إنها عاصفة وشيكة؟
فرص ودلالات اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية
تال بيكر – فورين بوليسي
ترجمة مركز الإعلام
الحكم على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية - الذي تخطط له السلطة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل - من خلال التكهنات الواسعة النطاق، سيكون إما لحظة فاصلة أو فصلاً رمزياً بشكل كبير في مسرحية دبلوماسية. وقد أشار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى هذا التطور كـ "تسونامي دبلوماسي." لكن آخرين أكدوا أنه بما أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير مُلزمة فإن الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية لن يكون له تأثير عملي يذكر.
وحتى الآن على الأقل، أعلنت القيادة الفلسطينية عن عزمها على مواصلة خيار الأمم المتحدة رغم المعارضة الأمريكية الحازمة. وإذا لم يتم إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن هذه الخطوة، ستكون هناك الكثير من الأسئلة التي ستحتاج إلى أجابة: كيف سترد إسرائيل والولايات المتحدة وجهات فاعلة رئيسية أخرى على هذه المبادرة؟ ما الذي سيسعى القرار بالفعل إلى إقامته؟ ما الذي ستترتب عليه دلالاته القانونية والسياسية؟ وكيف يمكن له أن يؤثر على احتمالات التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض؟
الطريق إلى الأمم المتحدة
يمكن فهم المناورة الفلسطينية الحالية في الأمم المتحدة بصورة أفضل من ناحية سلوك القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تتلمس طريقها للحصول على بديل شعبي وذو صلة للمفاوضات مع إسرائيل. إن الاتفاق الأخير بين "فتح" و"حماس" والجاذبية المتزايدة لقيام عصيان مدني فلسطيني واحتجاج شعبي، فضلاً عن تزايد استعداد الفلسطينيين لاختبار صبر واشنطن، جميعها، بهذا المعنى، أعراض لنفس الظاهرة.
وهناك أربعة عوامل تبرز بوصفها ذات صلة بالحسابات الفلسطينية لاتباع مسار الأمم المتحدة: أولاً، غياب النظير الإسرائيلي - في نظر الفلسطينيين - في اتفاقٍ لإنهاء الصراع. وبالطبع تتحدث إسرائيل عن نفس هذا الادعاء. وفي الواقع إن كلا الطرفين قد أنفق الكثير من العامين الماضيين في إلقاء اللائمة على بعضهما البعض حول الجمود أو التمسك بمواقف متربصة تعقِّد - في عين الطرف الآخر- البحث عن أرضية مشتركة.
وبغض النظر على من تقع المسؤولية فعلاً، تبقى الحقيقة بأن الكثيرين في القيادة الفلسطينية ممن كانوا قد ساندوا المفاوضات يوماً ما قد توصلوا إلى نتيجة بأن المفاوضات - على الأقل في ظل الظروف الراهنة - هي مسعى ميؤوس منه. وقد تفاقم هذا الإحساس من خلال تصور فلسطيني عن عجز الولايات المتحدة عن "جلب إسرائيل إلى مائدة المفاوضات". وما يزال الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدَّعي بأنه مستعد للتفاوض بشرط تجميد إسرائيل لبناء المستوطنات بما فيها القدس الشرقية، وقبول حدود عام 1967 مع تبادلات للأراضي متفق عليها كأساس للتوصل إلى اتفاق على الحدود. لكن الأمر لا يقتصر على هذه الشروط التي أدت حتى الآن إلى عدم استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه لقبولها، بل هي أيضاً تقلب رأساً على عقب الإحساس الفلسطيني الحالي الأكثر والأعمق شعبية حول البحث عن سبل بديلة لدفع عجلة المصالح الفلسطينية.
ثانياً، تأثير الانتفاضات الشعبية في العالم العربي على الحسابات الفلسطينية ينبغي ألا يستهان به. ففي خضم الاضطرابات الإقليمية، يتطلع قادة فلسطينيون من حركتي "فتح" و"حماس" لأن ينظر إليهم بأنهم يستجيبون لحاجة الجمهور لئلا يوجه الغضب الشعبي ضدهم وليس ضد إسرائيل. ويشرح هذا جزئياً اتفاقية "الوحدة" بين "فتح" و"حماس" نظراً لأنه يتم باستمرار إثارة المصالحة باعتبارها القضية الأهم للجمهور الفلسطيني. وبالمثل، ستكون الانتصارات الفلسطينية في الأمم المتحدة جذابة على نحو خاص في وقت يشهد حساسية متزايدة اتجاه المزاج الشعبي. كما أن التخلي عن التنازلات المؤلمة المرتبطة بعملية التفاوض لصالح التأكيد الجريء على الحقوق الفلسطينية على الساحة العالمية (وفي الشوارع) هو أكثر توافقاً مع التحركات الإقليمية. ومن وجهة نظر فلسطينية، في الوقت الذي تنهض فيه الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا لمواجهة الحكم الاستبدادي، يكره الفلسطينيون أن يُنظر إليهم كمتسامحين أو يقبلون بحل وسط في النضال من أجل إنهاء السيطرة الإسرائيلية.
والعامل الثالث يرتبط بانشغال الرئيس عباس بإرثه الخاص. فقد أوضح عباس أنه لن يرشح نفسه في الانتخابات الفلسطينية القادمة - التي ستحين في غضون عام واحد - على افتراض صمود الاتفاق بين "فتح" و"حماس". وفي حين يفكر عباس في ترك المسرح السياسي، فإن الاحتمال بأن يكون هو الزعيم الفلسطيني الذي خسر الانتخابات وخسر غزة لصالح "حماس" وفشل في تعزيز المصالح الأساسية الفلسطينية على طاولة المفاوضات، يسبب له بالتأكيد قلقاً كبيراً. ومن الناحية الشخصية، ربما كان يفضل أن يترك إرثاً يدل على أنه صانع سلام. لكن بالنظر إلى البدائل فإن احتمال اعتراف الأمم المتحدة بإقامة دولة فلسطينية مقرونة ببعض مظاهر الوحدة الفلسطينية وفترة انتقالية منظمة عن طريق الانتخابات ستكون جذابة بشكل واضح بل وربما ستساعد معسكر عباس في الانتخابات.
رابعاً، التقدم الذي تم إحرازه على أرض الواقع في الضفة الغربية فيما يتعلق ببناء الدولة قد جعل الاعتراف بالدولة يظهر ذو معنى بشكل أكبر.
ففي ظل قيادة عباس، وخاصة رئيس الوزراء سلام فياض، وُلدت مؤسسات ومخططات لدولة فلسطينية ناشئة تستطيع أداء مهامها في الضفة الغربية. بل أن منظمات محترمة مثل "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" قد صرحت بأن فلسطين "جاهزة لأن تكون دولة." وثمة دول فردية وخاصة في أمريكا الجنوبية وأوروبا، قد عرضت الاعتراف بدولة فلسطينية أو رفعت علاقاتها مع السلطة الفلسطينية إلى درجة أعلى.
وقد كانت هذه العوامل كلها مجتمعة كافية حتى الآن للتغلب على ما يعمل عادة كقيود على صناعة القرار الفلسطيني. فلا المعارضة الأمريكية - التي عبر عنها بقوة في المدة الأخيرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما - ولا خطورة وقف تمويل الكونغرس (كان مجلس النواب الأمريكي قد وافق على مشروع قرار منذ بضعة أسابيع يهدد بقطع المعونة عن السلطة الفلسطينية إذا ما أصرت على المضي قدماً في طريقها للحصول على اعتراف الأمم المتحدة) ولا إجراء انتقامي محتمل من جانب إسرائيل تبدو كافية لثني القيادة الفلسطينية عن سلوك مسار الأمم المتحدة. وفي الواقع، في ضوء الجو الإقليمي، من المرجح أن ينظر الفلسطينيون إلى المعارضة الأمريكية والإسرائيلية لخطوة الأمم المتحدة بأنها رصيداً سياسياً.
وهناك اعتراف عن وجود دلائل على أن البعض في القيادة الفلسطينية، بمن فيهم عباس نفسه، لديهم مخاوف متنامية من العواقب المترتبة على التصويت في الأمم المتحدة. ومع اقتراب أيلول/سبتمبر، ربما يقلق الفلسطينيون - بعد أن ينقشع الغبار- فيما إذا كانت الإنجازات الرمزية في الأمم المتحدة قد تؤخر حدوث تطورات ذات أهمية أكبر أو حتى قد تنتج محصلات غير مرغوبة عملياً.
لكن يبدو - على الأقل حتى الآن - أن مبادرة الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية قد اكتسبت زخماً من تلقاء نفسها. وحيث التزم عباس بهذه المبادرة، فإنه لن يقضي وقتاً هادئاً إذا ما غيَّر مساره. وقد أصبح تصويت الأمم المتحدة هو الخيار التلقائي لتعزيز القضية الفلسطينية.
فهم حراك الأمم المتحدة
أعلن الممثلون الفلسطينيون أن هدفهم هو الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة تتطلب العضوية توصية مجلس الأمن الدولي التي تتم مصادقتها بعدئذ بأغلبية ثلثي الجمعية العامة
(من الدول الأعضاء الحاضرة والمشتركة في التصويت).
ومع ذلك، ففي أغلب الظن أن التقدم في مجلس الأمن ستتم عرقلته أو تأخيره. وعندئذ سوف يحتاج الفلسطينيون أن يقرروا ما إذا كانوا سيسعون إلى استصدار قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حين يُفترض حالياً أن الفلسطينيين سوف يتقدمون على الفور بطلب العضوية إلى الجمعية العامة إلا أن هذا ليس أمراً مفروغاً منه، وسوف يعتمد الكثير على ما يقرره مجلس الأمن بالضبط، وكذلك المواقف التي ستتبناها الدول الأعضاء الرئيسية داخله.
ومن وجهة نظر موضوعية، إن قرارات الجمعية العامة ليست مُلزمة قانونياً للدول. وفيما يخص الدول، ترتكز أهميتها بالدرجة الأولى على المجال السياسي وليس القانوني.
وسوف يسعى القادة الفلسطينيون لتقويم النص بطريقة تجذب دعماً سياسياً أوسع، دون التنازل بشكل مفرط عن المواقف الفلسطينية الأساسية. وفي سياق الجمعية العامة، هناك بالتأكيد أغلبية ضخمة مضمونة من خلال الدعم شبه التلقائي للدول الإسلامية وغير المنحازة والنامية (التي تشكل أكثر من 100 من أعضاء المجلس البالغ عددهم 193 دولة).
وسوف يحتاج الفلسطينيون أن يقرروا ما إذا كانوا سيستمرون في السعي للحصول على عضوية الأمم المتحدة في الجمعية العامة أو الحد من طلبهم لجعله فقط الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو.
إن المرجح بصورة أكثر هو أن منظمة التحرير الفلسطينية سوف تقصر طلبها في الجمعية العامة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية على طول حدود عام 1967. وفي هذه الحالة من المتوقع أن تنقسم الدول الأوروبية على وجه الخصوص ما بين التعاطف مع الدولة الفلسطينية وبين دعمها للمفاوضات مع إسرائيل كمسار لإقامة هذه الدولة.
ومن غير المرجح أن تتحقق بعض أكثر التوقعات الإسرائيلية المحفوفة بمخاطر بالغة حول ما يمكن أن يشمل قرار من قبل الأمم المتحدة (التوصية بعقوبات ضد إسرائيل على سبيل المثال)، وذلك بسبب الأهمية - في نظر الفلسطينيين - التي تمثلها المصادقة الأوروبية على شرعية القرار ونفوذه السياسي.
وباختصار، فإن نطاق ومضمون أي قرار فلسطيني مستقبلي يُعْرَض على الجمعية العامة للتصويت سوف يعتمدان إلى حد كبير على نتائج المساومة الفلسطينية الأوروبية. وما لم يتم إحباط القرار الفلسطيني في الجمعية العامة من خلال تدخل مبكر، فهناك ثلاثة خيارات تطرح نفسها. أولاً، ربما تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على إقناع الدول الأوروبية بالاعتراض على المبادرة الفلسطينية (أو الامتناع عن التصويت عليها) ككتلة، وفي تلك الحالة ليس من المستبعد أن يتم التخلي عن المبادرة في الجمعية العامة. ثانياً، ربما تنقسم الدول الأوروبية بحيث أن أولئك الذين يدعمون القرار سيكونون راضين بالمزيد من التغييرات الطفيفة في القرار المبدئي الفلسطيني. وأخيراً، قد يكون هناك ما يكفي من المرونة في الموقف الفلسطيني أو توافُق كاف في الموقف الأوروبي للحصول على دعم أوروبي واسع النطاق.
دلالات محتملة لاعتراف الأمم المتحدة
من الضروري الافتراض بأن أغلبية كبيرة من الدول سوف تدعم قرار الجمعية العامة بالموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967. وفي هذه الحالة قد يظهر عدداً من العواقب المحتملة نتيجة اعتراف الأمم المتحدة.
التخلي عن النموذج التفاوضي. في افتتاحيته في صحيفة نيويورك تايمز في مايو/أيار 2011، أشاد الرئيس عباس نفسه بمنافع الاعتراف لكونه يدعم البدائل غير التفاوضية. وبينما ادعى أن المفاوضات ما تزال هي الخيار الأول للفلسطينيين وأن فلسطين كدولة ستقف مستعدة للتفاوض مع إسرائيل إلا إنه أكد أيضاً أن:
"قبول فلسطين في الأمم المتحدة سيمهد الطريق لتدويل الصراع كمسألة قانونية، وليس سياسية فقط. كما سيمهد لنا الطريق أيضاً لمواصلة دعوانا ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وهيئات معاهدات حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية."
إن النجاح الفلسطيني في الأمم المتحدة ربما لا يُنتج فقط رد فعل إسرائيلي سلبي لأي اقتراح لاحق لإجراء مفاوضات، بل سيقدم أيضاً دافعاً للقيام بالمزيد من المبادرات الأحادية لدعم تدويل الصراع بصورة أكثر، بما في ذلك تصديره إلى محافل قانونية وسياسية إضافية بعيداً عن غرفة المفاوضات.
والمشكلة الأساسية هنا هي أن تسهيل مثل هذه المبادرة المثيرة الأحادية الجانب ربما يُعرِّض للخطر أية فرصة للعودة إلى مائدة المفاوضات في المستقبل المنظور، ويمنح قوة لمن يرغبون في تجنب الحوار والمصالحة الحقيقية من كلا الجانبين. إن اعتراف الأمم المتحدة - خاصة لو تم تقديمه كبديل للمفاوضات - يمكن أن يكون اللحظة التي تؤذن بوصول النموذج التفاوضي إلى نهايته.
الجوانب القانونية والعملية. في البداية، قد تكون الدلائل الفعلية للاعتراف بقيام دولة فلسطينية أقل بكثير من التوقعات الفلسطينية الحالية. فتلك الدول التي تدعم القرار سوف تسعى - على النقيض من الاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية - إلى رفع علاقاتها الدبلوماسية الثنائية مع فلسطين إلى درجة أعلى أو الدخول في معاهدات ثنائية معها أو منح فلسطين حصانة سيادية ولممثليها حصانة دبلوماسية.
إن الصراع الناتج - من بين أمور أخرى - يُعقد بشكل كبير أو يمزق آليات التعاون القائمة في مجالات مثل المجالات الحساسة للأمن وإدارة المياه التي تعمل وفق ترتيبات الحكم الذاتي لاتفاقيات أوسلو.
وربما تسعى فلسطين أيضاً إلى الحصول على العضوية في العديد من هيئات الأمم المتحدة وغيرها، التي لا تخضع لمصادقة مجلس الأمن. وفي بعض هذه الهيئات، إن مثل هذه العضوية ستمنح فلسطين حقوقاً إضافية، على الأقل على الورق، وتسمح بالمزيد من المبادرات لتدويل الصراع عن طريق تمكين الفلسطينيين من طرح القضايا أمام آليات هذه المنظمات لفض النزاعات بدلاً من طرحها على مائدة المفاوضات.
وفي الواقع، فإن أحد أكثر العواقب المحتملة المباشرة والبعيدة المدى لاعتراف الأمم المتحدة بقيام دولة فلسطينية يتعلق بـ "المحكمة الجنائية الدولية". وبالفعل تقدم الفلسطينيون إلى المدعي العام لـ "المحكمة الجنائية الدولية" لقبول السلطة القضائية للمحكمة، وهي احتمالية محدودة من قبل النظام الأساسي للمحكمة التي تنطبق على الدول ذات السيادة. كما أن اعتراف الأمم المتحدة بقيام الدولة ربما يرجح كفة الموازين لصالح منح "المحكمة الجنائية الدولية" السلطة القضائية للنظر في الجرائم المزعومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشجيع الفلسطينيين على مواصلة هذا المسار. إن تداعيات هذا النوع من استغلال "المحكمة الجنائية الدولية" ربما لا تجلب العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية إلى نقطة الانهيار فحسب، بل تهدد أيضاً مصداقية وسمعة مؤسسة قانونية دولية مهمة فضلاً عن علاقتها المستقبلية مع الولايات المتحدة.
كما أن الدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة قد تغير أيضاً من مفردات الصراع، حيث أن المتحدثين الرسمييين باسم الفلسطينيين يستشهدون مراراً بمصطلحات مثل "وحدة الأراضي" و "الاستقلال السياسي" و "الدفاع عن النفس".
وحتى بعد الاعتراف ستواصل إسرائيل التأكيد على أن انسحابها من أراضي الضفة الغربية سوف يتطلب تسوية تفاوضية تتلاءم مع المصالح المشروعة لكلا الطرفين.
نزع الشرعية عن إسرائيل وعزلها
إن جهود نزع الشرعية عن إسرائيل أو عزلها، سواء من قبل حكومات أو منظمات غير حكومية، من المرجح أن تصبح نشطة تحت مظلة مشروع قرار يرحب بمبادرة فلسطينية أحادية الجانب. وبهذا المعنى، فإن اتخاذ قرار يتبنى المصالح والطموحات الفلسطينية بصورة شاملة، ويتجاهل المخاوف الإسرائيلية، قد يساعد على إنعاش الجهود الحالية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض عقوبات عليها، ويعظِّم بصورة عامة من الإحساس الإسرائيلي بالضعف وعدم الحصانة.
وبشكل عام فإن الشعور بالعداء الدولي بدلاً من التفاهم قد أدى فقط إلى تصلب المواقف الإسرائيلية وساعد على إقناع الإسرائيليين بأن بلادهم لا يمكنها الاعتماد على أي أحد إلا على نفسها.
العنف
هناك علامات متزايدة على اندلاع محتمل لعنف فلسطيني على المدى القريب. فتأثير الربيع العربي، والجمود الذي طال أمده في المفاوضات، واحتمال حدوث انهيار في التعاون الأمني بين اسرائيل والفلسطينيين (في أعقاب الاتفاق بين "فتح" و"حماس" واحتمال وقف التمويل الأمريكي للسلطة الفلسطينية)، تصب جميعها في هذا الاتجاه. وبالإضافة إلى ذلك، فثمة دعم شعبي وسياسي متنام لمبادرات العصيان المدني الفلسطينية التي كثيراً ما تدهورت - في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية - لتتحول إلى مواجهات عنيفة. لكن بالمقابل هناك أيضاً عوامل تلطيفية، أبرزها التحسن في الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية والتأثير المستمر للحرب الأخيرة في غزة، التي ربما تجعل الكثير من الفلسطينيين يرفضون العودة إلى العنف.
ولو تم إحباط المبادرة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، فإن ذلك قد يُنتج أيضاً إحساساً بأن العنف هو البديل الوحيد.
رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي
هناك عاقبة أخرى واردة لمبادرة الأمم المتحدة وهي التدهور الكبير في العلاقات الأمريكية الفلسطينية والإسرائيلية الفلسطينية. وحتى إذا لم يصمد الاتفاق بين "فتح" و"حماس" أو تأخر تنفيذه، يبدو على الأرجح - على أية حال - أن مبادرة فلسطينية ناجحة في الأمم المتحدة سوف تعرِّض للخطر دعم الكونغرس وتمويله للسلطة الفلسطينية. كما قد تشعر الإدارة الأمريكية بأنها مضطرة للتعبير عن عدم رضاها بشكل ملموس من اللجوء الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، وتقليل علاقتها برام الله على نحو ظاهر.
كما أن الضغط السياسي والإحساس الشعبي في إسرائيل ربما يأتيان أيضاً في صالح اتخاذ إجراءات مضادة. وإذا كانت إسرائيل ستذهب بعيداً باتجاه ضم كتل استيطانية أم لا فهذا أمر محل شك. لكن هناك بالتأكيد بعض الإجراءات الهامة التي يمكن تصور قيام إسرائيل باتخاذها مثل حجز العوائد الضريبية، وتقليل التعاون، وسحب الامتيازات الممنوحة لكبار الشخصيات في السلطة الفلسطينية، وتكثيف الإجراءات الأمنية.
دلالات إيجابية
يمكن أيضاً إعطاء أسباب بأن قرارا من قبل الأمم المتحدة لصالح إقامة دولة فلسطينية لا يخلو من مزايا خاصة به. ودون الانتقاص بالضرورة من العوامل السلبية المذكورة أعلاه، يمكن تحديد ثلاثة اتجاهات مضادة بصورة تقبل النقاش.
أولاً، التطورات الإقليمية تشير إلى تمكين تدريجي للقوى الإسلامية التي ترفض إلى حد كبير النموذج القائم على دولتين. ويمكن رؤية التأييد الدولي والعربي الواسع لقرار يضع الحدود الخارجية للمطالب الفلسطينية في سياق رؤية الدولتين على طول حدود عام 1967، كمُلطف كبير لهذه الاتجاهات الأكثر رفضاً.
إن الاحتجاجات الشعبية العربية والفلسطينية الأخيرة بمناسبة ذكرى النكبة - أي قيام إسرائيل عام 1948 - هي فقط مثال واحد على مدى استمرارية وقوة اتجاهات الرفض كسمة بارزة من سمات الخطاب العربي والفلسطيني. كما أن خطورة تكتل الشعور العربي حول هذا الموقف وتوليد احتجاجات شعبية عنيفة ضد وجود إسرائيل بالذات سوف يزعزعان استقرار الوضع بشكل كبير ويزيلان بعمق شرعية إطار الدولتين.
على أن هزيمة فلسطينية مدوية، إن حدثت في نيويورك، قد لا تدفع الفلسطينيين بالضرورة إلى العودة إلى مائدة المفاوضات، بل إنها ستقوي أيدي المتطرفين في جدالهم بأن عقوداً من الدبلوماسية غير المثمرة حول نموذج الدولتين لم تكن إلا استراتيجية خاسرة.
ثانياً، إن اتخاذ قرار من قبل الأمم المتحدة يمكن أن يمثل نوعاً من التحدي الأيديولوجي لحماس وخاصة لو تم تبني القرار بعد ظهور حكومة تؤيدها "فتح" و"حماس" إلى حيز الوجود. فمن ناحية، سوف يُنظر إلى النجاح الفلسطيني في الأمم المتحدة كإنجاز كبير تتطلع من خلاله القيادة الفلسطينية لكسب الثقة. ومن ناحية أخرى، ربما ينطوي القرار على حلول وسط ستجد "حماس" بالذات صعوبة في تفسيرها.
يبدو أن اتخاذ قرار يشمل على سبيل المثال تأييد هدف إنهاء الصراع على أساس رؤية الدولتين أو يدعم "مبادرة السلام العربية" أو ينبذ الإرهاب صراحة، سيفي بمعايير "فتح" لكنه سيضع "حماس" في معضلة. ورداً على ذلك، ربما تختار "حماس" أن تُبعد نفسها عن القرار، وفي هذه الحالة ستجني "فتح" المنافع السياسية للنجاح الدبلوماسي الفلسطيني. أو بدلاً من ذلك، ستقاوم "حماس" معارضة القرار مما يُحدث انشقاقات في موقفها الأيديولوجي الصلب. وربما يٌنظر إلى أي من السيناريوهين بأنه نافعاً لأنصار القوى الأكثر اعتدالاً وواقعية.
ويكسب هذا الاعتبار أهمية في ضوء احتمال اجراء انتخابات فلسطينية في غضون عام واحد. وإذا كان عباس قادراً على تحقيق النجاح في الأمم المتحدة فإنه ربما يعزز شعبية "فتح" بين الناخبين الفلسطينيين في الفترة التي تسبق الانتخابات.
والفائدة المحتملة الثالثة للقرار هي أكثر إثارة للجدل. فالبعض يؤكد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيخلق واقعاً يساهم عملياً في إطار إقامة الدولتين. ومن هذا المنظور فإن ظهور دولة فلسطينية معترف بها سوف يُرسخ نموذج الدولتين ويمكِّن الصراع من اكتساب طبيعة أكثر محدودية وأقل جدلية بين دولة ودولة. ووفقاً لوجهة النظر هذه، إن منح فلسطين صفة الدولة سوف يزيد في تآكل شرعية المطالب الفلسطينية بعودة اللاجئين إلى إسرائيل، ويقلل المخاوف الديموغرافية الإسرائيلية، ويُضعف موضوع إقامة دولة ثنائية القومية.
وتوصي هذه الرؤية بتأييد الولايات المتحدة وإسرائيل للمبادرة الفلسطينية. وهذا يمكن أن يأخذ، على سبيل المثال، شكل قرار من مجلس الأمن تدعمه الولايات المتحدة يعترف بفلسطين كجزء من حزمة سياسية أوسع نطاقاً تدعو إلى المفاوضات بناء على إطار "دولتين لشعبين".
وفي حين أن قراراً تتم صياغته على نحو مناسب يمنح فلسطين الاعتراف وربما يحتوي على منافع ملموسة معينة لمؤيدي إطار الدولتين، من غير المحتمل أن يجذب دعم الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل ولن يحتاج إلى ذلك لتحقيق بعض من تلك المنافع المحتملة. وسوف تكون إسرائيل معنية حول ما إذا كانت المبادئ الجوهرية والترتيبات التي طالما اعتُبرت أساسية لدعم السيادة الفلسطينية يمكن بالفعل التفاوض حولها واستبقاؤها بعد منح الاعتراف أم لا.
خيارات السياسة الأمريكية
في السياق السياسي تبدو المواقف الأمريكية مدفوعة من قبل الرأي القائل أن الخطوات الفلسطينية الأحادية الجانب في الأمم المتحدة ستُقوض النموذج القائم على دولتين، وتشكل خطراً على خيار التفاوض، وتعزل الولايات المتحدة على الساحة المتعددة الأطراف.
وفي سياق القيادة الأمريكية في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، ولعلاقات الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة، نجد أن السعي للحصول على اعتراف عن طريق الأمم المتحدة يخاطر بالتأكيد بخلق المزيد من التوتر، ليس فقط في العلاقة الأمريكية الفلسطينية ولكن أيضاً في العلاقات غير السهلة بالفعل (على الأقل في بعض المجالات) بين واشنطن والقدس. وهذا ليس فقط لأن الولايات المتحدة ربما تسعى إلى تخفيف الضغط الذي تفرضه خطة أيلول/سبتمبر من خلال حث إسرائيل على تقديم تنازلات سيكون ائتلاف نتنياهو غير راغب في تقديمها أصلاً. بل أيضاً لأن المبادرة الفلسطينية ككل تخاطر بوضع الدعم الأمريكي لإسرائيل في تناقض مع الدعم الأمريكي لتطلعات الشعوب في أماكن أخرى في المنطقة.
والسؤال في الإدارة الأمريكية هو ما السبيل الأمثل لمعارضة المبادرة الفلسطينية. فالسياسة الأمريكية الحالية تبدو مركزة على محاولة استقطاب الدول الأوروبية وغيرها للمساعدة على إحباط المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة أو إقناع القيادة الفلسطينية بالتخلي عنها.
وإذا كان النقاش الذي دار في شباط/فبراير الماضي في مجلس الأمن حول قرار المستوطنات يحمل أي دلالة، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحدياً كبيراً، وأن احتمال عزلها في الأمم المتحدة مرة أخرى ليس دون أساس.
وخلافاً للمستوطنات التي أنشئت حولها سياسة دولية، فإن فكرة اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية يضع تعاطفاً قوياً مع القضية الفلسطينية، على خلاف المواقف الدولية التقليدية الأخرى، بما في ذلك دعم المفاوضات والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية. إن الدلالات المستقاة من كون الاعتراف سابقة في حد ذاته وكذلك خطورة إيقاد حراك سلبي بل وحتى عنيف في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية ربما أيضاً يقلق الكثير من الدول.
وأما بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم فهناك شخصيات فلسطينية بارزة تشكك في الحكمة من الاعتراف وتقلق من أن يُنتج في نهاية المطاف نصراً باهظ الثمن. وقد تتصاعد مخاوف من التوقعات غير القابلة للضبط ومن العنف والانتقام الأمريكي أو الإسرائيلي. ينبغي عدم استبعاد احتمال أن يسعى البعض في القيادة الفلسطينية - خاصة مع اقتراب أيلول/سبتمبر وحيث أصبحت المخاطر أكثر وضوحاً - إلى تجنب خوض مواجهة وجهاً لوجه.
وتتوفر العديد من المسارات لمواصلة سياسة الولايات المتحدة الحالية في معالجة المبادرة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، ولكل مسار منافعه وحدوده:
استخدام معارضة ذات مبادئ. إن النهج الأكثر محدودية سوف يشمل ببساطة استخدام مجموعات ضغط تكون أكثر حسماً في تعاملاتها، خاصة مع الدول الأوروبية، ضد القرار الفلسطيني.
وربما يفضل الكثيرون في إسرائيل هذا المسار، خاصة وأن له ميزة الحفاظ على موقف قائم على مبادئ، وتجنب التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتقليل الصعوبات السياسية الداخلية. كما يتجنب أيضاً مكافأة القيادة الفلسطينية على مناورتها في الأمم المتحدة بطريقة ربما تشجع على مبادرات انفرادية أخرى مثيرة للخلاف.
جهد متظافر لاستئناف المفاوضات
كبديل لذلك، قد تسعى الولايات المتحدة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عملية التفاوض وتحاول إجبار الطرفين على العودة إلى غرفة المفاوضات. وفي الواقع، تسعى الولايات المتحدة بنشاط نحو هذا الخيار في دبلوماسيتها الحالية مع
كلا الجانبين.
وبعيداً تماماً عن التشاؤم المنتشر اتجاه فرص هذه المفاوضات، فإن قضيتين تمهيديتين ملموستين تلوحان في الأفق بشكل كبير. الأولى هي الإصرار الفلسطيني على أن تستند المفاوضات على حدود عام 1967 بالإضافة إلى تبادلات للأراضي متفق عليها، فضلاً عن تجميد تام للاستيطان. الثانية هي إصرار إسرائيل على عدم تفاوضها مع حكومة تكون "حماس" جزءاً منها في الوقت الذي لم تُصلح منهجها بعد.
وهناك بعض المؤشرات على وجود مرونة فلسطينية وخاصة في مسألة تجميد الاستيطان والتي ربما تشير إلى استعداد متزايد للتفاوض أو على الأقل مصلحة تكتيكية في وضع إسرائيل في مأزق. وما يزال الظهور الفعلي لحكومة مكونة من "فتح" و"حماس" يواجه عقبات سياسية كبيرة.
محاربة شيء بشيء
ثمة خيار إضافي هو قيام الولايات المتحدة بتقديم مكاسب سياسية ملموسة مقابل معارضة الاتحاد الأوروبي أو امتناعه عن التصويت، أو حدوث تراجع فلسطيني. ووفقاً لبعض المعلقين، كان الغرض من المصادقة العلنية للرئيس باراك أوباما على حدود عام 1967 بالإضافة إلى مقايضات الأراضي كأساس للتفاوض عشية زيارته لأوروبا، هو الحصول على هذا النوع من النفوذ لدى الاتحاد الأوروبي تمهيداً لأيلول/سبتمبر.
وثمة خيار آخر سيسعى إلى قيام تفاوض مع الفلسطينيين (وليس فقط مع الاتحاد الأوروبي) حول حزمة من شأنها أن تؤدي إلى انسحابهم من مبادرة الأمم المتحدة.
يمكن للمرء أن يتصور، على سبيل المثال، اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن يضع أُطر اتفاقية الدولتين لكن يمتنع عن تبني خطة عمل لاستئناف المحادثات. فبالإضافة إلى تقديم إرشادات دولية حول بعض القضايا الجوهرية - التي ستسعى إلى موازنة المخاوف الإسرائيلية الفلسطينية - يمكن لمثل هذه الحزمة أن تعرض إجراءات ملموسة لمساعدة السلطة الفلسطينية، وتقديم دعم قائم على مبادئ لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفي الوقت نفسه وقْف منح الفلسطينيين اعترافاً من جانب واحد.
غير أن هناك احتمالاً آخر وهو أنه في الرد على الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية، ستدعم الولايات المتحدة اتفاقاً حول قرار من قبل مجلس الأمن لا يقبل ولا يرفض الطلب ولكن يؤجل النظر فيه إلى وقت لاحق. ومثل هذا القرار يمكن أن يشمل عناصر موضوعية إضافية يمكن أن تحل محل (أو على الأقل تخفف بشكل ملحوظ من تأثير) الجهود الفلسطينية في الجمعية العامة. والنتيجة يمكن أن تكون إطاراً - يصادق عليه مجلس الأمن - لدبلوماسية إسرائيلية فلسطينية بعد أيلول/سبتمبر تؤدي إلى إعادة النظر في الطلب الفلسطيني في تاريخ لاحق.
وفي كل حالة من هذه الحالات، ستهدف الولايات المتحدة إلى التعبير عن معارضتها للتحرك الفلسطيني الأحادي الجانب بطريقة لا تستلزم استخدام حق النقض. وبدلاً من مجرد الاعتراض على الطلب الفلسطيني، ستسعى الولايات المتحدة إلى حشد الدعم لقطع الطريق عليه، عن طريق وضع شروط وقيود يدعم بموجبها المجتمع الدولي مطالبة الفلسطينيين بإقامة دولتهم.
لكن هذا النموذج أيضاً يحمل عقبات كبيرة. أولاً، يخاطر هذا الخيار بمكافأة التصعيد الفلسطيني في الأمم المتحدة ويشجع على تكراره، خاصة في الوقت الذي وافق فيه عباس على تشكيل حكومة مع "حماس" لم تندم عن أفعالها؛ ولذا فإن هذه السياسة ربما تؤكد للجانب الفلسطيني فقط فوائد النهج المتصلب والأحادي الجانب. ثانياً، حتى لو تم التوصل إلى صياغة معايير دولية متفق عليها لوضع إطار الدولتين، فإن ذلك سيتعارض مع الموقف الأمريكي التقليدي بأن المفاوضات ينبغي أن تكون دون شروط مسبقة، ومن المرجح أن يخلق توتراً كبيراً في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
تشكيل الرد الأوروبي على قرار الأمم المتحدة
هناك خيار أكثر تواضعاً يمكن أن يشمل دبلوماسية أمريكية هادئة تحاول التوصل إلى اتفاق بين جميع الدول الأوروبية أو بعضها حول شروط دعم القرار الفلسطيني في الجمعية العامة. وقد يرى المسؤولون الأمريكيون فرصة لحشد مخاوفهم الخاصة مع الدول الأوروبية من أجل التأثير على النص الذي سيُعرض للتصويت في نهاية المطاف.
وربما يغري العديد من الدول الأوروبية - المحبطة من الجمود والمتطلعة إلى أن ينظر إليها على أنها نشطة في دعم القضية الفلسطينية - قبول قرار فلسطيني حالما يصل إلى الجمعية العامة بدلاً من رفضه كليةً.
غير أن انقسام الأصوات الأوروبية في الجمعية العامة، خاصة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أمر غير مألوف. وفي الواقع، اتخذت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بالفعل مواقف مختلفة نوعاً ما، حيث تتعاطف فرنسا بصورة أكثر مع النهج الفلسطيني بينما تعارضه ألمانيا، في حين تتبنى بريطانيا موقف الانتظار ورؤية ما تسفر عنه الأحداث.
وعند النظر في أي المكونات المحتملة للقرار التي ربما تكون دول الاتحاد الأوروبي منفتحة لتقبلها ومناقشتها نجد أن القضايا التالية هي التي ستجذب الانتباه المحتمل:
الاعتراف بالدولة:
حتى لو لم يُكمل الفلسطينيون مطالبتهم بعضوية الأمم المتحدة وقصروا القرار على الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، فمن المرجح أن تثير هذه القضية قلقاً ونقاشاً داخل الاتحاد الأوروبي. وسوف تقلق دول الاتحاد الأوروبي من السابقة للآثار وسلبيتها التي قد يولدها الاعتراف، نظراً إلى المعارضة الأمريكية والإسرائيلية.
وفي ضوء ذلك، فإن بعض دول الاتحاد الأوروبي على الأقل، ربما تكون قابلة للاقتناع بأن أفضل ما في صالحها هو موقف يعبر عن التعاطف مع السيادة الفلسطينية لكن يرفض الأثر العملي لهذه السيادة. ومثل هذا الموقف يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة. فعلى سبيل المثال، ربما يكون الاتحاد الأوروبي راغباً في أن تقبل الجمعية العامة النتائج التي توصل إليها "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" بأن فلسطين "جاهزة لأن تكون دولة"، دون الاعتراف بأن مثل هذه الدولة موجودة حالياً. وربما يختار الاتحاد الأوروبي نوعاً من "الاعتراف المشروط" الذي يعترف اسمياً بإقامة دولة فلسطينية لكن يربط تطبيقها بمعايير معينة مثل اتفاق عن طريق التفاوض مع إسرائيل.
الرابط للمفاوضات:
ما يزال المجتمع الدولي ملتزماً بحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال اتفاق عن طريق التفاوض. ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قادرة على إقناع الكثير من دول الاتحاد الأوروبي بالإصرار - على أقل تقدير - على أن يشمل القرار في الجمعية العامة دعوة صريحة وقوية للعودة إلى المفاوضات كشرط للحصول على الدعم الأوروبي.
مُحددات القضايا الجوهرية:
من المعقول أن نتوقع أنه فضلاً عن الاعتراف بالدولة، ربما يسعى الفلسطينيون أيضاً إلى الحصول على موافقة الجمعية العامة على مواقفهم في القضايا الجوهرية ذات الوضع الدائم في النزاع مع إسرائيل. وهذا بالتأكيد هو الحال بالنسبة للأراضي التي ربما يسعى القرار للمصادقة بخصوصها على حدود الدولة الفلسطينية على أساس خطوط عام 1967. وقد تمتد الطلبات الفلسطينية أيضاً إلى قضايا أساسية أخرى مثل اللاجئين والقدس.
قد تميل بعض الدول الأوروبية إلى البت في مثل هذه المقترحات وخاصة فيما يتعلق بالحدود، التي لطالما مال الاتحاد الأوروبي حولها باتجاه الموقف الفلسطيني. وفي الواقع، تتبنى الجمعية العامة سنوياً قرارات - بدعم الاتحاد الأوروبي - تتخذ مواقف حول القضايا الجوهرية. وما هو أكثر من ذلك، أن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة قد ناقشوا مؤخراً قضية الحدود واللاجئين والقدس، في بيان مشترك أمام مجلس الأمن الدولي، وقد يتمنون رؤية مصادقة الجمعية العامة عليه.
ولكن هذه المرة هناك دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا ربما تشعر بالقلق بأن القرار - المنحاز بشكل مفرط لجانب واحد في قضايا جوهرية - من شأنه أن يعقّد العودة إلى المفاوضات، ويزيد من إحساس إسرائيل بالعزلة ويقوّي أولئك المقتنعين في إسرائيل بأن التسوية مع الفلسطينيين هي وصفة للتضحية بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية وليس لتعزيزها. وفي الواقع، قد تكون هناك بعض الإشكاليات إذا ما احتوى القرار على لغة حول القضايا الجوهرية يُنظر إليها على أنها معايير جديدة لتجديد المحادثات، التي لا يمكن أن ينتقص منها المفاوضون الفلسطينيون في المستقبل، كما لا يمكن أن يقبلها المفاوضون الإسرائيليون في المستقبل.
وحتى لو تضمن القرار إشارة إلى الأراضي فمن الممكن للدول الأوروبية أن تصر على أن أية إشارة من هذا القبيل يجب أن تكون مرنة، وأن تشير إلى الحاجة إلى قيام كلا الطرفين بإجراء مفاوضات حول حدود متفق عليها. وأما عن القضايا الشائكة للاجئين والقدس فربما يتم إقناع أعضاء الاتحاد الأوروبي بأن أية إشارة إليها إنما ستزيد فقط في تأجيج البيئة المتقلبة والمعقدة بالفعل.
الإشارة إلى المخاوف الإسرائيلية الجوهرية
بإمكان الولايات المتحدة أيضاً أن تشجع بعض الدول الأوروبية، بصورة هادئة على الأقل، على القول أنه إذا أرادت أن تفكر في دعم المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة، فيجب أن يظهر أيضاً في النص مراعاة واضحة للمخاوف الإسرائيلية الرئيسية. وفي ضوء ذلك، إذا كان القرار سيشير إلى مسألة الحدود، فيمكن أن ترى هذه الدول أن الإشارة ينبغي أيضاً أن تعكس المتطلبات الأمنية الإسرائيلية في أية اتفاقية في المستقبل، بما في ذلك، على سبيل المثال، نزع الصفة العسكرية عن أية دولة فلسطينية مستقبلية. كما أن الدول الأوروبية يمكن أيضاً أن تشترط - لأجل دعم قيام الدولة الفلسطينية - المصادقة الصريحة على المبدأ القائل بأن أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يُنهي جميع المطالبات ويشمل الاعتراف المتبادل بحقوق الشعبين اليهودي والفلسطيني في تقرير مصيريهما، كلٌ في دولته، دون المساس بحقوق جميع المواطنين والأقليات.
ونظراً للاتفاق الأخير بين "فتح" و"حماس"، قد تسعى الدول الأوروبية أيضاً إلى أن يكون أي قرار يدعم قيام الدولة الفلسطينية، يتضمن بعض الإشارة إلى الحاجة إلى نبذ الإرهاب وقبول الاتفاقيات والالتزامات الحالية والاعتراف بإسرائيل.
إجراءات نافذة
ثمة قضية أخرى ربما تجذب انتباه بعض الدول الأوروبية تتعلق بأية توصيات لإجراءات نافذة ربما يسعى القرار الفلسطيني إلى دمجها. والنص المنحاز لجانب واحد والذي يُرى على أنه يعزل أو يعاقب إسرائيل ربما تراه على الأقل بعض الدول الأوروبية الرئيسية غير مفيد وغير عادل قطعاً بل وربما تراه مُضعفاً لاحتمال التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وربما يتم إقناعها أن ترى بأن مثل هذه الدعوات ستوفر زخماً للنشطاء المعادين لإسرائيل، وتستثير رداً إسرائيلياً عدائياً وتعقِّد أي خيار تفاوضي.
الشروط الخارجة عن القرار
ربما تكون الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أيضاً قادرة على التوصل إلى اتفاق مفاده بأن أي دعم أوروبي للقرار يجب أن يكون مشروطاً بضمانات فلسطينية بشأن التصرفات التي هي خارج إطار القرار. أمثلة على ذلك قد تكون المطالبة بأن يمتنع الجانب الفلسطيني عن اتباع خيار "المحكمة الجنائية الدولية" والالتزام بمواصلة التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني الحالي رغم الاتفاق بين "فتح" و"حماس"، وحرمان "حماس" من أي نفوذ على الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية ومحاولة الحصول على اتفاق فلسطيني سريع للعودة إلى المفاوضات بدون شروط مسبقة مقابل الدعم الأوروبي لقرار الأمم المتحدة.
وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يفعل هذا الخيار سوى القليل للتخفيف من حدة القلق بشأن عزلتها داخل الأمم المتحدة.
ما بعد أيلول/سبتمبر
بالنسبة لأولئك الذين يؤيدون التفاوض على اتفاق الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فإن التحدي الراهن هو نتاج التقاء عوامل إقليمية ومحلية - طالما ظلت في فترة الحضانة - والتي تخاطر بزعزعة استقرار الموقف جذرياً ودفن خيار التفاوض في المستقبل المنظور.
وفي الواقع، وبالنظر إلى وضع جميع التركيز على أيلول/سبتمبر، يمكن القول بوضوح بأن أهم حدث استراتيجي في أفق العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، هو ليس في الحقيقة تصويت الأمم المتحدة وإنما إمكانية إجراء انتخابات فلسطينية أساسية خلال هذا العام. فالمساعدة على ضمان حدوث هذه الانتخابات وفرصة الخروج بنتيجة مفضلة لا يبدوان أمراً يشغل بال المجتمع الدولي كثيراً.
وحتى لو تم احباط المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة، فلن تزول خيبة الأمل والجمود ومنطق المباراة الصفرية التي أوقدتها. وفي الواقع، إن "فوز" فلسطيني حاسم "وهزيمة" فلسطينية حاسمة في الأمم المتحدة لهما دلالات إشكالية على حد سواء. وللحصول على أية فرصة للنجاح، يجب دمج سياسة أيلول/سبتمبر بسياسة ما بعد أيلول/سبتمبر.
وفي النهاية، وكما هو الحال دائماً، فإن احتمالية دعم عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية تعود إلى حكمة وشجاعة الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم، وقادتهم على وجه الخصوص.
كما أن اختيارات السياسة التي سيكون من الواجب اتخاذها لمعالجة "معضلة أيلول/سبتمبر" والتحديات التي تعقبها يجب أن تعتمد على أكثر مسارات العمل احتمالاً، لتمكين أولئك الراغبين والقادرين على دعم رؤية الدولتين بشكل قاطع، والمساهمة في شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً وسلاماً. وعلى الرغم من أن المأزق الإسرائيلي الفلسطيني يبدو قاتماً في الوقت الحالي، إلا أن استخدام هذا المبدأ كمَحك اختبار يبدو أنه الطريق الوحيد للخروج منه.


رد مع اقتباس