تعمل عليه قيادة السلطة حاليا مدعومة من أطراف محلية وإقليمية، من بينها صناعة الأزمات سواء الكهرباء أو المعابر أو إعاقة الإعمار وغيرها.
لكن حتى اللحظة لا يبدو أن "غزة فوبيا " قد نجحت في إقصائها أو تحييدها بل ساهمت الحرب الأخيرة في إعادتها للواجهة وبقوة.
لأنه فلسطيني؟!
يوسف رزقة/ المركز الفلسطيني للاعلام
من قتل الشاب (زكي الهوبي) ابن السبعة عشر ربيعاً؟!, الرصاصة التي قتلته كانت مصرية، والقاتل كان مصريًّا, ولكن مصر التي قتلت الفتى الفلسطيني، هل هي مصر الجيش، أم مصر الإعلام؟!, القاتل من الجيش، ولكن المحرض على القتل هو الإعلام. لو لم يكن ثمة تحريض إعلامي شرس ضد غزة وسكانها ومقاومتها لما وقع حادث قتل الهوبي بهذه الطريقة المستهترة بروح الإنسان.
كان يمكن للجيش المصري أن يلقي القبض على الفتى الهوبي، كما ألقى القبض على زميله حيث يقول الخبر. وكان يمكن له أن يطلق النار على الأرجل وأن يصيبه بجرح مقعد يمكّن من القبض عليه، ويمنع هربه.
لم يكن الهوبي يمثل خطراً على الجنود المصريين المتواجدين على الحدود، ولم يكن يمثل خطراً على أمن مصر، فالشاب لم يكن مسلحاً، ولا مهرباً، ولكنه كان (فلسطينياً، ويسكن غزة) وهذه جريمة مركبة؟!، وهي أخطر ما في الموضوع؟!, يجدر بالفلسطيني والغزي على وجه الخصوص ألا يقترب من الحدود مع مصر. نعم يمكنك الاقتراب من الحدود الشرقية لغزة مع دولة الاحتلال والعدوان، ولا يمكنك الاقتراب من حدود رفح مع مصر الشقيقة؟!. إن الاقتراب من حدود الأشقاء يعني الموت، والاقتراب من الأعداء ربما يقف عند الاعتقال، أو الإصابة في الأرجل؟!.
إن ما يؤلم في هذه المفارقة، أن القتل هو نتاج مباشر (للأحقاد، والكراهية)، التي بثها الإعلام المصري ضد غزة وسكانها، وهذا ما جعل الشقيق قاتلاً، ومفاخراً في قتله. وصدق القائل: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.
عائلة الهوبي لم تطلب شيئاً كبيراً عند مقتل ابنها، لقد طلبت لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات القتل، وهل كان بالإمكان تفادي إطلاق النار على فتى صغير السنّ بهذه الطريقة المسكونة بالكراهية والموت؟! لا أحد في مصر عقب على طلب العائلة؟! ولا أحد أبدى أسفه على مقتل بريء اقترب من الحدود دون أن يهدد حياة أحد؟! لقد صمت الإعلام المصري، ولم يناقش أسباب مقتل فلسطيني بهذه الشاكلة، بينما يضرب سلام تعظيم للإسرائيلي حين يجتاز الحدود، ويسلمه لدولته فوراً؟!.
كم ساعة من النقاش والتحليل كان يمكن للإعلام المصري أن ينفقها لو كان المغدور مصريًّا وبرصاصة فلسطيني؟! لقد عشنا هذا الافتراض عمليًّا، وحوّلنا الإعلام المصري يومها إلى مجرمين وإرهابيين، وأغلق المعبر، وطالبنا باعتقال القاتل وتسليمه؟! أما وأن المغدور فلسطيني غزي، فلا حديث عنه، ولا لجنة تحقيق، ولا اعتذار، ولا حتى أسف كلامي يطيب نفوس العائلة.
مصر الإعلام الحاقد هي من قتل، والجيش هو من داس على الزناد، لذا لا علاج لعملية القتل هذه ومثيلاتها قبل علاج مشكلة أجهزة الإعلام التي تحرض على قتل الفلسطيني، وقتل الغزي وتجريمه بالإرهاب، أعيدوا الإعلام إلى جادة الصواب قبل أن تتكرر حوادث القتل.
مقاطعة بضائع العدو
عصام عدوان
التاجر الفلسطيني الذي يشتري البضائع (الإسرائيلية) التي لا غنى لفلسطينيي الأرض المحتلة عنها، لعدم توفر بدائل عربية أو أجنبية لها، ونظراً لعدم قدرة العيْش بدونها، يكون هذا التاجر قد قدم خدمة للمواطن الفلسطيني بجانب الأرباح التي سيجنيها هو من جراء هذه التجارة. ولكن التاجر الفلسطيني الذي يجلب بضائع إسرائيلية لها بدائل فلسطينية وعربية وأجنبية، إنما هو يقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، وهو غير مضطر لذلك، كما أن المواطنين الفلسطينيين غير مضطرين لها. وعليه تصبح هذه الخدمات المجانية والتي لا ضرورة لها إنما هي عمالة اقتصادية للعدو، وخيانة للوطن وللشعب الفلسطيني الذي ما فتئت (إسرائيل) تستنزفه بشتى الطرق، وتُسهم تجارتها في تقوية اقتصادها، ومن ثم في منحها المزيد من القوة لقتل الفلسطينيين وتدمير حياتهم، واستمرار احتلال أراضيهم.
وقد أفتى فضيلة الشيخ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر: "إن مقاطعة هذه البضائع عند وجود البديل أمر واجب شرعاً"، كما أفتى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: "فكل من اشترى البضائع (الإسرائيلية) والأمريكية من المسلمين، فقد ارتكب حرامًا، واقترف إثمًا مبينًا، وباء بالوزر عند الله، والخزي عند الناس وإذا كان شراء المستهلك للبضائع اليهودية والأمريكية حرامًا وإثماً، فإن شراء التجار لها ليربحوا من ورائها، وأخذهم توكيلات شركاتهم أشد حرمة وأعظم إثمًا، وإن تخفَّت تحت أسماء يعلمون أنها مزورة، وأنها إسرائيلية الصنع يقينًا".
إن التجارة مع العدو الإسرائيلي في غير ضرورة تقتضيها مصلحة الشعب الفلسطيني التي لا غنى عنها ولا بديل لها، إنما هي عمالة للعدو وخيانة للأمة. ويجب التصدي لها على المستوى الفردي والجمعي، وعلى المستوى الشعبي والرسمي.
إن المواد الأولية اللازمة للصناعات العربية، والتي لا يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى سوى إسرائيل، إنما هي من جملة الضرورات التي استثنيناها. وأن تكون البضاعة جزءا منها مصدره إسرائيلي أفضل بكثير من أن تكون كلها من الألف إلى الياء صناعة إسرائيلية، فعلى أقل تقدير هناك مصانع فلسطينية سوف تعمل وتشغل عمالاً فلسطينيين، وتذهب معظم الأرباح إلى جيوب فلسطينية حريصة على بناء الوطن، ونحن حريصون على تحقيق المنفعة لها ما أمكننا ذلك على ان يجيدوا صناعاتهم لكي لا يبقى لضعاف النفوس حُجة.
وأما الحديث عن جودة الصناعات (الإسرائيلية)، فرغم أن هذا الأمر بات مشكوكاً في صحته، حيث تواترت الأخبار التي تشير إلى فساد بضائع (إسرائيلية) جُلِبت إلى الضفة وغزة، وقد أشارت هذه التقارير إلى تعمُّد الاحتلال توريد بضائع تالفة وسامة إلى الفلسطينيين. ومع ذلك نتساءل: كيف يصح الحديث عن جودة بضائع الاحتلال، وشعبنا يعاني من ويلاته ومن ظلمه؟! وهل يجوز لنا البحث عن البضاعة الأجود، إذا ما كانت هي بضاعة الاحتلال؟! وهل ينشغل شعب تحت الاحتلال في المفاضلة بين البضائع ليشتري أحسنها، بينما هو يرزح تحت نير الاحتلال ويتكبد الشهداء والجرحى والأسرى يومياً على يديه؟!.
وقد يقول قائل إن الأشقاء العرب يمكنهم الاستغناء عن الصناعات (الإسرائيلية)، لوجود بدائل لها عندهم، بينما لا يمكن للفلسطينيين ذلك وهم يرزحون تحت هيمنة الاحتلال. والواقع خلاف ذلك، وأعرف مَن قاطعوا البضائع (الإسرائيلية) والأمريكية طيلة سنوات الانتفاضة دون أن يشعروا بحرمان من شيء، فالسوق مليء بالبضائع الفلسطينية والعربية والأجنبية الأخرى. وما من شعب حرٍّ على وجه البسيطة يستمرئ بضاعة عدوه، بل الأصل أن يحقد المرء على مَن طرده من أرضه وجرَّده ممتلكاته، وقلع أشجاره، ودمّر مبانيه...إلخ، فإن أحدنا يقاطع شقيقه إن تشاجر معه، فلا يشتري منه ويتخطاه ليشتري من بائع بعيد!! فكيف بنا نُقبل على شراء بضائع الاحتلال البغيض وفي معظمها بضائع كمالية؟!!!!
إن مقاطعة البضائع (الإسرائيلية) نوع من جهاد الأعداء الواجب على الأمة الإسلامية، وعلى الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وهي مسئولية فردية، سيُسأل عنها كل فرد منّا، وهي مسئولية التجار الذين عليهم أن يبرؤوا من المال الحرام الذي يجنونه من التجارة مع الأعداء، عسى الله أن ينظر إلينا وينصرنا، وهي مسئولية السلطة الوطنية المطَالَبة بتوفير البديل الفلسطيني والعربي ولاسيما في شراء الإسمنت لإعمار ما دمّره الاحتلال في قطاع غزة، فيجب ألا يكون (إسرائيلياً) البتة، ووضع العراقيل أمام التجارة مع العدو إن لم تشأ أو لم تستطع منعها. وليعلم كل مَن يتعاطى "التجارة العميلة" أنه يُعِين كافراً على مسلم. وقد أفتى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: "إذا عاونت مشركًا أو كافرًا أو فاجرًا يحارب المسلمين، فأنت بذلك تقتل نفسًا مسلمة، وهذه كبيرة من الكبائر العظمى".
أين ذهبت منحة قطر؟!
أيمن أبو ناهية/ فلسطين الان
في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من أزمات عديدة، على رأسها الحصار والإغلاق وعدم الإعمار وانقطاع الكهرباء لم تبد حكومة التوافق الفلسطينية أي بادرة حسن نية إزاء حل أي من تلك الأزمات، بل إنها تصر أن تحذو حذو حكومة فياض السابقة التي كانت توجه بـ(ريموت كونترول) المقاطعة، ويا ليتها تدفع شيئًا من جيبها الخاص!، بل إن كل ما تتلقاه من أموال على شكل مساعدات ومنح هي ملك لكل الشعب الفلسطيني دون استثناء، فما بالك وأنها تعمل على استنزاف منحة قطر التي كانت مخصصة لإعمار غزة ضمن أموال الإعمار التي أقرها مؤتمر القاهرة الصيف الماضي، وتقدر هذه الدفعة بـ25 مليون دولار، فبدلًا من هذا استعانت بها الحكومة لتكملة صرف رواتب موظفي السلطة المستنكف الجزء الموجود منهم في غزة منذ 8 سنوات.
وما إن تكشفت الحقيقة حتى أخذ كل وزير يتخبط بتصريحات، وإيجاد حجج وأعذار ومبررات لهذا التصرف القبيح، فوجدنا تضاربًا بين تصريحات وزير العمل مأمون أبو شهلا ووزير الشئون الاجتماعية شوقي العيسة بشأن رواتب الموظفين، والوجهة التي عن طريقها ستصرف المنحة القطرية.
قال العيسة: "إنه كان من المفترض أن يخصص جزء كبير من المنحة القطرية لصرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة"، والحجة التي تتمسح بها الحكومة منع الاحتلال أموال المقاصة، التي كانت تنوي تخصيص جزء منها لقطاع غزة من أجل حل مشكلة الإعمار والكهرباء، ولهذا العجز المالي لدى الحكومة وجدت الحل السريع لإنقاذ ماء وجهها بأن تخصص كل المنحة القطرية لحل مشكلة رواتب موظفي السلطة، وبعبارة أوضح: وجدت الفرصة للتملص من حل مشكلتي الكهرباء والإعمار، وأهم من هذا وذاك عدم دفع رواتب الموظفين الذين لا يزالون على رأس أعمالهم.
هذا ليس جديدًا على حكومة التوافق؛ فهي بعد أسبوع واحدٍ فقط من تشكيل الحكومة سارعت إلى صرف رواتب موظفي السلطة، في حين أنها لم تعترف بموظفي حكومة غزة السابقة، ورفضت أن تصرف لهم رواتبهم كنظرائهم موظفي السلطة المتغيبين عن مكان عملهم منذ 8 سنوات، والآن تضع الحكومة العربة أمام الحصان بالمطالبة بإرجاع هؤلاء الموظفين المستنكفين إلى أماكن أعمالهم قبل بت أمر موظفي حكومة غزة السابقة، وهنا أتساءل: أين هؤلاء الموظفون؟!؛ فقبل مطالبة هؤلاء الموظفين بالعودة إلى أعمالهم يجب البحث عنهم، وهل هم مؤهلون للخدمة أم لا؛ فكثير من هؤلاء الموظفين غادروا إلى الخارج واستقروا هناك بأعمالهم وعائلاتهم، وبعضهم يعمل الآن في مشروعه الخاص في غزة، إن غياب الموظف عن عمله أكثر من 8 سنوات يستدعي إعطاءه دورة تأهيل؛ لأنه أصبح متقاعسًا فاقدًا لطاقة العمل والإنتاج، وقد سمعت من بعضهم أنهم لو خيروه بين العمل والاستنكاف لاختار أن يبقى على استنكافه، إذن من يستحق الراتب: الذي يعمل أم المتقاعس؟
أقول في النهاية: مع انتهاء المدة الرسمية لهذه الحكومة المقررة لها _وهي 6 أشهر_ وجددت لها آليًّا _على ما يبدو_ مكافأة لها على حسن سيرها وسلوكها، وأدائها المنحاز، وكيلها بمكيالي السلطة؛ لم تفعل أي شيء من المهام التي أوكلت إليها، بل إنها عطلت أعمال اللجنة الإدارية والقانونية الخاصة بموظفي حكومة غزة السابقة أملًا في تعطيل الرواتب، وأهملت التحضير للانتخابات، ووضعت كل ما يتعلق بالإعمار في دواليبها وأقفلتها إلى إشعار آخر، وقد استبدلت بها رواتب موظفي السلطة التي تعدها أهم من إعمار البيوت المدمرة، وهنا أطرح السؤال السابق نفسه: من أولى بهذه الأموال: المتقاعسون أم الأهالي الذين لا يجدون مأوى لهم يحميهم من البرد والشتاء؟.


رد مع اقتباس