اقلام واراء اسرائيلي 438
13/9/2013
في هــــــذا الملف
لا يوجد في البلاد انفتاح ورغبة في قبول الآخر
بقلم:يردين سكوب،عن هآرتس
يوجد طريق آخر غير القصف
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
ايران أمامك
بقلم:آري شبيط،عن هآرتس
لم يعد دُبا روسيا بل ثعلبا
بقلم:د. رافي فادو،عن اسرائيل اليوم
خطبة اوباما عبرت عن ضعف رغم فصاحتها
بقلم:البروفيسور ابرهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
أمل قليل أسوأ من انعدامه التام
بقلم:العقيد احتياط شاؤول أرئيلي،عن معاريف
40 سنة وكل شيء تغير
بقلم:غي بخور،عن يديعوت
لا يوجد في البلاد انفتاح ورغبة في قبول الآخر
بقلم:يردين سكوب،عن هآرتس
لا يوجد في الاكاديمية الوطنية للعلوم، وهي أرفع جسم في الجمعية العلمية في اسرائيل، بحسب القانون، وفيها 108 باحثين كبار، لا يوجد ولو باحث واحد من أصل عربي. ويُبين تحقيق صحيفة ‘هآرتس′ أنه لا يوجد في جامعات البحث سوى قليل من المحاضرين في كل مؤسسة، يبلغون الى منزلة الباحث العليا بين 5 الى صفر.
تلقت الاكاديمية في الماضي انتقادا بسبب قلة النساء فيها 7 باحثات فقط، منهن الفائزة بجائزة نوبل عيدا يونات والقانونية نيلي كوهين. ويبدو أن الانتقاد في شأن النساء أفاد شيئا قليلا، فبعد أن عُين في جولة التعيينات الاخيرة في السنة الماضية تسعة رجال ولم تُعين امرأة واحدة، سيُعين في جولة التعيينات القادمة خمسة اعضاء جدد منهم امرأتان. أما بالنسبة للعرب فيبدو أن التغيير ما زال بعيدا.
يُختار للاكاديمية الوطنية للعلوم من بلغوا ذروة درجاتهم العلمية والاكاديمية، ويكون ذلك على نحو عام في سن كبيرة نسبيا، بل تكون في الأكثر فوق سن الستين (باستثناء علماء الرياضيات الذين يُختارون على نحو عام في سن أصغر مثل أيلون لندنشتراوس الفائز بوسام فيلدز). ويحصل الاعضاء على التعيين لباقي ايام حياتهم.
ومن جملة الاعضاء فيها رئيس المحكمة العليا السابق اهارون باراك والفائزون بجائزة نوبل: اسرائيل أومان وأهارون تشحنوبر ودان شيختمان، ورئيسة الاكاديمية هي روت أرنون.
في كل سنة يحق للاعضاء أن يختاروا حتى خمسة اعضاء جدد دفعة واحدة من القسمين: الآداب والعلوم الطبيعية. ويتم الاختيار حسب توصية اعضاء الاكاديمية، أولا في أقسام الاكاديمية نفسها، وبعد ذلك في اجتماع عام للاعضاء. ويُختار على نحو عام من يوجدون في أعلى رتبة في مؤسسة اكاديمية، أي اساتذة مُثبتون.
وقد فسروا في الاكاديمية الوطنية للعلوم عدم وجود العرب بأن ‘الطبقة التي يُختار منها اعضاء الاكاديمية (من الرجال والنساء) هي الهيئة العليا في الجهاز الاكاديمي أي هم علماء وعالمات متقدمون بلغوا مرحلة ‘النضج’ العلمي، وذوي كفاءة ووفرة في العمل والانجازات. ومن المؤسف أن عدد العلماء العرب وأبناء مجموعات الأقليات الاخرى في المجتمع الاسرائيلي قليل جدا في الهيئة الاكاديمية العليا التي يختار اعضاء الاكاديمية منها الأبرز والأكثر تميزا’.
على حسب معطيات مجلس الدراسات العليا فان 2 في المئة فقط من الهيئة العليا في المؤسسات التي تمولها الدولة هم من أصل عربي (ويشمل هذا المعطى الدروز). والحديث عن 174 عضو هيئة. ومع ذلك فانهم في مجلس الدراسات العليا لا يجمعون معطيات عن الباحثين بحسب أصلهم، ولهذا لم يستطيعوا أن يجيبوا عن سؤال ما هو عدد اعضاء الهيئة العليا الدقيق اليوم.
يُبين فحص قامت به صحيفة ‘هآرتس′ في جامعات البحث عن صورة معوجة على نحو خاص تقول إنه يوجد في كل جامعة باحثون أفراد من أصل عربي موجودون في أعلى الدرجات. وفي الجامعة العبرية في القدس باحثان بدرجة بروفيسور العليا بين 20 عضو هيئة عليا من أصل عربي.
وفي جامعة بن غوريون في بئر السبع 13 بروفيسورا من أصل عربي من 451 في الحاصل العام، خمسة منهم في أعلى درجة وثمانية في درجة أخفض. وفي جامعة حيفا بروفيسوران من أصل عربي في أعلى درجة، وعشرة بروفيسورين بدرجة أخفض بين 265 بروفيسورا في الحاصل العام. وقدروا أنه يوجد في جامعة تل ابيب نحو من 25 عضو هيئة عليا من أصل عربي. وقدروا أنه يوجد في جامعة بار ايلان عضوا هيئة عليا من أصل عربي، أحدهما محاضر والثانية بروفيسورة مُثبتة. وفي جامعة اريئيل 80 بروفيسورا لا يوجد فيهم حتى عربي واحد. ورفضوا في التخنيون الرد على توجه صحيفة ‘هآرتس′، وجاء عنهم في الرد أن ‘التخنيون يُقبل إليه اعضاء هيئة وطلاب بحسب قدراتهم لا بحسب معايير كالدين والعرق والجنس′، ولم تُسلم معطيات من معهد وايزمن.
‘ليس تحطيم سقف الزجاج سهلا’
إن الاكاديمية الوطنية للعلوم التي تقوم في رأس الهرم العلمي هي طرف المشكلة، ففي الوقت الذي يستحق فيه 31 في المئة فقط من أبناء الوسط العربي شهادة الثانوية العامة، ويثبت 23 في المئة فقط لمطالب الجامعة، فلا عجب أن يكون 11 في المئة فقط من طلاب اللقب الاول هم من أصل عربي، وتنخفض نسبتهم في اللقب الثالث الى 4.4 في المئة. والوضع اسوأ كثيرا في الهيئة الاكاديمية كما قلنا آنفا، رغم تحسن في السنوات الاخيرة.
كان البروفيسور محمد الحاج يحيى من معهد العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية عضو الهيئة العليا الأول في الجامعة من أصل عربي، وقد عُين في سنة 1994 قبل نحو من عشرين سنة. وقال إن ‘الباحثين العرب بدأوا يدخلون الاكاديمية الاسرائيلية في مرحلة متأخرة جدا’.
وأضاف البروفيسور رمزي سليمان، الذي كان رئيس قسم علم النفس في جامعة حيفا إن ‘طريقنا الى تحطيم السقف الزجاجي ليس سهلا. فأنا مثلا كتبت من المقالات ضعفين كي أنتقل الى ترقية الدرجة’. وقال: ‘لا توجد المشكلة في الاكاديمية فقط لأن الامر معقد. ورغم أن كثيرين يعدونني حلقة وصل جيدة بين الاقتصاد وعلم النفس لا تدعوني أية مجلة لأكون بين المحررين، مقابل زملاء يهود لي هم أصغر سناً مني’.
وقال: ‘يحدث هذا لأن الحديث في الاكاديمية عن نوادٍ مغلقة يأتي فيها العضو بعضو، ويكون الاعضاء فيها على نحو عام من نفس الحاشية ونفس الأصل. ومن الواضح أن العرب ينطلقون من نقطة أدنى وتواجههم عقبات أكثر’.
إن البروفيسور يوسف جبارين من معهد العمارة وتخطيط المدن، هو مساعد ثانوي كبير لرئيس التخنيون لشؤون الأقليات ويعالج هذه المشكلة بالضبط، وهو يقول: ‘في التخنيون، ومنذ أن عُينت للمنصب نتجه الى استيعاب محاضرين عرب ونتجه في الوقت نفسه الى أن نقدم طلابا عربا للقبين الثاني والثالث، كي ننشئ احتياطيا كهذا. وهذا عمل ايجابي لنا في السنتين الاخيرتين. وأود أن أرى مثل هذا في جامعات اخرى’.
وذكر البروفيسور جبارين أن ‘نسبة المحاضرين العرب في الجامعات الاسرائيلية هي من أدنى النسب في العالم، ويصعب على زملائنا في العالم أن يصدقوا وجود هذه النسبة المنخفضة. هذه مشكلة جدية وصعبة وخبيثة. ففي جامعات العالم كما في الولايات المتحدة مثلا يفخرون بتمييز تصحيحي، وتوجه الى الأقليات وبذل جهود ضخمة من أجلهم. وهذا غير موجود في الاكاديمية الاسرائيلية و’.
درس جبارين وعمل في عدد من الجامعات المتقدمة في العالم، فقد حصل على لقبه الثاني من هارفرد وعلى ما بعد الدكتوراه في إم.آي.تي حيث درس، وحينما أجرى الاتصالات للحصول على وظيفة في التخنيون كان قد أصبح عنده عقد جاهز للعمل في جامعة ييل. لكن استقر رأيه بعد حيرة شديدة على العمل في اسرائيل ‘لأُسهم في مجتمعي. وهذه فكرة مثالية لا أعتذر عنها’. ويقول: ‘يوجد الكثير من المحاضرين العرب الممتازين، لكنهم لا يملكون الثروة الاجتماعية المناسبة ولهذا لم يتقدموا. إن العرب الذين يبرزون في اسرائيل بصفة محاضرين هم الأكثر تميزا بين الممتازين’.
ينبغي أن نذكر أنه يوجد في اسرائيل اليوم خمس بروفيسورات نساء فقط من أصل عربي، احداهن هي البروفيسورة منى خوري كسبري من معهد العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية، وقد حصلت على اللقب في الشهر الماضي. وتقول: ‘من حسن حظي أن وُجدت في معهد العمل الاجتماعي، لأنه معهد ذو تصور عام يُربي على ردم الفروق الاجتماعية. وفي كل سنة ينظمون للطلاب العرب يوم توجيه، وأحاول أن أجيء مع رسالة واحدة تقول إنه يمكن فعل هذا. لا يعني الامر أن الجميع يفتحون الأبواب، لكن من يجتهد ويكون جيدا بقدر كاف يستطيع أن يبلغ البعيد. ولا أقول إنه لا توجد عقبات لكنني أحاول أن أكون متفائلة وأن أشجعهم’.
وجاء عن الاكاديمية الوطنية للعلوم ايضا في رد على توجه صحيفة ‘هآرتس′ أن ‘الاكاديمية تعي أنه يلاحظ في السنوات الاخيرة توجه زيادة حصة المجموعات المختلفة من السكان الاسرائيليين في الجهاز الاكاديمي، ومنهم ‘النساء والأقليات وطوائف متعددة من حيث الأصول، والآتون من أطراف المدن ونحن سعداء لهذا التوجه. وكلنا أمل أن يزداد توجه التغيير عمقا وأن ينعكس الامر ويتم التعبير عنه ايضا بين اعضاء الاكاديمية (من الرجال والنساء) في السنوات القريبة’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
يوجد طريق آخر غير القصف
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
أنقذت الأم روسيا (من دون الأب ستالين هذه المرة) العالم من حرب لا حاجة إليها. فلولا مشاركتها لكانت صواريخ توما هوك قد أصبحت في طريقها، وكان سُيسفك دم آخر عبثا. وبعد القصف، بسلاح امريكي بالطبع، يأتي التورط؛ وبعد الدمار يأتي التعمير الذي تقوم به ايضا شركات امريكية، بالطبع. وستنزف سورية، التي يهتم الجميع بسلامتها اهتماما صادقا ومؤثرا في القلب، أكثر وسيبقى السلاح الكيميائي الفظيع في المستودعات.
إن العالم القديم الذي كانت الولايات المتحدة تفعل فيه ما تشاء وتُنشب الحروب عبثا على العراق وافغانستان، يقترب من نهايته. فاستعدوا للعالم التالي وأهلا وسهلا بكم (عائدين) الى العالم المتعدد القوى الكبرى. لن يكون عالما كله خير لكنه قد يكون أفضل. وقد برهن على نفسه في سورية، وربما يفعل ذلك بعدها في ايران ايضا. ليس الحديث عن عودة الى ايام الحرب الباردة في عالم ثنائي القطب فروسيا ضعيفة جدا ومتعفنة من الداخل لكن الروس رفعوا رؤوسهم والصينيين في الطريق، وقد يأتي الهنود بعدهم واحتكار امريكا للقوة يوشك أن يتصدع. في جنوب آسيا بل في امريكا الجنوبية ايضا يوجد عالم وهو يستيقظ، وهذه أنباء طيبة.
قالوا لنا دائما إن ‘الدب الروسي’، كما كنا نحب أن نسميه هو أب آباء كل الخطايا في الشرق الاوسط. وإن الاتحاد السوفييتي يهيج الحروب والولايات المتحدة تبحث عن السلام، لكن من العجب أنه بعد عشرين سنة هيمنة امريكية وعجز روسي في المنطقة لم يُحرز أدنى قدر من السلام، بل حروب بعد حروب من تلك التي أهاجتها الولايات المتحدة أو أهاجتها اسرائيل بدعم وتسليح منها. وقد وُلد السلام بين اسرائيل ومصر خاصة في ايام الحرب الباردة؛ وتمت المحاولة الوحيدة لانشاء سلام مع الفلسطينيين من وراء ظهر امريكا، ولهذا يجب أن نقول ما يلي: إن امريكا لم تفعل شيئا كي تدفع قدما حقا بالسلام في المنطقة، ولو أنها أرادت لأصبح موجودا هنا، ولو أنها أرادت لانقضى الاحتلال الاسرائيلي منذ وقت.
وحتى الآن حينما عرضت روسيا تسوية لمشكلة السلاح الكيميائي في سورية وأرادت امريكا أن تقصف، فان امريكا هي التي تُرى باحثة عن السلام وروسيا هي التي تُرى هائجة للحرب وهذا صدى واهٍ لايام دعاية الحرب الباردة بين الشيوعيين الأشرار والامريكيين الأخيار.
إن عودة روسيا لا تبشر بالخير فقط لأنه من المؤكد أنها لن تكون منارة للغير مع نظام مريب جدا واقتصاد فاسد وحقوق انسان مُداسة. فالدولة التي تحارب المثليين وتعتقل الصحافيين وتقضي على معارضي النظام وتسجن المطربات هي دولة مريضة. لكن عودتها تبشر بأنه سيوجد مرة اخرى ما يُعادل ولو قليلا قوة الولايات المتحدة ويقف في طريقها التي هي بعيدة عن أن تكون دائما طريق السلام والعدل.
خُذوا مثلا سورية، لنفرض أن روسيا لم تكن حليفتها، ولنفرض أن روسيا لم تقف في وجه امريكا، ولنفرض أن امريكا كانت القوة الكبرى الوحيدة في المنطقة أفكانت النتيجة تكون أفضل أم اسوأ؟ إن الحل الذي اقترحته روسيا لم يُنفذ الى الآن وقد بُثت فيه الألغام، لكنه اذا نجح يجب أن يُتخذ درسا لما يأتي بعد. ليس كل شيء يمكن أن يُحل بالقصف مهما يكن ‘ذكيا’، ويحسن فينة بعد اخرى أن تُجرب الدبلوماسية ايضا. إن الدور البناء الذي تؤديه روسيا في سورية قد تؤديه في ايران ايضا، فيجب تشجيع مشاركتها وألا توضع عليها مسبقا علامة العدو.
يجب على اوباما الآن أن يرسل باقة أزهار الى فلاديمير بوتين، الرجل الذي أنزله عن شجرة القصف؛ ويجب على العالم أن يشكر موسكو لأنها خلصته من ورطة اخرى؛ بل إن اسرائيل مدعوة الى الكف عن التجهم في كل مرة تُمنع فيها حرب أو قصف للعرب في المنطقة، وأن تقول لروسيا شكرا. شكرا لأنك بيّنت لنا ولو لحظة واحدة أنه .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ايران أمامك
بقلم:آري شبيط،عن هآرتس
ما الذي حدث اذا؟ إنها معضلة تتحدى التفكير وتمزق القلب. فمن جهة كانت واقعة لم يحدث مثلها منذ سنوات طويلة، وهي هجوم كيميائي على مدنيين وقتل نحو من 1400 من النساء والاولاد والرجال بسلاح ابادة جماعية. وهو فعل وحشي ضعضع القانون الدولي والنظام الدولي، وأحدث سابقة قد يجعل تجاهلها العالم غابة غير تقليدية. ومن جهة اخرى الخطر الكامن في أن اي هجوم عسكري على سورية سيكون هجوما هو الأول من نوعه على دولة تملك مخزونا ضخما من السلاح الكيميائي. إن الحقيقة هي أن ضرب بشار الاسد قد يفضي الى أن يقع السارين والخردل والـ(في.إكس) في يد فرع من فروع ‘القاعدة’. ولا نعلم ماذا ستكون نتائج اطلاق صواريخ توما هوك على نظام شرير ما، تترصده قوات شريرة اخرى.
إن اليسار البعيد هو الذي لم يواجه هذه المعضلة قط. ففي الاسابيع الثلاثة التي مرت منذ أن نفذ حاكم عربي جريمة حرب سافرة في مواطنين عرب، صمت اصدقاء العرب في البلاد وفي العالم. فلم يشعر ولم يعبر اولئك الامريكيون والاوروبيون والاسرائيليون، الذين يتسلطون على الغضب الاخلاقي عن أي غضب اخلاقي في مواجهة الصور الفظيعة التي جاءت من دمشق. ولم يطلب اولئك الاشخاص، الذين طلبوا في الماضي أن يُرسل ضباط الجيش الاسرائيلي الى لاهاي بسبب الاحتلال، أن يُرسل الطاغية السوري الآن الى لاهاي بسبب المذبحة الكيميائية. فقد ساد صمت مُثقل معسكر المتنورين. ويرى اليسار البعيد أن الدول الغربية واليهودية فقط لا يجوز لها أن تستعمل القوة، أما الدول غير الغربية وغير اليهودية فيجوز لها بيقين أن تستعمل القوة. ويرى اليسار المتطرف وغير الاخلاقي أن دم العرب الذين يقتلهم عرب مُباح.
إن الذين يُسارعون الى الحروب ايضا هم الذين لم يواجهوا المعضلة البتة. إن عملية عقاب موجهة، هي عمل خطير ولم يسبقه مثيل. توجد طريقتان موزونتان فقط لتنفيذه، الاولى: عملية محدودة هي احباط مُركز يوجه شخصيا الى الضباط الذين استعملوا سلاحا كيميائيا كي يروا ويُروا. والثانية هي قبول اقتراح يوآف غالنت وقيادة مسار طويل وعميق يفضي الى استبدال سنيين معتدلين بالاسد. لكن الذين يُسارعون الى الحروب في واشنطن وباريس وتل ابيب مالوا الى عدم استيعاب الأخطار الكامنة في الوضع السوري. وسلكوا سلوك من لا يفهمون الى أي حد قد يفضي الاجراء الذي يؤيدونه الى نتائج مفاجئة، وكما تجاهل اليسار البعيد بالضبط جانبا من جوانب المعضلة، تجاهل القتاليون الجانب الثاني. إن الغضب الاخلاقي الحق الذي شعروا به والمسؤولية الاستراتيجية العامة التي أظهروها جعلتهم يتجاهلون الخطر الكامن في القدرة السورية الثابتة على تنفيذ إبادة جماعية.
الصحيح الى الآن أن الامور انتهت الى نهاية حسنة، فرغم تردد الرئيس اوباما، الا انه أدرك آخر الأمر التحدي الذي يواجهه. ورغم ان الرئيس بوتين وضع على الطاولة اقتراحا ممتازا، فأحدث التأليف بين ضغط عسكري امريكي وإبداع سياسي روسي خطة صحيحة للحل، فهل تُحقق؟ أشك كثيرا، لكن المجتمع الدولي صاغ بعد اسابيع من الاختلاط المُحيّر فكرة لا تستجيب للانهزاميين ولا تستجيب للقتاليين، بل تواجه تعقيد الازمة السورية وقابليتها على التفجر.
إن سورية ليست من ورائنا حتى الآن، ولسنا نعلم ماذا سيحدث في دمشق وماذا سيحدث في واشنطن وماذا سيحدث في الامم المتحدة؟ لكن ايران هي التي تقف أمامنا، فاذا تعلم اوباما وبوتين والمجتمع الدولي الدرس من مواجهة الشيطان السوري الأصغر، فانهم يستطيعون مواجهة الشيطان الايراني الأكبر ايضا. لكن يُحتاج لأجل ذلك أن يكف بوتين عن التحدي ويجب على اوباما أن يسلك سلوك كنيدي لا كارتر، لأن الجمع فقط بين الضغط العسكري والمبادرة السياسية يمكن أن يجعل خامنئي يتخلى عن حلم سلاح الابادة الجماعية. ومهما تكن المعضلة السورية صعبة فان المعضلة الايرانية أصعب بأضعاف، فمن الواجب مواجهة هذين الجانبين بصورة خلاقة وشجاعة وموزونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لم يعد دُبا روسيا بل ثعلبا
بقلم:د. رافي فادو،عن اسرائيل اليوم
نشك في أن يكون ضابط الاستخبارات السوفييتي الشاب والطموح والغامض جدا بحسب عدد من التقارير، الذي مكث مُرسلا من منظمته في المانيا الشرقية، اعتقد أنه سينجح حينما يحين الوقت، وبصفته رئيس روسيا في أن يُجند ويستعمل رئيس القوة العظمى في العالم. في الوقت الذي تتغير فيه في كل ساعة تقريبا الأنباء والتحليلات بايقاع يُدير الرأس، يجلس رئيسان ويفكران في أن يسبق أحدهما الآخر بأفكار خلاقة، أو اذا شئنا أصح من ذلك مدمرة ويتعلق ذلك بمن نسأل.
في حين تمسك الرئيس اوباما بمجلس النواب وبالتراث الليبرالي الامريكي، بما يوحي بعدم الزعامة، أحرز بوتين كل أوراق اللعب وبدا أكثر ديمقراطية من رئيس الولايات المتحدة الديمقراطي، لأن بوتين يعرض مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما لأنه كيف يمكن أصلا أن يخطر بالبال هجوم بصواريخ بحرية على دولة ذات سيادة؟ وقد جعل بوتين من نفسه حارسا للسلام الاقليمي والعالمي في وجه خطط الحرب الامريكية.
لا يوجد فراغ في العلاقات الدولية، لا يوجد مكان للفراغ. والروس أكثر تعجلا وحنكة في ملء الفراغ في مواجهة التردد الامريكي وعدم وجود الزعامة. وتشير كل خطوات روسيا حتى لو تبيّن أنه وُجد تخطيط وتنسيق من وراء الستار مع الولايات المتحدة حول الاقتراح الروسي الى أنه حينما يُملي بوتين الايقاع يضطر مستشارو اوباما الى اعادة كتابة خطب الرئيس في الطريق الى السماعة.
إن سورية، لا الاسد شخصيا بالضرورة، مهمة لروسيا باعتبارها موطئ قدم استراتيجيا في محور الشرق الاوسط. وهي تقوي الحلف مع ايران ايضا بتزويدها بصواريخ اعتراضية وببناء مفاعل ذري، وتُشرك بالطبع ايران ‘حارسة القانون والاخلاق الدولية’، في الاتصالات لايجاد تسوية في سورية تمنح الاسد وقتا للاستمرار في ذبح شعبه، ومن المراد جدا أن يكون ذلك من دون غاز أعصاب، ويمنح ايران وقتا للاستمرار في زيادة قوتها.
وفي حين تُجرى لقاءات صحافية مع اوباما في جميع الشبكات التلفازية متنقلا من مقابلة الى مقابلة، يتمتع بوتين بوسائل اعلامية أكثر تجنيدا وتلاؤما. ولا يُفشي وزير الخارجية لافروف، وهو دبلوماسي قديم صارم في التفاوض، كلاما لم يقصده رئيسه.
قبل سنتين أعلن اوباما فتح صفحة جديدة في العلاقات مع روسيا. وتخيل أن يملأ بوتين الصفحة فقط بشروطه وأن يكون هو الذي يُملي الاجراءات.
تستعمل روسيا كل الاجهزة التي أصابتها بالشلل ذات يوم. وهي التي تتجه الآن الى المجتمع الدولي، وهي التي صدت في السنتين الاخيرتين اجراءات للفحص عما يجري في سورية. وتحاول الولايات المتحدة أن تفحص هل نوايا روسيا جدية في اقتراح الحل الدبلوماسي. وليس واضحا ماذا سيكون استنتاج الخبراء الامريكيين، لكن شيئا واحدا أصبح واضحا، وهو أن الخبراء الروس مُجمعون على أن الامريكيين هم غير جديين الى أن يثبت عكس ذلك.
قد نضطر الى أن نترك التشبيه التقليدي للدب الروسي الثقيل الوزن والبطيء، وأن نتبنى تشبيه الثعلب الروسي السريع صاحب الدهاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
خطبة اوباما عبرت عن ضعف رغم فصاحتها
بقلم:البروفيسور ابرهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
تكمن قوة الخطب الرئاسية على نحو تقليدي في القدرة على التعرف على اتجاهات الجمهور ومزاجه العام (حتى لو كانت ما زالت خفيّة) وترجمتها بطريقة قوية ترتفع الى أعلى، الى خطوط سياسة محددة يمكن أن يُجند حولها دعم واسع.
ويمكن أن نرى تعبيرا واضحا عن هذه القدرة في خطبة الرئيس لندن جونسون التأسيسية في الأمة في 15 آذار/مارس 1965. فقد استوعب جونسون باحساسه السياسي الحاد (الذي تخلى عنه في المستنقع الفيتنامي فقط) أنه قد تهيأ الوقت لفتح صفحة جديدة أكثر مساواة في منظومة العلاقات المعوجة بين الأعراق في امريكا، وقد أتاحت خطبته التي لا تُنسى العرف القيمي والاخلاقي الذي يدعم مبادرة تشريعية متشعبة.
وفي مقابل ذلك لم ينجح باراك اوباما في خطبته للأمة، فجر يوم أمس في أن يعقد جسرا فوق الهاوية بين المزاج العام السائد في الرأي العام، ونواياه المعلنة في الساحة السورية، وكان مشحونا بالتناقض الداخلي وليس عنده أية رسالة ذات تأثير ما.
كان كلامه من جهة مشحونا بروح قتالية لا هوادة فيها وشحذا للسيوف لا يتوقف بسبب جرائم دمشق. وكان واضحا من جهة اخرى للجميع أن احتمال تنفيذ التهديد أصبح ضعيفا قُبيل الخطبة. لأن القصف المدفعي الثقيل من قبل البيت الابيض على مجلس النواب والجمهور، فضلا عن أنه لم يُلين معارضتهما لعمل عسكري (وهكذا أصبح هذا الخيار حلم يقظة)، منح الرئيس في خطبته المخطط الدبلوماسي الذي صدر عن فلاديمير بوتين لتسوية الازمة، منحه دعما.
وعلى هذه الخلفية بدت أقوال اوباما الحازمة جوفاء بصورة خاصة، وكشفت مرة اخرى عن الافلاس المطلق للسياسة الخارجية الامريكية تحت إمرته، لأن الخيار العسكري قد جُمد الآن. ويحدث عندنا انطباع أن البيت الابيض لم ينجح في ردم الهوة بين مكانة الولايات المتحدة المهيمنة (والمسؤولية المشتقة من هذه المكانة بالنسبة لأمن المجتمع الدولي ورفاهه، ولا سيما في مواجهة الفظاعة الكيميائية في دمشق التي وصفها بتفصيل يثير القشعريرة)، وبين طموحه الأساسي الذي عبر عنه في خطبته الى ألا يكون ‘شرطي العالم’.
إن التزامه القاطع في ظاهر الامر أن يعاقب سورية ناقض اذاً توق أكثر الشعب الامريكي الى الانفصال عن ميادين القتال، وعن مراكز الازمات في الساحة الدولية، حيث لا يوجد تهديد مباشر فوري لأمن الولايات المتحدة. ولما كانت الرغبة في حصر العناية في الساحة الداخلية هي بطاقة الزيارة الأصلية لاوباما نفسه، فمن السهل أن نفهم لماذا دُفع في كلامه الى جدل مشحون بالتناقضات لا يوجد منه مخرج واضح ومنطقي.
ونقول تلخيصا إن خطبة الأمة التي حملت صبغة ترديد تعليمي ليس فيه طاقات وحماسة، لن تُسجل اذا بصفة حادثة تأسيسية في كتب التاريخ وستصبح في الأكثر ملاحظة هامشية فيها، عن الفرق الذي لا يُتصور بين الخطابة والواقع. وذلك حينما لا تستطيع حتى فصاحة الكلمات أن تُمكّن مُؤدي الرسالة من الخلاص من الشرك المنطقي الذي دفع إليه نفسه بيديه. ومن هذه الجهة تبدو الخطبة مثل سقسقة جوزل ضعيفة لا مثل صرصرة قتال النسر الامريكي الفخور.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
أمل قليل أسوأ من انعدامه التام
بقلم:العقيد احتياط شاؤول أرئيلي،عن معاريف
مرت 40 سنة منذ حرب يوم الغفران، ويخيل أن هذا هو الوقت لان نقول بوضوح بان احيانا . الامل القليل هو احيانا ليس أكثر من تلاعب متهكم دوره الابقاء على ما هو قائم، ليس أكثر من حفنة رمل تنثر في عيون اولئك الذين يتمنون واقعا أفضل.
مفاجئ أن نتبين أن بين حكومة اسرائيل ورئيسها وبين الجمهور في اسرائيل يوجد تعاون غريب، هدفه هو التصرف في واقع قليل الأمل. ولكن بينما تفهم الحكومة الى أين تتجه، يخيل أن معظم الجمهور ليس واعيا لما يجري. بنيامين نتنياهو مؤيد متحمس للامل القليل. فهو لم يسعَ ابدا الى قيادة تغيير، ولكنه نجح في الحفاظ على الوضع الراهن. وهو على علم بان اليأس العميق، مثل الآمال الكبرى، يحرك التغيير.
ليس هناك اكثر من نتنياهو من يحب المفاهيم السياسية والاجتماعية الثابتة: ‘لا شريك’ و ‘فيلا في الغابة’. فما أن يشخص نتنياهو ان اليأس بات أقل راحة للاسرائيلي، حتى يسارع الى ان يحقن في شرايينه بعض الامل: قليلا من ‘خطاب بار ايلان’ من أجل الخائفين على هوية اسرائيل؛ حفنة من لجنة تريختنبرغ للمختنقين تحت عدم المساواة في العبء. واذا كانت هناك حاجة لضمان استمرار البقاء في شارع بلفور، فعندها تقام حكومة مع بعض حزب ‘الحركة’، وبعض آخر ممن وعدوا ولا يزال لم يفوا بمنح ‘صوت برلماني’ للاحتجاج الاجتماعي.
يكاد المجتمع الاسرائيلي يكون عاشقا للواقع قليل الامل. فالامل الحذر الذي انتشر بين الجمهور عندما اقام نتنياهو لجنة تريختنبرغ كانت أيضا ‘السوبرتنكر’ الذي أطفأ الاحتجاج الاجتماعي على نحو شبه تام. لقد رأى المحتجون في تشكيلها المبرر لطي الخيام والعودة الى واقع سلم الاولويات المشوه في تخصيص المقدرات الوطنية.
كما أن الاعلانات عن الاستعداد للمفاوضات بلا شروط مسبقة نثرت أملا في الجمهور ونجحت في أن تخفي بسهول نسبية الرفض المطلق للاعتراف بالمعايير اللازمة لوجود مفاوضات ناجعة للتسوية الدائمة. وآثار القرار الاخير للاتحاد الاوروبي بالنسبة للمستوطنات واضحة للجميع. واضطر نتنياهو الى الاستجابة لمساعي جون كيري لاستئناف المفاوضات، ولكن سيكون من الخطأ الهائل اذا ما ترك الجمهور نتنياهو ‘يستجيب رغم أنفه’، بشكل مشابه، للتوقيع على اتفاق.
في هذه النقطة مطلوب من الجمهور أن يحسم: هل يشتري قليلا من الامل الذي يكمن في استئناف المفاوضات، أم يطالب نتنياهو باستكمالها لدرجة التسوية الدائمة؟ السؤال ما هو الطريق الصحيح لضمان وجود اسرائيل كدولة مع أغلبية يهودية، يتمتع كل سكانها بالديمقراطية، هو أوسع من سؤال وجودها المادي. هذا السؤال يمكن عرضه على الحكومة على النحو التالي: هل خطر التوقيع على تسوية دائمة تتضمن انسحابا من الضفة الغربية، أكبر أم اصغر من الخطر الذي في استمرار الاحتلال؟ هل هذا هو المجتمع الصهيوني الذي يتطلع الى البناء، ويبقي سيطرة دائمة على شعب آخر عديم الحقوق المدنية؟ هل هذا هو الخيار الوحيد الذي نقف أمامه أن نعيش هكذا أم نكف عن الوجود؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
40 سنة وكل شيء تغير
بقلم:غي بخور،عن يديعوت
تكثر وسائل الاعلام هذه الايام من وصف حرب يوم الغفران وكأنها وقعت أول امس فقط، وليس قبل 40 سنة، وبصفتها درسا ما لاسرائيل، على تقصيرها المزعوم، وعدم اكتراثها المزعوم أو رفضها السلام المزعوم. ولكن لا يوجد عرض مشوه اكثر من هذا، لان الواقع الاسرائيلي في حينه يختلف تماما عن واقع اليوم.
في حينه كانت اسرائيل دولة ضعيفة اقتصاديا، مع عدد من السكان اليهود قليل يبلغ 2.7 مليون نسمة، اما اليوم فيبلغ عدد السكان 6.5 مليون نسمة، مع وتيرة ارتفاع سريعة. اليهود بصعوبة ملأوا في حينه البلاد، أما اليوم فالاستيطان في بلاد اسرائيل كلها مكثف، جذري، من الشمال وحتى الجنوب، في شرق القدس وفي قطاعات يهودا والسامرة.
حول اسرائيل كانت في حينه دول عربية مرتبة وقوية، الى هذا الحد او ذاك، بالاساس الدول التي هاجمتها مصر وسورية. لا حاجة لوصف وضع هاتين الدولتين البائستين اليوم، حيث تدور عمليا فيهما حرب أهلية، بهذا المستوى او ذاك، مثلما في العراق وفي لبنان ايضا.
منذ أن تنازلت اسرائيل عن ارض هائلة، صحراء سيناء، مقابل سلام ليس واضحا مدى صموده، ولحظتها لم تتنازل عن أراض في الجولان، والا فان الحرب الاهلية هناك كانت ستصل اليها مباشرة الى الجليل.
في حينه كانت حكومات عربية يمكن التوصل معها الى اتفاقات موقعة، واليوم هي انظمة عسكرية مترنحة، عديمة الشرعية الدولية.
الجيوش العربية، تلك التي هددت دوما اسرائيل منذ قيامها، اختفت. الجيش السوري تفكك، غارق حتى الرقبة في حرب داخلية ليس لها نهاية، وكذا ايضا الجيش المصري، الذي يدير دولة من 90 مليون نسمة، وغارق في حرب أهلية نشيطة في صحراء سيناء. منذئذ وحتى اليوم تبين أن الدول العربية ما كانت قادرة على الاستمرار والمواجهة الاقتصادية مع اسرائيل وحيال سباق التسلح، وكذا لهذا السبب اختفت جيوشها. هذا ما حصل للجيش الاردني، الذي كان ذات مرة أهم الجيوش العربية، وهكذا ايضا اللبناني.
قبل أربعين سنة كان الحديث عن ‘النزاع الاسرائيلي ـ العربي’، ولكن في هذه الاثناء غرق العرب انفسهم في حروبهم الداخلية، ولم يتبقَ لهم زمن لاسرائيل، ولهذا فقد أصبح هذا اليوم النزاع ‘الاسرائيلي الفلسطيني’، بمعنى أن النزاع تقلص. والعرب الفلسطينيون؟ ممزقون بأنفسهم بين يهودا والسامرة وبين غزة، لا توجد أي صلة بين هاتين المجموعتين السكانيتين المعاديتين والمختلفتين، وفي يهودا والسامرة نفسها منقسمون وممزقون، متأثرون بالربيع الفتاك من حولهم. ولحظهم الحسن، يحميهم الجيش الاسرائيلي واسرائيل من مصير الحرب الاهلية التي تعصف بالمناطق العربية الاخرى. وقد بات الكثيرون يفهمون ان دولة عربية في يهودا والسامرة هي وهم آخر، واحد بين كثر.
لسنوات رووا لنا عن السلام المنشود، وهذا، كما يخيل، ‘ارث’ حرب يوم الغفران على وسائل الاعلام. فالسلام بالطبع لم يندلع هنا، ولا حتى بين العرب وبين أنفسهم، ولكن اسرائيل الواقعية، عديمة الاوهام، تحولت منذئذ الى دولة كثيرة السلام، قوة عظمى اقتصادية، هي حقيقة اقليمية لا جدال فيها. 40 سنة بالاجمال، والعرب كقوة اقليمية اختفوا، مثلما اختفت الاوهام بشأنهم. كم هو غريب أن القوى الثلاث الاقليمية الكبرى اليوم ليست عربية: ايران، تركيا واسرائيل.
حرب يوم الغفران لم تكن عبثا. كانت، كما نفهم نحن اليوم، حلقة مهمة في بناء القوة الاسرائيلية بصفتها القوة العسكرية الاقوى في منطقتنا، وهذا هو إرثها الحقيقي، الواقعي، في بناء أمتنا المتجددة.’
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ


رد مع اقتباس