اقلام واراء عربي 472
14/8/2013
في هذا الملــــف:
خسارات حماس
بقلم: رشاد أبو شاور عن القدس العربي
لماذا يذهب أبو مازن إلى المفاوضات؟
بقلم: الياس حرفوش عن الحياة اللندنية
السلام في الشرق الأوسط.. المحفز الرئيس
بقلم: جون ويتباك( محام دولي ومستشار لفريق التفاوض الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل) عن الشرق الأوسط
الاستعداد للخسارة يعبِّد طريق السلام؟
بقلم: سركيس نعوم عن النهار البيروتية
9 أشهر غير كافية لولادة السلام !
بقلم: عبد الحميد مسلم المجالي عن الرأي الأردنية
رأي البيان: مفاوضات على وقع الإستيطان
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
فلنعط أمريكا فرصة؟
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
الأفق المسدود للأزمة المصرية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
خسارات حماس
بقلم: رشاد أبو شاور عن القدس العربي
هذا العنوان لا يعبّر عن شماتة البتة، ولكنه يشير إلى خسارات حقيقية لحقت بحركة حماس بيدها قبل أيدي الآخرين، الذين حتما يوجد بينهم من لا يرجو لها الخير، ويضمر لها الشر، ويتمنى لها خسارات كثيرة تؤدي في النهاية إلى اضمحلالها واندثارها.
نحن لم نكن ممن تمنوا لها الخسارات، بل إننا وقفنا معها، ودعمناها ليس انطلاقا من (إسلاميتها)، ولكن لأنها حركة مقاومة، اختارت الكفاح المسلح، ومضت على طريقه، فحققت شعبية فلسطينية، وعربية، وإسلامية.
لم نتوقف عند خطابها الإسلامي، فما يجمعنا بها، هو نفس ما يجمعنا بحركة الجهاد الإسلامي التي حافظت على نهج المقاومة، وهو ما سبق ونالت فتح وغيرها من فصائل الثورة الفلسطينية بفضله تقديرنا واحترامنا: المقاومة المسلحة، ورفض الحلول الاستسلامية، فكل حل ينتقص من عروبة فلسطين هو حل تصفوي، تنازلي، تفريطي، استسلامي.
أول خطأ شكل خسارة إستراتيجية لحركة حماس، كان بسبب مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي، لأنه جاء تحت سقف أوسلو، وحماس التي فازت في تلك الانتخابات وقعت في سوء التقدير عندما ظنت أن من منحوها أصواتهم فعلوا ذلك انحيازا لخياراتها كيفما كانت، وأنهم يوافقونها على تغيير نهجها المقاوم إلى نهج مساوم!.
قدمت حماس نفسها على إنها البديل لحركة فتح، وأنها أكثر شعبية، بدليل نتائج الانتخابات، وكان شيخها أحمد ياسين عرض جاهزية حركته لتوقيع هدنة تمتد لخمسة عشر عاما مع الكيان الصهيوني!
تكرس الخطأ- الخسارة الفادحة، فيما بعد بانقلاب حماس في غزة، وهيمنتها بقوة السلاح والبطش على القطاع، وتصفية حضور السلطة ممثلة بحركة فتح، وحرمان الفصائل من الحضور الفاعل، فهي انفردت بالسلطة المهينة المستبدة على القطاع، ومارست كل ما هو سيىء، بل وأسوأ مما كانت تنتقده من ممارسات أجهزة السلطة!
ثاني خطأ فادح مارسته: أنها صدعت لأوامر القيادة العالمية للإخوان المسلمين، وتساوقت مع مخططاتهم في الهيمنة على ثورات (الربيع العربي)، والقفز عليها بعد تونس ومصر، وتفجّر أعمال العنف في سورية، وتدفق كل أنواع المسلحين، سواء من إخوان، أو القاعدة ممثلة بجبهة النصرة ومشتقاتها، وتوقع سقوط نظام الحكم في سورية سريعا، مما يسهل تواصل المشروع الإخواني مع تركيا، واكتساح الأردن في الطريق بسهولة، وهو ما يعني انبثاق الدولة الإسلامية، دولة الإخوان الممتدة من تونس إلى مصر إلى سورية مرورا بالأردن_ ولا ننسى ليبيا المهيأة_ تواصلا مع تركيا.. وهكذا ستعود دولة ( الخلافة) وعاصمتها ( إستنبول)!
انسحبت حماس من سورية بحجة انحيازها للشعب السوري، وأدارت ظهرها لحزب الله وإيران بادعاء الاختلاف معهما حول سورية، ووضعت كل بيضها في خدمة حكم الإخوان في مصر، ولخدمة مخطط الإخوان!
لم تفتح حكومة الرئيس مرسي الإخوانية معبر رفح بالكامل، ولا سهلت حرية مرور الفلسطينيين ذهابا وإيابا من وإلى مصر، بل أمعنت حكومة الإخوان في تدمير الأنفاق التي كانت تعيش عليها غزة، والتي كانت تؤمن لها كل احتياجاتها من علبة الحليب إلى السيارة، وما حقق انتعاش تجارة أصحاب الأنفاق وأغلبيتهم الساحقة من إخوان غزة ( حماس)، بحيث صار يشار لهم بسخرية: مليونيرات الأنفاق..وهم بلحى يركبون سيارات فاخرة، وعندهم أرصدة بأصفار حصيلتها مليونية!
سقط الإخوان في مصر، ووجهت لحماس اتهامات بأنها تدخلت في الشأن المصري، وإنها تهرب السلاح لسيناء، وإنها أرسلت مقاتلين لحماية مرسي والإخوان…
استدعى هذا حملة على حماس طالت الشعب الفلسطيني، والحق أن من شنها غالبا هم من بقايا نظام مبارك، ومن الساداتيين، ومن الإقليميين المصريين المعادين للعروبة، وفلسطين الشعب والقضية…
للأسف، فإن حماس تورطت في الشأن المصري انطلاقا من إنها التنظيم الإخواني في قطاع غزة، وبهذا فهي تتبع سياسات ونهج ومخططات القيادة العالمية الإخوانية.
لم تنأ حماس بنفسها عما تمارسه قيادة الإخوان العالمية انطلاقا من خصوصيتها الفلسطينية، سواء ما يمارسه الإخوان في مصر، ودورهم في سورية، ولعبت دورا سلبيا في مخيمات سورية، ولا سيما في مخيم اليرموك، ناهيك عن مهاجمة معسكرات تدريب تابعة لبعض الفصائل، ولا سيما للقيادة العامة، وهي معسكرات دربت عناصر حماس من قبل، ورفعت من قدراتهم وخبراتهم.
حاليا تبدو حماس مأزومة، فهي ورطت نفسها بالهيمنة على قطاع غزة، واحتياجات سكان القطاع وهي كبيرة، وها هي تعاني من العزلة، والحملة الاتهامية التي تشنها أوساط الإعلام المصرية، وعلاقاتها فاترة مع إيران التي كانت تدعم موازنة سلطة حماس المهيمنة على القطاع بمئات الملايين من الدولارات سنويا، وبعشرات الملايين لحماس نفسها شهريا، ناهيك عن علاقاتها التي تراجعت كثيرا مع حزب الله، إضافة إلى تحولها إلى احد العوائق التي أضعفت ( الحالة) الفلسطينية لا نبرئ سلطة رام الله !- ووضعتها في موقع العجز في الصراع مع الكيان الصهيوني الذي ينهب الأرض الفلسطينية، ويهود القدس، ويواصل اعتقال ألوف الفلسطينيين، ويدمر الاقتصاد الفلسطيني.
ماذا أمام حماس لتفعله، فيخرجها من مأزقها القاتل؟
انطلاقا من الحرص على كل فصيل وطني فلسطيني، فإنني أرى ما يلي: أن تسعى حماس بجدية لتشكيل قيادة وطنية من كافة الفصائل لقيادة قطاع غزة، مهمة هذه القيادة إدارة أوضاع القطاع، وإنهاء حقبة وزارة حماس وحكومتها، وطرح قضايا القطاع الحياتية، والسعي لحلها، فحماس بهذا ستتخفف من أعباء معيشة مليون ونصف المليون فلسطيني، وستخرج نفسها من المأزق الذي تورطت فيه مع مصر وشعبها بسبب التبعية للقيادة الدولية للإخوان، وستتمكن من العودة لدورها الذي انطلقت وتأسست من اجله كحركة مقاومة، وليس كحركة منافسة على التنازلات للعدو للقبول بها طرفا مفاوضا بديلاً لسلطة أوسلو!
سيكون بمقدور حماس أن تسهم في تقوية الوضع الفلسطيني، وتصليبه، بناء على موقف نقدي للسنوات السالفة من التمزق، والصراع العبثي، والرهان على التسوية والمفاوضات التي ترعاها أمريكا المنحازة صهيونيا، والوقوف في وجه التآمر الرسمي العربي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية، والذي اشتد وتصاعد في زمن ثورات (الربيع العربي) المسروقة!.
هل فات الوقت على حماس للخروج من مأزقها الضار بها، وبالقضية الفلسطينية؟!
إذا ما أخرجت حماس نفسها من التبعية لقيادة الإخوان الدولية، وانطلقت من مصلحة فلسطين القضية والشعب، فإنها ستتمكن من تجاوز مأزقها، بمساعدة أخوة ورفاق السلاح الذين لا مصلحة لهم في إغلاق الأبواب في وجه حماس المقاومة التي تنافس في الميدان، وليس على الوزارة، وطاولة المفاوضات.
لماذا يذهب أبو مازن إلى المفاوضات؟
بقلم: الياس حرفوش عن الحياة اللندنية
من الصعب تصور ظرف تجد فيه القيادة الفلسطينية نفسها مرغمة على الخضوع للابتزاز الأميركي والغطرسة الإسرائيلية مثل الظرف الذي تواجهه اليوم. فهي تعرف ان التجاوب مع طلب وزير الخارجية الأميركية جون كيري العودة الى المفاوضات لن يحقق شيئاً من مطالب الفلسطينيين، لا بالنسبة الى قضايا الوضع النهائي ولا الى سواها. وتعرف أيضاً ان ادارة باراك اوباما لا تنوي ولا تستطيع ممارسة اي ضغط على بنيامين نتانياهو للتجاوب مع الشروط الضرورية لنجاح عملية التفاوض ووصولها الى نتيجة، أي إلزام إسرائيل باحترام القرارات الدولية المتعلقة بمصير الأراضي المحتلة وبقضية اللاجئين وبمستقبل مدينة القدس
مع ذلك وافق ابو مازن مرغماً على الذهاب الى هذه المفاوضات، وفي ذهنه الوضع العربي المتردي الذي باتت «القضية المركزية» آخر همومه، والتمادي الإسرائيلي في زرع الأرض الفلسطينية بالمستوطنات، ما يجعل احتمال قيام اي شكل للدولة القابلة للحياة احتمالاً مستحيلاً، اضافة الى الانشقاق الفلسطيني الداخلي الذي بات يكرّس حقيقة قيام «دويلتين» فلسطينيتين، تتنازعان السلطة والشرعية، وتخضعان لأسلوبين مختلفين من الحياة.
لذلك لا توجد أوهام عند أحد بشأن النتيجة التي ستنتهي اليها المفاوضات التي يفترض ان تبدأ اليوم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وإذا كان هناك أي وهم، فقد عملت الحكومة الإسرائيلية على ازالته من خلال قرارها بناء ما يقرب من 3 آلاف وحدة استيطانية موزعة على الضفة الغربية والقدس الشرقية.
تكفي مراجعة بعض ردود الفعل على هذا القرار:
ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تساءل: اذا كانت بداية التفاوض بتوسيع الاستيطان في الضفة والقدس فكيف ستكون النهاية؟
نائب رئيس بلدية القدس الذي اعلنت بلديته عن خطة بناء 942 وحدة استيطانية في حي جيلو وصف القرار بالرهيب، وقال انه يستفز الفلسطينيين والأميركيين والعالم بأسره. اما احد المسؤولين في منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية فقال ان نتانياهو يفعل كل شيء لتخريب المفاوضات حتى قبل ان تبدأ. فيما علّقت صحيفة هآرتس» في عددها امس على القرار الإسرائيلي بافتتاحية وضعت لها عنوان «الاغتيال المستهدف للمفاوضات».
وحده جون كيري، «راعي» المفاوضات، لم يجد شيئاً غريباً في القرار الإسرائيلي، بل انه دعا الفلسطينيين الى عدم مقاطعة المفاوضات رداً على هذا القرار، مؤكداً في الوقت ذاته موقف حكومته من ان «كل المستوطنات غير شرعية».
هذا بينما كان مارك ريغيف، المتحدث باسم نتانياهو، يؤكد ان عمليات البناء الجديدة ستجري في مناطق تنوي اسرائيل الاحتفاظ بها. اي انه حسم عملياً مصير الأراضي المحتلة قبل بدء المفاوضات، وترك للفلسطينيين التفاوض على ما تبقى من ارضهم بعد استكمال نشر المستوطنات اليهودية عليها.
في الأحوال العادية، كان يمكن مطالبة القيادة الفلسطينية بالامتناع عن المشاركة في هذه المفاوضات، على الأقل من باب تسجيل الاعتراض على هذا الاستخفاف الإسرائيلي بأبسط شروط التفاوض، اي بفرض وقائع على الأرض تقطع الطريق على الهدف من المفاوضات. لكن من اين للقيادة الفلسطينية ان تتخذ موقفاً شجاعاً كهذا، وهي المحاصرة بالحاجة المالية الى المساعدات الأميركية الموعودة وبانشغال العرب بالمسرح الداخلي الذي تغرق دولهم في فصوله اليومية؟
بل انه يمكن القول، أمام هذا التهميش للقضية الفلسطينية، إن أبو مازن إنما وافق على الذهاب الى هذه المفاوضات لمجرد اعادة قضيته الى الخريطة العالمية بعد ان غابت طوال السنوات الثلاث الماضية تحت وطأة احداث الربيع العربي، التي لم تنجب سوى خريف في كل مكان اشتعلت فيه.
السلام في الشرق الأوسط.. المحفز الرئيس
بقلم: جون ويتباك( محام دولي ومستشار لفريق التفاوض الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل) عن الشرق الأوسط
في يوم 30 يوليو (تموز) الماضي، بعد المحادثات التمهيدية عن المباحثات في واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن «المفاوضات المتواصلة الدائمة والمهمة» بين الإسرائيليين والفلسطينيين «من أجل التوصل إلى اتفاق الوضع النهائي» ستبدأ خلال أسبوعين. علاوة على ذلك، فقد حدد مهلة مدتها تسعة أشهر لإتمام هذه المفاوضات بنجاح.
لماذا يجب - وكيف يمكن - أن تكون مهلة التسعة أشهر هذه أهم من كل المهل السابقة في «عملية السلام» التي تبدو مستمرة في الشرق الأوسط؟
على مدار «عملية السلام» هذه، لم يجر الالتزام بكل المهل، بدءا من مهلة الخمس سنوات المحددة للتوصل إلى اتفاق سلام دائم، الذي حدّد في «إعلان مبادئ أوسلو» الذي جرى توقيعه قبل نحو 20 عاما، بشكل دائم ومتوقع. وقد ضمن أوجه الفشل الحقيقية العملية الممثلة في أنه، بالنسبة لإسرائيل، لم يحمل «الفشل» أي تبعات خلاف استمرار الوضع الراهن، الذي لم يكن، بالنسبة لكل الحكومات الإسرائيلية، مقبولا فقط، بل كان مفضلا عن أي بديل قابل للتحقيق بشكل واقعي.
بالنسبة لإسرائيل، فإن «الفشل» دائما ما شكَّل «النجاح»، إذ سمح لها بالاستمرار في مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع نطاق مستعمراتها في الضفة الغربية وجعل احتلالها لفلسطين أكثر ديمومة وثباتا.
لمصلحة الجميع، ينبغي أن يتغير هذا. ولكي تكون هناك أي فرصة لتحقيق نجاح حقيقي في هذه الجولة من المفاوضات أو أي جولة أخرى جديدة، يجب أن تكون للفشل تبعات واضحة ومقنعة، التي قد يجدها الإسرائيليون غير جذابة - في واقع الأمر مروعة كالكابوس.
في لقاء نشر بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007، في صحيفة «هآرتس» اليومية الإسرائيلية، أعلن إيهود أولمرت، الذي سبق بنيامين نتنياهو في تولي منصب رئيس الوزراء قائلا: «إذا أتى اليوم الذي انهار فيه حل الدولتين، وواجهنا صراعا على طراز أميركا الجنوبية على المساواة في حقوق التصويت (أيضا لأجل الفلسطينيين في الأقاليم)، بمجرد حدوث ذلك، تنتهي دولة إسرائيل».
أحالت هذه المقابلة على نحو مفيد إلى مقال سابق نشر في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 13 مارس (آذار) عام 2003، الذي أعرب فيه أولمرت عن القلق نفسه كالتالي: «المزيد والمزيد من الفلسطينيين غير مهتمين بحل دولتين يجري التوصل إليه عن طريق التفاوض، نظرا لأنهم يرغبون في تحويل أصل النزاع من نموذج جزائري إلى نموذج خاص بجنوب أفريقيا. من صراع ضد (احتلال)، في أسلوب حديثهم، إلى صراع على مبدأ (الرجل الواحد له صوت واحد). وهذا بالطبع صراع أكثر عدلا وشعبية - وفي النهاية أكثر قوة. بالنسبة لنا، سوف يعني نهاية الدولة اليهودية».
إذا أمكن توحيد الرأي العام الإسرائيلي على مشاركة مفهوم موقف إسرائيل والخيارات التي تجلت في التصريحات العامة المدركة لأولمرت، فسوف يدخل الفلسطينيون هذه الجولة الجديدة من المفاوضات المباشرة في موقف قوة، من الناحية الثقافية والنفسية، على الرغم من صعوبة تخيل الفلسطينيين عملية قلب الأدوار هذه.
إن كل ما قد تحتاجه القيادة الفلسطينية هو الإشارة في الوقت الذي تبدأ فيه هذه الجولة الجديدة من المفاوضات إلى أنه، في حالة عدم التوصل إلى اتفاق سلام حاسم يقوم على أساس حل الدولتين وتوقيعه خلال مهلة التسعة أشهر التي حددها وزير الخارجية كيري، لن يكون أمام الشعب الفلسطيني أي خيار خلاف البحث عن العدالة والحرية عبر الديمقراطية - من خلال حقوق المواطنة الكاملة في دولة واحدة في إسرائيل/فلسطين بأكملها، والتحرر من أي تمييز على أساس العرق أو الدين، مع تمتع جميع من يعيشون هناك بحقوق متكافئة على قدم المساواة.
ينبغي على الجامعة العربية أن تعلن على الملأ أن مبادرة السلام العربية السخية التي منحت إسرائيل، منذ مارس 2002، سلاما دائما وعلاقات دبلوماسية واقتصادية طبيعية بالعالم العربي كله مقابل امتثال إسرائيل للقانون الدولي، ما زالت مطروحة، ولكن ستنتهي مدة سريانها وترفع «من على الطاولة»، في حالة عدم التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتوقيع عليها خلال مهلة التسعة أشهر.
إن طرح الخيار على الإسرائيليين بدرجة كبيرة من الوضوح سوف يضمن أن تكون القيادة الإسرائيلية ملهمة - في واقع الأمر ملزمة - بتقديم أكثر عروض حل الدولتين جاذبية للفلسطينيين، الأمر الذي قد يجده الرأي العام الإسرائيلي مقبولا ويصدق عليه في الاستفتاء الموعود على أي اتفاقية سلام.
في هذه المرحلة - ولكن ليس قبلها - يمكن أن تبدأ مفاوضات جادة وهادفة.
ربما يكون برنامج الاحتلال الإسرائيلي الواسع قد زاد من صعوبة تطبيق حل دولتين مُرضٍ، لكن في ظل اختيار تمت صياغته على هذا النحو، لن يحظى حل دولتين لائق بفرصة أفضل لتحقيقه. ولو كان الوقت متأخرا جدا، فعلا، حينئذ سيعلم الإسرائيليون والفلسطينيون والعالم، ومن ثم يمكنهم بعدها تركيز أفكارهم وجهودهم بشكل بناء على الخيار الوحيد اللائق.
ربما يكون من الممكن أيضا أنهم إذا ما اضطروا إلى التركيز على احتمالات العيش في دولة ديمقراطية كليا بحقوق متساوية لكل مواطنيها - التي تطمح إليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فيها كشكل مثالي للحياة السياسية - قد يعتبر الكثير من الإسرائيليين هذا تهديدا أقل خطرا من التهديد التقليدي الذي يعانونه.
في هذا السياق، قد يرغب الإسرائيليون في الحديث مع البيض في جنوب أفريقيا. فقد أسهم التحول من الفكر العنصري والنظام السياسي في جنوب أفريقيا إلى دولة ديمقراطية بالكامل في تغيرهم من منبوذين إلى أشخاص موضع ترحيب في جميع أنحاء منطقتهم والعالم. كما أكد أن ديمومة وجود أبيض قوي وحيوي في جنوب أفريقيا بصورة تزيد من أمد الظلم الصارخ للآيديولوجية والنظام السياسي العنصري وتهدد بقيام «دول مستقلة» مجزأة تعتمد على مواطنيها لا يمكن أبدا أن يتحقق. ومن ثم فهذه سابقة لا يمكن تجاهلها. بل وتمثل إلهاما أيضا.
يجب أن تكون أي مفاوضات جديدة تهدف إلى إنهاء احتلال فلسطين على أساس الدولتين وتحقيق السلام مع قدر من العدالة مشروطة بموعد نهائي حقيقي وذي مصداقية لتحقيق النجاح ويجب أن يكون له عواقب واضحة لا لبس فيها للفشل. وإذا كان مستقبل الأرض المقدسة سيكون على أساس التقسيم إلى دولتين أو على ديمقراطية كاملة في دولة واحدة، يجب أن يجرى الاختيار النهائي الآن. فلم يعد من الممكن السكوت على «عملية سلام» احتيالية تهدف فقط إلى إضاعة المزيد من الوقت.
الاستعداد للخسارة يعبِّد طريق السلام؟
بقلم: سركيس نعوم عن النهار البيروتية
يعتقد عدد من الباحثين الأميركيين الذين عمل بعضهم في وزارة الخارجية سابقاً أن الولايات المتحدة تعامل قطاع غزة كأنه منبوذ، وتدعم عزله لتقويض "حركة حماس" المسيطرة عليه. ويعتقدون أيضاً أن هذه المقاربة تعطي عكس النتائج المرغوب فيها. ذلك انها تساعد "حماس" في تعزيز قبضتها على القطاع وفي إدامة ركوده، وتحول دون قيام دولة فلسطينية منطلقة من سلام دائم مع إسرائيل. في حين أن إعادة وصله سياسياً واقتصادياً بالضفة الغربية، وإعادة تأسيس مؤسسات وطنية شرعية تشكلان خطوتين ضروريتين لتوصّل الفلسطينيين واسرائيل الى اتفاق ديبلوماسي. ويعتقدون أخيراً أن على إدارة أوباما أن تشجع على إجراء انتخابات عامة وطنية، وعلى تشكيل مجموعة إتصال إقليمية هدفها التأسيس لمصالحة فلسطينية – فلسطينية.
ما هي الخطوات العملية لإنهاء عزل قطاع غزة؟
أنها أربع في رأي الباحثين أنفسهم. أولاها قيام وزير الخارجية الأميركية جون كيري المهتم بإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المزمن ومع شركاء إقليميين بتشجيع إسرائيل على إعادة العلاقات التجارية مع غزة أو على إعادة تأسيسها. ومن شأن تدفّق البضائع بين "القطاع" و"الضفة" إعادة توجيه الاقتصاد الغزاوي بحيث يبتعد عن التجارة غير المشروعة مع مصر ويقوّي الطبقة الوسطى. وثانيها هي تشجيع كيري إسرائيل للعمل مع السلطة الوطنية الفلسطينية لإعادة تأسيس "كوريدور" الترانزيت الذي يسمح بتنقُّل الفلسطينيين بين غزة والضفة. وثالثها مبادرة كيري إلى العمل لتأسيس مجموعة إتصال إقليمية تقود الفلسطينيين الى انتخابات عامة. ويتطلّب ذلك مصالحة بين الفلسطينيين ويساعدهم في إعداد أنفسهم للمفاوضات مع الإسرائيليين. أما أعضاء المجموعة فيفترض أن يكونوا من الدول الصديقة لـ"حماس" مثل تركيا وقطر، ومن دول أخرى تقيم وزناً لآراء السلطة الوطنية الفلسطينية. ويسمح ذلك لـ"حماس" مستقبلاً بالإشتراك في العمل السياسي الفلسطيني. أما رابعة الخطوات فهي قيادة وزارة الخارجية الأميركية جهداً منسّقاً مع الشركاء الأوروبيين والمنظمات غير الحكومية الملائمة لمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية للتحضير للانتخابات العامة.
كيف ستنظر إسرائيل إلى الخطوات الأربع المذكورة أعلاه وإلى الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه؟
الحكومة الاسرائيلية والبعض في الولايات المتحدة، يجيب الباحثون الأميركيون أنفسهم، سيعترضان عليها لاقتناعهما بأنها ستكون مكافأة غير مستحقة لـ"حماس". كما أنها ستفتح الباب واسعاً للتفاعل بينها وبين المجتمع الدولي. لكنهم يعتقدون أن الاعتراض في غير محله لأن "حماس" تستفيد من المأزق الذي يلف قطاع غزة لا العكس. علماً ان الخطوات ليست ولن تكون وسيلة لـ"شرعنة" هذه الحركة الإرهابية. طبعاً، يستدرك هؤلاء، يمكن ان تسعى "حماس" إلى استغلال التغييرات السياسية التي تحققها الخطوات المقترحة بغية السيطرة على الضفة الغربية. علماً أن العكس أي سيطرة السلطة على القطاع، هي الأكثر احتمالاً. ذلك ان المواجهة مع "حماس"، السياسية طبعاً، هي الدواء المضاد لشعبيتها وليس الانكفاء أمامها، وخصوصاً بعدما أظهرت قدرة محدودة على ممارسة الحكم في القطاع الأمر الذي أثار نقمة عليها وإن متدرجة صعوداً. أما في الضفة فمن غير المحتمل ان تصبح "حماس" شعبية.
ما هو المطلوب للنجاح في تطبيق الخطوات المفصّلة أعلاه؟
هو تفاهم الولايات المتحدة مع إسرائيل ومع الكونغرس الأميركي عليها باعتبار أن نتيجتها ستكون تقوية الاعتدال الفلسطيني القادر وحده على قيادة شعب فلسطين إلى السلام. علماً ان ذلك لا يعني تغيير أميركا علاقاتها مع "حماس". لكن المطلوب أكثر في رأي باحث وناشط يهودي أميركي مؤيد بقوة لحل الدولتين، وناقد بشدّة لنتنياهو وحكومته، ويائس تقريباً من الوصول إلى الحل المشار إليه، وهو الدكتور هنري سيغمان، المطلوب هو أن يكون أوباما رأس الإدارة الأميركية مستعد لتحمّل خسارة داخلية قد يتسبب بها له موقف أميركي رسمي ضاغط على إسرائيل مثل مطالبتها باحترام حدود الـ1967 إقتناعاً منه بأن ذلك يساعد في تحقيق السلام. ولم يجرؤ رئيس أميركي حتى الآن على تحمّل خسارة كهذه ستأتيه حتماً من الكونغرس حيث إن لإسرائيل نفوذاً مهمّاً باعتراف مؤيديها في أميركا.
9 أشهر غير كافية لولادة السلام !
بقلم: عبد الحميد مسلم المجالي عن الرأي الأردنية
حددت ادارة الرئيس باراك اوباما، للمفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين تسعة اشهر للتوصل الى اتفاق بشأن قضايا الوضع النهائي المؤجلة منذ بدء التفاوض بين الجانبين لصعوبتها وحساسيتها في تحديد مستقبل النزاع، الذي استعصى على الحل رغم عقود من المبادرات والمفاوضات والمناورات، والتي انفردت بها الولايات المتحدة دون غيرها من دول العالم.
ولم تشرح الادارة الامريكية، لماذا اختارت مدة الاشهر التسعة لتحديد النهاية الزمنية للتفاوض، رغم انها جربت حظها في التوسط بين الجانبين خلال الفترة الرئاسية الاولى للرئيس اوباما، وفشلت في التوصل الى حلول، نظرا لتباعد مواقف الجانبين، واصرار الحكومة الاسرائيلية على مواقفها القائمة على الاساطير التوراتية والتاريخية.
لن تكون الادارة الامريكية مصيبة في تقديرها للمدة الزمنية، او لمواقف الجانبين، اذا تصورت ان المفاوضات بين الجانبين ستبدأ من حيث انتهت جولات المفاوضات السابقة. فالظروف تغيرت ومعها المواقف والتقديرات سواء لافاق الحلول او مستقبل المنطقة كلها، بعد ان شهد الشرق الاوسط تحولات وانقلابات غير متوقعة، ادت الى إحداث تغييرات رئيسية في معادلات المنطقة التي كانت قائمة على اساس ثبات واستقرار الانظمة وتصوراتها للنزاع والحلول. فقضايا المنطقة تربطها خيوط فولاذية لايمكن فصلها او تجاهل تشابكها، نظرا لتشابك الجغرافيا والثقافة والطموحات، وثبات القناعة التاريخية بأن قضية فلسطين قضية لاتخص شعب فلسطين وحده، بل تشكل طيفا رئيسيا من اطياف الوجدان العربي، على امتداد الوطن العربي كله، وخاصة المشارقي منه.
واضح ان الادارة الامريكية، افترضت ان هناك حملا في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية يجب ان يولد بعد تسعة اشهر. غير انها ستحتاج الى بعض الوقت لاكتشاف ان هذا الحمل كان كاذبا، وان الافتراضات في معظمها لم تكن صائبة كما في جولات التفاوض السابقة، رغم جدية وعملية بعضها، ومنها عندما تدخل الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون شخصيا في تلك المفاوضات وتوصل الى مقاربات قد تكون هي الاقرب الى تسوية النزاع، وربما تشكل قاعدة صلبة يمكن الانطلاق منها نحو التسوية.
لقد تجاهلت الادارة الامريكية في افتراضاتها، زائرا جديدا له مقعده على طاولة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. والزائر الجديد هو الرأي العام العربي الذي فرض نفسه بعد ماجرى ويجري في المنطقة العربية من تطورات. واذا اضيف هذا الزائر الى الرأي العام الاسرائيلي الذي قال نتياهو انه سيعرض عليه اي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين، فان اي تسوية بين الرسميين لايمكن الركون اليها، مع هذا الحضور الطاغي للراي العام، الذي تمت تعبئته عبر عقود من النزاع بآراء قاطعة لاتقبل بالحلول الوسط. فمثل هذه الحلول ان تم التوصل اليها، ستتناقض مع قيم دينية وتاريخية شكلت الرؤية الشعبية للنزاع لدى كلا الطرفين.
ليس هذا فقط ما يدعو الى التشاؤم حول مولود السلام في المدة المقررة، بل ان جدية ادارة اوباما في محاولتها مرة اخرى لايجاد تسوية لهذا النزاع المعقد، تعتريها الكثير من الشكوك، وهي التي تعلم مسبقا انها غير قادرة على احداث تغيير في مواقف اليمين الاسرائيلي، التي كانت ولاتزال السبب في عسر ولادات سابقة للسلام، استغرق العمل من اجلها اكثر من تسعة اشهر وفقا للتقويم الامريكي.
رأي البيان: مفاوضات على وقع الإستيطان
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
ليس جولة المفاوضات المتوقع عقدها اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى واحدة من إحدى المسرحيات التي تريد تل أبيب وواشنطن أن تكونا أبطالها في إظهار أن المفاوضات لا تزال قائمة وممكنة في محاولة لإقناع المجتمع الدولي بأن الولايات المتحدة من الدول التي تسعى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، غير أن تصريحات واشنطن الأخيرة التي اعتبرت فيها أن موافقة إسرائيل على بناء مستوطنات جديدة قبل أيام من استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين لا تمثل حجر عثرة وإنه على الفلسطينيين «ألا يتفاعلوا مع ذلك بشكل سلبي» لدليل جديد أو تأكيد على أن انحياز الإدارة الأميركية للموقف الإسرائيلي القائم على سياسة التهويد وطرد الفلسطينيين، وهي الشروط التي تضعها تل أبيب في الخفاء للجلوس على طاولة المفاوضات.
إن المفاوضات التي تتحدث عنها إسرائيل والولايات المتحدة هي تلك المفاوضات التي يجب أن ترتكز على فكرة قبول الفلسطينيين التنازل التام عن أراضيهم ونسيان فكرة إقامة الدولة الفلسطينية والتبعية لإسرائيل بالإضافة إلى قبول فكرة تهجير الفلسطينيين ونفيهم وتوسيع سياسة الاستيطان هذه هي المفاوضات التي يريدونها وليس المفاوضات القائمة على فكرة حل الدولتين والاعتراف بأحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته أو استنكار الاستيطان والتهويد.
اعتبرت واشنطن قبل يومين أن الضوء الأخضر الذي أعطته إسرائيل لبناء أكثر من 1000 منزل في المستوطنات، كان متوقعا وهي إشارة أرادت واشنطن أن تقنع بها العالم أن إعلان إسرائيل المسبق لمثل هذه المشاريع يؤكد على مصداقيتها وعدم إخفائها لأهدافها، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية بدل إدانة مثل هذا التصرف راحت تقدم التصرف الإسرائيلي كحجة لضرورة جلوس الطرف الفلسطيني على طاولة المفاوضات.
لقد بات واضحا أن إسرائيل معنية فقط بالاستيطان ضاربة بذلك عرض الحائط بالجهود الدولية، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على عدم جدية إسرائيل في المفاوضات وما ترمي إليه هو تدمير أسس الحل الذي ينادي به المجتمع الدولي والرامي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود.
فلنعط أمريكا فرصة؟
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
يسأل سائل وقد تجللت وجنتاه بشيء من الموضوعية والوقار المصنع، بل ومظاهر الحكمة واندلقت كلماته بتحذير وتعال: لماذا اساءة الظن بالأمريكان؟ لماذا لا تعطوهم فرصة لايجاد حل للقضية الفلسطينية؟ ثم هل يمكنكم ايجاد أي خطوة نحو تحقيق أي من أهدافكم بدون تدخلهم؟ ألم تعد أوراق اللعبة كلها بيد الأمريكان؟ فلنعط أمريكا الفرصة..
ولكي نكون شفافين تماما ينبغي المبادرة بالاجابة: ألم نجربهم خلال ستين سنة؟ ألم يعطوا الفرصة ولا يزالوا؟ ألم يتوصلوا إلى ما يريدونه من الفلسطينيين في جولات مكوكية من المفاوضات؟ هل حاول الفلسطينيون الوقوف في طريق تمددها الأمني والثقافي في المنطقة؟ ألم يسلّم الرسميون الفلسطينيون أوراقهم جميعا للإدارة الأمريكية؟ وانتهى الأمر بالقنصل الأمريكي لدى السلطة للتدخل في أمور فلسطينية تفصيلية..
قبل أكثر من عشرين سنة، أعلن جورج بوش الأب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أنه لابد من ايجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية يحقق السلام في المنطقة، وجاء موقفه هذا في الحين الذي أعلن فيه حربه على العراق.. وبالفعل تمت الدعوة إلى مؤتمر مدريد للسلام.. ولكن بعد أن كسر العراق في حرب الـ1991 أدارت الولايات المتحدة ظهرها للعرب، وتجددت التصريحات الأمريكية مع نهاية القرن الثاني في محاولة لانتزاع الإقرار بشرعية وجود الدولة الصهيونية بعد أن أصبح من الضروري التفرغ لملفات أخرى.. جاءت فترة بوش الابن وأعلن عن محادثة بينه والرب.. قال بوش الابن أن الرب أمره بالحرب على أفغانستان واسقاط الحكم فيها وفعل، وأمره الرب باحتلال العراق ففعل، وأمره الرب بإقامة دولة فلسطينية وأنه سيفعل كما طلب الرب.. كان الرئيس الأمريكي محرم الحرب يعد لعدوان واسع على العراق، فهلل حكام العرب وطبّلوا وقدمت الرسمية العربية أكبر تنازل تاريخي، ألا وهو مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله، والتي قدمها له الصحفي طوماس فريدمان، وفيها اعتراف بشرعية وجود الجولة الصهيونية.. ولم يكن ذلك إلا غطاءا لتدمير العراق واحتلاله.
الآن وبعد الحراك العربي الذي اختلط ربيعه بدخان فتن أمريكا وسموم خططها أصبح من الضرورة أن تخوض القوة النائمة التي سهرت الإدارة الأمريكية على انشائها معارك متعددة الأشكال قصد توجيه بوصلة المجتمعات العربية نحو اهتمامات تزيد تعقيد الأوضاع الداخلية.. ولا تضمن الإدارة الأمريكية استمرار الأوضاع كما هي في فوضى "خلاّقة" إلا إذا اطفأت جذوة القضية الفلسطينية وذلك من خلال تمرير اتفاق تسوية يقضي من السنوات، ما يكفي لتجذير حالات الانقسام في بلداننا العربية وتوسيع رقعة الصراعات الداخلية.
كلامنا هذا يعني أننا في حاجة ماسة لإدراك المنطق الأمريكي في التعامل مع ملفاتنا.. الأمريكان ليس فقط عديمي الاحساس بالقيمة الأخلاقية للتحالف والصداقة والإنسانية.. إنهم في سلوكهم المنحرف يتساوقون مع الغربيين عموما، ولكنهم يزيدوا عليهم أنهم كالذئب الذي يصاحب الغنم.. هم لا يكتفوا بالتنّكر للتحالفات والمباديء والصداقات ولكنهم ينقضوا على صديقهم وحليفهم فيمزقون لحمه ويهشمون عظمه، ويدوسون على البقية منه ويسيرون لالتقاط صديق جديد يقضي لهم مهمة جديدة، قبل أن يناله ما نال سابقه من الافتراس.. هذا عنصر أساس في منطق تعامل أمريكا معنا، وهناك عنصر آخر يكمله ألا وهو أن الأمريكان يجيدون صنع المشاكل لكنهم لا يحاولون إغلاقها أبدا، فهم يستثمرون في استمرار المشاكل كما هو واضح في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وسوريا الخ.. بعد هذا أيّة فرصة يحتاجها الأمريكان كي يصادقونا؟
الأفق المسدود للأزمة المصرية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
إذا استمرت مواقف أطراف الأزمة فى مصر كما هى عليه الآن، فسوف نحتاج إلى معجزة لكى نجتازها بسلام.
(1)
التطور «الإيجابى» الذى حدث خلال العشرة أيام الأخيرة مضت اننا انتقلنا من مرحلة انكار الأزمة إلى الاعتراف بوجودها. لكن التباين بدا واضحا فى أداء مختلف الأطراف إزاء كيفية الخروج منها. ففى حين دعى بعض الشخصيات الأجنبية للتدخل فى الأمر ومحاولة البحث عن مخرج، فإن بعض أصوات الداخل اختلفت فى تكييف الأزمة والمخرج. فمن قائل إن البحث يدور حول صفقة، وآخر يتحدث عن وساطة، وثالث يلوح بفكرة المصالحة، ورابع يستبعد كل ما سبق ويحاول اقناعنا بأن الجهد المبذول له هدف واحد هو تبصير الإخوان وحلفائهم بأن ثمة وضعا مستجدا لا رجعة فيه، وعليهم أن ينطلقوا من التسليم بذلك، بما يعنى أن مهمة الوسطاء أو المبعوثين استهدفت مخاطبة طرف دون آخر، وهو ما دعا بعض المحللين الغربيين إلى وصف المشهد الراهن فى مصر بأنه «مرتبك» (روبرت فيسك فى الإندبندنت البريطانية ــ 8/8).
أجواء الارتباك استصحبت حالة من البلبلة والحيرة روج لها الفلتان الإعلامى المشكوك فى براءته. الأمر الذى فتح الباب لهجوم شرس على فكرة الديمقراطية والتعددية والوفاق الوطنى، وهو ما اقترن بدعوات مبطنة وصريحة إلى الفاشية والاقصاء وفرض حالة الطوارئ وإعادة إنتاج حملة الحرب على الإرهاب. وهو ما دعانى فى وقت سابق إلى طرح السؤال التالى: هل نقتل المعارضين فى مصر أم لا؟ ــ (الشروق 4/8) ــ وهو سؤال من وحى المشهد العبثى الذى صرنا إليه، والذى استدعى إلى الواجهة مناقشة بعض البديهيات التى تبدو وكأنها محاولة لاختراع العجلة من جديد. ذلك اننا ما عدنا متفقين حول حق المختلف ليس فى التعبير عن نفسه بل حقه فى الوجود من الأساس. وما عدنا متفقين على مبدأ المصالحة الوطنية التى تتم على قاعدة التوافق وليس القهر والإملاء، بل ان بعضنا ــ بمن فيهم عدد غير قليل من المثقفين ــ أصبح يعتبر ان الشعب يضم فقط الذين عارضوا الدكتور محمد مرسى، وان الذين أيدوه ليسوا من الشعب، الأمر الذى دعانى إلى التساؤل فى أكثر من مقام ومناسبة إلى التساؤل عما إذا كنا راغبين حقا فى العيش المشترك تحت سقف الوطن الواحد، أم أن هذه أصبحت مسألة تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف وجهات النظر.
(2)
إذا جاز لنا أن نصف الوضع الراهن فى مصر فسوف نرصد فيه الملامح التالية:
● بعد الاعتراف بوجود أزمة، فإن طرفيها ــ قيادة القوات المسلحة والإخوان ــ لا يزالان يتحركان بطلبات الحد الأقصى للخروج منها، القيادة العسكرية تتحدث عن ضرورة التسليم بما جرى والبناء عليه، مستندة لذلك إلى شرعية الحشود الرافضة للدكتور مرسى وإلى قوتها الميدانية على الأرض. والإخوان ينطلقون من التأكيد على شرعية الدكتور محمد مرسى استنادا إلى نتائج الانتخابات الحرة التى أتت به، كما يتكئون على حشودهم الموجودة فى الشارع منذ شهر ونصف الشهر. والحاصل ان القيادة العسكرية ما برحت تتحدث عن انه لا تراجع «ولو إلى ملليمتر واحد» ــ عن خارطة الطريق التى تحدث عنها الفريق السيسى فى بيان 3 يوليو الذى عزل فيه الرئيس مرسى. ومن ثم صارت تتمسك بأن المرونة والتراجع مطلوبان من الإخوان وحدهم.
● فى الوقت ذاته فمظاهر الارتباك واضحة فى الجانب المتعلق بالسلطة. ففى حين يتحدث الدكتور محمد البرادعى ــ نائب الرئيس ــ بلغة تصالحية تحاول احتواء الإخوان، ويتعرض جراء ذلك إلى هجوم شديد وصل إلى حد اتهامه بأنه أصبح يشكل خطرا على الأمن القومى، فإن جريدة «الشروق» خرجت علينا فى 10/8 بتقرير ذكرت فيه ان التنسيق يتم على أعلى مستوى بينه وبين الفريق السيسى لتجنيب البلاد الانزلاق إلى الفوضى. وفى حين أعلنت رئاسة الجمهورية فى 7/8 ان الجهود الدبلوماسية التى استهدفت التوسط بين الطرفين تمت بموافقة وتنسيق كامل مع الحكومة، فإن الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء قال فى تصريح منشور ان الحكومة لا علم لها بالموضوع. وفى حين قال بيان الرئاسة سابق الذكر ان مرحلة الجهود الدبلوماسية انتهت وحمَّل الإخوان مسئولية فشل تلك الجهود فإن المتحدث باسم البيت الأبيض أعلن فى 9/8 عن ان واشنطن ستواصل جهودها من أجل المصالحة والتسوية فى مصر.
● نلاحظ ذلك الارتباك أيضا فى الجانب المتعلق بالإخوان والتحالف الذى تشكل للدفاع عن الشرعية. فالمؤيدون المعتصمون فى محيط رابعة وميدان النهضة يطالبون تارة بعودة الدكتور مرسى إلى منصبه، ويتحدثون تارة أخرى عن الدفاع عن الإسلام ويعربون عن الاستعداد لتقديم مليون شهيد لأجل ذلك. وفى حين ثالثة يعلنون انهم يدافعون عن الديمقراطية. وفى هذا وذاك فإنهم يرفضون الاعتراف بالأمر الواقع ولا يقدمون بديلا، رافضين الاعتراف بأمرين هما: تراجع شعبية الإخوان وخسارة جولة المواجهة مع قيادة القوات المسلحة التى قامت بالانقلاب مؤيدة فى ذلك من جانب نسبة عالية من التأييد الشعبى.
● حضور قيادة القوات المسلحة فى قلب المشهد السياسى ووراء أهم قراراته، الأمر الذى يمثل طورا جديدا وخطيرا فى مجمل أدائه. وليست هذه هى النقلة الوحيدة، لأن الجيش حين تدخل فى ظل الانقسام الوطنى فإنه صار منحازا لأول مرة إلى جانب طرف دون طرف آخر. وهو ما أفقده حياده التقليدى والتاريخى.
● بوسع المراقب أيضا ان يلاحظ بروز تيار إقصائى واستئصالى فى هيكل السلطة الجديدة ــ وتشير مختلف القرائن إلى أن ذلك التيار له وجوده المؤثر فى ثلاث دوائر على الأقل هى: فى محيط قيادة القوات المسلحة ذاتها ــ عناصر جهاز أمن الدولة القديم الذى أعلن وزير الداخلية عن إعادة عناصره إلى مواقعهم التى كانوا قد استبعدوا منها ــ أوساط فلول النظام القديم المنتشرون فى مفاصل الدولة ووسائل الإعلام إضافة إلى حضورهم المؤثر فى المجال الاقتصادى.
● استند النظام الجديد إلى تأييد شعبى واسع لا ريب، لكنه من الناحية المؤسسية أصبح يتكئ على تحالف معلن بحكم الأمر الواقع بين العسكر وبين قطاع عريض من القوى المدنية والليبرالية، التى أدركت أنه ما كان لها ان تستعيد نفوذها فى إدارة البلاد بدون مساندة وتدخل القوات المسلحة، خصوصا انها أصبحت مقتنعة بأنها ليست مؤهلة بعد للفوز فى الانتخابات البرلمانية، ولم يعد سرا ان الطرفين يحظيان بتأييد غير معلن ــ بل معلن أحيانا ــ من جانب أركان وأعوان نظام مبارك.
(3)
هذه الخلفية تسوغ لنا ان نقول إننا إزاء طريق مسدود ومشكلة لا حل لها. ذلك ان دعوات الحوار أو المصالحة تفترض استعداد الأطراف المختلفة لتبنى قدر من المرونة فى مواقفها وذلك مستبعد تماما من جانب قيادة القوات المسلحة، كما سبقت الإشارة، فضلا عن انه مشكوك فيه فيما خص الإخوان. وحين يطالب طرف بالمرونة فى حين يبارك تصلب وتشدد طرف آخر، فإننا نكون بصدد دعوة للاخضاع والإذعان. ويزداد الأمر صعوبة إذا ما تمسك كل طرف بورقة الشرعية التى يستند إليها معتبرا أنها الأصل والأساس، وأن شرعية الآخر إما منسوخة أو غير معترف بها.
إن المسئولين فى الوضع المستجد يتحدثون عن حوار لا يقصى أحدا، لكننا نلاحظ أن ممارسات الواقع تمضى باتجاه معاكس تماما فلا شروط نجاح الحوار متوفرة ولا أجواؤه مواتية. ذلك انه إذا كان مطلوبا من الطرف الآخر الانصياع والتسليم بكل ما تم، فإن «الحوار» يصبح محسوما قبل أن يبدأ ومن ثم لا تكون هناك حاجة إليه. ثم ان الحوار لا يمكن ان يكتب له النجاح أو يكون له أى مردود ايجابى فى حين تتم شيطنة الطرف الآخر ليل نهار فى وسائل الإعلام، كما أن رموزه موزعون على مختلف السجون وجميعهم نسبت إليهم تهم ملفقة من ذلك القبيل الذى خبرناه فى زمن دولة مبارك البوليسية. بكلام آخر فإن الحوار يفقد معناه إذا كان أحد طرفيه فاقدا لحريته ويتعرض للقمع والاغتيال السياسى والمعنوى من جانب أجهزة الأمن وميليشيات الإعلام. وذلك ما اعنيه بالنسبة للأجواء المواتية. إذ غنى عن البيان ان الحوار ينبغى أن تسبقه إجراءات لتبادل الثقة ومبادرات لحسن النية، تتكئ على وقف الإجراءات البوليسية والقمعية، ووقف حملات التحريض والتشويه الإعلامية.
(4)
لا نبالغ إذا قلنا إننا فى ظل الظروف الراهنة، فإن أى حوار بين الإخوان والعسكر محكوم عليه بالفشل. لأن نقطة الانطلاق التى يبنى عليها كل طرف موقفه من الشرعية مرفوضة بالكامل من الطرف الآخر. فالإخوان يرفضون فكرة الإقرار بخروج الرئيس مرسى من المشهد، والعسكر يرفضون أى حضور رمزى ومؤقت له، حتى إذا كان الهدف منه تفويض رئيس الحكومة فى سلطاته، كما اقترحت بعض المبادرات. وهو ما يضعنا بإزاء معادلة صفرية، ينفى بمقتضاها كل طرف الآخر، ولا يجد نفسه مضطرا لأن يقدم أى تنازل له.
يزداد الموقف تعقيدا وصعوبة إذا أدركنا ان عمق الاستقطاب فى مصر كاد يلغى وجود أى مؤسسة مستقلة تقف خارج الاستقطاب يمكن ان نقوم بالوساطة بين الطرفين. صحيح أننا لا نعدم أناسا مستقلين ومحترمين، ولكن هؤلاء ليس لهم وضع مؤسسى يؤهلهم للقيام بهذا الدور. وأغلب الظن ان هذا الاعتبار يكمن وراء حرص بعض أركان السلطة فى مصر على دعوة شخصيات من خارج مصر لمحاولة مد الجسور وتيسير الحوار بين الطرفين، بما يكفل التوصل إلى هامش المرونة المقبول والمحتمل من جانب كل طرف.
على صعيد آخر فإننا يجب ان نعترف بصعوبة الموقف فى ظل خصوصية الحالة المصرية، لأن الحوار المفترض لا يجرى بين سياسيين، حيث الطرف الآخر فيه هو قيادة القوات المسلحة التى تمثل مركز القوة فى السلطة. وهو ما يقربنا من الحالة الجزائرية التى أغلق فى ظلها باب الحوار وأصر الجيش على اخضاع جبهة الإنقاذ الفائزة فى الانتخابات، الأمر الذى أدى إلى انفلات الموقف. وأسفر عن سقوط أكثر من ربع مليون قتيل فى نهاية المطاف. وهو ما أرجو أن تكون جماعتنا على وعى به.


رد مع اقتباس