في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
المجلس المركزي…الأولى قطع المفاوضات
بقلم: د. فايز رشيد عن صحيفة عمان العمانية
المشكلة ليست في كيري
بقلم: ترودي روبين عن صحيفة عمان العمانية
«مفتاح» السلطة.. و«مفتاح» العودة
بقلم: د. اسعد عبد الرحمن عن صحيفة الرأي الأردنية
"إعلان غزة" والوطنية الفلسطينية
بقلم: علي جرادات عن صحيفة الخليج الإماراتية
إلا الأجهزة الأمنية فهي خـط أحمر
بقلم: صالح القلاب عن صحيفة الرأي الأردنية
سرّ «إسرائيل» الباتع!!
بقلم: د.رغداء مارديني عن صحيفة تشرين السورية
بين دولتين: فاشلة ومؤجلة
بقلم: حسام عيتاني عن صحيفة الحياة اللندنية
عيون وآذان (الكونغرس يظلم مصر)
بقلم: جهاد الخازن عن صحيفة الحياة اللندنية
مسؤولية الإخوان
بقلم: محمد سلماوي عن صحيفة المصري اليوم
حديث المصالحة العربية
بقلم: د. أحمد عبد الملك عن صحيفة الشرق الأوسط
انتخابات في ظلال «الهواجس»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
أميركا والشرق الأوسط: البحث عن الطريق في بحر الظلمات
بقلم: تركي الحمد عن صحيفة العرب اللندنية
المجلس المركزي…الأولى قطع المفاوضات
بقلم: د. فايز رشيد عن صحيفة عمان العمانية
” كان الأولى بالمجلس المركزي الفلسطيني بعد تجربة واحدٍ وعشرين عاماً من التفاوض العقيم مع إسرائيل, أن يعلن انسحاب السلطة الفلسطينية نهائياً من المفاوضات،واشتراط جملة واحدة للعودة إليها تتمثل في العودة إلى المفاوضات بعد اعتراف إسرائيل بكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية بموجب القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الشأن.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
عقد المجلس المركزي الفلسطيني الدورة 26 لاجتماعاته في رام الله التي امتدت على مدى يومين 26-27 نيسان/إبريل الماضي. حول المفاوضات مع إسرائيل، أبقى المجلس المركزي الباب مفتوحاً على العودة إلى المفاوضات وفق شروط: إطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل اتفاقيات أوسلو، وقف الاستيطان, ومرجعية قرارات الشرعية الدولية. أكد المجلس في ختام دورته: أولوية إنجاز الاتفاق على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، بما فيها القدس وفق قرارات الأمم المتحدة كمقدمة لأي بحث لاحق في قضايا المفاوضات الأخرى, وبما فيها الأمن وصولاً إلى معاهدة سلام شاملة. من قبل حدد الرئيس أبو مازن شرطاً للعودة إلى المفاوضات يتمثل في: التركيز في الثلاثة أشهر الأولى منها على قبول إسرائيل ترسيم حدود الدولة الفلسطينية.
كان الأولى بالمجلس المركزي الفلسطيني بعد تجربة واحدٍ وعشرين عاماً من التفاوض العقيم مع إسرائيل, أن يعلن انسحاب السلطة الفلسطينية نهائياً من المفاوضات،واشتراط جملة واحدة للعودة إليها تتمثل في العودة إلى المفاوضات بعد اعتراف إسرائيل بكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية بموجب القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الشأن. أي الحق في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وتوقيع إسرائيل على هذا الاعتراف. من دون ذلك فلا فائدة مطلقاً لأية مفاوضات مع إسرائيل، التي تستغل التفاوض مع الفلسطينيين لأغراضها الخاصة ومنها إعلامية ليس إلامأساة اتفاقية أوسلو(إضافة إلى كل مآسيها الكثيرة) إنها أجلّت التفاوض حول الحقوق الفلسطينية الأساسية إلى ما سمي بـ”مفاوضات الوضع النهائي”. إسرائيل تفاوضت على قضايا فرعية غير أساسية على الرأس منها”أمنها, ورفضت ولاتزال البحث في قضايا الوضع النهائي.إسرائيل حتى اللحظة لم ترسّم حدود دولتها،فكيف تحدد حدود الدولة الفلسطينية؟. الاستراتيجية الإسرائيلية للتفاوض مع الفلسطينيين تقوم على الأسس التالية:
أولاً: إطالة أمد المفاوضات إلى ما لا نهاية, وخير من عبّر عن هذه المسألة هو رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحق شامير, الذي صرّح: بأننا سنطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاماً. بالفعل امتدّت المفاوضات على مدى هذه الفترة دون أبداء أية تنازلات إسرائيلية, بل فرض اشتراطات على الفلسطينيين تتزايد يوماً بعد يوم, وإبداء الجانب الفلسطيني لإمكانية تقديم تنازلات لإسرائيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر: استعداد السلطة بقبول مبدأ تبادل الأراضي, والاعتراف بإسرائيل وبحقها في إقامة دولتها في منطقة 1948, وتغيير وإلغاء بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني تتعلق بالكفاح المسلح وبوجود تحرير فلسطين الكاملة التاريخية ( من النهر إلى البحر). من التنازلات أيضاً:وثيقة عبد ربه – بيلين في عام 2004 وبموجبها تتم عودة بضع مئات من الفلسطينيين إلى منطقة 48 لأهداف لم الشمل الإنسانية (وليس كحق وطني؟!), الاستعداد الفلسطيني لعدم إغراق إسرائيل بملايين اللاجئين ( وهذا ما ذكره عباس لـ300 طالب إسرائيلي اجتمع معهم في مقر المقاطعة منذ بضعة شهور) واستعداد أبو مازن لعدم العودة إلى بلده صفد, وهكذا دواليك.
ثانياً: التركيز في المفاوضات على الأمن الإسرائيلي, ولذلك كان التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل الذي وصفه عباس”بأنه مفيد وضروري حتى في ظل عدم تمديد التفاوض”. إسرائيل ركزت في هذا العنوان على المسائل التالية: التحكم في معابر الدولة الفلسطينية العتيدة بما يعينه ذلك من تحكم في حركة الداخلين والخارجين منها وإليها, وكذلك الحق في ملاحقة من تسميهم بـ”الإرهابيين” في الأراضي الفلسطينية حتى بعد إعلان الدولة, والتواجد الدائم في منطقة غور الأردن على حدوده مع الضفة الغربية. التحكم في سماء الدولة ومياهها الإقليمية وما تحت أرضها من ثروات ومياه.
ثالثاً: إقناع الجانب الفلسطيني بالتفاض في ظل الاستيطان. وفي ظل الاعتداء على الأماكن الدينية وبخاصة الأقصى, وفي ظل تهويد القدس وتوسيع المستوطنات في منطقتها. للأسف وقعت السلطة الفلسطينية في الفخ وقبلت مفاوضات التسعة أشهر(التي انتهت مدتها في 29 نيسان/إبريل الماضي) في ظل الاستيطان التي زادت حدته وتصاعدت ووصلت نسبته إلى 123% مقارنة بالعام الذي سبقه. هذه القضية ما كانت لتتم في حالة تصلب الموقف الفلسطيني ورفضه التفاوض في ظل الاستيطان.
رابعاً: تفجير المفاوضات من داخلها باختراع شروط تعجيزية ليس على الفلسطينيين فحسب وإنما على العرب أيضاً, من مثل: الاعتراف بـ” يهودية إسرائيل” والقبول الفلسطيني بحق إسرائيل في مطادرة (الإرهابيين) داخل أراضيها, وبقاء القوات العسكرية الإسرائيلية في غور الأردن. إسرائيل في المفاوضات مع الفلسطينيين تعمل بموجب قاعدة “نعم ولكن” أي أنها تتغنى “بالسلام” وبأهميته وحرصها على إرسائه مع الفلسطينيين لكنهم من وجهة نظرها يعطلون الوصول إلى” السلام” ذلك أنهم لا يريدون مراعاة متطلبات الأمن الإسرائيلي باعتباره (مقدساً) وعلى الفلسطينيين مراعاته؟! إنها لعبة إسرائيلية ممجوجة.
خامساً: توزيع الأدوار على أطراف الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحاكم, فهناك متشددين وهناك الأكثر تشدداً في الحكومة الإسرائيلية، فحول الحقوق الفلسطينية قد تبدو تسيبي ليفني وزيرة العدل ومسؤولة ملف التفاوض مع الفلسطينيين أليَنَ من غيرها من الوزارء في التجاوب مع بعض الحقوق والمطالب الفلسطينية, في الفترة التي يهدد فيها غلاة المتشددين في الحكومة بالخروج منها وفرط الائتلاف, مما يجعل الراعي الأميركي يضغط على الفلسطينيين والطلب منهم مراعاة وضع نتنياهو! أكثر من مرة حصل ذلك مع رابين وبيريز وإيهود أولمرت أثناء تسلم كلٍّ منهم لرئاسة الحكومة الإسرائيلية.
يتوجب القول: أنه دون إدراك حقيقة الاستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين والعرب, فستظل السلطة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني يقعان في المطبات التكتيكية السياسية الإسرائيلية, بين الفينة والأخرى. كان الأولى بالمجلس المركزي الفلسطيني إصدار قرار للسلطة بقطع المفاوضات نهائياً مع إسرائيل ما لم تعترف وتوقع على قبولها بالحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة.
المشكلة ليست في كيري
بقلم: ترودي روبين عن صحيفة عمان العمانية
” حل الدولتين ليس البداية الصحيحة، فالشرق الأوسط منطقة طائفية حيث يريد اليهود الاسرائيليون والفلسطينيون على السواء بلدهم الخاصة بهم، وسيقاومون تقاسم السيطرة، ولكن حملة رجل واحد وصوت واحد يمكن أن تجد أثرا لدى الأوروبيين وفي الدول النامية وتسارع حركة المقاطعة والحرمان والعقوبات العالمية التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية.”
ــــــــــــــــــ
في فبراير 2010 حذر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك من أن الفشل في صنع السلام مع الفلسطينيين سيجعل اسرائيل تخسر أغلبيتها اليهودية أو أن تصبح دولة فصل عنصري. وكان يعني بذلك انه بدون حل الدولتين فستواجه اسرائيل خيارين مستحيلين هو إما أن تمنح الجنسية لملايين الفلسطينيين الذين سيصبحون في القريب أغلبية في اسرائيل او تستمر في السيطرة على حياة ملايين العرب الذين يفتقدون للحقوق الاساسية.
لم تحدث ملاحظات باراك هيستيريا سياسية في اسرائيل لأنها عكست واقعا أليما قال به سياسيون وخبراء اسرائيليون من قبل ومن بعد. على انه عندما تجرأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري على نطق كلمة الفصل العنصري الأسبوع الماضي حتى انهال عليه زعماء اسرائيليون واميركيون يهود بالنقد. فمثله مثل باراك حذر كيري من أن الخطر الذي كانت تواجهه إسرائيل من قبل في خيار الدولتين يتلاشى، قائلا إن الدولة الموحدة سينتهي بها المطاف إما الى دولة فصل عنصري بمواطنين من درجة ثانية او تدمير قدرة اسرائيل على ان تكون دولة يهودية.
كان النقد الذي واجهه كيري قاسيا جدا مما اضطره لاصدار اعتذار مهين، حتى أن جهوده المستمرة منذ ثمانية اشهر للتوسط لصفقة سلام منيت بالفشل. وبدلا من الافتراء على كيري كان ينبغي للمنتقدين ان يأخذوا تحذيرات كيري ومن قبله باراك مأخذ الجد.
في حدودها لعام 1967 تتمتع إسرائيل بديمقراطية نابضة بالحياة، والمواطنون العرب داخلها لهم حق التصويت، لكن بالضفة الغربية يوجد نحو 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في ظل نظام مختلف تماما، فليس لهم حق التصويت على اختيار حكومة وطنية (والسلطة الفلسطينية تتمتع بأدنى حد من السلطات)، بينما حركاتهم المادية خاضعة لنقاط التفتيش الإسرائيلية.
معظم أراضي الضفة الغربية بالاضافة الى استخدام المياه والصادرات والواردات كلها تخضع لإسرائيل (في غزة 1.5 مليون شخص تسيطر اسرائيل على هوائهم وبحرهم وكافة المعابر تقريبا – بما فيها حركة البضائع والناس).
ان هذا التوسع المتسمر للمستوطنات الاسرائيلية على كافة أراضي الضفة الغربية يقسم المناطق الفلسطينية الى كانتونات منفصلة تشبه الوضع الذي كان خاصا بالسود في جنوب أفريقيا. لذلك حتى اذا كان الوضع الاسرائيلي يختلف عن جنوب أفريقيا ولا يوجد قوانين عرقية تحدد النظام العنصري إلا أن ثمة تشابهات لا يمكن للعين أن تخطئها اذ تسيطر مجموعة واحدة وتتحكم في مجموعة أخرى لا تملك حقوقا سياسية.
ومع تحذير رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت عام 2007، فإن انهيار حل الدولتين يعني ان اسرائيل ستواجه على الأرجح صراعا على غرار جنوب افريقيا من اجل حقوق التصويت المتساوية. وفي الحقيقة هناك العديد من الشباب الفلسطينيين يريدون التحول من محادثات حل الدولتين الفاشلة الى حملة من أجل المواطنة الكاملة داخل دولة واحدة.
حل الدولتين ليس البداية الصحيحة، فالشرق الأوسط منطقة طائفية حيث يريد اليهود الاسرائيليون والفلسطينيون على السواء بلدهم الخاصة بهم، وسيقاومون تقاسم السيطرة، ولكن حملة رجل واحد وصوت واحد يمكن أن تجد اثرا لدى الأوروبيين وفي الدول النامية وتسارع حركة المقاطعة والحرمان والعقوبات العالمية التي تطالب اسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية.
وكان منتقدو كيري منزعجين بوضوح من ان استخدام كلمة العنصرية من شأنها ان تعزز هذه الحملة العالمية. على ان استهداف كيري لن يحل المشكلة ولا لعبة القاء اللوم على المخطئ في فشل محادثات السلام. بل على كل من يهمه مستقبل اسرائيل ان ينظر نظرة قوية على الحقائق على الأرض.
لاشيء عزز المقارنة بين الوضع الفلسطيني والوضع في جنوب أفريقيا سابقا مثل ترويج الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية اذ ان شبكة المستوطنات الحالة كان يتبناها اصلا رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اريل شارون كوسيلة لضمان سيطرة طويلة الامد على الارضي في حين يعيش المستوطنون في ظل قوانين مختلفة ولهم كامل الحقوق الوطنية الاسرائيلية والتحرك بحرية في الضفة الغربية بينما الفلسطينيون مقيدو الحركة بشدة.
إن كيري يلوم اسرائيل على انشاء آلاف المنازل بالمستوطنات الجديدة لأنها سبب في احتقان اجواء المحادثات خاصة ان بعض خطط البناء اعلن عنها زعماء اسرائيليون من الصقور خلال نقاط حاسمة من المفاوضات. ومهما قال زعماء اسرائيل او قصدوا فعلا فإن توسيع المستوطنات يرسل رسالة مادية بأن اسرائيل لن تؤيد قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
كما أن توسيع المستوطنات يغطي على حجج مهمة يمكن أن تطرحها اسرائيل بأن الوقت غير ملائم لحل الدولتين في ظل الفوضى التي تعم الشرق الاوسط وعدم وضوح نوايا ايران النووية. ولو كان تم تجميد المستوطنات منذ فترة طويلة او حتى خلال بداية جهود كيري لكانت القضية مقنعة. لكن استمرار بناء المستوطنات يغطي على هذه الهواجس المشروعة.
اذا كان منتقدو كيري منزعجين حقا من كلمة العنصرية او حملة المقاطعة العالمية فعليهم الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجميد التوسع الاستيطاني. أما انتقاد كيري صديق اسرائيل الذي ضغط بشدة من أجل حل الدولتين فهذا أمر شائن ولن يساعد اسرائيل على مواجهة التحديات المقبلة.
«مفتاح» السلطة.. و«مفتاح» العودة
بقلم: د. اسعد عبد الرحمن عن صحيفة الرأي الأردنية
حدثني صديقي قائلا: «هل يعقل أن تقبل القيادة الفلسطينية تحول المفاوضات إلى ستار سياسي يغطي على تطبيق أوسع مشروع استعماري/ «استيطاني» على الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967، الأمر الذي يفرغ تلك المفاوضات من مضمونها»؟!! و»هل حقا لا يمكن الجمع بين المفاوضات وبين مواصلة المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة للحصول على دولة كاملة العضوية أو كدولة غير عضو في الأمم المتحدة»؟!!. و»هل – حقا–أن القيادة الفلسطينية لم تعد تملك إمكانية توسيع استراتيجيتها لتشمل التفاوض ونضالات أخرى، دبلوماسية وغير دبلوماسية، تملأ ذاكرتنا بهيبتها وباحترامها التاريخيين لدى جماهير الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والمسلمة»؟!!
صديقي المهووس بتسجيل المواقف ضد القيادات الفلسطينية، بدا أقل تحيزا حين أعادنا إلى تصريحات هذه القيادات على رأسهم الرئيس (محمود عباس) التي تركز كلها على استمرار المقارفات الإسرائيلية على الأرض. ثم أخرج الصديق قصاصة جديدة قرأ منها كيف أن الرئيس الفلسطيني، منذ حزيران/ يونيو 2012، أكد في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أنه «نتيجة لسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، لم يعد للسلطة الفلسطينية أي سلطة وأصبحت دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أنها فقدت مبرر وجودها». ويتدارك هذا الصديق فيخاطبني قائلا: «ألم تقرأ أن الرئيس عباس، قد شكل فريقاً خاصاً لبحث إمكانية حل السلطة الفلسطينية فعلياً في حال فشل المفاوضات». وأضاف: «لقد أحسن الرئيس حين أصبح يلعب لعبة الإسرائيليين ويوجه تهديدات علنية عن حل السلطة في ظل إمكانية انهيار المفاوضات».
مرة إضافية، أخرج صديقي قصاصة صحيفة وبدأ يقرأ: «وقال عباس، لدى استقباله عددا من أعضاء الكنيست في رام الله: لست بحاجة إلى نتنياهو، أو رئيس الأركان. أعطوني ضابطا صغيرا وسوف أسلمه مفاتيح السلطة الفلسطينية. تفضلوا وتولوا الإدارة وسوف أخرج حالا». وما هي إلا ثوان حتى أخرج صديقي صحيفة أحدث وبدأ يقرأ: «هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية وقال في لقاء مع عشرات المراسلين الاسرائليين ان «المفاوضات ليست خيارا سياسيا. وإذا فشلت هذه المفاوضات سنقول لحكومة إسرائيل هذه هي السلطة التي أفرغتموها من كل محتوى وفي هذه الحالة ستسلم القيادة الفلسطينية مسؤوليات وصلاحيات السلطة لإسرائيل بطريقة سلمية وستتحمل إسرائيل المسؤولية المدنية والأمنية في الضفة الغربية». وبدون أن يلتقط أنفاسه، تابع صديقي طارحا تخوفاته قائلا: «حل السلطة يجب ان لا يكون ورقة تهديد تكتيكية لتحسين شروط التفاوض، او للحصول على اعتراف رمزي بدولة فلسطين في الامم المتحدة، وانما خطوة جدية نتيجة قناعة راسخة بفشل الرهان على المفاوضات، والعودة الى الخيارات والبدائل الفلسطينية الاخرى». وأضاف: «قناعتي أن وجود السلطة وأجهزتها الأمنية منزوعة السيادة والصلاحيات هي سلاح مشرع على رقاب الفلسطينيين».
إن فكرة حل السلطة (الفلسطينية) ليس بجديدة، بل هي متجددة، وفي أكثر من مرة خلال السنوات السابقة، لوح الرئيس (عباس) وغيره من القيادات الفلسطينية باتخاذ قرارات من هذا النوع. بل صدرت عديد الصحف في أوقات مختلفة تؤكد أن الرئيس أبلغ الأميركيين أكثر من مرة أنه مستعد فورا لتسليم مفاتيح السلطة إلى إسرائيل. لقد بات معروفا للقاصي والداني أنه، في حال حل السلطة، سيتعين على إسرائيل تسيير أمور التعليم والصحة والمياه وشبكات الصرف الصحي وغير ذلك. كما أن المساعدات السنوية (2 مليار دولار) التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية ستتوقف، وسيكون على إسرائيل تسديد النقص الناتج عن توقفها، وهو جزء بسيط من المبالغ الإجمالية التي سيتعين على إسرائيل صرفها في حال حل السلطة، حيث أن الحسابات الأولية التي بينتها الصحافة الإسرائيلية مؤخرا، أظهرت أن إسرائيل ستحتاج خلال السنة الأولى من تجدد احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى مليارات الدولارات للقيام بمسؤوليات 2.5 مليون فلسطيني. وحين نهض ليغادر مكتبي، ختم صديقي حديثه بسؤال: «هل يكون تسليمنا لمفتاح «السلطة» بداية طريق (طويل حقا) لإعادة فتح أبواب منازلنا المسلوبة منذ 1948 بقوة مفتاح «العودة»؟
"إعلان غزة" والوطنية الفلسطينية
بقلم: علي جرادات عن صحيفة الخليج الإماراتية
لم يخامر الفلسطينيين، في أماكن وجودهم كافة، شك في أن انقسام قيادتهم السياسية خلال السنوات السبع الماضية، كان ربحاً صافياً للاحتلال وسياسات حكوماته التوسعية العدوانية . وقد جاءت ردود قادة "إسرائيل" الهستيرية على "إعلان غزة" كخريطة طريق لتنفيذ اتفاقات إنهاء هذا الانقسام المدمر لتقطع الشك باليقين، وتؤكد أن لا حركة "فتح"، ولا حركة "حماس"، بما في داخل كل منهما من تيارات ومراكز قوى، تستطيع منفردة أن تشكل طريقاً للخلاص الوطني، حيث لم تسفر سنوات انقسامهما السبع عن إضعاف المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية وتشويه صورتها وضرب قيمها وثوابتها ومرتكزاتها الثقافية والسياسية والأمنية والنضالية، فحسب، بل أسفرت أيضاً عن إضعاف دور ومكانة ووزن وهيبة كل من الحركتين، إن على الصعيد الداخلي، أو، (وهنا الأهم)، على صعيد مجابهة الاحتلال وإدارة الصراع معه . هنا ثمة درس لا يمكن للنخب القيادية الفلسطينية بألوانها استيعاب كامل معانيه، وهضمها، والتعلم منها، وبناء السياسة، خطاباً وممارسة، على أساسها، إلا باستعادة الانضباط الكامل لشروط خصوصية الوطنية الفلسطينية، عموماً، ولمقتضيات محتواها الشعبي خصوصاً . لماذا؟
في معمعان مئة عام من المواجهة الشاملة بين الشعب الفلسطيني بعمقه القومي العربي والتحرري العالمي، والمشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي بارتباطاته ووظائفه الاستعمارية، تبلور المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية، وتعمق، وتحول إلى نبع لا ينضب، ودافعية متجددة، لكفاح وطني مديد، يحركه حلم لا يموت وتطلعات تحررية لا تنطفئ . "فشعب فلسطين سيظل يثور جيلاً بعد جيل إلى أن تتحرر فلسطين" . هذا ما جاء في إحدى رسائل القائد الفلسطيني الكبير الشهيد عبد القادر الحسيني . وقد صدقت نبوءته . إذ صحيح أن الشعب الفلسطيني لم يظفر بالنصر الحاسم بعد، لكنه لم يستسلم، بل ظل يقاوم متشبثاً بحقوقه الوطنية والتاريخية . ما يعني أن عمليات التشتيت القسري والتطهير العرقي المخطط وجرائم الحرب الموصوفة التي ارتكبتها، ولا تزال، الحركة الصهيونية وكيانها "إسرائيل"، لم تفشل -فقط- في إزالة الوطنية الفلسطينية من التاريخ والجغرافيا والسياسة، بل، كانت -أيضاً- السبب الأساس خلف تعميقها، وتجذير أهدافها في إنهاء الطابع الصهيوني ل"إسرائيل" التي لم يترك قادتها -بعدوانيتهم وتوسعيتهم وعنصريتهم- متسعاً للتسوية السياسية أو الحلول الوسط للصراع . وهو ما أنتج، ولا يزال، دوافع تجديد الثورات والانتفاضات الفلسطينية، كمبادرات شعبية هجومية لتعديل ميزان القوى، وفضح ما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي قل نظيره في التاريخ المعاصر .
هذا هو الدرس الأول والأساس الذي يمكن استخلاصه من تاريخ مسيرة الوطنية الفلسطينية وصيرورتها . أما الدرس الثاني فيتمثل في أن انقسامات النخب السياسية والفكرية القيادية الفلسطينية، كما لم تفضِ في الماضي، فإنها لن تفضي لا في الحاضر ولا في المستقبل، إلى تفريغ الوطنية الفلسطينية من محتواها الشعبي . فالنخب القيادية الفلسطينية إما أن تتوحد وتعزز الوطنية الفلسطينية وإما أن تنقسم وتضعفها . وغني عن الشرح أن لهذا الخيار أو ذاك الدور الأساس في تعزيز الشرعية الشعبية لهذه النخب أو تآكلها، تقدم الأمر أو تأخر . لماذا؟
يتفهم الشعب الفلسطيني خلافات نخبه القيادية واختلافاتها السياسية والفكرية، لكنه قط لا يتفهم، أو يتسامح مع، تغليب هذه الخلافات والاختلافات على الأولوية الوطنية العامة التي قدم لقاء بقائها أولوية الأولويات شلالات دم غزيرة . فالذاكرة الجمعية الفلسطينية مثقلة بهذه الدماء التي سالت، طوعاً وعن طيب خاطر، دفاعاً عن الوطن . فمن انتفاضات عشرينات القرن الماضي رداً على "وعد بلفور"، ،1917 الذي كشف نوايا جلب المهاجرين اليهود لفلسطين، إلى ثورة الشهيد الشيخ الجليل عز الدين القسام التي عززت الوعي الوطني بترابط المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي، إلى ثورة 36-39 الكبرى ضد رؤية لجنة "إيرل بيل"، ،1937 التي قضت بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تُقام على الأول "دولة لليهود"، ويُضم الثاني لإمارة شرق الأردن، إلى القتال الأسطوري الذي تجشم مصاعب ظرفه المجافي الشهيد القائد الوطني الكبير عبد القادر الحسيني ضد قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، (1947)، توطئة لإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين لمصلحة قيام "وطن قومي لليهود" فيها، إلى القتال الذي لم ينقطع، (رغم صدمة النكبة ونتائجها الكارثية)، في خمسينات وستينات القرن الماضي، إلى إطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة التي لم تطفئ هزيمة، ،1967 لهيبها، بل حولته إلى حريق شامل من العمل الفدائي من خارج حدود فلسطين وداخلها،، ولم يفضِ ضرب مركز ثقله في الأردن، ،1970 إلى خموده، بل انتقل إلى لبنان، ولم يفضِ ضربه وتشتيته، بعد صمود أسطوري، (1982)، إلى خمود الثورة الفلسطينية، بل إلى انتقال مركز ثقلها إلى الوطن بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987-1993)، إلى "هبة النفق" المسلحة، ،1996 التي مهدت، وهبات جماهيرية تلتها، لاندلاع انتفاضة الأقصى، (2000- 2004)، وصولاً إلى الهبات الجماهيرية الجارية في أوساط فلسطينيي الضفة، وفلسطينيي ،48 دون أن ننسى صمود غزة الأسطوري في حربيْ 2008 و،2012 أو أن نتجاهل صمود اللاجئين وتشبثهم بحقهم في العودة والتعويض، رغم ما يتعرضون له من نكبة جديدة أعادتهم ثانية إلى حياة التشرد والقتل والحصار والحرمان، بل والموت جوعاً أيضاً . ماذا يعني هذا الكلام؟
إن المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية الناجم عن تغلغل الثورة ثقافة وأشكالاً وأساليب وأدوات فعل في أوساط الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، هو، قبل وأكثر من أي عامل آخر، ما أفشل رهانات قادة المشروع الصهيوني على كل انقسامات النخب القيادية الفلسطينية في الماضي . وهو -في التحليل الأخير- ما سيقود إلى إفشال رهانهم على الانقسام الحالي، من خلال إجبار طرفيه على تنفيذ بنود اتفاقهما الأخير لتوحيد الإرادة والجهود والإمكانات والطاقات الوطنية، بعد أن بددا سبع سنوات، قضتها قيادة الطرف الأول، "فتح"، في الرهان الفاشل على أن تجلب بالمفاوضات، إنجازاً وطنياً يعيد مكانتها إلى ما قبل خسارتها للانتخابات التشريعية والمحلية في العام ،2006 بينما قضتها قيادة الطرف الثاني، "حماس"، في الرهان الفاشل أيضاً على أن يعزز صعود حركات الإسلام السياسي عموماً، ووصول أصلها، جماعة "الإخوان المسلمين"، إلى السلطة في مصر، خصوصاً، مكانتها الوطنية والعربية والإقليمية والدولية، متناسية أن ما حازته من تأييد شعبي فلسطيني في صندوق الاقتراع لم يكن بسبب خيارها الإيديولوجي، بل كان بسبب أنها حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال .
إلا الأجهزة الأمنية فهي خـط أحمر
بقلم: صالح القلاب عن صحيفة الرأي الأردنية
المفترض أنَّ أصحاب «الحراكات المناطقية» يعرفون أنَّ هناك حدوداً يجب أن يتوقفوا عندها إذْ أن هناك فرق هائل بين المطالب المحقة التي هدفها الإصلاح والمساوات بين الأردنيين في الحقوق والواجبات وبين الذين بحجة هذه المطالب أو بعضها يذهبون إلى ما هو أبعد وإلى ما يلامس المحرمات وأول هذه المحرمات وأخطرها هو الحديث عن «العصيان المدني» والتهديد به وهذا هو الكفر الذي ما بعده ذنب وهذا ما يجعل الشكوك تساورنا وتجعلنا نبحث عن تدخلات وأجندات خارجية وبخاصة وأننا رأينا وأكثر من مرة أن الذين أغرقوا دولهم في الدماء وطمروها بالدمار والركام يلوحون بنقل عدم الإستقرار والفوضى إلى الدول المجاورة.
إنه من حق كل أردني أن «يدبَّ» الصوت عالياً ليعلن عن أيِّ وجع يشعر به وأن يشكو همومه وهموم منطقته ومدينته وإن من حقه أن يتظاهر وأن يعتصم وأن يصدر البيانات حتى النارية منها لكن ما ليس من حقه ولا من حق أيٍّ كان هو أن يفكر حتى مجرد تفكير بـ»العصيان المدني» وأن يستهدف الأجهزة الأمنية ويعتبر تواجدها في أي مكان يحتِّمُ عليها واجبها الوطني أن تتواجد فيه بمثابة «احتلال» فهذه هي أم الكبائر وهذا ما لا يقره الشعب الأردني أو يسكت عليه فالمعروف أن الإستقرار ،بينما نرى كل هذا الذي نراه حولنا، هو رأسمالنا وهو الذي قد «نغْرش» على ما سواه لكننا لا يمكن أن نسكت على المس به وعلى الإطلاق.
نحن نعرف أن الواجب الوطني لأجهزتنا الأمنية كلها ،المخابرات والأمن العام والدرك، هو الحفاظ على أرواح الأردنيين وعلى أموالهم وأعراضهم وهو حمايتهم من الخارجين على القوانين ومن عصابات الإرهاب التي تحاول التسلل من الخارج ومن المتعاونين معها في الداخل ولذلك فإن من حق هذه الأجهزة التي تعتبر ركناً أساسياً من أركان السيادة الوطنية أن تتواجد في أي مكان ترى أنه عليها أن تتواجد فيه وأن تقتلع من بين مواطني هذا البلد ،الذي نريده آمناً بينما العواصف الهوجاء تضرب معظم دول المنطقة بكل هذا العنف المدمِّر، القتلة واللصوص وقطاع الطرق وتجار المخدرات والمهربين والمخربين.
إنَّ حماية المهربين والخارجين على القوانين والذين يستهدفون الأردنيين وأموالهم وإستقرارهم وأرزاقهم وأعراضهم تعتبر خيانة وطنية لا يمكن تغطيتها لا بـ»الحراكات» المشروعة ولا بالمطالب الشعبية المحقة ولهذا فإنه على الأردنيين حفاظاً على أمن وإستقرار بلدهم ألاَّ يسكتوا على بعض هذا الذي نراه ونسمعه وأنه على الذين يحاولون إستغلال «التطاولات» ،التي تجاوزت في بعض مناطقنا وفي بعض مدننا الحدود، من أجل نزعات تسلُّقية ومصالح خاصة أن يدركوا أنهم أول من سيدفع الثمن في النهاية.
عندما نطالب الأجهزة الأمنية بتطبيق القوانين وبحماية بلدنا وشعبنا من بعض الزمر وعصابات السلب والإتجار بالمخدرات وسرقة السيارات وإبتزاز المواطنين فإنه علينا ألاَّ نسمح لأيٍّ كان وبأي حجة التطاول على هذه الأجهزة والتعامل معها كقوات غريبة ومحتلة وإنه علينا ألاَّ نسكت إطلاقاً على الذين يتحدثون عن «العصيان المدني» وإنْ همساً وأنه علينا أن نقف بالمرصاد لكل من يتصرف على إعتبار أن مدينته أو منطقته ليس جزءاً من هذه الدولة.. المملكة الأردنية الهاشمية.
ومرة أخرى فإنَّه لا يحق لأي إنسان وإن كان في مواقع المسؤولية أن يعترض على «الحراكات» السلمية والمطالب المشروعة.. أمَّا بعض هذا الذي نراه وأمَّا ركوب موجة المجرمين والقتلة وتجار المخدرات وسارقي السيارات والذين يستهدفون أرزاق الأردنيين وأرواحهم وإستقرارهم وتصويرهم على أنهم أبطال ومناضلون فإنه لا يجوز السكوت على هذا إطلاقاً الكما أنه لا يجوز السكوت على إستهداف الأجهزة الأمنية إنْ بالأقوال وإن بالأفعال فمنتسبي هذه الأجهزة كلها هم حراس أمننا وإستقرار بلدنا وهم الذين يسهرون الليالي من أجل توفير النوم الهانئ لنا ولأطفالنا.. إنَّ هذه الأجهزة خطٌّ أحمر وإن من يستهدفها إنْ بدوافع شخصية وإن تنفيذاً لـ»أجندات» خارجية يجب أن يُعامل معاملة الخارجين على القوانين ويجب أن يلفظه الأردنيون من بينهم.
سرّ «إسرائيل» الباتع!!
بقلم: د.رغداء مارديني عن صحيفة تشرين السورية
لأن «إسرائيل» هي الملاذ الأول والأخير لمن سمّوا أنفسهم «معارضةً» سوريةً، صار لزاماً كشف سواتر العورات للعلن، وبخاصة عندما بدأت التصريحات عن رحلات الآمال المشدودة باتجاهها، بعد أن أشبعت جبهات العمل على تدمير الدولة السورية بين آل سعود وآل صهيون تنسيقاً وإعداداً.
ومن هنا.. جاء إعلان بعض الأدوات الصريح، ممن رهنوا أنفسهم للعب دور الوسيط التدميري القاتل ليقول: «إن إسرائيل هي أملنا الأخير».. وقد تعدّى الأمر تلك الرؤية القديمة المتجددة التي بات يعرفها كلّ سوري، بأن معارضة الخمسة نجوم شكلت المظلة السوداء التي تصدّرت وسائل الإعلام بحثاً عن جغرافية التضليل المرتهن دورهم المشبوه لها، وقد استشعروا في ظل فيئها الدموي مدى الحاجة لحاضنتهم الحنون «إسرائيل»، وها هم يستجدون تدخّلها العسكري مباشرةً، ومن دون وسيط، أو مواربة، على الرغم من معرفة العالم أجمع بأنها كانت في المقدمة منذ أن بدأ الإرهاب العالمي ضرب البنية التحتية السورية، لأنه طابخها مع التحالفات التكفيرية ـ الصهيونية ـ الغربية التي تكالبت وأصابها ما أصابها من الهستيريا، من رياح المناخ السوري الدافئة على بوصلة انتخابات الرئاسة رغماً عن كل الأصوات الناعقة والمستهجنة لغة التشارك الإيجابية الداعية إلى سورية الديمقراطية الحقة.
أما لماذا أصبحت «إسرائيل» هي الملاذ الأخير؟ فالأمر محصور أولاً، في دولة عظمى كسر وزير خارجيتها أنفه، وهو يعتذر عما بدر منه أمام سيده الصهيوني، ما جعله يلعن الساعة التي نطق فيها بعبارة «فصل عنصري» تجاه «إسرائيل» ليعود ساحباً ذيل المفعول السياسي من لغة خطابه، معلناً الخضوع التام، وأنه تحت التصرف، طالباً العفو والمغفرة.. ولأن هذا الوزير لم يخدع أحداً يوماً بأنه كان ومازال ابن اللوبي الصهيوني، ومثله مواطنه ماكين، ومن تعاقب على سدّة الحكم في أمريكا، كما خدع صاحب تمثيلية دافوس العرب، عندما أدى دوراً مسرحياً في سيناريو كان معدّاً سلفاً ومرسوماً من ألفه إلى يائه... وها هو يطالب برضا «إسرائيل» الذي لم ينقطع قط، كعلاقاته التي شكّلت مع العملاء الحامل الإجرامي لكلّ العصابات التكفيرية التي دُفعت باتجاه الدولة السورية من حدود دولته، وجوارها، والإقليم عامة... فما سرّ «إسرائيل» الباتع يا تُرى!؟
هل هو لوبيّها الصهيوني الذي يتحكم بإدارة الاقتصاد، وصناعة رجال السياسة في العالم؟ أم هو مطبخ الماسونية العالمية المتخصّص بوضع خطط التقسيم الطائفي، والمذهبي، والجغرافي..الخ؟ أم هو تعاليم التلمود الحاكم؟ أم هو الخنوع العربي الذي مهّد الأرض لكل ما سبق؟ أم هو كل ذلك مجتمعاً؟!
ربما يبدو الحديث في هذا الأمر بدهياً، وتغيب في معانيه كلّ التجاذبات السياسية الهادفة إلى إرضاء «إسرائيل» أولاً وآخراً.
فلم يكن سراً في يوم من الأيام، أن «إسرائيل» هي الراعي الأوحد لكل مَنْ تمنطق بشماخ النفط، وسعى إلى لعب الدور نفسه الذي قام به أجداده وسلالته وقبيلته، وحتى عائلته في الدوران في فلك «الخيانة» مع العدو الأزلي المصنّف ماركةً مسجلةً تعلمتها الأجيال العربية، واتضح أن الزمان أخفى دورها، لكنه عاد لينقلب في دورته وعصره على أسر مالكة، فلم تعد تتمالك نفسها، لتعلن كاشفةً أن «إسرائيل» كانت ملاذها الأول وهي ملاذها الحالي، والأخير.. بعدما أعلنت سورية دولة الصمود والتصدي أنها أمُّ المقاومة وأبوها، وأنها حملت عن كاهل العرب والغرب، واستراتيجية العالم الجديد ما سيكتبه التاريخ في القادم من الأيام..
فهل هناك مَنْ سيدرك، أنه سيعيش وجوده ممتنّاً لمن كشف الديمقراطية السرطانية المدمّاة وكوى خلاياها الهائجة على أشلاء أبنائه؟!
وهل هناك مَنْ سيدرك أيضاً ما معنى أن تبدأ التحرّكات في معان الأردنية «جنوباً» بالذات، ولم تبدأ في عمّان مثلاً؟!
كل ذلك، يصب في مصلحة إقامة جدار عازل آخر لحماية «إسرائيل» مستقبلاً ويعطيها غطاء للسيطرة على منافذ البحر الأحمر المرشّح للعب الدور الشرير في المحيط الجيو ـ سياسي المقبل.
وفي تحليل الجغرافيا مع السياسة يفهم المرء سرّ «إسرائيل» الباتع!
بين دولتين: فاشلة ومؤجلة
بقلم: حسام عيتاني عن صحيفة الحياة اللندنية
تقدم حالة الانتظار التي يعيشها لبنان لوصول القوى المؤثرة الى توافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل، صورة اضافية عن حقيقة الأزمة العميقة التي تعصف بهذا البلد.
السياسيون اللبنانيون أصحاب الأصوات المرتفعة في الحديث عن السيادة والاستقلال والقرار الوطني، اكثر من يدرك مدى تبعيتهم للجهات الخارجية. وهم أول من يعلم صعوبة الاتفاق في ظل موازين القوى الحالية على اسم الرئيس الذي سُيطلب منه الالتزام بجدول اعمال متناقض الى حدود الانفجار. والحال ان ما من مرشح قادر على الوصول الى قصر بعبدا، لا بالقوى الذاتية لفريقه المحلي ولا بالمساندة التي قد يقدمها فريق خارجي واحد.
الأيام التي كان فيها قائد القوات البريطانية في الشرق او ممثل اجهزة الأمن المصرية والسورية، يفرض فيها رئيساً في لبنان، ولت الى غير رجعة. بيد أن المأساة تكمن في ان البديل هو وقوع لبنان وبالتالي كل الاستحقاقات السياسية فيه وأولها انتخاباته الرئاسية على تقاطعات مصالح وتوزانات دول متصارعة، وليس حصول لبنان على استقلاله السياسي كما يرغب بعضهم في الترويج.
ومن دون مبالغة، يمكن الجزم ان كل «الاتصالات والمشاروات والحوارات» التي يجريها السياسيون اللبنانيون بين بعضهم، ليست أكثر من اطلاع على ما يتوافر من قواسم مشتركة بين القوى الدولية والعربية المختلفة. الأهمية الضئيلة للبنان كساحة صراع بالوكالة، ترجئ الانتقال في البحث الجدي من العناوين العامة التي تتمسك بها الولايات المتحدة والسعودية وإيران وسورية، الى التفاصيل الكامنة تحت العناوين وأسماء المرشحين القادرين على الالتزام بتنفيذها.
واقع الأمر ان القوى الدولية لا تبالي كثيراً بما يجري في لبنان ما دام انه لا يتجاوز حداً ادنى من التماسك الأمني. انتشار «الدول الفاشلة» في المنطقة من الصومال الى سورية مروراً بالعراق واليمن، بات حقيقة تتعامل معها المجموعة الدولية كأمر واقع لن تبذل جهداً لاستيعابه الا بما يبعد الأخطار عنها. ولبنان لامس في العامين الماضيين حالة «الدولة الفاشلة» واقترب اكثر من مرة من الانهيار الأمني الكامل، ما أنقذه من مصير «صومالي» هي قلة اهتمام القوى الخارجية بفتح ساحة قتال جديدة تضاف الى الساحات الموجودة بالفعل في العراق وسورية وغيرهما. بكلمات ثانية، «لا أهمية لبنان» هي ما نجاه هذه الدورة من جحيم العنف الأهلي.
عليه، تبدو كل محاولة للاستحواذ على السيطرة السياسية الكاملة عليه، من اي طرف كان، بمثابة الاستفزاز الصريح للأطراف الأخرى ويشكل خروجاً على الاتفاق الضمني بتجاهل هذه الساحة ولو الى حين. ما يرفع مستوى الخطر هو اقدام طرف محلي على اساءة الحساب والاعتقاد بقدرته على المناورة بين القوى الكبيرة التي تمسك حقاً بخناق الجميع. عندها سيكون الخطأ هذا بمثابة استدعاء لعملية رادعة من الطرف المؤهل لقمع الآخرين اكثر من غيره.
من هنا، يظهر من يبرّر اللجوء الى «المرشح التوافقي» الذي سيحول دون حصول صدام مسلح او تشرذم لما تبقى من مؤسسات الدولة. والجميع يعلم ان أولى صفات المرشح ذاك هي افتقاره التام الى الصفات. سيكون مجرد شخص يملأ مقعد الرئاسة ويدير الآثار الداخلية للزلزال الذي يهز المنطقة منذ ثلاثة اعوام ونيف. والأسماء المستعدة للجلوس على مقعد الرئيس لا تنفي هذه الحقيقة بل تؤكد انها مرشحة انعدام الفعل وغيابه.
عليه تكون خيارات اللبنانيين محصورة بين «الدولة الفاشلة» و «الدولة المؤجلة». المشكلة الكبيرة هي ان كل تأجيل في علاج ازمة النظام اللبناني علاجاً جذرياً، هو خطوة اضافية في اتجاه الفشل العميم.
عيون وآذان (الكونغرس يظلم مصر)
بقلم: جهاد الخازن عن صحيفة الحياة اللندنية
تتلقى مصر مساعدة عسكرية أميركية بحدود 1.5 بليون دولار في السنة، مقابل ثلاثة بلايين دولار في السنة لإسرائيل، معها حوالى عشرة بلايين دولار من المساعدات المختلفة، حكومية وفردية، معفاة من الضرائب.
المساعدة لمصر هي جزء من المساعدات لإسرائيل، فهي ثمن توقيع مصر معاهدة السلام، وإذا خرجت مصر من المعاهدة فالمساعدة ستتوقف فوراً لأنها (مرة أخرى) لإسرائيل وليست لمصر.
الكونغرس الأميركي أوقف الآن مساعدة عسكرية لمصر قيمتها 650 مليون دولار بسبب أحكام الإعدام التي صدرت على مئات من أنصار الإخوان المسلمين «وانتهاك مريع للعدالة» وفق قول السيناتور باتريك ليهي، وهو ديموقراطي من ولاية فيرمونت قتل إرهابيون، وهو يتكلم، أبرياء من القاهرة الى شرم الشيخ، وأصرَّ على أن لا يراهم.
وهكذا فمجلس الشيوخ يقرّ دفع بلايين الدولارات لدولة من ستة ملايين محتلّ، ويمنع المساعدة عن مصر وفيها 90 مليون نسمة. المقارنة لا تنتهي عند أرقام السكان فإسرائيل دولة عنصرية تقتل وتحتل وتدمر، ولها الرقم القياسي في القرارات التي تدينها في مجلس الأمن الدولي، ومصر لم تحتل أو تقتل أو تدمر وليست متهمة بجرائم حرب، ولا توجد قرارات دولية تأمرها بالخروج من هذا البلد أو ذاك.
الكونغرس الأميركي، بمجلسي النواب والشيوخ، يستحق وقفة، ففيه بعض أفضل السياسيين في أميركا والعالم، أعضاء يريدون مصلحة بلادهم ولكن ليس على حساب مصالح الآخرين ويطلبون الخير لكل الناس. كما فيه أعضاء من أسفل أهل الأرض، اشتراهم لوبي اسرائيل بالمال ووضعهم في جيبه، وهم يقدمون مصلحة اسرائيل على المصلحة الأميركية دائماً، وإلى درجة أن هؤلاء الأعضاء بعد الأزمة المالية الخانقة التي أطلقتها إدارة بوش الابن بحروبها المدمِّرة الخاسرة أصدروا بياناً يسمح للدولة بالتوفير في الإنفاق حيث تريد شرط ألا تمسّ المساعدات لإسرائيل، بكلام آخر، هؤلاء الأعضاء لا يمانعون أن يُحرَم مواطن أميركي فقير من مساعدات لإطعام أسرته، أو للطبابة، إلا أنهم يصرون على أن تُخطف المساعدات الأميركية من فم الفقير الأميركي لتصل الى إسرائيل وهي لا تحتاج الى مساعدة أصلاً.
مَنْ يؤيد وقف المساعدة لمصر مع السيناتور ليهي؟ قرأت اسم السيناتور ليندسي غراهام ما يعني أن السيناتور جون ماكين له الموقف نفسه. وهذان العضوان أيّدا كل حرب على العرب والمسلمين، بما فيها الحرب على العراق، ولا يزالان يؤيدان حروباً نكبت الاقتصاد الأميركي. هما أعداء العرب والمسلمين.
بين المؤيدين أيضاً «مجلس تحرير نيويورك تايمز»، وهذا يضم بعض غلاة الليكوديين من أنصار اسرائيل، فهو يرى أن الولايات المتحدة تساعد الفوضى في مصر بمساعدة «الحكم العسكري».
طبعاً هو حكم مدني انتقالي ورئيس الجمهورية كان رئيس المحكمة الدستورية العليا، أي أنه لا يوجد أحد في مصر أو حولها أكثر خبرة منه بالقانون وممارسته. الأحكام بالإعدام لن تنفذ. هذا مستحيل. هي مجرد محاولة لتخويف الإرهابيين وجعلهم يتوقفون عن قتل المصريين، إلا أن أنصار اسرائيل لا يرون الإرهاب ضد شعب مصر وإنما يرون الرد عليه.
الكونغرس ومجلس التحرير في هذه الجريدة أو تلك من عصابة اسرائيل ربما يفضل أن يعود الإخوان المسلمون الى الحكم فهم نكبوا مصر في سنة وحيدة لهم في الحكم وخرجوا ليمارسوا الإرهاب، وأنصار اسرائيل يريدون أن تخرب مصر لتخرب الأمة معها وبعدها، وتنتقل اسرائيل من احتلال فلسطين كلها الى مشروع دولة من الفرات الى النيل لم توجد يوماً ولن توجد.
مصر والدول العربية التي تريد مساعدة الأشقاء في مصر قادرة على أن تعاقب الولايات المتحدة وأن تجعلها تدفع مع اسرائيل ثمن ممارسات حكومة إرهابية في اسرائيل تقتل النساء والأطفال بسلاح أميركي وبحماية الفيتو في مجلس الأمن.
غداً ستعود مصر قوية وقائدة وهي تعرف العدو كما تعرف الصديق.
مسؤولية الإخوان
بقلم: محمد سلماوي عن صحيفة المصري اليوم
كل حديث واشنطن عن حرب مصر ضد الإرهاب وضرورة دعمها فى هذه الحرب إنما ينصب على ما يحدث فى سيناء ولا يتخطى حدود شبه الجزيرة إلى ما يعانى منه المواطنون داخل البلاد من تفجيرات وأعمال عنف أودت حتى الآن بحياة أضعاف عدد من استشهدوا فى سيناء.
ومثل هذه التفرقة التعسفية تريح أصحابها الذين لم يتخلوا، حتى الآن، عن دعمهم لجماعة الإخوان بعد أن وصلوا معها إلى اتفاقات، خلال فترة حكمها القصيرة، أهم وأبعد أثراً مما وصلوا إليه خلال 30 عاماً من الحكم السابق عليها.
فما يحدث فى سيناء ــ وفق هذا التصور ــ هو إرهاب تقوم به جماعات جهادية غير الإخوان، أما ما يحدث من إرهاب فى الوادى فلا علاقة للإخوان به، والقول الأبله الذى يواجهوننا به هو أنه ليس هناك دليل واضح على أن الإخوان هم المسؤولون عن تلك العمليات الإرهابية (!!)
والحقيقة أن مثل هذا الحديث لا يتفق من قريب أو بعيد مع الأعراف القضائية، فهناك قرائن قد تكون أشد إدانة للمتهم من الدلائل، ثم إن هناك السؤال الذى يحدد هوية الجانى فى أى جريمة وهو: من المستفيد؟ والحقيقة أن المستفيد من كل الجرائم الإرهابية التى نشهدها الآن هو الإخوان وحدهم ولا أحد غيرهم. فحتى الجرائم التى تعلن بعض التنظيمات الأخرى مسؤوليتها عنها لا تفيد أحداً غير الإخوان الذين يريدون وقف اكتمال خريطة المستقبل والعودة إلى حكمهم الذى أسقطه الشعب، وليقل لى أحد ما هى مشكلة جماعة تدعى أن هدفها هو تحرير بيت المقدس مع الشعب المصرى؟ ولماذا تستهدف أبناءه ومنشآته العامة بدلاً من استهداف الاحتلال الصهيونى لبيت المقدس؟ وما هى مشكلة ذلك التنظيم الإرهابى الآخر الذى أنشئ فى ليبيا والذى يتسمى باسم جنودنا الأبرار، بينما هو يستهدف أرواحهم؟
ثم قبل ذلك كله وبعده، ألم يقف أحد قيادات الإخوان أمام كاميرات الإعلان ليعلن أمام العالم أجمع أن ما يجرى فى سيناء سيتوقف فى ذات اللحظة التى يعود فيها مرسى إلى الحكم؟ فماذا نريد بعد ذلك من قرائن وأدلة؟
إن علاقتنا مع الدول التى مازالت تدعم الإرهاب لن تنصلح قبل أن تعترف هذه الدول بمسؤولية الإخوان عن مخطط سفك الدماء الذى تشهده البلاد الآن فى جميع أنحائها، وليس فى سيناء وحدها، فعندئذ فقط تكون قد اعترفت بإرادة الشعب المصرى الذى يرى أنها تناصبه العداء بمحاولة تبرئة قاتليه من جرمهم.
حديث المصالحة العربية
بقلم: د. أحمد عبد الملك عن صحيفة الشرق الأوسط
في مقدمة لكتاب «الجامعة العربية.. قضايا وتحديات» الذي أصدرته وكالة الأنباء الكويتية بمناسبة عقد القمة العربية - الدورة 25 - بالكويت في مارس (آذار) الماضي، تحدث الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية حول رؤيته لتطوير منظومة جامعة الدول العربية والعمل المشترك. وقال إن هناك وثيقتين مهمتين لإحداث التغيير والإصلاح في الدول العربية هما «بيان مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي»، و«وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية». وصدرت الوثيقتان ضمن قرارات القمة العربية في تونس عام 2004. ولقد «أكدت الوثيقتان على ضرورة مواصلة خطوات الإصلاح الشامل، التي بدأتها الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وتعزيز روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان، وفقا للميثاق العربي لحقوق الإنسان، ومختلف العهود والمواثيق الدولية، وتعزيز دور المرأة العربية في بناء المجتمع، وإرساء التعامل الاقتصادي للتمكن من المشاركة الفاعلة في الاقتصاد العالمي، وبناء الحضارة الإنسانية على أسس من التفاهم والتسامح والحوار»!
كلام لا يعلى عليه.. جميل ومنمق وآفاقه تلامس عنان السماء!! لكننا للأسف على الأرض، ونلامس واقعنا العربي لحظة بلحظة، وأعتقد أن أولى خطوات تطوير العمل العربي المشترك أن نوجه أنفسنا بضرورة المكاشفة وعدم المجاملة - كما يفعل الأوروبيون في اجتماعات الاتحاد الأوروبي - وأن نضع النقاط فوق الحروف، فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية. ولقد مرت عشر سنوات منذ قمة تونس 2004، ولم تُفعّل هاتان الوثيقتان بين الدول العربية، خصوصا بعد مخاضات وفوضى «الربيع العربي» التي شطرت العالم العربي أكثر، والنزوع نحو الانقضاض على السلطة بشكل أو بآخر. عشر سنوات لم تستطع الجامعة العربية تحقيق مشروع عربي واحد، بل إن تداعيات «الربيع العربي» قد أضرت بالعلاقات بين الدول العربية، وأحدثت تراجعات في الرؤى، ولا أدل على ذلك من أن العرب لم يتفقوا على منْ يجلس على كرسي سوريا في قمة الكويت الأخيرة، في حين كان وفد الائتلاف والثورة السورية يجلس على ذات الكرسي في قمة الدوحة! وهذا مثال بسيط على تشتت الرأي العربي وانقسامه نتيجة عدم الاهتمام بالوثيقة التي تحدث عنها د. نبيل العربي، وهي «وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية»، بل إن الأحداث الأخيرة أفرزت «المحاور» والتكتلات التي ناقضت تلك الوثيقة وجعلتها حبرا على ورق.
فالعراق - حكومة المالكي - يغرد على وتره الطائفي، ويرفض الوحدة الوطنية، ومئات القتلى يسقطون، وحوادث الرعب لا تتوقف. وسوريا مغلولة اليد فيما يتعلق بالتضامن العربي، مطلقة اليد - عبر حكومة بشار الأسد - فيما يتعلق بقذف البراميل المتفجرة وتهجير ملايين المواطنين من بيوتهم. واليمن يعاني التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني، والسودان ما زال تضرب فيه الانشقاقات هنا وهناك، وليبيا نشبت في أنياب القبيلة بعد الإطاحة بـ«القذافي»، وتونس أيضا ما زالت تتلمس الطريق نحو الدستور والدولة المدنية، ولبنان يعاني السيارات المفخخة هنا وهناك، ودول الخليج العربية لها شؤونها الخاصة فيما يتعلق بخطوات الإصلاح والتنمية، ومواجهة تداعيات «الربيع العربي»، وخطر انفراط عقد مجلس التعاون، والموقف من دول الجوار، والاتفاق على مبادئ حقوق الإنسان، كما حوتها الوثيقتان اللتان أشار إليهما الأمين العام لجامعة الدول العربية.
أما قضية «روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان»، فلا بد لنا من عدم التحليق في سماء الأماني، لأن واقع الدول العربية - على مدى ستين عاما - لم يختلف حتى اليوم، وإن اختلفت أسماء الدول، إذ لم تفلح المؤسسات المدنية والنقابات والجمعيات في خلق حالة اتفاق حول مفاهيم المجتمع المدني، في حين هيمنت بعض الدول على تلك المؤسسات والجمعيات بقصد إدارتها حسبما تريد، وكل دولة تشكل مفهوم المجتمع المدني حسب ظروفها، وبما يعزز بقاء السلطة إلى الأبد. وإذا كانت التشريعات المحلية في كثير من الأقطار العربية لا يجري تطبيقها في تحقيق العدل والمساواة والكرامة وحرية التعبير - كما تقر بذلك المواثيق الدولية - فإن جامعة الدول العربية لو وضعت ألف وثيقة للعهد والتضامن، فلن تستطيع تحقيق ذلك بين 22 دولة! كل واحدة منها لها ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والفكرية.
لا نريد أن نكون ضمن فريق جالدي الذات، لكن الذهنية العربية كما تعودت نبذ الآخر، وعدم الاعتراف به في أدبياتها التاريخية والشعرية - فإنها أيضا ما زالت تنبذ الآخر «العربي»، وتمارس معه نفس النظرية والرؤية، وتعتقد كل دولة بالأحقية والأسبقية و«النقاء العرقي والفكري»، وهذه إشكالية كبرى لا أعتقد أن جامعة الدول العربية قادرة على حلها.
انتخابات في ظلال «الهواجس»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
أربع دول عربية رئيسة، شهدت أو هي في طريقها لأن تشهد، انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة: الجزائر والعراق، مصر وسوريا ... أما القاسم المشترك الأعظم بين هذه الانتخابات، فيتجلى في كونها تجري تحت ظلال الهواجس والمخاوف ... هواجس المواطنين من عودة الديكتاتورية، ومخاوفهم من ظواهر العنف والإرهاب والتطرف الإسلاموي.
في الجزائر، بدا المشهد شديد الإعياء ... الشعب ينتخب رئيساً على كرسي متحرك، لم يظهر في حملة انتخابية، وهو بالكاد تمكن من إلقاء خطاب القسم القصير للغاية ... ومع ان الأعمار بيد الله، ونتمنى للرئيس الجزائري عمراً مديداً بتمام الصحة والعافية، إلا أن أحداً من الذين انتخبوا عبد العزيز بوتفليقة، لم تكن لديه الثقة أبداً، بأن الرجل سيكمل ولايته الدستورية الرابعة ... الجزائريون يعرفون من يقف خلف الرئيس، ومن يحكم البلاد تحت صورته ويافطته، لكنهم آثروا “الاستمرار/ الاستقرار” على المقامرة بالتغيير، ودائماً تحت هاجس “العشرية السوداء”، وخطر عودة الإرهاب المتدثر بلبوس إسلامي كريه ... انتخابات الجزائر، بكل المعايير، لا يمكن اعتبارها خطوة للأمام، هي مراوحة حول الذات في أحسن الأحوال، والمرجح أنها خطوة للوراء.
في العراق، حيث النظام البرلماني يعطي رئيس الحكومة صلاحيات رئاسية كاملة، جرت الانتخابات في ظلال هاجسين اثنين، ليسا مختلفين عن هواجس الناخبين في الجزائر ومخاوفهم ... الهاجس الأول، عودة الرئيس نوري المالكي لولاية ثالثة، يستكمل خلالها إحكام قبضته على السلطة والثروة، وبالضد من إرادة الأكراد وبقية الشيعة ومعظم العرب السنة ... أما الهاجس الثاني، فيعيشه العراقيون واقعاً يومياً، مجللاً بالدماء والأشلاء وغبار العمليات الانتحارية ... العراقيون على ما يبدو، منحوا المالكي وقائمته، مكان الصدارة، وربما بعدد أكبر من المقاعد عن تلك التي حظي بها في انتخابات 2010، ودائماً تحت ضغط الخوف من التغيير، والخشية من انفلات الأوضاع الأمنية، مع أن العراقيين غير آمنين في بيوتهم وأماكن عملهم، ومعدل قتلاهم شهرياً يراوح ما بين 750 إلى 1000 قتيل، وأضعافهم من الجرحى والمصابين.
في مصر، ستجري الانتخابات قبل نهاية الشهر الجاري ... النتيجة النهائية معروفة سلفاً، الجنرال السيسي سيأتي على جناح أغلبية شعبية واسعة ... هاجس الإرهاب والأصولية الجهادية و”الإخوان” يقض مضاجع الناخبين المصريين، أو كثرة كاثرة منهم ... سيعطون أصواتهم للسيسي، مع علمهم المسبق، أن مصر سائرة نحو الديكتاتورية وإعادة انتاج نظام مبارك القديم بحلّة جديدة، لكنهم مع ذلك سيختارون الاستقرار مع الديكتاتورية على الديمقراطية مع استمرار القتل والتفجيرات والفوضى ... مع أن الديكتاتورية لم تجلب أمناً ولا استقراراً على المديين المتوسط والطويل، بل هي باعث على الفوضى والخراب والعنف الأهلي والمجتمعي... المصريون قرروا “تجريب المجرب” على ما يبدو، وهذا ما سنراه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما سوريا، فتلكم حكاية أخرى ... كثرة كاثرة من المرشحين سيخوضون غمار الانتخابات، أو بالأحرى غمار الترشيح، واحد أو اثنان منهم فقط، وعلى أبعد تقدير، سيتمكن من توفير شروط الترشيح القاسية ... الأسد عائد لولاية ثالثة، وعائد بقوة، والأرجح بأغلبية مريحة، لن تكون 99.99 بالمائة على طريقة الاستفتاءات السورية المعروفة، لكنها أغلبية مريحة، وقد تكون حقيقية بالمناسبة، بمعنى انتفاء الحاجة للتزوير لانتفاء المنافسة الجادة والجدية ... وقد تكون حقيقية أيضاً بمعنى أنها تعكس رغبة السوريين في استعادة “يومياتهم القديمة”، واسترداد أمنهم وأمانهم ... لكنها ليست الانتخابات التي تؤشر إلى ولوج سوريا عتبات التغيير والحرية والديمقراطية ... هذه القيم والمبادئ، لن تكون أبداً من مخرجات الانتخابات الرئاسية القادمة ... كما أن الانتخابات بذاتها، لن تكون علامة فارقة على طريق حل الأزمة السورية، بل تفصيلاً ثانوياً، لن يقدم ولن يؤخر.
في العام 2007، نظم مركز القدس للدراسات السياسية مؤتمراً قومياً حول نتائج “موجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية” التي كانت اجتاحت الدول العربية قبل سنوات ثلاث من اندلاع شرارات “الربيع العربي”، يومها حمل المؤتمر عنواناً يليق بتلك الانتخابات: “الانتخابات في العالم العربي ... خطوة للأمام أم خطوة للوراء” ... وأحسب أن المركز سينظم هذا العام أو العام المقبل، مؤتمراً مماثلاً، وربما تحت العنوان ذاته ... فالانتخابات في العالم العربي، عادت لتأدية وظيفتها القديمة: تجميل الصورة القبيحة لنظمنا السياسية، وهي غالباً ما تكون خطوة للوراء، أو مراوحة في نفس المكان ... وقلة هي الدول العربية، التي تشكل انتخاباتها خطوة للأمام، لكأن قطار الربيع العربي لم يمر بعواصمنا.
أميركا والشرق الأوسط: البحث عن الطريق في بحر الظلمات
بقلم: تركي الحمد عن صحيفة العرب اللندنية
'الفوضى الخلاقة' التي زرعها بوش في الشرق الأوسط خاصة، أملا في تغيير أميركي مخطط له، قد تحولت إلى مجرد 'فوضى'، وعواصف من غبار دقيق، لا أحد يمكن له أن يتكهن بخاتمته.
مرّ حين من الدهر ظنت فيه الولايات المتحدة، وخاصة بعد سقوط اتحاد السوفييت الاشتراكي و” نهاية التاريخ”، أنها قد أصبحت سيدة العالم بلا منازع، وكان لها كل المبرر في اعتقاد ذلك، وبدأت من ثمة تسعى لإعادة تشكيل هذا العالم وفقا لمصالحها والخطوط الاستراتيجية المستقبلية للسياسة الأميركية مع الأمم، مع ثقة مفرطة في النفس بالقدرة على إعادة تشكيل هذا العالم، وشعورا “بواجب” إعادة التشكيل بما يتلاءم وكون الولايات المتحدة قد أصبحت محور النظام الدولي الجديد، ورُحى العولمة بكل تجلياتها الاقتصادية والثقافية.
وقد تعزز هذا الإحساس في أعقاب أحداث سبتمبر (11/9 /2001)، التي تشكل مفترق طرق هام في التاريخ الأميركي والسياسة الخارجية الأميركية، مثلها مثل يوم الاستقلال (4/7 /1776)، الذي أخرج للعالم الدولة الأميركية، ويوم بداية الحرب الأهلية (12/4 /1861)، التي انتهت بالوحدة الأميركية، ويوم الهجوم على ” بيرل هاربر” (7/12 /1941)، الذي كان بداية صعود أميركا كقوة عالمية عظمى. ففي أعقاب سبتمبر، كان من الواضح أن الولايات المتحدة قد قررت أن تبني ”الباكس أميركانا”، أو السلم العالمي وفق النظرة الأميركية، منفردة بشكل شبه مطلق، واعتمادا على جهودها الذاتية الخاصة، خاصة بعد أن بينت معارك أفغانستان والعراق أن دور حلفاء أميركا المفترضين، وخاصة من الأوروبيين، دور محدود، وأنهم من المتخلفين في تقنية السلاح وغيرها من تقنيات العصر، مقارنة بالقدرات الأميركية في هذا المجال، بالإضافة إلى التمرد الأوروبي المتزايد لمخططات السياسة الخارجية الأميركية، وهو ما شجع الولايات المتحدة على غزو العراق منفردة مثلا دون الحاجة إلى مثل هؤلاء الحلفاء، وحتى دون الحاجة إلى غطاء من الشرعية الدولية، فهي اليوم تبني شرعيتها الخاصة التي قدرت أنها ستكون ذات يوم هي حجر الزاوية في السلم العالمي، طالما أنه ليس هناك من منافس لها في مجال القوة بعناصرها المتعددة، والقوة في خاتمة الأمر وأوّله هي لب السياسة.
السيطرة على الشرق الأوسط
منذ أحداث سبتمبر، كان واضحا أن هنالك تركيزا أميركيا واضحا على منطقة الشرق لأوسط (معظم دول العرب+ إيران وباكستان وأفغانستان)، وخاصة مع تحكم اليمين ”التوراتي” الأميركي بمفاتيح القرار في واشنطن آنذاك، فقد بدا أن الاستراتيجية الأميركية تقوم على أساس إحداث تغيير شامل وجذري في هذه المنطقة، سواء من ناحية تغيير سياسي لأنظمة الحكم، وهو ما رأينا نتائجه واقعا في انتفاضات الربيع العربي الشعبية، أو في الخريطة الجيوسياسية، وهو ما قد نراه يتجسد واقعا لاحقا في العراق وسوريا وحتى اليمن رغم الإجراءات التصحيحية الأخيرة في شكل الدولة اليمنية، حيث شبح التقسيم يلوح في الأفق.
فالإدارة الأميركية، وخاصة في مرحلة ما بعد سبتمبر، ووفق هذا المنظور الشامل، تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط على أنها المنطقة الأكثر اضطرابا في العالم، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، وهو أمر لا مشاحة فيه حقيقة، فهي، وكما وصفها هنري كيسنجر وغيره، منطقة تنتمي إلى أوروبا ما قبل وستفاليا (معاهدة وستفاليا عام 1648)، في علاقاتها وأهدافها ومحركات سلوكها، سواء في الداخل أو الخارج على السواء. فهذه المنطقة هي الأكثر تهديدا لاستقرار النظام الدولي الجديد، من حيث توطُّن ثقافات معادية للمعاصرة والعولمة والحداثة الثقافية، ومن ثمة الغرب وأميركا، في مجتمعاتها ودولها، بالإضافة إلى ثروات طبيعية تمكّنت خلالها هذه الثقافات من الرسوخ والانتشار، بدل الذبول والاضمحلال، كما حدث في مناطق أخرى من العالم. تلك الثقافات هي التي أفرزت أحداث سبتمبر في النهاية، وتلك الثروات هي التي موّلت ذات الأحداث في الخاتمة، في تحالف غير مقدس بين المال والهلال، وفق الرؤية الأميركية.
وفي هذه المنطقة المضطربة من كل النواحي تقبع إسرائيل، والتي هي ليست مجرد حليف استراتيجي للولايات المتحدة، بقدر ما أنها امتداد وتجسد ثقافي وسياسي للولايات المتحدة والعقل الغربي بشكل عام، في مشرق معاد لهذه الثقافة وذاك العقل. وفي هذه المنطقة يقبع ما يقارب السبعين في المئة من احتياطيات نفط العالم، عصب الحركة في عالم اليوم حتى يتم اكتشاف بديل أكثر عملية.
ولذلك فإن السيطرة على هذه المنطقة هو من أولويات تكوين الإمبراطورية الأميركية الجديدة، ليس بالضرورة سيطرة عسكرية، فهذه المسألة قد تكون الأقل أهمية والأبعد احتمالا، في ضبابية الوضع الأميركي مع بداية العقد الثاني من القرن الجديد، ولكن بربط هذه المنطقة بالعالم المحيط ثقافيا في المقام الأول، أو حتى إجبارها على المعاصرة والدخول في ثقافة العولمة وآلياتها، ومن هنا ندرك مغزى وأهمية المشروع الأميركي في “دمقرطة” هذه المنطقة من العالم، من خلال خلق حالة من ”الفوضى الخلاقة“، التي قد تنتج عنها تلك المعادلة الصعبة: نخب سياسية حاكمة أقرب إلى التعاون مع الولايات المتحدة من ناحية، وأقرب إلى الثقافة السياسية السائدة في المنطقة، أو حتى جزء من نسيجها، من ناحية أخرى، وهو ما رأينا الكثير منه يتحقق في بدايات انتفاضات ”الربيع العربي“، وما أفرزته من نخب سياسية ”إسلامية الراية“، “براغماتية ” السلوك، أميركية الدعم. لذلك، فإن التغيير المنشود، وفق المخطط الأوّلي، هو إعادة تشكيل الأنظمة السياسية والثقافية في المنطقة، أو ربما حتى إعادة رسم الخريطة السياسية بما يكفل زرع أنظمة سياسية متحالفة مع الراعي الأميركي، ومحاولة زرع ثقافة سياسية جديدة مهادنة لا تفرز إرهابا ولا تهديدا للنظام الدولي الجديد الذي تحاول أميركا أن تبنيه، وغير متصادمة مع الثقافة السائدة. إيران وسوريا ومصر والسعودية واليمن، كانت كلها مرشحة لأن تكون محل فعل أميركي معين بعد الانتهاء من غزو العراق، وتحويله إلى قاعدة تنطلق منها عمليات التغيير، إذ وكما يلخص محلل سياسي المسألة (لورينت مورويك)، فإن: ” العراق هدف تكتيكي، والسعودية هدف استراتيجي، ومصر هي الجائزة”.
العلاقة مع السعودية
بالنسبة إلى السعودية مثلا، فرغم أنها حليف تاريخي للولايات المتحدة، إلا أن أحداث سبتمبر جعلت الأميركيين ينظرون بقلق إلى الثقافة السعودية السائدة، أو لنقل الإيديولوجيا الوهابية تحديدا، وخاصة بعد أن طُعّمت بأفكار سياسية جديدة، في أغلبها إخوانية المحتوى والمنشأ، فتحولت من السلفية التقليدية إلى سلفية جهادية مقاتلة، والتي يعتقد الأميركيون وغيرهم أنها هي الحاضن الفكري لتيارات العنف الإسلاموي في عالم اليوم، والأم التي رضع هؤلاء لبن الإرهاب الفكري من ثديها، بالإضافة إلى الدور التمويلي السعودي (الرسمي بشكل غير مباشر أو مقصود، وغير الرسمي بشكل مباشر)، وفق التصور الأميركي. وعلى ذلك، فإن السعودية، ووفقا لسيناريوهات متعددة طُرحت، أو لنقل سُرّبت من خلال وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، كانت تُشكل هدفا محتملا من الأهداف الاستراتيجية لليمين الأميركي، من حيث إعادة صياغتها حتى جغرافيا إن لزم الأمر، وهو سيناريو بعيد الاحتمال حاليا ولكنه ليس مستحيلا، والحصيف هو من يأخذ كافة الاحتمالات في الحسبان في أية حال، أو إعادة صياغتها ثقافيا وسياسيا، أو في تحجيم دورها الإقليمي والتقليل من أهميتها الاستراتيجية لأميركا في أحسن الأحوال، وهو ما رأينا بوادره في التقارب الأميركي مع إيران، والدور الإقليمي الجديد المسنود إلى دولة قطر، والتخلي عن العراق لصالح إيران، ورفع اليد عن سوريا، بحيث تنشغل السعودية بنفسها من خلال هذه التطورات الإقليمية وانعكاساتها على الداخل السعودي، مما قد يدفع السعودية إلى تغييرات داخلية جذرية أو تفقد مكانتها الإقليمية بشكل كامل، بغض النظر عن تلك العلاقة التاريخية التي تربط السعودية بالولايات المتحدة. فمهما قيل عن تلك العلاقة التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، فإن ذلك لن يمنع الولايات المتحدة من السير في تحقيق استراتيجيتها الجديدة احتراما لعلاقة تاريخية ”كانت” مفيدة في ظروف مختلفة، فالسياسة في النهاية لا تعرف صديقا دائما ولا عدوا دائما، وأميركا لا يهمّها في النهاية من هو القابض على زمام الأمور، الشاه أو الخميني مثلا، بقدر ما يهمّها في أي اتجاه يمد يده.
العالم الأميركي
لم تكن الولايات المتحدة حقيقة تهتم كثيرا بالأوضاع الداخلية لأية دولة قبل سبتمبر، ولم تكن تهتم إطلاقا بمثل هذا الأمر قبل انهيار الكتلة الشرقية، إلا في حالات نادرة يكون التدخل فيها ملحا، كجزء من الحرب الباردة، بدعم لهذا النظام كي لا يسقط في أحضان الشيوعية، أو إسقاط لذاك النظام بعد أن تحالف مع الشيوعية، أو بدا أنه كذلك (مثلا: إيران 1953، غواتيمالا 1954، 1963، الدومنيكان 1963، 1965، البرازيل 1965، شيلي 1973، وبنما 1989). ولكن بعد سبتمبر، لم يعد الفصل بين الأوضاع الداخلية لأية دولة وسياستها الخارجية أمرا واردا في المنظور الأميركي.
كان واضحا منذ سقوط الكتلة الشرقية أن أميركا سوف تسعى لجعل العالم “عالما جديدا“، أي عالما أميركيا، وتسارع ذلك المنحى بعد سبتمبر. ولكن المشكلة أن الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط، والعربية منها على وجه التحديد، لم تدرك هذا المنحنى الجديد في السياسة الخارجية الأميركية، أو أنها تجاهلته، واستمرت في التعامل مع الولايات المتحدة وفق المنطق القديم، أي منطق الحرب الباردة المنهار وتحالفاته مع انهيار الاتحاد السوفيتي وبرجي التجارة في نيويورك لاحقا، فكان أن فوجئت أنظمة مصر مبارك، وتونس بن علي، وليبيا القذافي، ويمن صالح، بالموقف الأميركي من الانتفاضات الشعبية مع دخول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بل وتبنّي الولايات المتحدة لنخب وتنظيمات سياسية كان يبدو ظاهرا أنها أبعد ما تكون عن التحالف مع أميركا، ”عدوة الإسلام“، و”الشيطان الأكبر”، وفق تصنيفات متعددة للعم سام.
فالسياسة لا تعرف الثبات، وهذا ما أغفله أو تجاهله كثير من الساسة في المنطقة، والبعض لا زال يتجاهل ذلك رغم كل ما مر بالمنطقة من حوادث، وكان عليهم أن يعيدوا حساباتهم في مثل هذه المسألة. فإذا كانت مسؤولية الولايات المتحدة، بصفتها القوة الوحيدة في عالم اليوم، أن لا تفرض سياساتها ورؤاها بقوة البندقية، فقد كان، وما زال، على بقية دول العالم، ودول منطقة الشرق الأوسط تحديدا، مسؤولية أن تعيد حساباتها من جديد بما يخدم شعوبها ومجتمعاتها وإنسانها واستقرار أنظمتها السياسية، وأن لا تصبح نشازا في عالم يكاد يكون واحدا، إن لم يكن قد أصبح بعد. بذلك فقط يمكن تجنب النتائج الكارثية لسياسات المتوترين على اختلاف أنواعهم واختلاف أصقاعهم. وبذلك فقط يمكن أن نسهم في بناء عالم تسوده كل القيم التي لا يكون الإنسان إنسانا بدونها.
كان ذلك التحول في السياسة الأميركية، أي في محاولة بناء إمبراطورية أميركية عالمية ولو بالقوة، يثير تساؤلات حول المستقبل، سواء بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، أو بالنسبة إلى مستقبل أميركا نفسها. فمن ناحية الشرق الأوسط، يمكن القول إن هذه المنطقة بالفعل تحتاج إلى تغيرات جذرية من أجل أن تتواءم مع عالم اليوم، ولكن كل ذلك مهدد بأن يتحول إلى نقيضه فيما لو بقيت سياسة العصا الغليظة دائما هي الخيار، كما كان الأمر أيام إدارة جورج بوش الابن.
فخيار سياسة العصا الغليظة فقط، سيؤدي في النهاية إلى سيطرة القوى المتطرفة على مقاليد الأمور في المنطقة، سواء بالحكم المباشر أو عن طريق زعزعة الاستقرار، مع ما في ذلك من تهديد لأمن واستقرار العالم كله. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة نفسها، فإن تبني الخيار العسكري على امتداد العالم، يعني بداية النهاية للقوة الأميركية، أو لنقل انهيار الإمبراطورية الأميركية.
فقد يكون الخيار العسكري محدودا أول الأمر، ولكنه يستشري بعد ذلك بوتيرة متصاعدة، وذلك كما السرطان تماما. فللحفاظ على المكتسبات التي حُقّقت بواسطة العسكر، يجب بقاء العسكر، وهذا العامل هو من أهم العوامل التي أدت إلى انهيار الإمبراطوريات العالمية عبر التاريخ، مثل الرومان والعثمانيين وبريطانيا وبقية دول الاستعمار القديم. التحول إلى إمبراطورية عالمية هو قمّة القوة بالنسبة إلى دولة ما، ولكنه بداية السقوط من ناحية أخرى، إذ لا شيء بعد القمة إلا الانحدار. وقد كان الرئيس بوش وإدارته من ” التوراتيين” يغامرون بأمن العالم وازدهار المجتمع الأميركي والقوة الأميركية، حين يكون خيار القوة هو الخيار الأوحد.
الفوضى الخلاقة
باستطاعة أميركا أن تحقق ما تريد من خلال جاذبية نموذج ”الحلم الأميركي“، ومن خلال ترك آليات العولمة تقوم بدورها. عالم اليوم المتداخل والمتشابك لا يحتاج إلى رجال مثل تشرشل وبقية دهاة الاستعمار القديم والحرب الباردة، بقدر ما يحتاج إلى عمل جماعي يساعد الشعوب على مساعدة نفسها لا تأديبها أو فرض ما يراد منها بالقوة.
مع مجيء باراك أوباما و”جلوسه” على ”عرش” البيت الأبيض، كان واضحا أن سياسة القوة المفرطة والمتعسفة، وتكاليفها الباهظة، قد بدأت تُنهك أميركا، وخاصة مع بداية المحاولات الروسية لاستعادة المجد القيصري والسوفييتي السابق، فقام الرئيس الجديد بحركة التفاف معاكسة U-TURN إن صح التعبير، على سياسة المحافظين الجدد، فتخلى عن سياسة القوة والعصا الغليظة بشكل شبه كامل، وبدأت الانسحابات العسكرية الأميركية من كل مكان دخلته القوات الأميركية خلال أيام تلك الإدارة، وتركت تلك البلاد لمصيرها الغامض، بعد ترك ”الفوضى الخلاقة” دون تنظيم، بل إنه كان واضحا أن الإدارة الجديدة تميل إلى عدم التدخل في الشؤون العالمية وتركها لتطورات الأيام الغامضة كي تحلها، فالاقتصاد الأميركي لم يعد يتحمل تكاليف “الإمبراطورية الرومانية الجديدة“، وخاصة مع بداية العودة ”للإمبراطورية الفارسية الجديدة“، والشعب الأميركي قد سئم من التدخل الأميركي العسكري في شؤون العالم، وبالتالي فقد توافقت حسابات الحقل مع حسابات البيدر هنا: المتطلبات الأميركية الداخلية وسياسة أوباما المنكمشة، أو حتى الانعزالية، مما يُعيد إلى الأذهان مبدأ العزلة الذي تبناه الرئيس الخامس للولايات المتحدة ”جيمس مونرو” (1758-1831)، ولكن الظرف غير الظرف. صحيح أن مبدأ ”القوة الغاشمة“، وسياسة العصا الغليظة قد كبدت أميركا الكثير، اقتصاديا ومعنويا، ولكن سياسة العزلة والتردد والنأي شبه الكامل بالنفس عن صراعات العالم، كما هو الموقف الأميركي من أحداث سوريا وأوكرانيا مثلا، سوف يكون له أثر سلبي كبير على موقع أميركا في سلّم القوى العالمي، وخاصة وأن هنالك كثيرا من المنافسين الذين يتحينون الفرصة لتحسين مواقعهم على هذا السلّم، وليست روسيا أو الصين إلا دولتان ضمن آخرين متحفزين.
ربما كان لسان حال الرئيس أوباما يقول: “مجبر أخاك لا بطل“، ولكن العبرة بالنتائج في النهاية، وأميركا اليوم، في رأيي غير المتواضع، تعيش بدايات انحدارها كقوة عالمية مهيمنة: فسياسة الغطرسة والقوة المفرطة لدى بوش دقت إسفين هذا الانحدار، وسياسة التردد والعزلة سوف تعمق جراح هذا الإسفين.
خلاصة القول لحديث أرى أنه قد طال، هي إن “الفوضى الخلاقة” التي زرعها بوش في الشرق الأوسط خاصة، أملا في تغيير أميركي مخطط له، قد تحولت إلى مجرد “فوضى”، وعواصف من غبار دقيق، لا أحد يمكن له أن يتكهن بخاتمته أو خاتمة مخاضه، عندما يهدأ هذا الغبار. هل إن التاريخ تسيّره حتمية معينة، وليست قرارات شخصية، وأن قانون ”لكل شيء إذا ما تم نقصان” هو السيد في كل حال، وبالتالي فإنه لا بوش ولا أوباما قادران على إحداث فرق، أم أن الأمر مزيج من هذا وذاك؟.. من يدري.. من يدري..


رد مع اقتباس